حقوق الإنسان بين الإعلان العالمي والإمام الحسين
حيدر البصري
مقدمة:
من الموضوعات التي أثارت، ولا زالت تثير جدلا عريضا في العالم موضوع حقوق الإنسان في الإسلام، حيث التهم المختلفة التي تكال بمناسبة وبدونها للدين الإسلامي ـ من هنا وهناك ـ سواء من قبل المناوئين له، أو أولئك الذين يسيرون في ركبهم، قصدا أو انخداعا بما يشيعون من تهم تتمثل في أن الدين الإسلامي يفتقر إلى المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، ويصادر حقوق الإنسان وينتهكها.
وموضوع حقوق الإنسان في الإسلام موضوع عام، وواسع بحيث لا يمكن استيعابه تفصيلا خلال الحجم المقدر لمثل هذه الدراسة الموجزة، بما يتناسب والغرض الذي من أجله أجريت أساسا.
عليه وقع الاختيار على موضوع أخص من ذلك وهو موضوع حقوق الإنسان عند الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام). على أن هذا الموضوع لم يكن من الإيجاز بحيث يمكن أن يستوعبه حجم دراستنا هذه، ولكن مع ذلك يبقى هذا الموضوع ـ على كل حال ـ أضيق من سابقه، بحيث يمكن التصرف فيه بالإيجاز على صعوبة ذلك.
فمن الصعوبات التي واجهت الكاتب في المقام صعوبة تكييف النصوص بما يتناسب والحق موضوع البحث بالنسبة للكثير من الحقوق التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وذلك لاختلاف الاصطلاحات التي وردت في كل من النصوص الدينية والإعلان العالمي بفعل الفارق الزماني، واللغة التخصصية المختلفة لكل منهما.
وهناك صعوبة ثانية تجسدت في كون الكثير من الحقوق التي وردت في الإعلان إنما هي من مقتضيات التطور الذي شهدته البشرية خلال المدة الزمنية الطويلة بين الإمام الحسين، والإعلان العالمي والتي تتمثل في قرون تزيد على الثلاثة عشر قرنا، وكذلك نتيجة تشابك العلاقات الإنسانية وتعقدها، من قبيل الحقوق النقابية للإنسان، وحقوق الجنسية وعدم الحق في انتزاعها، مما كلف جهدا في الوقوف على بعض ذلك لدى الإمام الحسين (عليه السلام)، واستحالة الوقوف على البعض الآخر منها، وذلك لا لنقص، أو إهمال من قبله (عليه السلام) للموضوعات المتقدمة وأمثالها، وإنما لعدم الحاجة إليه في الزمن الذي عاش فيه الإمام الحسين (عليه السلام)، حيث البساطة التي كانت تحكم العلاقات الإنسانية.
لقد اتخذت الدراسة منهج الدراسة المقارنة، التي يغلب عليها طابع العرض أحيانا، العرض لمواد الإعلان المجرد أحيانا، وذو التحليل البسيط أحيانا أخرى، وذلك لعدم الحاجة في التفصيل في هذه الدراسة لغير تلك الحقوق التي دعا إليها ومارسها الإمام الحسين عمليا. إلا أن ذلك لا ينفي وجود عرض تفصيلي لبعض مواد الإعلان ـ أحيانا ـ إلا أن ذلك لم يكن غرضا مباشرا للدراسة بقدر ما هو إجراء من أجل إظهار الفارق بين كل من الإعلان العالمي، والإمام الحسين في تناولهما لذلك الحق الذي تم تفصيله.
على أن الدراسة قد تمت في فترة لعله لا يمكن لمجريها أن يسلم خلالها من الوقوع في بعض الأخطاء فالله هو العاصم، فألتمس العذر لدى القارئ الكريم عن ذلك إن وقعت يده الكريمة عليه، وكلي أمل في أن يبادر من له القدرة على النقاش التنبيه إلى ما يقف عليه في ثنايا الدراسة مما يعتقد خطأه. ومن الله نسأل السداد.
هدف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى أجراء مقارنة بين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وحقوق الإنسان عند الإمام الحسين (عليه السلام) وذلك للوقوف على حقيقة تلك الدعاوى التي تقدم أن البعض يتوجه بها إلى الإسلام من جهة، ومن أجل الوقوف على العقلية التي أفرزت تلك المبادئ، ومعرفة حقيقتها، وكيفية تناولها لتكل المبادئ.
تمهيد:
لا غنى لنا ونحن نروم البحث في موضوع حقوق الإنسان لدى الإمام الحسين (عليه السلام) من تقديم عرض للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وذلك لأمرين:
الأول: لمعرفة السبق الزمني لأي منهما ـ الإعلان العالمي والإمام الحسين ـ كيما نثبت السبق لأحدهما، وهو المتقدم زمنيا في الدعوة غلى مثل هذه المبادئ الإنسانية.
الثاني: الوقوف على حقيقة الرقي الفكري الذي يتمتع به صاحب السبق بحيث أملى عليه ذلك الرقي هذه المبادئ قبل الآخر بغض النظر عن الفترة الزمنية التي تفصل بينهما، في حين لم يبلغ الآخر ذلك إلا بعد فترة زمنية معينة.
ولادة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
لم يكن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ـ الذي عد من أهم الإنجازات البشرية في ميدان تكريم الإنسان ـ بحيث باتت البشرية تقيم المناسبات السنوية احتفاء بذكرى ميلاد ذلك الإعلان، لم يكن قد ولد ولادة طبيعية، بل يمكن القول بأنه قد ولد ولادة قيصرية إثر الأحداث الدامية التي مرت بها البشرية والمسيرة الشاقة التي سارت بها البشرية طويلا في الكفاح من أجل الوصول إلى صيغة تكفل للإنسان صيانة لحقوقه الأساسية.
فالأصول "التاريخية للرؤى القوية التي تستطيع أن تشكل أحداث ومواقف العالم مثل تلك الخاصة بحقوق الإنسان الدولية نادرا ما تكون بسيطة. إنها على العكس تخرج بطرق معقدة ومتداخلة من تأثير العديد من القوى، والشخصيات، والظروف والأوقات المختلفة، والأوقات المتباينة، كل منها تنساب بطريقتها الخاصة "(1)
فالإعلان العالمي ولد إذن حيث "كان المجتمع ـ في جميع أدواره ـ يعالج صراعا دائبا بين الشعب والبلاط.. فطورا كانت الملوك تنتصر على الشعوب، وآونة كانت الطبقات الكادحة تنتفض فتتغلب على جهاز الحكم "(2)
وهكذا بين قتل وقتال، وكر وفر، ومخاضات عسيرة مرت بها البشرية، ولد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وذلك في أواخر النصف الأول من القرن العشرين، عام 1948 تحديدا.
القيم الواردة في الإعلان:
هناك مجموعة من الحقوق، والقيم، والمبادئ تناولها الإعلان العالمي في مواده يمكن أن توجز بالتالي:
1ـ حق الحياة.
2ـ حق الملكية.
3ـ حق الحماية.
4ـ العدل.
5ـ المساواة.
6ـ الحريات.
إلى غير ذلك مما ورد في الإعلان. يجدر بالذكر أن كل واحد من الحقوق، والمبادئ المتقدمة يتفرع عنه مجموعة من الأقسام، فالحريات ـ على سبيل المثال ـ تنقسم إلى الحريات الشخصية، والحريات الفكرية، والحريات السياسية. والمساواة إلى المساواة في الحقوق والواجبات، والمساواة في الإنسانية وهكذا.
فما تقدم إذن هو عرض إجمالي موجز للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، من حيث زمان نشأته، والحقوق والمبادئ الأساسية التي وردت فيه، ولم نرد الخوض في ثنايا الإعلان المذكور تفصيلا لعدم الحاجة إلى ذلك إلا بمقدار المقارنة بينه وبين حقوق الإنسان في الإسلام عموما، وفي فكر الإمام الحسين (عليه السلام) خصوصا، ومن وجهة نظري أرى أن هذا العرض الموجز للإعلان يفي بالغرض في ضوء ما حددنا من هدف.
حقوق الإنسان في الإسلام:
لا بد لنا ونحن نروم الخوض في موضوع حقوق الإنسان لدى الإمام الحسين (عليه السلام) من أن نمر إلى ذلك عن طريق البحث في حقوق الإنسان في الإسلام لنقف من خلال ذلك على مدى الصلة الوثيقة بين الإمام الحسين (عليه السلام) والإسلام.
توطئة:
ينكر البعض من مناوئي الدين الإسلامي، ومن يسير في خطاهم على الإسلام كونه يدعو إلى إقامة دولة، ولذا يحصره بالتالي في إطار التعاليم الدينية التي لا تعدو تنظيم علاقة الإنسان بربه، وبما أن حقوق الإنسان تتطلب قوة ملزمة تفرض تطبيقها، ومراقبتها فيكون الدين الإسلامي ـ بناء على وجهة نظر المتقدمين ـ خال من حقوق الإنسان من منطلق كون المسالة سالبة بانتفاء الموضوع، أو أن التعاليم المتعلقة بحقوق الإنسان في الدين الإسلامي لا تعدو كونها أمورا استشارية، أو استئناسية ـ حسب الاصطلاح القانوني الوضعي ـ وبالتالي فهي تفتقد لعنصر الإلزام الذي يضفي على كل مبدأ صفة القانونية.
عليه لابد من الإجابة على السؤال التالي قبل الحديث عن مبدأ حقوق الإنسان في الإسلام وجودا وعدما، والسؤال يتلخص بالتالي:
هل الإسلام دين فقط، أم أنه دين ودولة؟
لم يكن الإسلام كغيره من الأديان الأخرى ـ مع احترامنا الشديد لها ليؤطر تعاليمه بحدود علاقة الإنسان بربه، إنما وسع من تلك الدائرة لتمتد إلى ميدان علاقة الإنسان بغيره. وبما أن تشابك العلاقات الإنسانية، وتعقدها بحاجة إلى تنظيم لئلا تتحكم المصلحة الشخصية بها مما يقود إلى التضارب، فقد أقام الإسلام الدولة الإسلامية، ودعا معتنقيه إليها وذلك لضمان حماية مصالح المسلمين، وتنظيمها.
فالدين الإسلامي منظومة متكاملة من التعاليم التي لم تكن لتكتفي بجانب مما ذكرنا على حساب الجانب الآخر، إنما " يؤمن بأن الحياة يجب تنظيمها ـ ليس بالإيمان فحسب ولكن أيضا ـ بالعلم والعمل، والذي تتسع رؤيته للعالم بحيث يستوعب، بل يدعو إلى قيام المسجد والمصنع جنبا إلى جنب،... يرى أن الشعوب لا يكفي إطعامها وتعليمها فقط، وإنما يجب أيضا تيسير حياتها، والمساعدة على سموها الروحي "(3).
ثم إن التاريخ يروي لنا بما لا مجال إلى إنكاره كيف أقام الرسول الكريم أعظم دولة عرفها التاريخ البشري، وهذا دليل عملي على كون الإسلام دين ودولة، وما فصل الدين عن السياسة سوى مقولة نشأت في التاريخ الإسلامي بدوافع مصلحية بحتة لا غرض لنا بالخوض فيها في دراستنا هذه.
عليه لم يقتصر الإسلام على الدعوة النظرية إلى مبادئ حقوق الإنسان حسب، إنما طبقها عمليا في ظل حكومتي الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، والإمام علي (عليه السلام)، بما أدهش العالم قديما، وحديثا.
حقوق الإنسان لدى الإمام الحسين (عليه السلام):
على الرغم من أن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهما السلام ـ لم يكن من الأئمة الذين تسلموا منصب قيادة الدولة الإسلامية لأسباب عدة لا غرض لنا هنا بتعدادها، والخوض فيها إلا أن كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) التي وردتنا عن طريق كتب الأخبار تدل على أنه (عليه السلام) مسلح بتلك المبادئ بحيث لو قدر له وتسلم تلك القيادة لطبق تلك المبادئ كما هي الحال بالنسبة لأبيه الإمام علي (عليه السلام)، وجده النبي محمد (صلى الله عليه وآله).
نلفت نظر القارئ الكريم إلى أننا سوف نتناول حقوق الإنسان عند الإمام الحسين (عليه السلام) وفق الترتيب الذي ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لكي يسهل على القارئ العزيز، وغيره إجراء مقارنة، أو الوقوف على الاثنين فيما لو رام ذلك.
الحرية وتأثير انتهاكها بين الإمام الحسين والإعلان:
تعليق