الخلق (2) للامام السيد موسى الصدر
بسم الله الرحمن الرحيم
{والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون.
وجعلنا لكم فيها معايش ومَن لستم له برازقين. وإن من شيء إلاّ عندنا خزائنه
وما ننزّله إلاّ بقدر معلوم}.
الحجــر (الآيات: 19 - 21)
تلفت نظري هذه الآيات أكثر من الآيات السابقة، لأنني عشت في فترة من
الزمن مع هذه الآيات الثلاث بشكل متين وعملي جداً، ذلك أنني منذ مدة سنوات
قرأت في كتاب مترجم باسم "العلم يدعو للإيمان"، قرأت بحثاً حول تنفّس الإنسان
وتنفّس الأشجار. يقول الكتاب: إنّ الإنسان عندما يتنفّس يأخذ كميات من
الأوكسيجين الموجودة في الجو، وعندما يرجع يقذف كميات من ثاني أوكسيد
الكربون، وهذا الغاز مثل كثير من الغازات سامّ لا يصلح للإستنشاق والتنفّس،
وكل إنسان مع كل مرة من التنفّس يأخذ كميات من الأوكسيجين فيستهلكها ويقذف
ثاني أوكسيد الكربون.
على ذلك، المليارات من البشر خلال آلاف من السنوات ومليارات من
الحيوانات والحشرات والطيور والأسماك، كل هذه تأخذ أوكسيجين وتقذف بأوكسيد
الكربون، ونحن نعرف أنّ كميات الأوكسيجين في الجو محدودة، لأننا عندما نخرج
من الأرض ونبتعد عن الأرض، كل ما ابتعدنا تقلّ كميات الأوكسيجين في المناخ،
مليارات من البشر والحيوانات خلال ألوف السنوات إستهلكوا الأوكسيجين وقذفوا
ثاني أوكسيد الكربون.
كيف بقيت الأوكسيجينات في الجو صالحة للإستنشاق وما تسمم الجو، رغم
أننا إذا عشنا بعدد محدود من الناس في غرفة مسدودة الأبواب والمنافذ بعد فترة
نتسمم، لأنّ الأوكسيجين في الغرفة يحترق ويُستهلك، وثاني أوكسيد الكربون
يسمم.
يقول الكتاب إنّ مقابل تنفّس الإنسان، هناك حركة معكوسة من الأشجار،
فالأشجار تأخذ ثاني أوكسيد الكربون وتقذف أوكسيجين، أي تعيد الأوكسيجين في
المناخ ما تغيرت إلاّ لأسباب طبيعية منذ أن اكتشف الإنسان أنّ حوالى 22.5
بالمئة من الجو يتكون من الأوكسيجين ما تغير إلاّ في حدود قليلة جداً وطفيفة.
وهذا يعني أنّ هناك توازناً عميقاً بين مقدار التنفّس الإنساني ومقدار تنفّس
الحيوانات من جهة، وبين تبديل الأشجار لهذا الغاز ثاني أوكسيد الكربون الى
الأوكسيجين من جهة أخرى.
إذاً، جعل الله في الكون توازناً دقيقاً، ووضع في كفة كل البشر
والحيوانات، وفي كفة أخرى كل الأشجار والنباتات حتى الأشجار الصغيرة والعشب
القليل المتواضع الذي ننظر إليه، كل ذرة من الأعشاب، وكل عدد من الحشرات، وكل
فرد من البشر أو الحيوانات موضوع في كفة مقابل كفة أخرى، سبحانه وتعالى هذا
التوازن العميق المدروس أدهشني، فرجعت الى القرآن الكريم لكي أجد ضوءاً
وبشارة وتأييداً واستنتاجاً تربوياً لهذه المعجزة الإلهية في الخلق، حتى إذا
وصلت الى هذه الآيات فقرأتها واطمأن قلبي لما ورد في هذه الآيات، مما يلقي
أضواء على هذه الحقيقة وغيرها من الحقائق، واكتشفت معنى جديداً في هذه الآيات
فلنتلوها معاً: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {والأرض مددناها} أي جعلناها
ممتدة. ولا تقصد الآية، نفي الكروية. فالتمديد لا يتنافى مع كروية الذات، كما
هو الحال في واقع الكرة الأرضية، مددناها للتحرك، للزرع، للبناء، للإستثمار.
{وألقينا فيها رواسي}، ما أجمل هذه الكلمات، وما أقرب موسيقاها على
المسامع والقلوب، وألقينا فيها رواسي، أي الجبال، جعل الأرض ثم نقف عند هذه
الكلمة: {وأنبتنا فيها من كل شيء موزون}. النبات في العالم موزون وزناً، فلكل
ورقة، ولكل عشب، ولكل شجرة وزنة في هذه المجموعة الكثيرة من الأشجار كما
أشرنا إليه. إذاً كميات النبات موزونة ومقدّرة. ويضيف القرآن الكريم: {وجعلنا
لكم فيها معايش}، أيها الإنسان إنّ عيشك وحياتك في الأشجار، لأنّ الأشجار هي
التي تقدّم الأوكسيجين. والحياة لك أيها الإنسان. وجعلنا أيضاً الى جانب
الحياة بالتنفّس {ومَن لستم له برازقين}، أي الأشجار تعطي وتطعم الناس
والحيوانات التي لا تطعمونها أنتم.
ثم يستنتج القرآن الكريم من خلال هذه الآية المعجزة: {وإن من شيء إلاّ
عندنا خزائنه}. نحن بإمكاننا أن نخلق كل شيء بالكميات الكبيرة التي نريدها،
ولكن {وما ننزله إلاّ بقدر معلوم}، وهنا نصل الى حقيقة علمية في الكون، تلك
الحقيقة التي هي مفطورة في نفوس العلماء الباحثين، إنهم يجدون أمراضاً،
ويفتشون عن علاج، لأنهم يعرفون أنّ كل مرض في الكون له علاج في الكون أيضاً،
فما على الإنسان إلاّ أن يفتش عن العلاج. وهكذا نجد أنّ العلم بقوانينه
وأبحاثه واكتشافاته يؤكد أنّ النظام القاطع الثابت، يتحكم في الكون الذي
نعيش، أي أنّ كل شيء في الكون من صغيرة أو كبيرة له أساس وقدر وتفاصيل سبحانه
وتعالى.
وصدق الله العظيم.
بسم الله الرحمن الرحيم
{والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون.
وجعلنا لكم فيها معايش ومَن لستم له برازقين. وإن من شيء إلاّ عندنا خزائنه
وما ننزّله إلاّ بقدر معلوم}.
الحجــر (الآيات: 19 - 21)
تلفت نظري هذه الآيات أكثر من الآيات السابقة، لأنني عشت في فترة من
الزمن مع هذه الآيات الثلاث بشكل متين وعملي جداً، ذلك أنني منذ مدة سنوات
قرأت في كتاب مترجم باسم "العلم يدعو للإيمان"، قرأت بحثاً حول تنفّس الإنسان
وتنفّس الأشجار. يقول الكتاب: إنّ الإنسان عندما يتنفّس يأخذ كميات من
الأوكسيجين الموجودة في الجو، وعندما يرجع يقذف كميات من ثاني أوكسيد
الكربون، وهذا الغاز مثل كثير من الغازات سامّ لا يصلح للإستنشاق والتنفّس،
وكل إنسان مع كل مرة من التنفّس يأخذ كميات من الأوكسيجين فيستهلكها ويقذف
ثاني أوكسيد الكربون.
على ذلك، المليارات من البشر خلال آلاف من السنوات ومليارات من
الحيوانات والحشرات والطيور والأسماك، كل هذه تأخذ أوكسيجين وتقذف بأوكسيد
الكربون، ونحن نعرف أنّ كميات الأوكسيجين في الجو محدودة، لأننا عندما نخرج
من الأرض ونبتعد عن الأرض، كل ما ابتعدنا تقلّ كميات الأوكسيجين في المناخ،
مليارات من البشر والحيوانات خلال ألوف السنوات إستهلكوا الأوكسيجين وقذفوا
ثاني أوكسيد الكربون.
كيف بقيت الأوكسيجينات في الجو صالحة للإستنشاق وما تسمم الجو، رغم
أننا إذا عشنا بعدد محدود من الناس في غرفة مسدودة الأبواب والمنافذ بعد فترة
نتسمم، لأنّ الأوكسيجين في الغرفة يحترق ويُستهلك، وثاني أوكسيد الكربون
يسمم.
يقول الكتاب إنّ مقابل تنفّس الإنسان، هناك حركة معكوسة من الأشجار،
فالأشجار تأخذ ثاني أوكسيد الكربون وتقذف أوكسيجين، أي تعيد الأوكسيجين في
المناخ ما تغيرت إلاّ لأسباب طبيعية منذ أن اكتشف الإنسان أنّ حوالى 22.5
بالمئة من الجو يتكون من الأوكسيجين ما تغير إلاّ في حدود قليلة جداً وطفيفة.
وهذا يعني أنّ هناك توازناً عميقاً بين مقدار التنفّس الإنساني ومقدار تنفّس
الحيوانات من جهة، وبين تبديل الأشجار لهذا الغاز ثاني أوكسيد الكربون الى
الأوكسيجين من جهة أخرى.
إذاً، جعل الله في الكون توازناً دقيقاً، ووضع في كفة كل البشر
والحيوانات، وفي كفة أخرى كل الأشجار والنباتات حتى الأشجار الصغيرة والعشب
القليل المتواضع الذي ننظر إليه، كل ذرة من الأعشاب، وكل عدد من الحشرات، وكل
فرد من البشر أو الحيوانات موضوع في كفة مقابل كفة أخرى، سبحانه وتعالى هذا
التوازن العميق المدروس أدهشني، فرجعت الى القرآن الكريم لكي أجد ضوءاً
وبشارة وتأييداً واستنتاجاً تربوياً لهذه المعجزة الإلهية في الخلق، حتى إذا
وصلت الى هذه الآيات فقرأتها واطمأن قلبي لما ورد في هذه الآيات، مما يلقي
أضواء على هذه الحقيقة وغيرها من الحقائق، واكتشفت معنى جديداً في هذه الآيات
فلنتلوها معاً: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {والأرض مددناها} أي جعلناها
ممتدة. ولا تقصد الآية، نفي الكروية. فالتمديد لا يتنافى مع كروية الذات، كما
هو الحال في واقع الكرة الأرضية، مددناها للتحرك، للزرع، للبناء، للإستثمار.
{وألقينا فيها رواسي}، ما أجمل هذه الكلمات، وما أقرب موسيقاها على
المسامع والقلوب، وألقينا فيها رواسي، أي الجبال، جعل الأرض ثم نقف عند هذه
الكلمة: {وأنبتنا فيها من كل شيء موزون}. النبات في العالم موزون وزناً، فلكل
ورقة، ولكل عشب، ولكل شجرة وزنة في هذه المجموعة الكثيرة من الأشجار كما
أشرنا إليه. إذاً كميات النبات موزونة ومقدّرة. ويضيف القرآن الكريم: {وجعلنا
لكم فيها معايش}، أيها الإنسان إنّ عيشك وحياتك في الأشجار، لأنّ الأشجار هي
التي تقدّم الأوكسيجين. والحياة لك أيها الإنسان. وجعلنا أيضاً الى جانب
الحياة بالتنفّس {ومَن لستم له برازقين}، أي الأشجار تعطي وتطعم الناس
والحيوانات التي لا تطعمونها أنتم.
ثم يستنتج القرآن الكريم من خلال هذه الآية المعجزة: {وإن من شيء إلاّ
عندنا خزائنه}. نحن بإمكاننا أن نخلق كل شيء بالكميات الكبيرة التي نريدها،
ولكن {وما ننزله إلاّ بقدر معلوم}، وهنا نصل الى حقيقة علمية في الكون، تلك
الحقيقة التي هي مفطورة في نفوس العلماء الباحثين، إنهم يجدون أمراضاً،
ويفتشون عن علاج، لأنهم يعرفون أنّ كل مرض في الكون له علاج في الكون أيضاً،
فما على الإنسان إلاّ أن يفتش عن العلاج. وهكذا نجد أنّ العلم بقوانينه
وأبحاثه واكتشافاته يؤكد أنّ النظام القاطع الثابت، يتحكم في الكون الذي
نعيش، أي أنّ كل شيء في الكون من صغيرة أو كبيرة له أساس وقدر وتفاصيل سبحانه
وتعالى.
وصدق الله العظيم.
تعليق