إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

من يحب ابو الفضل يدافع عن بطولاته

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من يحب ابو الفضل يدافع عن بطولاته

    بو الفضل العباس عُرف بسلسلة مترابطة من المواقف في سبيل الله ولمصلحة المستضعفين، فمثلاً من الأمور التي كان يتميز بها هو السقيُ للماء، وإذا أخذنا بعين الاعتبـار أن الماء هو المادة الأولى للعيش، وعليه تتوقف حياة جميع الأحياء، أن ربنا بدأ الخلق بالماء، فإن الاهتمام بإيصال الماء إلى الأحياء يكون اهتماماً بحياتهم.
    ولقد عرف العباس بالسّقاء ليس فقط في واقعة الطف في كربلاء، وإنما قبل ذلك أيضاً، لكثرة ما كان يهتم بسقي العطاشى في شتى المناسبات حتى إنه منذ الصغر عندما كان لا يزال طفلاً كان هو الذي يسقي إخوته وأخواته كلما احتاجوا إلى الماء، فكان هو المبادر الأول لسقي العائلة. واستمر معه ذلك إلى أن كبُر، ففي معركة صفين بعد أن امتلك معاوية بن أبي سفيان ماء الفرات ومنعه عن أصحاب الإمام علي، أرسل الإمام صعصعة بن صوحان العبدي إلى معاوية يطلب منه أن لا يمنع الماء الذي أباحه الله سبحانه وتعالى لجميع عن أحدٍ من المسلمين، غير أن معاوية بن أبي سفيان أبى أن يسمح لأصحاب الإمام بأخذ الماء، وامتنع عن ذلك طمعاً في أن يفرض بذلك على الإمام وأصحابه الاستسلام، عندها قال الإمام أمير المؤمنين قولته الشهيرة((ارووا السيوف من الدماء، تروون من الماء)) ثم أمر أصحابه أن يحملوا على أهل الشام حتى يكشفوهم عن الشريعة، وكان ممن حمل على العدو، واستطاع أن يجبره على التراجع كل من مالك الأشتر، والحسين بن علي، وأبي الفضل العباس واستطاعوا أن يهزموا جيش معاوية وأن يمتلكوا الشريعة، ولكنهم لم يفعلوا بهم مثل ما فعلوا بهم بل تركوا الماء لمن يريده، عدواً كان أم صديقاً.
    ولقد سمي العباس عليه السلام بالسقاء ليس فقط لدوره في صفتين بل لما ذكرناه قبل ذلك أيضاً. فكأن الأمر كان هوايةً له، وعادة خيرة من عاداته الخيرة الأخرى، فحيث كان يرى عطشاناً كان يبادر إلى سقيه، ولهذا فإنه في كربلاء قام ثلاث مرات بالحصول على الماء بقوة السلاح، وحمله إلى مخيم الحسين عليه السلام.
    ففي اليوم السابع من محرم الحرام حوصر الإمام الحسين ومن معه ومنعوا الورود إلى الماء، ونفذ ماعندهم منه و(أخذ كل واحد منهم يعالج لهب الأوام بما يستطيع وكانوا بين أنة وحنة، وتضورٍ ونشيج، وطالب للماء إلى متحرٍ ما يبل غلته). كما يقول المؤرخون، عندئذٍ ندب الحسين عليه السلام أخاه العباس، وطلب منه الحصول على الماء بما أمكن، فخرج العباس ومعه ثلاثون فارساً يحملون عشرين قربة، وانطلقوا نحو معسكر العدو وكان عمر بن سعد قد عهد بحراسة الماء إلى ( عمرو بن الحجاج) الزبيدي وهو من طغاة أصحابه، فنادى عمر بن الحجاج:
    ما جاء بكم؟
    فقال نافع بن هلال من أصحاب الإمام عليه السلام: جئنا لنشرب الماء الذي حلأتموه عنا.
    فقال له الحجاج: اشربوا ما شئتم، ولا تحملوا معكم.
    فقالوا: أفنشرب والحسين عطشان.
    قال عمر بن الحجاج: لا سبيل لسقي هؤلاء، إنما وضعنا بهذا المكان لمنعهم عن الماء.
    فحمل العباس ومن معه عليهم حتى كشفوهم عن الشريعة، بينما ملأ الأصحاب القرب بالماء، واستطاعوا أن يأتوا به إلى المخيم، وليس في القوم المناؤئين من تحدثه نفسه بالدنو منهم، خوفاً من شجاعة العباس وأصحابه ( فبلت غلة الحرائر والصبية من ذلك الماء وابتهجت به النفوس).
    ولا شك أن تلك الكمية القليلة من الماء، في ذلك الحر الشديد، وفي تلك الصحراء القاحلة، لم تكن تنفع ذلك الجمع الذي كان يتراوح بين مئة وخمسين إلى مائتين من الرجال والنساء والأطفال إلا لفترة قصيرة من الزمن غير أن موقف العباس حُفظ له كواحدٍ من مواقف الرجولة النادرة في التاريخ ولقد قال الشاعر في ذلك:
    وثنى أبو الفضل الفوارس نكصاً ،،، فرأوا أشدّ ثباتهم أن يهزموا
    ماكر ذو بأسٍ له متقدماً ،،، إلا وفر ورأسه المتقدم
    صبغ الخيول برمحه حتى ،،، غدى سيان أشقر لونها والأدهم
    ماشد غضباناً على ملمومة ،،، إلا وحل بها البلاء المبرم
    وله إلى الأقدام سرعة لهاربٍ ،،، فكأنما هو بالتقدم يسلم
    بطل تورث من أبيه شجاعةً ،،، فيها أنوف بني الضلالة ترغم
    يلقى السلام بشدة من بأسه ،،، فالبيض تثلم والرماح تحطم
    عرف المواعظ لا تفيد مبعثر ،،، صموا عن النبأ العظيم كما عموا
    فانصاع يخطب بالجماجم والكلا ،،، فالسيف ينثر والمثقف ينظم
    أو تشتكي العطش الفواطم عنده ،،، وبصدر صعدته الفرات المفعم
    لو سدُ ذي القرنين دون وروده ،،، سقته همته بما هو أعظم
    لو استقى نهر المجرة ولا ارتقى ،،، وطويل ذابله إليها سلم
    حام الضغينة أين منه ربيعة ،،، أم أبن عليـا أبيه مكدم
    في كفه اليسرى السقاء يقله ،،، وبكفه اليمنى الحسام المحدم
    مثل السحابة للفواطم صوبه ،،، ويصيب حاصبه العدو فيرجم

    لقد كانت تلك أول مواجهة مسلحة في كربلاء بين أصحاب الإمام الحسين عليه السلام وبين أصحاب يزيد بن معاوية، وانتهت إلى انتصار أصحاب الإمام بقيادة العباس عليه السلام وحصولهم على الماء رغم أنوف الطغاة.
    ومن السقاية للماء إلى الصفات النبيلة الأخرى امتلك العباس كل ما يخطر في البال من الفضائل في سلسلة مترابطة يشد بعضها بعضاً، وارتبط اسمه بها منذ بداية شبابه، ففي الوقت الذي كان أقرانه من شباب المسلمين قد تبدلت حالاتهم وتغيرت نفوسهم بسبب الفتوحات التي اغدقت عليهم الأموال، وفتحت عليهم نعيم الدنيا ورفاهيتها فكانوا يبحثون عن الراحة والملذات كان العباس في ذلك الوقت يبحث عن المواقف البطولية التي تتطلب المغامرة والبسالة والشجاعة، ويعمل بالحديث الشريف: (( خصلتان ليس فوقهما شيء من البر بالإيمان بالله، والنفع لعباد الله)).
    فلم يكن يهتم بنفسه، بل يهتم بالحق، ولم يكن يفكر في مصلحته، بل في مصلحة الإسلام فيه.
    فإن دوره في يوم عاشوراء لم يقتصر على حمل اللواء أو القتال بل كان يتعدى ذلك إلى أمورٍ أخرى منها مثلاً: إنه كان المفاوض القوي الذي يخشاه العدو ومن ثم فقد كان قادراً على أن يفرض منطقة عليه، ذلك أن المفاوضات في الحروب هي مواجهة بقوة المنطق، كما أن التلاحم بالسيف منطق بقوة السلاح، فعندما هجم العدو يوم التاسع من المحرم على مخيم أبي عبد الله ، وسمعت زينب طقطقة السيف وأصوات حوافر الخيل، جاءت إلى الإمام وكان يغفو عليه السلام فقالت: (( أخي قد اقترب العدو منا)) فقال الحسين للعباس عليه السلام (( اركب بنفسي أنت يا أخي حتى تلقاهم واسألهم عما جاء بهم و ما الذي يريدون)).
    فركب العباس في عشرين فرساً فيهم زهير بن القين وحبيب ابن مظاهر وغيرهم و سألوهم عما جاء بهم فقالوا(( جاء أمر من الأمير عبيد الله بن زياد أن تعرض عليكم النزول على حكمه أو نناجزكم الحرب)).
    فوعظهم العباس ومن معه ولما لم ينفع معهم النصح في ذلك شهروا سيوفهم في وجوه الأعداء ولاحت للجميع صورة الموت منعكساً في سيوف العباس عليه السلام وأصحابه، فتوقفوا عن الزحف، ورجع العباس إلى الحسين يخبرهم بمقالة القوم وكيف أنه أوقفهم عند مواقعهم فقال له الإمام:
    (( ارجع إليهم واستمهلهم هذه العشية إلى غد لعلنا نصلي لربنا الليلة، وندعوه، ونستغفره، فإنه تعالى يعلم أني أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار)).
    وهكذا فإن ما فعله العباسُ في هذه المفاوضات هو أنه أفهم العدو أن أصحاب الحسين مستعدون للمواجهة والتي فيها الموت الزؤام، إلا أنهم يطلبون سواد ليلة للصلاة والدعاء وتلاوة الكتاب وقد نجح في أن يمنع العدو من شن الحرب في اليوم التاسع من محرم. ولم تكن تلك المفاوضات بأقل من التلاحم في يوم عاشوراء، لآن الحرب إذا كانت شديدة الصعوبة في ساعات المواجهة ولا يصمد فيها إلا الأبطال، فإن المفاوضات مابين طرفي القتال هي الأخرى شديدة الصعوبة إذ لا يستطيع أن ينجح فيها إلا من يمتلك من مضاء المنطق بمقدار ما يملك من قوة السيف، ويملك من قوة السيف بمقدار ما يملك من مضاء المنطق.
    ولقد كانت قوة المنطق في العباس بحجم شجاعته في القتال، ولذلك فإنه كان يمثل أخاه الحسين ليس في مواقف المواجهة مع العدو فحسب، وإنما كان يمثله أيضاً في ساعات العسرة للتأثير على عياله ونفخ روح الثبات والسكون والسلام فيهم.
    فقد ذكر المؤرخون أنه لما خطب الإمام الحسين عليه السلام خطبته الثانية التي ندب فيها نفسه، وسمعت زينب وبناته كلامه بكين، وارتفعت اصواتهن بالنحيب، فوجه الهين الحسين كلاً من أخاه العباس وابنه علي الأكبر وقال لهما : (( سكتاهن فلعمري ليكثرن بكائهن)).
    وواضح أن المقصود من اسكات النساء ليس مجرد إصدار أمر لهم بالسكوت، وإنما يعني تهدأتهن بمنطق رباني و افاضة روح الصبر عليهن. ثم أن العباس لما كان يمتلك من صفات النبل والشجاعة والبسالة و روح الصمود والتعاون والدفاع عن المستضعفين كان سنداً لكل من يتورط في حالة المواجهة مع العدو ويشد ظهره ويؤازره القتال.
    فعندما كان أصحاب الإمام الحسين بعد الحملة الأولى التي التحم فيها الطرفان واستشهد منهم خمسون رجلاً، أخذوا يخرجون ثلاثة ثلاثة، أو أربعة أربعة أو ما شابه ذلك و يحمي بعضهم ظهر الآخر. كان أحياناً يستطيع العدو بالاعتماد على كثرة عدده وقوة عدته أن يحيل بينهم وبين مخيم الحسين عليه السلام فيقع هؤلاء في كمين الأعداء فكان الإمام يرسل أخاه العباس لنجدتهم.
    وقد ذكر الطبري في تاريخه إن عمرو بن خالد الصيداوي، وسعد مولاه، وجابر بن حارث السلماني، ومجمع بن عبد الله العائدي شدّوا جميعاً على أهل الكوفة، فلما أوغلوا فيهم عطف عليهم الناس من كل جانب وقطعوهم عن اصحابهم، فندب إليهم الحسين أخاه العباس عليه السلام فاستنقذهم بسيفه وقد جرحوا بأجمعهم، وفي اثناء الطريق هجم عليهم العدو من جديد فشدوا بأسيافهم مع ما بهم من جراح وقاتلوا حتى قتلوا في مكان واحد رضوان الله عليهم.
    وبقي هذا الدور للعباس مع جميع الاصحاب إلى آخر اللحظات حيث لم يبق إلا الحسين وهو، فكان العباس يشد ازرّ أخيه إذا هجم على العدو أو يشد الحسين أزره إذا هجم العباس وحدث ذلك مرتين أو ثلاثاً بعد مقتل الأصحاب جميعاً ولذلك فإن الحسين قال بعد سقوط العباس شهيداً قولته الشهيرة:
    (( الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي وشمت بي عدوي)).
    فالعباس كان ظهر الحسين عليه السلام تماماً كما كان ظهر أصحابه، ومع سقوطه شهيداً انكسر ظهر الحسين عليه السلام وكان العباس مخططاً لجبهته ولذلك فقد قلت ((حيلة الحسين)) بمقتله.
    وكان العباس مصدر خوف لأعدائه بمقدار ما كان مصدر أمن لأصحابه وذلك فإن العدو شمت بالحسين عند سقوط العباس عليه السلام.

  • #2
    قال الإمام السجاد علي بن الحسين (عليه السلام) في حق عمه العباس: (رحم الله عمي العباس بن علي، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه، حتى قطعت يداه فأبدله الله بجناحين ليطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة)(1).
    وهكذا بيّنت الرواية الشريفة، صفة المواساة والإيثار عند أبي الفضل (عليه السلام)، وصفة التضحية والفداء، كما بينت جزاء الله سبحانه له مما يجعل سائر الشهداء ومنهم حمزة وجعفر و… و… يغبطونه على عظيم منزلته عند الله.
    وهذا النص عظيم الدلالة على فضائل العباس (عليه السلام)، إلا أن أهم النصوص التي وردت فيه هي الزيارات التي توارثها الموالون لأهل البيت (عليهم السلام) عبر التاريخ حتى وصلت إلينا، والتي عبرت عن مدى تقدير الأئمة المعصومين (عليهم السلام) للعباس.
    وقد روى أبو حمزة الثمالي عن الصادق (عليه السلام).
    ونحن نتأمل معاً في فقرات هذه الزيارات، لعلنا نعرف شيئاً عن شخصية العباس (عليه السلام) فنقتدي. به نقرأ في زيارة أبي الفضل العباس (عليه السلام) أول ما ندخل في رحاب ضريحه: (سلام الله، وسلام ملائكته المقربين، وأنبيائه المرسلين، وعباده الصالحين، وجميع الشهداء والصديقين، والزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح عليك يا بن أمير المؤمنين).
    إن نهج العباس (عليه السلام) كان نهج الأنبياء والصديقين والصالحين عبر التاريخ، بل جاء العباس (عليه السلام) كما جاءت ملحمة الشهادة في كربلاء لترسيخ أصول هذا النهج الإلهي، فاستحق سلام الأنبياء والربانيين جميعاً…
    فبالشهادة، وبتلك الدماء الزاكيات.. حفظ الله سبحانه مواريث الأنبياء من الضياع في زحمة أساطير الطغاة، وهكذا كان الإمام الحسين (عليه السلام) وريث الأنبياء جميعاً.
    وعلينا أن نعي أبداً هذه الحقيقة أن الإيمان لا يتجزأ. فلا يمكن أن يؤمن أحد بنبي دون آخر، أو بوصي دون الثاني، أو يفرّق بين أحد منهم.
    كلا.. إنه نهج واحد لا يختلف، ولا يشذ بعضه عن بعض في شيء. وهكذا سلام الأرواح الزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح على العباس، كما سلام الأنبياء والملائكة والصالحين.
    بعد هذا السلام الطاهر الطيب تقول الزيارة: (أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء). إنها كلمات تعبر عن الصفات العليا لأبي الفضل: التسليم وهي قمة الصفات. فالتسليم مثلاً أعظم درجة ينالها البشر في مدارج الإيمان، حيث نتلو في القرآن الكريم أن النبي إبراهيم (عليه السلام) سأل ربه في أواخر أيام حياته أن يجعله الله وابنه إسماعيل من المسلمين، حيث قال: (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا انك أنت التواب الرحيم)(2). ولقد بلغ العباس (عليه السلام) درجة التسليم، ونحن نشهد له بذلك.

    أما التصديق والوفاء فهما تجليات التسليم في حياته، فمن سلم لله تعالى لابد أن يصدق بولي الله، وأن يدافع عنه ويصبر ويفي بعهده معه.
    بلى.. كان تصديق سيدنا العباس (عليه السلام) بأخيه إماماً وحجة، والشهادة على ذلك باتباعه وطاعته والإخلاص له. كان ذلك دليلاً على تسليمه القلبي، وإيمانه الصادق، ويقينه.
    وهذه هي الصفة التي تقل عند الكثير ممن يدعي الإيمان، ولكنه لا يصدق بالولاية، ولا يستقيم عليها عند الشدائد.
    ثم تقول الزيارة: (والنصيحة لخلف النبي (صلى الله عليه وآله) المرسل، والسبط المنتجب، والدليل العالم، والوصي المبلغ، والمظلوم المهتضم).
    كان أبو الفضل ناصحاً لإمام زمانه حيث اتبع إمام زمانه، واخلص له، ومحض له الولاء والحب والتضحية ولم يألُ جهداً في تنفيذ أوامر إمامه المعصوم.
    والزيارة تنعت الإمام الذي اتبعه سيدنا العباس بالنعوت التالية:
    أ : إنه ذرية رسول الله، وإنه السبط الذي اختاره الله للإمامة. وهذا صادق فقط في الإمام المعصوم، وعلينا الاقتداء بالعباس في التسليم للإمام الحسين (عليه السلام).
    ب : إنه دليل عالم بالحق، وهي صفة تشمل كل إمام معصوم، بل كل إمام عادل منصوب من قبل الإمام المعصوم كما قال الفقهاء العدول.
    ج : إنه وصي بالحق، مبلغ له، وهذه صفة تشمل سائر الأئمة المعصومين (عليهم السلام).
    د : إنه مظلوم مغتصب حقه.
    فلم يكن اتباع العباس للإمام الحسين (عليه السلام) نابعاً عن قيام الإمام بالسيف، أو أنه كان مبسوط اليد، إذ السلطة ليست معياراً للإمامة، بل القيم الإلهية هي المعيار، وهي التي سبقت آنفاً من الوصية والعلم والدعوة.
    ثم تقول الزيارة: (فجزاك الله عن رسوله، وعن أمير المؤمنين، وعن الحسن والحسين أفضل الجزاء بما صبرت واحتسبت وأعنت.
    لقد صبر وصبره كان احتساباً لله؛ وتقرباً إليه، وهو الصبر المطلوب. كما أتعب نفسه في طاعة الله.
    إنه درس عظيم لنا جميعاً، كيف نجاهد في سبيل الله، ونصبر على كل أذى، من كلمة نابية، تقذفها ألسنة الأعداء البذيئة، ومن ملاحقة دائمة من قبل السلطات الجائرة، ومن جروح دامية وبالتالي الشهادة... كلها تهون عندما تكون في سبيل الله وابتغاء مرضاته واحتساباً لديه.
    ثم تضيف الزيارة: (لعن الله من قتلك، ولعن الله من جهل حقك، واستخف بحرمتك).
    بلى.. كان حق العباس (عليه السلام) عظيماً، حتى استحق جاهلوه ومنكروه اللعنة؛ وكانت حرمته عظيمة، استحق اللعنة أولئك الذين انتهكوها، وقد تمثل جهلهم وانتهاكهم لحقه وحرمته في منعه من الفرات، حيث تقول الزيارة: (ولعن الله من حال بينك وبين ماء الفرات. أشهد أنك قتلت مظلوماً، وأن الله منجز لكم ما وعدكم).
    والشهادة بأن أبا الفضل قتل مظلوماً، شهادة على أن مسيرة أبي الفضل كانت مسيرة حق؛ وأن كل من قتل مظلوماً وفي سبيل الدفاع عن الحق، فإن الله منجز له ما وعده من نصره في الدنيا ببلاغ التاريخ أنه كان مظلوماً، وفي الآخرة بالجنة خالداً فيها.
    وبعد بينت الزيارة المأثورة مقام سيدنا العباس (عليه السلام) ومنهجه الإلهي، أخذت تبين موقف المؤمن ما ينبغي أن يكون عليه موقف الموالي الواقف إمام ضريحه، تلقاء سيده ومولاه العباس (عليه السلام)، فتقول الزيارة: (جئتك يا بن أمير المؤمنين وافداً إليكم، وقلبي مسلم لكم وتابع، وأنا لكم تابع، ونصرتي لكم معدة، حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين. فمعكم معكم، لا مع عدوكم. إني بكم وبإيابكم من المؤمنين، وبمن خالفكم وقتلكم من الكافرين. قتل الله أمة قتلتكم بالأيدي والألسن).
    هكذا يجب أن نجدد - نحن الموالين - عهد الولاء والبيعة لخط أهل البيت (عليهم السلام)، ولنهجهم في الحياة. ونعلن بصراحة بأننا مستعدون لأن نضحي بأنفسنا في أية لحظة من أجل تطبيق أحكام الدين، أما الواجبات المفروضة علينا، والتي تشكل ميثاق الولاء، وعهد البيعة فهي التالية:
    أ: الولاء والتسليم؛ أي الطاعة التامة دون تردد لأهل البيت (عليهم السلام) ولخطهم الرسالي.
    ب : الاستعداد للدفاع عن حرمات الإسلام بالمال والنفس، وبكل وسيلة ممكنة.
    ج : الاستقامة على نهجهم، والبراءة من نهج أعدائهم.
    د : الثقة بانتصار الحق المتمثل في الأئمة عاجلاً أم آجلاً.
    وهذا هو ما نجده في هذه الزيارة، كما نقرأه في سائر الزيارات المأثورة عند أضرحة أهل البيت (عليهم السلام).
    ثم تستمر الزيارة بالقول: (السلام عليك أيها العبد الصالح المطيع لله ولرسوله ولأمير المؤمنين والحسن والحسين (صلوات الله عليهم وسلم). السلام عليك ورحمة الله وبركاته، ومغفرته ورضوانه، وعلى روحك وبدنك. أشهد وأُشهد الله أنك مضيت على ما مضى به البدريون، والمجاهدون في سبيل الله، المناصحون في جهاد أعدائه، المبالغون في نصرة أوليائه، الذابون عن أحبائه).
    وهذه شهادة حق تنبعث من فم الإمام المعصوم؛ الإمام الصادق (عليه السلام)، على أن طريق العباس (عليه السلام) كان طريق أهل بدر، ومن هم البدريون؟
    إنهم الذين ساهموا في ترسيخ دعائم الرسالة الإلهية، واستبسلوا في الدفاع عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهم قلة قليلة وواجهوا عدواً يفوقهم عدداً وعدة. وكذلك العباس (عليه السلام) وأنصار الحسين (عليه السلام) ساهموا في ترسيخ أصول الحق في مواجهة الردة التحريفية لبني أمية، وواجهوا الأعداء الشرسين، وقاتلوا حتى قتلوا، وكان التقدير الإلهي أن يجعل من شهادتهم نصراً لرسالتهم، ومن دمائهم شهادة على صدقهم.
    وكانت المواجهة بحاجة إلى أسمى درجات النصيحة والصبر، والمبالغة في الدفاع عن الحق والذب عن أحباء الله. وهكذا كانت أعظم معركة، وأسمى ملحمة، وأعلى درجات الشهادة.
    وبعد هذه الشهادة الرائعة نقرأ قول الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارة عمه العباس (عليه السلام): (فجزاك الله أفضل الجزاء، وأكثر الجزاء، وأوفر الجزاء، وأوفى جزاء أحد ممن وفي ببيعته، واستجاب له دعوته، وأطاع ولاة أمره).
    وهنا نجد مرة أخرى التأكيد على صفة التسليم، والطاعة لولي الأمر.
    وتقول الزيارة: (أشهد أنك قد بالغت في النصيحة، وأعطيت غاية المجهود).
    وهذه دلالة أخرى على المقام الأسمى لأبي الفضل العباس، حيث قدم غاية المجهود، وبالغ في النصيحة حتى المنتهى.
    ثم تقول الزيارة: (فبعثك الله في الشهداء، وجعل روحك مع أرواح السعداء، وأعطاك من جنانه أفسحها منزلاً، وأفضلها غرفاً، ورفع ذكرك في عليين، وحشرك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً).
    وهكذا ترسم الزيارة منهج المجاهدين، وأن هدفهم ليس بلوغ السلطة، ولا الحصول على مقام رفيع؛ وإنما هدفهم الأسمى أن ينعموا بالجنة، وإنما يتنافسون بينهم للحصول على أعلى درجات الجنة وأسماها.
    ثم نقرأ في بقية الزيارة: (أشهد أنك لم تهن ولم تنكل، وأنك مضيت على بصيرة من أمرك).
    وهنا تأكيد على صفة البصيرة التي كانت لأبي الفضل العباس، وهي صفة تتصل باليقين. والشهادة بالاستقامة التامة للعباس (عليه السلام) درس لنا بأن نقتدي به في ذلك، كما أنه اقتدى بمن سبقه، حيث تضيف الزيارة: (مقتدياً بالصالحين، ومتبعاً للنبيين. فجمع الله بيننا وبينك وبين رسوله وأوليائه في منازل المخبتين، فإنه أرحم الراحمين).
    ونعلم أن المخبتين لهم المنزلة السامية، والدرجة الرفيعة، وحينما يدعو الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارته لعمه أن يرزقه الله منازل المخبتين، فإن ذلك يعني دعوة تتناسب مع مقام أبي الفضل العباس (عليه السلام) ذلك المقام الأسمى، وهو مقام الإخبات.
    ويبدو أن الإخبات من درجات الإيمان والتسليم العالية، حيث قال سبحانه: (وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربهم فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم)(3).

    وقال سبحانه: (فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين)(4).
    وهكذا جاءت صفة الإخبات بعد صفة الإيمان وصفة التسليم.
    وفي الجانب الآخر من هذه الزيارة نقرأ: (السلام عليك يا أبا الفضل العباس ابن أمير المؤمنين، السلام عليك يا بن سيد الوصيين، السلام عليك يا بن أول القوم إسلاماً وأقدمهم إيماناً وأقومهم بدين الله).
    وهنا ذكر لمقام أبي الفضل من ناحية وراثته لصفات والده. فإذا سمى أبو الفضل إلى ذروة التسليم والنصيحة والجهاد والدفاع عن أخيه الحسين (عليه السلام) وعن الإسلام، فلا غرو فإنه ابن أول القوم إسلاماً وأقدمهم إيماناً وأقومهم بدين الله وأحوطهم على الإسلام. فمن ذلك الأسد هذا الشبل وإن ذلك الأب يكون والد حق لمثل هذا النجل العظيم.
    ثم يمضي الإمام في زيارته لأبي الفضل العباس قائلاً: (أشهد لقد نصحت لله ولرسوله ولأخيك، فنعم الأخ المواسي. فلعن الله أمة قتلتك، ولعن الله أمة ظلمتك، ولعن الله أمة استحلت منك المحارم وانتهكت في قتلك حرمة الإسلام).
    أترى كيف، وإلى أي مدى بلغ مقام أبي الفضل، حيث إن انتهاك حرمته كان انتهاكاً لحرمة الإسلام؟
    (فنعم الصابر المجاهد المحامي الناصر والأخ الدافع عن أخيه المجيب إلى طاعة ربه الراغب فيما زهد فيه غيره من الثواب الجزيل والثناء الجميل).
    لقد كان أبو الفضل هو الصابر المجاهد والمحامي الناصر، والمدافع عن أخيه، ولكن ليس دافعاً عن عصبيته، وإنما استجابة لدعوة ربه، ورغبة في ثواب ربه. وكل هذه الصفات التي تذكر في الزيارة هي القيم المثلى التي ينبغي للمؤمن بنهج أهل البيت (عليهم السلام) أن يقتدي بالعباس فيها.
    ثم تستمر الزيارة: (وألحقك الله في درجة آبائك في جنات النعيم).

    ثم يدعو المؤمن ربه بالكلمات التالية: (اللهم إني تعرضت لزيارة أوليائك رغبة في ثوابك، ورجاءً لمغفرتك، وجزيل إحسانك، فأسألك أن تصلي على محمد وآله الطاهرين، وأن تجعل رزقي بهم دارّاً، وعيشي بهم قارّاً، وزيارتي بهم مقبولة، وحياتي بهم طيبة، وأدرجني إدراج المكرمين، واجعلني ممن ينقلب من زيارة مشاهد أحبائك مفلحاً منجحاً قد استوجب غفران الذنوب، وستر العيوب، وكشف الكروب، إنك أهل التقوى وأهل المغفرة).

    ما ألف عنه

    1 - العباس والعصمة الصغرى، آية الله العظمى الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي.

    2 - بطل العلقمي العباس الأكبر بن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثلاثة أجزاء، للعلامة الشيخ عبد الواحد المظفر.
    3 - العباس بن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم.
    4 - السر الفياض باب الحوائج إلى الله سيدنا ومولانا أبو الفضل العباس، سماحة المحقق السيد أحمد شكر الحسيني.
    5 - رائد الكرامة والفداء في الإسلام العباس بن علي، باقر شريف القرشي.
    6 - مولد العباس بن علي (عليه السلام)، محمد علي الناصري.
    7 - العباس نصير الحسين، آية الله السيد محمد تقي المدرسي.
    8 - بطل العلقمي، الداوودي.

    الهوامش
    1 - المصدر: ص 223 نقلاً عن الخصال: ج 1 ص 68.
    2 - سورة البقرة: الآية 128.
    3 - سورة الحج: الآية 54.
    4 - سورة الحج: الآية 34.

    تعليق


    • #3
      وثنى أبو الفضل الفوارس نكصاً ،،، فرأوا أشدّ ثباتهم أن يهزموا
      ماكر ذو بأسٍ له متقدماً ،،، إلا وفر ورأسه المتقدم

      صبغ الخيول برمحه حتى ،،، غدى سيان أشقر لونها والأدهم
      ماشد غضباناً على ملمومة ،،، إلا وحل بها البلاء المبرم
      وله إلى الأقدام سرعة لهاربٍ ،،، فكأنما هو بالتقدم يسلم
      بطل تورث من أبيه شجاعةً ،،، فيها أنوف بني الضلالة ترغم
      يلقى السلام بشدة من بأسه ،،، فالبيض تثلم والرماح تحطم
      عرف المواعظ لا تفيد مبعثر ،،، صموا عن النبأ العظيم كما عموا
      فانصاع يخطب بالجماجم والكلا ،،، فالسيف ينثر والمثقف ينظم
      أو تشتكي العطش الفواطم عنده ،،، وبصدر صعدته الفرات المفعم
      لو سدُ ذي القرنين دون وروده ،،، سقته همته بما هو أعظم
      لو استقى نهر المجرة ولا ارتقى ،،، وطويل ذابله إليها سلم
      حام الضغينة أين منه ربيعة ،،، أم أبن عليـا أبيه مكدم
      في كفه اليسرى السقاء يقله ،،، وبكفه اليمنى الحسام المحدم
      مثل السحابة للفواطم صوبه ،،، ويصيب حاصبه العدو فيرجم

      تعليق


      • #4
        للرفع

        تعليق


        • #5
          للرفع

          تعليق


          • #6
            السلام على أبو الفضل العباس ورحمة الله وبركاته
            الأخ المسلم الشيعي أخوانك من المؤمنين والمؤمنات لهم حق عليك وليس من الصحيح بين فترة وأخرى
            ترفع لك أكثر من 20 موضوع ثم تندرس مواضيع الآخرين

            شكرا

            تعليق


            • #7
              السلام عليك يا أبا الفضل العباس
              رزقنا الله زيارتك وفي الأخرى شفاعتك

              تعليق

              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
              حفظ-تلقائي
              x

              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

              صورة التسجيل تحديث الصورة

              اقرأ في منتديات يا حسين

              تقليص

              لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

              يعمل...
              X