إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

لماذا التطبير؟ ننقلها على (12) حلقة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لماذا التطبير؟ ننقلها على (12) حلقة

    مقتطفات من كتاب:

    لماذا التطبير؟

    ننقلها على (12) حلقة
    (إقرأوها بلغة العقل والشرع، لا بلغة العواطف والإستبداد بالرأي)


    حوارٌ أجراه محمد الساعي، وزكريا علي، وجاسم الفارس، وحسين خلف حافظ
    مع الكاتب والباحث الإسلامي الشهير:
    سماحة العلاّمة الشيخ عبدالعظيم المهتدي البحراني

    الحلقة الأولى

    هاؤمُ اقرؤوا كتابِيَه!!!

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين سيدنا محمّد وآله الطاهرين.
    وأما بعد..
    فقد قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لّا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى﴾.(1)
    إنها الآية التي شقّت لي الطريق إلى هذه الخطوة الجريئة في أجواء الإرهاب الفكري الذي تعاني منه بعض مناطق بلادنا ضد شعيرة (التطبير) الحسينية، هي نفحة من فضل ربّي الذي أعطاني بهذه الآية في الإستخارة بكتابه العظيم ضوءه الأخضر للمضيّ قُدُماً في تسيير موكب التطبير دون خوف ولا خشية، وما جرى حين الموكب وبعده من نجاح باهر لم يكن سوى لطف من ألطاف سيّدي ومولاي الإمام صاحب الزمان (ع) دون شك، حيث قمت بعد صلاة الفجر من يوم الأثنين (13/صفر/1427هـ) بإهداء ركعتي صلاة إلى أمّه المكرّمة السيدة نرجس، متوسلاً بها ومُقسِماً عليها بولدها الحاضر الغائب الذي يرعى شيعته في كل حال إلا أن يفلحني ربّي عزّ وجلّ في الحاجة التي كانت هي حاجة المئات من عشّاق الإمام الحسين (ع) في منطقتنا (المحرق) وسبحان الله لم تمض إلا ساعات حيث المفاجئة بخبر الموافقة (الرسمية) على (موكب عزاء أهل البيت (ع) وموكب تطبير أهالي المحرق) - كما هو شأن بقية المواكب العزائية المرخّصة رسمياً في البحرين - وهنالك تذكّرت الرؤيا التي حكاها لي أحد المؤمنين في المحرق فحكيتها للحاضرين حتى فاضت عيونهم بالدموع، دموع السرور والنجاح وهم مستبشرون خيراً. إذ يقول الحاج (م.ح.م) رأيت فيما يراه النائم (وذلك قبل الموافقة الرسمية بأيام) أن موكب التطبير في المحرق قد خرج، ونساء قليلات في الشارع يشتمن المطبّرين، ثم أخذت أصواتهن في الخمود تدريجياً حتى رأيت السماء قد أمطرت ثلوجاً بيضاء تسرّ الناظرين ولكنها لم تقع إلا على رؤوس المطبّرين، فتقدّمت ودخلت بينهم لكسب تلك الفيوضات الرحمانية، فما مسكت السيف بيدي لأطبّر وناديت (حيدر.. حيدر) حتى جلست من النوم وتغمرني طمأنينة النجاح والتقدم في إحياء هذه الشعيرة المظلومة - راجع حديث الإمام الصادق (ع) في كتاب تفسير الأحلام صفحة 89 ، إعداد محمد دكير-.
    أجل، إنها المبشّرات حقاً.. إنها الخير والرحمة والبركات التي نأملها للجميع سواءً عشّاق الإمام الحسين الشهيد أو إخوتنا الذين لم يستوعبوا قيمة هذه الشعيرة المهضومة من الشعائر الحسينية.
    وهذا الحوار الذي بين يديك - أيها القارئ اللّبيب - بيانٌ لأهمية هذه المسألة العزائية الهامّة ودفعٌ للإشكالات الواهية التي تجري على بعض الألسن في التنقيص منها والتشهير بمؤيّديها. ولقد حاولنا فيه الصراحة والشمولية وسلاسة التعبير خدمةً لعموم الناس وكافّة المستويات وخاصة شبابنا الأعزاء.
    ننشره بعد إضافات أدخلناها عليه ليكون جامعاً علاجياً لأزمة (القيل والقال) في كل البلاد والمناطق التي حُرِمَت من بركات هذه الشعيرة العظيمة وفاتت أهلها معرفة الحِكَم الخفيّة في أصلها ومعطياتها، ولكي نشدّ به أزر المطبّرين حتى يرسلوا عبر مواكبهم الحمراء إشعاعات الفكر الحسيني المتحرّك، وليربطوا الناس بالأخلاق الحسينية عبر ترجمتها العمليّة.
    ونؤكد هنا على رسالة هذا الكتاب وهي مضافاً لما ذكرناه نروم إلى:
    1/ صرف الأنظار نحو القضايا الأساسية في حياتنا وترك ما يستنزف طاقاتنا عن الأهداف الكبيرة.
    2/ تجفيف منابع التهم ومبرّرات الفتن التي ينشغل بها الشيعة في موسمهم العاشورائي بسبب الجدل العقيم بين الموافقين والمخالفين للتطبير.
    3/ تجريد المتطرّفين من الطرفين عن شرعية التطرّف الضدّي المتبادل، كي يعودوا إلى منطقة الوسط وعدم تشويه سمعة المذهب وصورة المرجع الذي يتصرّفون باسمه دون خبره ورضاه.
    4/ ترشيد الواقع الموجود ضمن قنوات القيم الأخلاقية الثابتة ومراعاته وفق قاعدة الأهم والمهم، سيّما قيم الحرية والإحترام المتبادل وإظهار الحكمة للآخرين في علاقاتنا البينية عند تباين الآراء والإجتهادات. ولكي نقول للعالم والتأريخ أن مراجع الشيعة والعلماء المخلصين وشيعة أهل البيت (ع) - رغم أنواع الضغط والحرب التي تُمارَس عليهم دوليّاً وإقليميّاً - يدأبون للتصحيح والنصيحة وإدارة الحالات الصعبة لشؤون الساحة. وهم تبعاً لإمامهم الحجّة بن الحسن المهدي (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) لايتركون شيعته تلعب بهم الأهواء.
    5/ تأكيد محورية الإمام الحسين (ع) وقدسيّة قضيّته للجميع دون أن تفرّقنا القناعات الفرعية حول النمط الشعائري في الإرتباط العاطفي به كإمام مفترض الطاعة وكقضية لن تُساوَم عندنا بأي شئ آخر، كونها أمانة في رقاب الأجيال إلى يوم القيامة.
    فهذا الكتاب وبتوفيق من الله الملك الحق المبين وُلِدَتْ فكرتُه بناءاً على هذه الرسالة الإصلاحية وليس لأجل الإنتصار لطرف والإساءة إلى طرف آخر لاسمح الله.
    ثم توثيقاً للمفاهيم التي حاوَرَنا فيها الإخوةُ الكرام قد ألحقنا بالكتاب مجموعة من الفتاوى الشرعية لمراجع الدين السابقين والمعاصرين مع ذكر المصادر.
    ومن باب الإمتثال لقوله تعالى: (وأمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) أشير هنا إلى ما كنتُ أشعره من توفيق عجيب حين لقائي بالإخوة المحاورين ومراجعتي لهذا الكتاب الحواري.. حيث كان تدفّق الأفكار وربط المفاهيم ومجئ الآيات والأحاديث على البال حين الحاجة إليها وفي الأماكن المناسبة لها وكذلك سهولة الوصول إلى المصادر.. وأخيراً تبرّعات المحسنين لطباعة الكتاب هي الأخرى كانت جزءً من هذا التوفيق دون شك.
    ولابدّ هنا من الشكر للمحاورين الأربع: الأخ محمد الساعي من صحيفة (أخبار الخليج) البحرينية. والأخ زكريا علي من حوزة خاتم الأنبياء (ص) العلميّة في منطقتنا (البحرين - المحرّق). والأخ جاسم الفارس مدير مكتبنا. وصهري العزيز الأخ حسين محمود خلف حافظ (ناشط إسلامي في الدنمارك) جزاهم الله عن الإمام الحسين سيّد الشهداء (ع) أحسن الجزاء.
    سائلين الله القدير أن يأخذ بأيدينا جميعاً إلى وعي البصائر الدينية والإهتداء بنورها قلباً وقالباً لنكون دعاة حقيقيين إلى القيم الإسلامية الأصيلة ونحن نقول (اَلْحَمْدُ للهِ الّذي هدانا لِهذا وما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أنْ هدانا اللهُ) إلى نعمة الولاية لمحمد وآل محمد الطيّبين الطاهرين.

    الفقير إلى الله الغني:
    عبدالعظيـم المهتـدي البحـراني
    17/ ربيع الأول/1427هـ
    محافظة المحرّق- مملكة البحرين


    * < تمهيد في المسألة > *

    • ما رأي سماحتكم في مسألة التطبير؟
    في هذه المسألة بيان أرجو أن تتابعوه جيّداً!

    • تفضّلوا يا فضيلة الشيخ.
    نحن الشيعة فينا مقلّدون للمراجع وفينا فقهاء مستقلّون في الرأي وفينا محتاطون حيث يختارون أحوط الأحكام، وهذا يستدعي كون المحتاط عارفاً لمختلف الآراء فيها لكي يحسن الإختيار ويفرغ ذمّته بينه وبين ربّه عزوجل.
    أنت تسألني عن رأيي في مسألة التطبير، أقول: أنا من القسم الأول وإن كنت لم أطبّر في حياتي ولو مرّة واحدة رغم كونه مستحبّاً حسب رأي مرجعيّتي الفقهية وذلك لظروفي السابقة في بعض البلدان. ولكني أرى ضرورة تجريد مراسم التطبير عما لا يليق، وتطعيمه بما ينقله إلى دائرة التحديث العصري والهدفية البناءة، وهذا يتم عبر التثقيف بأبعاد ودوافع وأهداف هذه الشعيرة الحسينية.

    • يعني أنك ترى لهذه الشعيرة الحسينية حكمة رغم ما يدور حولها من جدل.
    ما رأيك أن نبدأ الحديث بالإجابة على السؤال التالي: كيف نعالج هذا الجدل بين الموافقين والمخالفين للتطبير؟

    • حسب ما تشاء، خُذ راحتك يا شيخ.
    إن تعدّدية الآراء في كل شيء، حقيقة كونية وسنّة إلهية، شاء الله أن يختلف الناس حتى في الإعتقاد بوجوده الواضح، وذلك لينظر مدى إلتزامهم بالتقوى وتنافسهم الشريف نحو الهدى بالنسبة للمؤمنين ولكي يكرّس الحرية بالنسبة لهم ولغيرهم. فلا يمكن لأحد إلغاء هذه الحقيقة وتعطيل هذه السُّنة، فالواجب إذن أن نفكر في أدب الإختلاف ونرتقي إيمانياً وحضارياً إلى مستوى الأخلاق الإنسانية في معرفة الآخر والتعامل معه، والتي نعني بها احترام حق الإنسان في الرأي والإختيار، حتى إذا اختلفنا فلا نتعادى.. لأن الدين كلّه لا إكراه فيه، وربّ الدين رغم قدرته على خلقه فقد رفض إجبارهم على فكر وفعل كما قلنا، وبالتالي فمن أنا ومن غيري حتى نجعل أنفسنا أوصياء على الدين والعباد فنصنّفهم دينياً حسب آرائنا. فالله الذي منحني الحرية منحها لغيري أيضاً، ومصادرتها من أي طرف للطرف الآخر تعني معارضة القسمة الإلهية والخروج عن سنته والضدية لحكمته. تأسيساً على هذا البيان نؤكد حاجة الجميع إلى قراءة جديدة لواقعنا على ضوء الرؤية الإسلامية في حقوق الإنسان. فإذا استطعنا الإنتقال إلى هذا المستوى الحضاري في الحرية ورعاية الحقوق فسنعالج أي خلاف بروح ايجابية ونكون بعدئذ من مصاديق قوله تعالى: (فَبَشِّّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِك الّذينَ هَداهُمُ اللهُ وأُولئِكَ هُمْ أُولوا الألباب).(2)
    فلم نبتعد عن الحقيقة لو قلنا أن أزمة الخلاف في التطبير وغيره هي جزء من أزمة الفكر الإنساني الذي عزفت عنه قطاعات واسعة من مجتمعنا، حتى أصبح الواحد منا يعتبر نفسه أو جماعته ديناً بذاته ووكيلاً عن الله في الأرض وهو في الوقت نفسه تراه يدين الرئيس الأمريكي بوش على مبدأ (مَن ليس معنا فهو ضدنا)!
    وهل يأتي هلاك المجتمعات والحضارات والحركات والشخصيات إلا من التعصّب والإستبداد والإصرار على الآحاديّة بروح الوصاية على الآخرين من الأقران؟!
    يقول الإمامُ عليٌّ عليه السلام - في الخُطبَة القاصِعَةِ -: (ولَقَد نَظَرتُ فَما وَجَدتُ أحَداً مِنَ العالَمينَ يَتَعَصَّبُ لِشَيءٍ مِنَ الأشياءِ إِلّا عَن عِلَّةٍ تَحتَمِلُ تَمويهَ الجُهَلاءِ, أو حُجَّةٍ تَليطُ بِعُقولِ السُّفَهاءِ, غَيرَكُم, فَإنَّكُم تَتَعَصَّبونَ لِأمرٍ ما يُعرَفُ لَهُ سَبَبٌ ولا عِلَّةٌ (مسّ يد علّة), أمّا إبليسُ فَتَعَصَّبَ عَلى آدَمَ لِأصلِهِ, وطَعَنَ عَلَيهِ في خِلقَتِهِ, فقالَ: أنا نارِيٌّ وأنتَ طِينيٌّ! و أمّا الأغنِياءُ مِن مُترَفَةِ الأُمَمِ فَتَعَصَّبوا لآثارِ مَواقِعَ النِّعَمِ, فَقالوا: نَحنُ أكثَرُ أموالاً وأولاداً وما نَحنُ بِمُعَذَّبينَ. فإن كانَ لابُدَّ مِنَ العَصَبِيَّةِ فَلْيَكُن تَعَصُّبُكُم لِمَكارِمِ الخِصالِ, ومَحامِدِ الأفعالِ, ومَحاسِنِ الأُمورِ, الّتي تَفاضَلَت فيها المُجداءُ والنُجَداءُ مِن بُيوتاتِ العَرَب, ويَعاسيبُ القَبائلِ, بِالأخلاقِ الرَّغيبَةِ, والأحلامِ العَظيمةِ, والأخطارِ الجَليلَةِ, والآثارِ المَحمودَةِ. فَتَعَصَّبوا لِخِلالِ الحَمدِ مِنَ الحِفظِ لِلجِوارِ, والوَفاءِ بِالذِّمامِ, والطَّاعَةِ لِلبِرِّ, والمَعصِيَةِ لِلكِبرِ, والأخذِ بِالفَضلِ, والكَفِّ عَنِ البَغيِ, والإعظامِ لِلقَتلِ, والإنصافِ لِلخَلقِ, والكَظمِ لِلغَيظِ, واجتِنابِ الفَسادِ في الأرضِ).(3)
    بعض الناس (المتديّن!) يظنّ أنه قد أراح نفسه حينما يقول: (هذا رأي مرجعي وليذهب المخالفون يشربوا مالح البحر)!!
    وبعض المتحرّرين الذين يحسبون أنفسهم من أهل الثقافة والتجديد يقول: (هذا رأيي وليذهب غيري يضرب رأسه بالجدار)!!
    هذا ما عدا أولئك الذين لايتورّعون عن إلقاء التهم على غيرهم بالعمالة للأجنبي والخيانة للدين وما أشبه ذلك لكي يسقطوا الرأي الآخر الذي يعجزون في إسقاطه بالدليل والبرهان!!
    وبعض الناس - كما في بلادنا - مع الأسف تتقاذفهم الرياح يمنةً ويسرةً حسب مصالح الذين ركبوا الموجة بدهاء! ويبقون تحت سيطرة المستغلّين يستحلبونهم لوجاهتهم وزعامتهم الجوفاء مالم يستضيئوا بنور العلم فيكشفوا أوكار المؤامرة ثم يستندوا إلى ركن العقيدة فيكونوا بعده إما من العلماء الربّانيين وإما من المتعلّمين على سبيل النجاة.. كما قال أميرالمؤمنين (ع) لصاحبه كميل بن زياد: (يا كميل بن زياد: إنّ هذه القلوب أوعية فاحْفَظْ عنّي ما أقول لك، الناسُ ثلاثة: فعالمٌ ربّاني، أو متعلّمٌ على سبيل نجاة، وهَمَجٌ رُعاع أتباعُ كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى رُكْنٍ وثيق).(4)
    ويتجلّى من هاتين الرائعتين العَلَويّتين أنّ سبب التعصّب هو الجهل بأحكام الله تعالى ودفن الأخلاق في مقبرة الأنانية والمصالح الذاتية، وغالباً ما يغلّفها صاحبها بغلاف الدين ويلفّها بلفّافة الكلمات المعسولة!!
    نعم.. إنّ التعصّب هي الإشكالية الأساسية الخطيرة في جميع قضايانا على الإطلاق، فلو عالجناه - أي التعصّب - في ثقافتنا بأخلاقية الإمام علي (ع) وطلب العلم النافع لَعالجنا إختلاف الرأي في التطبير ومئات المسائل الخلافية بين الأفراد والعوائل والجماعات والمذاهب والحكومات و...
    أليس الرسول الأعظم (ص) قد بعثه الله لتحقيق هذين الهدفين (التهذيب الأخلاقي والتزكية) و(تعليم الكتاب والحكمة)؟!
    ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.(5)
    الآن إسألني عن حكمة التطبير واسألوني أيها الإخوة عمّا لديكم في هذا الموضوع وعلى الله قصد السبيل...


    * < نبذة عن تاريخ المآتم والعزاء > *

    • قبل الولوج في موضوع التطبير الذي اجتمعنا له بهذا الحوار، أطلب من سماحة الشيخ البدء في نبذة عن تاريخ المأتم الحسيني من أوله إلى هذا اليوم. ومن أين نشأ العزاء وكيف تطوّر؟

    حماسة عاشوراء أعظم حركة نهضوية مأساوية في التاريخ البشري، وذلك باعتبار سماتها المتميّزة الخاصة وتقابُلاتها التالية:
    1) أهدافها (الله والحق والعدل والحرية من جهة. والشيطان والباطل والظلم والإستبداد من جهة أخرى).
    2) شخصياتها (الحسين بن علي وأولاده وأصحابه وفيهم صحابة جدّه رسول الله من جهة. ويزيد بن معاوية وابن زياد وعمر بن سعد وشمرٍ من جهة أخرى).
    3) انتماءاتها (القيم الإنسانية و بيت النبوّة والطهارة والشرافة من جهة، والقيم الجاهلية وبيت الأمويّة والرجس والسفالة من جهة أخرى).
    4) أخلاقيّاتها (المظلومية والرأفة والصبر والدعوة إلى السلم والمحبّة من جهة. والدمويّة والعنف والشراسة والتشفّي والكراهيّة من جهة أخرى).
    5) آثارها (التأصيل لشرعية الدفاع عن الحق ونهضة الشعوب والمعارضة السلمية الإصلاحية في كل عصر من جهة. وتدويل الباطل ومحاربة الشعوب وحقوقها من جهة أخرى).
    ولا زالت هذه النهضة الحسينية رغم مرور قرابة (14) قرن تأخذ من عشّاقها دموعهم لتعطيهم مكانها وقودها للتواصل مع العشق الحسيني بكل مراحله ومستوياته.
    أخي: سألتني عن المأتم والعزاء؟ متى بدأ وكيف استمر وتطوّر في التاريخ إلى يومنا؟
    * أوّل من بدأ المأتم والعزاء بعد واقعة يوم عاشوراء كان الإمام السجّاد وعمّته السيّدة زينب وأيتام الحسين في عصر يوم العاشر عند جسد الحسين والشهداء وكانت الخيول ورجال البيت الأموي يرهبونهم ويرضّون أجساد الشهداء ورؤوسهم على الرماح.
    * ثم كان المأتم والعزاء في الكوفة.. وذلك لمّا أدخلوا السبايا فخطب السيدة زينب وأختها السيدة أم كلثوم في الناس المتجمهرين في الطرقات، وضجّوا من فاجعةٍ صوّرتْها السيّدتان ابنتا عليٍّ وفاطمة فزلزلتا العرش الأموي وزادتها بخطبتها الصاعقة في مجلس بن زياد الطاغية.
    * واستمرت قافلة السبايا تنحو الحسين الشهيد المظلوم المذبوح عطشاناً حتى دخلت الشام وقلبت الطاولة على رأس الحاكم الطاغي يزيد بن معاوية، فبعد الخطبة التي اضطر أن يوافق عليها قام الإمام زين العابدين بفضح آل أبي سفيان. فكاد يخسر المجرمون المزيد، فلعب يزيد لعبة جديدة وهي السماح لسبايا أهل البيت (ع) بإقامة مأتم العزاء في خربة الشام لثلاثة أيام، وألقى مسئولية الجريمة على واليه في الكوفة عبيد الله بن زياد.
    * وبعد الفضيحة والهزيمة وافق يزيد بن معاوية على عودة القافلة إلى مدينة جدّها رسول الله (ص) فاختارت الذهاب إلى كربلاء أوّلاً لزيارة الحسين (ع) وصلت في يوم الأربعين (20 شهر صفر) والتقت هناك مع الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الأنصاري الذي كان قادماً أيضاً لزيارة قبر الحسين (ع) بمساعدة تلميذه وخادمه، إذ كان في أواخر أيام حياته ضريراً. فاجتمعوا هناك وقرؤا مأتم عزاء ونوْحٍ وبكاء.. وهو لا يخلو من حركة الضرب على الرأس والصدر باليد كما هي عادة العرب والشعوب حين المصيبة.
    * ثم خرجت القافلة متجهة إلى المدينة المنوّرة، فما أن دخلتها حتى ضجّ أهلها بالبكاء وزلزلت الأرض من شدّة النحيب على الحسين (ع) وشاركت النساء في المأتم وفي مقدّمتهنّ أمّ سلمة زوجة النبي (ص) وأمّ البنين زوجة الإمام علي (ع). وأخذ مظاهر التنديد بجريمة يزيد بن معاوية تتسع في الناس حتى خشي عمر بن سعد من انقلاب الأوضاع فرفع خطاباً إلى الشام بخطورة الظاهرة المأتمية التي تقودها السيدة زينب (ع) فأمر يزيد بإبعادها، واختلف التاريخ هنا بين الشام ومصر، والأغلب يرون أنها نُفيتْ إلى الشام وقبرها هو هذا المعروف اليوم في المنطقة الزينبية.
    * وانتشر خبر استشهاد الإمام الحسين (ع) في بلاد المسلمين فأخذ كل مجموعة وبطريقتها العفوية تبرز حزنها وتألّمها واستنكارها وبدأت المآتم تتشكّل تدريجياً مع هذا الإنتشار. وخاصة في أيام محرّم حيث كانت الواقعة وفي الأيام التي كان المسلمون يأتون لكربلاء، وفي البلدان الأخرى على امتداد السنة أضيفت أيام (15 شعبان) و(9 ذي الحجّة يوم عرفة) و(ليلة عيد الفطر) و(أوّل شهر رجب) ويمكن القول أن المآتم الحسينية انتظمت بعد ذلك من بداية القرن الثالث الهجري.

    • معلومات تاريخية قيّمة! زدني منها سماحة الشيخ.. وقُل كيف تطوّرت ظاهرة العزاء حتى وصلت في عصرنا إلى هذا المستوى؟ حتماً تعتمدون لنا مصادر موثقة؟
    بالطبع هناك مئات المصادر من السنة والشيعة. أنظر مثلاً (تاريخ الطبري) وتاريخ (بن عساكر – ترجمة الإمام الحسين) وكتاب (ثورة الحسين في الوجدان الشعبي – للمرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين) وموسوعة (بحار الأنوار) و(الإمام الحسين – للشيخ باقر شريف القرشي) و(موسوعة الإمام الحسين) كتابنا (من أخلاق الإمام الحسين) وغيره.
    فلنواصل باختصار شديد تاريخ المآتم وتطوّر العزاء الحسيني: ففي القرن الثالث والرابع والخامس (أيام حكّام البويهييّن في العراق والحمدانييّن في الشام والفاطمييّن في مصر انتشر المذهب الشيعي وانتشرت معها المجالس الحسينية. جاء في تاريخ الكامل(6) أنه في شهر محرم سنة (252 هـ) أمر معزّ الدولة الديلمي بالعطلة الرسمية لعموم المؤسسات والأسواق وأن يتفرّغ الناس لإقامة المآتم على الحسين وخروج مواكب العزاء في الشوارع. فبرزت القصائد والخطب في هذه الفترة تجسّد للناس مظالم بني أمية وبني العباس وتذكر فضائل أهل البيت (ع) ومظلوميّتهم.. وتمّ تأليف أغلب كتب المقاتل في هذه الفترة.

    • هل نستطيع البحث عن جذور الخلافات السياسية بين السنة والشيعة في هذه المرحلة التاريخية؟
    أتفق معك في هذا الرأي. نعم أعتقد أن بعض الخلافات يرجع سببه إلى أن الخلفاء الأمويين والعباسيين حيث كانوا يحسبون أنفسهم على السنة، وكانت الشيعة في مجالس الحسين (ع) يندّدون بظلم الخلفاء لأهل البيت (ع) فلم يكن للخلفاء في الدفاع عن عروشهم إلا بتحريض السنة على الشيعة، واستخدموا بعض علماء البلاط لتدوين تاريخٍ للمسلمين يبرزون فيه ما يخدم هذا التوجّه ويعمّق الطائفية والخلافات. وفي الجانب الشيعي اتخذ بعض الشيعة من المأتم فرصة لتعرية الحكومات الأموية والعباسية فكان من الطبيعي ظهور الإصطفاف المذهبي وحدوث الصِّدام الطائفي بتوجيه سياسي من وراء الكواليس. وهذا ما جعل بعض الشيعة يتجه لتحديد الشعائر الحسينية في الإطار التاريخي دون ربطه بالسياسة إما تقيّة وإما لقناعتهم بأن القضية لا تحتاج إلى مواجهة مع الآخر بعد أن تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود في النهضة الحسينية. وخلال هذه الفترة الجدالية دخلت تحريفات على القضية العاشورائية عبر أيادي تلك الحكومات التي كانت تريد أن تُبعِد رسالة الحسين عن الأمّة وخطرها عن نفسها وأن لا تتورّط مع المعارضة السياسية للشيعة على طول التاريخ. فانقسم الخطاب الحسيني إلى نمط سياسي حادّ وآخر تاريخي جافّ ليخرج من بينهما نمط ثالث هو الذي نعتمده ونتبنّاه.. لأنه خطاب وسطي جامع بين السياسة بشكلها العام ومقولاتها الكلّية في الإسلام وغيره، وبين تاريخ المأساة واستدرار الدموع على مصائب الإمام الحسين لربط الناس وجدانيّاً وعاطفيّاً وفكريّاً بالقيم التي ثار الحسين لأجلها.

    • سماحة الشيخ المهتدي: ما هو تقييمكم للمزج الحاصل بين الخطاب الحسيني والخطاب السياسي المعاصر؟ هل ترون القضية الحسينية تستفيد من خطباء مسيّسين حتى النخاع؟!
    لابدّ من منهجة الوعي الديني والسياسي ضمن خط الوسطية والإعتدال. فإنّ التوظيف المفرط للأوّل لخدمة الثاني تضحيةً للدين على مسرح السياسة، إنني أعتقد أنّ رسالة المأتم الحسيني رسالة إسلامية عامّة جامعة، لا تحتاج إلى التصريح بالمصاديق السياسية الحاضرة إلا ما كانت الحاجة إليه إستثنائية.
    في تقييمي إنّ التطرّف السياسي في زماننا وغلبة المصالح الفردية والفئوية على الإخلاص الحقيقي لله عزّ وجل قد لعب دوراً سلبياً في قضية المأتم والعزاء كما لعب هذا الدور في القضايا الإسلامية بشكل عام لدى عامّة المسلمين. نحن في منهج أهل البيت (ع) نتعلّم حاكمية الدين والأخلاق والقيم الإنسانية على السياسة ومصالح الدولة. ولكنّ اليوم أصبح العكس هو الحاكم.

    • ما الفرق بين الخطاب المنبري في عصر الخلافة وبعد سقوطها؟
    مع نهاية العصر العباسي وفي سيطرة المغول على بلاد المسلمين نلاحظ أن الخطاب المنبري والقصائد العزائية ابتعد عن القضايا السياسية وأخذ اللّون التقليدي، ولعل السبب يعود إلى أن المغول لم يحسبوا أنفسهم خلفاء رسول الله (ص) عكس ما كان عليه الأمويّون والعبّاسيّون، وهذا ما جعل السلطات المغولية تتسامح مع الشعائر الحسينية. وكان من سلبيات هذه الحرية ظهور المبالغة في تصوير جانب المأساة بدرجة الإختلاق لقصص خرافية والأشعار الخيالية. ولكن العلماء ادّاركوا الموقف ونشروا ما هو الأقرب إلى الحقيقة في السيرة الحسينية. وأمروا الخطباء والشعراء بالقراءة في تاريخ السيرة ودراسة الواقعة من مصادرها الصحيحة ثم التحدّث وإنشاء القصائد. وكانت المحصّلة لهذه الفترة رغم بعض الأخطاء الإعتيادية محصّلةً إيجابية لتعميق المودّة لذوي القربى وبيان الفضائل والمناقب والمعاجز لأهل البيت (ع) وكسب المسلمين لمعرفة الظلم الذي أوقعه الأمويون والعباسيون بالأئمة من آل النبي محمد (ص).
    • وفي عصرنا كيف تقيّمون الخطاب الحسيني؟
    قفزت الثقافة الحسينية في العقود الأربعة الأخيرة ولا سيّما بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران قفزة نوعية.. فكان أهم سماتها:
    1) التحليل العقلي للنصوص التاريخية في السيرة بصورة متوازنة.
    2) الشواهد العلمية والأمثلة العصرية حين سرد أحداث الواقعة.
    3) بيان أهداف الإمام الحسين من ثورته بالطرح الحديث والأسلوب المقارن.
    4) الدقّة والنقد والبحث، وهو عنصر من عناصر تفعيل الحركة الفكرية لجيل الشباب.
    5) تنظيم المؤسسة الحسينية وإدارة المآتم والمواكب بآلية جديدة وأدوات حديثة.
    6) ظهور القضية الحسينية على الفضائيات بما فيها مفردة المواكب العزائية وحتى شعيرة التطبير.
    7) عدم الإقتصار على أيام محرّم وشهر صفر لإحياء الشعائر بل أصبح الإحياء موزَّعاً على مدار السنة كاملة بدخول المجالس الحسينية في البيوت السكنية بشكل أسبوعي متنقّل.
    8) زيادة الحماسة العزائية وشدّة الحبّ لأهل البيت (ع) وكثرة البكاء على مصائبهم والإلتزام بآداب الحزن مثل لبس السواد وتعليق الأعلام والكتابات.
    9) صدور الكتب والمجلاّت والأفلام والمسرحيات والمراسم وأشرطة الرواديد الحسينية.
    10) الدفاع المستميت عن القضية الحسينية إلى حدّ التفاني والإستشهاد في سبيلها.

    • هذه الجوانب الإيجابية في هذه القفزة، وهل هناك من سلبيات؟
    لا تخلو أيّة قفزة من أوجاع، وخاصة تلك القفزات العالية!! فالسلبيات هي من نتاج الإنتقال من مرحلة إلى مرحلة، سيّما مع التراكمات التاريخية التي ذكرتها لكم آنفاً. وليس التجاذب في موضوع التطبير وطريقة التعاطي فيه بين الموافقين والمخالفين إلا شيء من هذه السلبيات التي نجتمع اليوم معكم لمعالجتها بعون الله تعالى من خلال هذا الحوار الموضوعي. وإن كان في المجموع مثل هذه الخلافات تكشف الحقائق الخفيّة في بطون الكتب ومخازن الأفكار ومعادن الناس وأخلاقياتهم. فهو شيء من سُنّة الإبتلاء في الحياة والتي بها يتم التنافس وتتكامل العقول وتتحرّك الثقافات لينفق كلّ إنسان بما لديه من خير أو شرّ. إننا نعاني من أزمة النقاشات الداخلية ومثلها موجودة بين المذاهب الأخرى، ولكننا في النتيجة نؤمن أنّ النقاش ولو في شكله السلبي ينتهي إلى الإيجابية بحكم الثوابت الأخلاقية ونقاء الفطرة لدى الأطراف المعنيّة بالموضوع. ولذا نحن لا ننظر إلى الخلافات السلبية إلا من زاوية النتائج الإيجابية، فمن دون هذه النظرة لا يمكن أن ننهج السُّبُلَ العلمية والأخلاقية لتحقيقها. وهذه هي فلسفتي التي أنطلق منها في مثل هذا الموضوع (التطبير) وغيره من مواضيع الجدل والنزاع رغم تحذيرات بعض الأصدقاء أو تحفّظاتهم. فالنقاش بموضوعيةٍ وشفّافيةٍ وأخلاقيةٍ يهدف الإصلاح خيرٌ مِن ترك الموضوع ليكثر حوله النزاعات الطفيلية الهدّامة.
    • سمعت عالماً يقول أن الحقائق التاريخية عن أهل البيت (ع) التي انتشرت في الآونة الأخيرة كانت ردّاً على التشكيكات التي أثارها بعض الشيعة والجماعة السلفية، فلو لم تكن هذه السلبية لما كانت الحقائق تظهر من بطون الكتب وتنتشر الأبحاث ليهتدي بها حتى الذين لم يعرفوا شيئاً عن مذهب أهل البيت (ع).
    بالفعل هكذا يا أخي، الحياة ابتلاء ولابدّ لكل إنسان أن يُمتحَن في البلاء حتى يحيا عن بيّنة أو يهلك عن بيّنة، ولكن يشتدّ بنا الأسف حينما نرى سلبية داخلية لدى البعض المتناغم مع اطروحات التكفيريين، وإن كنا نفرح في المقابل بأضعاف الأضعاف ممن يهتدون إلى تلك الحقائق. فالنتدبّر في هذه الآية الكريمة (عَسَى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُم) إنها لكل المتخالفين حيث يكرهون الرأي المخالف، ويأتيهم الخير متى ما التزموا الأخلاق الإسلامية. وهذا هو محور النجاح في كل التحوّلات الفكرية والإجتماعية. فمهما تكون الخلافات إذن يبقى أن لا ننسى القيم الإنسانية والحدود الأخلاقية بيننا وحتى في مواجهة التكفيريين فضلاً عن التشكيكيين. وتعود نسبة النجاح لدى الغربيين وتقدّمهم فيما يطمحون لدنياهم إلى عنصر الأخلاق في خلافاتهم مما جعل تنافسهم إيجابياً وبنّاءاًً، وفي المآل حقّقوا لأنفسهم أمام الشعوب الأخرى صورةً جذّابة ليسيطروا بها على الآخرين باسم الحضارية وهم في واقعهم على دينٍ ليس لله فيه رضا ولا قبول. بينما نحن وبكل نزاعاتنا اللاأخلاقية التي وصلت بعضها إلى سفك الدماء وقتل الأطفال والنساء يعتبر كلّ طرف وكلّ فرد فينا نفسه ديناً بأكمله، يتصرّف وكأنّ الله معه بلا نقاش!!
    يجب أن نخرج من هذه الحالة الكَيْدِيّة ونمارس حرّيتنا باحترام حرّية الغير، والحرّية أخلاقٌ قبل كلّ شيء. فننطلق على قاعدة (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) وهي القاعدة التي علّمها اللهُ رسولَه: (قُلْ إنّا أو إيّاكُم لَعلى هُدىً أو في ضَلالٍ مُبين). فلا يصح إتهامك الطرف الآخر بالضلال ثم دعوته للحوار حتى ولو كنتَ النبيّ محمّداً الواثق من هداية نفسه وضلال مشركي قريش. وليس في المسلمين على الإطلاق أحد مثل النبيّ محمد في ثقته بدينه وصواب رأيه، ولكن الله يريد بتلك الأخلاقية أن يؤسس في أمّته لحالة حضارية إسلامية عبر تأسيها بسُنّة نبيّها (ص) وسلوكه الأخلاقي المنتصر. فالأخلاق تجلب النصر والنصر لا يكون إلا بالأخلاق. (وإنما بُعثتُ لأتمّم مكارم الأخلاق).. صدق رسول الله (عليه وآله صلوات الله).
    أذكر قبل عشر سنوات تقريبا حينما صرّح أحد علماء لبنان المعروفين برأي على خلاف مشهور الشيعة في مقام الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء(ع) أمطروه بالفتاوى والبيانات، جاء بعض العلماء يطلب من المرجع الموسوعي الكبير آية الله العظمى السيّد محمد الشيرازي (طاب ثراه) أن يكتب عليه سطوراً، قال المنهج الصحيح أن تكتب ردّاً علميّاً على الفكر وليس سبّاً للشخص. فألّف سماحته ستة مجلّدات عن شخصية سيّدة نساء العالمين التكوينية والتشريعية وأسماها ( فقه الزهراء). لم يتعرّض في ذلك للعالم المذكور شخصياً ولكنه فنّد أساس أفكاره وهدم منهجه علميّاً. هذا هو الأخلاق التي نقصدها وندعو إليها، وهي الغائبة في حاضرنا غالباً مع الأسف الشديد.
    وعلى هذا السياق أتمنّى هنا أن يفهمني قارئي العزيز في مناقشتي لفكرة تحريم التطبير، فإن كنتُ صائباً جزاني الله خيراً وغفر للمحرّمين، وإن كنتُ مخطئاً جزى الله المحرّمين خيراً وغفر لي. بل أقول وبالنظر إلى النيّات جزانا الله جميعاً خير الجزاء وغفر لنا جميعاً بلا استثناء.

    المصادر والهوامش

    (1) سورة طه / آية 72
    (2) سورة الزمر/آية 18
    (3) نهج البلاغة- الخطبة رقم 192
    (4) نهج البلاغة - الكلمة رقم 147
    (5) سورة الجمعة / آية 2 و3
    (6) تاريخ الكامل (ج 8 ص549)
    (7) سورة المؤمنون/آية 53
    (8) بحار الأنوار ج71- ص352
    (9) طبعة المحجّة البيضاء في بيروت
    (10) سورة الحج/آية 32
    (11) سورة الأنفال/آية 46
    (12) راجع كتاب الإنتصار/ بقلم العاملي /ج9 /ص450
    (13) صحيفة النور ج 8 ص 69
    (14) سورة الرعد/آية 11
    (15) سورة الصف/آية 2 و 3
    (16) بحار الأنوار/ ج 62 ص 112
    (17) راجع أحاديث الحجامة في مكارم الأخلاق ووسائل الشيعة المجلّد العاشر
    (18) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج10، ص 112، ح 22120
    (19) مستدرك الوسائل/ ج13/باب 11/ص86
    (20) وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 12 - ص 207 ، ح 16100
    (21) وسائل الشيعه ج 27 ص 61
    (22) المؤمنون/آية 60
    (23) ما بين الشارحتين إضافة من المؤلف
    (24) سورة نور/آية 36
    (25) الإختصاص ص 241
    (26) سورة آل عمران/آية 31
    (27) سورة الحشر/آية 9
    (28) بحار الأنوار (27/95)
    (29) سورة الحج/آية 32
    (30) راجع ما كتبه العلاّمة الشيخ علي الشاهرودي في مستدرك سفينة البحار: ج 5/ ص 416 – مادة شعر
    (31) سورة الطلاق/آية 2 و3
    (32) سورة الأحزاب/آية 72
    (33) المنتخب للشيخ الطريحي ص203
    (34) صحيح الترمذي/ج2 ص 307
    (35) وسائل الشيعة/ج15/ ص 583
    (36) راجع مصدر هذا الحديث أيضاً بحار الأنوار/ج45/ص147
    (37) فروع الكافي, ج5 باب فضل الجهاد: ح1
    (38) أنظر كتاب الخصائص الحسينية / المقصد الثالث حول الصراخ والنحيب - وراجع كامل الزيارات صفحة 84- وبحار الأنوار/ ج45 / ص 219
    (39) كامل الزيارات/ص257
    (40) راجع كتاب ردّ الهجوم/ للشيخ محمد جميل العاملي /ص296
    (41) سورة البقرة/آية 195
    (42) تفسير الميزان/ج 3 ص 75
    (43) ميزان الحكمة/ ج 7 ص393
    (44) بحار الأنوار/ج72/ص99
    (45) سورة المائدة/آية 105
    (46) غرر الحكم ح 2317
    (47) سورة الشورى/آية 23
    (48) مقتل الحسين(ع) ج1/ ص163
    (49) سورة الشورى/آية 23
    (50) سورة الروم/آية 7
    (51) بحار الأنوار/ج71ص215
    (52) سورة الحجرات/آية 11
    (53) صحيفة نور/ج18/ ص78
    (54) فتاوى علماء الدين حول الشعائر الحسينية ص125
    (55) سورة يس/آية 30
    (56) سورة الأنبياء/آية 36
    (57) سورة البقرة/آية 120
    (58) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 97، ص121
    (59) سورة فصلت/آية 30
    (60) سورة آل عمران/آية 173 و174 و176
    (61) تفسير العيّاشي، ج2، ص188
    (62) كامل الزيارات، ص 364
    (63) كامل الزيارات/ ص343
    (64) كامل الزيارات، ص 364
    (65) أمالي الصدوق/ ص78 - وبحار الأنوار/ ج44 / ص284
    (66) سورة المؤمنون/آية 52
    (67) مجمع الزوائد/ ج1 ص 88 باب فيمن حبّهم إيمان
    (68) إقبال الأعمال/ للسيد ابن طاووس/ ج3 / ص 341 / فصل 53
    (69) سورة الزمر/آية 17 و 18
    (70) إقبال الأعمال، للسيد ابن طاووس ج3، ص 28، ومسند الإمام الرضا الشيخ عزيز الله عطاري ج2، ص 28
    (71) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 98، ص 238
    (72) كتاب الإنتصار ج9 ص473
    (73) سورة البقرة/آية 9
    (74) سورة الغاشية/ آية 21 و22
    (75) سورة البقرة/آية 191
    (76) سورة البقرة/آية 213
    (78) سورة المؤمنون/آية 71
    (79) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، ج20، ص 350
    (80) جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج12، ص 438
    (81) سورة الحجرات/آية 6
    (82) بحار الأنوار/ج71 ص214
    (83) الشعائر الحسينية العقائدية عبر التاريخ/ ص 67
    (84) عدد عاشور الخاص من مجلة المنبر عام 1421هـ ص 13
    (85) راجع التفاصيل في المصدر/ ص 96-99
    (86) بحار الأنوار/ ج72 / ص 21
    (87) سفينة البحار/ ج2/ ص696
    (88) كامل الزيارات/ ص 108
    (89) شرح نهج البلاغة/ ج 18 ص 274 – شرح مع المزيد من التوضيح
    (90) بحار الأنوار/ ج67/ ص107
    (91) سورة المائدة/آية 105
    (92) بحار الأنوار/ ج72 / ص316
    (93) سورة الحشر/آية 9 و10

  • #2
    الرجاء حذف هذا الموضوع لان نزلته مرتين

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

    يعمل...
    X