بسم الله الرحمن الرحيم
(يُرِيدُونَ أن يُطفِئُوا نُورَ اللهِ بِأفوَاهِهِم وَيَأبَى اللهُ إلا أن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَــــو كَرِهَ الكَـــافِـرُونَ)
مقدمة
ليست هذه الدراسة بحثا ترفيا في الدين أو التاريخ أو السياسة ، وكذلك فهي ليست أطروحة أكاديمية يهمها الالتزام بضوابط البحث الأكاديمي الشكلية ، بقدر ماهي دراسة ميدانية توعوية رسالتها أن توصل صرخة استغاثة وان تدق جرس إنذار لكل من يهمه الأمر، )فالعدو ليس على الأبواب ، وإنما هو في حجرات النوم( ، وفي القريب العاجل سيفصل بين الزوج وزوجه وبين الولد وأبيه ، بل سيشعل بينهم العداوة والبغضاء ، فيحل بعضهم دماء البعض الأخر.
لقد فشل البعثيون و الطائفيون في سعيهم لإضعاف الكيان الشيعي في العراق من الخارج ، بل ان تألبهم عليه قد وحد صفوفه وأذاب الخلافات بين مكوناته ، ولذلك وضعت الخطط لضربه وإضعافه و تمزيقه من الداخل ، فكانت التجمعات العشائرية الممولة خليجيا، والأحزاب السياسية التي لها بداية وليس لها نهاية و التي يقودها أيتام النظام البائد ، والمئات من المؤسسات ( الإنسانية والثقافية والاجتماعية ) المشبوهة التي تختفي خلف عنوان ( منظمات المجتمع المدني) ، وأخيرا ( الحركات السلوكية ) و التي تعتبر الحلقة الأخطر من حلقات هذا المخطط الكبير لتفتيت وتمزيق النسيج السكاني الشيعي في الوسط و الجنوب.
وهذه الدراسة إنما تسعى
اولا:- لتسليط الأضواء على حقيقة وحجم الخطر الذي تمثله هذه الحركات على الامن الوطني
ثانيا:- اثارة الوعي الأمني و السياسي و العقائدي لدى الامة ونخبها المتصدية ، عسى ان تتدارك الأمر و بالسرعة المطلوبة قبل ان يفلت الزمام وتتداخل الخنادق وتضيع الحقائق .
ثالثا :- تحصين الشباب من مخاطر هذه الحركات ، المنحرفة ، من خلال فضح حقيقة الجذور الفكرية الوثنية لهذه الحركات وبعدها عن الاسلام و التوحيد و الفطرة السوية، وعن منهج اهل البيت(ع) ، وكذلك طبيعة امتداداتها وعلاقاتها المشبوهة مع كل أعداء الشعب العراقي ، وشيعته على وجه الخصوص .
وقد قسمناها الى تمهيد وثلاثة مباحث وخاتمة فاستعرضنا في التمهيد المنطلقات التاريخية والإرهاصات التكوينية والتأسيسية ( للحركات السلوكية) ، وفي المبحث الأول تعرضنا بإيجاز للحركات السلوكية الفاعلة في الساحة
العراقية ، واهم عقائدها و أفكارها و آليات عملها ، و أماكن تواجدها ،أما المبحث الثاني فقد تناولنا فيه بنوع من التفصيل ( الحركة المهدوية المولوية ) كنموذج تتجلى فيه حقيقة (المنهج السلوكي) بصورة واضحة وعميقة فيما خصصنا المبحث الثالث لمناقشة أصل وجود هذه الحركات والمسوغات الشرعية والأدلة العقلية لادعاءاتها ومزاعمها، وأخيرا ختمنا باستعراض اهم النتائج التي انتهينا اليها في هذا الموضوع .
وقد عرضنا لجملة من المقترحات حول السبل الناجعة للتعامل مع هذه الحركات لتحجيمها ودفع شرورها عن الامة ، وكذلك رأي المرجعيات الدينية وفتاوى العلماء الأعلام حول هذه التيارات المنحرفة و الموقف الشرعي منها .
..................................................
تمهيد
المهدوية[1] عقيدة أسلامية راسخة رغم اختلاف مدارس المسلمين في فهمها و التعامل معها، بين مؤمن بالمفهوم (السنة) ومؤمن بمصداق معين (الشيعة) ، ألا أن هذه الفكرة كانت توظف دائما بالاتجاه الخطأ ، وهو مايتجلى هذه الأيــام وبــعد سقوط النظام فــي هــذه (الهبة المهدوية المشبوهة).
أن الحركات المهدوية موضوع قديم جديد، قديم في جذوره وامتداداته السابقة وجديد في تمظهراته الحالية ، وهي وان تلفعت بالدين ، ورفعت الشعارات البراقة ألا أنها وكما أثبتت التجارب التاريخية المعاصرة تعتبر من اشد الأعداء للدين و الوطن ، واحد أهم المعاول التي يوظفها الأعداء للنيل من الدين والوطن ، فتاريخ هذه الفرق مرتبط دائما بالغلو[2] العقائدي والتحجر الفكري
[1] المهدوية:- صفه لكل من ادعى انه (المهدي)المبشر به من قبل النبي (ص) والذي يملأ الارض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا ، وكذلك كل من ادعى السفارة عن الامام المهدي ، او القرابة منه ، وباي شكل كان، وبصوره اعم كل الحركات والفرق التي تدعى تمثيلها للمهدي او انها مقدمة لظهوره.
لقد تكررت دعوات المهدوية في التاريخ الاسلامي .. حتى تجاوزت العشرات وتدلنا هذه الظاهرة على تماهي مصطلح (الامام المهدي) مع معنى الثورة والحرية والعدالة ، وانبثاقه كردة فعل على الواقع الفاسد الذي كان يتدهور اليه المجتمع الاسلامي ، وهي تستفيد من الروايات المتواترة بظهور مهدي اخر الزمان ففي كل مره يتصور الناس ان زمانهم هذا هو آخر الزمان وان زعيمهم او شهيدهم هو المهدي المنتظر وهكذا دواليك، فهذه الفكرة تمثل الخلاص للمحرومين ، وهي مناسبة لحشد التأييد الشعبي لاي ثائر يرفع هذا الشعار ، وتقوم باضفاء نوع من القداسة على ثورته.
لقد كانت معظم قصص المهدوية في القرون الاسلامية الاولى ، مرتبطة ومنبثقة من حركات سياسية ثورية تتصدى لرفع الظلم والاضطهاد وتلتف حول زعيم من الزعماء وعادة ما يكون من اهل البيت (ع) وعندما تفشل الحركة ويموت زعيمها قبل ان ينتصر ، او يقتل في المعركة ، او يختفي في ظروف غامضة ، كان اصحابه يختلفون ، فمنهم من يسلم بالامر الواقع ، ومنهم من يرفض التسليم والاعتراف بالهزيمة ، ويسارع لتصديق الاشاعات التي تتحدث عن هروب الامام الثائر او اختفائه وغيبته ، وعادة ما يكون هؤلاء من بسطاء الناس الذين يعلقون امالآ كبيرة على شخص او يضخمون مواصفات ذلك الزعيم ، فيصعب عليهم التراجع ، لانه سيعني لديهم الانهيار والانسحاق النفسي .
ان التاريخ الشيعي ليضج بالثورات والحركات المهدوية ، منذ الصدر الاول للاسلام وحتى يومنا هذا ، وكذلك فأن هناك عدد من الحركات (السنية) قد رفعت شعار المهدوية من امثال :
1- مهدوية (المهدي بن تومرت) مؤسس دولة الموحدين في المغرب العربي.
2- مهدوية (محمد بن عبد الله السنوسي)- قائد الحركة السنوسية في ليبيا .
3- مهدوية (محمد احمد المهدي) ( مهدي السودان).
[2] الغلو:- وهو موقف مبالغ فيه يقفه انسان من قضية عامة او خاصة بشكل متطرف تتجاوز حدود المألوف والمعقول .
لغة :هو مجاوزة الحد والافراط في الشيء ///.اصطلاحاً : هي الجماعات التي غلت في الامام علي ع وابنائه من بعده ، وهناك من غلا في غيرهم."راجع الملحق ـ 1ـ"
والتكفير[1] و الجهل و إلغاء الآخر، وهي كذلك وعلى طول الخط فرصة للدوائر الاستعمارية الحاقدة على الأمة وعقيدتها و أمنها وازدهارها. فالخطابية[2] و النصيرية[3] .
[1] التكفير:-مصطلح اشتق من الكفر ، والكفر في اللغة: بمعنى الستر والتغطية، ومنه سمي الكفر الذي هو ضد الايمان – كفراً لان فيه تغطية للحق، بجحد اوغيره، وسمى الكافر كافراً لانه قد غطى قلبه بالكفر…اما في الاصطلاح :- فهو اتهام جماعة او طائفة بالفسق والضلال والخروج من الدين مما يجردهم من حقوقهم الانسانية ويعرضهم للاهانة او القتل او الطرد من المجتمع.
التكفير والخوارج :- ان اصل ظاهرة التكفير هم الخوراج، وهي الفئه التي خرجت على الامام علي (ع) بعد ان كانت تحارب معه في صفين ، فهم وبعد ان خدعوا بخديعة رفع المصاحف ، ورفضوا الاستمرار بالقتال، عادوا ليرفعوا شعار (لا حكم الا لله) بعد رفضهم لنتائج التحكيم، (فقد اجبروا الامام علي (ع) على قبول التحكيم وحين تم ذلك طلبوا منه ان يرجع عنه ، بل وان يعلن إسلامه).
لقد خدع كثير من الناس بهذا الشعار (لاحكم الا لله ) لانه يوحي بالتمسك بكتاب الله، وقد عبر الإمام علي (ع) عن هذا الشعار بانه (كلمة حق يراد بها باطل)، وكان الخوارج يكثرون من العبادة وقراءة القرآن حتى سموا بذوي الجباه السود والقراء، ويغلب على اتباع هذه الفرقة ( الانفعال والتطرف في السلوك والتزمت في الدين والتحجر في الفكر) وقد ذهبوا الى تكفير الامام علي (ع) وعثمان وأصحاب الجمل ومعاوية والحكمين وكل من رضى بحكمهما ، ما اشبه الليلة بالبارحة ، واشبه السلوكيون هذه الايام وهم يكفرون ويخونون الجميع بلا استثناء ، بالخوارج في صدر الاسلام اللذين كفروا الجميع وبلا استثناء ايضا.
واخيرا فقد اضطر الامام علي (ع) الى ان يحاربهم بعد ان سفكوا دماء المسلمين، حتى كاد ان يستأصلهم في معركة النهروان، ثم استشهد سلام الله عليه على يد احدهم وهو يصلي في مسجد الكوفة ، وفيما بعد انقسم الخوراج الى فرق كثيرة انقرض اغلبها ولم يبق ظاهرا منها الا (الاباضية) في عمان، وقد شذت بعض هذه الفرق في عقائدها، فبعضها كالبدعية قصروا الصلاة على ركعه في الصباح وركعة في المساء، بينما اجازت (الميمونية) نكاح بعض المحارم كبنات البنين وبنات البنات وبنات بني الاخوة. ان انتشار ثقافة التكفير في المجتمع سوف لن تستثني احد من شرورها لان انتشارها سيجعل الجميع يكفر الجميع ، و الجميع يستحل دماء الجميع.
[2] ا لخطابية:- فرقة مغالية تنسب الى (ابي الخطاب – محمد ابن ابي زينب الاجدع) والذي كان يغالي في الامام الصادق ويؤلهه وهو القائل إله في السماء وإله في الارض ، ويقصد الامام الصادق وهذا مصداق ما تقول به عقيدة الاتحاد و الحلول .
[3] النصيرية:- حركة مغالية ظهرت في القرن الثاث الهجري، اسسها (محمد بن نصير النميري البصري) الذي اشتهر بالخلاعة والفجور ، وكان يقول باباحة اللواط ، ويعتبره من التواضع والتذلل ، وانه احد الشهوات والطيبات.
رفع الامام الهادي (ع) الى درجة الالوهية، وادعى لنفسه مرتبة النبوه والرسالة ، انقسم اتباعه بعده الى عدة فرق و بقاياهم موجودين اليوم في سوريا وتركيا ويسمون انفسهم بالعلويين .
عقائدهم:-
1- الغلو في الامام علي (ع) ، والاعتقاد بانه إله و رب ، إله في السماء وامام في الارض ، وهو ما يفلسفونه من خلال اعتقادهم بنظرية (الاتحاد والحلول) ، وان الله قد حل في جسد الامام علي(ع) واتحد به.
2- يزعمون بان للعقيدة ظاهراً وباطن وانهم وحدهم العالمون ببواطن الاسرار .
3- تأثروا بالافلاطونية الحديثة، ونقلوا عنها نظرية الفيض النوراني على الاشياء ووحدة الوجود.
4- يؤمنون بالتناسخ (تكرار المولد) وهو الاعتقاد بازلية الروح ، فالروح لا تفنى فناءا كاملاً بل اذا خرجت من جسم حلت في جسم اخر ، وهكذا تنتقل من هنا الى هناك ، ويكون نوع انتقالها حسب صلاحها او فسادها ، فالصالحة تنتقل بصورة تصاعدية ارتقائية حتى تتصل (بالروح المطلقة للآله) وهو ما يسمى بـ( النرفانا) في العقيدة الهندوسية ، والنصيرية يضيفون الى ذلك ان الروح المؤمنه قد تنسخ الى كوكب في السماء ، لذا يعتقدون ان جميع ما في السماء من كواكب انما هي (انفس المؤمنين الصالحين)، اما الروح الفاسدة فانها تتسافل حتى تتمثل في هياكل الحيوانات ثم الحشرات.
فالتناسخ عندهم وسيلة للتكامل او التسافل، وهي العقيدة الرئيسية للديانات الشرقية الاسيوية ( البوذية والجينية والسيخية والهندوسية وغيرها )
و الاغاخانية[1] وغيرها العشرات قديما، والشيخية[2] و البابية[3] و البهائية[4] وغيرهـــا حديثـا وأخيراً (اليمانـي و القحطاني والرباني و الصرخي و قاضي السماء الكرعاوي) وغيرها الكثير من الامتدادات المشبوهة و المنحرفة و المرتبطة بالأجنبي.
واليوم وحيث يعيش العراق واحدة من اخطر المفاصل التاريخية في وجوده ، وحيث يتم التأسيس لعراق جديد على أنقاض الدكتاتورية و الطائفية و العنصرية ، وحيث يتعرض الكيان العراقي لأخطر هجمة دموية حاقدة ، نعم اليوم وفي ظل هذه الظروف المأساوية بدأت بالانتشار هذه الحركات المشبوهة مستغلة حالة الفوضى التي تعم البلاد وتدني المستوى الثقافي للأمة بعد عقود من التجهيل و المسخ و التدمير المنهجي للعقل العراقي، إضافة إلى توظيف حالة التذمر الشعبي من نقص الخدمات و فقدان الأمن ، باتجاه إسقاط العملية السياسية وتسقيط الأحزاب و المرجعيات الدينية ، في عملية تسطيح و تبسيط للإحداث، وعدم ربطها بمسبباتها الحقيقية ، (إضافة إلى إغماض العين) عما تحقق من مكتسبات يحاول أعداء الأمة إجهاضها بشتى السبل.
أن الخطر الأكبر القادم على سكان الوسط و الجنوب ليس من الخارج فحسب، و أنما هو من الداخل أيضاً، من هذه الحركات التي بدأت تنتشر انتشار النار في الهشيم و التي هي في الحقيقة طابور خامس للعدو الخارجي.
أن حركات محمود الصرخي ، واحمد الحسن اليماني ، وفاضل الرباني ، وحيدر القحطاني ، وقاضي السماء الكرعاوي وحركة الممهدون ، وعشرات المجاميع من السلوكية[5] ودعاة المهدوية، الموجودين في اغلب مدن الوسط و الجنوب أنما هي في الواقع وجوه لحقيقة واحدة و حركات و فرق ضمن تيار واحد ، وهو ما يمكن أن نطلق عليه اسم (التيار السلوكي - المهدوي) باعتبار أن الحركات ضمن هذا التيار مهما اختلفت و مهما تقاطعت
مصالحها و مصالح زعمائها ، ورغم تميز إحداها على الأخرى في بعض الخصوصيات ، ألا أنها تلتقي على الكثير من الثوابت و القواسم المشتركة عقائديا وسياسيا و إعلاميا و منهجيا ، وجميعها تنضوي تحت خيمة واحدة وضمن إطار واحد ، كما و أن قواعدها الشعبية متداخلة بصورة كبيرة وواسعة ، وهناك تعاون و تنسيق فيما بينها.
وفيما يلي سوف نستعرض عددا من هذه الحركات الظلامية المنحرفة ، و نفصل القول في أخطرها وأكثرها خفاءاً ، ألا وهي حركة الممهدون ( المولوية )، ولكن وقبل هذا وذاك سنمر مروراً سريعا مختصراً على أهم المحطات في مسيرة (الحركة السلوكية المهدوية ) في النجف ، كي نربط الماضي بالحاضر ونفهم حقيقة المقدمات التي أدت الى انتشار هذا البلاء في بلاد الرافدين.
(يُرِيدُونَ أن يُطفِئُوا نُورَ اللهِ بِأفوَاهِهِم وَيَأبَى اللهُ إلا أن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَــــو كَرِهَ الكَـــافِـرُونَ)
مقدمة
ليست هذه الدراسة بحثا ترفيا في الدين أو التاريخ أو السياسة ، وكذلك فهي ليست أطروحة أكاديمية يهمها الالتزام بضوابط البحث الأكاديمي الشكلية ، بقدر ماهي دراسة ميدانية توعوية رسالتها أن توصل صرخة استغاثة وان تدق جرس إنذار لكل من يهمه الأمر، )فالعدو ليس على الأبواب ، وإنما هو في حجرات النوم( ، وفي القريب العاجل سيفصل بين الزوج وزوجه وبين الولد وأبيه ، بل سيشعل بينهم العداوة والبغضاء ، فيحل بعضهم دماء البعض الأخر.
لقد فشل البعثيون و الطائفيون في سعيهم لإضعاف الكيان الشيعي في العراق من الخارج ، بل ان تألبهم عليه قد وحد صفوفه وأذاب الخلافات بين مكوناته ، ولذلك وضعت الخطط لضربه وإضعافه و تمزيقه من الداخل ، فكانت التجمعات العشائرية الممولة خليجيا، والأحزاب السياسية التي لها بداية وليس لها نهاية و التي يقودها أيتام النظام البائد ، والمئات من المؤسسات ( الإنسانية والثقافية والاجتماعية ) المشبوهة التي تختفي خلف عنوان ( منظمات المجتمع المدني) ، وأخيرا ( الحركات السلوكية ) و التي تعتبر الحلقة الأخطر من حلقات هذا المخطط الكبير لتفتيت وتمزيق النسيج السكاني الشيعي في الوسط و الجنوب.
وهذه الدراسة إنما تسعى
اولا:- لتسليط الأضواء على حقيقة وحجم الخطر الذي تمثله هذه الحركات على الامن الوطني
ثانيا:- اثارة الوعي الأمني و السياسي و العقائدي لدى الامة ونخبها المتصدية ، عسى ان تتدارك الأمر و بالسرعة المطلوبة قبل ان يفلت الزمام وتتداخل الخنادق وتضيع الحقائق .
ثالثا :- تحصين الشباب من مخاطر هذه الحركات ، المنحرفة ، من خلال فضح حقيقة الجذور الفكرية الوثنية لهذه الحركات وبعدها عن الاسلام و التوحيد و الفطرة السوية، وعن منهج اهل البيت(ع) ، وكذلك طبيعة امتداداتها وعلاقاتها المشبوهة مع كل أعداء الشعب العراقي ، وشيعته على وجه الخصوص .
وقد قسمناها الى تمهيد وثلاثة مباحث وخاتمة فاستعرضنا في التمهيد المنطلقات التاريخية والإرهاصات التكوينية والتأسيسية ( للحركات السلوكية) ، وفي المبحث الأول تعرضنا بإيجاز للحركات السلوكية الفاعلة في الساحة
العراقية ، واهم عقائدها و أفكارها و آليات عملها ، و أماكن تواجدها ،أما المبحث الثاني فقد تناولنا فيه بنوع من التفصيل ( الحركة المهدوية المولوية ) كنموذج تتجلى فيه حقيقة (المنهج السلوكي) بصورة واضحة وعميقة فيما خصصنا المبحث الثالث لمناقشة أصل وجود هذه الحركات والمسوغات الشرعية والأدلة العقلية لادعاءاتها ومزاعمها، وأخيرا ختمنا باستعراض اهم النتائج التي انتهينا اليها في هذا الموضوع .
وقد عرضنا لجملة من المقترحات حول السبل الناجعة للتعامل مع هذه الحركات لتحجيمها ودفع شرورها عن الامة ، وكذلك رأي المرجعيات الدينية وفتاوى العلماء الأعلام حول هذه التيارات المنحرفة و الموقف الشرعي منها .
..................................................
تمهيد
المهدوية[1] عقيدة أسلامية راسخة رغم اختلاف مدارس المسلمين في فهمها و التعامل معها، بين مؤمن بالمفهوم (السنة) ومؤمن بمصداق معين (الشيعة) ، ألا أن هذه الفكرة كانت توظف دائما بالاتجاه الخطأ ، وهو مايتجلى هذه الأيــام وبــعد سقوط النظام فــي هــذه (الهبة المهدوية المشبوهة).
أن الحركات المهدوية موضوع قديم جديد، قديم في جذوره وامتداداته السابقة وجديد في تمظهراته الحالية ، وهي وان تلفعت بالدين ، ورفعت الشعارات البراقة ألا أنها وكما أثبتت التجارب التاريخية المعاصرة تعتبر من اشد الأعداء للدين و الوطن ، واحد أهم المعاول التي يوظفها الأعداء للنيل من الدين والوطن ، فتاريخ هذه الفرق مرتبط دائما بالغلو[2] العقائدي والتحجر الفكري
[1] المهدوية:- صفه لكل من ادعى انه (المهدي)المبشر به من قبل النبي (ص) والذي يملأ الارض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا ، وكذلك كل من ادعى السفارة عن الامام المهدي ، او القرابة منه ، وباي شكل كان، وبصوره اعم كل الحركات والفرق التي تدعى تمثيلها للمهدي او انها مقدمة لظهوره.
لقد تكررت دعوات المهدوية في التاريخ الاسلامي .. حتى تجاوزت العشرات وتدلنا هذه الظاهرة على تماهي مصطلح (الامام المهدي) مع معنى الثورة والحرية والعدالة ، وانبثاقه كردة فعل على الواقع الفاسد الذي كان يتدهور اليه المجتمع الاسلامي ، وهي تستفيد من الروايات المتواترة بظهور مهدي اخر الزمان ففي كل مره يتصور الناس ان زمانهم هذا هو آخر الزمان وان زعيمهم او شهيدهم هو المهدي المنتظر وهكذا دواليك، فهذه الفكرة تمثل الخلاص للمحرومين ، وهي مناسبة لحشد التأييد الشعبي لاي ثائر يرفع هذا الشعار ، وتقوم باضفاء نوع من القداسة على ثورته.
لقد كانت معظم قصص المهدوية في القرون الاسلامية الاولى ، مرتبطة ومنبثقة من حركات سياسية ثورية تتصدى لرفع الظلم والاضطهاد وتلتف حول زعيم من الزعماء وعادة ما يكون من اهل البيت (ع) وعندما تفشل الحركة ويموت زعيمها قبل ان ينتصر ، او يقتل في المعركة ، او يختفي في ظروف غامضة ، كان اصحابه يختلفون ، فمنهم من يسلم بالامر الواقع ، ومنهم من يرفض التسليم والاعتراف بالهزيمة ، ويسارع لتصديق الاشاعات التي تتحدث عن هروب الامام الثائر او اختفائه وغيبته ، وعادة ما يكون هؤلاء من بسطاء الناس الذين يعلقون امالآ كبيرة على شخص او يضخمون مواصفات ذلك الزعيم ، فيصعب عليهم التراجع ، لانه سيعني لديهم الانهيار والانسحاق النفسي .
ان التاريخ الشيعي ليضج بالثورات والحركات المهدوية ، منذ الصدر الاول للاسلام وحتى يومنا هذا ، وكذلك فأن هناك عدد من الحركات (السنية) قد رفعت شعار المهدوية من امثال :
1- مهدوية (المهدي بن تومرت) مؤسس دولة الموحدين في المغرب العربي.
2- مهدوية (محمد بن عبد الله السنوسي)- قائد الحركة السنوسية في ليبيا .
3- مهدوية (محمد احمد المهدي) ( مهدي السودان).
[2] الغلو:- وهو موقف مبالغ فيه يقفه انسان من قضية عامة او خاصة بشكل متطرف تتجاوز حدود المألوف والمعقول .
لغة :هو مجاوزة الحد والافراط في الشيء ///.اصطلاحاً : هي الجماعات التي غلت في الامام علي ع وابنائه من بعده ، وهناك من غلا في غيرهم."راجع الملحق ـ 1ـ"
والتكفير[1] و الجهل و إلغاء الآخر، وهي كذلك وعلى طول الخط فرصة للدوائر الاستعمارية الحاقدة على الأمة وعقيدتها و أمنها وازدهارها. فالخطابية[2] و النصيرية[3] .
[1] التكفير:-مصطلح اشتق من الكفر ، والكفر في اللغة: بمعنى الستر والتغطية، ومنه سمي الكفر الذي هو ضد الايمان – كفراً لان فيه تغطية للحق، بجحد اوغيره، وسمى الكافر كافراً لانه قد غطى قلبه بالكفر…اما في الاصطلاح :- فهو اتهام جماعة او طائفة بالفسق والضلال والخروج من الدين مما يجردهم من حقوقهم الانسانية ويعرضهم للاهانة او القتل او الطرد من المجتمع.
التكفير والخوارج :- ان اصل ظاهرة التكفير هم الخوراج، وهي الفئه التي خرجت على الامام علي (ع) بعد ان كانت تحارب معه في صفين ، فهم وبعد ان خدعوا بخديعة رفع المصاحف ، ورفضوا الاستمرار بالقتال، عادوا ليرفعوا شعار (لا حكم الا لله) بعد رفضهم لنتائج التحكيم، (فقد اجبروا الامام علي (ع) على قبول التحكيم وحين تم ذلك طلبوا منه ان يرجع عنه ، بل وان يعلن إسلامه).
لقد خدع كثير من الناس بهذا الشعار (لاحكم الا لله ) لانه يوحي بالتمسك بكتاب الله، وقد عبر الإمام علي (ع) عن هذا الشعار بانه (كلمة حق يراد بها باطل)، وكان الخوارج يكثرون من العبادة وقراءة القرآن حتى سموا بذوي الجباه السود والقراء، ويغلب على اتباع هذه الفرقة ( الانفعال والتطرف في السلوك والتزمت في الدين والتحجر في الفكر) وقد ذهبوا الى تكفير الامام علي (ع) وعثمان وأصحاب الجمل ومعاوية والحكمين وكل من رضى بحكمهما ، ما اشبه الليلة بالبارحة ، واشبه السلوكيون هذه الايام وهم يكفرون ويخونون الجميع بلا استثناء ، بالخوارج في صدر الاسلام اللذين كفروا الجميع وبلا استثناء ايضا.
واخيرا فقد اضطر الامام علي (ع) الى ان يحاربهم بعد ان سفكوا دماء المسلمين، حتى كاد ان يستأصلهم في معركة النهروان، ثم استشهد سلام الله عليه على يد احدهم وهو يصلي في مسجد الكوفة ، وفيما بعد انقسم الخوراج الى فرق كثيرة انقرض اغلبها ولم يبق ظاهرا منها الا (الاباضية) في عمان، وقد شذت بعض هذه الفرق في عقائدها، فبعضها كالبدعية قصروا الصلاة على ركعه في الصباح وركعة في المساء، بينما اجازت (الميمونية) نكاح بعض المحارم كبنات البنين وبنات البنات وبنات بني الاخوة. ان انتشار ثقافة التكفير في المجتمع سوف لن تستثني احد من شرورها لان انتشارها سيجعل الجميع يكفر الجميع ، و الجميع يستحل دماء الجميع.
[2] ا لخطابية:- فرقة مغالية تنسب الى (ابي الخطاب – محمد ابن ابي زينب الاجدع) والذي كان يغالي في الامام الصادق ويؤلهه وهو القائل إله في السماء وإله في الارض ، ويقصد الامام الصادق وهذا مصداق ما تقول به عقيدة الاتحاد و الحلول .
[3] النصيرية:- حركة مغالية ظهرت في القرن الثاث الهجري، اسسها (محمد بن نصير النميري البصري) الذي اشتهر بالخلاعة والفجور ، وكان يقول باباحة اللواط ، ويعتبره من التواضع والتذلل ، وانه احد الشهوات والطيبات.
رفع الامام الهادي (ع) الى درجة الالوهية، وادعى لنفسه مرتبة النبوه والرسالة ، انقسم اتباعه بعده الى عدة فرق و بقاياهم موجودين اليوم في سوريا وتركيا ويسمون انفسهم بالعلويين .
عقائدهم:-
1- الغلو في الامام علي (ع) ، والاعتقاد بانه إله و رب ، إله في السماء وامام في الارض ، وهو ما يفلسفونه من خلال اعتقادهم بنظرية (الاتحاد والحلول) ، وان الله قد حل في جسد الامام علي(ع) واتحد به.
2- يزعمون بان للعقيدة ظاهراً وباطن وانهم وحدهم العالمون ببواطن الاسرار .
3- تأثروا بالافلاطونية الحديثة، ونقلوا عنها نظرية الفيض النوراني على الاشياء ووحدة الوجود.
4- يؤمنون بالتناسخ (تكرار المولد) وهو الاعتقاد بازلية الروح ، فالروح لا تفنى فناءا كاملاً بل اذا خرجت من جسم حلت في جسم اخر ، وهكذا تنتقل من هنا الى هناك ، ويكون نوع انتقالها حسب صلاحها او فسادها ، فالصالحة تنتقل بصورة تصاعدية ارتقائية حتى تتصل (بالروح المطلقة للآله) وهو ما يسمى بـ( النرفانا) في العقيدة الهندوسية ، والنصيرية يضيفون الى ذلك ان الروح المؤمنه قد تنسخ الى كوكب في السماء ، لذا يعتقدون ان جميع ما في السماء من كواكب انما هي (انفس المؤمنين الصالحين)، اما الروح الفاسدة فانها تتسافل حتى تتمثل في هياكل الحيوانات ثم الحشرات.
فالتناسخ عندهم وسيلة للتكامل او التسافل، وهي العقيدة الرئيسية للديانات الشرقية الاسيوية ( البوذية والجينية والسيخية والهندوسية وغيرها )
و الاغاخانية[1] وغيرها العشرات قديما، والشيخية[2] و البابية[3] و البهائية[4] وغيرهـــا حديثـا وأخيراً (اليمانـي و القحطاني والرباني و الصرخي و قاضي السماء الكرعاوي) وغيرها الكثير من الامتدادات المشبوهة و المنحرفة و المرتبطة بالأجنبي.
واليوم وحيث يعيش العراق واحدة من اخطر المفاصل التاريخية في وجوده ، وحيث يتم التأسيس لعراق جديد على أنقاض الدكتاتورية و الطائفية و العنصرية ، وحيث يتعرض الكيان العراقي لأخطر هجمة دموية حاقدة ، نعم اليوم وفي ظل هذه الظروف المأساوية بدأت بالانتشار هذه الحركات المشبوهة مستغلة حالة الفوضى التي تعم البلاد وتدني المستوى الثقافي للأمة بعد عقود من التجهيل و المسخ و التدمير المنهجي للعقل العراقي، إضافة إلى توظيف حالة التذمر الشعبي من نقص الخدمات و فقدان الأمن ، باتجاه إسقاط العملية السياسية وتسقيط الأحزاب و المرجعيات الدينية ، في عملية تسطيح و تبسيط للإحداث، وعدم ربطها بمسبباتها الحقيقية ، (إضافة إلى إغماض العين) عما تحقق من مكتسبات يحاول أعداء الأمة إجهاضها بشتى السبل.
أن الخطر الأكبر القادم على سكان الوسط و الجنوب ليس من الخارج فحسب، و أنما هو من الداخل أيضاً، من هذه الحركات التي بدأت تنتشر انتشار النار في الهشيم و التي هي في الحقيقة طابور خامس للعدو الخارجي.
أن حركات محمود الصرخي ، واحمد الحسن اليماني ، وفاضل الرباني ، وحيدر القحطاني ، وقاضي السماء الكرعاوي وحركة الممهدون ، وعشرات المجاميع من السلوكية[5] ودعاة المهدوية، الموجودين في اغلب مدن الوسط و الجنوب أنما هي في الواقع وجوه لحقيقة واحدة و حركات و فرق ضمن تيار واحد ، وهو ما يمكن أن نطلق عليه اسم (التيار السلوكي - المهدوي) باعتبار أن الحركات ضمن هذا التيار مهما اختلفت و مهما تقاطعت
مصالحها و مصالح زعمائها ، ورغم تميز إحداها على الأخرى في بعض الخصوصيات ، ألا أنها تلتقي على الكثير من الثوابت و القواسم المشتركة عقائديا وسياسيا و إعلاميا و منهجيا ، وجميعها تنضوي تحت خيمة واحدة وضمن إطار واحد ، كما و أن قواعدها الشعبية متداخلة بصورة كبيرة وواسعة ، وهناك تعاون و تنسيق فيما بينها.
وفيما يلي سوف نستعرض عددا من هذه الحركات الظلامية المنحرفة ، و نفصل القول في أخطرها وأكثرها خفاءاً ، ألا وهي حركة الممهدون ( المولوية )، ولكن وقبل هذا وذاك سنمر مروراً سريعا مختصراً على أهم المحطات في مسيرة (الحركة السلوكية المهدوية ) في النجف ، كي نربط الماضي بالحاضر ونفهم حقيقة المقدمات التي أدت الى انتشار هذا البلاء في بلاد الرافدين.
تعليق