فيما يستحق المكلف اللعن به
لا ريب أن اللعن من الله تعالى هو الطرد والابعاد من الرحمة وإنزال العقوبة بالمكلف وكل فعل أو قول اقتضى نزول العقوبة بالمكلف من فسق أو كفر فهو مقتضى لجواز اللعن ويدل عليه قوله تعالى في القاتل: (وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ) (النساء: من الآية93) وقوله تعالى: (وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) (النور: 7). رتب اللعنة على الكذب وهو إنما يقتضي الفسق وكذا قوله تعالى في كونها زنت والزنا ليس بكفر. وقوله تبارك وتعالى: (أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (هود: من الآية18) أي على كل ظالم لان الجمع المعرف للعموم والفاسق ظالم لنفسه كما يرشد اليه قوله: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) (فاطر: من الآية32) حيث جعل سبحانه قسيما للمقتصد وقسيما للسابق بالخيرات.وقد روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لعن الله الكاذب ولو كان مازحا ولعن جمعا من ذوي المعاصي.
فان قيل: فيجوز اللعن لكل ذنب: قلنا لا ريب أن الكبائر مجوزة للعن لما تلوناه لان الكبيرة مقتضية لاستحقاق الذم والعقاب في الدنيا والآخرة وهو معنى اللعن، وأما الصغائر فانها تقع مكفرة لقوله تعالى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) (النجم: من الآية32) فقد فسر بصغائر الذنوب فلهذا لا ينقص أيمان فاعلها ولا ترد شهادته ولا تسقط عدالته نعم لو أصر عليها الحقت بالكبائر وصار اللعن بها سائغا.
البحث الرابع: هل اللعن لمستحقه واجب أم جائز
قد علم ضرورة ان الله تعالى كما أوجب موالاة أوليائه ومودتهم أوجب معاملة أعدائه والبراءة منهم وإبعادهم ولو كانوا أقرب الناس والصقهم نسبا.قال الله تبارك وتعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) (المجادلة: من الآية22).
قال في الصحاح: المحادة المخالفة ومنع ما يجب عليك ومعناه ان من الممتنع المحال ان تجد قوما مؤمنين يوالون المخالفين لله والغرض أنه لا ينبغي أن يكون ذلك وحقه وان يمتنع ولا يوجد بحال مبالغة في النهي عنه والزجر عن ملابسته والتوصية بالتصلب في مجانبة أعداء الله ومباعدتهم.
قال في الكشاف: أنه من باب التخييل وقال سبحانه ـ (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (التوبة: 113)
، (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) (التوبة: من الآية114).
فهذه الآيات ناطقة بوجوب معاداة اعداء الله بل دالة على ان ذلك جزء من الايمان فان مخالف ذلك لا يمكن ان يكون مؤمنا وقاعدة لسان العرب تقتضي ذلك ايضا قال الشاعر:
تود عدوي ثم تزعم انني صديقك ان الرأي عنك لعازب
فمودة العدو خروج عن ولاية الولي فكما يحرم الخروج عن موالاة الله وأوليائه كذلك يحرم الدخول في موالاة أعداء الله وأعداء اوليائه.
وقد روي ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان يقول: اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي نعمة فاني وجدت فيما أوجبته: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ويزيد ذلك بيانا أن المشركين لم يكتف الشارع في اسلامهم واعتقادهم لالهية الله سبحانه وتعالى ونطقهم بها حتى نفوها عن كل ما سواه مما يدعى له الالهية وان نحو اليهودي اذا اسلم يطالب مع التلفظ بكلمتي الشهادتين بان يبرء من كل دين يخالف دين الاسلام ولو كان من لعيسوية القائلين بان محمد (صلى الله عليه وآله) رسول الله العرب خاصة لم يقبل منه ما لم يقر بعموم رسالته فعلم من ذلك أن التبري من أعداء الله جزء الايمان وأن الله تعالى سائل عنه يوم القيامة لا محالة ولا ريب أن التبري يحصل بكل ما دل على المعاداة والمجانبة والقطيعة واللعن وان كان مما يدل على المجانبة والبراءة التزاما إلا أنه يدل عليه صريحا لقول أمير المؤمنين ـ أما السب فسبوني فانه لي زكاة ولكم نجاة وأما البراءة فلا تتبرؤا مني فاني ولدت على الفطرة وسبقت الى الايمان والهجرة فاذا اقتصر المكلف عليه قاصدا به البراءة اجزأه وفي هذه الحالة يكون واجبا وجزء للايمان ومثابا عليه وإن أتى به مع البراءة كان اولى فيكون مستحبا استحبابا مؤكدا لان الله تعالى قد كرر ذكره في كتابه كما أشرنا اليه سابقا.
لا ريب أن اللعن من الله تعالى هو الطرد والابعاد من الرحمة وإنزال العقوبة بالمكلف وكل فعل أو قول اقتضى نزول العقوبة بالمكلف من فسق أو كفر فهو مقتضى لجواز اللعن ويدل عليه قوله تعالى في القاتل: (وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ) (النساء: من الآية93) وقوله تعالى: (وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) (النور: 7). رتب اللعنة على الكذب وهو إنما يقتضي الفسق وكذا قوله تعالى في كونها زنت والزنا ليس بكفر. وقوله تبارك وتعالى: (أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (هود: من الآية18) أي على كل ظالم لان الجمع المعرف للعموم والفاسق ظالم لنفسه كما يرشد اليه قوله: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) (فاطر: من الآية32) حيث جعل سبحانه قسيما للمقتصد وقسيما للسابق بالخيرات.وقد روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لعن الله الكاذب ولو كان مازحا ولعن جمعا من ذوي المعاصي.
فان قيل: فيجوز اللعن لكل ذنب: قلنا لا ريب أن الكبائر مجوزة للعن لما تلوناه لان الكبيرة مقتضية لاستحقاق الذم والعقاب في الدنيا والآخرة وهو معنى اللعن، وأما الصغائر فانها تقع مكفرة لقوله تعالى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) (النجم: من الآية32) فقد فسر بصغائر الذنوب فلهذا لا ينقص أيمان فاعلها ولا ترد شهادته ولا تسقط عدالته نعم لو أصر عليها الحقت بالكبائر وصار اللعن بها سائغا.
البحث الرابع: هل اللعن لمستحقه واجب أم جائز
قد علم ضرورة ان الله تعالى كما أوجب موالاة أوليائه ومودتهم أوجب معاملة أعدائه والبراءة منهم وإبعادهم ولو كانوا أقرب الناس والصقهم نسبا.قال الله تبارك وتعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) (المجادلة: من الآية22).
قال في الصحاح: المحادة المخالفة ومنع ما يجب عليك ومعناه ان من الممتنع المحال ان تجد قوما مؤمنين يوالون المخالفين لله والغرض أنه لا ينبغي أن يكون ذلك وحقه وان يمتنع ولا يوجد بحال مبالغة في النهي عنه والزجر عن ملابسته والتوصية بالتصلب في مجانبة أعداء الله ومباعدتهم.
قال في الكشاف: أنه من باب التخييل وقال سبحانه ـ (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (التوبة: 113)
، (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) (التوبة: من الآية114).
فهذه الآيات ناطقة بوجوب معاداة اعداء الله بل دالة على ان ذلك جزء من الايمان فان مخالف ذلك لا يمكن ان يكون مؤمنا وقاعدة لسان العرب تقتضي ذلك ايضا قال الشاعر:
تود عدوي ثم تزعم انني صديقك ان الرأي عنك لعازب
فمودة العدو خروج عن ولاية الولي فكما يحرم الخروج عن موالاة الله وأوليائه كذلك يحرم الدخول في موالاة أعداء الله وأعداء اوليائه.
وقد روي ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان يقول: اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي نعمة فاني وجدت فيما أوجبته: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ويزيد ذلك بيانا أن المشركين لم يكتف الشارع في اسلامهم واعتقادهم لالهية الله سبحانه وتعالى ونطقهم بها حتى نفوها عن كل ما سواه مما يدعى له الالهية وان نحو اليهودي اذا اسلم يطالب مع التلفظ بكلمتي الشهادتين بان يبرء من كل دين يخالف دين الاسلام ولو كان من لعيسوية القائلين بان محمد (صلى الله عليه وآله) رسول الله العرب خاصة لم يقبل منه ما لم يقر بعموم رسالته فعلم من ذلك أن التبري من أعداء الله جزء الايمان وأن الله تعالى سائل عنه يوم القيامة لا محالة ولا ريب أن التبري يحصل بكل ما دل على المعاداة والمجانبة والقطيعة واللعن وان كان مما يدل على المجانبة والبراءة التزاما إلا أنه يدل عليه صريحا لقول أمير المؤمنين ـ أما السب فسبوني فانه لي زكاة ولكم نجاة وأما البراءة فلا تتبرؤا مني فاني ولدت على الفطرة وسبقت الى الايمان والهجرة فاذا اقتصر المكلف عليه قاصدا به البراءة اجزأه وفي هذه الحالة يكون واجبا وجزء للايمان ومثابا عليه وإن أتى به مع البراءة كان اولى فيكون مستحبا استحبابا مؤكدا لان الله تعالى قد كرر ذكره في كتابه كما أشرنا اليه سابقا.