سلام

قال إنه شاهد جنرالات سابقين ودكاترة وكتابا وشعراء ومسؤولين فلسطينيين بين المعتقلين

السليمانية (كردستان العراق): «الشرق الأوسط»
بعد ثماني سنوات قضاها في سجن أبو غريب المركزي بتهمة الانتماء الى عضوية الاتحاد الوطني الكردستاني، أطلقت السلطات العراقية سراح المواطن الكردي رائد قادر منتك في 29/9/2002، بموجب قرار العفو العام الصادر عن الرئيس العراقي. وروى السجين الكردي في لقاء مع «الشرق الأوسط» ظروف اعتقاله والسجون والمعتقلات التي مر بها وأساليب التعذيب التي تعرض لها اثناء التحقيقات في دائرتي المخابرات والامن العام.
وقال في سياق حديثه انه التقى اثناء سنوات سجنه بعدد من الشخصيات المرموقة في المجتمع العراقي منهم اساتذة جامعات ودكاترة وثلاثة سفراء اعتقلتهم السلطات العراقية بتهم مختلفة. بالاضافة الى عدد من المراجع الدينية منهم السيد محمد طباطبائي الذي ما زال نزيل السجن.
واشار ايضا الى وجود اعضاء من التنظيمات الفلسطينية اعتقلتهم السلطات العراقية من حركة حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وجبهة التحرير العربية تعرضوا الى معاملة قاسية من سلطات السجن. وذكر منتك أسماء ثلاثة منهم وهم: فيصل احمد ونادر الجبالي وأبو عنتر، ونقل على لسان السجين فيصل احمد انه سجن داخل اسرائيل، لكن ظروفه هناك كانت افضل من السجون العراقية. واضاف المواطن الكردي ان هؤلاء كانوا من مؤيدي الرئيس العراقي لكنهم بعد ان ذاقوا مرارة السجن واساليب التعذيب الوحشية تغيرت لهجتهم واصبحوا ينتقدون النظام العراقي. وأكد منتك انه رأى عددا من المحتجزين الكويتيين أثناء نزوله بسجن ابو غريب المركزي ما يفند ادعاءات النظام العراقي بعدم وجود محتجزين كويتيين لديه. وقال انه في عام 1995 أخرجوه توا من الغرفة الحمراء بعد اجراء محاكمته ونقلوه الى غرفة انفرادية داخل السجن المذكور، وفي يوم من الايام جاءوا بـ12 سجينا من المواطنين العرب كانوا يرتدون «بىجامات» مقلمة مما يوحي بأنهم أخذوا من بيوتهم، وأفرغوا غرفتين مقابل غرفتي الانفرادية وأودعوهم فيهما، ثم جاءوا الى غرفتي وسدوا منافذ التبريد بالاسفنج وطلبوا مني عدم التحدث مع أي منهم، إذ كان السجناء يتبادلون احاديثهم عبر هذه المنافذ للتعرف على بعضهم البعض. لكن مع خوفي الشديد من المراقبة استطعت التحدث اليهم وأبلغوني بأنهم كويتيون بينهم ضابط من الشرطة الكويتية وقالوا بأنهم اسروا اثناء احداث الكويت.
وبعد تسعة ايام نقل هؤلاء المحتجزون الى مكان آخر، لكنهم أخذوا معهم ايضا سجينا عراقيا بعد ان اكتشفوا انه تحدث اليهم، ولم نعرف عن مصيره شيئا الى ان علمنا في ما بعد انه اعدم لاخفاء معالم احتجاز الكويتيين. وأشار المواطن الكردي الى حادثة غريبة وقعت في منتصف التسعينات حيث اودعوا شخصا بالسجن بتهمة سرقته رشاشا أوتوماتيكيا من نوع غدارة يعود لنجل الرئيس العراقي عدي. وبعد ايام جاء عدي بنفسه الى السجن وقطع بالسيف ثمانية اصابع من يد السجين، ثم ظهر انه لم يكن السارق بل كان احد افراد عشيرة تكريتية فاعتذر عدي من ذلك الشخص وعوضه مبلغ 25 ألف دينار من الطبعة المحلية والذي كان يساوي في ذلك الوقت (10) دولارات.
وعن الحادثة الاخرى التي وصفها بالمأساة والتي لم تبرح وقائعها ذاكرته قال منتك: حين كنت قيد التحقيق داخل بناية الامن العامة جاؤوا في احد الايام بطفل كردي يدعى علي خانقيني ويبلغ من العمر 15عاما وكان مصابا بمرض الربو. وكان الفصل صيفا حين أودعوه المعتقل لكونه ابن أحد المعارضين السياسيين وأنزلوه بغرفتي، وكانت الغرف مقفلة ولا منفذ فيها للهواء فعاودته نوبة من المرض فطلبنا الطبيب له. ولما جاء الطبيب طلب علي منه ان يعطيه دواءه وهو الـ«فانتولين» لكن الطبيب الذي كان من منتسبي الأمن امتنع عن تزويده سوى بحبتين. وحين طلبت أنا منه كمية اكبر شتمني.
وبعد ايام عاودت الولد نوبة اخرى فأمسك بيدي طالبا مني تزويده بالدواء، لكنني لم أكن أملك هذا الدواء فبدأت بالطرق على الباب عسى ان يسعفه الحراس، لكن الغرفة كانت مقفلة بإحكام ولم يصل صوت الطرقات الى الخارج، فصرخت كثيرا وتجاوب معي نزلاء الغرف الاخرى فأحدثوا ضجيجا كبيرا بطرقهم على الابواب بشدة والطفل ماسك بيدي ضاغطا، وأرى التوسل في عينيه لانه كان يعاني عذابا شديدا، خاصة ان درجة حرارة الغرفة وصلت الى 53 أو 54 درجة. على رغم تلك الضجة لم يستجب لنا الحراس، وبقي الطفل على هذه الحالة لثلاثة ايام وانتفخ جسده كثيرا. وفي يومه الاخير وبعد ان مزق يدي بأظافره جراء عذابه في اللحظات الاخيرة، أرخى يده رويدا رويدا فأسلم الروح، فبكيت عليه كثيرا. لكن قمة المأساة في هذه الحادثة كانت حين جاء المفوض شعلان، بعد ثلاثة ايام من موت الطفل وقلت له ان الطفل مات، فسألني بماذا؟ قلت له بالربو. فذهب ثم جاءوا بأبيه الذي كان معتقلا ايضا ليأخذه، لكنه حين جاء كانت الغرفة مظلمة ولم يعرف ان من يحمله هو ابنه، وحين اكتشف الامر عند مروره بالممر على ضوء النوافذ أصيب بجلطة قلبية ومات هو ايضا. وعن عمليات الإعدام داخل السجون قال السجين السابق انه باستثناء ايام الخميس والجمعة التي لم تكن المحاكم تنعقد فيهما، كانت عمليات الاعدام تجري على قدم وساق على مدار الايام المتبقية من الاسبوع، ففي بناية الامن العامة كانوا يعدمون يوميا بين 3و8 أشخاص حتى ان كثيرين منا كانوا يتساءلون في ما لو بقي احد حيا في البلد.
ومن المفارقات المضحكة أشار المواطن الكردي الى ان النظام العراقي اودع العالم البيولوجي ناصر الهنداوي السجن، وكان محكوما عليه بالسجن لمدة خمسة اعوام ونزل عندنا في قسم الاحكام الخاصة. والمفارقة المضحكة انهم كانوا يأتون الى السجن ويأخذونه للمؤتمرات الصحافية التي تنعقد مع وسائل الاعلام خارج السجن، وشارك الهنداوي في احدى اجتماعات طارق عزيز مع فريق المفتشين الدوليين كأحد أفراد الفريق العلمي العراقي دون ان يجرؤ على القول انه نزيل سجن، وبعد ان يؤدي مهمته كانوا يعيدونه الى السجن مرة اخرى. وانهى السجين الكردي السابق رائد قادر منتك حديثه مع «الشرق الأوسط» بالحديث عن قرارات العفو الصادرة من النظام العراقي قائلا: عند صدور القرار تشكلت لجنة من المخابرات والامن العام كانت تقرر من يخرج ومن لا يخرج.. فقد كان معنا عدد كبير من السجناء لم يطلق سراحهم على رغم صدور عدد كبير من قرارات العفو، لانهم كانوا سجناء سياسيين. فانني اسأل أين هم الجنرالات واساتذة الجامعات والدكاترة والعقداء، اين السجناء السياسيون (ابو صلوبي وابو سفيان و نجم سعدون) الذين أمضوا سنوات طويلة داخل السجن، واين الشاعر والكاتب عوني الجميلي، واين سعد قاسم الذي ما زال نزيل السجن منذ عشرين سنة لأنه روى نكتة عن النظام، أين اللواء الركن طالب سعدون الذي اعتقل لأنه رد على سلام بعث به أحد أصدقائه من الجنرالات الهاربين من العراق...؟