مما لا شك فيه ولا جدال ومما هو ثابت بالدليل والوجدان إن الجانب الحسي عند الإنسان دائما أو غالباً يترجح على الجانب العقلي ،ولذالك نلاحظ أن القضايا المحسوسة أكثر تأثيرا في نفوس البشر وأسهل عليهم للتفاعل معها، ومن اجل ذلك أشار المولى جلت قدرته إلى أهمية وضرورة التأسي والاقتداء بالصالحين من الأنبياء والمرسلين والأئمة الطاهرين(عليهم السلام) في تربية الأمة وتكاملها،فقال الله تبارك وتعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر) ، وقال عز وجل ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله). ومن اجل ذلك أيضا فان الله تبارك وتعالى جعل الأنبياء والمرسلين ومن يمثلهم من البشر ولم يجعلهم من الملائكة أو من غيره حتى لا يقول احد ويحتج بأنه ليس منهم ولا يستطيع أن يحذوا حذوهم ويسير بسنتهم ومما يدل على هذا قوله تعالى ( وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم ....)وقوله جلت قدرته (قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولا) .....الخ .
ولكي يكون التأسي والاتعاظ بالأنبياء والمرسلين والأئمة الطاهرين "عليهم السلام أجمعين" مثمراً ومنتجاً ومؤثراً ألبسهم الله تعالى ثوب العصمة واتصفوا بالكمالات الروحية والفضائل الأخلاقية ،وتحملوا ثقل المسؤولية والتزموا بها فأصبح كلٌ منهم مثلا وقدوة وقائداً أعلى للمسلمين وللبشرية جمعاء في كل زمان ومكان إلى يوم الدين.

ولكن مع هذا كله هنالك من يحاول إنكار عملية التأسي بالصالحين من خلال الادعاء بان التأسي بالأنبياء والمرسلين والأئمة المعصومين لا يجوز شرعاً وانه يعتبر انتقاصاً من مقام النبي أو الإمام لان فيه التساوي بين الإنسان الاعتيادي وبين النبي أو الإمام ،وكما يقولون بالعامية (احنه وين والنبي وين ) أو (احنه وين والإمام وين ) ، وما هذا إلا قصور في الفهم فالإنسان الذي يقول مثلاً :أنا أتأسى برسول الله هل هذا يعني انه يقول أنا رسول الله ؟؟!، أو أنا مثل رسول الله ؟! هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فان هذا الكلام يلزم منه التضاد في كلام المولى وهذا مستحيل فلا يعقل أن الشارع المقدس يدعو أو يأمر بحكمين متضادين ( جواز التأسي وعدم جوازه ) .
وكذلك فان من ضمن الأدلة التي اعتبرها الشارع المقدس حجة والتي اعتمد عليها الفقهاء في عملية استنباط الحكم الشرعي هي فعل المعصوم وتقريره وهذا ما يسمى بالدليل الشرعي غير اللفظي كما ذكر هذا السيد الشهيد محمد باقر الصدر "قدس سره" في كتابه (دروس في علم الأصول / الحلقة الأولى الصفحة 111) حيث قال : " .... فان أتى المعصوم بفعل دل على جوازه، وان تركه دل على عدم وجوبه وان أوقعه بعنوان كونه طاعة لله تعالى دل على المطلوبية ....، ويدخل ضمن ذلك تقرير المعصوم ، وهو السكوت منه عن تصرف يواجهه ، فأنه يدل على الإمضاء وإلا لكان على المعصوم أن يردع عنه فيستكشف من عدم الردع الإمضاء والارتضاء .
وإذا لاحظنا إلى القرآن الكريم نجد أن الكثير من الآيات الشريفة تتحدث عن أخبار وأحوال وأفعال الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) وأممهم الذين سبقوا نبينا الكريم محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأمته ولا يخفى على العاقل اللبيب أن من إحدى الغايات والأهداف التي أرادها الله تبارك وتعالى من هذا الشيء هو أخذ العضة والعبرة .
إذاً فمحاكات التأريخ والاستشهاد بسيرة الأنبياء والمرسلين والأئمة المعصومين(عليهم السلام) جائزة شرعاً بل أن الشارع المقدس قد أمرنا بأن نتأسى بنبينا الأقدس محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي هو سيد الكائنات والأنبياء والمرسلين وهذا التأسي ليس قياساً كما يتصور البعض .

<FONT color=#000000><FONT face="Times New Roman">وليس بغريب ولا بعجيب أن نجد البعض يتصور ويفهم أن التأسي بسيرة الأنبياء هو قياساً لأن هذا التصور والفهم الخاطئ قد عانى منه الأنبياء والمعصومين (عليهم السلام) وهو موجود على مدى التأريخ وهنا أذكر مثالاً واحداً يدل على جواز الأستنان بسيرة الأنبياء والمعصومين (عليهم السلام):- فحينما أصبح الإمام الجواد (عليه السلام) خليفة الله في خلقه وإماماً لهم وهو لم يزل حيث السن أثارة حداثة سنه استغراب بعض الناس وتشكيكهم ، الأمر الذي دعا الإمام الجواد (عليه السلام) إلى توضيح الأمر لهم