[FONT='Arial','sans-serif']
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
إنّ المتابع لحركة المجتمع الإسلامي ومفكريهم خاصة يلحظ لدى العموم منهم توجهاً مفاده أن الإسلام غير معني ببناء الدولة ، وإنما مسؤوليته تنحصر في إعداد الفرد المسلم إعداداً أخلاقياً حسب ، وحتى هذا الإعداد لا يتجاوز الحدود السلبية التي تخلق من الفرد المسلم شخصية مستسلمة خانعة لا دور لها في بناء الحياة ، بل عملها ينحصر بالاعتراف بعجزها وجهلها دون حركة منها تحاول من خلالها تجاوز سلبيتها إلى الحال الذي ينتشلها من هذا الوضع الذي سلب منها إنسانيتها .
لقد حاول الباحثون المعاصرون من المسلمين عموماً والشيعة خصوصاً وعملوا جادين على توهم هوّة بين وجهي الإسلام ؛ الروحي (النفسي) ، والحركي (الفعلي) ، حيث حاولوا بكل ما أوتوا من جهد تعطيل الوجه الحركي وصرف النظر عنه إلى الوجه الروحي مع التركيز عليه بسطحيةٍ أفقدته قيمته المرجوة منه . لقد أفقد هذا الفهم المروّج له المسلم القدرة على العمل لبناء دولة الدين . التي شكلت ميدان عمل الأنبياء والمرسلين والأوصياء(ع) وساحة جهادهم العلنية . فركن الناس إلى شبهة استحكمت في النفوس لتقادم الزمان وطول مرحلة الصراع الدائر بين من ينادي بحاكمية الله سبحانه ، وبين من ينادي بحاكمية الناس ، وهي سبيل أبناء العامة الذين استندوا في فهمهم هذا على ما ورثوه عن (أئمتهم وعلمائهم) ، ومن عجيب الامتحان الإلهي أن كتب الله سبحانه على الدعاة إلى سبيله أن يقتّلوا أو يشردوا أو يصلبوا وتكون الغلبة المادية لدعاة الباطل ، وبالمقابل تترسخ مبادئ الأنبياء والمرسلين والأوصياء(ع) على الرغم من كل التضحيات التي قد يدل ظاهرها على هزيمة مشروعهم (ع) ، ويفتتن الطغاة ومن درج على سبيلهم بالغلبة المادية.
ولطول الافتتان زمناً ولكثرة من انزلق في الفتنة استحكمت تلك الشبهة الباطلة ، واغترّ بها المغترون ، وعانى منها دعاة السبيل الإلهي في كل مراحل الدعوة للحاكمية معاناة قلّ عندها الثابتون على هذا السبيل ، غير أنّ دماء الثابتين على هذا السبيل صارت مناراً وعلائم دلّت السائرين إلى الله سبحانه على سبيله الحق . إنّ التصور الذي ساد لدى أوساط المثقفين عموماً ومفكري الإسلام المعاصرين خصوصاً من أنّ الله سبحانه لم يتعبّد العباد بأي مظهر من مظاهر الحاكمية وترك للناس حرية اختيار الحاكم ، دقّ إسفيناً بين العقيدة ـ بوصفها محتوى فكرياً موجهاً لحركة الإنسان ـ وبين حركة الإنسان بالحياة ، وراح المسلم خصوصاً والمتديّن عموماً يشعر بانفصام خطير بين محتواه الروحي الذي تأسس على الطاعة والتسليم للمبعوث من الله سبحانه ، وبين باعثه على الحركة والعمل في الحياة حيث وجد نفسه محكوماً بقوانين وضعية لا تمت إلى العقيدة الإلهية بصلة في غالب الأحيان ، بل أن مرتكزها الأساس هو مبني على تعطيل العقيدة الإلهية ؛ قال تعالى(وبئرٍ معطلةٍ وقصرٍ مشيد) ، وذلك من خلال تهميش الدين ووصمه بالجانبية ، فيطلب من العامل أن لا يستحضر جانبه العقائدي خلال حركته العملية ومن يفعل غير ذلك يوصم بالطائفية والتشجيع على بث الفرقة وتمزيق الوحدة الوطنية أو القومية ...الخ ، بل أنّ الفكر السلطوي لجأ إلى شبهة أخرى هي أشد خطورة من سابقتها ألا وهي ؛ إنّ الله سبحانه أودع في الإنسان حجته وهي (العقل) وهذا الذي أسموه عقلاً هو في واقعه (ظل العقل) وهو مجعول ممتحن فإن زكى استنار بنور الله سبحانه ، وإن تسافل في الظلمة صار (شيطنة نكراء) ، وتوهموا أنه قادر على قيادة سفينة الحياة إلى شاطئ الأمان ، ودارت عجلة التوجيه والعمل في هذا الميدان حتى صار من الثوابت لدى الإنسان المعاصر أن (ظل العقل) الذي هو آلة التفكير قادر على بناء حياة صالحة ، وهذا المدخل الخطير جاء بعد أن ضرب بين الناس وبين أحاديث أهل البيت(ع) بحجاب صارت الأحاديث الشريفة فيه مادة لتزجية الوقت فضلاً على كونها ـ لمن يصدقها ويميل قلبه نحوها ـ فرصة لعلماء الشيطان كي يستلبوه ويحولوه إلى آلة مطيعة تفعل ما يُملأ عليها ظناً منه أنه بذلك يمتثل خطاب أهل البيت(ع) وطاعته لهم(ع) لأنه أطاع ما صدر عنهم (ع) غير أنّ من يحصد ثمرة الطاعة هم العلماء غير العاملين الخونة الذين أضاعوا ما استؤمنوا فصاروا قطاع الطريق إلى الله سبحانه بدل من أن يكونوا أدلاء أمناء ، ومع استحكام هذه الشبهة في النفوس ينطفئ نور الله جل وعلا ويخبو الإحساس بأهمية حاكميته سبحانه فضلاً على كونها ضرورة من ضرورات الدين التي لا يستقيم من دونها .
إنّ تحول الدين إلى مؤسسة من مؤسسات المجتمع تجعله بالضرورة محكوماً بحركة المجتمع كيف ما تكون!!! ويكون ميدان عمله والحال تلك تكييف نفسه على وفق متطلبات المرحلة فهو يهادن ويشرع ويفتي على وفق ما يريد المجتمع ، ولذلك نلحظ أنّ فقهاء المسلمين وفقهاء الديانات السماوية الأخرى يشرّعون على وفق متطلبات المصلحة بغض النظر عن مخالفة هذه المصلحة للثوابت الإلهية ، وأصل هذه الثوابت هو الحاكمية التي فرّط بها أغلب علماء الأديان السماوية على الرغم من أنّهم يعلمون تمام العلم أنّ روح الدين هي الحاكمية وليست هذه الطقوس التي يعلـّمونها للناس ، وشاء الله سبحانه أن يحفظ هذه الأمانة بطائفة من الناس تشيّعوا لآل محمد(ص) طول هذه القرون الممتدة من غيبة الإمام الثاني عشر حتى يومنا هذا الذي بدأ فيه سواد كثير منها يقودهم الفقهاء غير العاملين بالتنصل عن العهد الذي قطعوه وهو الإيمان أنّ الدولة الكريمة التي ينتظرونها هي دولة الإمام(ع) وليست دولة المراجع أو السياسيين الذين باعوا كرامتهم للكافر المحتل بثمن بخس وذلك عندما آمنوا بحاكميته وسلـّوا سيوفهم على آل محمد(ص) عندما طالبوهم بالإيفاء بما قطعوه على أنفسهم ؛ أن لا يعطوا البيعة إلا لإمام الزمان(ع)!!!!!!! عندما بادروا إلى نداء الدجال الأكبر (أمريكا) ومن واحتضنوا مشروعها القائم على إجهاض حاكمية الله واستبدالها بحاكمية الشيطان(لع) إمعاناً في إذلال العباد واستغلال البلاد .
خلاصة القول ؛ إنّ جبلي النار(السلاح المتطور) ، والطعام(القوة الاقتصادية المتعاظمة) التي يقدم بهما الدجال عند دخوله من جبل سنام ـ بحسب رواية أهل البيت(ع) ـ افتتنت الناس وجعلتهم فسطاطين لا ثالث لهما ؛ فسطاط قاومها وعرض نفسه على جبل النار فكانت برداً وسلاماً وفوزاً عظيما ، وفسطاط فتن نفسه بجبل الطعام فصار مطية للمشروع الأمريكي(الدجال الأكبر) وسقط علماء الشيعة وفقهائهم غير العاملين في فخ الشيطان(لع) وتبعهم مقلديهم العميان فنصبوا أنفسهم حرباً ضروساً لقائم آل محمد ويمانيّهم الموعود(ع) ولأنصاره لا لبدعة في الدين ابتدعوها أو سنة غيّروها ، بل كان ولا يزال دليلهم القرآن والعترة الطاهرة(ع) ، بل وأحيوا فيهم سنـّة حاول أتباع الشيطان(لع) إماتتها على كل الصعد ، ولكن أنى لهم ذلك والله سبحانه يقول (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )(التوبة/33) ويقول (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً)(الفتح/28)
ويقول (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(الصف/9) ، لقد أذنت دولة الطاغوت بالانهيار وهاهو نور الدولة الإلهية قد بزغ وشكلت دماء الشهداء الطاهرة مفاتيحها ، وهاهو العذاب ـ آية القائم(ع) ـ يصبّ عليكم صبا ألا لعنة الله على الظالمين أمريكا(الدجال الأكبر) والسفياني وعبيدهما وسيعلم الذين ظلموا آل محمد أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين .