إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

أحاديث السحر للامام السيد موسى الصدر

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    الخلق (2) للامام السيد موسى الصدر

    بسم الله الرحمن الرحيم
    {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون.
    وجعلنا لكم فيها معايش ومَن لستم له برازقين. وإن من شيء إلاّ عندنا خزائنه
    وما ننزّله إلاّ بقدر معلوم}.
    الحجــر (الآيات: 19 - 21)
    تلفت نظري هذه الآيات أكثر من الآيات السابقة، لأنني عشت في فترة من
    الزمن مع هذه الآيات الثلاث بشكل متين وعملي جداً، ذلك أنني منذ مدة سنوات
    قرأت في كتاب مترجم باسم "العلم يدعو للإيمان"، قرأت بحثاً حول تنفّس الإنسان
    وتنفّس الأشجار. يقول الكتاب: إنّ الإنسان عندما يتنفّس يأخذ كميات من
    الأوكسيجين الموجودة في الجو، وعندما يرجع يقذف كميات من ثاني أوكسيد
    الكربون، وهذا الغاز مثل كثير من الغازات سامّ لا يصلح للإستنشاق والتنفّس،
    وكل إنسان مع كل مرة من التنفّس يأخذ كميات من الأوكسيجين فيستهلكها ويقذف
    ثاني أوكسيد الكربون.
    على ذلك، المليارات من البشر خلال آلاف من السنوات ومليارات من
    الحيوانات والحشرات والطيور والأسماك، كل هذه تأخذ أوكسيجين وتقذف بأوكسيد
    الكربون، ونحن نعرف أنّ كميات الأوكسيجين في الجو محدودة، لأننا عندما نخرج
    من الأرض ونبتعد عن الأرض، كل ما ابتعدنا تقلّ كميات الأوكسيجين في المناخ،
    مليارات من البشر والحيوانات خلال ألوف السنوات إستهلكوا الأوكسيجين وقذفوا
    ثاني أوكسيد الكربون.
    كيف بقيت الأوكسيجينات في الجو صالحة للإستنشاق وما تسمم الجو، رغم
    أننا إذا عشنا بعدد محدود من الناس في غرفة مسدودة الأبواب والمنافذ بعد فترة
    نتسمم، لأنّ الأوكسيجين في الغرفة يحترق ويُستهلك، وثاني أوكسيد الكربون
    يسمم.
    يقول الكتاب إنّ مقابل تنفّس الإنسان، هناك حركة معكوسة من الأشجار،
    فالأشجار تأخذ ثاني أوكسيد الكربون وتقذف أوكسيجين، أي تعيد الأوكسيجين في
    المناخ ما تغيرت إلاّ لأسباب طبيعية منذ أن اكتشف الإنسان أنّ حوالى 22.5
    بالمئة من الجو يتكون من الأوكسيجين ما تغير إلاّ في حدود قليلة جداً وطفيفة.
    وهذا يعني أنّ هناك توازناً عميقاً بين مقدار التنفّس الإنساني ومقدار تنفّس
    الحيوانات من جهة، وبين تبديل الأشجار لهذا الغاز ثاني أوكسيد الكربون الى
    الأوكسيجين من جهة أخرى.
    إذاً، جعل الله في الكون توازناً دقيقاً، ووضع في كفة كل البشر
    والحيوانات، وفي كفة أخرى كل الأشجار والنباتات حتى الأشجار الصغيرة والعشب
    القليل المتواضع الذي ننظر إليه، كل ذرة من الأعشاب، وكل عدد من الحشرات، وكل
    فرد من البشر أو الحيوانات موضوع في كفة مقابل كفة أخرى، سبحانه وتعالى هذا
    التوازن العميق المدروس أدهشني، فرجعت الى القرآن الكريم لكي أجد ضوءاً
    وبشارة وتأييداً واستنتاجاً تربوياً لهذه المعجزة الإلهية في الخلق، حتى إذا
    وصلت الى هذه الآيات فقرأتها واطمأن قلبي لما ورد في هذه الآيات، مما يلقي
    أضواء على هذه الحقيقة وغيرها من الحقائق، واكتشفت معنى جديداً في هذه الآيات
    فلنتلوها معاً: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {والأرض مددناها} أي جعلناها
    ممتدة. ولا تقصد الآية، نفي الكروية. فالتمديد لا يتنافى مع كروية الذات، كما
    هو الحال في واقع الكرة الأرضية، مددناها للتحرك، للزرع، للبناء، للإستثمار.
    {وألقينا فيها رواسي}، ما أجمل هذه الكلمات، وما أقرب موسيقاها على
    المسامع والقلوب، وألقينا فيها رواسي، أي الجبال، جعل الأرض ثم نقف عند هذه
    الكلمة: {وأنبتنا فيها من كل شيء موزون}. النبات في العالم موزون وزناً، فلكل
    ورقة، ولكل عشب، ولكل شجرة وزنة في هذه المجموعة الكثيرة من الأشجار كما
    أشرنا إليه. إذاً كميات النبات موزونة ومقدّرة. ويضيف القرآن الكريم: {وجعلنا
    لكم فيها معايش}، أيها الإنسان إنّ عيشك وحياتك في الأشجار، لأنّ الأشجار هي
    التي تقدّم الأوكسيجين. والحياة لك أيها الإنسان. وجعلنا أيضاً الى جانب
    الحياة بالتنفّس {ومَن لستم له برازقين}، أي الأشجار تعطي وتطعم الناس
    والحيوانات التي لا تطعمونها أنتم.
    ثم يستنتج القرآن الكريم من خلال هذه الآية المعجزة: {وإن من شيء إلاّ
    عندنا خزائنه}. نحن بإمكاننا أن نخلق كل شيء بالكميات الكبيرة التي نريدها،
    ولكن {وما ننزله إلاّ بقدر معلوم}، وهنا نصل الى حقيقة علمية في الكون، تلك
    الحقيقة التي هي مفطورة في نفوس العلماء الباحثين، إنهم يجدون أمراضاً،
    ويفتشون عن علاج، لأنهم يعرفون أنّ كل مرض في الكون له علاج في الكون أيضاً،
    فما على الإنسان إلاّ أن يفتش عن العلاج. وهكذا نجد أنّ العلم بقوانينه
    وأبحاثه واكتشافاته يؤكد أنّ النظام القاطع الثابت، يتحكم في الكون الذي
    نعيش، أي أنّ كل شيء في الكون من صغيرة أو كبيرة له أساس وقدر وتفاصيل سبحانه
    وتعالى.
    وصدق الله العظيم.

    تعليق


    • #32
      تفسير آية الاسراء للامام موسى الصدر

      بسم الله الرحمن الرحيم
      {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الأقصا الذي
      باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير}الإسـراء (1)

      وقبل أن نطرق البحث في هذه الآيات المباركة، علينا أن نشير الى نقاط مهمة
      أيضاً، رغم عدم إمكاننا الإحاطة الكاملة بكتاب الله وبآياته، ولكن ما لا يدرك
      كله لا يترك كله.
      أولاً: إنّ معجزة الإسراء العظيمة، وهي إرادة الله، وتشريفه لعبده، قد
      حصلت باسم عبده. والعبادة هي مصدر هذا الكمال، دون سائر الصفات البشرية،
      والصفات النبوية التي كان النبي يتحلى بها. فالعبادة معنىً تختلف عن
      العبودية، بل هي أقرب الى التحرر، وهي منتهى الكمال. ذلك أنّ العبادة هي في
      مصطلح الفقه: كل عمل حسن عند الله، يؤتى به بقصد التقرب الى الله.
      فالعبادة ذات ركنين: الأول، هو أن يكون العمل حسناً عند الله. وعندما
      نأخذ بعين الإعتبار مفهوم قوله تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء الى الله
      والله هو الغني} (فاطر: 15)، ندرك أنّ العمل الحسن عند الله، ليس هو ما ينفع
      الله، بل هو ما ينفع الخلق نفعاً حقيقياً. ينفع عامل ذلك العمل أو الآخرين،
      أو هما معاً. فالعمل الحسن عند الله، هو كل ما يرفع الإنسان، ويزيد في كماله
      الحقيقي والكمال الحقيقي للإنسان هو التقدم الذي يحرزه في إطاره الواقعي،
      بوصفه فرداً، أو بوصفه جزءاً من الجماعة، أو بوصفه موجوداً في هذا الكون
      الكبير. وهذا الكمال يحصل من خلال اتصاف الإنسان بصفات كمالية، كالعلم،
      والمعرفة، والرحمة، والعزة، والحب، والصدق، وغير ذلك من الأوصاف.
      أما الركن الثاني للعبادة، فهو قصد القربة الى الله. وإذا لاحظنا أنّ
      الله لا مكان له في رأي الإسلام، نعرف أنّ التقرب إليه ليس بالمكان، وكذلك
      عندما أدركنا أنّ الله، ليس كمثله شيء حسب الرأي القرآني، ندرك أيضاً أنّ أي
      مفهوم للقرب الى الله لا يمكن أن يخضع لاعتبارات الزمان، والشكل، والنسب.
      فالحقيقة، أنّ الأحاديث الشريفة أوضحت مفهوم القرب من الله، حيث أوردت
      لنا هذا التعليم المبارك، قائلة: {تخلّقوا بأخلاق الله}.
      لذلك، فإننا نفهم كلمة التقرب بمعنى التخلّق، لا التشابه، ولا التماثل.
      وعلى هذا، فمفهوم التقرب الى الله في العبادة، يعني أن يكون الدافع منها
      التخلّق بأخلاق الله. وأخلاق الله صفات معروفة، سامية، يُستثنى منها ما هو
      مختص بالذات الإلهية، ويقتبس منها الصفات الأخرى، من علم، ورحمة، وعدل، وعزة،
      وجمال، وغير ذلك..
      وهنا يلتقي ركنا العبادة، حيث أنّ العبادة عمل حسن عند الله وتصدر
      بدافع التقرب من الله. وهذا يعني أنّ العبادة، أي عبادة، خطوة في سبيل الكمال
      الإنساني. وهي في نفس الوقت، تحرر من الجمود والتخلف. فالعبادات كلها، هي
      وسيلة للغايات السامية، وهي تُبعد الإنسان عن الغرور، والأنانية، أو البخل،
      أو الجهل، أو الكسل، أو غير ذلك..
      فالعبادة تحرر الإنسان من القيود الحقيقية التي عاشها الإنسان المتخلف.
      ولنعد الى ذاكرتنا قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون}
      (الذاريات: 56) ونتذكر أنّ التفاسير الواردة عن الرسول الأكرم، تفسّر لنا أنّ
      معنى {ليعبدون} هو ليعرفون. يعني أنّ المعرفة سبيلها العبادة. وأنّ العبادة
      سبيل المعرفة.
      وبعد هذا البحث، نرى البعد التربوي الذي يستشمّ من هذه الكلمة
      المباركة، كلمة "عبده" في هذه الآية، وأنّ العبادة هي التي جعلت محمداً
      لائقاً بهذا التشريف الإلهي، وهو الإنتقال المعجز من المسجد الحرام الى
      المسجد الأقصى وما وراء ذلك من معاني العالمية والإنسانية الشاملة. ومن
      الطبيعي، أنّ عكس السبب يؤدي الى قلب النتائج. وبالتعبير الفلسفي "نفي العلة
      يؤدي الى نفي المعلول". وها نحن أمام ظاهرة الطغيان والكبرياء، ورفع العبادة
      بركنيها: الإساءة، ونية الإساءة. والنتائج، هي ما نشاهدها في الذين سكنوا
      واحتلوا المسجد الأقصى. والأبعاد البعيدة، وهي ليست ببعيدة لأعمالهم
      ولطغيانهم، ستكون الإنحسار والتقلص والعودة الى غطاء الأنانية الضيقة. والى
      هذه الحقيقة، تشير الآيات التي تلوناها في الحلقات السابقة، سيما هذه الجملة:
      {فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد، فجاسوا خلال
      الديار} (الإسراء: 5) وهذه الآية: {فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم
      وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبّروا ما علَوا تتبيراً} (الإسراء:
      7).
      وهذه الآية: {وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً} (الإسراء: 8)
      صدق الله العظيم.
      والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

      تعليق


      • #33
        تفسير آيات من سورة الاسراء للامام السيد موسى الصدر

        بسم الله الرحمن الرحيم
        {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونُخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً. إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً}الإسـراء (الآيتان: 13 -
        14)

        هذه الآية، التي هي من آيات المعاد، وفي القرآن الكريم عشرات الآيات تتحدث عن
        المعاد، بصورة دقيقة، تحتاج الى كثير من الدقة. نحاول أن نتحدث فيها في هذا
        الوقت المبارك مع المؤمنين المستمعين الأعزاء.
        أما أول الآية: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} تذكر الإنسان في
        سابق الزمن، حيث كان يعلّق على أعناق الإنسان المتهم ورقة تسمى بالطائر،
        فيكتب على هذه الورقة ما سبب اتهامه، أو تجريمه، أو تبرئته.
        يشبّه القرآن الكريم الإنسان مع نتائج أعماله، بالإنسان المتهم الذي
        يعلّق على عنقه طائره. والمقصود من ذلك، بدقة متناهية، أنّ الإنسان حينما
        يمارس أي عمل من الأعمال، من خير أو شر يسجل فوراً، وبنفس الوقت، في أقرب
        مكان من أماكنه، في عنقه، في كتفه، في قلبه، ولا ينتظر مرور زمان، أو وفاة
        إنسان، أو في مكان آخر غير جسم الإنسان، حتى يُكتب فيه.
        من الطبيعي أننا نتساءل كيف يُكتب؟ وفي أي ورقة يُكتب؟ وبأي لغة يُكتب
        عمل الإنسان؟
        نحب أن نذكر هنا مثلاً بسيطاً: حينما نحن نرى رياضياً بطلاً، نجد أنّ
        الرياضة والتدريب مكتوبان على عضلاته. بأي لغة كتبت الرياضة والتدريب على
        عضلات هذا الرجل؟
        وحينما نجد يد الفلاح، وآثار التعب والكدّ عليه، نرى أنه كُتب على يده
        أثر التعب.
        وهكذا، إذا وجدنا أي أثر كوني على وجود الإنسان وجسد الإنسان.
        وهكذا، يريد القرآن الكريم أن يقول: إنّ أي عمل يصدر من الإنسان ليس
        هذا العمل مفصولاً عنا، وإنما يكون جزءاً وأثراً حقيقياً في حياتنا من خير أو
        شر.
        ومن الآيات القرآنية، يُستفاد هذا المعنى بصورة واضحة، مثلاً في آية
        أخرى نقرأ، يوم القيامة: {لقد كنت في غلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك
        اليوم حديد} (ق: 22).
        ومعنى ذلك، أنّ جزاء الإنسان ونتائج أعمال الإنسان كانت مسجلة، وكانت
        أموراً واقعية مرتبطة بالإنسان، ولكن الإنسان ما كان يشعر بذلك. ولنزد من
        الأمثلة في توضيح ذلك. الطالب الذي يسقط في الإمتحانات، أو الرياضي الذي ينجح
        في ميدان البطولة والمصارعة. نجاح المصارع، وسقوط الطالب، يوم المباريات ويوم
        الإمتحانات، يظهران. أما السقوط الحقيقي للطالب، فهو سقوطه خلال أيام
        الدراسة، في الليلة التي لم يستعد، وفي الساعة التي لم يستمع، وفي اليوم الذي
        لم يتعب، سقط في نفس الوقت. ولكن سقوطه انكشف يوم المسابقات. وهكذا المصارع
        والبطل، نجح يوم تدريبه. ولكن كان تدريبه ونجاحه مجهولين لدى الناس، إنكشف
        نجاحه يوم المسابقة.
        وهكذا الإنسان، سعادة الإنسان، وشقاء الإنسان، يوم القيامة ينكشفان
        وليس يتحققان يوم القيامة.
        وهذا المفهوم أيضاً، يظهر من الآية القرآنية الأخرى التي تؤكد أنّ
        الإنسان يجد كل ما عمل حاضراً لديه يوم القيامة.
        وبناءاً على ذلك، بإمكاننا أن نستشف من هذه الآيات الكريمة وضع المعاد
        والمحاسبات البشرية. فعند الإنسان المجازاة، تختلف نوعاً وشكلاً عن الجريمة،
        والتقدير يختلف نوعاً وشكلاً عن العمل البار الحسن. ولكن عند الله، العمل
        يتناسب مع الجزاء. وبتعبير آخر: العمل يتبلور بصورة الجزاء. فالإنسان يجزى
        ويجازى بنفس عمله.
        يقول القرآن الكريم: {يوم تجزى كل نفس ما عملت}. ألفت النظر الى هذه
        الكلمة، وليس جزاء ما عملت {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً} (آل
        عمران: 30). وهذا يعني أنّ الإنسان كل خطوة يقوم بها، وكل كلمة تصدر عن لسان
        الإنسان، وكل موقف يقفه، يشكّل جزءاً من مصير الإنسان ومستقبل الإنسان.
        وبإمكاننا أن نذكر مثالاً آخر، توضيحاً للموضوع: إنّ الإنسان أشبه شيء
        بالفنان. فكما أنّ الفنان يرسم لوحة، وهذه اللوحة تتكون من آلاف من الريشات
        التي يستعملها الإنسان خلال أيام رسمه لهذه اللوحة. فكل ريشة يحركها الإنسان
        على هذه اللوحة تؤثر في واقع هذه اللوحة. واللوحة بالنتيجة ما هي إلاّ مجموعة
        هذه الريشات المستعملة.
        بإمكاننا أن نقول: إنّ مصير الإنسان، مستقبل الإنسان، في هذه الحياة،
        ومصير الإنسان، ومستقبل الإنسان، وبعد نهاية حياة الإنسان، ليس إلاّ مجموعة
        أعمال الإنسان من خير أو شر.
        فنحن مع كل عمل صالح نجزى فوراً، ولكن لا نرى جزاء عملنا، وإنما يتكون
        هذا العمل الى جانب سائر الأعمال من مجموعة هذه الأعمال، تتكون لوحة حياتنا،
        وصورة مستقبلنا.
        فكل عمل صالح أو غير صالح، يجزى الإنسان به فور عمله. تماماً كما أنّ
        الإنسان حينما يصدر عنه عمل يُكتب في عنقه، أو يُكتب في كتفه، أو يُكتب في
        كتاب الله.
        وفي الآيات المباركات القرآنية، أيضاً نجد أنّ في يوم القيامة، تشهد
        جلود الإنسان، وأيدي الإنسان، وأرجل الإنسان، ومعنى شهادة هؤلاء، بإمكاننا أن
        نذكر أمثلة، كالمسجلة، وكالأفلام، وكالصور التي تشهد بالحقائق. تنعكس حقيقة
        الأعمال على يد الإنسان، وقدم الإنسان، وجلد الإنسان. وإذا قلنا لجلودنا:
        {لِمَ شهدتم علينا، قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} (فصّلت: 21). فمن
        السهل جداً، حينما نرى أنّ شريطاً ينطق ويعبر، ويعكس كل ما قلناه. فبإمكان
        الجلد أن يعبر، وينطق ويعكس كل ما حصل من الإنسان في أيام حياته.
        أمام هذه المعلومات التي حصلت لنا، وأمام هذه الأمثلة بإمكاننا بوضوح
        أن نعرف أنّ حياة الإنسان أشبه شيء بمؤسسة تأخذ أفلاماً وصوراً وأصداء من
        حياة الإنسان، لا للمحاسبة والعذاب، بل لرفع مستوى شأن الإنسان، وشعور
        الإنسان بأنه ما خُلق سدى، وأنه لا يهدر عمله وقوله، بل أمام كل عمل صالح له
        نتائج. والعمل غير الصالح أيضاً له نتائج سيئة، هو مسؤول عنها.
        فنسأل الله أن يجعلنا واعين مدركين لأبعاد وجودنا، ولأبعاد عملنا
        الخير، وعملنا غير الخير، فنتحمل مسؤوليتهما، ونلتزم، ونغتنم حياتنا لصرفها
        فيما هو أفضل. ولكي نجد عملنا الخير أمامنا مجسّداً يوم القيامة.
        سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

        تعليق


        • #34
          تفسير قوله تعالى : اقترب للناس حسابهم للامام السيد موسى الصدر

          بسم الله الرحمن الرحيم
          {إقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون} (1).
          {وما أرسلنا قبلك إلاّ رجالاً نوحي إليهم فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا
          تعلمون. وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين} (7-8).
          {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين. لو أردنا أن نتخذ لهواً
          لاتخذناه من لدنّا إن كنا فاعلين. بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو
          زاهق ولكم الويل مما تصفون} (16-17-18).
          {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تُظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال
          حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} (47) سورة الأنبيـاء

          .. من الملاحظ أنّ هذه السورة التي خُصّصت باسم الأنبياء، وهي عرض موجز
          لنشاطات الأنبياء، تبدأ هذه السورة بأمر المسؤولية والمحاسبة الإلهية عندما
          تقول السورة {إقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون}.
          إذاً، حتى الأنبياء الذين تتحدث عنهم هذه السورة المباركة مسؤولون، ليس
          هناك خارج المسؤولية أحد، بل المسؤولية دقيقة جداً والآيات الواردة في هذه
          السورة، كثير منها تتحدث عن المسؤولية، مثلاً في هذه السورة نقرأ هذه الآيات
          المباركة: {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين، لو أردنا أن نتخذ
          لهواً لاتخذناه من لدنّا إن كنا فاعلين، بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه
          فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون}.
          ونقرأ أيضاً في هذه السورة المباركة هذه الآية الكريمة المعجزة
          المدوية: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تُظلم نفس شيئاً وإن كان
          مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين}.
          إذاً، حتى الأنبياء هم ضمن المسؤولية الإلهية، فالمسؤولية كما تحدثنا
          تعادل الأمانة الإلهية التي أعطاها الله لأي إنسان من علم أو مال أو معرفة أو
          إمكانات. والملاحظ لتأكيد المسؤولية ولإيضاح صورة القيادة، أنّ القرآن الكريم
          في هذه السورة يحاول أن يؤكد على إنسانية الأنبياء، إنهم ليسوا آلهة، ولا
          أنصاف آلهة، إنهم بشر مسؤولون، بذلوا جهدهم وقاموا بمسؤولياتهم واتقوا الله،
          وبالتالي وصلوا الى مقام النبوة. لأنّ الإنسان كان بحاجة الى نبي فكان قلبهم
          منطلقاً ومرآة صافية لقبول وحي الله (سبحانه وتعالى). من أجل هذا المبدأ يؤكد
          القرآن في هذه السورة على هذه الآيات: {وما أرسلنا قبلك إلاّ رجالاً نوحي
          إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، وما جعلناهم جسداً لا يأكلون
          الطعام وما كانوا خالدين}. إذاً يا محمد كل مَن أُرسل من قبلك كان من الناس،
          من البشر. ما كانوا خارج الصفات البشرية، بل كان لهم أجساد، وكانوا يأكلون
          الطعام، وكانوا يمشون في الأسواق.
          إذاً، كان النبي إنساناً ككل إنسان في حياته، في ولادته، في حاجاته، في
          ضعفه، في قوّته، في مشاعره، في أحاسيسه، ومع ذلك بلغ مقام القيادة والنبوة.
          وهذا المفهوم هو مفهوم تكريس القيادات ورفض الزعامات. لا يمكن للإنسان الذي
          لا يمارس مسؤوليته، ولا يقوم بعمله، ولا يعدّ نفسه أحد الناس، أن يكون قائداً
          لأمّة، أو نبياً لملّة، بل هو إنسان يبشّر بالدعوة وبالرسالة بلسانه، ويبشّر
          بالدعوة وبالرسالة بعمله. إنه أحد الناس، أنعم الله عليه بالتقوى وبالعصمة
          فبلغ درجة كاملة من الإنسانية. إختاره الله للوحي.
          إذاً، النبـي، أو كل قائد مسؤول، لأنه واعٍ ولأنّ لديه أمانة الله، وهو
          إنسان فلا يمكن لأتباعه أن يقولوا إننا لو كنا مثل النبي لعملنا. كلا، إنهم
          مثله تماماً، فقد عمل النبي فعليهم أن يعملوا دون اعتذار.
          ويحاول القرآن الكريم في أماكن عديدة أن يؤكد على إنسانية الأنبياء.
          والقرآن يحتوي على مواضيع عدة تلوم النبي، وتؤدّبه، وتوبّخه، وتذكّره،
          وتنصحه، وتطلب منه قضايا وأموراً تربوية متعددة. والنبي محمد (عليه الصلاة
          والسلام) ينقل هذه المعاتبات وهذه التوبيخات وهذه التربيات، ينقلها جميعها
          للناس، تأكيداً على إنسانيته.
          وفي مكان آخر من القرآن الكريم يؤكد القرآن على أنه كان، أي محمد، كان
          يتيماً فآواه الله فعليه أن يتحمل مسؤوليته تجاه الأيتام لأنه شعر بمرارة
          اليتم. وكان جاهلاً فعلّمه الله، فعليه أن يحس بآلام الناس، آلام الجهّال.
          وكان فقيراً فأغناه الله، فعليه أن يحس بآلام الفقراء.
          وهذا أيضاً جزء من مفهوم القيادة، أنّ القائد هو الذي يحس بآلام الناس.
          ولو افترضنا أنّ قائداً لم يكن فقيراً أو جاهلاً أو يتيماً، فمع ذلك فهو قائد
          للناس.
          هذا القرآن الكريم يربيه بسورة أخرى، ويذكّره، بأنك لم تكن يتيماً ولكن
          ألا تخشى أن يكون أولادك أيتاماً؟ أي أن تموت، وذلك في قوله تعالى: {وليخشَ
          الذين لو تركوا مَن خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا
          قولاً سديداً} (النساء: 9).
          وهكذا، يحاول القرآن الكريم أن يبيّن للإنسان، وأن يثير مشاعره، عندما
          يفكر في يتم أولاده، فيجنح ويحس بآلام الأيتام والمعذبين.
          هذه الآية تضع أسس القيادة الصحيحة، وتنفي عدم مسؤولية القادة، وتؤكد
          على أنهم كانوا بشراً وبجهدهم وسعيهم وصلوا الى درجة استحقوا وحي الله. وفي
          الآية أبحاث أخرى حول المسؤولية، نسأل الله أن نكون واعين لمسؤولياتنا، كل
          حسب إمكاناته، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول، على حد تعبير الحديث الشريف.
          والسلام عليكم.

          تعليق


          • #35
            شكراً )))))))))))))))))))))))) اتحفتنا يا شيخ )))

            شكراً جزيلاً لك مولانا الشيخ على المشاركة ووضعنا مجدداً في أجواء رمضانيات الامام القائد السيد موسى الصدر أعاده الله ورفيقيه.

            تعليق


            • #36
              من تفسير سورة يس (1) للامام السيد موسى الصدر

              بسم الله الرحمن الرحيم
              سوف أقف مع المستمعين الأعزاء، أمام هذه الآية المعجزة:
              {سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تُنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا
              يعلمون}يـس (36)

              في القرآن الكريم، يلتقي الإنسان بآيات تدهش العقل، لما لها من أفكار،
              ومعانٍ، وحتى معلومات تسبق الزمن، فعندما نلاحظ معنى الآية: التسبيح
              والتنزيه، وعدم النقص في الخالق الذي خلق الأزواج. من الطبيعي والمعروف أنّ
              للبشر أزواجاً، الذكر والأنثى. وكذلك في الحيوانات أزواج.
              وقد كان الإنسان يعرف من قديم الزمن بعض الأزواج في النباتات، فكانوا
              يعرفون أنّ النخيل له ذكر وأنثى. وكانوا يستعملون التأبير. أما في بقية
              النباتات، وفي بقية الموجودات، فلم يكن يعلم أحد أنّ هناك أزواجاً، فالعلم لم
              يكن قد وصل الى ما وصل إليه اليوم، وهو أنّ في كل شيء، وفي كل نوع من أنواع
              الموجودات، إنساناً كان أم حيواناً أو نباتاً، كل نبات وحتى في الأجسام، وفي
              الموجودات غير الحية، وحتى في الهواء، والرياح، والصواعق والقوى، والطاقات،
              الموجودة في الكون، فيها كلها أزواج.
              هذه الآية تقول: {سبحان الذي خلق الأزواج كلها}، ثم فصّلت الآية
              الأزواج موجودة {مما تُنبت الأرض} يعني من كل شيء تُنبته الأرض، نجد فيه
              أزواجاً، ففي النخيل معروف ولكن نحن نعرف أنّ الموجودات النباتية الأخرى،
              الورود، الفواكه، فيها ذكر وأنثى. في بعض الأشجار، الذكر والأنثى مختلفان
              متفرقان. فهناك نبات ذكر وهناك نبات أنثى. وفي بعض النباتات الذكر والأنثى
              يجتمعان في وردة واحدة، ويتزاوجان، فتتكون النواة، ثم تتحول الى البذور أو
              الى الفواكه.
              إذاً، في جميع النباتات يوجد الزوجان. والزوجان هما السبب لبقاء
              النبات، وجنس النبات، ونوع النبات على وجه الأرض. إذاً، في كل ما تُنبت الأرض
              خلق الله الأزواج {ومن أنفسهم} إذا كان المقصود بالأنفس البشر، كما هو
              الظاهر. فهنا الأمر واضح {ومما لا يعلمون} أي من كل شيء لا يعلمون أصله، أو
              تزاوجه. وهنا نصل الى ما اكتشفه العلم، حول الذرة، وما في الذرة من الطاقات
              السالبة والموجبة. وتزاوج الطاقات السالبة والموجبة هو المكوّن للمادة. وفي
              الصواعق، وفي الكهرباء، وفي الموجودات الأخرى التي تتكوّن من الذرات، ومن
              الطاقات. نجد هذا التزاوج قائماً.
              والحقيقة، أنّ معنى الأزواج يتخطى نطاق الذكورة والأنوثة في الطاقات،
              وفي المواد. والقرآن الكريم لا يقف عند كلمة الذكورة والأنوثة، وإنما يتحدث
              عن معنى الأزواج. فإذا قلنا إنّ الأزواج، ذكر وأنثى، يصح أن نقول إنّ الأزواج
              أيضاً سالب وموجب. وعند ذلك ننتقل الى المعنويات الموجودة في العالم.
              والأحاسيس المتقابلة في البشر، التي تتجاوز نطاق الذكر والأنثى، فهناك
              الفاعلية والإنفعالية في الأخلاق. وهناك القيادة والإنقياد في الموجودات وفي
              البشر. وهناك العطاء والأخذ في كل شيء.
              هذا التركيب الإزدواجي الثابت في جميع الموجودات، أمر معروف علماً
              وفلسفة وتجربة. والغريب أنّ هذه الآية القرآنية مثل بقية القرآن الكريم، قد
              نزلت قبل قرون وقرون، وقبل مئات السنوات من تاريخ اكتشاف هذه الآراء، وهذه
              المعلومات.
              وهنا نقف بخشوع وبإيمان أمام هذه الآية الكريمة، لكي تُثبت لنا من جديد
              أنّ القرآن الكريم كتاب الله، وأنه معجزة من الله، وتوجيه منه، لكي نتنبّه
              ونتأكد أنّ خالق الدين، الذي هو خالق الكون، وأنّ الدين تصحيح علاقات الإنسان
              مع الكون، وأنّ الله هو وحده الذي يتمكن من التشريع، لأنه وحده المطّلع
              بالحقيقة الكاملة للإنسان، وبالحقيقة الكاملة للموجودات.
              والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

              تعليق


              • #37
                من تفسير سورة يس (2) عن الخلق للامام السيد موسى الصدر

                بسم الله الرحمن الرحيم
                {وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال مَن يحيي العظام وهي رميم. قل يحييها
                الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم. الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً
                فإذا أنتم منه توقدون}يــس (78 - 80)

                هذه الآيات الواردة في سورة "يس" تجيب عن سؤال يوجه الى الفكر الديني
                المتفق عليه الذي يؤمن بعودة الإنسان للحساب، هذا السؤال الخالد أو هذا
                التساؤل المقترن بالإنكار يقول إننا حينما نرجع لقبر الإنسان بعد موته فترة
                من الزمن نجد أنّ اللحم والأعصاب وجميع ما في جسد الإنسان قد انتهى وبقي
                العظم. والعظم أيضاً أصبح رميماً وتراباً فكيف يمكن أن تعود هذه العظام وهذا
                الرميم بصورة الإنسان فيعود من جديد إنساناً يحاسب يوم القيامة؟ ومن الممكن
                أن يضيف الى هذا السؤال سؤالاً أعقد فنقول حتى العظام الرميم لا تبقى فإننا
                حينما نرجع الى مقابر الفينيقيين مثلاً أو مقابر القدامى من الناس نجد أنّ
                مقابرهم فارغة حتى من التراب وبطبيعة الحال الإنسان بعد فترة من الزمن حتى
                العظام التي تحولت الى رميم لا تبقى بحالتها، فالرميم والتراب ينتشر في أرجاء
                الأرض بواسطة الرياح، وتتحول الى الأرض الزراعية، وتدخل الى البحار، وتنتقل
                الى الجبال وتنتشر في أرجاء الأرض، كيف يمكن عودة هذه الأتربة المنتشرة في
                أرجاء الأرض والمتحولة الى البحر والى الجبل والى الأشجار عودتها جميعاً
                وتكوين إنسان واحد من هذه للمحاسبة؟
                يقول القرآن الكريم: {وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال مَن يحيي العظام
                وهي رميم} فيجيب تلميحاً أولاً حينما يقول: {ونسي خلقه} وتفصيلاً في الآية
                الثانية حينما يقول: {قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم}.
                فيجيب عن التساؤل المقترن بالإنكار أنّ الله الذي خلق الإنسان لأول مرة،
                وخَلْق الإنسان للمرة الأولى أيضاً خلقٌ صعب، وجمع للشتات المنتشرة في أرجاء
                العالم.
                وتوضيح ذلك: أنّ كل واحد منا إذا فتش عن جسمه وعن بدنه، يرى أنّ جسمه
                يتألف من كميات من الأتربة المنتشرة في أرجاء الأرض، وذلك لأننا نربي أجسامنا
                بالأغذية والأشربة ومختلف مواد التغذية. وإذا لاحظنا أكلنا اليومي فنرى أنّ
                السكر مثلاً جاء من أقطار الأرض، والسكر في الأساس كان كمية من تراب الأرض
                دخلت في المصانع الإلهية التي نسميها بالنباتات، فتحولت الى المواد، التي
                تحولت بدورها الى السكر. فالسكر كمية من تراب الأرض من مناطق بعيدة تبتعد عنا
                آلاف الأميال. والشاي والخبز، وهكذا جميع المأكولات، هي في الحقيقة هذه
                المأكولات كميات من أتربة الأرض من مناطق مختلفة، أصبحت بشكل الغذاء، وقُدّم
                لنا، وأصبح جزءاً من جسدنا.
                واللحوم أيضاً قطع من أجساد الخرفان التي هي بدورها رعت في مناطق
                مختلفة فتحولت كميات من تراب الأرض الى الأعشاب ومواد التغذية المختلفة، فأكل
                منها الخروف، وأصبحت هذه المواد جزءاً من جسده، ثم تتحول الى لحم لتغذية
                الإنسان. وهكذا المياه التي نشرب، والأشربة التي نستعملها في حياتنا.
                فإذا لاحظنا أنّ الإنسان، أي إنسان، يتكوّن في المرحلة الأولى من
                مجموعة من الأتربة المنتشرة في أرجاء الأرض، والتي تحولت الى المواد الغذائية
                فاجتمعت وكوّنت إنساناً، هذا في البدء، فلا غرو إذا تفرّقت عظام الإنسان
                وتحوّل الى أتربة، ثم انتشرت الأتربة في أرجاء الأرض فلا غرو إذا جمعها الله
                ثانية وحوّلها الى موجود واحد. والبداية أصعب من التجديد. وهكذا، يجيب القرآن
                الكريم على هذا السؤال بلسان هو لفت نظر الإنسان الى خلقه قائلاً له: أنسيت
                خلقك وتسأل وتوجّه هذا السؤال؟
                ومن هنا ننطلق لكي نفهم معنىً جديداً للآيات التي تؤكد أنّ الإنسان
                خُلق من تراب. فمعنى ذلك لا أنّ الإنسان خُلق في الأساس من تراب فحسب، بل
                معنى آخر أنّ الإنسان، أي إنسان، في الحالة الحاضرة هو وليد المواد الغذائية
                التي يأكلها، أو الأشربة التي يشربها، وجميع هذه الموجودات من مختلف مناطق
                الأرض. فإذاً كل إنسان من تراب. والمقصود في تركيز القرآن الكريم على أنّ
                الإنسان خُلق من تراب تهذيب الإنسان، وإلفات نظر الإنسان بأنه خُلق من تراب
                الأرض لكي لا يطغى ولا يتكبر، ويشعر بأنه في الأساس كان من التراب وسيعود الى
                التراب، وإنما عظمته بتفكيره وبعزمه وبعلمه، وهذه أمانات الله التي أُعطيت
                للإنسان لكي يؤدي رسالة ويوصل أمانة.
                والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

                تعليق


                • #38
                  وكل عام وأنتم بخير

                  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                  وبهذا المجموعة القيمة من محاضرات التفسير للامام السيد موسى الصدر نكتفي معكم هذا العام ، وندعوا الله تعالى أن يكشف الغم عن هذه الامة بحق محمد وآله الائمة .وأن يأتنا شهر رمضان القادم وقد انكشفت خفايا جريمة إخفائه التي حصلت في شهر رمضان أيضا ، وبمناسبة حلول عيد الفطر المبارك نقول لكم جميعا
                  كل عام وانتم بخير

                  تعليق


                  • #39
                    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                    الاخوة والاخوات الكرام
                    لقد فاتنا في هذا الموضوع ما كنا قد كتبناه في العام الماضي وانشاء الله نتمكن من اعادتهم في هذا الشهر . ومبارك هذا الشهر القادم عليكم جميعا

                    تعليق


                    • #40
                      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                      نعيد تثبيت هذا الموضوع في هذا العام استجابة لطلبات وردت بهذا الخصوص أملا في الاستفادة ومبارك الشهر القادم على جميع المؤمنين

                      تعليق


                      • #41
                        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                        من رغب بالاستماع الى هذه الاحاديث بصوت الامام موسى الصدر فيمكنه الدخول الى هذا الرابط الذي يحتوي على التسجيلات الصوتية المختلفة للامام موسى الصدر والذي تم افتتاحه هذا اليوم
                        http://www.shiitecouncil.com/sounds/...php?shareet=13

                        تعليق


                        • #42
                          الشعب اشتاق ابا صدري
                          لمواسم عينيك الخضرِِِ

                          تعليق


                          • #43
                            السلام عليكم
                            الهم صلي على محمدوآل محمد
                            مشكور ورحم الله والديك

                            تعليق


                            • #44
                              بسم الله الرحمن الرحيم

                              بارك الله بكم شيخنا الجليل وكثّر من امثالكم ممن يخدم المذهب

                              تحياتي لكم ولجميع الموالين

                              تعليق


                              • #45
                                بسم الله الرحمن الرحيم

                                مأجورين ان شاء الله

                                وفقنا الله وإياكم وجميع المؤمنين والمؤمنات لأحياء الليالي المباركه من هذه الشهور العظيمه..
                                مأجورين ان شاء الله شيخنا الفاضل...
                                وفقكم الله لكل خير

                                عمري ياعراق

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                يعمل...
                                X