السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
طلب مني بعض الفضلاء واهل العلم الإجابة على هذا السؤال: هل أن النبي (ص) كان امياً بالمعنى المتعارف عليه اليوم اي انه لا يعرف القراءة والكتابة، أم ان هناك شيئاً آخر؟
والجواب:
إن هذه المسألة اختلف فيها علماء الكلام والمفسرون ايضاً على قولين:
القول الأول: أن الأمي معناه المنسوب لمكة أم القرى وليس بمعنى عدم المعرفة بالقراءة والكتابة، وان الأمية بمعنى عدم القراءة والكتابة لا تتناسب مع مقام النبوة، فهي نقص، وهناك رواية وردت رواه المسلمون (إئتوني بكتف ودواة لكي أكتب لكم كتاباً لا تضلوا به من بعدي) وهذا معناه أنه كان يكتب ويقرأ، وكذلك، عند نزول الوحي وقوله له (إقرأ) فهذا يدل على انه يقرا والا لما طلب منه القراءة...ولكن هذا القول لا نعتمد عليه، وان كان يستساغه الأكثر.
القول الثاني: وهو المختار عندنا وهو الصحيح جداً، أن الأمي هو بمعنى عدم المعرفة بالقراءة والكتابة، وهذا ليس نقصا له ولا يخل بمقام النبوة ابداً ، بل المنصف المتأمل يجد انه يتلائم جداً مع مقام النبوة لتعميق وترسيخ معجزة القرآن الخالدة ومعجزة النبوة، لأن الأمية كانت سائدة في ذلك المجتمع وغالبة عليه ولا يعدونه نقصا في الشخص أبداً، ولأن الأمي لا يعرف هذه المضامين العالية التي جاء بها القرآن الكريم الذي هو المعجزة الخالدة الكبرى، ولا يمكن ان تنقدح في نفسه، وبالتالي يطمأن السامع لها بأنها الهية، ولذا فان ذلك المجتمع لم ينقد النبوة بان محمدا كان من بلاغي العرب ومن قرأئهم وكتابهم وان ما جاء به هو من عنده أبداً، بل قالوا أنه معلّم وساحر ومجنون، فلو كان يقرأ ويكتب فعلا لما ركنوا اليه وآمنو به بسهولة.
ولذا نرى ان بعض المستشرقين المنحرفين يقولون بان القرآن استقاه محمد (ص) من التوراة والإنجيل والأحبار والرهبان مع انهم يعترفون بأنه لا يقرأ ولا يكتب، فلو كان يقرأ ويكتب ماذا يفعلون؟ مع ان كلامهم باطل من أصله، لأن المفاهيم التي أتى بها القرآن الكريم لا يوجد مثلها في التوراة والإنجيل المتداوله عندهم.
فالأمية تؤكد معجزية القرآن والنبوة، لأنه من أين يأتي لمحمد (ص) ما يتحدث عنه القرآن الذي يتحدث عن تاريخ الماضين وعن اللاحقين وعن المغيبات وعما يشير الى السفن الفضائية والى التطور العلمي في وقت لا يوجد فيه الا البساطة، فهذا كله يعزز معجزية القرآن الخالدة.
وأما حديث (إئتوني بكتف ودواة) فهذا لا يعني انه يباشر الكتابة بنفسه بل لإعطائه من يكتب عنده، وهذا من المجاز المعروف جداً، وأما قوله (إقرأ) فليس معناه القراءة المتعارفة، كيف؟ وان الوحي لم يأته بكتاب او ورقة، لأنه قال له (وما اقرأ) بل معناه الإستيعاب أي افهم ما ياتيك وما ينزل عليك واحفظه...والحمد لله رب العالمين .(فاضل البديري)
تعليق