الثقافة الغربية كغيرها من الثقافات تتضمن في طياتها نقاطا مظلمة و أفكارا هدامة و أخرى مضيئة بناءة .. فالفكر الغربي في معظم مدارسه ينظر لكل الأفكار و الكائنات ف هذا العالم نظرة مادية بحتة حتى الماديات التي تختزن في ذاتها بعدا معنويا حاول الغرب أن يزيل صبغتها المعنوية لجعلها ماديات فارغة المحتوى .. و حاول أن يكرس كل الوسائل الفعالة في سبيل أن يكون الإنسان عبدا لذاته و أهمل الروحيات إلى الدرجة التي ولدت عقدا نفسية و اكتئابا لدى الإنسان الغربي و ضياعا مريرا نتيجة فقدان الجانب الروحي .. ناهيك عن الانقلاب الكبير الذي حدث في القرون الوسطى في نمط الحياة الغربية و الفكر الغربي .

في الجانب الآخر .. نرى تطورا تكنولوجيا هائلا و طفرة علمية فريدة بدلت طريقة عيش البشرية بأكملها من الناحية المادية من وسائل اتصال و رفاهية و معلوماتية و حتى على مسارات الفكر كان هنالك مفكرون غربيون بارعون أثروا الفكر العالمي و ساهمو في تطويره.
مجتمعاتنا التي ظلت قرونا طويلة ترزح تحت نير الاحتلال و القمع و مصادرة الفكر و الأحرار ظلت متخلفة بكل المقاييس و هذا ما أراده لها المستعمر فكل أمم الأرض ارتقت و سارت في ركب الحضارة ( سواء كانت مادية أو غيرها ) .. إلا أن الوضع الذي عاشته مجتمعاتنا جعلها في سبات طويل طيلة هذه القرون .
انبهرت مجتمعاتنا بالتطور الذي وصلت إليه المجتمعات الغربية و كان ذلك صدمة قاسية لها و ظهرت مظاهر التغريب في مجتمعاتنا ظنا بأن نمط الحياة الغربية الفكري و المبدئي هو الذي أوصل الغرب لكل هذا التطور و التمدن و الحضارة.
فصار المجتمع غربيا في كل شيء لأنه أخذ مظهر الحياة الغربية و أهمل ايجابياتها و لم تجن مجتمعاتنا إلا خرابا و سقوطا و انحلالا.
و إذا رأينا أن هناك عزوفا عن الخط الإسلامي و الثقافة الإسلامية فهناك عدة عوامل ساهمت في تعزيز هذا الابتعاد .. قياس العقيدة بما حققت على أرض الواقع هو العامل الأقوى فالمجتمعات ظنت بأن الفكر الإسلامي هو الذي رماها في أحضان التخلف و ظنت أن الفكر الغربي هو الكفيل بأن يصنع منا أمة رائدة متحضرة ...
السبب الآخر هو النماذج السيئة التي تتحدث باسم الإسلام و التي شوهت فهم الدين في أعين المجتمع و جعلها تمقت كل شيء يتعلق بالإسلام كما الانقلاب الذي حدث في أوروبا في نهاية القرون الوسطى نتيجة تعسف الكنيسة و همجيتها و دكتاتوريتها المتناهية رغم أنها لا تمثل المسيحية الصحيحة ... النظر للدين من خلال النماذج التي تتحدث ظلما باسمه عامل أسقط فكرة الدين من أذهان المجتمع الحديث و نبذ فكرة الدين لانه في نظره يكبل العقل و يسير الناس في أوهام و خرافات .
غياب الطرح الإسلامي الحضاري أو ندرته ساهم كذلك في تنفير الناس من الدين .. فالطروحات الإسلامية على كثرتها نادرا ما تلاقي استحسانا كونها تقدم طرحا يصور للناس الدين بعهود الظلام و التقهقر و القيود .. عصر الجواري و الخلفاء .. و قمع الحريات .. و لا ننسى الغزو الثقافي الغربي الذي تضامن مع كل العوامل السابقة لكي يبدل مفاهيم انسان هذا العصر بطرق مدروسة و منظمة و مقننة .
في اعتقادي أن الطرح الإسلامي الصحيح في المرحلة المقبلة سيكون ذا أثر كبير في غرس المبادئ في أعماق هذا الجيل و دراسة السلبيات كي نتفاداها في المستقبل و نبذ الفرقة و توحيد الجهود و الانفتاح على نفسية و طريقة تفكير انسان هذا العصر .


باسل