في تحقيق معنى اللعن
وهو في لغة العرب: الطرد والابعاد قال: في الصحاح: اللعن الطرد والابعاد من الخير، واللعنة الاسم، والجمع اللعان ولعنات، والرجل لعين وملعون. المرأة لعين أيضا ثم قال: ورجل لعنته الناس كثيرا ولعنة بالتسكين يلعنه الناس.
وقال الزمخشري في الاساس: لعنه أهله طردوه وأبعدوه، وهو لعين طريد، وقد لعن الله تعالى ابليس وطرده من الجنة فابعده من جوار الملائكة، ولعنت الكلب والذئب طردتهما.
قلت: فاذا قيل لعنة الله على طريق الدعاء كان معناه طرد الله وأبعاده من رحمته والمراد من الطرد والابعاد هنا نزول العقوبة به والعذاب وحرمانه الرحمة. وهو لازم المعنى. وليس معنى الغضب ببعيد منه اذ المتعقل من غضب الله سبحانه فعل اثر الغضب لا حصول الغضب الحقيقي الذي هو من توابع الاجسام فان ذلك محال عليه.
البحث الثاني:
في تحقيق أن اللعن قد يكون عبادة
بالنسبة الى مستحقه كالصلاة فانها عبادة بالنسبة الى مستحقها فكما يترتب الثواب على القسم الثاني يترتب على القسم الاول اذا كان في محله ابتغاءا لوجه الله يدل على ذلك ان الله جل اسمه لعن في كتابه العزيز في عدة آيات وأمر باللعن في بعضها مثل قوله تعالى ـ (فلعنة الله على الكافرين ـ اولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس اجمعين).
وقوله تعالى: (أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (البقرة: 159)
(أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) (النساء: 52)
(وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء: 93)
(نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً) (النساء: 47)
(أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (هود: من الآية18).
(لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة) (الأحزاب: من الآية57).
الى غير ذلك من الآيات التي لا تحصى كثرة.
والمراد بقوله تعالى: (والملائكة والناس اجمعين) من قوله: (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (البقرة: من الآية159) أمر الملائكة واللاعنين بلعن هؤلاء المذكورين.
كما في قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (البقرة: من الآية228) اذ لا معنى لكون ذلك اخبارا منه سبحانه اذ لا فائدة فيه ولانه لو كان خبرا لم يكن مطابقا للواقع إذ ليس الحال في الواقع كذلك وعدم المطابقة في خبره تعالى محال. وقد تكرر ذكر ذلك اللعن في كلامه سبحانه وتعالى على وجه أفاد أنه من أحب العبادات إليه وناهيك به شرفا أن الله تعالى جعله وسيلة الى اثبات دعوى النبوة وحجة على الجاحدين لها في المباهلة لنصارى نجران حيث قال سبحانه: (ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (آل عمران: من الآية61).
ولذلك انقطعوا ولجاوا الى الصلح وبذلوا الجزية ولم يجدوا الى رد القول سبيلا، وكذلك اللعان بين الزوجين مسقط للحد عنهما وموجب لنفي الولد بحيث لا ينسب الى الملاعنين أبد وربما وجب الحد على المرأة اذا نكلت من غير شهود ولا بينة وهذا يدل على جلالة قدر اللعن وعلو منزلته بحيث يترتب عليه مثل هذه الاحكام.
وقد روي ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لعن الله الكاذب ولو كان مازحا[i].
وقال في جواب أبي سفيان حين هجاه بالف بيت: اللهم اني لا أحسن الشعر ولا ينبغي لي اللهم العنه بكل حرف الف لعنة الى غير ذلك [ii].
وقد لعن أمير المؤمنين (عليه السلام) جماعة
وروي انه كان يقنت في الصلاة المفروضة بلعن معاوية وعمرو بن العاص وابي موسى الاشعري وابي الاعور السلمي مع أنه احلم الناس عن ذنب الجانين وأعظم قدرا من أنه تجرح نفسه النفيسة زلة بشر فلولا أنه كان يرى لعنهم من أقرب القربات لما كان يتخير محله في الصلوات المفروضات[iii].
ولعنها وخرجت غضبا عليه الى مكة شرفها الله[iv].
ومن تتبع ما روي من الآثار عن الائمة الاطهار في الكافي وغيره من كتب الحديث والادعية في لعنهم من يستحق اللعن من رؤساء الضلال والتصريح باسماء هؤلاء علم أن ذلك من شعب الدين وشعائره بحيث لا يخالجه شك ولا يعتريه مرية وما يقوله بعض الحشوية ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال لا تكونوا لعانين وأن امير المؤمنين نهى عن لعن أهل الشام فالمراد أن صح ذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن أن يكون السب خلقا لهم بسبب المبالغة فيه والافراط في ارتكابه بحيث يلعنون كل احد كما يدل عليه قوله لعانين لا أنه نهى عن لعن المستحقين كما يزعمه هؤلاء المفترون ولو أراد ذلك لقال لا تكونوا لا عنين فان بينهما فرقا يعلم من أحاط بدقائق لسان العرب.
أما نهي امير المؤمنين (عليه السلام) عن لعن أهل الشام فانه كان يرجو اسلامهم ورجوعهم اليه كما هو شان الرئيس المشفق على الرعية ولذلك قال: ولكن قولوا اللهم أصلح ذات بيننا وهذا قريب في قصة فرعون من قوله تعالى: (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طـه: 44).
وهو في لغة العرب: الطرد والابعاد قال: في الصحاح: اللعن الطرد والابعاد من الخير، واللعنة الاسم، والجمع اللعان ولعنات، والرجل لعين وملعون. المرأة لعين أيضا ثم قال: ورجل لعنته الناس كثيرا ولعنة بالتسكين يلعنه الناس.
وقال الزمخشري في الاساس: لعنه أهله طردوه وأبعدوه، وهو لعين طريد، وقد لعن الله تعالى ابليس وطرده من الجنة فابعده من جوار الملائكة، ولعنت الكلب والذئب طردتهما.
قلت: فاذا قيل لعنة الله على طريق الدعاء كان معناه طرد الله وأبعاده من رحمته والمراد من الطرد والابعاد هنا نزول العقوبة به والعذاب وحرمانه الرحمة. وهو لازم المعنى. وليس معنى الغضب ببعيد منه اذ المتعقل من غضب الله سبحانه فعل اثر الغضب لا حصول الغضب الحقيقي الذي هو من توابع الاجسام فان ذلك محال عليه.
البحث الثاني:
في تحقيق أن اللعن قد يكون عبادة
بالنسبة الى مستحقه كالصلاة فانها عبادة بالنسبة الى مستحقها فكما يترتب الثواب على القسم الثاني يترتب على القسم الاول اذا كان في محله ابتغاءا لوجه الله يدل على ذلك ان الله جل اسمه لعن في كتابه العزيز في عدة آيات وأمر باللعن في بعضها مثل قوله تعالى ـ (فلعنة الله على الكافرين ـ اولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس اجمعين).
وقوله تعالى: (أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (البقرة: 159)
(أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) (النساء: 52)
(وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء: 93)
(نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً) (النساء: 47)
(أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (هود: من الآية18).
(لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة) (الأحزاب: من الآية57).
الى غير ذلك من الآيات التي لا تحصى كثرة.
والمراد بقوله تعالى: (والملائكة والناس اجمعين) من قوله: (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (البقرة: من الآية159) أمر الملائكة واللاعنين بلعن هؤلاء المذكورين.
كما في قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (البقرة: من الآية228) اذ لا معنى لكون ذلك اخبارا منه سبحانه اذ لا فائدة فيه ولانه لو كان خبرا لم يكن مطابقا للواقع إذ ليس الحال في الواقع كذلك وعدم المطابقة في خبره تعالى محال. وقد تكرر ذكر ذلك اللعن في كلامه سبحانه وتعالى على وجه أفاد أنه من أحب العبادات إليه وناهيك به شرفا أن الله تعالى جعله وسيلة الى اثبات دعوى النبوة وحجة على الجاحدين لها في المباهلة لنصارى نجران حيث قال سبحانه: (ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (آل عمران: من الآية61).
ولذلك انقطعوا ولجاوا الى الصلح وبذلوا الجزية ولم يجدوا الى رد القول سبيلا، وكذلك اللعان بين الزوجين مسقط للحد عنهما وموجب لنفي الولد بحيث لا ينسب الى الملاعنين أبد وربما وجب الحد على المرأة اذا نكلت من غير شهود ولا بينة وهذا يدل على جلالة قدر اللعن وعلو منزلته بحيث يترتب عليه مثل هذه الاحكام.
وقد روي ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لعن الله الكاذب ولو كان مازحا[i].
وقال في جواب أبي سفيان حين هجاه بالف بيت: اللهم اني لا أحسن الشعر ولا ينبغي لي اللهم العنه بكل حرف الف لعنة الى غير ذلك [ii].
وقد لعن أمير المؤمنين (عليه السلام) جماعة
وروي انه كان يقنت في الصلاة المفروضة بلعن معاوية وعمرو بن العاص وابي موسى الاشعري وابي الاعور السلمي مع أنه احلم الناس عن ذنب الجانين وأعظم قدرا من أنه تجرح نفسه النفيسة زلة بشر فلولا أنه كان يرى لعنهم من أقرب القربات لما كان يتخير محله في الصلوات المفروضات[iii].
ولعنها وخرجت غضبا عليه الى مكة شرفها الله[iv].
ومن تتبع ما روي من الآثار عن الائمة الاطهار في الكافي وغيره من كتب الحديث والادعية في لعنهم من يستحق اللعن من رؤساء الضلال والتصريح باسماء هؤلاء علم أن ذلك من شعب الدين وشعائره بحيث لا يخالجه شك ولا يعتريه مرية وما يقوله بعض الحشوية ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال لا تكونوا لعانين وأن امير المؤمنين نهى عن لعن أهل الشام فالمراد أن صح ذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن أن يكون السب خلقا لهم بسبب المبالغة فيه والافراط في ارتكابه بحيث يلعنون كل احد كما يدل عليه قوله لعانين لا أنه نهى عن لعن المستحقين كما يزعمه هؤلاء المفترون ولو أراد ذلك لقال لا تكونوا لا عنين فان بينهما فرقا يعلم من أحاط بدقائق لسان العرب.
أما نهي امير المؤمنين (عليه السلام) عن لعن أهل الشام فانه كان يرجو اسلامهم ورجوعهم اليه كما هو شان الرئيس المشفق على الرعية ولذلك قال: ولكن قولوا اللهم أصلح ذات بيننا وهذا قريب في قصة فرعون من قوله تعالى: (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طـه: 44).
تعليق