قصة من تاليفي
صدمت رنا وهي ترى رجلا يندفع بسرعة فائقة...يهم بتجاوزها وكأنه لم يلحظها ويدخل المكتب الرئيسي للجمعية، فلحقت به لتمنعه من الدخول..
_نعم، لقد تم تجهيز القاعة بأكملها، وهي غاية في الروعة، فكما تعلمين يا عزيزتي أنني قد استعنت بمصمم الديكور الشهير برايان جونز...
_لقد كنت أحاول الاتصال بكِ طوال النهار...أين كنتِ؟؟؟
لم تعره أي اهتمام وواصلت حديثها بالهاتف:
_أعتذر يا منى فقد طرأ موضوع مستعجل ويجب أن أذهب...أراك غدا في حفل الافتتاح يا عزيزتي...
بينما همت روان بإغلاق سماعة الهاتف، دخلت رنا المكتب وهي خائفة...
_أعتذر يا سيدتي لم أستطع منعه من الدخول...
_لا بأس يا رنا ...رنا أعرفك بزوجي جاسم وهذه رنا مساعدتي الجديدة.
همت رنا بإلقاء التحية عليه لكنه قاطعها وقال...
_لا وقت لي للتعارف...هل تسمحين بأن انفرد بزوجتي قليلا؟!
_آه...نعم يا سيدي...آسفة...آسفة
فور خروجها من المكتب، اندفعت روان ناحية زوجها والشرر يتطاير من عينيها..
_كيف تجرأ أن تتعامل معي بهذه الطريقة!!...
_اسكتي...أريد بعض النقود
_ماذا...نقود؟! وهل أخبروك بأنني بنك متجول.
أخرج جاسم سيجارته محاولا السيطرة على أعصابه، فمن الصعب التعامل مع روان وخاصة عند ذكر المال...
_إنني في أزمة وأحتاج إلى بعض السيولة التي لا أملكها للأسف.
نهضت من مكانها وجلست قبالته وهي تهم بتعديل منظرها من خلال مرآة صغيرة في يدها...
_اعذرني يا زوجي الحبيب... أعتقد بأنه عليك البحث عن محسن آخر...
همّ جاسم بضربها فأمسكت بيديه وهمست بأذنه...
_تعرف بأنه عليك أن تضبط نفسك في حضرتي وإلا... عليك بتوديع حياتك المترفة هذه... فبكلمة واحدة مني... أدمرك...
بينما كانت روان منشغلة بالتأكد من هندامها ومظهرها هم خالد مسرعًا...
_ماما...
جمد خالد مكانه وهو يرى أمه تنظر إليه شزرا، فابتسم وصاح...
_آه لقد نسيت يا ماما, أقصد روان...نسيت بأنكِ أمرتني بأن أناديك باسمك حتى لا تبدي كبيرة جدا أمام الناس...صح روان؟
فعادت الابتسامة إلى محياها وقالت:
_صح يا حبيبي....والآن ماذا تريد، لا أرغب بأن تعطلني عن الحفل.
فأخذ الطفل يتأمل السقف، محاولا إيجاد طريقة ما لإقناع أمه بخطته...
_حسناً!!
وقفت روان أمام طفلها متململة وهي تحثه على الحديث...
_أريد أن أذهب للسينما، فهناك فيلم رائع يعرضونه اليوم...طبعا لن تنسي النقود.
تأففت روان وفتحت حقيبتها:
_حسنا....تستطيع الذهاب.
_شكرا روان....شكرا.
بينما كانت كل من سارة ولينا تستقبل الزوار، كانت آلاء منشغلة بشرح لوحاتها لوزير الثقافة الذي رعى الحفل وحضره...
_كما ترى فإنني قد استعملت اللون الأزرق الغامق في أغلب لوحاتي...لأنه لون البحر الهائج الذي لا يصفو أبدًا...كما هي الحياة...
_آه...هذه اللوحة رائعة جدا....من الذي درسك في مجال الرسم؟
_إنه إيمانويل جيراجوسيان...
_وهو نجل الرسام اللبناني الكبير الراحل بول جيراجوسيان...أعتذر عن المقاطعة،لكني لم أستطع منع نفسي من إضفاء هذه المعلومة...
فرد عليها الوزير مبتسما
_لا بأس يا سيدة روان...وكيف حال زوجك؟...لا أراه كثيرا هذه الأيام.
_إنه يعمل يا سيادة الوزير....وعندما يعمل ينسى كل شيء.
بينما كانت روان ترد على السؤال الموجه إليها...كانت تلعن جاسم الذي تخلف عن حفل افتتاح معرض ابنة أخيه آلاء....
_عن إذنكم إن الصحافة تطلب التحدث مع الآنسة آلاء الآن..؟
فبادرت آلاء...
_هيا بنا...
بعدما أنهت زينب قراءة رواية استغرقت بقراءتها مدة ثلاثة أيام، أخذت قلمًا وورقة، وهمت لتتصيد الأخطاء في جوانب الرواية، وبينما هي كذلك دخل زوجها إلى الغرفة..
_هل أنهيتِ قراءة الرواية؟؟
_أوه...أهلا حسن..اعذرني لم أنتبه لوجودك...إني أقيمها الآن...
_جيد...أريد أن أقرأ تقييمك لها عندما تنتهين..
_حسنا...أرغب بزيارة ابنة خالتي روان في الغد...لم أرها منذ زمن بعيد.
_لا مانع عندي.
قفز علي في حجر أمه وصاح:
_أريد أن أذهب لزيارة خالد أنا أيضا.
_حسنا...لكن عليك ألا تؤذي والدتك...أتعدني؟
_نعم، أعدك يا أبي.
_ألو...معكم الجمعية الثقافية النسائية، هل من خدمة؟؟
_ أود أن أتحدث مع السيدة روان.
_من المتحدث؟
_أخبريها بأنني ابنة خالتها...زينب.
_لحظة من فضلك....سيدة روان ابنة خالتك زينب على الهاتف.
ما أن سمعت اسمها، تأففت وانزعجت..
_حولي المكالمة...أهلا حبيبتي زينب، كيف حالك؟
_أهلا روان، الحمد الله، ماذا عنكِ ؟
_أنا بخير...هل قرأت موضوع افتتاح معرض آلاء؟!
_نعم...
_ما رأيك بلوحتها التي اشتراها السفير البريطاني؟
_أتقصدين لوحة (المسيح)؟
_نعم تلك هي...ما رأيك أو ليست بلوحة رائعة...إنها مليئة بالأحاسيس والمشاعر الحزينة.
_نعم...لكن ألم تلاحظي أن اللوحة تجسد صلب المسيح (عليه السلام)...وهذا اعتقاد النصارى وليس من عقيدتنا بشيء....إن آلاء ما عادت تميز بين المعتقدات الإسلامية وغيرها...وهذا خطأ جسيم يا روان.
_أوه...متى سوف تفيقي يا زينب، ما عاد لما تقولينه أي أهمية الآن، وآلاء فتاة متحضرة بكل ما للكلمة من معنى فها هي الآن تدرس في جامعة السوربون...وهي جامعة فرنسية عريقة...ولا يستطيع أيًا كان الالتحاق بها يا عزيزتي...
_كما تشائين...اتصلت لأذكرك بموعدنا اليوم، وأود أن أعلمك بأن علي سيكون معي.
_جيد أنكِ اتصلتِ...سوف نكون بانتظاركما.
وفي المساء بينما كانت كل من روان وزينب جالستان في الصالون تتناقشان في أمور مختلفة، كانا الصبيين خالد وعلي يلعبان في الغرفة...
_علي، هيا لنشاهد فيلما، لقد وجدته في خزانة أبي...
_حسنًا، هيا...
رن الجرس، فأسرعت الخادمة لتفتح الباب، وعادت بعد ثوانٍ، لتعلن بان السيد جاسم ينتظر روان في غرفة المكتب.
_يجب أن أذهب وأرى ماذا يريد...اعذريني لدقائق يا زينب، تستطيعين إلقاء نظرة على الأطفال، سوف تدلك الخادمة على غرفة اللعب.
_حسنا...لا بأس اذهبي.
أخذت زينب طريقها من وراء الخادمة إلى الأطفال، فور ما دخلت قام خالد بارتباك وأطفأ جهاز التلفاز، فاستغربت زينب من هذا التصرف...
_أهلا يا أولاد، ما الذي كنتم تشاهدونه بالتلفاز؟؟
التزم خالد الصمت بينما قال علي بكل براءة...
_لقد كنا نشاهد فيلما أحضره خالد من خزانة والده.
_هل أستطيع أن أشاهده؟
فور ما تلفظت زينب بهذه الكلمات وقف خالد فزعًا وصاح بها...
_لا، لا يحق لكِ أبدًا.
اتجهت زينب ناحية التلفاز، وضغطت على زر التشغيل...
من هول الصدمة لم تعرف ما الذي عليها عمله...وبينما كانت روان في طريقها إلى غرفةالأطفال، وإذا بزينب تمسك بيد ابنها وتهم بالخروج...
_زينب ما الذي حصل؟
فانفجرت زينب بوجهها...
_ما الذي حصل؟؟...أو تسألينني عن الذي حصل؟؟....عليك أن تنتبهي إلى ابنك...وأن تبعدي أغراض أبيه عنه، فهو طفل صغير وحرام أن يضيع بسببكما.
تخوفت روان من حديث زينب فما اعتادت أن تتحدث معها بهذه الطريقة..يا ترى ما الذيحصل؟؟
بعد يومين من الحادثة وفي الرابعة عصرا تحديدًا، دخلت زينب مكتب"الجمعية الثقافيةالنسائية"وتوجهت ناحية مكتب السكرتيرة...
_أهلا وسهلا...تفضلي يا سيدتي، هل من خدمة؟!
_شكرا...أود مقابلة روان.
_لا أعتقد بأنه لديك موعد مسبق؟!
_لا، لكنه أمر ضروري...أخبريها بأنني زينب وأريد التحدث معها بأمر عائلي.
_حسنا، لحظة واحد من فضلك.
دخلت السكرتيرة المكتب الرئيسي للجمعية، وبعد ثوانٍ فتحت الباب وطلبت من زينب الدخول...
_تفضلي بالدخول، إن السيدة روان بانتظارك.
بعد إلقاء التحية والسلام، دخلت زينب في صلب الموضوع وبادرت...
_آسفة لصراخي بوجهك في ذلك اليوم لكني كنت منهارة ولم اعرف ما الذي علي عمله وكيف أتصرف مع الأطفال في مثل هذا الموقف...
طأطأت روان رأسها خجلا...
_لا بأس يا زينب...فأنا أفهمك.
_روان...كنت أستطيع أن أصمت وأتجاهل الموضوع، لكني لم أستطع...يجب عليك أن تنقذي ابنك، لا دخل لي بما يفعله والده...لكن عليك فعل شيء مع خالد إنه طفل صغير، وطريقة تعاملك معه خاطئة وخطيرة عليه...
_وما الذي تقترحين علي فعله، لا أستطيع مراقبته ليلا نهارا كما تفعلين مع ابنك، فأنا امرأة مشغولة و لدي مسؤولياتي الخاصة...
_وابنك أكبر مسوؤليه على عاتقك يا روان...
_زينب....عزيزتي زينب...يجب أن تفهمي أنني لا أتعامل بأسلوبكم الأرعن مع الأطفال،إنما أربي طفلي على الطريقة الغربية المتحضرة الواعية،مما يعني أنني لا أقيد حريته ولا أحبسه عن العالم من حوله.
اندهشت زينب منها...
_روان...وهل ما تسمحين له بمشاهدته يعني أنك لا تقيدينه؟؟؟.......أو لا تعقدينه مثلا...إنك تصنعين منه إنسانا متبلد المشاعر...إنك تمسحين الطفولة من على قسماته...وتقولين بأنني أتعامل مع أطفالي برعونة؟...أتيتك ناصحة لكني لا أعتقد بأنك أهل للنصيحة يا روان...
وعندما همت بالخروج التفتت مرة أخرى وقالت...
_تفضلي...هذا الصليب الذي أعطاه خالد لعلي وقد أهدي له في المدرسة الإنجليزية بمناسبة عيد الميلاد...أو الكريسماس كما يقولون.
_ماما...ماما...
_ماذا هنالك يا حبيبي؟!...لماذا تصرخ؟!
_إنها خالتي روان عند الباب، مع خالد.
علت الحيرة ملامح زينب فهي لم ترى روان منذ أشهر طوال...عساه يكون خيرًا
_أهلا روان...تفضلي بالدخول، تفضلي.
_شكرا لك يا زينب.
بعد أن جلستا وتناولتا بعض المرطبات بادرت روان بصوت منكسر،و قد تغير حالها كثيرًا...
_لقد أفلس جاسم، وعندما طلب من النقود رفضت فسرق كل ما أملك وهرب...وأنا الآن بلا مأوى، ولا أجد أحدًا غيرك أطلب اللجوء إليه دون أن أشعر بالإهانة.
_آه يا روان....وما حاجتك للسؤال، البيت بيتك، وتستطيعين المكوث هنا كيفما تشائين.
_لا أعرف كيف أشكرك يا زينب.
_لا تفكري حتى بذلك إذا لم أساعدك بأوقات الشدة يا روان، متى سوف أساعدك وأقف إلىجانبك.
بعد مرور أسبوع من ذلك اليوم استيقظ الجميع على صراخ خالد وتوجه الجميع إلى غرفته..._قلت لك أريد أغراضي وألعابي، وأريد أن أذهب إلى السينما، وأيضًا أريد أن أشتري فيلمًا جديدًا...ألا تفهمين؟!...إلى متى انتظر.
فردت عليه روان بحنق...
_كيف تجرأ على محادثتي بهذه الطريقة...هذا أولا وثانيًا أخبرتك بأننا ما عدنا كالسابق أبدًا.
تدخل حسن وحسم الموضوع...
_أرجو منكما الهدوء، خالد أريد التحدث معك يا حبيبي.
عندما ذهب خالد مع زوج خالته همت روان بالخروج من المنزل فهي تشعر بضيق شديد...
لم تعرف إلى أين تذهب، فخطرت على بالها صديقتها منى ، فتوجهت إلى منزلها...أدخلتها الخادمة للصالون وتركتها...وبعد دقائق عادت مرة أخرى وقالت لها...
_إن السيدة منى تأسف لعدم تمكنها من مقابلتكِ، وتطلب منكِ عدم التعرض لها مرة أخرى، فهي لا تحب أن يراها أحد معك سيدتي....عن إذنك لدي عمل أنجزه.
بعدما كانت سيدة مجتمعها...وصفوتهم، أصبحت تذل وتهان من أناس من مقام منى هذه...يا له من زمن قاسٍ...
بعد ساعتين من خروجها عادت روان إلى المنزل ووجدت الباب مفتوح والمنزل خالٍ، إلا من الخادمة التي كانت تبكي فسألتها روان وقلبها ينذر بالخطر...
_ما الذي حدث؟!....توقفي عن البكاء حالاً وأخبريني.
_لقد رمى خالد نفسه من النافذة وهو الآن بالمستشفى.
أخذت تركض كالمجنونة في أروقة المستشفى تبحث عن ولدها...ابنها....خالد....لمحها حسن من بعيد فأسرع إليها، ما إن رأته حتى صرخت به...
_أين ابني؟!....أين خالد؟!
_آسف يا أختاه...لكنهم لم يستطيعوا إنقاذه.....
أصبحت الأيام تمر ثقيلة على قلب روان، فقد أصيبت بشلل نصفي جراء صدمة وفاة ابنها...لقد انتحر خالد؟!....طفل صغير انتحر وترك الدنيا متخذًا طريقة الانتحار من فيلمه المفضل، لأن والدته رفضت اصطحابه للسينما...لأنها رفضت شراء فيلم جديد له...لأنها رفضت أخذه إلى ألعابه وأغراضه...
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
_وعليكم السلام...تفضل سيدي المفتش...تفضل.
_أود التحدث مع السيدة روان يا أبا علي.
_حسنا،لحظة واحده.
وبعد إلقاء التحية،وتجمع كل من حسن وزينب وروان مع المفتش وابتدأ الأخير حديثه قائلاً...
_سيدة روان...لقد تم القبض على زوجك جاسم،وقد أعترف بسرقته لأموالك،وسوف تعاد إليك قريبًا إن شاء الله...
فرح كلٌ من حسن وزينب بهذا الخبر السعيد...
_شكرا لجهودكم الرائعة يا سيدي المفتش،لكني لا أريد النقود...لا أريد منها شيئاً..فهي أموال نجسة...ولا أريد أن أتلوث بها من جديد...لقد تغيرت يا سيدي المفتش...لقد هداني الله تعالى بعد أن كنت ضائعة بين الغرب وحضارتهم الملوثة...أود أن أتبرع بهذه النقود للجان الخيرية.
صدم الجميع!! هل حقًا أن التي تتحدث أمامهم هي روان...روان سيد المجتمع الراقي...وعاشقة التقاليع الغربية..تتبرع بكل ما تملك للجان خيرية؟!
بعد برهة من الصمت المطبق،بادر المفتش وقال...
_لقد كان زوجك في فرنسا،ولقد كان يخطط لسرقة كبرى لأحد أكبر أثرياء المجتمع الفرنسي هناك...بمساعدة آلاء...ابنة أخيه.
_آلاء!!...آلاء!!...لا أصدق،آلاء تلك الفتاة المتحضرة يا زينب تلك الإنسانه الفاهمة العاقلة تقوم بالسرقة!
_ألم تفهمي بعد يا عزيزتي!!،ليس العلم واللهث وراء الغرب بمقياس للتفاضل أبدًا...إنما تقوى الله عز وجل وإتباع سنة رسوله(ص)وآهل بيته عليهم السلام.
_عليهم السلام.........
احب اسمع ارائكم
و على الطــــــريق تسيــــــر
صدمت رنا وهي ترى رجلا يندفع بسرعة فائقة...يهم بتجاوزها وكأنه لم يلحظها ويدخل المكتب الرئيسي للجمعية، فلحقت به لتمنعه من الدخول..
_نعم، لقد تم تجهيز القاعة بأكملها، وهي غاية في الروعة، فكما تعلمين يا عزيزتي أنني قد استعنت بمصمم الديكور الشهير برايان جونز...
_لقد كنت أحاول الاتصال بكِ طوال النهار...أين كنتِ؟؟؟
لم تعره أي اهتمام وواصلت حديثها بالهاتف:
_أعتذر يا منى فقد طرأ موضوع مستعجل ويجب أن أذهب...أراك غدا في حفل الافتتاح يا عزيزتي...
بينما همت روان بإغلاق سماعة الهاتف، دخلت رنا المكتب وهي خائفة...
_أعتذر يا سيدتي لم أستطع منعه من الدخول...
_لا بأس يا رنا ...رنا أعرفك بزوجي جاسم وهذه رنا مساعدتي الجديدة.
همت رنا بإلقاء التحية عليه لكنه قاطعها وقال...
_لا وقت لي للتعارف...هل تسمحين بأن انفرد بزوجتي قليلا؟!
_آه...نعم يا سيدي...آسفة...آسفة
فور خروجها من المكتب، اندفعت روان ناحية زوجها والشرر يتطاير من عينيها..
_كيف تجرأ أن تتعامل معي بهذه الطريقة!!...
_اسكتي...أريد بعض النقود
_ماذا...نقود؟! وهل أخبروك بأنني بنك متجول.
أخرج جاسم سيجارته محاولا السيطرة على أعصابه، فمن الصعب التعامل مع روان وخاصة عند ذكر المال...
_إنني في أزمة وأحتاج إلى بعض السيولة التي لا أملكها للأسف.
نهضت من مكانها وجلست قبالته وهي تهم بتعديل منظرها من خلال مرآة صغيرة في يدها...
_اعذرني يا زوجي الحبيب... أعتقد بأنه عليك البحث عن محسن آخر...
همّ جاسم بضربها فأمسكت بيديه وهمست بأذنه...
_تعرف بأنه عليك أن تضبط نفسك في حضرتي وإلا... عليك بتوديع حياتك المترفة هذه... فبكلمة واحدة مني... أدمرك...
**********
بينما كانت روان منشغلة بالتأكد من هندامها ومظهرها هم خالد مسرعًا...
_ماما...
جمد خالد مكانه وهو يرى أمه تنظر إليه شزرا، فابتسم وصاح...
_آه لقد نسيت يا ماما, أقصد روان...نسيت بأنكِ أمرتني بأن أناديك باسمك حتى لا تبدي كبيرة جدا أمام الناس...صح روان؟
فعادت الابتسامة إلى محياها وقالت:
_صح يا حبيبي....والآن ماذا تريد، لا أرغب بأن تعطلني عن الحفل.
فأخذ الطفل يتأمل السقف، محاولا إيجاد طريقة ما لإقناع أمه بخطته...
_حسناً!!
وقفت روان أمام طفلها متململة وهي تحثه على الحديث...
_أريد أن أذهب للسينما، فهناك فيلم رائع يعرضونه اليوم...طبعا لن تنسي النقود.
تأففت روان وفتحت حقيبتها:
_حسنا....تستطيع الذهاب.
(1)
_شكرا روان....شكرا.
بينما كانت كل من سارة ولينا تستقبل الزوار، كانت آلاء منشغلة بشرح لوحاتها لوزير الثقافة الذي رعى الحفل وحضره...
_كما ترى فإنني قد استعملت اللون الأزرق الغامق في أغلب لوحاتي...لأنه لون البحر الهائج الذي لا يصفو أبدًا...كما هي الحياة...
_آه...هذه اللوحة رائعة جدا....من الذي درسك في مجال الرسم؟
_إنه إيمانويل جيراجوسيان...
_وهو نجل الرسام اللبناني الكبير الراحل بول جيراجوسيان...أعتذر عن المقاطعة،لكني لم أستطع منع نفسي من إضفاء هذه المعلومة...
فرد عليها الوزير مبتسما
_لا بأس يا سيدة روان...وكيف حال زوجك؟...لا أراه كثيرا هذه الأيام.
_إنه يعمل يا سيادة الوزير....وعندما يعمل ينسى كل شيء.
بينما كانت روان ترد على السؤال الموجه إليها...كانت تلعن جاسم الذي تخلف عن حفل افتتاح معرض ابنة أخيه آلاء....
_عن إذنكم إن الصحافة تطلب التحدث مع الآنسة آلاء الآن..؟
فبادرت آلاء...
_هيا بنا...
بعدما أنهت زينب قراءة رواية استغرقت بقراءتها مدة ثلاثة أيام، أخذت قلمًا وورقة، وهمت لتتصيد الأخطاء في جوانب الرواية، وبينما هي كذلك دخل زوجها إلى الغرفة..
_هل أنهيتِ قراءة الرواية؟؟
_أوه...أهلا حسن..اعذرني لم أنتبه لوجودك...إني أقيمها الآن...
_جيد...أريد أن أقرأ تقييمك لها عندما تنتهين..
_حسنا...أرغب بزيارة ابنة خالتي روان في الغد...لم أرها منذ زمن بعيد.
_لا مانع عندي.
قفز علي في حجر أمه وصاح:
_أريد أن أذهب لزيارة خالد أنا أيضا.
_حسنا...لكن عليك ألا تؤذي والدتك...أتعدني؟
_نعم، أعدك يا أبي.
**********
_ألو...معكم الجمعية الثقافية النسائية، هل من خدمة؟؟
_ أود أن أتحدث مع السيدة روان.
_من المتحدث؟
_أخبريها بأنني ابنة خالتها...زينب.
_لحظة من فضلك....سيدة روان ابنة خالتك زينب على الهاتف.
ما أن سمعت اسمها، تأففت وانزعجت..
_حولي المكالمة...أهلا حبيبتي زينب، كيف حالك؟
_أهلا روان، الحمد الله، ماذا عنكِ ؟
_أنا بخير...هل قرأت موضوع افتتاح معرض آلاء؟!
_نعم...
_ما رأيك بلوحتها التي اشتراها السفير البريطاني؟
_أتقصدين لوحة (المسيح)؟
(2)
_نعم تلك هي...ما رأيك أو ليست بلوحة رائعة...إنها مليئة بالأحاسيس والمشاعر الحزينة.
_نعم...لكن ألم تلاحظي أن اللوحة تجسد صلب المسيح (عليه السلام)...وهذا اعتقاد النصارى وليس من عقيدتنا بشيء....إن آلاء ما عادت تميز بين المعتقدات الإسلامية وغيرها...وهذا خطأ جسيم يا روان.
_أوه...متى سوف تفيقي يا زينب، ما عاد لما تقولينه أي أهمية الآن، وآلاء فتاة متحضرة بكل ما للكلمة من معنى فها هي الآن تدرس في جامعة السوربون...وهي جامعة فرنسية عريقة...ولا يستطيع أيًا كان الالتحاق بها يا عزيزتي...
_كما تشائين...اتصلت لأذكرك بموعدنا اليوم، وأود أن أعلمك بأن علي سيكون معي.
_جيد أنكِ اتصلتِ...سوف نكون بانتظاركما.
وفي المساء بينما كانت كل من روان وزينب جالستان في الصالون تتناقشان في أمور مختلفة، كانا الصبيين خالد وعلي يلعبان في الغرفة...
_علي، هيا لنشاهد فيلما، لقد وجدته في خزانة أبي...
_حسنًا، هيا...
رن الجرس، فأسرعت الخادمة لتفتح الباب، وعادت بعد ثوانٍ، لتعلن بان السيد جاسم ينتظر روان في غرفة المكتب.
_يجب أن أذهب وأرى ماذا يريد...اعذريني لدقائق يا زينب، تستطيعين إلقاء نظرة على الأطفال، سوف تدلك الخادمة على غرفة اللعب.
_حسنا...لا بأس اذهبي.
أخذت زينب طريقها من وراء الخادمة إلى الأطفال، فور ما دخلت قام خالد بارتباك وأطفأ جهاز التلفاز، فاستغربت زينب من هذا التصرف...
_أهلا يا أولاد، ما الذي كنتم تشاهدونه بالتلفاز؟؟
التزم خالد الصمت بينما قال علي بكل براءة...
_لقد كنا نشاهد فيلما أحضره خالد من خزانة والده.
_هل أستطيع أن أشاهده؟
فور ما تلفظت زينب بهذه الكلمات وقف خالد فزعًا وصاح بها...
_لا، لا يحق لكِ أبدًا.
اتجهت زينب ناحية التلفاز، وضغطت على زر التشغيل...
من هول الصدمة لم تعرف ما الذي عليها عمله...وبينما كانت روان في طريقها إلى غرفةالأطفال، وإذا بزينب تمسك بيد ابنها وتهم بالخروج...
_زينب ما الذي حصل؟
فانفجرت زينب بوجهها...
_ما الذي حصل؟؟...أو تسألينني عن الذي حصل؟؟....عليك أن تنتبهي إلى ابنك...وأن تبعدي أغراض أبيه عنه، فهو طفل صغير وحرام أن يضيع بسببكما.
تخوفت روان من حديث زينب فما اعتادت أن تتحدث معها بهذه الطريقة..يا ترى ما الذيحصل؟؟
بعد يومين من الحادثة وفي الرابعة عصرا تحديدًا، دخلت زينب مكتب"الجمعية الثقافيةالنسائية"وتوجهت ناحية مكتب السكرتيرة...
_أهلا وسهلا...تفضلي يا سيدتي، هل من خدمة؟!
_شكرا...أود مقابلة روان.
_لا أعتقد بأنه لديك موعد مسبق؟!
_لا، لكنه أمر ضروري...أخبريها بأنني زينب وأريد التحدث معها بأمر عائلي.
_حسنا، لحظة واحد من فضلك.
(3)
دخلت السكرتيرة المكتب الرئيسي للجمعية، وبعد ثوانٍ فتحت الباب وطلبت من زينب الدخول...
_تفضلي بالدخول، إن السيدة روان بانتظارك.
بعد إلقاء التحية والسلام، دخلت زينب في صلب الموضوع وبادرت...
_آسفة لصراخي بوجهك في ذلك اليوم لكني كنت منهارة ولم اعرف ما الذي علي عمله وكيف أتصرف مع الأطفال في مثل هذا الموقف...
طأطأت روان رأسها خجلا...
_لا بأس يا زينب...فأنا أفهمك.
_روان...كنت أستطيع أن أصمت وأتجاهل الموضوع، لكني لم أستطع...يجب عليك أن تنقذي ابنك، لا دخل لي بما يفعله والده...لكن عليك فعل شيء مع خالد إنه طفل صغير، وطريقة تعاملك معه خاطئة وخطيرة عليه...
_وما الذي تقترحين علي فعله، لا أستطيع مراقبته ليلا نهارا كما تفعلين مع ابنك، فأنا امرأة مشغولة و لدي مسؤولياتي الخاصة...
_وابنك أكبر مسوؤليه على عاتقك يا روان...
_زينب....عزيزتي زينب...يجب أن تفهمي أنني لا أتعامل بأسلوبكم الأرعن مع الأطفال،إنما أربي طفلي على الطريقة الغربية المتحضرة الواعية،مما يعني أنني لا أقيد حريته ولا أحبسه عن العالم من حوله.
اندهشت زينب منها...
_روان...وهل ما تسمحين له بمشاهدته يعني أنك لا تقيدينه؟؟؟.......أو لا تعقدينه مثلا...إنك تصنعين منه إنسانا متبلد المشاعر...إنك تمسحين الطفولة من على قسماته...وتقولين بأنني أتعامل مع أطفالي برعونة؟...أتيتك ناصحة لكني لا أعتقد بأنك أهل للنصيحة يا روان...
وعندما همت بالخروج التفتت مرة أخرى وقالت...
_تفضلي...هذا الصليب الذي أعطاه خالد لعلي وقد أهدي له في المدرسة الإنجليزية بمناسبة عيد الميلاد...أو الكريسماس كما يقولون.
********
_ماما...ماما...
_ماذا هنالك يا حبيبي؟!...لماذا تصرخ؟!
_إنها خالتي روان عند الباب، مع خالد.
علت الحيرة ملامح زينب فهي لم ترى روان منذ أشهر طوال...عساه يكون خيرًا
_أهلا روان...تفضلي بالدخول، تفضلي.
_شكرا لك يا زينب.
بعد أن جلستا وتناولتا بعض المرطبات بادرت روان بصوت منكسر،و قد تغير حالها كثيرًا...
_لقد أفلس جاسم، وعندما طلب من النقود رفضت فسرق كل ما أملك وهرب...وأنا الآن بلا مأوى، ولا أجد أحدًا غيرك أطلب اللجوء إليه دون أن أشعر بالإهانة.
_آه يا روان....وما حاجتك للسؤال، البيت بيتك، وتستطيعين المكوث هنا كيفما تشائين.
_لا أعرف كيف أشكرك يا زينب.
_لا تفكري حتى بذلك إذا لم أساعدك بأوقات الشدة يا روان، متى سوف أساعدك وأقف إلىجانبك.
بعد مرور أسبوع من ذلك اليوم استيقظ الجميع على صراخ خالد وتوجه الجميع إلى غرفته..._قلت لك أريد أغراضي وألعابي، وأريد أن أذهب إلى السينما، وأيضًا أريد أن أشتري فيلمًا جديدًا...ألا تفهمين؟!...إلى متى انتظر.
فردت عليه روان بحنق...
_كيف تجرأ على محادثتي بهذه الطريقة...هذا أولا وثانيًا أخبرتك بأننا ما عدنا كالسابق أبدًا.
(4)
تدخل حسن وحسم الموضوع...
_أرجو منكما الهدوء، خالد أريد التحدث معك يا حبيبي.
عندما ذهب خالد مع زوج خالته همت روان بالخروج من المنزل فهي تشعر بضيق شديد...
لم تعرف إلى أين تذهب، فخطرت على بالها صديقتها منى ، فتوجهت إلى منزلها...أدخلتها الخادمة للصالون وتركتها...وبعد دقائق عادت مرة أخرى وقالت لها...
_إن السيدة منى تأسف لعدم تمكنها من مقابلتكِ، وتطلب منكِ عدم التعرض لها مرة أخرى، فهي لا تحب أن يراها أحد معك سيدتي....عن إذنك لدي عمل أنجزه.
بعدما كانت سيدة مجتمعها...وصفوتهم، أصبحت تذل وتهان من أناس من مقام منى هذه...يا له من زمن قاسٍ...
بعد ساعتين من خروجها عادت روان إلى المنزل ووجدت الباب مفتوح والمنزل خالٍ، إلا من الخادمة التي كانت تبكي فسألتها روان وقلبها ينذر بالخطر...
_ما الذي حدث؟!....توقفي عن البكاء حالاً وأخبريني.
_لقد رمى خالد نفسه من النافذة وهو الآن بالمستشفى.
أخذت تركض كالمجنونة في أروقة المستشفى تبحث عن ولدها...ابنها....خالد....لمحها حسن من بعيد فأسرع إليها، ما إن رأته حتى صرخت به...
_أين ابني؟!....أين خالد؟!
_آسف يا أختاه...لكنهم لم يستطيعوا إنقاذه.....
أصبحت الأيام تمر ثقيلة على قلب روان، فقد أصيبت بشلل نصفي جراء صدمة وفاة ابنها...لقد انتحر خالد؟!....طفل صغير انتحر وترك الدنيا متخذًا طريقة الانتحار من فيلمه المفضل، لأن والدته رفضت اصطحابه للسينما...لأنها رفضت شراء فيلم جديد له...لأنها رفضت أخذه إلى ألعابه وأغراضه...
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
_وعليكم السلام...تفضل سيدي المفتش...تفضل.
_أود التحدث مع السيدة روان يا أبا علي.
_حسنا،لحظة واحده.
وبعد إلقاء التحية،وتجمع كل من حسن وزينب وروان مع المفتش وابتدأ الأخير حديثه قائلاً...
_سيدة روان...لقد تم القبض على زوجك جاسم،وقد أعترف بسرقته لأموالك،وسوف تعاد إليك قريبًا إن شاء الله...
فرح كلٌ من حسن وزينب بهذا الخبر السعيد...
_شكرا لجهودكم الرائعة يا سيدي المفتش،لكني لا أريد النقود...لا أريد منها شيئاً..فهي أموال نجسة...ولا أريد أن أتلوث بها من جديد...لقد تغيرت يا سيدي المفتش...لقد هداني الله تعالى بعد أن كنت ضائعة بين الغرب وحضارتهم الملوثة...أود أن أتبرع بهذه النقود للجان الخيرية.
صدم الجميع!! هل حقًا أن التي تتحدث أمامهم هي روان...روان سيد المجتمع الراقي...وعاشقة التقاليع الغربية..تتبرع بكل ما تملك للجان خيرية؟!
بعد برهة من الصمت المطبق،بادر المفتش وقال...
_لقد كان زوجك في فرنسا،ولقد كان يخطط لسرقة كبرى لأحد أكبر أثرياء المجتمع الفرنسي هناك...بمساعدة آلاء...ابنة أخيه.
_آلاء!!...آلاء!!...لا أصدق،آلاء تلك الفتاة المتحضرة يا زينب تلك الإنسانه الفاهمة العاقلة تقوم بالسرقة!
_ألم تفهمي بعد يا عزيزتي!!،ليس العلم واللهث وراء الغرب بمقياس للتفاضل أبدًا...إنما تقوى الله عز وجل وإتباع سنة رسوله(ص)وآهل بيته عليهم السلام.
_عليهم السلام.........
(5)
احب اسمع ارائكم