الحلقة الأولى
كثرت في هذه الأيام الدعوات نحو أقرار ماسمي بالقوانين الهامة تارة والمصيرية تارة أخرى أو قوانين المصالحة في تعبير اخر ، تلك القوانين التي يحاول البعض أن يصورها على أنها تمتلك فعل السحر على الواقع العراقي فهي التي ستحل مشكلة الإرهاب ، وهي التي ستمنع سياسة المؤامرات والوصول إلى السلطة بالقوة ، وهي التي ستوفر لقمة العيش لكثير من العوائل التي بقت بدون مورد مالي بسبب تطبيق بعض القوانين وخاصة وحسب الزعم عوائل البعثيين الذين شملوا بقوانين اجتثاث البعث ، ونحن وان كنا لانقف بالضد من تشريع أي قانون بل نجد أنفسنا نحترم ونفتخر بالدولة التي تحاول إصدار القوانين لتنظيم الحياة في كل جوانبها ، ولكن الشيء المهم جدا والذي يجب أخذه بنظر الاعتبار عند إصدار أي قانون هو ملاحظة بعض المسائل التي تتعلق به، والتي تحدد فرص تشريعه من عدمه والتي يقف في مقدمتها :
1- أن لايكون القانون المراد تشريعه مخالفا للدستور وذلك لان الدستور يعتبر أعلى نص قانوني في البلاد وتكتسب كل التشريعات الأخرى شرعيتها منه ويعتبر باطلا كل قانون يخالفه .
2- الأسباب والدوافع لإصدار هذا التشريع والمسائل التي سوف يعالجها ، فكل ماكانت المسائل هامة ، والشريحة المستهدفة والمنتفعة كبيرة والمتضررة قليلة ، تكون الضرورة للتشريع اكبر والعكس صحيح .
3- عدم وجود قانون يعالج المسألة التي يراد أقرار قانون لها ، أو أن القانون موجود لكنه أصبح لايواكب التطور الحاصل في البلد ، او انه أصبح بحاجة إلى تعديل لإدخال بعض المسائل عليه وتلافي النقص الحاصل في ذلك التشريع .
وحيث أن الجدل محتدم هذه الأيام حول مشروع قانون المصالحة والمساءلة او العدالة والمساءلة ، والذي يراد له أن يحل محل قوانين اجتثاث البعث التي تقوم بتطبيقها الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث ، فلقد أثرنا أن نسلط الضوء على هذا الموضوع من خلال متابعة الفقرات التي حددناها أعلاه والتي تمثل الدوافع والأسباب الحقيقية لإصدار أي قانون ثم مقارنتها مع المشروع محل المناقشة وذلك في ثلاث محاور سنخصص لكل محور حلقة خاصة به :
المحور الأول: مشروع القانون المقترح والدستور.
المحور الثاني:أسباب ودوافع التشريع.
المحور الثالث: عدم وجود قانون أو تطوير القانون النافذ.
المحور الأول : مشروع القانون المقترح والدستور :أن المتتبع لمراحل تقديم مشروع المصالحة والمساءلة او العدالة والمساءلة يلاحظ أن هناك عدة مشاريع قدمت بهذا العنوان وصلت إلى حد ثلاثة ، كما أن هناك مشروع مقدم من قبل الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث يتضمن مشروع قانون لتنظيم عمل الهيئة الوطنية ، وقد اقر مجلس الوزراء وبجلسة استثنائية مسودة معدلة لمشروع قانون العدالة والمساءلة وعرض على مجلس النواب لغرض إصداره ، والملاحظ هنا أن مشروع القانون أحيط بالسرية التامة ، ولم يتسنى لنا الاطلاع على نسخة منه ، لكن الذي اتضح من خلال التصريحات والبيانات المتعلقة بالقانون والتي صدرت من مختلف الجهات ، أن هذا القانون يراد له أن يشكل هيئة جديدة تكون بديلا عن الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث باسم هيئة (المصالحة والمساءلة) وكذلك يحل قانون العدالة والمساءلة محل قوانين الاجتثاث ونحن سنناقش الموضوع على هذا الأساس من حيث مدى مطابقة القانون المراد تشريعه مع الدستور من عدمه وذلك لان أي نص يخالف الدستور لايعتد به ويعتبر باطلا وذلك وفقا لنص المادة 13 من الدستور التي تنص ((أولا :ـ يُعدُ هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق، ويكون ملزماً في إنحائه كافة، وبدون استثناء. ثانياً:ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع هذا الدستور، ويُعد باطلاً كل نصٍ يرد في دساتير الأقاليم، أو أي نصٍ قانونيٍ آخر يتعارض معه.) فهل جاء قانون العدالة والمساءلة متوافقا مع الدستور أو مخالفا له، وللإجابة هنا يجب علينا أن نستعرض نصوص الدستور التي تعالج الموضوع وكمايلي :
• المادة (135):
أولا :ـ تواصل الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث أعمالها بوصفها هيئةً مستقلة، بالتنسيق مع السلطة القضائية والأجهزة التنفيذية في أطار القوانين المنظمة لعملها، وترتبط بمجلس النواب.
ثانياً :ـ لمجلس النواب حل هذه الهيئة بعد انتهاء مهمتها، بالأغلبية المطلقة.
ثالثاً :ـ يشترط في المرشح لمنصب رئيس ا لجمهورية، ورئيس وأعضاء مجلس الوزراء، ورئيس وأعضاء مجلس النواب، ورئيس وأعضاء مجلس الاتحاد، والمواقع المتناظرة في الأقاليم، وأعضاء الهيئات القضائية، والمناصب الأخرى المشمولة باجتثاث البعث وفقاً للقانون، ان يكون غير مشمولٍ بأحكام اجتثاث البعث.
رابعاً :ـ يستمر العمل بالشرط المذكور في البند \"ثالثاً\" من هذه المادة، ما لم تُحل الهيئة المنصوص عليها في البند \"اولاً\" من هذه المادة.
خامساً:- مجرد العضوية في حزب البعث المنحل لا تعد أساسا كافياً للإحالة الى المحاكم، ويتمتع العضو بالمساواة أمام القانون والحماية، ما لم يكن مشمولاً بأحكام اجتثاث البعث، والتعليمات الصادرة بموجبه.
سادساً:ـ يشكل مجلس النواب لجنةً نيابيةً من أعضائه لمراقبة ومراجعة الإجراءات التنفيذية للهيئة العليا لاجتثاث البعث ولأجهزة الدولة، لضمان العدل والموضوعية والشفافية، والنظر في موافقتها للقوانين وتخضع قرارات اللجنة لموافقة مجلس النواب.) ومن خلال استعراض هذه المادة نلاحظ مايلي :
• ان الدستور اكد على استمرار عمل الهيئة الوطنية بوصفها هيئة مستقلة تنسق مع السلطة القضائية والتنفيذية وترتبط بمجلس النواب .
• ان الدستور أعطى الحق لمجلس النواب بحل الهيئة عند أكمالها مهمتها بالأغلبية المطلقة .
• ان الدستور نص على أعطاء الحق لمجلس النواب لتشكيل لجنة نيابية من أعضائه لمراجعة ومراقبة أعمال الهيئة .
والملاحظ هنا ان الدستور أشار إلى استمرار عمل الهيئة وأعطى الحق لمجلس النواب بحلها ، ولكن هذا الحل مقيد بانتهاء مهمة الهيئة ، وحيث ان الدستور لم يحدد الجهة المخولة بتحديد انتهاء مهمة الهيئة ، كما ان مجلس النواب لايمتلك القابلية على تحديد هذا الأمر ، إذ لايمتلك وبحسب الصلاحيات المحددة له في المادة 61 من الدستور مثل هذه الصلاحية ، فلا يبقى أمامنا ألا الهيئة نفسها كونها هيئة مستقلة ومختصة في هذا الأمر ، وحيث أن الهيئة لم تقدم مثل هذا الأشعار الذي يشير إلى انتهاء مهمتها ، بل أكدت وفي أكثر من موقف ومجال بان أمامها عمل مستمر، وان هناك كثير من المواضيع التي مازالت الهيئة تعمل عليها وتتابعها وفقا للقوانين المنظمة لعملها ،لذا فان محاولة إصدار قانون يؤسس لهيئة بديلة عن الهيئة الوطنية وبقانون جديد يختلف عن قوانين الهيئة المنظمة لعملها يعد مخالفة لهذا النص الذي هو نص دستوري في دستور أصبح نافذا بعد الموافقة عليه بالاستفتاء الشعبي وتشكيل الحكومة المنتخبة بموجبه ، وينطوي على خطر كبير يتمثل بعودة المنتمين الى الحزب المقبور الى مجالات العمل السياسي الهامة ، وذلك من خلال ان إلغاء الهيئة الوطنية سيعني ووفقا لنص الفقرة ثالثا ورابعا من المادة 135 من الدستور انتهاء الشرط الذي أكدت عليه الفقرتين المذكورتين والمتمثل ب(يشترط في المرشح لمنصب رئيس ا لجمهورية، ورئيس وأعضاء مجلس الوزراء، ورئيس وأعضاء مجلس النواب، ورئيس وأعضاء مجلس الاتحاد، والمواقع المتناظرة في الأقاليم، وأعضاء الهيئات القضائية، والمناصب الأخرى المشمولة باجتثاث البعث وفقاً للقانون، ان يكون غير مشمولٍ بأحكام اجتثاث البعث ، رابعاً :ـ يستمر العمل بالشرط المذكور في البند \"ثالثاً\" من هذه المادة، ما لم تُحل الهيئة المنصوص عليها في البند \"اولاً\" من هذه المادة) وذلك لان القيد ورد في الدستور مرتبطا بالهيئة الوطنية العليا فإذا حلت الهيئة الغي هذا الشرط الذي يعتبر مانعا قانونيا يمنع من ينطبق عليه من الترشيح اذ بحل الهيئة سيزول المنع وحيث انه أذا زال( المانع عاد الممنوع ) فأننا ربما سنجد أنفسنا أمام عودة جديدة لبعض البعثيين الى مراكز السلطة في الدولة مستفيدين من إلغاء الهيئة الوطنية الأمر الذي يمثل مخالفة دستورية أخرى .
• المادة( 142) :
اولاً: يشكل مجلس النواب في بداية عمله لجنةً من أعضائه تكون ممثلةً للمكونات الرئيسة في المجتمع العراقي، مهمتها تقديم تقريرٍ الى مجلس النواب، خلال مدةٍ لا تتجاوز أربعة أشهر، يتضمن توصيةً بالتعديلات الضرورية التي يمكن إجراؤها على الدستور، وتُحل اللجنة بعد البت في مقترحاتها.
ثانياً: تعرض التعديلات المقترحة من قبل اللجنة دفعةً واحدة على مجلس النواب للتصويت عليها، وتُعد مقرةً بموافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس.
ثالثاً: تطرح المواد المعدلة من قبل مجلس النواب وفقاً لما ورد في البند (ثانياً) من هذه المادة على الشعب للاستفتاء عليها، خلال مدةٍ لا تزيد على شهرين من تأريخ أقرار التعديل في مجلس النواب.
رابعاً: يكون الاستفتاء على المواد المعدلة ناجحاً، بموافقة أغلبية المصوتين، وإذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر.
خامساً: يستثنى ما ورد في هذه المادة من أحكام المادة ( 126 ) المتعلقة بتعديل الدستور ، إلى حين الانتهاء من البت في التعديلات المنصوص عليها في هذه المادة) . ومن خلال الاطلاع على هذه المادة نلاحظ مايلي :
• أن المادة حددت وبشكل واضح الكيفية التي يعدل بها الدستور تلك الكيفية التي تعد ملزمة لايجوز تجاوزها او أيجاد كيفية أخرى غيرها عند التعامل مع نصوص الدستور.
• ان هذه المادة بالذات وضعت من قبل بعض الكيانات السياسية لغرض الموافقة على التصويت على الدستور بالإيجاب وجعلت الدستور ككل معرض للتعديل من خلال اللجنة التي يجب عليها ان تقدم تقريرها خلال مدة لاتتجاوز أربعة أشهر مما يعني ان المادة 135 داخله ضمن هذا الموضوع .
• ان اللجنة بعد أكمال أعمالها تعرض التعديلات على البرلمان لغرض الموافقة عليها بالتصويت دفعة واحدة وعندما تحصل على الأغلبية في البرلمان ستعرض على الشعب لغرض الاستفتاء عليها من قبل الشعب , ويكون الاستفتاء ناجحا بموافقة أغلبية المصوتين ، واذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات او اكثر .
والملاحظ هنا بعد هذا الاستعراض ان الدستور، وبجميع مواده ومن ضمنها المادة 135 داخل ضمن مفهوم التعديل الذي أشارت له المادة 142 من الدستور كونها حاكمة على باقي المواد من الدستور، ذلك الدستور الذي رسمت المادة 142 الكيفية الخاصة لتعديله وفقا لمضمونها ، مما يعني عدم تعديل النص الدستوري الا وفقا لهذه الآلية ، فقد يصار مثلا الى القول بتعديل أحكام المادة 135 من الدستور بالنص على استمرار عمل الهيئة لفترة معينة او تحديد اغلبية أعلى او اقل لانتهاء أعمالها او يتم من خلال التعديل أيجاد هيئة أخرى غيرها مما يعني عدم جواز إنهاء عمل أي هيئة نص عليها الدستور اواحلال هيئة مكانها الأ من خلال الدستور نفسه ووفقا للمادة 142 منه ، ولكن ماهية الغاية من محاولة إغفال هذه المادة ومحاولة حل الهيئة الوطنية خارج أطار تعديل الدستور والمادة 142 ؟ والإجابة هنا واضحة وهي ان القوى التي رحبت بإقرار مشروع هذا القانون وفي مقدمتها السفارة الأمريكية تعلم علم اليقين ان هذا المشروع أذا ماطرح وفقا لآلية التعديل وفق المادة 142 من الدستور فانه حتى لو فرضنا جدلا بانه سيمرر من خلال البرلمان ، فانه لن يمرر من قبل الشعب عند الاستفتاء علية الأمر الذي سيعطل كل التعديلات المراد أقرارها على الدستور وذلك لان التصويت على الفقرات المعدلة من الدستور يتم دفعة واحدة فأما أن تقبل كلها أو ترفض كلها لهذا نجد ان هذه القوى تلقي بكل ثقلها من اجل أقرار مشروع هذا القانون خارج دائرة أحكام المادة 142 من الدستور
نخلص من هذا أن مشروع قانون العدالة والمساءلة مخالف للدستور وذلك من جهتين:
أولا : مخالفته لأحكام المادة 135من الدستور لان الهيئة الوطنية تشكيل دستوري تم أقراره وفق الآلية الدستورية وبالتالي لايجوز إنهائه الأ وفقا لتك الآلية .
ثانيا : أن المادة 142 هي المادة الحاكمة ألان والمهيمنة على نصوص الدستور كلها ولا يجوز تعديل أي مادة دستورية الا من خلال المادة 142 من الدستور ووفق الآلية التي حددتها من خلال اللجنة المشكلة التي تأخذ على عاتقها أقرار التعديلات ، أما محاولة إلغاء مادة دستورية تنظم عمل هيئة دستورية فهو محاولة واضحة للالتفاف على الدستور وخرقة وتمرير بعض القوانين ، التي لاتصمد على مايبدو أمام الآلية الدستورية التي تحيل الأمر بالتعديلات إلى الشعب في النهاية.
ولكن ماهو البديل ان كان لابد من إصدار هذا التشريع مع المحافظة على نصوص الدستور ؟ وللإجابة على هذا الأمر نقول انه يجوز الجمع بين الأمرين من خلال إصدار قانون العدالة والمساءلة كتعديل لقوانين اجتثاث البعث بحيث يحل محل قوانينها مع الإبقاء على الهيئة الوطنية كجهة مستقلة لتطبيق ذلك القانون مع مراعاة نصوص المادة 135 من الدستور والشروط الواردة فيها بدقة ويمكن من خلال هيئة المراجعة النيابية والمشار لها في الفقرة سادسا من المادة أعلاه والتي تشكل من مجلس النواب الوصول إلى قناعات ، أما بحل الهيئة كتعديل دستوري وفقا لأحكام المادة 142 من الدستور ،أو أبقاء الهيئة على حالها أو أيجاد أي صيغة مثلى للتعامل مع الموضوع وفقا لمعطيات الوضع العام في العراق .
الحلقة الثانية
تحدثنا في الحلقة الأولى عن مشروع قانون العدالة والمساءلة و الدستور ،ووجدنا ان المشروع جاء مخالفا للدستور وينطوي على انتهاك واضح له ، وسنحاول في هذه الحلقة الحديث عن المحور الثاني المتعلق بهذا الموضوع الذي اشرنا له سابقا بعنوان:
المحور الثاني:أسباب ودوافع التشريع:
من الأمور الهامة التي تجعل من التشريع ضرورة ملحة لغرض إصداره هي الأسباب التي تقف وراء ذلك التشريع ، فقد يراد به مثلا معالجة موضوع يتعلق بشريحة كبيرة مستهدفة به ، او يراد به جلب منفعة كبيرة لجانب من جوانب الحياة بمختلف توجهاتها ، أو أن القانون سيساهم في حل مشكلة او حالة خطيرة تحتاج الى حل جذري ، مع ملاحظة أن لايكون للتشريع المراد أقراره نتائج عكسية غير التي كانت ترجى منه ، وعند الرجوع إلى أسباب و دوافع طرح هذا المشروع نجد ومن خلال ملاحظة ماورد أعلاه مايلي :
1- الشريحة المستهدفة بالقانون :
أن المشروع المقترح عالج موضوع المشمولين بإجراءات اجتثاث البعث تلك الإجراءات المنظمة بموجب قرارات وقوانين الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث ، وبالرجوع الى تلك القوانين نجد أنها أعطت لمن كان بدرجة عضو الفرقة الحق بالعودة إلى الوظيفة أو طلب الراتب التقاعدي وذلك وفقا لنصوص قانونية محددة ، وفعلا تمت إعادة العدد الكثير من البعثيين إلى دوائر الدولة ، لان الكثير من البعثيين اضطروا إلى الانتماء إلى الحزب المقبور بسب الوظيفة ، أو خوفا من بطش السلطة ،أو سطوة النظام ، وبالرجوع إلى تقرير الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث عن عملها للفترة من 14/ 1/ 2004 ولغاية 14/ 8 / 2006 .نلاحظ مايلي :
(أولاً :- أن ( بول بريمر ) الحاكم المدني السابق لسلطة الاحتلال في العراق آنذاك اصدر القرار رقم ( 1) والذي أعتبر بموجبه حزب البعث في العراق حزباً منحلاً وقد أصدر تشريعات بإقصاء جميع البعثيين ممن كانوا بدرجة عضو فما فوق في حزب البعث من الوظيفة في مؤسسات الدولة في العراق كافة . وقد باشر مستشاروه في تلك الوزارات والمؤسسات والدوائر بتطبيق هذه التشريعات ، مما خلق حالة من العشوائية والإرباك في عمل هذه المؤسسات والوزارات ، ألا أنه بعد مباشرة الهيئة لأعمالها قامت بإلغاء اغلب التشريعات التي جاءت في الأمر الإداري رقم (1) أعلاه استناد للصلاحية المخولة لها وأعادت جميع البعثتين ممن هم بدرجة ( عضو ) فما دون إلى وظائفهم وبشكل فوري دون الرجوع إلى الهيئة لاستحصال موافقة خاصة .
ثانياً:- أن مجموع من تم إقصائهم من الوظيفة من قبل الحاكم المدني السابق ( بول بريمر ) هو 142,359 مقسمين إلى 31,215 أعضاء فرق 111,138 دون أعضاء الفرق . وهولاء جميعهم تم إعادتهم إلى الوظيفة بشكل مباشر من قبل الهيئة عند مباشرتها بأعمالها .
ثالثاً:- أما في يتعلق بأعضاء الفرق في حزب البعث المنحل فقد منحت الهيئة للموظفين المبعدين حق طلب العودة إلى الوظيفة أو الإحالة إلى التقاعد ، ووضعت إلية دقيقة لتنسيق هذا العمل من خلال مراجعة الموظفين المشمولين بإجراءات اجتثاث البعث لدوائر الهيئة أو اللجان المحلية لاجتثاث البعث في الوزارات أو اللجان الفرعية في المحافظات . وقد نشرت هذه الإجراءات في وسائل الأعلام ووزعت إلى جميع مؤسسات الدولة ومجالس المحافظات
رابعاً :- أن الهيئة مستمرة بعملها في شمول كبار أعضاء حزب البعث بقرار منعهم من تسلم المناصب السيادية أو المسؤوليات القيادية أو الدرجات الخاصة في مؤسسات الدولة العراقية وذلك لضمان عدم عودة البعث إلى السلطة من جديد .
خامساً :- أن مجموع ماأصدرته الهيئة من قرارات الاجتثاث( إقصاء عن الوظيفة )
استنادا إلى توفر الأدلة والوثائق الثبوتية و التي تثبت شمولهم بإجراءات الاجتثاث بــلغ( 11,203) موظفاً وقد طبقت الإجراءات بحق ( 7439) موظفا منهم،ولا يزال هناك(3764)موظف لم يتم تطبيق الآجراءات بحقهم من قبل وزاراتهم ودوائرهم .
سادساً:- أصدرت الهيئة قرارات بقبول طلبات العودة إلى الوظيفة شملت (8915) موظف ، كما أصدرت قرارات بقبول طلبات الإحالة إلى التقاعد شملت (1124) موظف، وهذه القرارات شملت أعضاء الفرق ممن تم إقصائهم من قبل السفير السابق (بول بريمر ) قبل تأسيس الهيئة أو من قبل الهيئة . وقد تم رفض طلبات ( 281) موظفاً مشمولاً بالاجتثاث لأنها جاءت مخالفة لأحكام القانون ، ولا يزال هناك (3450) طلباً للعودة إلى الوظيفة قيد الدراسة والنظرة وأجراء المخاطبات لإكمال المستمسكات المطلوبة في المعاملة المرفوعة لغرض البث بأمرها في وقت لاحق . كما أن أبواب الهيئة مفتوحة لاستقبال طلبات الموظفين المشمولين بإجراءات اجتثاث البعث سواء طلبات العودة إلى الوظيفة أو طلبات الإحالة إلى التقاعد للراغبين بذلك . ودراسة الاعتراضات المقدمة من قبل المشمولين بهذه الإجراءات من قبل لجنة مختصة لضمان الحيادية والإنصاف وقانونية القرار المتخذ والتي قبلت اعتراض(56)من مجموع (71) معترض كما أن جميع قرارات الهيئة خاضعة للمراجعة القضائية من قبل مكتب قضاة الهيئة ) . ومن الاطلاع على هذا التقرير الصادر عن الهيئة يتضح ان الشريحة التي يريد هذا المشروع ان يتعامل معها هي شريحة ليست بالكبيرة في حين ان الشريحة التي وقع عليها الظلم في ظل نظام البعث الشمولي اكبر بكثير من ذلك ، ثم أن من الواضح والجلي هنا ، ان الهيئة عملت بجد ودون كلل في أعادة من يستحق العودة الى الوظيفة او شمول من يستحق الشمول بالراتب التقاعدي معتمدة في ذلك على اليات واضحة ودقيقة ، وبالتالي فالقول بان قوانين الاجتثاث تحمل طابع الانتقام والإقصاء وتعطل مشروع ال1344 ركة الانتخابية والعراق يمر بأحسن أوقاته لكي لايستخدم الواقع العراقي ضد الرئيس بوش وحزبه .
ثانيا : الحكومة العراقية التي طرحت مشروع المصالحة الوطنية والذي تضمن معالجة قوانين اجتثاث البعث ، والتي تقف اليوم في موقف لاتحسد عليه أذ أنها وصلت إلى سدة الحكم بأصوات الضحايا وهاهي وبسبب الوضع السياسي الحرج وانفراط عدد المؤيدين لها ، تعتمد على الدعم الأمريكي والتكتل الرباعي لضمان البقاء في السلطة ذلك التكتل الذي يشكل التحالف الكردي عنصرا هاما فيه والذي يدفع باتجاه أقرار القانون ، ربما من باب أرضاء الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الذي لايمكن التفريط به بسهولة ، خصوصا مع قيام الأزمات المتكررة داخليا وخارجيا في إقليم كردستان ، كموضوع حزب العمال ، وموضوع عقود النفط ، ولان القانون من جهة أخرى لايمثل مشكلة له كونها غير متحققة على الساحة الكردية، لذا نجد ان الحكومة العراقية لأتملك خيارات أخرى سوى أقرار المشروع لضمان استمرار الدعم الأمريكي والتحالف الرباعي .
ثالثا : بعض الكتل البرلمانية العراقية التي تحاول الحصول على الكسب السياسي من خلال الظهور بمظهر المدافع عن حقوق الإنسان من خلال ترويج كلام من قبيل ، أن الاجتثاث يعني الانتقام والإقصاء وتهميش الأخر ، أو أن الاجتثاث حرم كثير من العوائل من مورد رزقها وربما يؤدي هذا الأمر إلى اتجاه تلك العوائل وافرادها إلى الإرهاب ، وهذه الدعوات مرفوضة جملة وتفصيلا وان الغاية التي ترجوها تلك الجهات هي لإغراض الكسب الحزبي بعد ان وجدت نفسها في واد وغالبية الشعب العراقي في واد أخر ، فهي تعول من خلال ذلك على الحصول على بعض المكاسب في بعض الأوساط للتقرب إلى بعض الجهات الداخلية او الخارجية وطرح نفسها كقوة سياسية متناغمة مع الأطروحات الخارجية الداعمة لعودة البعث ورموزه تلك الجهات الخارجية التي تهتم بمصالح بلدانها دون الاهتمام بالداخل العراقي .
رابعا : بعض دول الجوار التي تتحسس من وجود حكومة منتخبة تعمل وفقا لدستور تم التصويت عليه من قبل الشعب العراقي ، الأمر الذي يمثل في حالة نجاح التجربة العراقية مصدر قلق لتلك الدول خصوصا مع الموقف السلبي لبعض تلك الدول من التجربة العراقية ، لذا فهو يحاول جاهدا ان يوجد له يد في الشأن العراقي لذا فانه يدفع باتجاه المطالبة بإصدار مثل هذه القوانين بحجة المصالحة الوطنية لكي يضمن وصول أصدقاء الأمس إلى مصدر القرار في العراق الجديد ، فان نجح فبها ، وان اخفق فسيستثمر ذلك للعمل عليه وفقا لمصالحه .
خامسا : ان الإصرار على إصدار هذا القانون ينطوي على عدم فهم للدستور وتجاوز البنود والنصوص الدستورية ، وذلك لان المادة 135 الفقرة سادساً نصت على ان ( يشكل مجلس النواب لجنةً نيابيةً من أعضائه لمراقبة ومراجعة الإجراءات التنفيذية للهيئة العليا لاجتثاث البعث ولأجهزة الدولة، لضمان العدل والموضوعية والشفافية، والنظر في موافقتها للقوانين وتخضع قرارات اللجنة لموافقة مجلس النواب.) فحيث ان مجلس النواب يمتلك مثل هذه الصلاحية ، فلماذا لايستخدمها لمعالجة أي أخطاء حادثة في عمل الهيئة أن كانت هناك أخطاء تذكر ؟ فلماذا الإصرار على إلغاء الهيئة من خلال تشريع قانون العدالة والمساءلة فهل الأمر يتعلق بأهمية القانون من الناحية الاجتماعية أم أن الأمر بالعكس من ذلك تماما ليس الا مزايدات في ميدان السياسة ، ان عدم اللجوء الى هذه الفقرة وتجاوزها هو قفز فوق النصوص