أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أهمية القصص التي يرويها الآباء والأمهات لأطفالهم

هل مازال لل «حدوتة» رونقها وبريقها لدى الصغار؟ وما هي القصص المفيدة للأطفال في سنوات عمرهم المبكرة؟
يحرص بعض الآباء على قراءة القصة لأولادهم قبل النوم من دون ان يدركوا الأهمية العلمية لهذا الأمر. في هذا السياق يقول إبراهيم فهمي (43 عاماً): «من دون أن أدري أهمية القصص المحكية للأطفال، أحرص دائماً على أن أقص على طفلي الصغير «حدوتة» قصيرة من وحي خيالي ومن إرث القصص التي كانت أمي تحكيها لي وأنا طفل صغير. أظن أنه يستمتع بها كثيراً، تماماً مثلما كنت أنا أعشقها وأنا في مثل عمره. ربما يكون صحيحاً أن هذا الأمر ينعكس على عقل الطفل الصغير فينمي ذكاءه ويوسع مداركه العقلية مقارنة بطفل آخر قد لا تتاح له فرصة كتلك. وقد لاحظت أن صغيري يناقشني في بعض القصص التي أقصها عليه ويتصور لها نهايات على طريقته الخاصة. هذا الأمر يسعدني جداً وإن كان يرهقني في البحث الدائم في ذاكرتي عن قصص جديدة. فلدى الأطفال شغف كبير بالخيال الذي تعجّ به القصص والحكايات».
على النقيض تماماً تقول شروق البحيري (33 عاماً، أم لثلاثة أطفال): «لا أذكر أنني قصصت أي «حدوتة» لأطفالي الصغار. هم لم يطلبوا مني القيام بذلك ولا أظن أنني سأضيف لهم جديداً إذا قمت بهذه المسألة. لا تناسب القصص التي كانت تحكيها لي جدتي وأنا صغيرة عقول أطفالي في هذا الزمن، فنحن نعيش الآن زمن الفضائيات والإنترنت. أطفالي يستقون معلوماتهم من هذه الوسائل الجديدة وأنا أكتفي بذلك، بل أظن أنني لو حكيت لهم قصة من قصصي القديمة لن تروقهم وسيسخرون منها!».
عنصر الصورة
إذا كانت القصص القديمة لم تعد تناسب أطفال اليوم، فإن الحل لدى سلمى وهشام وهما زوجان لديهما طفل وحيد في الرابعة من عمره يكمن في التالي: «نعلم أن العصر الحالي له مقومات وظروف مختلفة عن زماننا، هذه حال الدنيا. صحيح أن القصص القديمة التي حفظناها جيلاً بعد جيل قد لا تناسب طفلنا، لكن مع إدراكنا لأهمية القصص المحكية وبخاصة «حدوتة قبل النوم»، توصلنا إلى طريقة سهلة وبسيطة وغير مكلفة للتواصل مع صغيرنا. اشترينا مجموعة من كتب ومجلات الأطفال المصورة، في كل ليلة نقصّ عليه قصة منها، فيما يتصفح هو الكتاب أو المجلة لمتابعة الصور».
أمّا الطفلة شهد محمد (7 سنوات) فلها رأي آخر في الموضوع: «أحب القصص جداً. أمي تشتريها لي من المكتبة المجاورة لبيتنا. هي تشركني في الاختيار لدى شرائها لأنني أفضل القصص الخيالية فأجلس مع أمي لتقصها عليّ في المساء. أحب طريقتها في الكلام وتقليدها لأصوات أبطال القصة والحيوانات الصغيرة».
تأثير نفسي
في هذا المجال يقول الباحث حنا رمزي (حاصل على درجة الماجستير في كتب الأطفال): «القراءة مفيدة جداً للأطفال خصوصاً في سنوات عمرهم الأولى التي يتعلمون فيها القراءة وعنصر الصورة مهم جداً بالنسبة إليهم. ثمة قصص شائقة للغاية لكنها تفتقد إلى الصورة المناسبة التي تمثل المعادلة البصرية للسرد القصصي. في رسالة الماجستير كانت مهمتي ترجمة القصة إلى صورة وقد نجحت في ذلك، لقربي من عالم الصغار ومتابعتي لأبنائي باستمرار ولمتطلباتهم في هذا الشأن. لكنني رغم ذلك كنت أحرص على أن أقص عليهم «الحواديت» بنفسي خصوصاً في سنوات عمرهم الأولى عندما كانوا لايزالون يتعلمون فيها القراءة. كنت أرى في ذلك نوعاً من الحميمية، كما أن هذه الطريقة ساعدتني على تقمص الشخصيات التي أرويها عليهم وباتوا يعرفون كيف يتحدث الشجاع مثلاً، وكيف يتصرف الشرّير وهكذا.
من ناحيته يؤكد الأخصائي النفسي محمد حميد على ضرورة أن يقص الآباء والأمهات قصصاً وحكايات قبل النوم على أطفالهم، لما في ذلك من تأثيرات نفسية إيجابية على الصغار: «أثبتت دراسات علمية حديثة مدى أهمية ذلك وأثره الفاعل في تفتيح مدارك الطفل ودعوته إلى تشغيل عقله منذ سنوات عمره المبكرة. عندما نحكي له قصة، يسبح بخياله في عالم افتراضي ويرسم شكلاً مناسباً للبطل الذكي الشجاع وصورة أخرى للأشرار. يعرف مزايا هذا وعيوب ذاك من وحي القصة التي يقصها عليه أبوه أو أمه أو أحد إخوته الكبار». ويقول د. حميد: إذ استطاع الأب أن يجعل طفله قادراً على التخيل يكون قد فتح له المجال لكنز عظيم لأن هذا أول طريق الابتكار والاختراع الذي يساعد على تكوين شخصية مستقلة للطفل الذي يعتمد على نفسه في تخيل الصالح من الأشياء والطالح. وينصح د. حميد الاهل بالتركيز مع أطفالهم على القصص الخيالية التي تناسب أعمارهم الصغيرة والتي تحوي مواعظ وحِكماً ودلالات معينة: «الطفل بطبيعته مقلد لما يراه ويسمعه. إذا كانت القصة منحازة إلى السلحفاة المثابرة والصبورة والمجتهدة، سيدرك هذه المزايا وسيحاول أن يكتسب صفات جيدة كتلك التي اتصفت بها السلحفاة، مقارنة بالأرنب الكسول الذي دخل في سباق معها، لكنه ظن خطأً أنه الرابح، فخسر في النهاية. تلك قصة شهيرة تعلمناها منذ كنا صغاراً ورغم بساطتها تتضمن عبراً كثيرة، ولو غرسنا مثل هذه العبر في نفوس أطفالنا منذ صغرهم لعرفنا فائدة ذلك وأثره الطيب عليهم حينما يكبرون».
من ناحية أخرى يؤكد د. حميد على ضرورة أن يجلس الأب أو الأم مع الطفل ولا يكتفي بتشغيل قصة مسجلة على الكاسيت أو الكمبيوتر مثلما يفعل البعض: «يتسم اجتماع ولي الأمر مع صغيره بفوائد عدة ليس أهمها العلاقة الحميمة بينهما فحسب فمن المتوقع أن يستفسر الطفل عن شيء لا يعرفه في القصة التي يسمعها، وقد لا يمكن للأب أن يعدل فكرة خاطئة عرفها الطفل من خلال متابعته لقصة مصورة على الكمبيوتر. من هنا كان ضرورياً اجتماع الطفل مع من يحكي له القصة، لتوضيح ما قد يلتبس عليه من أمور».
للفائدة
نسالكم الدعاء
نوسي فاطمه
تعليق