حدثنا أبو النضر حدثنا محمد يعني ابن طلحة عن الأعمش عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري :
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروني بم تخلفوني فيهما"
( مسند أحمد و بألفاظ متقاربة في صحيح مسلم و سنن الترمذي و النسائي و غيرها..)
و قال رسول الله صلى الله عليه و آله:
من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوالِ عليّاً من بعدي وليوالِ وليّه وليقتد بالأئمة من بعدي فإنهم عترتي، خُلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعِلماً، وويل للمكذّبين بفضـلهـم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي.
خرجه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء ج1 ص80
إذا توقف المرء يتأمل واقع الأمة ومشاكلها وما تعيشه من تفكك، و هو دون شك نتيجة عدم تمسكها بأهل البيت، بالرغم من السيل الهائل من الروايات والأحاديث النبوية في فضلهم، لعرف أن المشكلة لا تكمن في سند الأحاديث الواردة أوفي دلالتها على أفضليتهم على سائر الناس أو ما شابه ذلك، وإنما المشكلة هي أن البعض وضعوا كتاب الله وسنة رسوله وراء ظهورهم (وجحدوا بـها واستيقنتها أنفسهم) لمصالح دنيوية حالت دونهم و المعرفة و أغلقت منافذ عقولهم عن الحقيقة الوظّائة. فمن المصائب التي تعرّض لها النبي الأكرم الذي قال: (ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت) هي تكذيب الناس له بعد أن كان يعرف بـ"الصادق الأمين". فقد كذِّب النبي في بدء التبليغ و إلى آخر عمره الشريف، حتى آل الأمر بأحد صحابته إلى القول بكلّ وقاحة: (إنه ليهجر، حسبنا كتاب الله!). وكان ذلك في آخر لحظات عمره الشريف، وحين أمر بدواة وكتف حتى يكتب للناس كتابا لن يضلوا بعده أبدا.
وبذلك أظهر هذا الأخير كمال معرفته بالنبي! وكأنه لم يقرأ ولم يسمع قولـه تعالى في سورة النجم: (وما ينطق عن الهوى ! إن هو إلاّ وحي يوحى)..
فالويل لأمة اتهمت نبيها بالهجر والغلط، والرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب الذي كان سيمنع شتات الأمة و يجمعهم على كلمة سواء بينهم..
فإذا كان البعض يقول هذا والنبي أمامهم، فكيف بـهم بعد أكثر من ألف وأربعمائة عام.. ألا يكذبونه ويضعون أصابعهم في آذانهم متجاهلين أوامره؟ وقد قال تعالى في كتابه المنزل: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). فقد تجاهل البعض هذه الأحاديث، وأنكرها البعض الآخر أو حرّفها.. والواقع هو أنه لا مفر من هذه الحقيقة، فيجب على كل مسلم بعد أن عرف باختلاف الناس أن يسعى وراء الفرقة الناجية المحقة، فهل بعد الحق إلا الضلال؟!. ولا يجوز لأحد أن يختار مذهبه بالوراثة أباً عن جد، ليصبح مصداقا لقوله تعالى: (إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون).. ولا يمكن أن يتجاهل أحد هذه الأحاديث بقوله: "أن هذه الأدلة قد ردّ عليها علمائنا وفقهائنا" لينطبق عليه قولـه تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله).
فحديث الثقلين وكل ما استشهدنا من الأخبار مروي في كتب السنة وبذلك حجة عليهم على النحو الذي مرّ، ودلالاته دلالات عقلية متقنة، تؤيدها شواهد نقلية محكمة. وبما أن مفهوم الوحدة الإسلامية وسيلة للوصول إلى الهدف الأسنى الذي يكمن في إعلاء كلمة الحق ونشر الإسلام في الأرض، ينبغي أن يكون محور هذه الوحدة التمسك بالقرآن الكريم، وأهل البيت i، والسنة ـ ومنها حديث الثقلين الذي يدعوا إلى اتباع مدرسة أهل البيت ـ فلا يمكن أن يكون الاتحاد على أساس تجاهل مثل هذه الأحاديث والإعراض عن الحق. إذن فما الغرض من الوحدة؟ ولا يمكن أن يتحد المسلمون إلاّ بالأخذ بكلام النبي والتمسك بحذافيره والتسليم له في كل ما يجيء به من عند الله الواحد القهّار، وأهل بيته من بعده.
وأما بعد، فإن حديث الثقلين، المجمع على صحته، والصريح في دلالاته، لا يترك لنا خيارا إلاّ وجوب العمل بالقرآن حسب منهج أهل البيت i وعلى هدي طريقهم. وإلاّ فإن الابتعاد عن هذا المنهج، هو انحراف عن طريق القرآن، وضلالة عن الصراط المستقيم.
فيا أيها المسلمون الطالبون للحق والتاركون أهواء الذين لا يعلمون، أنا لكم ناصح أمين، اتبعوا كلام نبيكم واسمعوه واعقلوه عقل دراية وأحذركم يوم القيامة أن تقولوا إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا ربنا إنا أطعنا ساداتنا وكبرائنا فأضلّونا السبيل أو تقولوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير واحذروا إذ تبرّأ الذين اتُّبِعوا من الذين اتَّبعوا ولا تكونوا من الذين قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا.
والسلام على من اتبع الهدى..
(يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبينا)