بسم الله الرحمان الرحيم
اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد و آل محمد عليهم السلام و آخر تابع له على ذلك
اللهم صل على محمد و آل محمد وعجل فرجهم في عافية منا وارحم أولياؤهم
آمين يارب العالمين
هزيمة ليست في الحُسبان
وقف أبو حنيفة ينتظر الإذن بالدخول،ولكن دون جدوى؛ غير أنّ النعمان يدرك أي نبع من العلم يتدفّق خلف الحُجرات، وأيّكوكب درّي يغمر بنوره ما بين الخافقين؛ لهذا وقف ينتظر بإصرار رغم حرارة الجوّ فيهذا القيظ اللاهب، وجاء رجال من الكوفة فدخلوا ودخل أبو حنيفة، واستقر المجلسبالوافدين.
حاول النّعمان أن يعدّل من جلسته، ولكنّه وجد نفسه يجلس كتلميذ فيحضرة معلّمه، ووجد نفسه ينظر مشدوهاً إلى رجل من آل محمّد صلّى الله عليهوآله.
تساءل عن بواعث هذه الهيبة التي تعتريه أمام الشيخ! لقد قابل الخلفاءَوالأمراء، وواجه المنصور.. فلم يشعر بقيد أُنملة من ذلك، تُرى من أين يستمد جعفركلَّ هذا الجلال ؟!
وكاد أبو حنيفة أن ينسى الأمر الذي جاء من أجله. هناك فيالكوفة مَن يشتم الصحابة، وهو لا يتحمّل ذلك أبداً.
لملم ثوبه متحفّزاً للحديث،وكان المجلس خاشعاً في حضرة الصدّيق جعفر عليه السّلام.
قال النّعمان بأدب:
ـيا ابن رسول الله، لو أرسلتَ إلى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب رسول الله،فإنّي تركت فيها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم!
قال الصدّيق:
ـ إنّهم لا يقبلونمنّي.
هتف النّعمان:
ـ ومَن لا يقبل منك وأنت ابن رسول الله ؟!
قال ابنمحمّد صلّى الله عليه وآله:
ـ أنت أوّلُهم؛ دخلتَ بغير إذني وجلست بغير أمريوتكلّمت بغير رأيي، وقد بلغني أنّك تقول بالقياس!
أجاب النعمان مؤكّداً:
ـنعم، أقول به.
ـ ويحك يا نعمان! أوّل من قاس إبليس حين أُمِرَ بالسجود لآدمفأبى، وقال: « خلقتَني من نارٍ وخلقتَه من طين ».
وبدا النّعمان متحفّزاً للدفاععن مذهبه.
سأل الصدّيق صاحبه وهو يحاوره:
ـ أيّهما أكبر يا نعمان: القتل أمالزنا ؟
ـ القتل.
ـ فلِمَ جعل الله في القتل شاهدين وفي الزنا أربعة ؟ أيُقاسلك هذا ؟
ـ لا.
ـ فأيّهما أكبر: البول أم المنيّ ؟
ـ البول.
ـ فلماذاأمر في البول بالوضوء وأمر في المني بالغُسل ؟ أيقاس لك هذا ؟
ـ لا.
ـ أيّهماأكبر: الصلاة أم الصوم ؟
ـ الصلاة.
ـ فلِمَ وجب على الحائض أن تقضيَ الصومولا تقضيَ الصلاة ؟ أيقاس ذلك ؟
ـ لا.
ـ فأيّهما أضعف: الرجل أم المرأة؟
ـ المرأة.
ـ فلِمَ جعل الله للرجلِ سهمَين في الميراث وللمرأة سهم ؟ أيقاسذلك ؟
ـ لا.
كانت الحقائق تُشرق، وكانت الأباطيل تتبدّد كضباب في ضوءالشمس.
الصمت يغمر المكان بالجلال.. دخل خادم يحمل طبقاً مليئاً بالرُّطب، ثمّأسرع بالخروج ليحضر الماء.
سأل الإمامُ صاحبه:
ـ وقد بلغني أنّك تقرأ آية منكتاب الله« ثمّلتُسأَلُنَّ يومئذٍ عن النعيم »وتقول: إنّه الرُّطب والماء البارد في اليوم الصائف.
ـنعم.
ـ لو دعاك رجل وأطعمك وسقاك ثمّ امتنّ عليك، ما كنتَ تنسب إليه ؟
أطرقالنعمان وقال مهزوماً:
ـ البخل.
تساءل الصدّيق:
ـ أفبخِلَ علينا ؟!
بدتملامح الحيرة على وجه النعمان فتساءل عن النعيم:
ـ فما هو إذن ؟!
ـ حبُّناأهلَ البيت.
وطافت في فضاء الحجر الطينية آية مفعمة بالجلال: « إنّما يُريد اللهُ لِيُذهبَ عنكمُالرجسَ أهلَ البيتِ ويُطهِّرَكم تطهيرا ».
وامتدت الأيدي إلى رُطب جَنيّ، وإلى مياه باردة، وقالرجل من أهل البيت وهو يرفع يديه حمداً:
ـ اللّهمّ هذا منك ومن رسولِك.
هتفالنّعمان ملدوغاً:
ـ يا أبا عبدالله، أجعلتَ مع الله شريكاً ؟!
وتمتم ابنرسول السماء بآية:
ـ« وما نَقَموا إلاّ أن أغناهمُ اللهُ ورسولُه من فضلِه ».
وشعر أبو حنيفة بدويّالانهيارات في أعماقه، إنّه في حضرة رجل ليس على وجه الأرض نظير له، وانبثق عزم فينفسه على أن يتتلمذ على يديه وينهل من فيض علمه، فالنعمان لم يزل في أوّل الطريق!
أخذ من رواية جعفر أيها الصديق لكمال السيد
تعليق