إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

قبسات من حياة جواد آل البيت صلوات الله عليه ..

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قبسات من حياة جواد آل البيت صلوات الله عليه ..

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وصلى الله على نبينا محمد وآل الطيبين الطاهرين واهدنا اللهم بما اُختلف فيه من الحَق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم ..
    السلام عليكم (شيعة أمير المؤمنين ) ورحمة الله وبركاته
    :::
    عظم الله أجرك مولاي يابقية الله في أرضه وحجتهِ على عِباده وعظم الله أجورنا وأجوركم أخوتي وأخواتي المؤمنين والمؤمنات بمناسبة ذكرى استشهاد باب المراد النقي الجواد مولانا محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبٍ
    وإنا لله وإنا إليه راجعون
    :
    ولاءً للنبي المصطفى و وصيهِ عليٍ المرتضى و الطُهر الصدّيقةُ الكبرى فاطمةُ الزهراء سلام الله عليها
    أنقل (أنا الفقيرة إلى الله) نبذةً عن مولاي الجواد (لقضاء الحوائج) ولتفريج الكُرب عن المؤمنين والمؤمنات والتعجيل في فرج صاحب الأمر ..
    فبإسم العالي نبدء
    :

    محمد الجوادُ عليه السلام في سطُور


    جده: الإمام موسى الكاظم (عليه السلام).
    أبوه: الإمام علي الرضا (عليه السلام).
    أمه: سبيكة من أهل بيت مارية أم إبراهيم بن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
    أمّ ولد، يقال لها: سبيكة نوبية، وقيل أيضاً: أنّ اسمها كان خيزران، وروي أنّها كانت من أهل بيت مارية أمّ إبراهيم بن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(1).
    وتدعى درّة وكانت مرّيسية(2) ثمّ سمّاها الرّضا (عليه السلام) خيزران، ويقال: ريحانة وتكنّى أمّ الحسن(3) وقيل: سكينة المرسيّة(4).

    ولادته: ولد بالمدينة في ليلة الجمعة 19 شهر رمضان سنة 195.
    صفته: أبيض معتدل.
    كنيته: أبو جعفر، ويقال: أبو جعفر الثاني تمييزاً له عن الإمام الباقر (عليه السلام).
    ألقابه: الجواد، القانع، المرتضى، النجيب، التقي، المنتجب، المختار، المتوكل، المتقي، الزكي، العالم.
    نقش خاتمه: نعم القادر الله.
    زوجاته: سمانة المغربية، أم الفضل بنت المأمون.
    أولاده: الإمام علي الهادي (عليه السلام)، موسى.
    بناته: فاطمة، إمامة.
    شعراؤه: حماد، داود بن القاسم الجعفري.
    بوابه: عمر بن الفرات، عثمان بن سعيد السمان.
    ملوك عصره: المأمون، المعتصم.
    أشخصه المعتصم العباسي من المدينة فورد بغداد لليلتين بقيتا من المحرم سنة 220.
    وفاته: توفي يوم السبت، آخر ذي القعدة سنة 220 ببغداد، متأثراً بسم دسه إليه المعتصم العباسي على يد زوجته أم الفضل.
    قبره: دفن مع جده الإمام الكاظم (عليه السلام)، وقبره اليوم ينافس السماء علواً وازدهاراً، على اعتابه يتكدس الذهب، ويتنافس المسلمون من جميع المعمورة على زيارته، والتبرك بقبره الشريف، والصلاة والدعاء عنده.
    مدة إمامته: سبع عشرة سنة.

    هو الإمام أبو جعفر محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).


    ___________________________

    الهوامش


    1 ـ أصول الكافي: ج1، ص411.
    2 ـ مرّيسة:بتشديد الراء على وزن سكّينة: قرية بمصر.
    3 ـ المناقب لابن شهر آشوب: ج4، ص379.
    4 ـ كشف الغمّة: ج2، ص343.


    يُتبع

  • #2
    النصوص الدالة على إمامة محمّد بن عليّ الجواد (عليه السلام)

    النصوص الدالة على إمامته متواترة، كما تثبت في إمامة آبائه (عليهم السلام)، وإشارة جدّه موسى بن جعفر (عليه السلام) وأبيه إليه بالإمامة.
    وإليك بعضها:

    روى الشيخ الطوسي بإسناده عن ابن سنان، قال: (دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام) من قبل أن يقدم العراق بسنة وعليّ ابنه جالس بين يديه، فنظر إليّ وقال: يا محمد سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك، قال: قلت: وما يكون جعلني الله فداك فقد أقلقتني قال: أسير إلى هذا الطاغية(1) أما أنه لا يبدأني منه سوء ومن الذي يكون بعده(2) قال: قلت: وما يكون جعلني الله فداك، قال: يضلّ الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء، قال: قلت: وما ذلك جعلني الله فداك قال: من ظلم ابني هذا حقّه، وجحده إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي طالب إمامته وجحده حقّه بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: قلت: والله لئن مدّ الله لي في العمر لأسلمن له حقه ولأقرّنّ بإمامته، قال: صدقت يا محمد، يمدّ الله في عمرك وتسلّم له حقّه وتقرّ له بإمامته وإمامة من يكون بعده، قال: قلت: ومن ذاك؟ قال: ابنه محمد، قال: قلت له: الرضا والتسليم)(3).

    روى الكليني بإسناده عن يزيد بن سليط قال: (لقيت أبا إبراهيم (عليه السلام) ونحن نريد العمرة في بعض الطريق... قال لي أبو إبراهيم (عليه السلام): إنّي أُؤخذ في هذه السنة والأمر هو إلى ابني علي سميّ عليّ وعليّ، فأمها علي الأول فعلي بن أبي طالب، وأمّا الآخر فعلي بن الحسين(عليه السلام) أعطى فهم الأول وحلمه ونصره وودّه ودينه ومحنته، ومحنة الآخر وصبره على ما يكره وليس له أن يتكلّم إلاّ بعد موت هارون بأربع سنين، ثمّ قال لي: يا يزيد وإذا مررت بهذا الموضع ولقيته وستلقاه فبشّره أنه سيولد له غلام أمين مأمون مبارك وسيعلمك أنّك قد لقيتني فأخبره عند ذلك أن الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من أهل بيت مارية جارية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمّ إبراهيم، فإن قدرت أن تبلّغها منّي السلام فافعل، قال يزيد: فلقيت بعد مضيّ أبي إبراهيم عليّاً فبدأني فقال لي: يا يزيد، ما تقول في العمرة؟ فقلت: بأبي أنت وأمي ذلك إليك وما عندي نفقة، فقال: سبحان الله ما كُنّا نكلّفك ولا نكفيك، فخرجنا حتى انتهينا إلى ذلك الموضع فابتدأني، فقال: يا يزيد، إنّ هذا الموضع كثيراً ما لقيت فيه جيرتك وعمومتك، قلت: نعم ثمّ قصصتُ عليه الخبر فقال لي: أمّا الجارية فلم تجيء بعد فإذا جاءت بلّغتها منه السلام فانطلقنا إلى مكّة فاشتراها في تلك السنة فلم تلبث إلاّ قليلاً حتى حملت فولدت ذلك الغلام)(4).

    روى الشيخ الطوسي بإسناده عن أحمد بن أبي نصر، قال ابن النجاشي: (من الإمام بعد صاحبكم؟ فدخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فأخبرته، فقال: الإمام بعدي ابني ثمّ قال: هل يجتري أحد أن يقول: ابني، وليس له ولد)(5).
    روى الشيخ المفيد بإسناده عن الحسين بن بشّار، قال: (كتب ابن قياما الواسطي إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) كتاباً يقول فيه: كيف تكون إماماً وليس لك ولد؟ فأجابه أبو الحسن (عليه السلام): وما علمك أنه لا يكون لي ولد والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولداً ذكراً يفرّق بين الحقّ والباطل)(6).

    روى الكليني بإسناده عن الخيراني، عن أبيه قال: (كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن (عليه السلام) بخراسان، فقال: يا سيدي إن كان كون فإلى من؟ قال: إلى أبي جعفر ابني، فكأنّ القائل استصغر سنّ أبي جعفر (عليه السلام) فقال أبو الحسن (عليه السلام): إنّ الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولاً نبيّاً، صاحب شريعةٍ مبتدأةٍ في أصغر من السنّ الذي فيه أبو جعفر (عليه السلام) )(7).

    . روى ابن الصبّاغ بإسناده عن صفوان بن يحيى، قال: قلت للرضا قد كنّا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر من القائم بعدك؟ فتقول: يهب الله لي غلاماً وقد وهبك الله وأقرّ عيوننا به فإن كان كون ولا أرانا الله لك يوماً فإلى من؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر وهو قائمٌ بين يديه وعمره إذ ذاك ثلاث سنين، فقلت: وهو ابن ثلاث قال: وما يضرّ من ذلك فقد قام عيسى بالحجّة وهو ابن أقلّ من ثلاث سنين).

    • وعن معمر بن خلاّد قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: وذكر شيئاً فقال: ما حاجتكم إلى ذلك؟ هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته مكاني، وقال: إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة)(8).

    • روى الشيخ المفيد بإسناده عن أبي يحيى الصّنعاني، قال: (كنت عند أبي الحسن(عليه السلام) فجيء بابنه أبي جعفر (عليه السلام) وهو صغيرٌ فقال: هذا المولود الذي لم يولد مولودٌ أعظم على شيعتنا بركةً منه)(9).

    • روى الصفّار بإسناده عن ابن قياما قال: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وقد ولد أبو جعفر (عليه السلام) فقال: إن الله قد وهب لي من يرثني ويرث آل داود(عليه السلام) )(10).


    _____________________________________


    الهوامش


    1 ـ يقصد المهدي العبّاسي.
    2 ـ هو الموسى بن المهدي، ومن الواضح أن الذي قتل الإمام موسى بن جعفر هو هارون الرشيد ابن المهدي.
    3 ـ كتاب الغيبة: ص27.
    4 ـ الكافي: ج1، ص252، رقم 14.
    5 ـ كتاب الغيبة: ص52.
    6 ـ الإرشاد: ص298.
    7 ـ الكافي: ج1، ص258.
    8 ـ الفصول المهمة: ص265.
    9 ـ الإرشاد: ص299.
    10 ـ بصائر الدرجات: ج3، ص138.


    يُتبع

    تعليق


    • #3
      سيرته وسنته


      مناقب محمد بن علي الجواد (عليهما السلام)


      • قال ابن الصبّاغ المالكي: (وأمّا مناقبه فما اتّسعت حلبات مجالها، ولا امتدت أوقات آجالها، بل قضت الأقدار الإلهيّة بقلّة بقائه في الدنيا بحكمها وأسجالها، فقلّ في الدنيا مقامه، وعجّل القدوم عليه لزيارته حمامه، فلم تطل بها مدّته ولا امتدت فيها أيامه، غير أنّ الله تعالى خصّه بمنقبة متألّقة في مطالع التعظيم، بارقة أنوارها، مرتفعة في معارج التفصيل قيمة أقدارها، بادية لأبصار ذوي البصائر، بيّنة منارها، هادية لعقول أهل المعرفة آية آثارها وهي وإن ك انت صورتها واحدة فمعانيها كثيرة، وصيغتها وإن كانت صغيرة فدلالتها كبيرة وهي أنّ هذا أبو جعفر محمد بن علي، عليه وعلى آبائه السلام)(1).

      • روى الكليني بإسناده عن أحمد بن زكريا الصيدلاني عن رجل من بني حنيفة من أهل بست(2) وسجستان(3), قال: (رافقت أبا جعفر (عليه السلام) في السنة التي حجّ فيها في أول خلافة المعتصم فقلت له ـ وأنا معه على المائدة وهناك جماعة من أولياء السلطان ـ: إنّ والينا جعلت فداك رجلٌ يتولاّكم أهل البيت ويحبّكم وعليّ في ديوانه خراج، فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إليه كتاباً بالإحسان إليّ فقال لي: لا أعرفه، فقلت: جعلت فداك إنّه على ما قلت من محبّيكم أهل البيت وكتابك ينفعني عنده فأخذ القرطاس وكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد: فإنّ موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهباً جميلاً، وإن ما لك من عملك ما أحسنت فيه فأحسن إلى إخوانك، واعلم أنّ الله عز وجل سائلك عن مثاقيل الذرّ والخردل، قال: فلما وردت سجستان سبق الخبر إلى الحسين بن عبد الله النيسابوري، وهو الوالي فاستقبلني على فرسخين من المدينة فدفعت إليه الكتاب فقبّله ووضعه على عينيه ثم قال لي: ما حاجتك؟ فقلت: خراج عليّ في ديوانك قال: فأمر بطرحه عنّي وقال لي: لا تؤدّ خراجاً ما دام لي عمل، ثم سألني عن عيالي فأخبرته بمبلغهم فأمر لي ولهم بما يقوتنا وفضلاً فما أدّيت في عمله خراجاً ما دام حيّاً ولا قطع عنّي صلة حتى مات)(4).

      كرامات الإمام محمد بن عليّ الجواد (عليهما السلام)

      • قال الشبلنجي: (نقل غير واحد أن والده علياً الرضا لما توفّي وقدم بغداد المأمون بعد وفاته بسنة اتفق أن المأمون خرج يوماً يتصيّد فاجتاز بطريق البلد، وثمّ صبيان يلعبون ومحمد الجواد واقف عندهم، فلما أقبل المأمون فرّ الصبيان ووقف محمد، وعمره إذ ذاك تسع سنين فلمّا قرب منه الخليفة نظر إليه فألقى الله في قلبه حبّه فقال له: يا غلام ما منعك من الانصراف كأصحابك؟ فقال له محمد مسرعاً: يا أمير المؤمنين، لم يكن بالطريق ضيق فأوسعه لك، وليس لي جرم فأخشاك، والظن بك حسن أنك لا تضرّ من لا ذنب له، فأعجبه كلامه وحسن صورته، فقال له: ما اسمك واسم أبيك؟ فقال: محمد بن علي الرضا فترحّم على أبيه وساق جواده إلى مقصده وكان معه بزاة الصيد فلما بعد عن العمران أرسل بازاً على دراجة فغاب عنه ثم عاد من الجواد وفي منقاره سمكة صغيرة فيها بقايا الحياة فتعجّب من ذلك غاية العجب ورجع فرأى الصبيان على حالهم ومحمد عندهم ففرّوا إلا محمداً فدنا منه، وقال له: يا محمد ما في يدي؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى خلق في بحر قدرته سمكاً صغاراً تصيده بازات الملوك والخلفاء كي يختبر بها سلالة بني المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كرامة فقال له: أنت ابن الرضا حقاً وأخذه معه وأحسن إليه وقرّبه وبالغ في إكرامه ولم يزل مشغوفاً به لما ظهر له بعد ذلك من فضله وعلمه وكمال عقله وظهور برهانه مع صغر سنّه) (5).

      • روى ابن الصبّاغ عن أبي خالد قال: (كنت بالعسكر فبلغني أن هناك رجلاً محبوساً أتي به من الشام مكبّلاً بالحديد، وقالوا إنه تنبّأ، فأتيت باب السجن ودفعت شيئاً للسجّان، حتى دخلت عليه فإذا برجل ذا فهم وعقل ولبّ، فقلت: يا هذا ما قصتك؟ قال: إني كنت رجلاً بالشام أعبد الله تعالى في الموضع الذي يقال أنه نصب فيه راس الحسين (عليه السلام)، فبينما أنا ذات يوم في موضعي مقبل على المحراب أذكر الله إذ رأيت شخصاً بين يدي فنظرت إليه فقال: قم، فقمت معه فمشى قليلاً فإذا أنا في مسجد الكوفة فقال لي: تعرف هذا المسجد؟ قلت: نعم هذا مسجد الكوفة، قال: فصلّى، فصلّيت معه، ثم خرج، فخرجت معه، فمشى قليلاً فإذا نحن بمكة المشرفة فطاف بالبيت فطفت معه، ثم خرج فخرجت معه فمشى قليلاً فإذا أنا بموضعي الذي كنت في بالشام، ثم غاب عنّي فبقيت متعجّباً ممّا رأيت فلما كان في العام المقبل وإذا بذلك الشخص قد أقبل عليّ فاستبشرت به فدعاني فأجبته ففعل بي كما فعل بي بالعام الماضي فلما أراد مفارقتي قلت له: سألتك بحثّ الذي أقدرك على ما رأيت منك إلاّ ما أخبرتني من أنت؟ فقال: أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. فحدثت بعض من كان يجتمع لي بذلك فرفع ذلك إلى محمد بن عبد الملك الزيّات فبعث إليّ من أخذني من موضعي وكبّلني بالحديد، وحملني إلى العرق وحبسني كما ترى وادّعى عليّ بالمحال قلت له: فأرفع عنك قصّة إلى محمد بن عبد الملك الزيّات، قال: افعل فكتبت عنه قصة وشرحت فيها أمره ورفعتها إلى محمد بن عبد الملك، فوقّع على طهرها: قل للذي أخرجك من الشام إلى هذه المواضع التي ذكرتها يخرجك من السجن الذي أنت فيه، فقال ابن خالد: فاغتممت لذلك وسقط في يدي، وقلت: إلى غد آتيه وآمره بالصبر وأعده من الله بالفرج وأخبره بمقالة هذا الرجل المتجبّر، قال: فلما كان من الغد باكرت السجن فإذا أنا بالحرس والجند وأصحاب لاسجن وناس كثير في همرجة فسألت: ما الخبر؟ فقيل لي: إن الرجل المتنبئ المحمول من الشام فقد البارحة من السجن وحده بمفرده وأصبحت قيوده والأغلال التي كانت في عنقه مرميّ بها في السجن لا ندري كيف خلص منها، وطلب فلم يوجد له أثر ولا خبر، ولا يدرون أغمس في الماء أم عرج به إلى السماء، فتعجّبت من ذلك، وقلت: استخفاف ابن الزيّات بأمره واستهزاؤه بما وقع به على قصته، خلّصه من السجن)(6).

      • قال ابن الصبّاغ: (وحكي أنه لما توجّه أبو جعفر منصرفاً من بغداد إلى المدينة الشريفة خرج معه الناس يشيّعونه للوداع فسار إلى أن وصل إلى باب الكوفة عند دار المسيّب فنزل هناك مع غروب الشمس ودخل إلى مسجد قديم مؤسس بذلك الموضع ليصلّي فيه المغرب وكان في صحن المسجد شجرة نبق لم تحمل قط فدعا بكوز فيه ماء فتوضّأ في أصل الشجرة وقام يصلّي فصلّى معه الناس المغرب فقرأ في الأولى الحمد وإذا جاء نصر الله والفتح، وقرأ في الثانية بالحمد وقل هو الله أحد، ثم بعد فرغه جلس هيئة يذكر الله تعالى وقام فتنفّل بأربع ركعات وسجد بعدهنّ سجدتي الشكر، ثمّ قام فوادع الناس وانصرف فأصبحت النبقة وقد جحملت من ليلتها حملاً حسناً فرآها الناس وقد تعدّبوا من ذلك غاية العجب ثم ما كان هو أغرب وأعجب من ذلك أن نبقة هذه الشجرة لم يكن لها عجم فزاد تعجّبهم من ذلك أكثر وأكثر، وهذا من بعض كراماته الجليلة ومناقبه والجميلة)(7).

      • قال الشيخ محمود الشيخاني القادري الشافعي: (ومن كراماته أنه كان يطوى له الأرض فيصلّي في يوم واحدٍ بمكّة والمدينة والشام والعراق)(8).

      • روى المفيد بإسناده عن محمد بن عليّ الهاشمي قال: (دخلت على أبي جعفر بن محمد بن علي (عليهما السلام) صبيحة عرسه ببنت المأمون وكنت تناولت من الليل دواء فأوّل من دخل عليه في صبيحته أنا وقد أصابني العطش وكرهت أن أدعو بالماء فنظر أبو جعفر (عليه السلام) في وجهي وقال: أراك عطشان، قلت: أجل قال: يا غلام اسقنا ماءً، فقلت في نفسي: الساعة يأتونه بماءٍ مسمومٍ واغتممت لذلك فأقبل الغلام ومعه الماء فتبسّم في وجهي ثم قال: يا غلام ناولني الماء فتناول الماء فشرب، ثم ناولني فشربت وأطلت عنده فعطشت فدعا بالماء ففعل كما فعل في المرّة الأولى فشرب ثم ناولني وتبسّم، قال محمد بن حمزة: فقال لي محمد بن علي الهاشمي: والله إني أظنّ أن أبا جعفر يعلم ما في النفوس كما يقول الرّافضة)(9).

      • وروى بإسناده عن المطرفي قال: (مضى أبو الحسن الرضا (عليه السلام) ولي عليه أربعة آلاف درهم لم يكن يعرفها غيري وغيره فأرسل إليّ أبو جعفر (عليه السلام): إذا كان في غد فائتني فأتيته من الغد، فقال لي: مضى أبو الحسن (عليه السلام) ولك عليه أربعة آلاف درهم قلت: نعم فرفع المصلّى الذي كان تحته فإذا تحته دنانير فدفعها إليّ فكان قيمتها في الوقت أربعة آلاف درهم)(10).

      • وروى بإسناده عن معلّى بن محمد، قال: (خرج عليّ أبو جعفر (عليه السلام) حدثان موت أبيه فنظرت إلى قدّه لأصف قامته لأصحابنا فقعد ثم قال: يا معلّى، إن الله احتجّ في الإمامة بمثل ما احتجّ به في النبوّة فقال: ﴿وآتيناه الحكم صبيّاً﴾(11).

      • وروى بإسناده عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: (دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) ومعي ثلاث رقاع غير معنونة واشتبهت عليّ فاغتممت فتناول إحداها، وقال: هذه رقعة ريّان بن شبيب، ثم تناول الثانية، فقال: هذه رقعة فلان، فقلت: نعم فبهتّ أنظر إليه فتبسّم وأخذ الثالثة فقال: هذه رقعة فلان. فقلت: نعم جعلت فداك فأعطاني ثلاثمائة دينار، وأمرني أن أحملها إلى بعض بني عمّه وقال: أما أنه سيقول لك: دلّني على حريف يشتري لي بها متاعاً فدلّه عليه، قال: فأتيته بالدنانير، فقال لي: يا أبا هاشم دلّني على حريف يشتري لي متاعاً؟ فقلت: نعم(12).

      • وقال: قال أبو هاشم: (ودخلت معه ذات يوم بستاناً فقلت له: جعلت فداك إنّي مولع بأكل الطّين فادع الله لي فسكت، ثم قال لي بعد أيام ابتداءً منه: يا أبا هاشم قد أذهب الله عنك أكل الطين قال أبو هاشم: فما شيء أبغض إليّ منه اليوم)(13).

      • روى ابن شهر آشوب عن حسن بن علي: (أنّ رجلاً جاء إلى التقيّ (عليه السلام) وقال: أدركني يابن رسول الله فإن أبي قد مات فجأة وكان له ألفا دينار، ولست أصل إليه ولي عيال كثير فقال: إذا صلّيت العتمة فصلِّ على محمد وآله مائة مرّة ليخبرك به، فلما فرغ الرجل من ذلك رأى أباه يشير إليه بالمال، فلما أخذه قال: يا بنيّ اذهب به إلى الإمام وأخبره بقصّتي فإنه أمرني بذلك فلما انتبه الرجل أخذ المال وأتى أبا جعفر وقال: الحمد لله الذي أكرمك واصطفاك.

      • وفي رواية ابن اسباط: وهو إذ ذاك خماسي، إلاّ أنه لم يذكر موت والده)(14).

      هجرة الإمام الجواد (عليه السلام) من المدينة إلى بغداد

      للإمام الجواد (عليه السلام) هجرتان: الأولى: بعدما استشهد الإمام الرضا (عليه السلام) بسمّ المأمون في طوس، ودفن في قبّة هارون الرشيد، ذهب المأمون إلى بغداد ودخلها سنة 204هـ وكان الناس يلومونه ويقولون: احتال المأمون بطلبه الرضا (عليه السلام) إلى مرو وهو الذي دسّ في سمّه وقتله مظلوماً.
      استشار المأمون حاشيته لتمويه ما قالوه فأشاروا عليه بطلب ابن الرضا محمد بن عليّ من المدينة إلى بغداد، فكتب المأمون إليه وأشخصه إلى بغداد.
      قال المسعودي: (فحمله وأنزله بالقرب من داره(15) ودخل عليه حسين المكاري فلما رأى طيب حاله قال في نفسه: لا يرجع أبداً إلى موطنه، فقال (عليه السلام): خبز شعير، وملح جريش وحرم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحبّ إليّ مما ترى)(16).

      • قال الشيخ المفيد: (وكان المأمون قد شغف بأبي جعفر (عليه السلام) لما رأى من فضله مع صغر سنّه وبلوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان فزوّجه ابنته أمّ الفضل وحملها معه إلى المدينة وكان متوفّراً على إكرامه وتعظيمه وإجلال قدره)(17).

      • قال المسعودي: (في السنة التي خرج فيها المأمون إلى (البديدون) من بلاد الرّوم، خرج (عليه السلام) بأمّ الفضل حاجّاً إلى مكّة)(18).

      • قال الرّاوندي: (لمّا خرج بزوجته أمّ الفضل من عند المأمون ووصل شارع الكوفة وانتهى إلى دار المسيّب عند غروب الشمس دخل المسجد وكان في صحنه نبقة لم تحمل بعد فدعا بكوز فتوضّأ في أصلها وقام فصلّى بالناس صلاة المغرب فرأ في الأولى: الحمد، وإذا جاء نصر الله، وفي الثانية: الحمد، وقل هو الله أحد، فلمّا سلم جلس هنيئة وقام من غير أن يعقب تعقيباً تامّاً فصلّى النوافل الأربع وعقّب بعدها وسجد سجدتي الشكر فلما انتهى إلى النبقة رآها الناس قد حملت حملاً حسناً فأكلوا منها فوجدوا نبقاً لا عجم له حلواً)(19).



      يُتبع


      التعديل الأخير تم بواسطة -أمةُ الزهراء-; الساعة 08-12-2007, 03:05 AM.

      تعليق


      • #4
        هجرته الثانية إلى بغداد(عليه السلام)

        لما بويع المعتصم بعد أخيه المأمون بالبديدون وانصرف إلى بغداد كن لا يزال يتتبّع أحوال الإمام محمد بن علي الجواد حتى كتب إلى محمد بن عبد الملك الزيّات أن ينقذه إليه مع زوجته أمّ الفضل بنت المأمون أرسل ابن الزيّات علي بن يقطين إليه فتجهّز من المدينة إلى بغداد ووردها ليلة الثامن والعشرين من الحرّم، سنة عشرين ومائتين، وأقام بها عشرة أشهر، وسمّه المعتصم في آخر ذي القعدة سنة عشرين ومائتين، وفي هذه المدة قاسى من المعتصم ما قاسى.

        • روى الراوندي: (إنّ المعتصم دعا جماعة من وزرائه فقال: اشهدوا لي على محمد بن علي بن موسى (عليه السلام) زوراً، وكتبوا كتاباً أنه أراد أن يخرج ثم دعاه فقال له: إنّك أردت أن تخرج عليّ فقال: والله ما فعلت شيئاً من ذلك، قال: فإنّ فلاناً وفلاناً شهدوا عليك بذلك فاحضروا فقالوا: نعم هذه الكتب أخذناها من بعض غلمانك، قال: وكان جالساً في بهو(20) فرفع أبو جعفر الثاني يده وقال: اللهمّ إن كانوا كذبوا عليّ فخذهم قال: فنظرنا إلى ذلك البهو كيف يرجف ويذهب يجيء، وكلّما قام منّا واحد وقع فقال المعتصم: يا بن رسول الله إنّي تائب ممّا قلت فادع ربّك أن يسكنه، فقال: اللهمّ سكّنه إنّك تعلم أنّهم أعداؤك وأعدائي فسكن)(21).

        • روى الشيخ المفيد بإسناده عن إسماعيل بن مهران، قال: (لمّا خرج أبو جعفر من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه، قلت له عند خروجه: جعلت فداك، إنّي أخاف عليك في هذا الوجه فإلى من الأمر بعدك؟ قال: فكرّ إليّ بوجهه ضاحكاً وقال لي: ليس حيث كما ظننت في هذه السنة، فلما استدعي به إلى المعتصم صرت إليه فقلت له: جعلت فداك أنت خارج فإلى من هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتى اخضلّت لحيته ثم التفت إليّ فقال: عند هذه يخاف عليّ، الأمر من بعدي إلى ابني عليّ)(22).


        _______________________________________


        الهوامش


        1 ـ مطالب السؤول: ص240، مخطوط.
        2 ـ بُست، بالضمّ: مدينة بين سجستان وغزنين وهرات. (معجم البلدان: ج1، ص414).
        3 ـ سجستان بكسر أوّله وثانيه، وسين أخرى مهملة، وتاء مثناة من فوق وآخره نون: وهي ناحية كبيرة وولاية واسعة، وبينها وبين هرات عشرة أيام ثمانون فرسخاً، وهي جنوبي هرات وأرضها كلها رملة سبخة والرياح فيها لا تسكن أبداً... قال الرهني: وأجلّ من هذا كله أنه لعن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) على منابر الشرق والغرب، ولم يلعن على منبرها إلا مرة وامتنعوا على بني أمية حتى زادوا في عهدهم أن لا يلعن على منبرهم أحد، وأي شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على منبرهم وهو يُلعن على منابر الحرمين مكّة والمدينة؟ وبين سجستان وكرمان مائة وثلاثون فرسخاً). (معدم البلدان: ج3، ص190).
        4 ـ الفروع من الكافي: ج5، ص111 رقم 6.
        5 ـ نور الأبصار: ص188.
        6 ـ الفصول المهمة: ص271.
        7 ـ المصد: ص270.
        8 ـ الصراط السويّ في مناقب آل النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ص404 مخطوط.
        9 ـ الإرشاد: ص305.
        10 ـ المصدر: ص306.
        11 ـ المصدر.
        12 ـ الإرشاد: ص306.
        13 ـ المصدر: ص307.
        14 ـ المناقب: ج4، ص391.
        15 ـ إثبات الوصية: ص216.
        16 ـ الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم: ج2، ص200، رقم7.
        17 ـ الإرشاد: ص299.
        18 ـ إثبات الوصية: ص219.
        19 ـ الخرائج، الطبعة الجديدة: ص337، ورواه الإربلي في كشف الغمة: ج2، ص358.
        20 ـ البهو: البيت الذي كانوا يقيمونه أمام البيوت أو الخيام منزلاً للغرباء والضيوف.
        21 ـ الخرائج، الطبعة القديمة: ص106.
        22 ـ الإرشاد: ص308.

        تعليق


        • #5
          عصره

          عاصر الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام)، خليفتين عباسيين، والخليفة الذي عاش الإمام في عهده ظروفاً هادئةً، هو المأمون العباسي.
          ومعروف أن المأمون قام بالتقرب إلى العلويين وإلى سيدهم الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، بسبب الضغط الجماهيري الذي تعرض له النظام العباسي حيث تميز عهده بسلسلة من الثورات والانتفاضات في كافة أرجاء الدولة الإسلامية.
          • ويقول بعض المؤرخين: أن المأمون العباسي كان شيعياً، وكان يذهب إلى أحقية أولاد الإمام علي (عليه السلام) بالخلافة، وإلى إمامة الإمام علي (عليه السلام)، ولكننا لا نرى ذلك في المأمون العباسي لأن ذلك شرف لا يستحقه خليفة غاصب.
          يبقى أن نعرف أنه بعد استشهاد الإمام الرضا (عليه السلام) على يد المأمون، أصبح محمد بن علي الجواد (عليه السلام) الإمام الشرعي للرساليين، ومعروف أن الإمام الجواد (عليه السلام) صاهر المأمون العباسي.
          ونتساءل لماذا أقدم الإمام الجواد (عليه السلام) على الزواج من بنت المأمون العباسي؟
          ولكي نعرف الإجابة عن مثل هذا السؤال لابدّ أن نلقي نظرة على الحركة الرسالية التي كان الأئمة (عليهم السلام) يقودونها ويوسعونها، في عصر الإمام الرضا ونجله الإمام الجواد (عليه السلام).
          في عهد المأمون تحوَّلت الحركة الرسالية إلى حركة تستطيع أن تتداخل مع النظام وتستفيد من مظلته أو حتى تكوّن ما يسمى اليوم بحكومة ائتلافية، مع أي دولة من الدول، والأئمة (عليهم السلام) كانوا يقبلون بالحماية من قبل الدولة بدون أن يفقدوا رسالتهم.
          والأئمة المعصومون(عليهم السلام) لم يحلوا حركتهم، أي أنهم لم يقبلوا بالخلافة ولم يشتركوا فيها، والدليل على ذلك موقف الإمام الرضا من ولاية العهد حيث قبلها بشرط عدم التدخل في شؤون النظام.
          أما الإمام الجواد (عليه السلام) فحينما خطب ابنة المأمون وتزوجها، أصبح صهر الخليفة واستفاد من ذلك لأجل رسالته فماذا يعني أن يصبح شخص صهراً للخليفة؟
          إن من يدخل البلاط يمكن أن يصير والياً على منطقة، أو حاكماً على بلد، أو قاضي القضاة لا أقل، ولكن الإمام الجواد لم يفعل شيئاً من ذلك، بل أخذ بيد زوجته وذهب إلى المدينة وبقي هناك حتى مات المأمون العباسي.
          فماذا كسب الإمام (عليه السلام) من هذه المصاهرة؟
          كسب الإمام الجواد (عليه السلام) بهذا العمل أمرين:
          - أولاً: منع المأمون من أن يقوم بعملية اغتياله، وذلك بقبوله الزواج من ابنته.
          - ثانياً: جعل مخالب السلطة وأنيابها في قفص الحركة الرسالية، وذلك أن المأمون ما كان ليجرؤ بعد ذلك على أن يقوم بالفتك برجالات الحركة ومجموعاتها.
          ولقد كان هذا الأسلوب متبعاً في كثير من عصور الأئمة (عليهم السلام)، وخير شاهد على ذلك قصة علي بن يقطين بن موسى البغدادي الذي كان بمثابة مستشار للخليفة المهدي العباسي، ثم صار في رتبة الوزير لهارون الرشيد، وعندما حصل على هذا المنصب وكان اتجاهه رسالياً، جاء إلى الإمام الصادق (عليه السلام) وقال: (يا بن رسول الله أنا صرت عوناً لهذا الطاغية) وأراد أن يستقيل.
          ومعروف أن الذي يحصل على هذا المركز ذلك اليوم يسيطر على مرافق أكبر دولة في العالم. فطلب منه الإمام أن يظل في عمله، ويستمر في أداء مهامه الرسالية ويبقى في بلاط هارون، وعاود الطلب من الإمام بأن يأذن له بترك السلطة إلاّ أن الإمام لم يأذن له، ولقد كانت أعماله كبيرة بالنسبة للحركة، حتى أن الإمام أبا الحسن (عليه السلام) قال فيه عندما دخل عليه داود الرقي، في يوم النحر: (ما عرض في قلبي أحد وأنا على الموقف إلاّ علي بن يقطين، فإنه ما زال معي وما فارقني حتى أفضت)(1).

          عصر المعتصم العباسي عليه اللعنة

          والإمام الجواد (عليه السلام) عاصر خليفة من الخلفاء الذين أثروا تأثيراً مباشراً على زوال الدولة العباسية، وهو المعتصم العباسي.
          المعتصم العباسي كان ابن أمة تركية، فمال إلى أخواله فكان يحب جمع الأتراك وشراءهم من أيدي مواليهم، فاجتمع له منهم أربعة آلاف، وألبسهم أنواع الديباج والمناطق المذهبة والحلي المذهبة وأبانهم عن سائر الجنود(2).
          ثم وسمهم رتباً قيادية في الجيش حتى أنه ثارت ثائرة العسكريين العرب في الجيش، فلقد حاول (عجيف) أن يقلب الحكم على المعتصم ليولّي العباس بن المأمون، ولكن هذه المحاولة أخفقت وقتله المعتصم.
          والأتراك حينما جاءوا إلى البلاد الإسلامية أخذوا شيئاً فشيئاً يسيطرون على الحكم ويجردون الخلفاء من سلطتهم الحقيقة، وأخذوا يحدثون الانقلابات العسكرية (كما نسميها الآن).
          حتى وصل بهم الأمر إلى أنه إذا مال عنهم خليفة عباسي، فإنهم كانوا يقتلونه غيلة، ثم ينصبون رجلاً آخر من البيت العباسي مكانه، فابتداءً من المتوكل إلى المستعين إلى المهتدي وانتهاءً بالمقتدر، كل هؤلاء قتلوا بواسطة القادة العسكريين الأتراك.
          وهكذا كانوا يقومون بالخلع والقتل لأي خليفة لم تتجاوب أهواؤه مع أهوائهم، وليس ذلك لشيء في تركيبة العنصر التركي، وإنما نتيجة للحالة المتردية التي وصل إليها المجتمع الإسلامي من الانحلال والفساد الخلقي الشامل.
          والإمام الجواد (عليه السلام) استفاد من هذا الوضع في تغذية الحركات الرسالية التي كانت تضع جنينها للمستقبل، وفي هذا الوقت كانت الثورة التي قام بها محمد بن القاسم بن علي الطالبي تقلق السلطة ولا تدعها تعيش في هدوء وسكينة.


          _____________________

          الهوامش
          1 - جامع الرواة، العلامة الأردبيلي: ج1 ص609.
          2 - المسعودي: ج3 ص465.
          3 - المصدر





          تعليق


          • #6
            :
            اللهم صلي على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
            إنا لله وإنا إليه راجعون
            عظم الله اجوركم ياموالين
            :

            تعليق


            • #7
              عظم الله اجوركم جميعا باستشهاد الامام الجواد سلام الله عليه
              بارك الله بك غاليتي راوية
              احببت رفع الموضوع لان سيرة الامام ينبغي ان تكتب بماء الذهب
              السلام على اولهم واخرهم وعلى رسول الله الف صلاة وسلام
              تحياتي المعطرة بأنفاس فاطمة والمطهرة بنور حجابها

              تعليق


              • #8


                السلام عليك و رحمة الله و بركاته


                تحية عطرة للغاليه راويه و أخرى للعزيزة حلم اللقاء

                التي لم يتسنى لي الترحيب بعودتها المفرحه بعد


                مازلت اقرا الموضوع
                لكن
                قداسته
                و معزة كاتبته
                الزموني بالرد

                لأشكر تلك الانامل التي خطت هذه الأسطر المميزة في حق سيد من سادات الدنيا و الآخرة عليه السلام


                تعليق


                • #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة Rawiyh
                  :
                  اللهم صلي على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
                  إنا لله وإنا إليه راجعون
                  عظم الله اجوركم ياموالين
                  :

                  تعليق


                  • #10
                    اللهم صل على محمد و آل محمد و عجل فرجهم والعن عدوهم
                    كل العزاء لمولانا و قائدنا و إمامنا صاحب الزمان بهذا المصاب الجلل

                    عظم الله أجوركم بإستشهاد مولانا و مقتدانا الإمام محمد بن علي الجواد

                    رزقنا الله في الدينا و الآخرة شفاعته و رضاه

                    جزاك الله خير الجزاء أختي رواية على ما تشرفت بكتابته ونقله من السيرة العطرة للإمام الجواد سلام الله عليه

                    بارك الله بكِ

                    تعليق


                    • #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة مجرد ذكرى


                      السلام عليك و رحمة الله و بركاته


                      تحية عطرة للغاليه راويه و أخرى للعزيزة حلم اللقاء

                      التي لم يتسنى لي الترحيب بعودتها المفرحه

                      وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                      هلا والله بالعزيزة مجرد ذكرى
                      شكرا لك عزيزتي على كلماتك ومشاعرك الطيبة
                      ولا انسى انه اهلا بك انت ايضا مجددا ايتها المغيبة طوعا
                      الحمد لله هذه المرة لم تخاطبيني بـ " صغيرتي " .. بحس حالي كتكوتة لما بتقوليها
                      تحياتي الدمشقية الى قلب الصحراء السعودية

                      تعليق


                      • #12
                        تابع مع خالص

                        بسمه تبارك وتعالى
                        :
                        تابع

                        أصحابه وتلاميذه

                        قبض أبو الحسن عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) سنة 203 وانتقلت الإمامة إلى ولده أبي جعفر محمد بن علي الجواد (عليه السلام).
                        واستفاد منه العلماء والفقهاء من تلامذة جدّه وأبيه غيرهم لأنّهم سمعوا من جدّه أبي جعفر محمد بن علي الباب (عليهم السلام) قال: (إنّ العلم يتوارث ولا يموت عالم إلاّ وترك من يعلم مثل علمه أو ما شاء الله)(1).

                        • قال البرقي: (من أدركه من أصحاب أبي الحسن الأول ـ موسى بن جعفر (عليه السلام) ـ أبو عبد الله محمد بن خالد البرقي القمّي.
                        ومن أدركه من أصحاب أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، وهم عشرة ذكر أسماءهم، وأمّا أصحابه الذين استفادوا منه ستّة وخمسون شخصاً)(2).
                        وذكر أسماءهم على حسب حروف التهجّي الشيخ الطّوسي في رجاله(3).
                        منهم: عليّ بن مهزيار الأهوازي الذي كتب إليه أبو جعفر محمد بن علي الجواد (عليه السلام) بخطّه، بسم الله الرحمن الرحيم: يا عليّ أحسن الله جزاك وأسكنك جنّته ومنعك من الخزي في الدنيا والآخرة وحشرك الله معنا، يا عليّ قد بلوتك وخبرتك في النصيحة والطاعة والخدمة والتوقير والقيام بما يجب عليك، فلو قلت إنّي لم أرَ مثلك لرجوت أن أكون صادقاً فجزاك الله جنّات الفردوس نزلاً فما خفي عليّ مقامك ولا خدمتك في الحرّ والبرد في الليل والنهار فأسأل الله إذا جمع الخلائق للقيامة أن يحبوك برحمة تغتبط بها إنّه سميع الدّعاء)(4).
                        1- (اسحق) بن ابراهيم الحضيني لقي الرضا (عليه السلام).
                        2- (ابراهيم) بن محمد الهمداني(5) لحقه أيضا.
                        3- (ابراهيم) بن داود(6) اليعقوبي.
                        4- (ابراهيم) بن مهرويه من أهل جسر بابل.
                        5- (أحمد) بن محمد بن أبي نصر(7) البزنطي من أصحاب الرضا (عليه السلام).
                        6- (أحمد) بن محمد بن عيسى الأشعري من أصحاب الرضا (عليه السلام).
                        7- (أحمد) بن محمد بن عبيد الله الاشعري.
                        8- (أحمد) بن محمد بن خالد(8).
                        9- (أحمد) بن حماد.
                        10- (إدريس) القمي يكنى أبا القاسم.

                        ___________________________

                        الهوامش

                        1 ـ أصول الكافي: ج1، ص173، رقم 3.
                        2 ـ رجال أحمد بن عبد الله البرقي: ص55.
                        3 ـ رجال الطوسي، باب أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الثاني (عليه السلام): ص397.
                        4 ـ كتاب الغيبة، للشيخ الطوسي: ص226.
                        5 - يأتي لإبراهيم بن محمد هذا ذكر في باب اصحاب الهادي (عليه السلام) ويريد بقوله هنا (لحقه) أي لحق الجواد (عليه السلام)، فلاحظ.
                        6 - يأتي له ذكر في باب أصحاب الهادي (عليه السلام).
                        7 - تقدم لأحمد بن محمد البزنطي هذا ذكر في بابي أصحاب الكاظم والرضا (عليهما السلام) وذكره أيضاً في الفهرست (ص43-رقم 63) توفي سنة 221 هـ، وكان عظيم المنزلة عند الرضا (عليه السلام) وهو ثقة جليل القدر، وكان له اختصاص بأبي الحسن الرضا (عليه السلام) وأبي جعفر (عليه السلام) وممن أجمع الأصحاب على تصحيح ما يصح عنهم وأقروا له بالفقه، وأجمعوا على قبول مراسيله.
                        8 - هذا هو أحمد بن محمد بن خالد بن عبد الرحمن، بن محمد بن علي الرقي أبو جعفر الكوفي، وجاء ذكره في باب اصحاب الهادي (عليه السلام) بعنوان أحمد بن ابي عبد الله القري، وذكره أيضا في الفهرست (ص44-رقم65) وقال: صنف كتباً كثيرة (ثم ذكر جملة منها) توفي سنة 274 هـ، وذكره النجاشي في رجاله وعد من تصانيفه نيفا وتسعين كتاباً).


                        تعليق


                        • #13
                          علمه
                          بلغ (سلام الله عليه) في العلم والعقل والكمال والفضل والآداب والحكم ورفعة المنزلة ما لم يساوه أحد من أهل زمانه.
                          وكيف لا، وهو من الأئمّة الذين جعلهم الله ولاة أمره وخزنة علمه. قال جدّه أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (والله إنّا لخزّان الله في سمائه وأرضه لا على ذهب ولا على فضّةٍ إلاّ على علمه)(1).
                          وهو من الراسخين في العلم الذين تحدّث عنهم أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) فقال: (نحن الرّاسخون في العلم ونحن نعلم تأويله)(2).
                          وهو من الذين لولاهم ما عبد الله الذين دعوا العباد إلى توحيده وطاعته وفيهم يقول أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إنّ الله عزّ وجلّ خلقنا فأحسن خلقنا وصوّرنا فأحسن صورنا، وجعلنا خزّانه في سمائه وأرضه، ولنا نطقت الشجرة، وبعبادتنا عُبد الله عزّ وجلّ، ولولانا ما عبد الله)(3).
                          وهو من الذين جعلهم الله خلفاءه في أرضه حيث قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): (الأئمة خلفاء الله عز وجل في أرضه)(4).

                          ________________________

                          الهوامش

                          1 ـ أصول الكافي كتاب الحجّة: ج1، ص148، رقم2.
                          2 ـ المصدر: ص166، رقم 1.
                          3 ـ المصدر: ص149، رقم6.
                          4 ـ المصدر، رقم1.
                          5 ـ عيون المعجزات: ص108.




                          عبادته

                          • وروي عنه قال: (رأيت أبا جعفر (عليه السلام) يمشي بعد يوم النّحر حتى يرمي الجمرة ثم ينصرف راكباً وكنت أراه ماشياً بعد ما يحاذي المسجد بمنى قال: وحدثني علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن الحسن بن صالح عن بعض أصحابه قال: نزل أبو جعفر (عليه السلام) فوق المسجد بمنى قليلاً عن دابّته حتى توجّه يرمي الجمرة عند مضرب علي بن الحسين (عليه السلام)، فقلت له: جعلت فداك لِمَ نزلت هاهنا؟ فقال: إن هذا مضرب علي بن الحسين ومضرب بني هاشم وأنا أحبّ أن أمشي في منازل بني هاشم)(2).


                          ___________________
                          الهوامش

                          1 ـ المصدر: ص435.


                          أدعيته

                          وأدعية أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كنز نفيس في التوحيد والعقائد، وسفر جليل حافل بالأخلاق والعرفان، ومنهل عذب يفيض بالكمال والآداب.
                          والدعاء عند أئمة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) وسيلة من وسائلهم الكثيرة للنهوض المجتمع وتوجيهه نحو المولى جل شأنه، والارتفاع به إلى الملكوت الأعلى؛ وفي هذا الباب بعض ما أثر عن الإمام أبي جعفر الجواد (عليه السلام) من الأدعية:

                          1- من دعاء له (عليه السلام):
                          (يا من لا شبيه له ولا مثال، أنت الله لا إله إلى أنت، ولا خالق إلا أنت. تفني المخلوقين وتبقى أنت، حلمت عمن عصاك، وفي المغفرة رضاك)(1).

                          2- من دعاء له (عليه السلام) في القنوت:
                          منائحك متتابعة، وأياديك متوالية، ونعمك سابغة وشكرنا قصير، وحمدنا يسير، وأنت بالتعطف على من اعترف جدير. اللهم وقد غص أهل الحق بالريق، وارتبك أهل الصدق في المضيق وأنت اللهم بعبادك وذوي الرغبة إليك شفيق، وبإجابة دعائهم وتعجيل الفرج عنهم حقيق. اللهم فصل على محمد وآل محمد، وبادرنا منك بالعون الذي لا خذلان بعده، والنصر الذي لا باطل يتكأده، وأتح لنا من لدنك متاحا فياحاً، يأمن فيه وليك، ويخيب فيه عدوك، ويقام فيه معالمك، ويظهر فيها أوامرك وتنكف فيه عوادي أعدائك. اللهم بادرنا منك بدار الرحمة وبادر أعدائك من بأسك بدار النقمة، اللهم أعنّا وأغثنا، وارفع نقمتك عنا وحلها بالقوم الظالمين)(2).
                          ____________________________
                          الهوامش

                          1 - أعيان الشيعة 4 ق3/245 مقتبس الأثر 18/114.
                          2 - مهج الدعوات 59.



                          تعليق


                          • #14
                            حكمه

                            هذه روائع من حكم الإمام (عليه السلام) ونصائحه وتوجيهاته، وهي على قصرها مشتملة على فنون المعارف والأخلاق والآداب والدعوة إلى الله سبحانه، والحث على إكتساب الفضائل، ولقد احتوت على معادن سامية قصرت عنها الكتب المطولة، وجدير بنا اليوم أن نأخذ هذه الحكم والنصائح للعمل والتطبيق، وان نجعلها منهاجاً ننهجه في حياتنا العملية، ونظاما نسير على هداه في طريقنا الطويل.
                            نعود لنسجل بعض ما ورد من هذه الحكم:

                            1- قال (عليه السلام): تأخير التوبة اغترار، وطول التسويف حيرة، والاعتلال على الله هلكة، والإصرار على الذنب أمن لمكر الله، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
                            وقال (عليه السلام): المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال: توفيق من الله، وواعظ من نفسه، وقبول ممن ينصحه.

                            2- وقال (عليه السلام): كيف يضيع من الله كافله، وكيف ينجو من الله طالبه؟ ومن انقطع إلى غير الله وكله الله إليه، ومن عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح(1).

                            3- وقال (عليه السلام): القصد إلى الله تعالى بالقلوب أبلغ من إتعاب الجوارح بالأعمال.

                            4- وقال (عليه السلام): من أطاع هواه أعطى عدوه مناه.


                            الهوامش

                            1 - أعيان الشيعة4 ق3/244/245.



                            وصاياه

                            وليس الغرض من ذكر وصايا الأئمة (عليهم السلام) هو القراءة أو الحفظ، بل يجب أن تكون القراءة من أجل التطبيق، والحفظ من أجل العمل، وبغير هذا يكون الموضوع اشغالا لا طائل منه، وجهدا ضائعاً لا فائدة فيه، ولا نجد أنفسنا بحاجة إلى الاستدلال بان العمل بوصايا الائمة (عليهم السلام) تفيدنا السعادة في الدنيا والنعيم في الآخرة، فنحن متفقون على ذلك، ومتسالمون عليه، بقي علينا شئ واحد: هو أن نقسر أنفسنا على الأخذ بهذه الوصايا، والعمل بموجبها، ومن الله نسال التوفيق.
                            نذكر بعض وصايا الإمام أبي جعفر الجواد (عليه السلام):

                            1- قال له رجل اوصني:
                            قال: او تقبل؟
                            قال: نعم.
                            فقال (عليه السلام): توسد الصبر، واعتنق الفقر، وارفض الشهوات، وخالف الهوى، وعلم انك لن تخلو من عين الله، فانظر كيف تكون(1).

                            2- من وصية له (عليه السلام):
                            اياك ومصاحبة الشرير، فإنه كالسيف المسلول، يحسن منظره، ويقبح أثره(2).

                            ________________________
                            الهوامش

                            1 - أعيان الشيعة4 ق3/243.
                            2 - بحار الأنوار 17/214.

                            مناظراته

                            اختلفت الأدوار التي مرت على كل واحد من الائمة (عليهم السلام) شدة ولينا، لإختلاف سيرة الحاكمين معهم، فالإمام موسى الكاظم (عليه السلام) قضى فترة من عمره الشريف في سجون هارون الرشيد، والإمام الرضا (عليه السلام) صار ولي عهد المأمون.
                            وكما أنها اختلفت من حيث سلوك الحاكمين معهم كذلك اختلفت في سلوك الناس معهم، ثم اختلفت أيضاً في ماهية الأسئلة والمناظرات التي واجهت كل واحد منهم (عليهم السلام).
                            فالإمام الصادق (عليه السلام) شهد موجة الحادية شديدة يتزعمها نفر من الملاحدة، فتصدى (عليه السلام) للقضاء عليها، فقد اجتمع بهؤلاء مراراً كاشفاً لشبهاتهم، منيراً لهم الطريق، وأملى على تلميذه المفضل بن عمر فصولا في التوحيد، تلاقفها العلماء من ذلك الوقت وحتى اليوم بالإكبار والاهتمام والشروح.
                            والامام الرضا (عليه السلام) تصدى لعلماء الأديان، أهل الملل والنحل، فكانت له معهم مناظرات طويلة، استجاب بعض هؤلاء لنداء الحق، ودخل في الاسلام. وقد أوقفناك على بعض تلك المناظرات في الباب السابق.
                            وللإمام الجواد (عليه السلام) دور آخر، فقد استاء العباسيون من مكانته عند المأمون وتزويجه له من ابنته، كما أن كبار العلماء والقضاة المعاصرين له حسدوه لما بلغهم من علمه وهو لم يزل في العقد الأول من عمره.
                            واجتمع هؤلاء وهؤلاء على مناظرته في الفقه والحديث وغير ذلك، آملين أن يبدو عجزه عن الإجابة فيتضعضع مركزه عند المأمون وأهل المملكة، وجماهير المسلمين الذين انشغفوا بعلمه.
                            لقد خابت آمال هؤلاء فقد خرج (عليه السلام) من هذا الاختبار مرفوع الرأس، وبقيت مناظراته حديث الأجيال خلال القرون الطويلة، تتعطر بذكرها المحافل والأندية.


                            تعليق


                            • #15
                              استشهاده

                              أشخص المأمون أبا جعفر محمد بن علي الجواد (عليه السلام) إلى بغداد بعد وفاة أبيه علي بن موسى الرضا وزوّجه بابنته أمّ الفضل، ثم رجع إلى المدينة وهي معه فأقام بها، وكانت أمّ الفضل تحسد سمانة أمّ علي بن محمد (عليه السلام) فكتبت إلى أبيها المأمون من المدينة تشكو أبا جعفر وتقول: إنّه يتسرّى عليّ ويغيّرني إليها، فكتب إليها المأمون: يا بنيّة إنّا لم نزوّجك أبا جعفر لنحرّم عليه حلالاً فلا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها)(1).
                              أقام الإمام الجواد في المدينة حتى توفّي المأمون في رجب سنة ثمان عشرة ومائتين في البديدون، وحمل جثمانه إلى طرسوس فدفن بها، وبويع المعتصم بن هارون الرشيد في اليوم الذي كانت فيه وفاة المأمون، وانصرف المعتصم إلى بغداد فجعل يتفقّد أحوال الإمام الجواد (عليه السلام)، وكان المعتصم يعلم انحراف أمّ الفضل عنه، وشدّة بغضها لابن الرضا (عليه السلام) فكتب إلى محمد بن عبد الملك الزيّات أن ينفذ إليه محمداً التّقي وزوجته أمّ الفضل بنت المأمون فأنفذ ابن الزيّات علي بن يقطين إليه فتجهّز وخرج من المدينة إلى بغداد وحمل معه زوجته ابنة المأمون.
                              ويروى أنّه لما خرج من المدينة خرج حاجّاً وابنه أبو الحسن عليّ (عليه السلام) صغير فخلّفه في المدينة وسلّم إليه المواريث والسلاح ونصّ عليه بمشهد ثقاته وأصحابه وانصرف إلى العراق فورد بغداد لليلتين بقيتا من المحرّم سنة عشرين ومائتين فلمّا وصل إلى بغداد أكرمه المعتصم وعظّمه.

                              • روى العيّاشي عن زرقان صاحب ابن أبي داود وصديقه الحميم قال: (رجع ابن أبي داود ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتمّ فقلت له في ذلك فقال: وددت اليوم أنّي قد متُّ منذ عشرين سنة، قال: قلت له: ولمَ ذاك؟ قال: لما كان من هذا الأسود، أبا جعفر محمد بن علي بن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين المعتصم قال: قلت له: وكيف كان ذلك؟ قال: إنّ سارقاً أقرّ على نفسه بالسّرقة، وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمد بن عليّ (عليه السلام) فسألنا عن القطع في أيّ موضع يجب أن يقطع؟ قال: فقلت: من الكرسوع(2) قال: وما الحجّة في ذلك؟ قال: قلت: لأنّ اليد هي الأصابع والكفّ إلى الكرسوع، لقول الله في التيمّم: ﴿ فامسحوا بوجوهكم وأيديكم واتّفق معي على ذلك قوم.
                              وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق، قال: وما الدليل على ذلك؟ قالوا: لأنّ الله لما قال: ﴿ وأيديكم إلى المرافق في الغسل دلّ ذلك على أنّ حدّ اليد هو المرفق.
                              قال: فالتفت إلى محمد بن عليّ (عليه السلام) فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ فقال: قد تكلّم القوم فيه يا أمير المؤمنين، قال: دعني ممّا تكلّموا به أيّ شيء عندك؟ قال: أعفني عن هذا يا أمير المؤمنين، قال: أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه فقال: أمّا إذ أقسمت عليّ بالله أنّي أقول: إنّهم أخطأوا فيه السنّة فإنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكفّ، قال: وما الحجّة في ذلك؟ قال: قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (السجود على سبعة أعضاء: الوجه واليدين والركبتين والرجلين)، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، وقال الله تبارك وتعالى: ﴿ وإنّ المساجد لله يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ﴿ فلا تدعواْ مع الله أحداً وما كان لله لم يقطع، قال: فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكفّ، قال ابن أبي داود: قامت قيامتي وتمنّيت أنّي لم أكُ حيّاً.

                              • قال زرقان: إنّ ابن أبي داود قال: صرت على المعتصم بعد ثالثة، فقلت: إنّ نصيحة أمير المؤمنين عليّ واجبة وأنا أكلّمه بما أعلم أنّي أدخل به النّار، قال: وما هو؟ قلت: إذا جمع أمير المؤمنين من مجلسه فقهاء رعيّته وعلماءهم لأمر واقع من أمور الدين، فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك وقد حضر المجلس أهل بيته وقوّده ووزراؤه وكتّابه، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثم يترك أقاويلهم كلّهم لقول رجل يقول شطر هذه الأمّة بإمامته ويدّعون أنّه أولى منه بمقامه، ثمّ يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء، قال: فتغيّر لونه وانتبه لمّا نبّهته له وقال: جزاك الله عن نصيحتك خيراً، قال: فأمر يوم الرابع فلاناً من كتّاب وزرائه بأن يدعوه إلى منزله فدعاه فأبى أن يجيبه وقال: قد علمت أننّي لا أحضر مجالسكم، فقال: إنّي إنّما أدعوك إلى الطعام وأحبّ أن تطأ ثيابي وتدخل منزلي فأتبرّك بذلك، وقد أحبّ فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك فصار إليه فلمّا أطعم منها أحسّ السمّ فدعا بدابّته، فسأله ربّ المنزل أن يقم قال: خروجي من جارك خيرٌ لك، فلم يزل يومه ذلك وليله في خلفه حتى قبض صلّى الله عليه وآله)(3).

                              • قال المسعودي: (لمّا انصرف أبو جعفر إلى العراق لم يزمل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبّرون ويعملون الحيلة في قتله فقال جعفر لأخته أمّ الفضل ـ وكانت لأمّه وأبيه ـ في ذلك لأنّه وقف على انحرافها عنه وغيرتها عليه لتفضيله أمّ أبي الحسن ابنه عليها مع شدّة محبّتها له ولأنّها لم ترزق منه ولداً فأجابت أخاها جعفرَ وجعلوا سمّاً في شيءٍ من عنب رازقي وكان يعجبه العنب الرازقي فلمّا أكل منه ندمت وجعلت تبكي فقال لها: ما بكاؤك؟ والله ليضربنّك الله بفقر لا ينجي وبلاءٍ لا ينستر، فبليت بعلّة في أغمض المواضع من جوارحها صارت (ناسوراً) ينتقض في كلّ وقت فأنفقت مالها وجميع ملكها على تلك العلّة حتى احتاجت إلى رفد الناس.
                              ويروى أنّ الناسور كان في فرجها. وتردّى جعفر في بئر فأخرج ميتاً وكان سكران)(4).

                              • قال الطّبري الإمامي: (وكان سبب وفاته أنّ أمّ الفضل بنت المأمون لما تسرّى ورزقه الله الولد من غيرها، انحرفت عنه وسمّته في عنب وكان تسعة عشر حبّة وكان يحبّ العنب ولمّا أكله بكت، فقال: لِمَ تبكين، ليضربنّك الله بفقرٍ لا يجبر وبلاءٍ لا يستر فبُليت بعلّةٍ في أغمض المواضع، انفقت عليها جميع ما تملكه حتى احتاجت إلى رفد الناس)(5).

                              • قال ابن الصبّاغ: (ودخلت امرأته أمّ الفضل إلى قصر المعتصم فجعلت مع الحرم وكان له من العمر خمس وعشرون سنة وأشهر وكانت مدّة إمامته سبعة عشر سنة أوّلها في بقيّة ملك المأمون وآخرها في ملك المعتصم، ويقال: إنّه مات مسموماً)(6).

                              • قال الشبلنجي: (يقال: إنّ أمّ الفضل بنت المأمون سقته بأمر أبيها)(7).
                              وروي أنّه: أنفذ المعتصم أشناس (أحد عبيده) بالتحف إليه وإلى أمّ الفضل ثمّ أنفذ غليه شراب حماض الأترج تحت ختمه على يدي أشناس وقال: إنّ أمير لامؤمنين ذاقه ويأمرك أن تشرب منها بماء الثلج وصنع في الحال، فقال (عليه السلام): أشربها بالليل وكان صائماً، قال: إنّما ينفع بارداً وقد ذاب الثلج وأصرّ على ذلك فشربها علاماً بفعلهم عند الإفطار، وكان فيها سمّ)(8).


                              __________________________


                              الهوامش

                              1 ـ المناقب لابن شهر آشوب: ج4، ص382.
                              2 ـ الكرسوع: طرف الزّند الذي يلي الخنصر.
                              3 ـ تفسير العياشي: ج1، ص319.
                              4 ـ إثبات الوصية: ص219.
                              5 ـ دلائل الإمامة: ص209.
                              6 ـ الفصول المهمّة: ص276.
                              7 ـ نور الأبصار: ص191.
                              8 ـ المناقب لابن شهر آشوب: ج4، ص384. ورواها صاحب المجالس السنيّة: ج2، ص634.

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
                              استجابة 1
                              9 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                              بواسطة ibrahim aly awaly
                               
                              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
                              ردود 2
                              12 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                              بواسطة ibrahim aly awaly
                               
                              يعمل...
                              X