روي عن الصادق (ع) ان ابا بكر لقى امير المؤمنين(ع) في سكه من سكك بنى النجار فسلم عليه وصافحه وقال له:يا ابا الحسن افى نفسك شى من استخلاف الناس اياي وما كان من يوم السقيفه وكراهيتك للبيعه. والله ما كان ذلك من ارادتي الا ان المسلمين اجمعوا على امر لم يكن لى ان اخالفهم فيه لان النبي (ص) قال :لا تجتمع امتي على الضلاله..... فقال له امير المؤمنين يا ابا بكر امته الذين اطاعوه من بعده وفي عهده واخذوا بهذا واوفوا بما عاهدوا الله عليه ولو يغيروا ولم يبدلوا . قال له ابو بكر والله يا على لو شهد عندي الساعه من اثق به انك احق بهذا الامر سلمته اليك رضي من رضي وسخط من سخط فقال له امير المؤمنين(ع) يا ابا بكر هل تعلم احدا اوثق من رسول الله . وقد اخذ بيعتي عليك في اربعه مواطن وعلى جماعه منكم وفيهم عمر وعثمان في يوم الدار وفي بيعه الرضوان تحت الشجرة يوم جلوسه في بيت ام سلمه وفي يوم الغدير بعد رجوعه من حجة الوداع فقلتم باجمعكم سمعنا واطعنا لله ولرسوله فقال لكم الله ورسوله عليكم من الشاهدين فقلتم باجمعكم الله ورسوله علينا من الشاهدين فقال لكم فليشهد بعضكم على بعض وليبلغ شاهدكم غائبكم ومن سمع منكم فليسمع من لم يسمع فقلتم نعم يا رسول الله وقمتم باجمعكم تهنؤن رسول الله وتهنؤني بكرامه الله لنا . فدنا عمر وضرب على كتفي وقال بحضرتكم بخ بخ يا ابن ابي طالب اصبحت مولاى ومولى المؤمنين . فقال ابو بكر ذكرتنى امرا يا ابا الحسن لو يكون رسول الله (ص) شاهدا فاسمعه منه فقال له امير المؤمنين (ع) ورسوله عليك من الشاهدين يا ابا بكر ان رايت رسول الله يقول لك انك ضالم في اخذ حقى الذى جعله الله ورسوله لى دونك ودون المسلمين ان تسلم هذا الامر الي وتخلع نفسك منه. فقال ابو بكر يا ابا الحسن وهذا يكون ان رسول الله حيا بعد موته. فيقول لي ذلك . فقال له امير المؤمنين نعم يا ابا بكر . قال : فارني ان كان ذلك حقا . فقال له امير المؤمنين (ع) والله ورسوله عليك من الشاهدين انك تفي بما قلت . قال ابو بكر: نعم. فضرب امير المؤمنين على يده وقال : تسعى معى نحو مسجد قبا . فلما ورده تقدم امير المؤمنين فدخل المسجد وابو بكر من وراءه فاذا هو برسول الله (ص) جالس في قبلة المسجد . فلما راه ابو بكر سقط لوجهه كالمغشى عليه فناداه رسول الله ارفع راسك ايها الضليل المفتون فرفع ابو بكر راسه وقال : لبيك يا رسول الله احياة بعد الموت يا رسول الله . فقال : ويلك يا ابا بكر ان الذى احياها لمحي الموتى انه على كل شى قدير . قال فسكت ابو بكر وشخصت عيناه نحو رسول الله (ص) فقال: ويلك يا ابا بكر انسيت ما عهدت الله ورسوله عليه في الموطن الاربع لعلي (ع) فقال ما نسيته يا رسول الله فقال ما بالك اليوم تناشد علي فيها فيذكرك فتقول نسيت وقص عليه رسول الله ما جرى بينه وبين على بن ابى طالب(ع) الى اخر فما نقص منه كلمة وما زاد فيه كلمة . فقال ابو بكر يا رسول الله فهل من توبه وهل يعفو الله عنى اذا سلمت هذا الامر الى امير المؤمنين قال : نعم يا ابا بكر وانا الضامن لك على الله ذلك ان وفيت . قال : وغاب رسول الله عنهما . قال فتشبث ابو بكر بعلى وقال الله الله في يا على سر معي الى منبر رسول الله حتى اعلو المنبر واقص على الناس ما شاهدت ورايت من امر رسول الله وما قال لي وما قلت له وامرنى به واخلع نفسى من هذا الامر واسلمه اليك فقال له امير المؤمنين : انا معك ان تركت شيطانك . فقال له ابو بكر ان لم يتركني تركته وعصيته فقال امير المؤمنين اذا تطيعه ولا تعصيه وانما رايت ما رايت لتاكيد الحجه عليك . واخذ بيده وخرجا من مسجد قبا يريدان مسجد رسول الله (ص) وابو بكر يخفق بعضه بعضا ويتلون الوانا والناس بنظرون اليه ولا يدرون ما الذى كان حتى لقيه عمر بن الخطاب فقال له : يا خليفة رسول الله ما شانك وما الذى دهاك. فقال ابو بكر: خل عنى يا عمر فوالله لا سمعت لك قولا . فقال له عمر : واين تريد يا خليفة رسول الله . فقال ابو بكر : اريد المسجد والمنبر فقال : ليس هذا وقت صلاة ومنبر . فقال : خل عنى فلا حاجة لي في كلامك . فقال عمر : يا خليفة الله افلا تدخل قبل المسجد منزلك فتسبغ الوضوء. قال : بلى ثم التفت ابو بكر الى علي (ع) وقال له : يا ابا الحسن تجلس الى جانب المنبر حتى اخرج اليك . فتبسم امير المؤمنين ثم قال: يا ابا بكر قد قلت ان شيطانك لا يدعك او يرديك . ومضى امير المؤمنين وجلس بجانب المنبر ودخل ابو بكر منزله وعمر معه . فقال له : يا خليفة رسول الله (ص) لم لا تنبئني امرك وتحدثني بما دهاك به علي بن ابي طالب. فقال ابو بكر : ويحك يا عمر يرجع رسول الله بعد موته حيا فيخاطبني في ظلمي لعلي وبرد حقه عليه وخلع نفسي من هذا الامر . فقال له عمر : قص علي قصتك من اولها الى اخرها فقال له ابو بكر : ويحك يا عمر والله لقد قال لى على : انك لا تدعنى اخرج من هذه المظلمه وانك شيطانى فدعنى فلم يزل يرقبه الى ان حدثه بحديثه كله . فقال له عمر : بالله يا ابا بكر انسيت شعرك في اول شهر رمضان فرض الله علينا صيامه حيث جاءك حذيفه بن اليمان وسهل بن حنيف ونعمان الاسدي وخزيمه بن ثابت فى يوم جمعه ليتقاضوك دينا عليك. فلما انتهوا الى باب الدار سمعوا لك صلصلة فى الدار فوقفوا بالباب ولو يستاذنوا عليك فسمعو ام بكر زوجتك تناشدك وتقول : قد عمل حر الشمس بين كتفيك قم الى داخل البيت وابعد عن الباب لئلا يسمعك اصحاب محمد (ص) فيهدروا دمك فقد علمت ان محمدا قد اهدر دم من افطر يوما من شهر رمضان من غير سفر ولا مرض خلافا على الله وعلى رسوله محمد . فقلت لها: هات لا ام لك فضل طعامى من الليل واترعى الكاس من الخمر وحذيفه ومن معه بالباب يسمعون محاورتكما الى ان انتهيت في شعرك فجاءت بصحفة فيها طعام من الليل وقعب مملؤء خمرا فاكلت من الصحفه وكرعت من الخمر فى ضحى النهار وقلت لزوجتك هذا الشعر:
ذريني اصطبح يا ام بكر فان الموت نقب عن هشام
يقول لنا ابن كبشة سوف نحيا وكيف حياة اشبلاء وهام
ولكن باطل قد قال هذا وانك من زخاريف الكلام
الا هل مبلغ الرحمن عني بانى تارك شهر الصيام
وتارك كل ما اوحى الينا محمد من اساطير الكلام
فقل لله يمنعني شرابي وقل لله يمنعنى طعامي
ولكن الحكيم راى حميرا فالجمها فتاهت في اللجام

فلما سمعك حذيفه ومن معه تهجو محمدا قحموا عليك قي دارك فوجدوك وقعب الخمر في يدك وانت تكرعها فقالوا لك: يا عدو الله خالفت الله ورسوله وحملوك كهيئتك الى مجمع الناس بباب رسول الله(ص) وقصوا عليك قصتك وعادوا شعرك فدنوت منك وشاورتك وقلت لك في ضجيج الناس : قل انى شربت الخمر ليلا فثملت فزال عقلي فاتيت ما اتيته نهارا ولا علم لى بذلك فعسى ان يدرا عنك الحد وخرج محمد (ص) فنظر اليك وقال : استيقظوه. فقلت : رايناه وهو ثمل يارسول الله لا يعقل . فقال: ويحك الخمر يزيل العقل تعلمون هذا من انفسكم فانتم تشربونها فقلنا : نعم يا رسول الله وقد قال فيها امرؤ القيس فيها شعرا:
شربت الخمر حتى زال عقلي كذاك الخمر يفعل بالعقول
ثم قال محمد انظروه الى افاقته من سكره فامهلوك حتى اريتهم انك قد صحوت فسالك محمد (ص) فاخبرته بما اوعزته اليك من شربك لها بالليل فما بالك اليوم تؤمن بمحمد وبما جاء به وهو عندنا ساحر كذاب فقال : ويلك يا ابا حفص لا شك عندى فيما قصصته علي فاخرج الى على ابن ابى طالب فاصرفه عن المنبر.
قال فخرج عمر وامير المؤمنين جالس بجانب المنبر فقال : ما بالك يا على قد تصديت هيهات هيهات دون الله ما تريد من علو هذا المنبر خرط القتاد فتبسم امير المؤمنين (ع) حتى بدت نواجذه ثم قال : ويلك منها والله ياعمر اذا افضت اليك والويل للامة من بلائك . فقال عمر : هذه بشرى يا ابن ابى طالب صدقت ضنونك وحق قولك وانصرف امير المؤمنين الى منزله وكان هذا من دلائله.