وهل يطفئ الموت شمعة الـ(ميلاد)؟!
كم اوحشني هذا الدرب الوعر دوما
وكم اخافني ليله الطويل
وكم المتني ايام هذا الذي يسمونه عمرا... ونهايته الادميه.
وكم فارقت فيه من احببتهم وعشقتهم ..فرحلوا وضيعوني ...وتركوني وحيدا
:- كلهم؟؟؟
كل الذي عرفتهم من الطيبينّّ!!
ها انت يابني تغادرنا على غير موعد ودون ان تودع ولديك الصغيرين وامك الثكلى وزوجتك التي شاركتك بضع سنوات روحها وجسدها دون ان تشتكي يوما لانك كنت طفلا هادئا لا تؤلم الارض خطاك ..فأحبتك لتنام بين ذراعيها ..ربما قد سبقتها وسبقتنا في النوم لا غير .
ورغم ان الله لا يستدعي في ملكوته الا من يحبهم ولان وعده حق ولان الدنيا ماهي الا جسر بين عالمين احدهما فان ٍ والاخر سرمدي خالد فقد وقع علي خبر رحيلك ياميلاد كمقصلة انهالت على جسدي فتناثر كشضايا الزجاج في كل الاتجاهات فاخذت روحي المنهكه الحزينه تعوي بين جدران سجن الغربة المكفهرة جدرانه والمكسية بسخام الاحزان الاسود الذي لبسه شعب بأكمله عاهد الوجع والفاجعة حتى في اجمل لحظات الفرح في ارضٍ كانت وستبقى دوما (ارض السواد)
رحلت يابني
وتركت خلفك اماً حالت المسافات وصروف الدهر بينها وبين ابيك منذ سنين وها هي تبحث عنك في الدار الذي اطالت طرق بابه لتوقضك من اغفائة توهمت انها سرقتك او ربما حجبت تلك الستارة بلون شقائق النعمان في غرفة نومك ميلاد شمس يومٍ اخر وربما توهمت ان النعاس قد غشيك ثانية بعد صلاة الفجر .
راحت تنادي عليك ,وضعت غطاء ابيض فوق جسدك فقد اطل الشتاء بوجهه الثلجي على ابواب المدينة واصبح لرعشة الجسد والروح الغريبة المترقبة مايشبه ايقاع نبضات القلب التي توقفت دون ان تدري أي بذور حزنٍ ستلقيها في ارضنا اليباب ..اتراها ستفيق من هول الفاجعة وتدرك انك لن تستفيق كعادتك لتقبل يديها وجبينها وتسارع الخطى لتضم عصفوريك الجميلين فتحبس هي دمعة حزنٍ ودمعة فرح تتسابق من محجريها قبل ان ترفع وجهها ويديها للدعاء لك غير مبصرة بان السماء كانت ملبدة بالغيوم السوداء هذا الصباح.
لازالت تلك الكتب المصفوفة بحنو وشهادة التخرج الجامعية التي تحمل صورتك الجميلة بملامحها المحببة للقلب في مكتبتك بأنتظارك تثير حزن الركن الذي اعتدت الجلوس فيه متطلعا الى غد تحلم فيه كغيرك من الشباب بصبحٍ تزهر فيه الاحلام ويعود السلام الى ارضٍ غزاها الشوك والجراد والملح والافاقون .
ها انت تودعنا ياميلاد ...واتطلع الى صورة قديمة في مجموعة صور اطفالنا الصغار وانت تشاركهم ابتسامتهم المشاكسة ولعبهم والوانهم في المدرسة العراقية في بخارست وتقاسمهم كل الحكايات الجميلة وكراريس الصور التي هي بحاجة لتملا الوانها وتحتار في الاجابة عن الاحاجي التي ترهق الرؤوس الصغيرة وكان الون الاخضر اجمل الالوان لديك .
لازلت اتذكر حفلة عرسك قبل بضع سنوات وحين مازحنا الحاج جليل عن زواجك المبكر وشاربيك الخجولين لم يرسما بعد خطوطا على ذلك الوجه الطفولي قال :- دعه يعيش الفرحة فالدنيا عابرة واللحظات الجميلة لا بد ان نسرقها لان الحياة لا تمنحنا مثل هذه السعادة الا عنوة ..كان يحلم ان يرى صغارك لكنه رحل بعيدا ليلقى به مظلوما خلف قضبان سجنٍ ظالم مظلم وموحش .
كأنه كان يعلم انك سترحل باكرا على غير موعد !!!
كأنك مثل خالك ياميلاد لا تحب لحظات الوداع وتختار ان تغادرنا دون استأذان.. وهل بأيدينا نكتب نهاياتنا او نختار مواقيتها؟ ولقد اخترت الرحيل في لحظة نوم حيث تغادر الروح الامنة المطمئنة في صفاء الليل وسكونه حين تحجب الجفون عن عالمنا البغيض ماتراه الاعين لتحلق في السماوات السبع في ملكوت الله من غير عودة .
كم كنت يابني اسمع صوتك الهادئ الخجول المليء بالدفء حين تحدث الاخرين وكأن الايام وهمومها جعلت منك رجلا كبيرا بكل صفات النخوة والخلق والمروءة .....كم ستوحش هذه الحسينية ظلك الدائم في مواسم وفواجع الائمة الذين احببتهم وبكيتهم وسيبكيك كل ركنٍ فيها وعزائنا ان من واليتهم وشاطرتهم سبيهم وفواجعهم واحزانهم وشاركتهم وحشة القبر والترقب وانتظار الخلاص في يوم الحسرة سيكونون بانتظارك يا ميلاد في هذه الامسية .
يالهذا التابوت الملقي في مدخل الحسينية الذي يطل على الجميع وينظر لكل الوافدين بعيونه ووحشته التي لا فرار منها وكان لوعتنا وغربتنا وحرقتنا على من سبقونا لا تكفي وكانه بات يختار منا بين الحين والاخر من ينام بين زوايا خشبه البارد ليحملنا في رحلته الى عالم برزخي نخشاه ونخافه ونهرب منه عبثا لانه قدرنا الادمي .
لماذا انت يا ميلاد ؟
لماذا يابني تعود الى وطن يهجره ابنائه ولا يستقبلهم ثانية الا وهم عائدون اليه في توابيت ؟
ها انا عائدا من عملي لا ادري الى اين سأذهب هائم على وجهي تمزقت روحي الى نصفين في هذه الثلاثاء الحزينة التي خيم فيها الأسى ودخل من جميع ابواب ونوافذ بيوت العراقيين هنا حتى أولائك الذين لا يعرفونك فأجمل مافينا اننا نتشارك رغيف الاحزان ثم نفترق لموعد مع عزاء اخر نرتشف فيه قهوة الحياة المرة .
ها انا ابصر بطفليك الصغيرين حائرين بين وجوه النسوة الملفحات بالسواد وصوت الصراخ والعويل والرجال الذين لم تعد في عيونهم دموع يذرفونها لكثرة من سقطوا من احبائهم صرعى في شوارع المدن العراقية مدن الاحزان والصابرين
ها انا ابحث عن وجهي في مرأة مكسورة واسير في شوارع لا يفقه الكثيرون من اهلها معنا لحزننا واهاتنا ووجعنا المترسب في اعماق الروح ...ها انا ابحث عن شيء اقدمه لك يابني وانت تغادرنا على حين غفلة وبدون استئذان ...عن شيء ربما يمنح روحك السكينة وارواحنا الصبر والسلوان... عن زاد تتقوى به في رحلة السفر في هذا الدرب الوعر الموحش الطويل الذي تمضي به وحيدا والذي لابد لنا ان نمضي اليه جميعا اجلا ام عاجلا .
كان الاباء والامهات يتطلعون الى ابنائهم الصغار واخر امنياتهم في الدنيا ان يحملهم هؤلاء حين يشتد عودهم ويصبحوا رجالا الى مثواهم الاخير ...وها هو الزمان يدير دورته ويحمل العجائز والشيوخ نعوش فلذات الاكباد الى قبور موحشة عائدين خاوين الايدي وكأن لعبة الموت والحياة اصبحت من طلاسم دنيانا واسرارها وكانها الاقدار باتت تتفنن في مصائرنا ونهاياتنا المفجعة .
وداعا ياميلاد ...وعزائنا انك ستبقى حاضرا في قلوبنا وضمائرنا جميعا ...لاننا بكينا فيك كل من رحلوا وسنفتقد بغيابك كل الاشياء الجميلة .
وان لم تكن الجنة لمثلك فلمن تكون؟
(بسم جميع العراقيين في رومانيا نتقدم لاسرة الفقيد الشاب ميلاد جليل الذي وافته المنية في غربته في بخارست هذا اليوم بأحر التعازي والمواساة سالين المولى عز وجل ان يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم اهله وذويه الصبر والسلوان وانا لله وانا اليه راجعون .)
كم اوحشني هذا الدرب الوعر دوما
وكم اخافني ليله الطويل
وكم المتني ايام هذا الذي يسمونه عمرا... ونهايته الادميه.
وكم فارقت فيه من احببتهم وعشقتهم ..فرحلوا وضيعوني ...وتركوني وحيدا
:- كلهم؟؟؟
كل الذي عرفتهم من الطيبينّّ!!
ها انت يابني تغادرنا على غير موعد ودون ان تودع ولديك الصغيرين وامك الثكلى وزوجتك التي شاركتك بضع سنوات روحها وجسدها دون ان تشتكي يوما لانك كنت طفلا هادئا لا تؤلم الارض خطاك ..فأحبتك لتنام بين ذراعيها ..ربما قد سبقتها وسبقتنا في النوم لا غير .
ورغم ان الله لا يستدعي في ملكوته الا من يحبهم ولان وعده حق ولان الدنيا ماهي الا جسر بين عالمين احدهما فان ٍ والاخر سرمدي خالد فقد وقع علي خبر رحيلك ياميلاد كمقصلة انهالت على جسدي فتناثر كشضايا الزجاج في كل الاتجاهات فاخذت روحي المنهكه الحزينه تعوي بين جدران سجن الغربة المكفهرة جدرانه والمكسية بسخام الاحزان الاسود الذي لبسه شعب بأكمله عاهد الوجع والفاجعة حتى في اجمل لحظات الفرح في ارضٍ كانت وستبقى دوما (ارض السواد)
رحلت يابني
وتركت خلفك اماً حالت المسافات وصروف الدهر بينها وبين ابيك منذ سنين وها هي تبحث عنك في الدار الذي اطالت طرق بابه لتوقضك من اغفائة توهمت انها سرقتك او ربما حجبت تلك الستارة بلون شقائق النعمان في غرفة نومك ميلاد شمس يومٍ اخر وربما توهمت ان النعاس قد غشيك ثانية بعد صلاة الفجر .
راحت تنادي عليك ,وضعت غطاء ابيض فوق جسدك فقد اطل الشتاء بوجهه الثلجي على ابواب المدينة واصبح لرعشة الجسد والروح الغريبة المترقبة مايشبه ايقاع نبضات القلب التي توقفت دون ان تدري أي بذور حزنٍ ستلقيها في ارضنا اليباب ..اتراها ستفيق من هول الفاجعة وتدرك انك لن تستفيق كعادتك لتقبل يديها وجبينها وتسارع الخطى لتضم عصفوريك الجميلين فتحبس هي دمعة حزنٍ ودمعة فرح تتسابق من محجريها قبل ان ترفع وجهها ويديها للدعاء لك غير مبصرة بان السماء كانت ملبدة بالغيوم السوداء هذا الصباح.
لازالت تلك الكتب المصفوفة بحنو وشهادة التخرج الجامعية التي تحمل صورتك الجميلة بملامحها المحببة للقلب في مكتبتك بأنتظارك تثير حزن الركن الذي اعتدت الجلوس فيه متطلعا الى غد تحلم فيه كغيرك من الشباب بصبحٍ تزهر فيه الاحلام ويعود السلام الى ارضٍ غزاها الشوك والجراد والملح والافاقون .
ها انت تودعنا ياميلاد ...واتطلع الى صورة قديمة في مجموعة صور اطفالنا الصغار وانت تشاركهم ابتسامتهم المشاكسة ولعبهم والوانهم في المدرسة العراقية في بخارست وتقاسمهم كل الحكايات الجميلة وكراريس الصور التي هي بحاجة لتملا الوانها وتحتار في الاجابة عن الاحاجي التي ترهق الرؤوس الصغيرة وكان الون الاخضر اجمل الالوان لديك .
لازلت اتذكر حفلة عرسك قبل بضع سنوات وحين مازحنا الحاج جليل عن زواجك المبكر وشاربيك الخجولين لم يرسما بعد خطوطا على ذلك الوجه الطفولي قال :- دعه يعيش الفرحة فالدنيا عابرة واللحظات الجميلة لا بد ان نسرقها لان الحياة لا تمنحنا مثل هذه السعادة الا عنوة ..كان يحلم ان يرى صغارك لكنه رحل بعيدا ليلقى به مظلوما خلف قضبان سجنٍ ظالم مظلم وموحش .
كأنه كان يعلم انك سترحل باكرا على غير موعد !!!
كأنك مثل خالك ياميلاد لا تحب لحظات الوداع وتختار ان تغادرنا دون استأذان.. وهل بأيدينا نكتب نهاياتنا او نختار مواقيتها؟ ولقد اخترت الرحيل في لحظة نوم حيث تغادر الروح الامنة المطمئنة في صفاء الليل وسكونه حين تحجب الجفون عن عالمنا البغيض ماتراه الاعين لتحلق في السماوات السبع في ملكوت الله من غير عودة .
كم كنت يابني اسمع صوتك الهادئ الخجول المليء بالدفء حين تحدث الاخرين وكأن الايام وهمومها جعلت منك رجلا كبيرا بكل صفات النخوة والخلق والمروءة .....كم ستوحش هذه الحسينية ظلك الدائم في مواسم وفواجع الائمة الذين احببتهم وبكيتهم وسيبكيك كل ركنٍ فيها وعزائنا ان من واليتهم وشاطرتهم سبيهم وفواجعهم واحزانهم وشاركتهم وحشة القبر والترقب وانتظار الخلاص في يوم الحسرة سيكونون بانتظارك يا ميلاد في هذه الامسية .
يالهذا التابوت الملقي في مدخل الحسينية الذي يطل على الجميع وينظر لكل الوافدين بعيونه ووحشته التي لا فرار منها وكان لوعتنا وغربتنا وحرقتنا على من سبقونا لا تكفي وكانه بات يختار منا بين الحين والاخر من ينام بين زوايا خشبه البارد ليحملنا في رحلته الى عالم برزخي نخشاه ونخافه ونهرب منه عبثا لانه قدرنا الادمي .
لماذا انت يا ميلاد ؟
لماذا يابني تعود الى وطن يهجره ابنائه ولا يستقبلهم ثانية الا وهم عائدون اليه في توابيت ؟
ها انا عائدا من عملي لا ادري الى اين سأذهب هائم على وجهي تمزقت روحي الى نصفين في هذه الثلاثاء الحزينة التي خيم فيها الأسى ودخل من جميع ابواب ونوافذ بيوت العراقيين هنا حتى أولائك الذين لا يعرفونك فأجمل مافينا اننا نتشارك رغيف الاحزان ثم نفترق لموعد مع عزاء اخر نرتشف فيه قهوة الحياة المرة .
ها انا ابصر بطفليك الصغيرين حائرين بين وجوه النسوة الملفحات بالسواد وصوت الصراخ والعويل والرجال الذين لم تعد في عيونهم دموع يذرفونها لكثرة من سقطوا من احبائهم صرعى في شوارع المدن العراقية مدن الاحزان والصابرين
ها انا ابحث عن وجهي في مرأة مكسورة واسير في شوارع لا يفقه الكثيرون من اهلها معنا لحزننا واهاتنا ووجعنا المترسب في اعماق الروح ...ها انا ابحث عن شيء اقدمه لك يابني وانت تغادرنا على حين غفلة وبدون استئذان ...عن شيء ربما يمنح روحك السكينة وارواحنا الصبر والسلوان... عن زاد تتقوى به في رحلة السفر في هذا الدرب الوعر الموحش الطويل الذي تمضي به وحيدا والذي لابد لنا ان نمضي اليه جميعا اجلا ام عاجلا .
كان الاباء والامهات يتطلعون الى ابنائهم الصغار واخر امنياتهم في الدنيا ان يحملهم هؤلاء حين يشتد عودهم ويصبحوا رجالا الى مثواهم الاخير ...وها هو الزمان يدير دورته ويحمل العجائز والشيوخ نعوش فلذات الاكباد الى قبور موحشة عائدين خاوين الايدي وكأن لعبة الموت والحياة اصبحت من طلاسم دنيانا واسرارها وكانها الاقدار باتت تتفنن في مصائرنا ونهاياتنا المفجعة .
وداعا ياميلاد ...وعزائنا انك ستبقى حاضرا في قلوبنا وضمائرنا جميعا ...لاننا بكينا فيك كل من رحلوا وسنفتقد بغيابك كل الاشياء الجميلة .
وان لم تكن الجنة لمثلك فلمن تكون؟
(بسم جميع العراقيين في رومانيا نتقدم لاسرة الفقيد الشاب ميلاد جليل الذي وافته المنية في غربته في بخارست هذا اليوم بأحر التعازي والمواساة سالين المولى عز وجل ان يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم اهله وذويه الصبر والسلوان وانا لله وانا اليه راجعون .)
تعليق