الأمة الوسط هي الأمة الأشرف والأكثر كمالاً
( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) البقرة الآية-143
كثيراً ما يساء فهم هذه الآية الشريفة , ويفسرها البعض على أنها تعني ان أمة الإسلام هي الأمة في المقام الوسط بين الأمم , وهذا التفسير غير صحيح مطلقاً لكونه يفترض وجود رسالة أعلى مقاماً وأكثر كمالاً من رسالة الإسلام, وبالمقارنة بين الأعلى والأدنى تكون أمة الإسلام في مقام الوسط ,والبعض الآخر يقول إنها الوسطية في التوجهات و يرى أن كل دعوة صادقة تنادي للالتزام بالدين الحنيف وتطبيق أحكامه كما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تطرّفاً وتجاوزاً عن حدود الوسطية المزعومة 0
نقول :الوسط المشار إليه في الآية المباركة معناه غير ذلك الذي سبق ذكره ولا الذي ينعق به المغرضون المنكرون لرسالة الإسلام, بل هو الشرافة و المقام الأعلى ¸ فالوسطة أو الوساطة تعني الحسب والشرافة العالية, يقال فلان واسطة مرموقة أي ذو شرافة وحسب مرموق .ويقال فلان وسطه قومه أي عميدهم, و معنى الآية الكريمة واضح جداً وهو جعلناكم أيها المسلمون في المقام الشريف الأعلى لتكونوا قادة وشهداء على الناس ويكون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القائد والشاهد عليكم, فاللام في قوله( لتكونوا شهداء) لام الغاية أي جعلناكم في مقام أعلى واشرف-بما أنزلنا إليكم من قرآن يتضمن تبياناً لكل شيء- لغرض ممارسة القيادة والشهادة على الناس وتكونوا أنتم المعيار الذي تعّير به القيم والمراتب ويؤيد هذا قوله تعالى : 0
( وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول عليكم شهيداً وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بحبل الله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير) الحج 78
الاجتباء هو الجمع عن اصطفاء واختيار عن عناية , وهو من الجباية ويؤيده قوله تعالى( يجبى إليه ثمرات كل شي) القصص 57 جبي الماء في الحوض إذا جمع فيه, واجتباء الله للعباد اختصاصهم بالكرامة والتفضل , فالإسلام هو الرسالة الكاملة التي جمعت تكامل كل الرسالات السماوية السابقة, والقرآن هو الوثيقة الإلهية الناطقة بالحقيقة المطلقة التي تتضمن تبياناً لجميع الحقائق الثابتة ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أبداً ( ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكي شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) النحل 89, و المسلمين الذين اجتباهم الله بهذا الفضل الإلهي ويحملوه فكراً وعقيدة لا شك هم الأمة الأشرف والأعلى وهم على الصراط المستقيم , وعلى الأمم الأخرى أن تتبع هذا الحق لأنه الذروة في الكمال فليس بعد الإسلام رسالة وليس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نبي وليس بعد القرآن كتاب0
ولو تتبعنا سير كمال الرسالات نجدها تخضع لسنة الله الثابتة الحاكمة للكون ,هي النمو والتكامل , فالرسالات بدأت مع أبو البشرية آدم عليه السلام , وكان التكليف الشرعي له ولزوجه كان في غاية البساطة وهو : كل شيء مباح إلا شجرة واحدة في الجنة لا يقرباها , ومع مرور الزمان وتطور المجتمعات البشرية وتنوع مظاهر الحياة ,ظهرت الحاجة إلى شرائع( رسالات) اكثر كمالا من تلك البداية التي بدأت مع النبي آدم عليه السلام. فكان مع كل نمو وكمال تبلغه النشأة يرسل الله نبي جديد ورسالة جديدة أكثر كمالاً من السابقة , وهكذا استمر الحال إلى خاتم الأنبياء وأشرف المرسلين الذي رسالته خاتمة الرسالات وذرة الكمال الذي ليس بعده كمال , لانه ليس بعد القرآن من كتاب وليس بعد رسول الله من نبي , فرسالة الإسلام هي الأوسط أي الاشرف (القمة في الكمال) .
فكما الشجرة العملاقة تبدأ من بذرة صغيرة ثم تنمو وتتكامل شيئا ًفشيئاً حتى تظهر بكامل هويتها الوجودية وتعطي ثمارها في نهاية المطاف , كذلك الشرائع والرسالات ,بدأت من تكليف بسيط مع آدم عليه السلام وهو النهي عن شجرة واحدة فقط , ثم نمت وتكاملت شيئاً فشيئاً حتى ظهرت بكامل كمالها في رسالة الإسلام وشخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
أما قوله تعالى : ( حافظوا على الصلواة والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) البقرة 238 فلا يعني تمييز صلاة الظهر أو صلاة العصر أو صلاة الجمعة من بين الصلوات كما يظن البعض -خطأ-, بل قوله تعالى يعني حافظوا على جميع الصلوات وعلى الصلاة الأفضل ,أي يأمرنا أن نصلى افضل الصلاة بإقامتها في وقتها وبأركانها الصحيحة وأن نكون قائمين خاشعين قانتين لله سبحانه وتعالى, فالصلاة الوسطى هي الصلاة الأفضل0
أما الوسط في قوله تعالى( .. . إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم ) المائدة 89 فلا يعني إطعام عشرة مساكين من طعام يكون نوعه الوسط ما بين الأفضل والأردأ من طعام الأهل , بل يعني إطعام عشرة مساكين من أفضل ما تطعمون أهليكم0
أما قوله تعالى : ( قال أوسطهم ألم اقل لكم لولا تسبحون) القلم 28 فيعني قال أشرفهم وأعلاهم مقاماً ألم أقل لكم لولا تسبحون0
ويستفاد مما سبق أن معنى الوسط هو الشرافة والكمال , الأمة الوسط هي الأمة الأشرف والأكثر كمالاً لأنها خاتمة الأمم والحلقة الأخير في سلسلة نمو وكمال الأمم , فكما الإنسان يبدأ خلقه من خليه واحدة مخصبة في رحم الام ,ثم ينمو ويتكامل شيئا ًفشيئاً في فترة الحمل والولادة وما بعد الولادة ويمر بأطوار النمو والتكامل في عالمي المادة والمعنى حتى يصبح رجلاً تاماً سوياً أو امرأة تامة سوية ,كذلك الأمم والشرائع بدأت ببساطة شديدة مع آدم ورزجه ثم نمت وتكاملت حتى بلغت أمة الإسلام التي تتشرف بنبيها الأمين صلى الله عليه وآله وسلم وقرآنها المجيد.
وكما الطفل يبدأ تعليمه في الصف الأول في المرحلة الابتدائية ثم يتدرج بالتعليم وينمو ويتكامل عقله ومعارفه حتى يدخل الجامعة ,في الجامعة مراتب من الكمال مثل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه , كذلك الحكمة والعلوم العالية التي ينزلها الله لناس ,بدأت من الصف الأول ( شريعة آدم عليه السلام) و اختتمت بالمرحلة النهائية ( القمة) التي ليس بعدها مرحلة من الكمال إلا القيامة.
فالأمة الوسط هي الأمة الاشرف والأعلى مقاماً من جميع الأمم ,لأن قرآنها يتضمن (..تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) , ونبيها أشرف المرسلين وخاتم النبيين ( فكان قاب قوسن أو دنى) من مقام القرب والكرامة عند الله تعالى مجده 0
وأعلموا أيها الأخوة أن القرآن الكريم الذي قال عنه الحق تعالى مجده (..تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) يتضمن علوماً عالية جداُ ,سوف يظهرها القائم بأمر الله المهدي المنتظر عليه الصلاة والسلام , فالعلوم الحديثة مهما كانت تبدو متطورة فهي لا تساوي شيئاً أمام العلوم التي سوف يظهرها المهدي عليه الصلاة والسلام , فعلى سبيل المثال كل العلوم البشرية اليوم لا تستطيع أن تعرف ما هي الجاذبية وما هو الزمان والمكان ,ما هو أصل المادة , وكيف نشأت المادة وكيف تتطور ؟؟ وما سر الكون ؟ وحتى في مجال الرياضيات والحساب , يجهلون إلى اليوم حقيقة الصفر المطلق والكثير من العمليات الحسابية مثل علاقة الصفر بالأعداد ,ان كل عدد عبارة عن مراتب من الصفر المطلق الذي هو امتداد ما بين اللاشيء وكل شيء ..
وفي الختام أدعوكم لزيارة هذا الموقع الذي فيه الكثير من العلوم العالية ذات العلاقة بما أشرنا إليه
http://www.alqaem.net/18%20head/head1.htm
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .