س : هل أن أبا بكر وعمر من المعنيين من الآية {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(التوبة/100).
كما يستدل بها العامة علما أن أبا بكر قد أسلم في أوائل الدعوة فلماذا لا تشمله الآية الكريمة ؟
ج : لنضرب لك مثالا توضيحيا ، لو بلّغ النبي صلى الله عليه وآله الدعوة لأشخاص ، فسبق أحد الحاضرين غيره فتلفظ بالشهادتين أسرع منهم ، ثم تلفظ الباقون بـها بعد فترة ، وبعد إسلامهم كلهم تفاوت هؤلاء المسلمين بالعمل لنصرة الإسلام فلم يكن هذا السابق بالتلفظ هو السابق للإيمان والدفاع والنصرة والذب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل سبقه غيره إلى كل هذه الأمور وقام الدين على أكتاف هذا المسبوق بالتشهد ، وأما السابق فلم يقم بشيء يذكر من هذه الأمور وإنما صار مثل باقي الناس ، فهنا هل يقال إن السابق بالتلفظ أفضل ممن سبق بالإيمان والعمل الصالح والجهاد والنصرة والتضحية في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله ؟! بالطبع لا .
فكما لا يصح أن يجعل السبق الزماني هو الملاك في التفاضل دون لحاظ باقي الصفات الدخلية كذلك لا يصح أن يجعل هو الملاك في رضي الله عنه ، بل إن السابق للإسلام إن لم يلتزم بتعاليم الإسلامية وعصى وأساء العمل لن يرضى الله عنه بدليل الآيات الكريمة الكثيرة في القرآن التي تجعل ميزان التفاضل في الإسلام هو التقوى والعمل الصالح { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(الحجرات/13). ولم يدع أحد أن السابقين الأولين خارجون من هذا الميزان العام ، فإن الله عز وجل يؤكد على حيثية الإستمرار على العهد وعدم النكوث على الأعقاب وهذا واضح في آية الأحزاب التي ينص فيها على عدم التبديل لمن عاهد الله عز وجل من الصحابة :
{مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}(الأحزاب/23).
وعلى أي حال فلا يعقل رضى الله عن السابقين الأولين حتى وإن تركوا الإسلام بعد سبقهم أو ارتكبوا الجرائر والموبقات وسفكوا دماء المسلمين !
فإذن سبق الأولين للإيمان بالله والهجرة الخالصة والنصرة التي أقامت عمود الدين مستوجبة لرضى الله عز وجل على أن تكون مقرونة بالتقوى والعمل الصالح .
ولا بأس بنقل ما ذكره العلامة الطباطبائي في الميزان ج9ص382 في معرض جوابه على ما ذكر من أن الله قد رضي عن السابقين الأولين مطلقا دونما قيد :
" هو -كما ترى - يسلم أن في أعمالهم حسنة وسيئة وطاعة وفسقا غير أن الله رضي عنهم في جميع ذلك وغفرها لهم فلا يجازيهم بالسيئة سيئة ، وهو الذى ذكرنا في البيان المتقدم أن مقتضاه تكذيب آيات كثيرة قرآنية تدل على أن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين والظالمين وأنه لا يحبهم ولا يهديهم ، وتقيد آيات أكثر من ذلك وهي أكثر الآيات القرآنية الدالة على عموم جزاء الحسنة بالحسنة والسيئة بالسيئة من غير مقيد وعليها تعتمد آيات الأمر والنهي وهي آيات الأحكام بجملتها . ولو كان مدلول الآية هذا الذي ذكره لكانت الصحابة على عربيتهم المحضة واتصالهم بزمان النبوة ونزول الوحي أحق أن يفهموا من الآية ذلك ، ولو كانوا فهموا منها ذلك لما عامل بعضهم بعضا بما ضبطه النقل الصحيح .
وكيف يمكن أن يتحقق كلهم بمضمون قوله : ( رضى الله عنهم ورضوا عنه ) ويفهموا ذلك منه ثم لا يرضى بعضهم عن بعض وقد رضى الله عنه ، والراضي عن الله راض عما رضي الله عنه ، ولا يندفع هذا الإشكال بحديث اجتهادهم فإن ذلك لو سلم يكون عذرا في مقام العمل لا مصححا للجمع بين صفتين متضادتين وجدانا وهما الرضا عن الله وعدم الرضا عما رضى الله عنه والكلام طويل ".
وقال الشيخ محمد جواد مغنِـيَّـة في التفسير الكاشف :
" إن المراد بالسابقين الأولين من أقام على طاعة الله ومات على سنة رسول الله (ص) أما من عصى وأساء بعد السبق فلا تشمله مرضاة الله ، كيف ؟ وهو القائل { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا}(النساء/123).
والقائل {لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}(إبراهيم/51).
وروى البخاري في الجزء التاسع من صحيحه ، كتاب الفتن : " إن رسول الله (ص) يقول يوم القيامة : أي رب أصحابي ... فيقول له : لا تدري ما أحدثوا بعدك ... فأقول : سحقا سحقا لمن بدل بعدي ". ولا شك أن للسابق في الهجرة والنصرة الأفضلية على اللاحق ولكن هذا شيء والسماح له بالمعصية أو عدم الحساب عليها شيء آخر ".
وبعد هذا الكلام يتضح أن أبا بكر وعمر ليسا داخلين في الآية الكريمة لأن الآية تتكلم عن السابق إلى الإيمان والتقوى والإخلاص والنصرة وليس إلى التلفظ بالشهاديتن فحسب ! ثم نحن لا نسلم أن أبا بكر قد سبق الجميع بالتلفظ ولا أنه العاشر ولا العشرون إذ هذا كله لا دليل عليه سوى ما يحلو لمحدثي أهل السنة اختراع أنه أول من أسلم ! مع علمنا سبق غيره من الصحابة عليه غير الإمام أمير المؤمنين عليه السلام .
ولو سلمنا جدلا أنه أسلم اخلاصا وإيمانا وهاجر قربة إلى الله وفي سبيل الله فهذا لا يعطيه الرضى دونما قيد وشرط بأن يستمر على هذه الحالة الجليلة طيلة عمره لا أن يبدل تبديلا وينقض ما عاهد الله عليه ! وتبديلها وتغييره في دين الله أمر ثابت بالقطع واليقين دونما شك .
فلا أدري ما وجه حشره في عموم الآية ؟!
أما عمر بن الخطاب فإن الآية عنه أبعد وأبعد للوجوه السابقة .
والحمد لله رب العالمين
البرهان albrhan.org
كما يستدل بها العامة علما أن أبا بكر قد أسلم في أوائل الدعوة فلماذا لا تشمله الآية الكريمة ؟
ج : لنضرب لك مثالا توضيحيا ، لو بلّغ النبي صلى الله عليه وآله الدعوة لأشخاص ، فسبق أحد الحاضرين غيره فتلفظ بالشهادتين أسرع منهم ، ثم تلفظ الباقون بـها بعد فترة ، وبعد إسلامهم كلهم تفاوت هؤلاء المسلمين بالعمل لنصرة الإسلام فلم يكن هذا السابق بالتلفظ هو السابق للإيمان والدفاع والنصرة والذب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل سبقه غيره إلى كل هذه الأمور وقام الدين على أكتاف هذا المسبوق بالتشهد ، وأما السابق فلم يقم بشيء يذكر من هذه الأمور وإنما صار مثل باقي الناس ، فهنا هل يقال إن السابق بالتلفظ أفضل ممن سبق بالإيمان والعمل الصالح والجهاد والنصرة والتضحية في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله ؟! بالطبع لا .
فكما لا يصح أن يجعل السبق الزماني هو الملاك في التفاضل دون لحاظ باقي الصفات الدخلية كذلك لا يصح أن يجعل هو الملاك في رضي الله عنه ، بل إن السابق للإسلام إن لم يلتزم بتعاليم الإسلامية وعصى وأساء العمل لن يرضى الله عنه بدليل الآيات الكريمة الكثيرة في القرآن التي تجعل ميزان التفاضل في الإسلام هو التقوى والعمل الصالح { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(الحجرات/13). ولم يدع أحد أن السابقين الأولين خارجون من هذا الميزان العام ، فإن الله عز وجل يؤكد على حيثية الإستمرار على العهد وعدم النكوث على الأعقاب وهذا واضح في آية الأحزاب التي ينص فيها على عدم التبديل لمن عاهد الله عز وجل من الصحابة :
{مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}(الأحزاب/23).
وعلى أي حال فلا يعقل رضى الله عن السابقين الأولين حتى وإن تركوا الإسلام بعد سبقهم أو ارتكبوا الجرائر والموبقات وسفكوا دماء المسلمين !
فإذن سبق الأولين للإيمان بالله والهجرة الخالصة والنصرة التي أقامت عمود الدين مستوجبة لرضى الله عز وجل على أن تكون مقرونة بالتقوى والعمل الصالح .
ولا بأس بنقل ما ذكره العلامة الطباطبائي في الميزان ج9ص382 في معرض جوابه على ما ذكر من أن الله قد رضي عن السابقين الأولين مطلقا دونما قيد :
" هو -كما ترى - يسلم أن في أعمالهم حسنة وسيئة وطاعة وفسقا غير أن الله رضي عنهم في جميع ذلك وغفرها لهم فلا يجازيهم بالسيئة سيئة ، وهو الذى ذكرنا في البيان المتقدم أن مقتضاه تكذيب آيات كثيرة قرآنية تدل على أن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين والظالمين وأنه لا يحبهم ولا يهديهم ، وتقيد آيات أكثر من ذلك وهي أكثر الآيات القرآنية الدالة على عموم جزاء الحسنة بالحسنة والسيئة بالسيئة من غير مقيد وعليها تعتمد آيات الأمر والنهي وهي آيات الأحكام بجملتها . ولو كان مدلول الآية هذا الذي ذكره لكانت الصحابة على عربيتهم المحضة واتصالهم بزمان النبوة ونزول الوحي أحق أن يفهموا من الآية ذلك ، ولو كانوا فهموا منها ذلك لما عامل بعضهم بعضا بما ضبطه النقل الصحيح .
وكيف يمكن أن يتحقق كلهم بمضمون قوله : ( رضى الله عنهم ورضوا عنه ) ويفهموا ذلك منه ثم لا يرضى بعضهم عن بعض وقد رضى الله عنه ، والراضي عن الله راض عما رضي الله عنه ، ولا يندفع هذا الإشكال بحديث اجتهادهم فإن ذلك لو سلم يكون عذرا في مقام العمل لا مصححا للجمع بين صفتين متضادتين وجدانا وهما الرضا عن الله وعدم الرضا عما رضى الله عنه والكلام طويل ".
وقال الشيخ محمد جواد مغنِـيَّـة في التفسير الكاشف :
" إن المراد بالسابقين الأولين من أقام على طاعة الله ومات على سنة رسول الله (ص) أما من عصى وأساء بعد السبق فلا تشمله مرضاة الله ، كيف ؟ وهو القائل { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا}(النساء/123).
والقائل {لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}(إبراهيم/51).
وروى البخاري في الجزء التاسع من صحيحه ، كتاب الفتن : " إن رسول الله (ص) يقول يوم القيامة : أي رب أصحابي ... فيقول له : لا تدري ما أحدثوا بعدك ... فأقول : سحقا سحقا لمن بدل بعدي ". ولا شك أن للسابق في الهجرة والنصرة الأفضلية على اللاحق ولكن هذا شيء والسماح له بالمعصية أو عدم الحساب عليها شيء آخر ".
وبعد هذا الكلام يتضح أن أبا بكر وعمر ليسا داخلين في الآية الكريمة لأن الآية تتكلم عن السابق إلى الإيمان والتقوى والإخلاص والنصرة وليس إلى التلفظ بالشهاديتن فحسب ! ثم نحن لا نسلم أن أبا بكر قد سبق الجميع بالتلفظ ولا أنه العاشر ولا العشرون إذ هذا كله لا دليل عليه سوى ما يحلو لمحدثي أهل السنة اختراع أنه أول من أسلم ! مع علمنا سبق غيره من الصحابة عليه غير الإمام أمير المؤمنين عليه السلام .
ولو سلمنا جدلا أنه أسلم اخلاصا وإيمانا وهاجر قربة إلى الله وفي سبيل الله فهذا لا يعطيه الرضى دونما قيد وشرط بأن يستمر على هذه الحالة الجليلة طيلة عمره لا أن يبدل تبديلا وينقض ما عاهد الله عليه ! وتبديلها وتغييره في دين الله أمر ثابت بالقطع واليقين دونما شك .
فلا أدري ما وجه حشره في عموم الآية ؟!
أما عمر بن الخطاب فإن الآية عنه أبعد وأبعد للوجوه السابقة .
والحمد لله رب العالمين
البرهان albrhan.org
تعليق