هذا البحث كتبه الامام العلامة الشيخ المحقق الشهيد <H1 dir=rtl style="LINE-HEIGHT: 15pt; TEXT-ALIGN: center; mso-line-height-rule: exactly" align=center>حيدر علي قلمداران (القُمِّي)
رحمه الله تعالى رحمة واسعة وجعل مثواه
الفردوس الأعلى في الجنة
</H1>الآيات التي نزلت في مدح أصحاب الرسول (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم)
1 ـ قال الله I: { و مِنَ الأعـراب مـن يـؤمـن بالله و اليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله و صلوات الرسول ألا إنها قربة لهم، سيدخلهم الله في رحمته، إن الله غفور رحيم , والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار و الذين اتبعوهم بإحسـان رضـي الله عـنهم و رضوا عنه و أعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم } التوبة / 99 ـ 100.
يقول الشيخ الطوسي عند تفسيره لهذه الآية في تفسيره "التبيان": [ أخبر الله تعالى أن الذين سبقوا أولا إلى الإيمان بالله و رسوله و الإقرار بهما من الذين هاجروا من مكة إلى المدينة و إلى الحبشة و من الأنصار الذين سبقوا أولا غيرهم إلى الإسـلام من نظرائهم من أهـل المدينة و الذين تبعوا هؤلاء بأفعال الخير والدخول في الإسلام بعدهم و سلوكهم منهاجهم...][1]. قلت: أيُّ مؤمنٍ بالـقـرآن يمكنه ـ بعد أن يرى هذه الآيات الطافحة بالبشـارة بالرحمة والرضوان والوعد بالجنة و الفوز العظيم للمهاجرين و الأنصار، الذين هم أنفسهم المؤسسون الأصليون لبيعة أبي بكر t في السقيفة ـ أن يصدق مثل ذلك الحديث الكفر المثير للفتنة القائل:[ارتد الناس على أعقابهم كفارا إلا ثلاثة!]؟
الآن لنرَ بعض أولــئك المهاجـريــن الذين كانوا في بـيعـة الســقيفـة وبايعوا أبا بكر t و بقوا أوفياء لبيعتهم، ممن مدحهم الله تعالى في هذه الآيات: فأحدهم " عمرو بن عثمان بن عمرو بن كعب " t من بني سعد، كان من المهاجرين الأوائل إلى الحبشة، و كانت هجـرتهم أول هجـرة في الإسلام، واستشهد في معركة القادسية في خلافة عمر t مجتهدا في سبيل الله تحت إمرة سعد بن أبي وقَّاص t[2]، و منهم "هبَّار بن أبي سفيان بن عبد الأسد بن مخزوم" t و قد استشهد (على أصح الأقوال) في معركة أجنادين في الشام في خلافة أبي بكر t[3]، و منهم أخو هبار الأخير "عبد الله بن سفيان"t الذي استشهد في الشام في معركة اليرموك في خلافة عمر t[4]، و غيرهم الكثير ممن لا يتسع المجال هنا لشرح حالهم.
2 ـ و يقول سبحانه: { الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل الله بأموالهم و أنفسهم أعظم درجة عند الله و أولـئك هم الفائزون. يبشرهم ربهم برحمة منهم و رضوان و جنات لهم فيها نعيم مقيم. خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم } التوبة /20 ـ 22. أهؤلاء ارتدوا بعد رسول الله ؟! ولكي نعرف من هؤلاء الموعودون بهذا الثواب العظيم نأتي بآيات أخرى تضمنت نفس العبارات و الألفاظ:
3 ـ يقول رب العالمين: { إن الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا بأموالهم و أنفسهم في سبيل الله و الذين آووا و نصروا أولئك بعضهم أولياء بعض } الأنفال / 72. فهؤلاء الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا، هل هم إلا المهاجرون إلى الحبشة ثم إلى المدينة ثم المجاهدون مع رسول الله ؟ و كذلك الذين آووا و نصروا، هل هم إلا أهل المدينة؟ أي أنهم نفس مؤسسي بيعة السقيفة. فهل هؤلاء ارتدوا على أعقابهم كفارا بعد رسول الله (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) فعادوا للكفر و الشرك ؟! لنسمع إجابة سورة الأنفال هذه نفسها على افتراء أولـئك المفترين و أعداء الإسلام و المسلمين، حيث يقول سبحانه: { و الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل الله و الذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقَّاً لهم مغفرة و رزق كريم } الأنفال / 74. الله الخالق، الذي يعلم الظاهر و الباطن، يقول" أولـئك هم المؤمنون حقاً " و لكن كاتبي "الاحتجاج" و "البرهان" (أي الطبرسي والبحراني[5]) يملآن كتابيهما بروايات الغلاة عديمي الإيمان التي تقول: أولـئك ارتدوا بعد رسول الله إلا ثلاثة! و من القدر أن اثنين من أولـئك الثلاثة لا تشملهم الآية الكريمة من ناحية الهجـرة و الجهاد بالمال و إيواء المهاجرين! لأن سـلـمـان وأبـا ذر لم يكونا لا من المهاجرين و لا من الأنصار، فلا هم من الذين أُخْرِجوا من ديارهم و أُجبِروا تحت ضغط العذاب و الفتنة في الدين على ترك أهلهم وديارهم و وطنهم، و لا هم من الذين أنفقوا أموالهم في سبيل الله، لأنهم كانوا فقراء، و لا هم من أهل المدينة الذين آووا و نصروا المهاجرين، و هذا أمر لا يخفى على من له معرفة بتاريخ الإسلام و سيرة أولـئك الكرام، إذ لكل منهم تاريخ معروف و سيرة واضحة يُعْلَم منها أنهم لم يكونوا من المهاجرين و لا من الأنصار[6]، و إليكم نبذة من سيرتهم:
1 ـ أما سلمان الفارسي t فكان من أهل أصفهان و ترك وطنه وابتعد عن أهله بحثا عن الدين الحق، و لم يكن عند ذاك متنعِّما و لا متشرِّفا بنعمة الإسلام، لذلك لا يصـح اعتباره مصـداقا لقوله تعالـى: "الذين آمنوا و هاجروا"، ثم سكن آخر الأمر في المدينة حيث صار عبدا لامرأة أو رجل يهودي، ثم اشتراه نبي الإسلام (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) في السنة الثالثة أو الرابعة للهجرة بعد غزوة أحد وأعتقه[7]. لذا فإنه t ليس فقط لم يكن مصداقا واضحا لـ " الذين آمنوا وهاجروا " بل كذلك لم يكن مصداقا لـ " و جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم " [8] و لما لم يكن من الأنصار أيضا، لم يكن مصداقا لبقية الآية أي لـ "الذين آووا و نصروا". و هذا لا يمنع أنه كان على أعلى درجات الإيمان بل كان في قمة الإيمان.
2 ـ و أما أبو ذر t فكان من قبيلة غفار، و بعد أن بُعِثَ النبي (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) و اشتهر نبؤه بين العرب و وصل خبره لأبي ذر، ذهب إلى مكة ليستطلع الأمر بنفسه، فلقي رسول الله(صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) فأسلم، و أمَرَه رسول الله بكتمان إيمانه و العودة إلى بلده إلى حين قوة الإسلام، فلما هاجر رسول الله (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) إلى المدينة لحق به أبو ذر t طائعا مختارا دون أن يضطره أحد إلى الهـجـرة من وطنه[9].
3 ـ و أما المقداد t، فمع أنه من السابقين الأولين الذين آمنوا برسول الله (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) في مكة، إلا أن هجـرته تمَّـت بطريقة خاصة و هي أنه لما خرج كفار مكة لقتال رسول الله (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) و من معه من المسلمين في المدينة، خرج المقداد متنكرا مع عتبة بن غزوان ضمن صفوف كفار قريش، و اتجه للمدينة و لحق بالمسلمين فيها. نعم كان المقداد من المهاجرين الأوائل إلى الحبشة، لذلك تشمله الآية الكريمة، و لكن سيرة المقداد t تدل على أنه لم يكن يعتقد بنص الله U على علي بالخلافة بعد رسول الله (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم)، يدل على ذلك ما نقله الطبري في تاريخه حين قال: [ و قال (أي عمر بن الخطاب t لما طُعِن) للمقداد بن الأسود: إذا وضعتمـوني في حفرتي فأجمع هـؤلاء الرهـط في بيـت حتـى يختاروا رجلا منهم،و قال لصهيب: صَلِِّ بالناس ثلاثة أيام، و أدخِل عليا وعثمان و الزبيـر و سـعدا و عبد الرحمن بن عوف، و طلحة إن قدم، و قم على رؤوسهم فإن اجتمع خمسة و رضوا رجلا و أبى واحد فاشدخ رأسه أو اضرب رأسه بالسيف، و إن اتفق أربعة فرضوا رجلا منهم و أبى اثنان فاضرب رؤوسهما...(إلى قوله): فلما دُفِنَ عمر جمع المقداد أهل الشـورى في بيت المسـور بن مخرمة و يُقال في بيت المال..إلخ] [10]. فقبول المقداد t لهذه المهمة دليل على عدم اعتقاده بالنص على علي بالخلافة. طبعا هذا لا يمنع أن مقدادا كان من مؤيدي و أنصار علي u و سعى لنقل الخلافة إليه بعد عمر t.
لا شك أن أولـئك الكرام الثلاثة كانوا من كبار أصحاب الرسول المختار و أجلتهم، و من المشمولين بثناء الله و رحمته و رضوانه، لكن اثنين منهم على الأقل ليسا مصاديق واضحة لتلك الآية المذكورة، و إنما ذكرنا ذلك لكي نبين فضـيحـة ذلـك الحديث المشـحـون بالكذب و الافتـراء و المـخالـف للـوجـدان والمباين لآيات الله، فالقول بارتداد كل الصحابة على أعقابهم إلا ثلاثة ليس إلا هراء و هذيان محض بل قريب من الكفر [11].
4 ـ و قال I: { لقد تاب الله على النبي و المهاجرين و الأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم } التوبة / 117. يقول الطوسي في تفسيره: [ أقســم اللـه تعالى في هذه الآية، لأن لام لقد لام القسم، بأنه تعالى تاب على النبي و المهاجرين و الأنصار بمعنى أنه رجع إليهم و قبل توبتهم، الذين اتبعوه في ساعة العسرة، يعني في الخروج معه إلى تبوك، و العسرة صعوبة الأمر و كان ذلك في غزاة تبوك لأنـه لحقهم فيها مشـقّـة شديدة من قلة الماء حتى نحروا الإبـل و عصروا كروشها و مصوا النوى و قل زادهم و ظهرهم،..(إلى قوله): و قيل من شدة ما لحقهم هَمَّ كثير منهم بالرجوع فتاب الله عليهم...أي رجع عليهم بقبول توبتهم إنه بهم رؤوف رحيم][12] قلت: ففي هذه الآية يضع الله تعالى المهاجرين و الأنصار في صف واحد مع النبي (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) و يشملهم جميعا بالتوبة و الرأفة و الرحمة، إعلاما لنا أن مقام المهاجرين و الأنصار في توبة الله عليهم مثل مقام النبي المختار (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم). فهل مثل هؤلاء صاروا مرتدين؟؟
5 ـ { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله } آل عمران / 110. قال الشيخ الطوسي عليه الرحمة في تفسير التبيان: [ و اختلف المفسرون في المعـنـِيِّ بقوله كنتم خير أمة، فقال قوم: هم الذين هاجروا مع النبي صلىالله عليه وآله، ذكره ابن عباس و عمر بن الخطاب و السُدِّي، و قال عكرمة نزلت في ابن مسعود و سالم مولى أبي حذيفة و أُبَيّ بن كعب و معاذ بن جبل، و قال الضحاك: هم من أصحاب رسول الله خاصة...][13]. و أيا كانوا فإنهم عند الله خير أمة، أما عند الغلاة المدعين لحب أهل البيت، كانوا أسوأ أمة! [14]. فأيهما نقبل: قول الرب سبحانه أم قول الغلاة المخالفين للقرآن؟؟
6 ـ يقول تعالى بدأً من الآية الرابعة من سورة الفتح: { هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم......... لِيُدْخِل المؤمنين و المؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و يكَفِّرَ عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما } إلى الآية 18 حيث يقول: { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم و أثابهم فتحا قريبا } إلى الآية 26 حيث يقول: { إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحميَّة حميَّة الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى و كانوا أحق بها و أهلها و كان الله بكل شيء عليما } ثم يختتم السورة بقوله: { محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة، ومثلهم في الإنجيل..إلخ} الفتح /29. من كان هؤلاء المشار إليهم في هذه الآيات ؟ هل كان لهذه الآيات مصاديق في الخارج أم لا؟ هل مات جميعهم قبل وفاة رسول الله (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) أم بعد وفاته؟ هل تدخلوا في اختيار الخليفة بعده (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) أم لم يتدخلوا ؟ هل جميع هذه الآيات نزلت في أولئك الثلاثة أم أنها تشمل آخرين ؟..إنها أسئلة تطرحها هذه الآيات، و الذي يحق له الإجابة عنها هو المؤمن، لا الغالي عديم الدين مثل "عبد الله بن القاسم الحضرمي"! الذي يجب أن يجيب عن هذه الاسئلة هو المؤمن بالقرآن المعتقد أنه تنزيل رب العالمين العالم بالظواهر و البواطن، لا عبد الله بن القاسم الحضرمي (و أمثاله) الغالي الكذاب عدو الله و رسوله الذي يفتري على لسان إمام من الأئمة: ارتد الناس على أعقابهم كفارا إلا ثلاثة!.
7 ـ و هناك آيات عديدة أخرى في مدح أصحاب رسول الله (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) نشير لبعضها مثل قوله تعالى: { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلهم آمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله..} البقرة / 285. هل ارتد أولئـك المؤمنون بالله و ملائكته و كتبه و رسله ؟ هل كان لهذه الآية الكريمة عندما نزلت مصاديق أم لا ؟ إن كان لها مصاديق فمن كانوا ؟، أو قوله تعالى: { لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلِّمُهُمُ الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } آل عمران / 164. هل كان هناك مؤمنون منَّ الله تعالى عليهم بما ذكر ؟ و في حال وجودهم فهل ماتوا جميعا قبل رحلة رسول الله(صلّىاللّه عليه وآله وسلّم)؟ هل يستطيع أحد أن يدعي مثل هذا الادعاء ؟
8 ـ و تلك الآية الكريمة التي نزلت بحق المؤمنين المجاهدين في واقعة حمراء الأسد التي يقول الله تعالى فيها: {.. و أن الله لا يضيع أجر المؤمنين. الذين استجابوا لله و الرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم و اتقوا أجر عظيم. الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل. فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوء و اتبعوا رضوان الله و الله ذو فضل عظيم } آل عمران /171 ـ 174.
هل مثل هؤلاء المؤمنين كان لهم وجود أم لا ؟ و إن كان لهم وجود فمن كانوا ؟ هل كانوا أولـئك الثلاثة فقط الذين لم يرتدوا بعد رسول الله، أي سلمان و المقداد و أبو ذر ؟! هذا في حين أن سلمان لم يكن في ذلك الحين بين أولئك المؤمنين المشار إليهم في الآية أصلا لأنها نزلت في شأن مجاهدي غزوة أُحُد وسلمان لم يلتق برسول الله (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) و يُسْـلِم على يديه إلا بعد أُحُد، كما أن وجود أبي ذر t بينهم ليس مؤكداً، إذن من هم الذين يمدحهم الله في هذه الآيات كل هذا المديح؟ و هل ماتوا جميعا قبل وفاة النبي (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم)؟ الحقيقة أن اسم مجاهدي بدر و أحد مسجل في التاريخ وأكثرهم كانوا أحياء في زمن الخلفاء بعد رسول الله (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) وسيرتهم المليئة بالفخار و العظمة مدونة معروفة.
9 ـ أو الآيات الكريمة: { إن في خلق السموات و الأرض و اختلاف الليل و النهار لآيات لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياما و قعودا وعلى جنوبهم و يتفكرون في خلق السموات و الأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار......(إلى قوله تعالى): فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر و أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم و أوذوا في سبيلي و قاتلوا و قتلوا لأكفِّرَنَّ عنهم سيئاتهم و لأدخلنَّهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله و الله عنده حسن الثواب } آل عمران / 190 ـ 195. يقول الشيخ الطوسي في تفسيره الشريف "التبيان": [ و قال (الطبري): الآية مختصة بمن هاجر من أصحاب النبي (صلّىاللّه عليه وآله) من وطنه و أهله مفارقا لأهل الشرك بالله إلى رسول الله (صلّىاللّه عليه وآله) و غيرهم من تُبَّاع رسول الله (صلّىاللّه عليه وآله) من الذين رغبوا إليه تعالى في تعجيل نصرهم على أعدائهم و علموا أنه لا يخلف الميعاد بذلك، غير أنهم سألوا تعجيله و قالوا لا صبر لنا على أناتك و حلمك، وقوَّى (أي الطبري) ذلك بما بعد هذه الآية من قوله فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر و أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم و أوذوا في سبيلي و قاتلوا و قتلوا...الآيات بعدها،(يقول الطوسي) و ذلك لا يليق إلا بما ذكره و لا يليق بالأقاويل الباقية و إلى هذا أومى البلخي لأنه قال في الآية الأخرى و التي قبلها (نزلت) في الذين هاجروا إلى النبي (صلّىاللّه عليه وآله)، ثم (نزلت) في جميع من سلك سبيلهم و اتبع آثارهم من المسلمين...][15].
نسأل ثانية: من هم هؤلاء الذين قال الله تعالى عنهم أنهم هاجروا وأُخْرِجوا من ديارهم و أموالهم و أوذوا في سبيله و قاتلوا و قتلوا و أنه سيدخلهم جناته ؟ إنهم نفس أولئك الذين يقول ذلك الحديث الكفر عنهم: ارتد الناس على أعقابهم كفارا إلا ثلاثة. أي قلب يؤمن بالله و رسوله و اليوم الآخر يمكنه أن يقبل بمثل هذا الكفر الصريح ؟
10 ـ و الآية الكريمة:{ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله و رضوانا و ينصرون الله و رسوله أولـئك هم الصادقون. و الذين تبوؤ الدار و الإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة و من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } الحشر / 8 ـ 10. من كان هؤلاء الذين أُخْرِجوا من ديارهم و اضطروا لترك أموالهم طلبا لرضا الله تعالى و فضله، الذين نصروا الله و رسوله و سماهم الله بالصادقين ؟ ألم يكونوا هم أنفسهم الذين حضروا السقيفة ؟ و هل كان هؤلاء الذين تبوؤا الدار و الإيمان، والذين أحبوا المهاجرين إليهم و آووهم في بيوتهم و آثروهم على أنفسهم، إلا الأنصار الذين أتوا بسعد بن عبادة t بعد وفاة رسول الله (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) إلى السقيفة و أرادوا أن يجعلوه خليفة و يبايعوه ؟
رحمه الله تعالى رحمة واسعة وجعل مثواه
الفردوس الأعلى في الجنة
</H1>الآيات التي نزلت في مدح أصحاب الرسول (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم)
1 ـ قال الله I: { و مِنَ الأعـراب مـن يـؤمـن بالله و اليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله و صلوات الرسول ألا إنها قربة لهم، سيدخلهم الله في رحمته، إن الله غفور رحيم , والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار و الذين اتبعوهم بإحسـان رضـي الله عـنهم و رضوا عنه و أعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم } التوبة / 99 ـ 100.
يقول الشيخ الطوسي عند تفسيره لهذه الآية في تفسيره "التبيان": [ أخبر الله تعالى أن الذين سبقوا أولا إلى الإيمان بالله و رسوله و الإقرار بهما من الذين هاجروا من مكة إلى المدينة و إلى الحبشة و من الأنصار الذين سبقوا أولا غيرهم إلى الإسـلام من نظرائهم من أهـل المدينة و الذين تبعوا هؤلاء بأفعال الخير والدخول في الإسلام بعدهم و سلوكهم منهاجهم...][1]. قلت: أيُّ مؤمنٍ بالـقـرآن يمكنه ـ بعد أن يرى هذه الآيات الطافحة بالبشـارة بالرحمة والرضوان والوعد بالجنة و الفوز العظيم للمهاجرين و الأنصار، الذين هم أنفسهم المؤسسون الأصليون لبيعة أبي بكر t في السقيفة ـ أن يصدق مثل ذلك الحديث الكفر المثير للفتنة القائل:[ارتد الناس على أعقابهم كفارا إلا ثلاثة!]؟
الآن لنرَ بعض أولــئك المهاجـريــن الذين كانوا في بـيعـة الســقيفـة وبايعوا أبا بكر t و بقوا أوفياء لبيعتهم، ممن مدحهم الله تعالى في هذه الآيات: فأحدهم " عمرو بن عثمان بن عمرو بن كعب " t من بني سعد، كان من المهاجرين الأوائل إلى الحبشة، و كانت هجـرتهم أول هجـرة في الإسلام، واستشهد في معركة القادسية في خلافة عمر t مجتهدا في سبيل الله تحت إمرة سعد بن أبي وقَّاص t[2]، و منهم "هبَّار بن أبي سفيان بن عبد الأسد بن مخزوم" t و قد استشهد (على أصح الأقوال) في معركة أجنادين في الشام في خلافة أبي بكر t[3]، و منهم أخو هبار الأخير "عبد الله بن سفيان"t الذي استشهد في الشام في معركة اليرموك في خلافة عمر t[4]، و غيرهم الكثير ممن لا يتسع المجال هنا لشرح حالهم.
2 ـ و يقول سبحانه: { الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل الله بأموالهم و أنفسهم أعظم درجة عند الله و أولـئك هم الفائزون. يبشرهم ربهم برحمة منهم و رضوان و جنات لهم فيها نعيم مقيم. خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم } التوبة /20 ـ 22. أهؤلاء ارتدوا بعد رسول الله ؟! ولكي نعرف من هؤلاء الموعودون بهذا الثواب العظيم نأتي بآيات أخرى تضمنت نفس العبارات و الألفاظ:
3 ـ يقول رب العالمين: { إن الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا بأموالهم و أنفسهم في سبيل الله و الذين آووا و نصروا أولئك بعضهم أولياء بعض } الأنفال / 72. فهؤلاء الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا، هل هم إلا المهاجرون إلى الحبشة ثم إلى المدينة ثم المجاهدون مع رسول الله ؟ و كذلك الذين آووا و نصروا، هل هم إلا أهل المدينة؟ أي أنهم نفس مؤسسي بيعة السقيفة. فهل هؤلاء ارتدوا على أعقابهم كفارا بعد رسول الله (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) فعادوا للكفر و الشرك ؟! لنسمع إجابة سورة الأنفال هذه نفسها على افتراء أولـئك المفترين و أعداء الإسلام و المسلمين، حيث يقول سبحانه: { و الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل الله و الذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقَّاً لهم مغفرة و رزق كريم } الأنفال / 74. الله الخالق، الذي يعلم الظاهر و الباطن، يقول" أولـئك هم المؤمنون حقاً " و لكن كاتبي "الاحتجاج" و "البرهان" (أي الطبرسي والبحراني[5]) يملآن كتابيهما بروايات الغلاة عديمي الإيمان التي تقول: أولـئك ارتدوا بعد رسول الله إلا ثلاثة! و من القدر أن اثنين من أولـئك الثلاثة لا تشملهم الآية الكريمة من ناحية الهجـرة و الجهاد بالمال و إيواء المهاجرين! لأن سـلـمـان وأبـا ذر لم يكونا لا من المهاجرين و لا من الأنصار، فلا هم من الذين أُخْرِجوا من ديارهم و أُجبِروا تحت ضغط العذاب و الفتنة في الدين على ترك أهلهم وديارهم و وطنهم، و لا هم من الذين أنفقوا أموالهم في سبيل الله، لأنهم كانوا فقراء، و لا هم من أهل المدينة الذين آووا و نصروا المهاجرين، و هذا أمر لا يخفى على من له معرفة بتاريخ الإسلام و سيرة أولـئك الكرام، إذ لكل منهم تاريخ معروف و سيرة واضحة يُعْلَم منها أنهم لم يكونوا من المهاجرين و لا من الأنصار[6]، و إليكم نبذة من سيرتهم:
1 ـ أما سلمان الفارسي t فكان من أهل أصفهان و ترك وطنه وابتعد عن أهله بحثا عن الدين الحق، و لم يكن عند ذاك متنعِّما و لا متشرِّفا بنعمة الإسلام، لذلك لا يصـح اعتباره مصـداقا لقوله تعالـى: "الذين آمنوا و هاجروا"، ثم سكن آخر الأمر في المدينة حيث صار عبدا لامرأة أو رجل يهودي، ثم اشتراه نبي الإسلام (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) في السنة الثالثة أو الرابعة للهجرة بعد غزوة أحد وأعتقه[7]. لذا فإنه t ليس فقط لم يكن مصداقا واضحا لـ " الذين آمنوا وهاجروا " بل كذلك لم يكن مصداقا لـ " و جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم " [8] و لما لم يكن من الأنصار أيضا، لم يكن مصداقا لبقية الآية أي لـ "الذين آووا و نصروا". و هذا لا يمنع أنه كان على أعلى درجات الإيمان بل كان في قمة الإيمان.
2 ـ و أما أبو ذر t فكان من قبيلة غفار، و بعد أن بُعِثَ النبي (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) و اشتهر نبؤه بين العرب و وصل خبره لأبي ذر، ذهب إلى مكة ليستطلع الأمر بنفسه، فلقي رسول الله(صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) فأسلم، و أمَرَه رسول الله بكتمان إيمانه و العودة إلى بلده إلى حين قوة الإسلام، فلما هاجر رسول الله (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) إلى المدينة لحق به أبو ذر t طائعا مختارا دون أن يضطره أحد إلى الهـجـرة من وطنه[9].
3 ـ و أما المقداد t، فمع أنه من السابقين الأولين الذين آمنوا برسول الله (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) في مكة، إلا أن هجـرته تمَّـت بطريقة خاصة و هي أنه لما خرج كفار مكة لقتال رسول الله (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) و من معه من المسلمين في المدينة، خرج المقداد متنكرا مع عتبة بن غزوان ضمن صفوف كفار قريش، و اتجه للمدينة و لحق بالمسلمين فيها. نعم كان المقداد من المهاجرين الأوائل إلى الحبشة، لذلك تشمله الآية الكريمة، و لكن سيرة المقداد t تدل على أنه لم يكن يعتقد بنص الله U على علي بالخلافة بعد رسول الله (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم)، يدل على ذلك ما نقله الطبري في تاريخه حين قال: [ و قال (أي عمر بن الخطاب t لما طُعِن) للمقداد بن الأسود: إذا وضعتمـوني في حفرتي فأجمع هـؤلاء الرهـط في بيـت حتـى يختاروا رجلا منهم،و قال لصهيب: صَلِِّ بالناس ثلاثة أيام، و أدخِل عليا وعثمان و الزبيـر و سـعدا و عبد الرحمن بن عوف، و طلحة إن قدم، و قم على رؤوسهم فإن اجتمع خمسة و رضوا رجلا و أبى واحد فاشدخ رأسه أو اضرب رأسه بالسيف، و إن اتفق أربعة فرضوا رجلا منهم و أبى اثنان فاضرب رؤوسهما...(إلى قوله): فلما دُفِنَ عمر جمع المقداد أهل الشـورى في بيت المسـور بن مخرمة و يُقال في بيت المال..إلخ] [10]. فقبول المقداد t لهذه المهمة دليل على عدم اعتقاده بالنص على علي بالخلافة. طبعا هذا لا يمنع أن مقدادا كان من مؤيدي و أنصار علي u و سعى لنقل الخلافة إليه بعد عمر t.
لا شك أن أولـئك الكرام الثلاثة كانوا من كبار أصحاب الرسول المختار و أجلتهم، و من المشمولين بثناء الله و رحمته و رضوانه، لكن اثنين منهم على الأقل ليسا مصاديق واضحة لتلك الآية المذكورة، و إنما ذكرنا ذلك لكي نبين فضـيحـة ذلـك الحديث المشـحـون بالكذب و الافتـراء و المـخالـف للـوجـدان والمباين لآيات الله، فالقول بارتداد كل الصحابة على أعقابهم إلا ثلاثة ليس إلا هراء و هذيان محض بل قريب من الكفر [11].
4 ـ و قال I: { لقد تاب الله على النبي و المهاجرين و الأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم } التوبة / 117. يقول الطوسي في تفسيره: [ أقســم اللـه تعالى في هذه الآية، لأن لام لقد لام القسم، بأنه تعالى تاب على النبي و المهاجرين و الأنصار بمعنى أنه رجع إليهم و قبل توبتهم، الذين اتبعوه في ساعة العسرة، يعني في الخروج معه إلى تبوك، و العسرة صعوبة الأمر و كان ذلك في غزاة تبوك لأنـه لحقهم فيها مشـقّـة شديدة من قلة الماء حتى نحروا الإبـل و عصروا كروشها و مصوا النوى و قل زادهم و ظهرهم،..(إلى قوله): و قيل من شدة ما لحقهم هَمَّ كثير منهم بالرجوع فتاب الله عليهم...أي رجع عليهم بقبول توبتهم إنه بهم رؤوف رحيم][12] قلت: ففي هذه الآية يضع الله تعالى المهاجرين و الأنصار في صف واحد مع النبي (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) و يشملهم جميعا بالتوبة و الرأفة و الرحمة، إعلاما لنا أن مقام المهاجرين و الأنصار في توبة الله عليهم مثل مقام النبي المختار (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم). فهل مثل هؤلاء صاروا مرتدين؟؟
5 ـ { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله } آل عمران / 110. قال الشيخ الطوسي عليه الرحمة في تفسير التبيان: [ و اختلف المفسرون في المعـنـِيِّ بقوله كنتم خير أمة، فقال قوم: هم الذين هاجروا مع النبي صلىالله عليه وآله، ذكره ابن عباس و عمر بن الخطاب و السُدِّي، و قال عكرمة نزلت في ابن مسعود و سالم مولى أبي حذيفة و أُبَيّ بن كعب و معاذ بن جبل، و قال الضحاك: هم من أصحاب رسول الله خاصة...][13]. و أيا كانوا فإنهم عند الله خير أمة، أما عند الغلاة المدعين لحب أهل البيت، كانوا أسوأ أمة! [14]. فأيهما نقبل: قول الرب سبحانه أم قول الغلاة المخالفين للقرآن؟؟
6 ـ يقول تعالى بدأً من الآية الرابعة من سورة الفتح: { هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم......... لِيُدْخِل المؤمنين و المؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و يكَفِّرَ عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما } إلى الآية 18 حيث يقول: { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم و أثابهم فتحا قريبا } إلى الآية 26 حيث يقول: { إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحميَّة حميَّة الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى و كانوا أحق بها و أهلها و كان الله بكل شيء عليما } ثم يختتم السورة بقوله: { محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة، ومثلهم في الإنجيل..إلخ} الفتح /29. من كان هؤلاء المشار إليهم في هذه الآيات ؟ هل كان لهذه الآيات مصاديق في الخارج أم لا؟ هل مات جميعهم قبل وفاة رسول الله (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) أم بعد وفاته؟ هل تدخلوا في اختيار الخليفة بعده (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) أم لم يتدخلوا ؟ هل جميع هذه الآيات نزلت في أولئك الثلاثة أم أنها تشمل آخرين ؟..إنها أسئلة تطرحها هذه الآيات، و الذي يحق له الإجابة عنها هو المؤمن، لا الغالي عديم الدين مثل "عبد الله بن القاسم الحضرمي"! الذي يجب أن يجيب عن هذه الاسئلة هو المؤمن بالقرآن المعتقد أنه تنزيل رب العالمين العالم بالظواهر و البواطن، لا عبد الله بن القاسم الحضرمي (و أمثاله) الغالي الكذاب عدو الله و رسوله الذي يفتري على لسان إمام من الأئمة: ارتد الناس على أعقابهم كفارا إلا ثلاثة!.
7 ـ و هناك آيات عديدة أخرى في مدح أصحاب رسول الله (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) نشير لبعضها مثل قوله تعالى: { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلهم آمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله..} البقرة / 285. هل ارتد أولئـك المؤمنون بالله و ملائكته و كتبه و رسله ؟ هل كان لهذه الآية الكريمة عندما نزلت مصاديق أم لا ؟ إن كان لها مصاديق فمن كانوا ؟، أو قوله تعالى: { لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلِّمُهُمُ الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } آل عمران / 164. هل كان هناك مؤمنون منَّ الله تعالى عليهم بما ذكر ؟ و في حال وجودهم فهل ماتوا جميعا قبل رحلة رسول الله(صلّىاللّه عليه وآله وسلّم)؟ هل يستطيع أحد أن يدعي مثل هذا الادعاء ؟
8 ـ و تلك الآية الكريمة التي نزلت بحق المؤمنين المجاهدين في واقعة حمراء الأسد التي يقول الله تعالى فيها: {.. و أن الله لا يضيع أجر المؤمنين. الذين استجابوا لله و الرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم و اتقوا أجر عظيم. الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل. فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوء و اتبعوا رضوان الله و الله ذو فضل عظيم } آل عمران /171 ـ 174.
هل مثل هؤلاء المؤمنين كان لهم وجود أم لا ؟ و إن كان لهم وجود فمن كانوا ؟ هل كانوا أولـئك الثلاثة فقط الذين لم يرتدوا بعد رسول الله، أي سلمان و المقداد و أبو ذر ؟! هذا في حين أن سلمان لم يكن في ذلك الحين بين أولئك المؤمنين المشار إليهم في الآية أصلا لأنها نزلت في شأن مجاهدي غزوة أُحُد وسلمان لم يلتق برسول الله (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) و يُسْـلِم على يديه إلا بعد أُحُد، كما أن وجود أبي ذر t بينهم ليس مؤكداً، إذن من هم الذين يمدحهم الله في هذه الآيات كل هذا المديح؟ و هل ماتوا جميعا قبل وفاة النبي (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم)؟ الحقيقة أن اسم مجاهدي بدر و أحد مسجل في التاريخ وأكثرهم كانوا أحياء في زمن الخلفاء بعد رسول الله (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) وسيرتهم المليئة بالفخار و العظمة مدونة معروفة.
9 ـ أو الآيات الكريمة: { إن في خلق السموات و الأرض و اختلاف الليل و النهار لآيات لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياما و قعودا وعلى جنوبهم و يتفكرون في خلق السموات و الأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار......(إلى قوله تعالى): فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر و أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم و أوذوا في سبيلي و قاتلوا و قتلوا لأكفِّرَنَّ عنهم سيئاتهم و لأدخلنَّهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله و الله عنده حسن الثواب } آل عمران / 190 ـ 195. يقول الشيخ الطوسي في تفسيره الشريف "التبيان": [ و قال (الطبري): الآية مختصة بمن هاجر من أصحاب النبي (صلّىاللّه عليه وآله) من وطنه و أهله مفارقا لأهل الشرك بالله إلى رسول الله (صلّىاللّه عليه وآله) و غيرهم من تُبَّاع رسول الله (صلّىاللّه عليه وآله) من الذين رغبوا إليه تعالى في تعجيل نصرهم على أعدائهم و علموا أنه لا يخلف الميعاد بذلك، غير أنهم سألوا تعجيله و قالوا لا صبر لنا على أناتك و حلمك، وقوَّى (أي الطبري) ذلك بما بعد هذه الآية من قوله فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر و أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم و أوذوا في سبيلي و قاتلوا و قتلوا...الآيات بعدها،(يقول الطوسي) و ذلك لا يليق إلا بما ذكره و لا يليق بالأقاويل الباقية و إلى هذا أومى البلخي لأنه قال في الآية الأخرى و التي قبلها (نزلت) في الذين هاجروا إلى النبي (صلّىاللّه عليه وآله)، ثم (نزلت) في جميع من سلك سبيلهم و اتبع آثارهم من المسلمين...][15].
نسأل ثانية: من هم هؤلاء الذين قال الله تعالى عنهم أنهم هاجروا وأُخْرِجوا من ديارهم و أموالهم و أوذوا في سبيله و قاتلوا و قتلوا و أنه سيدخلهم جناته ؟ إنهم نفس أولئك الذين يقول ذلك الحديث الكفر عنهم: ارتد الناس على أعقابهم كفارا إلا ثلاثة. أي قلب يؤمن بالله و رسوله و اليوم الآخر يمكنه أن يقبل بمثل هذا الكفر الصريح ؟
10 ـ و الآية الكريمة:{ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله و رضوانا و ينصرون الله و رسوله أولـئك هم الصادقون. و الذين تبوؤ الدار و الإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة و من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } الحشر / 8 ـ 10. من كان هؤلاء الذين أُخْرِجوا من ديارهم و اضطروا لترك أموالهم طلبا لرضا الله تعالى و فضله، الذين نصروا الله و رسوله و سماهم الله بالصادقين ؟ ألم يكونوا هم أنفسهم الذين حضروا السقيفة ؟ و هل كان هؤلاء الذين تبوؤا الدار و الإيمان، والذين أحبوا المهاجرين إليهم و آووهم في بيوتهم و آثروهم على أنفسهم، إلا الأنصار الذين أتوا بسعد بن عبادة t بعد وفاة رسول الله (صلّىاللّه عليه وآله وسلّم) إلى السقيفة و أرادوا أن يجعلوه خليفة و يبايعوه ؟
تعليق