على الرغم من مرورها بسرعة البرق أو كلمح البصر، وهذه هي سمات الأيام الجميلة التي تبدوا وكأنها لحظات،إلا أن هذه الأيام تركت بصمات أزلية لا يمكن أن تزول إلا بموت الضمائر ـ والعياذ بالله ـ أو بزوال العقول. تلك هي الأيام التي أنتفع بها الشعب العراقي عامة وشيعة أهل البيت (ع) خاصة في ظل تصدي سماحة مولانا المقدس الإمام الشهيد السيد محمد الصدر (ض) للمرجعية بصورة عامة ولصلاة الجمعة بصورة خاصة، فقد عشنا في كنف مرجعيته المباركة أياماً لا يمكن أن تنسى. حيث لم تكن حركته المباركة حركة هداية وإصلاح ووعظ وإرشاد وثورة بركان فكري فحسب. بل كانت ظاهرةً عظيمةً وعجيبة في نفس الوقت، حيث استطاع (ض) خلالها تحطيم أصنام الجاهلية المعاصرة وتبديد المستحيل وتهديد عروش أصحاب الأباطيل، وكانت نفحات صرخاته المدوية في تلك الفترة من على منبر جده الأعظم (ع) لا تختلف عن حجارة السجيل التي أبادت جيش إبرهة الحبشي الجرار وأفياله العملاقة حينما قصدت الكعبة الشريفة بغية تحطيمها، ومثلما رُدَ كيد إبرهة ذلك الزمان رُدَ كيد أبارهة هذا العصر.. أجل فلقد تجسد شخص إبرهة بخليط أعداء الحق في هذا الزمان على مختلف مسمياتهم وأبرزهم (هدام، أمريكا، النواصب، الجهال، النفعيون) وتجسدت الكعبة الشريفة في الكيان الحوزوي الشريف الذي يمثل محور الهداية والوسيلة ، وتجسدت حجارة السجيل كما أسلفنا بنفحات منبر الجمعة وسائر مشاريعه المتنوعة الأخرى.. أما طيور الأبابيل التي كانت رسل رب العزة والجلالة التي كُلفت بحماية بيت الله (سبحانه وتعالى) من كيد الأشرار فهي كذلك تتجسد بالعلماء العاملين ..العاملين .. العاملين، الذين يكونون بمثابة الحصن الحصين والسد المنيع ضد كل طاغٍ وباغٍ وضد كل منحرف عن الجادة وكل متكبر مرتاب لا يؤمن بيوم الدين وضد كل بائسٍ يحاول فرض شريعةً وضعية في مقابل شريعة سيد المرسلين، فيرموهم بسجيل. تلك الحجارة الصغيرة التي لا يدل منظرها ولا مظهرها على الفتك لكنها مسومةً من عند رب العزة والجلالة عندما تبطش بطشتها الكبرى. وبرغم الحزن واللوعة والشجى على فقد مولانا المعظم السيد الشهيد محمد الصدر (ض) إلا أننا مطمئنين غاية الإطمئنان فقد ذهب شهيدنا المفدى ولم يترك الساحة معدومة من وجود القائد أو البديل، وهذا هو ديدن العظماء من المصلحين ـ أي إيجاد البديل ـ ليس كما يقول بعض المحرومون بأن رسول الله (ص) مات ولم ويوصي لأحدٍ من بعده!؟ وكنا نستلهم ونستفهم الاطمئنان من عباراته الشريفة في آخر أيامه الشريفة كقوله (سوف أذهب وضميري مرتاح) ليس مرتاحاً فقط لأنه سوف ينال الشهادة على يد طاغية زمانه ولا لأن موته يسبب شفوةً وفرحاً لأمريكا وإسرائيل وسائر المنافقين، بل أن راحة الضمير التي كان يعنيها شهيدنا المفدى تنم عن اطمئنانه على الأمة من بعده بعد أن أدى ما عليه من تكليف حتى قال في خطبته الأخيرة : (هناك يقولون لهم (أنني أرسلت إليكم السيد محمد الصدر، ليقرع أسماعكم، فلم ترعووا، ولم تهتدوا)) فلقد عّبدَ لنا شهيدنا المقدس الجادةَ وبّصرنا كيفية السلوك وحذرنا من الزيغ والانحراف. وبقي الأمر مناطاً بنا. بعد ان سلم رايته إلى تلميذه وعيبة علمه الشيخ الأجل والعالم الأمثل المولى المفدى الشيخ اليعقوبي (دامت بركاته) ليكون بحق العالم المثيل الذي يسد الفراغ والثلمة التي يحدثها موت العالم كما ورد في الحديث الشريف. وها نحن نتلمس الرحمة وننتفع بوجودها فلازالت حجارة السجيل تتربص أعداء الدين وفي مختلف الميادين على يديه الكريمتين، ورد عن المعصوم (ع) قوله: (أن الشيطان يضع البدعة للناس فيبصرها العالم فينها عنها).
X
اقرأ في منتديات يا حسين
تقليص
لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.