دعى بيان صادر من الحوزة العلمية في قم بتاريخ 16/5/1418 و موقع من حوالي عشرة من الأساتذة ، دعى إلى اليقظة والتنبه والابتعاد عما يستوجب مس الضرورات الثابتة والمسلمة عند الطائفة الامامية ، وحذر المؤمنين من الأفكار والآراء التي تتعارض مع تلك الضرورات ، والتي طرحت في الآونة الأخيرة.
وكان هذا البيان قد وزع مؤخرا وبصورة سرية في لندن ، ضمن المعركة الدائرة بين أقطاب المرجعية التقليدية التي تحاول الحفاظ على العادات والطقوس والأفكار الموروثة ، وبين حركة التجديد والإصلاح والثورة الثقافية التي تشهدها الساحة الشيعية من إيران إلى لبنان والتي يشكل السيد محمد حسين فضل الله ابرز رموزها.
وهناك بيان آخر يحمل اسم الحوزة العلمية في قم ولكنه غير موقع من أحد أو من أية جهة رسمية يوجه النقد الشديد للسيد فضل الله وينعته بالضلال والانحراف بسبب قيامه بنقد بعض الروايات التاريخية المتعلقة بوفاة السيدة فاطمة الزهراء .
وبعيدا عن خلفية هذه البيانات السياسية والمرجعية ، فأنها تكشف عن قلق الأوساط المحافظة في الحوزة التي هبت للتصدي لحركة التجديد الواسعة ، تحت شعار : ( الدفاع عن عقائد أهل البيت وضروا المذهب)
من الواضح ان هذه البيانات تحاول استغلال موقع الحوزة في قم لكي تضفي على ذاتها هيبة وتأثيرا على العامة ، والإيحاء بامتلاك الموقع ((البابوي)) المقدس الذي يؤهلها لإصدار فتاوى التضليل والتكفير والتحريم، وانها تكتفي بذلك كبديل عن الحوار والبحث العلمي.
يأتي أسلوبها هذا في سياق دعوة الاتباع والتقليد الأعمى التي تشجع عليها الأوساط المحافظة خوفا من اهتزاز كثير من مبانيها المتداعية.
وبعد ان كان أقطاب الطائفة الامامية السابقون كالسيد المرتضى والشيخ الطوسي والسيد ابن زهرة يحرمون التقليد ويطالبون المكلفين بالاجتهاد والبحث والنظر والمقارنة بين آراء العلماء ، وعدم تقبلها بصورة عمياء ، فان المحافظين اليوم يطالبون الناس بالتقليد في القضايا العقائدية ، وهو أمر مرفوض بإجماع العلماء.
تكمن المشكلة في ان المحافظين يحاولون تقديم صورتهم الفكرية التي ورثوها عن آبائهم من عصور التخلف ، والتي لعبت التيارات المختلفة والمتطرفة والمتناقضة دورا كبيرا في صنعها ، على انها الصورة الإسلامية الشيعية الوحيدة التي لا تقبل المساس ، في حين انهم لم يجدوا الفرصة الكافية لدراستها وتمحيصها والاجتهاد فيها، إذ كان اجتهادهم ولا يزال يقتصر على بحث الأمور الفرعية الجزئية الثانوية ولم يتطرقوا إلى بحث القضايا الأساسية أو المناقشة فيها، وإذا كان قد تم لهم ذلك فانهم كانوا يبادرون إلى نشر أبحاثهم ودراساتهم بلا حاجة لإصدار الفتاوى لحسم الخلاف.
وبما ان أساس فكرهم قائم على التقليد والارتكاز على الثقافة الشعبية الموروثة فانهم يحولون أمورا تاريخية بسيطة لا علاقة لها بالدين أو المذهب إلى قضايا عقائدية ويضفون عليها صفة الضرورات التي لا تحتاج إلى نقاش ، لكي يسدوا باب البحث والحوار الذي يفتح العقول ويعرض كثيرا من موروثاتهم للتشكيك.
وبالرغم من ان المحافظين ينتمون اسميا إلى المدرسة الأصولية في المذهب الجعفري ، وهي مدرسة نشأت في مقابل المدرسة الإخبارية الحشية التي كانت تقبل كل رواية من دون تمحيص. وان المدرسة الأصولية قامت منذ قرون بنقد روايات الكافي للكليني فوجدت ان معظمها ضعيف، كما يقول العلامة المجلسي في كتابه : (مرآة العقول) إلا ان المحافظين يتشبثون ببعض الروايات التي ينقلها المجلسي في كتابه : ( بحار الأنوار) والتي يشكك هو في صحتها كحديث ضرب الزهراء الذي ينقله عن كتاب مجهول المؤلف.
مع ذلك فانهم يريدون من عامة الناس ترديد مقولاتهم بدون تفكير ، وإلا اتهموهم بالتقصير في الولاء لأهل البيت.
انهم لا ينظرون إلى روح الإسلام ومغزى حب أهل البيت والولاء لهم والتحلي بأخلاقهم والإقتداء بسيرتهم، ولكنهم يتشبثون ببعض القشور والخزعبلات والأساطير ويتخذون منها أساسا للتشيع.
وقد كان أهل البيت أنفسهم يئنون من أدعياء التشيع لهم من المتطرفين والغلاة الذين كانوا ينسبون لهم الأحاديث الكذوبة ويحبكون حولهم القصص الأسطورية لتشويه سمعتهم وتحريف قضيتهم وابعاد الناس عنهم، فكانوا يلعنونهم ويعلنون البراءة منهم ، ويأتي المحافظون اليوم لكي يلتقطوا تلك الأحاديث المزورة والضعيفة والتي سببت الفرقة بين المسلمين وأضرت بالحركة الشيعية وعزلتها عن الأمة / من اجل ان يرتزقوا بها ويعيشوا عليها ويدعوا الانفراد بحب أهل البيت.
وإذا قلت لهم : ان الأمة الإسلامية كلها تحب أهل البيت وتمحضهم المودة والتقدير ، وان أئمة أهل السنة هم الذين نشروا فضائلهم لأجابوك بضرورة الاعتقاد كما يعتقدون وبالارتفاع بهم كما يرتفعون.
ان أهل البيت لم يكتبوا عقائدهم في كتاب خاص ولم يأتوا بإضافة جديدة على الإسلام ، ولكن المحافظين الذين ورثوا بعض الأفكار الخاصة يخرجون من جعبتهم كل يوم فكرة جديدة وينسبونها إلى أهل البيت ويدعون انها من ضرورات المذهب. واذا قلت لهم: ان هذه الفكرة حادثة وغير معروفة في الزمن الأول حتى للشيعة الامامية لقاموا يلطون على رؤوسهم ويتباكون علة عقائد أهل البيت.
وانا هنا لا أريد ان أناقشهم في قضية ولاية الفقيه أو النيابة العامة عن الإمام المهدي أو الشهادة الثالثة : ( علي ولي الله) أو كسر ضلع فاطمة الزهراء ، ولكن اطرح امامهم قضية مثل ولادة ووجود الإمام الثاني عشر ( محمد بن الحسن العسكري) وموضوع الاثني عشرية الذي اصبح جزءا من صلب الفكر الامامي، وادعوهم إلى عادة النظر فيها.
وكنت قد حاورت عددا كبيرا من أساتذة الحوزة في قم حول تلك المواضيع وسألتهم فيما إذا كانوا قد درسوها فأجابني بعضهم بالنفي وحاول بعضهم الآخر ان يتهرب من الإجابة ، فقلت له: كيف تدعي الاجتهاد وأنت لم تبحث في عقيدتك ولم تتثبت منها وتكتفي بالاجتهاد في الفروع الجزئية؟ وهل يصح إطلاق لقب مجتهد عليك؟
لقد كان الكثير من هؤلاء المحافظين الذين يرتكزون في قم اليوم ، يسكن في النجف الاشرف ، ولا يزال البعض منهم إلى الآن هناك ، وكانوا يحرمون العمل السياسي أو التصدي لأمور الحياة ، وكانوا في الحقيقة هم المسؤولين عن تخلف الشيعة في العراق ونمو الديكتاتورية فيها.
كانوا ولا يزالون ينفخون في الفكر الانعزالي ويتشبثون بالقضايا التاريخية المنقرضة تاركين الأجيال الشابة للحركات العلمانية التي تهتم بالحاضر والمستقبل. ومع انهم كانوا يدعون قيادة الشيعة إلا انهم لم يفكروا يوما بتحسين علاقات الشيعة مع العالم وخاصة دول الجوار والمذاهب الأخرى ، بل كانوا يزيدون بتطرفهم وغلوهم روح العزلة والعداوة والبغضاء بين المسلمين.
وإذا كانت حركة الإصلاح والتجديد تتسع اليوم خاصة بين الشباب المثقف والواعي فلأنها تعتمد العقل والحوار والحرية والاجتهاد في الأصول قبل الفروع.. وهي لا تعرف الضرورات المحرمة التي لا تقبل المساس ، خاصة إذا كان القرآن الكريم يناقش وجود الله ويدعو إلى التفكير في كل شيء ، والإيمان بعلم ويقين.. ويرفض التبعية والتقليد.
بقلم السيد أحمد الكاتب.
وكان هذا البيان قد وزع مؤخرا وبصورة سرية في لندن ، ضمن المعركة الدائرة بين أقطاب المرجعية التقليدية التي تحاول الحفاظ على العادات والطقوس والأفكار الموروثة ، وبين حركة التجديد والإصلاح والثورة الثقافية التي تشهدها الساحة الشيعية من إيران إلى لبنان والتي يشكل السيد محمد حسين فضل الله ابرز رموزها.
وهناك بيان آخر يحمل اسم الحوزة العلمية في قم ولكنه غير موقع من أحد أو من أية جهة رسمية يوجه النقد الشديد للسيد فضل الله وينعته بالضلال والانحراف بسبب قيامه بنقد بعض الروايات التاريخية المتعلقة بوفاة السيدة فاطمة الزهراء .
وبعيدا عن خلفية هذه البيانات السياسية والمرجعية ، فأنها تكشف عن قلق الأوساط المحافظة في الحوزة التي هبت للتصدي لحركة التجديد الواسعة ، تحت شعار : ( الدفاع عن عقائد أهل البيت وضروا المذهب)
من الواضح ان هذه البيانات تحاول استغلال موقع الحوزة في قم لكي تضفي على ذاتها هيبة وتأثيرا على العامة ، والإيحاء بامتلاك الموقع ((البابوي)) المقدس الذي يؤهلها لإصدار فتاوى التضليل والتكفير والتحريم، وانها تكتفي بذلك كبديل عن الحوار والبحث العلمي.
يأتي أسلوبها هذا في سياق دعوة الاتباع والتقليد الأعمى التي تشجع عليها الأوساط المحافظة خوفا من اهتزاز كثير من مبانيها المتداعية.
وبعد ان كان أقطاب الطائفة الامامية السابقون كالسيد المرتضى والشيخ الطوسي والسيد ابن زهرة يحرمون التقليد ويطالبون المكلفين بالاجتهاد والبحث والنظر والمقارنة بين آراء العلماء ، وعدم تقبلها بصورة عمياء ، فان المحافظين اليوم يطالبون الناس بالتقليد في القضايا العقائدية ، وهو أمر مرفوض بإجماع العلماء.
تكمن المشكلة في ان المحافظين يحاولون تقديم صورتهم الفكرية التي ورثوها عن آبائهم من عصور التخلف ، والتي لعبت التيارات المختلفة والمتطرفة والمتناقضة دورا كبيرا في صنعها ، على انها الصورة الإسلامية الشيعية الوحيدة التي لا تقبل المساس ، في حين انهم لم يجدوا الفرصة الكافية لدراستها وتمحيصها والاجتهاد فيها، إذ كان اجتهادهم ولا يزال يقتصر على بحث الأمور الفرعية الجزئية الثانوية ولم يتطرقوا إلى بحث القضايا الأساسية أو المناقشة فيها، وإذا كان قد تم لهم ذلك فانهم كانوا يبادرون إلى نشر أبحاثهم ودراساتهم بلا حاجة لإصدار الفتاوى لحسم الخلاف.
وبما ان أساس فكرهم قائم على التقليد والارتكاز على الثقافة الشعبية الموروثة فانهم يحولون أمورا تاريخية بسيطة لا علاقة لها بالدين أو المذهب إلى قضايا عقائدية ويضفون عليها صفة الضرورات التي لا تحتاج إلى نقاش ، لكي يسدوا باب البحث والحوار الذي يفتح العقول ويعرض كثيرا من موروثاتهم للتشكيك.
وبالرغم من ان المحافظين ينتمون اسميا إلى المدرسة الأصولية في المذهب الجعفري ، وهي مدرسة نشأت في مقابل المدرسة الإخبارية الحشية التي كانت تقبل كل رواية من دون تمحيص. وان المدرسة الأصولية قامت منذ قرون بنقد روايات الكافي للكليني فوجدت ان معظمها ضعيف، كما يقول العلامة المجلسي في كتابه : (مرآة العقول) إلا ان المحافظين يتشبثون ببعض الروايات التي ينقلها المجلسي في كتابه : ( بحار الأنوار) والتي يشكك هو في صحتها كحديث ضرب الزهراء الذي ينقله عن كتاب مجهول المؤلف.
مع ذلك فانهم يريدون من عامة الناس ترديد مقولاتهم بدون تفكير ، وإلا اتهموهم بالتقصير في الولاء لأهل البيت.
انهم لا ينظرون إلى روح الإسلام ومغزى حب أهل البيت والولاء لهم والتحلي بأخلاقهم والإقتداء بسيرتهم، ولكنهم يتشبثون ببعض القشور والخزعبلات والأساطير ويتخذون منها أساسا للتشيع.
وقد كان أهل البيت أنفسهم يئنون من أدعياء التشيع لهم من المتطرفين والغلاة الذين كانوا ينسبون لهم الأحاديث الكذوبة ويحبكون حولهم القصص الأسطورية لتشويه سمعتهم وتحريف قضيتهم وابعاد الناس عنهم، فكانوا يلعنونهم ويعلنون البراءة منهم ، ويأتي المحافظون اليوم لكي يلتقطوا تلك الأحاديث المزورة والضعيفة والتي سببت الفرقة بين المسلمين وأضرت بالحركة الشيعية وعزلتها عن الأمة / من اجل ان يرتزقوا بها ويعيشوا عليها ويدعوا الانفراد بحب أهل البيت.
وإذا قلت لهم : ان الأمة الإسلامية كلها تحب أهل البيت وتمحضهم المودة والتقدير ، وان أئمة أهل السنة هم الذين نشروا فضائلهم لأجابوك بضرورة الاعتقاد كما يعتقدون وبالارتفاع بهم كما يرتفعون.
ان أهل البيت لم يكتبوا عقائدهم في كتاب خاص ولم يأتوا بإضافة جديدة على الإسلام ، ولكن المحافظين الذين ورثوا بعض الأفكار الخاصة يخرجون من جعبتهم كل يوم فكرة جديدة وينسبونها إلى أهل البيت ويدعون انها من ضرورات المذهب. واذا قلت لهم: ان هذه الفكرة حادثة وغير معروفة في الزمن الأول حتى للشيعة الامامية لقاموا يلطون على رؤوسهم ويتباكون علة عقائد أهل البيت.
وانا هنا لا أريد ان أناقشهم في قضية ولاية الفقيه أو النيابة العامة عن الإمام المهدي أو الشهادة الثالثة : ( علي ولي الله) أو كسر ضلع فاطمة الزهراء ، ولكن اطرح امامهم قضية مثل ولادة ووجود الإمام الثاني عشر ( محمد بن الحسن العسكري) وموضوع الاثني عشرية الذي اصبح جزءا من صلب الفكر الامامي، وادعوهم إلى عادة النظر فيها.
وكنت قد حاورت عددا كبيرا من أساتذة الحوزة في قم حول تلك المواضيع وسألتهم فيما إذا كانوا قد درسوها فأجابني بعضهم بالنفي وحاول بعضهم الآخر ان يتهرب من الإجابة ، فقلت له: كيف تدعي الاجتهاد وأنت لم تبحث في عقيدتك ولم تتثبت منها وتكتفي بالاجتهاد في الفروع الجزئية؟ وهل يصح إطلاق لقب مجتهد عليك؟
لقد كان الكثير من هؤلاء المحافظين الذين يرتكزون في قم اليوم ، يسكن في النجف الاشرف ، ولا يزال البعض منهم إلى الآن هناك ، وكانوا يحرمون العمل السياسي أو التصدي لأمور الحياة ، وكانوا في الحقيقة هم المسؤولين عن تخلف الشيعة في العراق ونمو الديكتاتورية فيها.
كانوا ولا يزالون ينفخون في الفكر الانعزالي ويتشبثون بالقضايا التاريخية المنقرضة تاركين الأجيال الشابة للحركات العلمانية التي تهتم بالحاضر والمستقبل. ومع انهم كانوا يدعون قيادة الشيعة إلا انهم لم يفكروا يوما بتحسين علاقات الشيعة مع العالم وخاصة دول الجوار والمذاهب الأخرى ، بل كانوا يزيدون بتطرفهم وغلوهم روح العزلة والعداوة والبغضاء بين المسلمين.
وإذا كانت حركة الإصلاح والتجديد تتسع اليوم خاصة بين الشباب المثقف والواعي فلأنها تعتمد العقل والحوار والحرية والاجتهاد في الأصول قبل الفروع.. وهي لا تعرف الضرورات المحرمة التي لا تقبل المساس ، خاصة إذا كان القرآن الكريم يناقش وجود الله ويدعو إلى التفكير في كل شيء ، والإيمان بعلم ويقين.. ويرفض التبعية والتقليد.
بقلم السيد أحمد الكاتب.
تعليق