دراسة في عقائد الشيعة الإمامية
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم أحمد الله ذا القدرة و الجلال و الرفعة و الكمال الذي عم عباده بالفضل و الإحسان و ميزهم بالعقول و الأذهان و شرفهم بالعلوم و مكن لهم الدليل و البرهان و هداهم إلى معرفة الحق و الصواب بما نزل من الوحي و الكتاب الذي جاء به أفضل أولي العزم الكرام مولانا و سيدنا محمد بن عبد الله خاتم النبيين و أشرف العالمين صلى الله عليه و على الأطايب من عترته ذوي الفضائل و المناقب حجج الله على كافة المسلمين الهادين المهديين الذين يهدون بالحق و به يعدلون. يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه و رضوانه السيد سليل الرسالة الموسوي أعانه الله على طاعته و حفه برحمته و غفر له و لوالديه أنه لما كان حال بعض الناس من جهلهم في عقائد الشيعة الإمامية و رميهم إياهم بأبشع التهم و الفريات، إرتأينا أن نقوم بكتابة موضوع مستمد من كتبنا العقائدية المعول عليها لنبين إن شاء ربي تعالى عقائد الشيعة الإمامية و الدليل على هذه العقائد.
1- إعتقادنا في الإلاهيات
فصل في التوحيد:
إعتقادنا في التوحيد هو : أن الله سبحانه و تعالى واحد أحد فرد صمد لم يلد و لم يولد و لا يشابهه أحد و لا يكافئه أحد ليس كمثله شئ، قديم لم يزل ولا يزال، سميعاً بصيراً عليماً حكمياً حياً قيوماً عزيزاً قدوساً عالماً قادراً غنياً، لا يوصف بجوهر ولا جسم ولا صورة ولاعرض ولا خط ولا سطح ولا ثقل ولا خفة ولاسكون ولا حركة ولا مكان ولازمان، وأنه تعالى متعال من جميع صفات خلقه، خارج عن الحدين حد الابطال وحد التشبيه لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ولا الاوهام وهو يدركها، لاتأخذه سنة ولا نوم وهو اللطيف الخبير، خالق كل شئ، لا إله إلاهو، له الخلق والامر، تبارك الله رب العالمين. و أنه سبحانه و تعالى منزه عما يقول به المجسمة من أنه تعالى له يد أو ساق أو غيرها من الجوارح على وجه الحقيقة لا المجاز. قال الشيخ الصدوق قدس الله سره في كتابه الإعتقادات ص 4"و كل خبر يخالف ماذكرت في التوحيد فهو موضوع مخترع، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل، وإن وجدفي كتب علمائنا فهو مُدَلّس والاخبار التي يتوهمها الجهال تشبيها لله تعالى بخلقه فمعانيها محمولة على مافي القرآن من نظائرها."
وهنا لا بد لنا من وقفة مع التوحيد والتشبيه والتجسيم، فالتوحيد كما سبق أن بيناه واضح لا غبار عليه و هو مستمد من القرآن الكريم و من أحاديث النبي صلى الله عليه و آله من حديث عترته. و نذكر هنا بعض الآيات الدالة على ما نقول (بِسمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ) فهذه الآية على قصرها إلا أنها تحتوي على معان التوحيد الشاملة. يقول العلامة الطباطبائي في تفسير هذه الآية "و أحد وصف مأخوذ من الوحدة كالواحد غير أن الأحد إنما يطلق على ما لا يقبل الكثرة لا خارجا و لا ذهنا و لذلك لا يقبل العد و لا يدخل في العدد بخلاف الواحد فإن كل واحد له ثانيا و ثالثا إما خارجا و إما ذهنا بتوهم أو بفرض العقل فيصير بانضمامه كثيرا، و أما الأحد فكل ما فرض له ثانيا كان هو هو لم يزد عليه شيء." تفسير الميزان ج20 ص 387 ، و نأتي إلى الآية الكريمة (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ) و هنا علينا أن نبين مسألة و هي أن الحق تبارك و تعالى نفى عن نفسه أن تدركه الأبصار و ليس الإبصار و شتان ما بين الإثنين. الأبصار بفتح الهمزة هي أوهام القلوب أي تخيلاتها و تهيؤاتها و هي أعم و أشمل من الإبصار و هو المشاهدة و صريح النظر، فكيف ينفي الباري عزوجل إدراك الأبصار له و يأتي من يقول بأنه سيشاهد ربه في الآخرة أو أنه شاهده في الدنيا ؟؟؟
أما التشبيه و التجسيم فإعلم أيها القارئ الكريم إن منشأ هذا الأمر هو الإبتعاد عن المنبع الصافي الزلال ألا و هم محمد و آل محمد، فإن من خلط توحيده بأخبار بني إسرائيل المروية على لسان كعب الأحبار و وهب بن منبه خلط أموراً كثيره و حاد عن جادة التوحيد و نذكر تفصيل هذه الحيدة إذ إنقسموا إلى أقسام و قالوا بـ
التشبيه: وهو الاعتقاد بان اللّه تعالى صورة تشبه صورة الانسان
التجسيم: وهو الاعتقاد بان اللّه جسم.
التحيز : وهو الاعتقاد بان اللّه متحيز، أي في مكان.
التركيب : و هو الإعتقاد بأن الله يتركب من عدة أجزاء أو أنه يبعض
و كل هذه التعريفات للأسف أصبحت واقعاً بسبب أن بعض الذين نهلوا التوحيد من كعب الأحبار إعتمدوا على متشابه القرآن و ظاهره في صفات الباري عزوجل فأثبتوا له يداً و ساقاً و جنباً و ما إلى ذلك من أمور لا تجوز على الباري جل و علا، ناهيك عما ورد في بعض كتبهم و صحح الحديث الألباني و هو أن المصطفى رأى ربه في أحسن صورة و ما إلى ذلك من نصوص يشيب لها رأس الطفل الرضيع .
فصل في صفات الله تبارك و تعالى:
نعتقد أن من صفات الله تعالى الصفات الثبوتية أو الصفات الجمالية كالعلم، والقدرة، والغنى، والاِرادة، والحياة و هذه الصفات هي عين ذات الباري عزوجل دون تركيب أو تعددية ، إذ أنه عالم من حيث هو قادر و قادر من حيث هو حي لا تعددية ي صفاته بمعنى أن ليس كل صفة هي قائمة بذاتها. و هناك الصفات التي يطلق عليها الصفات الفعلية أو صفات الأفعال و هي الصفات التي تجب بوجود الفعل ولا تجب قبل وجوده مثل الرازق و المحيي و المميت و قد بين الشيخ المفيد رحمه الله هذا المعنى في كتابه تصحيح الإعتقاد ص 41 "ووصفنا له تعالى بصفات الأفعال كقولنا خالق ، رازق ، محيي ، مميت ، مبدئ ، معيد ، ألا ترى أنه قبل خلقه الخلق لا يصح وصفه بأنه خالق وقبل إحيائه الأموات لا يقال إنه محيي . وكذلك القول فيما عددناه ، والفرق بين صفات الأفعال وصفات الذات : أن صفات الذات لا يصح لصاحبها الوصف بأضدادها ولا خلوه منها، وأوصاف الأفعال يصح الوصف لمستحقها بأضدادها وخروجه عنها، ألا ترى أنه لا يصح وصف الله تعالى بأنه يموت ، ولا بأنه يعجز ، ولا بأنه يجهل ولا يصح الوصف له بالخروج عن كونه حيا عالما قادرا ، ويصح الوصف بأنه غير خالق اليوم، ولا رازق لزيد ، ولا محيي لميت بعينه ، ولا مبدئ لشئ في هذه الحال ، ولا معيد له .ويصح الوصف له جل وعز بأنه يرزق ويمنع ويحيي ويميت ويبدئ ويعيد ويوجد ويعدم ، فثبتت العبرة في أوصاف الذات وأوصاف الأفعال ، والفرق بينهما ما ذكرناه . " و هناك الصفات التي يطلق عليها الصفات السلبية أو صفات الجلال و هي كما يعبر عنها الشيخ المظفر في كتابه عقائد الإمامية ص 33 " وأمّا الصفات السلبية التي تسمّى بصفات الجلال، فهي ترجع جميعها إلى سلب واحد هو سلب الامكان عنه؛ فإنّ سلب الاِمكان لازمه ـ بل معناه ـ سلب الجسمية والصورة والحركة والسكون، والثقل والخفّة، وما إلى ذلك، بل سلب كل نقص.ثمّ إنّ مرجع سلب الاِمكان في الحقيقة إلى وجوب الوجود، ووجوب الوجود من الصفات الثبوتية الكمالية، فترجع الصفات الجلالية (السلبية) آخر الاَمر إلى الصفات الكمالية (الثبوتية) ، والله تعالى واحد من جميع الجهات، لا تكثّر في ذاته المقدّسة، ولا تركيب في حقيقة الواحد الصمد. " و يُعرّف العرفانيون الصفات الجلالية بأنها سلب الإتصاف بما يستحيل على الذات الإلاهية المقدسة مثل أنه تعالى ليس بجوهر و لا عرض و لا شريك له.
فصل في الجبر و التفويض :
في بداية الأمر وجب علينا تعريف الجبر و التفويض حتى يتسنى للقارئ الكريم الوقوف على معاني هذه الألفاظ.
فقد قيل في الجبر أنه هو الحمل على الفعل والاضطرار إليه بالقهر والغلبة ، وحقيقة ذلك إيجاد الفعل في الخلق من غير أن يكون لهم قدرة على دفعه والامتناع من وجوده فيه.
و أما التفويض: هو القول برفع الحظر عن الخلق في الأفعال والاباحة لهم مع ما شاءوا من الأعمال. و حقيقة الأمر لا جبر و لا تفويض كما بين الأمر الشيخ المفيد أعلى الله مقامه في دوحة الخلد في كتابه تصحيح الإعتقاد ص 47 في قوله " الواسطة بين هذين القولين أن الله تعالى أقدر الخلق على أفعالهم ومكنهم من أعمالهم ، وحد لهم الحدود في ذلك ، ورسم لهم الرسوم القبائح بالزجر والتخويف ، والوعد والوعيد ، فلم يكن بتمكينهم من الأعمال مجبرا لهم عليها ، ولم يفوض إليهم الأعمال لمنعهم من أكثرها ، ووضع الحدود لهم فيها وأمرهم بحسنها ونهاهم عن قبيحها . " و أيضاً أبلغ الشيخ المظفر في شرح المعنى في كتابه العقائد حين قال "إنّ أفعالنا من جهة هي أفعالنا حقيقة ونحن اسبابها الطبيعية، وهي تحت قدرتنا واختيارنا، ومن جهة أخرى هي مقدورة لله تعالى، وداخلة في سلطانه؛ لاَنّه هو مفيض الوجود ومعطيه، فلم يجبرنا على افعالنا حتى يكون قد ظلمنا في عقابنا على المعاصي؛ لاَنّ لنا القدرة والاختيار فيما نفعل، ولم يفوِّض إلينا خلق أفعالنا حتى يكون قد أخرجها عن سلطانه، بل له الخلق والحكم والأمر، وهو قادر على كل شيء ومحيط بالعباد. وعلى كل حال، فعقيدتنا : أنّ القضاء والقدر سر من أسرار الله تعالى، فمن استطاع أن يفهمه على الوجه اللائق بلا إفراط ولا تفريط فذاك، وإلاّ فلا يجب عليه أن يتكلّف فهمه والتدقيق فيه؛ لئلاّ يضل وتفسد عليه عقيدته؛ لاَنّه من دقائق الأمور، بل من أدق مباحث الفلسفة التي لا يدركها إلاّ الأوحدي من الناس، ولذا زلّت به أقدام كثير من المتكلّمين" و حري بنا أن نشير إلى ما ورد في البحار عن سؤال يزيد بن عمير الشامي للإمام الرضا عن معنى قول الإمام الصادق لا جبر و لا تفويض و إنما الأمر بين الأمرين فأجاب الإمام الرضا سلام الله عليه و قال" من زعم أن الله يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها فقد قال بالجبر ومن زعم أن الله عزوجل فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه عليهم السلام فقد قال بالتفويض فالقائل بالجبر كافر والقائل بالتفويض مشرك . فقلت له : يابن رسول الله فما أمر بين أمرين ؟ فقال : وجود السبيل إلى إتيان ما امروا به وترك ما نهوا عنه . فقلت له : فهل لله عزوجل مشية وإرادة في ذلك ؟ فقال : أما الطاعات فإرادة الله ومشيته فيها الامر بها ، والرضا لها ، والمعاونة عليها ; وإرادته ومشيته في المعاصي النهي عنها ، والسخط لها ، والخذلان عليها . قلت : فلله عزوجل فيها القضاء ؟ قال : نعم ما من فعل يفعله العباد من خير وشر إلا ولله فيه قضاء قلت : فما معنى هذا القضاء ؟ قال : الحكم عليهم بما يستحقونه على أفعالهم من الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة ". و قد بين القرآن الكريم الحجة في قوله تبارك و تعالى {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } (7) سورة السجدة فهنا يقر الحق تبارك و تعالى بأن خلقه كله حَسن و بالمعلوم أن المعاصي من قبائح الأمور و بالتالي نجد بأن الباري عزوجل لا يجبر إنسان على معصية و سيأتي تفصيل الأمر في فصل العدل.
فصل في العدل :
إعتقاد الشيعة الإمامية بأن الباري عزوجل موصوف بالعدل كإحدى الصفات الثبوتية التي أقرها الباري عزوجل على نفسه، و إعتقادنا هو بأن الباري عزوجل عادل غير ظالم، فلا يجور في قضائه، ولا يحيف في حكمه ، و أنه جل و علا أكرم و أعظم من أن يظلم عبده أو يعذبه و قد قال في كتابه الحكيم {مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ } (147) سورة النساء فالقصد أن الباري عزوجل لا يستفيد من عذاب عباده كيف و قد قال {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ} (31) سورة غافر و قول الباري عزوجل أيضاً {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} (205) سورة البقرة و قد قال الشيخ المظفر في كتاب إعتقاد الإمامية " أنّه سبحانه لا يترك الحسن عند عدم المزاحمة، ولا يفعل القبيح؛ لاَنّه تعالى قادر على فعل الحسن وترك القبيح، مع فرض علمه بحسن الحسن، وقبح القبيح، وغناه عن ترك الحسن وعن فعل القبيح، فلا الحسن يتضرّر بفعله حتى يحتاج إلى تركه، ولا القبيح يفتقر إليه حتى يفعله. وهو مع كل ذلك حكيم؛ لا بدّ أن يكون فعله مطابقاً للحكمة، وعلى حسب النظام الاَكمل فلو كان يفعل الظلم والقبح ـ تعالى عن ذلك ـ فانّ الأمر في ذلك لا يخلو عن أربع صور:
1 ـ أن يكون جاهلاً بالأمر، فلا يدري أنّه قبيح.
2 ـ أن يكون عالماً به، ولكنّه مجبور على فعله، وعاجز عن تركه.
3 ـ أن يكون عالماً به، وغير مجبور عليه، ولكنه محتاج إلى فعله.
4 ـ أن يكون عالماً به، وغير مجبور عليه، ولا يحتاج إليه، فينحصر في أن يكون فعله له الص
تشهّياً وعبثاً ولهواً.
وكل هذه الصور محال على الله تعالى، وتستلزم النقص فيه وهو محض الكمال، فيجب أن نحكم أنه منزَّه عن الظلم وفعل ما هو قبيح."
و هنا علينا أن نتعرض إلى القول في إجبار الباري عزوجل عباده على المعصية ( من باب إعتقادهم بأن الله خالق أفعالهم مجبرهم عليها ) كما سبق أن ذكرنا و هو يندرج هنا أيضاً تحت بند العدل، لأن إن كان ما تذهب إليه هذه الفرق من إجبار الله عزوجل العباد على أفعالهم و من بعده محاكمتهم و محاسبتهم على هذه الأفعال فهذا ظلم من الباري عزوجل و الله تبارك و تعالى منزه عن الظلم {وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} (182) سورة آل عمران، و يكفي هذا دليل على ما نقول.
فصل في البداء:
البداء هو نسخ في التكوين لضرب من المصلحة تقتضيها حكمة الله عز وجل كالنسخ في التشريع و هذا ثابت في قوله تبارك و تعالى {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} (39) سورة الرعد و هذا خلاف ما يرمي به مخالفي الطائفة الحقة من أن الشيعة تقول بالبداء بمعنى نسبة الجهل لله سبحانه و تعالى، و هذا خلاف الواقع فقد سأل منصور بن حازم الإمام الصادق سلام الله عليه و على آبائه فقال : "هل يكون اليوم شئ لم يكن في علم الله عزوجل؟ قال: لا، بل كان في علمه قبل أن ينشئ السماوات والارض. "التوحيد ص 135 و روي في الكافي باب البداء "عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) قَالَ مَا بَدَا لِلَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا كَانَ فِي عِلْمِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ لَهُ" .و قال أيضاً "إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْدُ لَهُ مِنْ جَهْلٍ " فهذه روايات تدل على حقيقة ما نقول و تفند أقوال و إدعاءات المفترين على الطائفة الحقة ، و لا مانع من ذكر بعض أقوال العلماء و لو أنها مستفيضة كثيرة إلا أننا سنقتصر على أمثة منها
1- الشيخ المفيد في أوائل المقالات حيث قال في ص 54 " و أقول- أي الشيخ المفيد- إن الله تعالى عالم بكل ما يكون قبل كونه و إنه لا حادث إلا و قد علمه قبل حدوثه و لا معلوم و ممكن أن يكون معلوما إلا و هو عالم بحقيقته و إنه سبحانه لا يخفى عليه شيء في الأرض و لا في السماء و بهذا قضت دلائل العقول و الكتاب المسطور و الأخبار المتواترة عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و هو مذهب جميع الإمامية"
2- قال الشيخ الطوسي في الرسائل العشرة ، القالة السادسة ص 94 "وأنه تعالى عالم ، بمعنى أن الأشياء واضحة له حاضرة عنه غير غائبة عنه ، بدليل أنه فعل الأفعال المحكمة المتقنة ، وكل من كان كذلك فهو عالم بالضرورة "
3- الشيخ الأنصاري في كتابه إعتقاداتنا ص 37 "الدليل على أنّه تعالى عالم هو أنّه لو لم يكن عالماً لكان جاهلاً ، والجهل من أهم عوامل النقص في الذات ، والذات لا تكتمل إلاّ بإزالة كل ما ينقصها ، واحتمال وجود النقص في ذات واجب الوجود يجعله مفتقراً إلى من يكمل فيه النقص ، وتشهد حكمته وتدبيره واتقانه خلق كل شيء على علمه ، فالدّقة في الصنعة والرّوعة في كل ما خلق من أكبر الأدلة على علمه بكل شيء كان وما سيكون وما هو كائن "
4- الشيخ المظفر في كتابه عقائد الإمامية ص 48 "البداء في الانسان: أن يبدو له رأي في الشيء لم يكن له ذلك الرأي سابقاً، بأن يتبدَّل عزمه في العمل الذي كان يريد أن يصنعه؛ إذ يحدث عنده ما يغيِّر رأيه وعلمه به، فيبدو له تركه بعد أن كان يريد فعله، وذلك عن جهل بالمصالح، وندامة على ما سبق منه. والبداء بهذا المعنى يستحيل على الله تعالى. لاَنّه من الجهل والنقص، وذلك محال عليه تعالى، ولا تقول به الامامية."
و لولا خوف الملامة من الإطالة على القارئ الكريم لسودنا الصفحات بهكذا نقولان عن علمائنا الأبرار في نفي الجهل عن الباري عزوجل.
2- إعتقادنا في النبوة
فصل في النبوة:
نعتقد بأن النبوّة وظيفة إلهية، وسفارة ربّانية، يجعلها الله تعالى لمن ينتجبه ويختاره من عباده الصالحين أوليائه الكاملين في إنسانيّتهم، فيرسلهم إلى سائر الناس لغاية إرشادهم إلى ما فيه منافعهم ومصالحهم في الدنيا والآخرة، ولغرض تنزيههم وتزكيتهم من درن مساوئ الأخلاق ومفاسد العادات، وتعليمهم الحكمة والمعرفة، وبيان طرق السعادة والخير؛ لتبلغ الانسانية كمالها اللائق بها، فترتفع إلى درجاتها الرفيعة في الدارين دار الدنيا ودار الآخرة، و لإلا يكون لعباده حجة عليه في يوم البعث ألم يقل تبارك من قال {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } (165) سورة النساء و قال تبارك و تعالى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (15) سورة الإسراء ، فوجب عليه تبارك و تعالى بعث الرسل حتى يبين للناس دينهم و دنياهم، و إلا يكون تعذيبهم على أمر لم يصلهم و لا علم لهم به و بكون ذلك من فعل الظلم و هذا ما تم الحديث عنه في السابق.
فصل في عصمة الأنبياء:
ذهبت الإمامية إلى وجوب العصمة المطلقة للأنبياء و الرسل و الأئمة سلام الله عليهم بمعنى أنهم سلام الله عليهم منزهون عن عمل المعاصي و الذنوب صغيرها و كبيرها و عن الخطأ و عن النسيان. قال الشيخ المفيد في أوائل المقالات ص 62 "إن جميع أنبياء الله عليهم السلام معصومون من الكبائر قبل النبوة و بعدها و مما يستخف فاعله من الصغائر كلها و أما ما كان من صغير لا يستخف فاعله فجائز وقوعه منهم قبل النبوة و على غير تعمد و ممتنع منهم بعدها على كل حال و هذا مذهب جمهور الإمامية". و على ما نقوله أدلة عقلية و نقلية، أما العقلية منها أن النبي إذا جاز عليه الخطأ و النسيان و الذنب إنتفت مصداقيته و ذهبت هيبته أمام أتباعه، فكيف الوثوق بنبي ينسى ما يقول أو كيف الوثوق بنبي ينهى عن المعصية و هو يأتيها ؟؟؟ إذاً لزم على الباري عزوجل حفاظاً على هؤلاء المبعوثين أن يعصمهم عن الأخطاء و الزلات و أن يرفعهم عن الخطأ و النسيان و هذا ليس كما يعتقد البعض بأن العصمة هي جبر من الله عليهم لا و لكنه لطف منه تبارك و تعالى يفعله بالمكلف بحث يمتنع منه وقوع المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليهما. و أما لو أردنا البحث في الأدلة النقلية فهي على كثرتها إلا أننا سنوجزها في بضع آيات فقد قال الباري عزوجل {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (4) سورة النجم و الآية صريحة الدلالة لا تحتاج إلى شرح و تفصيل في أن ما ينطقه المبعوث إنما هو وحي من الباري عزوجل و بالتالي يكون هذا القول معصوماً عن أي خطأ و إلا نسبنا الخطأ إلى الحق تبارك و تعالى عن هذه الأقاويل. و أما الآية الثانية {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (164) سورة آل عمران، فالآية الكرمية توضح بأن أحد أهداف بعث الرسل تزكية الناس، و إذا أردنا معرفة معنى التزكية فهي تطهير القلوب من الرذائل وإنماء الفضائل، وهذا هو ما يسمى في علم الاَخلاق بالتريبة. ولا شك أنّ تأثير التربية في النفوس يتوقف على إذعان من يراد تربيته بصدق المربي وإيمانه بتعاليمه، وهذا يعرف من خلال عمل المربي بما يقوله ويعلمه وإلاّ فلو كان هناك انفكاك بين القول والعمل، لزال الوثوق بصدق قوله وبالتالي تفقد التربية أثرها، ولا تتحقق حينئذ الغاية من البعث. و أما الآي الثالثة فهي {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} (90) سورة الأنعام و هذه الآية الكريمة تتحدث عن الأنبياء و هي صريحة لا حاجة معها إلى تفصيل و شرح و تطويل، حيث يبين الحق تبارك و تعالى أننا علينا الإقتداء بهذه الصفوة المهدية من عند الله سبحانه و تعالى و لا شك بأن من يهده الله و يجعله قدة للناس يجب أن يكون في أعلى درجات التقوى و العمل الصالح و أن لا يفعل ما يقدح هذه المكانة.
فصل صفات النبي و نسبه :
يقول الشيخ المظفرفي كتاب عقائد الإمامية "ونعتقد: أنّ النبي كما يجب أن يكون معصوماً يجب أن يكون متّصفاً بأكمل الصفات الخلقية والعقلية وأفضلها، من نحو: الشجاعة، والسياسة، والتدبير، والصبر، والفطنة، والذكاء؛ حتّى لا يدانيه بشر سواه فيها؛ لاَنّه لولا ذلك لما صحّ أن تكون له الرئاسة العامة على جميع الخلق، ولا قوَّة إدارة العالم كله.
كما يجب ان يكون طاهر المولد أميناً صادقاً منزَّهاً عن الرذائل قبل بعثته أيضاً؛ لكي تطمئنّ إليه القلوب، وتركن إليه النفوس، بل لكي يستحق هذا المقام الاِلهي العظيم." و دليل هذا الأمر عقلي إذ لا يجوز أن يقود الأمة و يحكمها رجل يُعاب عليه بعلة في جسده أو في رأيه أو في حكمه فوجب على المبعوث أن يكون غاية في الكمال من جميع الوجوه الجسدية و الفكرية. و أما مسألة النسب فسأتطرق إلى بحث نسب نبينا الأعظم صلوات الله و سلامه عليه و آله، حيث ذكر كثير من أصحاب الملل المخالفة بأن آباء و أجداد المصطفى صلوات الله و سلامه عليه و آله ماتوا على الكفر و في الحقيقة هذا خلاف الواقع و سنتطرق إلى شبهاتهم و نردها و نورد الأدلة على ما نقول إن شاء ربي تعالى.
ذهب المخالفون إلى أن آباء النبي كفار و ماتوا على الكفر بسبب وجودهم في مكة المكرمة قبل الإسلام و كان دين أهل مكة عبادة الأصنام فشملوهم بهذا الأمر، و في الحقيقة هذا أمر يخالف الواقع فقد عرف البيت الهاشمي منذ القدم بأنه بيت موحد لله سبحانه و تعالى. روى العلامة المجلسي في البحار ج15 ص 70 خبر قدوم أبرهة الحبشي و دعاء عبدالمطلب جد النبي فذكر" يا رب إليك المهرب ، وأنت المطلب ، أسألك
بالكعبة العلياء ذات الحج والموقف العظيم المقرب ، يا رب ارم الاعادي بسهام العطب
حتى يكونوا كالحصيد المنقلب ثم رجع وأتى إلى باب البيت فأخذ بحلقته وهو يقول :
[poem font="Simplified Arabic,5,darkblue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
لاهم إن المرء يمنع رحله ، فامنع رحالك= لا يغلبن صليبهم ، ومحالهم عدوا محالك
إن كنت تاركهم وكعبتنا فأمر ما بدالك = جر واجميع بلادهم ، والفيل كي يسبوا عيالك
عمدوا جمالك بكيدهم جهلا وما راقبوا جلالك = فانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك [/poem]
وقال أيضا شعرا :
[poem font="Simplified Arabic,5,darkblue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
يا رب لا أرجو لهم سواكا = يا رب فامنع منهم حماكا
إن عدو البيت من عاداكا =أمنعهم أن يخربوا قراكا [/poem]
و أيضاً قول عبدالمطلب يذكره العلامة في البحار ج 15 ص 87 "اللهم إن كان دعائي عنك قد حجب من كثرة الذنوب فإنك غفار الذنوب ، كاشف الكروب ، تكرم علي بفضلك وإحسانك" و أيضاً "اللهم أنت تعلم السر وأخفى ، وأنت بالمنظر الاعلى ، صرّف عنا البلاء كما صرفته عن إبراهيم الذي وفي" و هذه الأدعية مشهورة معروفة في قصة ذبحه لإبنه عبد الله و كيف فُدي عبد الله والد النبي بمائة من الإبل بعد قصة طويلة حصلت لا مجال لذكرها.
و لا ريب أن الآية الكريمة {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} (219) سورة الشعراء أكبر دليل على ما نقول و لكن أحببنا أن ننقل إلى القارئ الكريم بعض الأدلة التأريخية ليقف القارئ الكريم على حقيقة الأمر من حيث الخبر التأريخي و الخبر النقلي الروائي.
الجدير بالذكر بأن المخالفين يتمسكون بالآية الكريمة {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} (74) سورة الأنعام و يشكلون علينا قولنا لأن آباء النبي صلوات الله و سلامه عليه و آله جميعهم موحدون و بين هذه الآية الكريمة، و في الحقيقة إن هذا الأمر يستشكل على من لم يتدبر معان القرآن الكريم و لم يطلع على كتب الأنساب و التأريخ. فقد عرف بأن آزر هو عم سيدنا إبراهيم و قد تزوج من أمه بعد وفاة أبيه تارخ فكان يلقبه بلقب الأب و لا يخفى على القارئ الكريم بأن القرآن الكربم خاطب العم بلفظ الأب حيث قال {إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (133) سورة البقرة و نذكر هنا قول العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان ج7 عند الآية حيث يقول " فإبراهيم جد يعقوب و إسماعيل عمه و قد أطلق على كل منهما الأب، و قوله تعالى فيما يحكي من كلام يوسف (عليه السلام) {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ } (38) سورة يوسف جد يوسف و إبراهيم (عليهما السلام) جد أبيه و قد أطلق على كل منهما الأب. فقد تحصل أن آزر الذي تذكره الآية ليس أبا لإبراهيم حقيقة و إنما كان معنونا ببعض الأوصاف و العناوين التي تصحح إطلاق الأب عليه، و أن يخاطبه إبراهيم (عليه السلام) بيا أبت، و اللغة تسوغ إطلاق الأب على الجد و العم و زوج أم الإنسان بعد أبيه و كل من يتولى أمور الشخص و كل كبير مطاع، و ليس هذا التوسع من خصائص اللغة العربية بل يشاركها فيه و في أمثاله سائر اللغات كالتوسع في إطلاق الأم و العم و الأخ و الأخت و الرأس و العين و الفم و اليد و العضد و الإصبع و غير ذلك مما يهدي إليه ذوق التلطف و التفنن في التفهيم و التفهم. فقد تبين أولا أن لا موجب للاشتغال بما تقدمت الإشارة إليه من الأبحاث الروائية و التاريخية و الأدبية في أبيه و لفظة آزر و أنه هل هو اسم علم أو لقب مدح أو ذم أو اسم صنم فلا حاجة إلى شيء من ذلك في الحصول على مراد الآية"
3- إعتقادنا في القرآن الكريم
فصل في القرآن الكريم:
إعتقادنا في القرآن الكريم أنه الوحي المنزل من الباري عزوجل على نبينا المصطفى صلوات الله و سلامه عليه و آله و فيه تبيان المعارف كافة و أنه الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه فلا يجوز عليه النقص و لا الزيادة و لا التحريف، كيف و قد شهد القرآن لنفسه بأنه محفوظ من قبل الحق تبارك و تعالى. يقول الشيخ المظفر في عقائد الإمامية " أنّه كلّما تقدَّم الزمن، وتقدَّمت العلوم والفنون، فهو باق على طراوته وحلاوته، وعلى سموِّ مقاصده وأفكاره، ولا يظهر فيه خطأ في نظرية علمية ثابتة، ولا يتحمل نقض حقيقة فلسفية يقينية، على العكس من كتب العلماء وأعاظم الفلاسفة، مهما بلغوا في منزلتهم العلمية ومراتبهم الفكرية؛ فانّه يبدو بعض منها ـ على الاَقل ـ تافهاً أو نابياً أو مغلوطاً كلّما تقدَّمت الاَبحاث العلمية، وتقدمت العلوم بالنظريات المستحدثة، حتى من مثل أعاظم فلاسفة اليونان كسقراط وأفلاطون وأرسطو الذين اعترف لهم جميع مَن جاء بعدهم بالاَبّوة العلمية، والتفوّق الفكري.
ونعتقد أيضاً: بوجوب احترام القرآن الكريم، وتعظيمه بالقول والعمل، فلا يجوز تنجيس كلماته حتى الكلمة الواحدة المعتبرة جزءً منه على وجه يقصد أنّها جزء منه.
كما لا يجوز لمن كان على غير طاهرة أن يمسّ كلماته أو حروفه (لا يَمَسُّهُ إلاّ المُطَهَّرُونَ) سواء كان محدثاً بالحدث الاَكبر كالجنابة والحيض والنفاس وشبهها، أو محدِثاً بالحدث الاَصغر حتى النوم، إلاّ إذا اغتسل أو توضأ على التفاصيل التي تذكر في الكتب الفقهية."
فصل في صيانة القرآن الكريم من التحريف:
إن من أبشع التهم التي ألصقت بالشيعة الإمامية تحريف القرآن، و لعل منشأ هذه التهمة عدم فهم المخالف الفرق بين ما نزل من به الوحي على أنه قرآن كريم، و ما نزل به الوحي على أنه تفسير. و هذا هو السبب الرئيسي في لهذه المشكلة، أما السبب الثاني و هو وجود روايات ضعيفة الإسناد أو منقطعة أو معلولة لا يعتد بها تشير إلى وقوع الزيادة في القرآن الكريم ، ومن الأعلام الذين دقّقوا النظر في أسانيد هذه الروايات ونصّوا على عدم اعتبارها : الشيخ البلاغي في ( آلاء الرحمن ) والسيد الخوئي في ( البيان ) والسيد الطباطبائي في ( الميزان ) . ومن المعلوم عدم جواز الإستناد إلى هكذا روايات في أيّ مسألة من المسائل ، فكيف بمثل هذه المسألة الاصولية الإعتقادية ؟! ، و يحتج المخالفون علينا بهذه الروايات فنجيب أنه وردت عندنا أحاديث تعلمنا المنهج الإسلامي في قبول الروايات الواردة علينا فأي رواية تخالف القرآن الكريم يضرب بها عرض الحائط و مثال على هذه الأحاديث قول النبي المصطفى صلوات الله و سلامه عليه و آله (إِنَّ عَلَى كُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً وَ عَلَى كُلِّ صَوَابٍ نُوراً فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللَّهِ فَخُذُوهُ وَ مَا خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ فَدَعُوهُ .) و قوله صلوات الله و سلامه عليه و آله (أَيُّهَا النَّاسُ مَا جَاءَكُمْ عَنِّي يُوَافِقُ كِتَابَ اللَّهِ فَأَنَا قُلْتُهُ وَ مَا جَاءَكُمْ يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ فَلَمْ أَقُلْهُ) و أيضاً قول صادق أهل البيت عليه السلام (كُلُّ شَيْءٍ مَرْدُودٌ إِلَى الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ كُلُّ حَدِيثٍ لَا يُوَافِقُ كِتَابَ اللَّهِ فَهُوَ زُخْرُفٌ .) و أيضاً ورد أن إبن أبي يعفور قال (قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) عَنِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ يَرْوِيهِ مَنْ نَثِقُ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَا نَثِقُ بِهِ قَالَ إِذَا وَرَدَ عَلَيْكُمْ حَدِيثٌ فَوَجَدْتُمْ لَهُ شَاهِداً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَ إِلَّا فَالَّذِي جَاءَكُمْ بِهِ أَوْلَى بِهِ ) و هذه الروايات موجودة في الكافي ج1 ص 69. و أمثال هذه الروايات تنص و تدل بشدة على أن أي رواية بأي سند كانت مالم توافق كتاب الله فلا يعتد بها، فكيف بالله عليكم يحاسب الشيعة الإمامية على روايات هم أنفسهم يعتبرونها ساقطة لا يحتج بها و لا يعتد بها و لا يؤخذ بها ؟؟؟ ثم قد عرف المنهج في قبول الروايات فنحن نقول إننا نحاكم الروايات إلى القرآن الكريم لمعرفة صحة هذه الروايات من بطلانها و لا نحاكم القرآن الكريم الذي هو مقطوع الصحة و الدلالة إلى كلام البشر المنقول عن أسانيد قد تصح أو لا تصح، فمتى فهمنا و وعينا هذه المسألة إرتفعت الشبهة و ذهب الحرج
أما الروايات الواردة عن رجال ثقات وبأسانيد لا مجال للخدش فيها .
ولكن هذا القسم يمكن تقسيمه إلى طائفتين :
الاولى : ما يمكن حمله وتأويله على بعض الوجوه ، بحيث يرتفع التنافي بينها وبين الروايات الأدلّة الاخرى القائمة على عدم التحريف .
والثانية : ما لا يمكن حمله وتوجيهه .
وبهذا الترتيب يتّضح لنا أنّ ما روي من جهة الشيعة بنقصان آي القرآن قليل جداً ، لانّ المفروض خروج الضعيف سنداً والمؤوّل دلالة عن دائرة البحث .
إن من أهم ما يتمسك به المخالف من مستمسكات على الشيعة الإمامية كتاب فصل الخطاب للميرزا النوري، صحيح أنّ الميرزا نوري من كبار المحدّثين، إنّنا نحترم الميرزا النوري، الميرزا النوري رجل من كبار علمائنا، ولا نتمكّن من الاعتداء عليه بأقل شيء، ولا يجوز، إنّه محدّث كبير من علمائنا، لكن أغلب الناس لم يطلعوا على الكتاب بذاته و إنما إطلعوا على كتب الذين تهجّمون على الشيعة، ولا يوجد عندهم في التهجّم إلاّ نقاط منها مسألة تحريف القرآن، وليس عندهم إلاّ الميرزا النوري وكتاب فصل الخطاب، ، وما زالوا يكرّرون هذا، ما زالوا وحتّى يومنا هذا، بعضهم يحاول أن ينسب إلى الطائفة هذا القول من أجل كتاب فصل الخطاب، ولكن لو إطلع القارئ الموقر على كتاب فصل الخطاب لوجد خمسين بالمائة من رواياته من أهل العامة أو أكثر من خمسين بالمائة، ولوجد أنّ فصل الخطاب يشتمل علىالروايات المختلفة التي تقبل الحمل على اختلاف القراءات، وتقبل الحمل على الحديث القدسي، وتقبل الحمل على الدعاء، ولا يبقى هناك إلاّ القليل الذي والذي يجب أن يدرس من الناحية السندية.
و يتوجب علينا هنا أن ننقل بعض الأقوال لأساطين الطائفة تبين حقيقة الإعتقاد بالقرآن الكريم
1. الشيخ محمد بن علي بن بابويه القمي، الملقّب بالصدوق المتوفّى سنة 381 : إعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله على نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس باكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشر سورة. (الإعتقادات ص 93)
2. الشيخ محمد بن محمد بن النعمان ، الملقّب بالمفيد ، البغدادي المتوفّى سنة 413 : وقد قال جماعة من أهل الإمامة : إنه لم ينقص من كلمة ، ولا من آية ، ولا من سورة ، ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السّلام من تأويله ، وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز . عندي أنّ هذا القول أشبه من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل ، وإليه أميل ، والله أسأل توفيقه للصواب. (أوائل المقالات ص 81)
3. الشريف المرتضى على بن الحسين الموسوي ،الملقّب بعلم الهدى المتوفّى سنة 436: إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبدان ، والحوادث الكبار ، والوقائع الوقائع العظام ، والكتب المشهورة ، واشعار العرب المسطورة ، فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حدّ لم يبلغه في ما ذكرناه ، لأنّ القرآن معجزة النبوّة ، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينيّة ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية ، حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد ؟! ( مجمع البيان ج1 ص 15 ، عن المسائل لطرابلسيات للسيد المرتضى )
4. الشيخ محمد بن الحسن أبو جعفر الطوسي ،الملقّب بشيخ الطائفة المتوفّى سنة 460 في مقدّمة تفسيره : والمقصود من هذا الكتاب علم معانيه وفنون أغراضه ، وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق به أيضاً ، لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى ـ رحمة الله تعالى ـ وهو الظاهر من الروايات . غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصّة والعامّة بنقصان كثير من آي القرآن ، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً ، والأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها لأنّه يمكن تأويلها ، ولو صحّت لما كان ذلك طعناً على ما هو موجود بين الدفّتين ، فإنّ ذلك معلوم صحّته لا يعترضه أحد من الامّة ولا يدفعه (التبيان في تفسير القرآن ج1 ص 3)
5. الشيخ الفضل بن الحسن أبو علي الطبرسي ، الملقّب بامين الإسلام المتوفّى سنة 548 ما نصّة : ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ، فإنّه لا يليق بالتفسير ، فأمّا الزيادة فمجمع على بطلانها ، وأمّا النقصان منه فقه روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة : إنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، وهو الذي نصره المرتضى ـ قدّس الله روحه ـ واستوفي الكلام فيه غاية الإستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات. ( مجمع البيان ج1 ص 15 )
إلى غيرها من كثير من الكلمات لعلمائنا الأبرار في نفي هذه التهمة الشنيعة التي لا يقبلها عقل و لا نقل.
4- إعتقادنا في الإمامة
فصل في إعتقادنا في الإمامة:
إعتقادنا في الإمامة بأنها الاَصل الرابع من أصول الدين عند الشيعة الاِمامية، وتأتي من بعد النبوّة من حيث الاَهمية، ويمكن اعتبارها القاعدة العقائدية التي بها يتميّز الامامية عن غيرهم من المذاهب الاسلامية، وتعتبر الاِمامة الاَساس الفكري الذي يبتني عليه مذهب أتباع أهل البيت عليهم السلام.
والامامة في اللغة هي: عبارة عن تقدّم شخص ليتبعه الناس ويقتدون به، فيكون المقتدى هوالامام والمقتدون هم المأمومون. فالاِمام: المؤتم به إنساناً، كأن يقتدي بقوله أو فعله، وجمعه: أئمة.
أما المعنى الاصطلاحي لكلمة الامامة فهي: منصب إلهي يختاره الله بسابق علمه بعباده كما يختار النبي، ويأمر النبي بأن يدلّ الاَمّة عليه ويأمرهم باتّباعه، وليس للعباد أن يختاروا الامام بأنفسهم: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (68) سورة القصص ويختلف الامام عن النبي بأنّ النبي ويوحى إليه والامام يتلقّى الاَحكام من النبي بتسديد إلهي. فالنبي مبلّغ عن الله، والامام مبلّغ عن النبي. هذا ما يعتقده الامامية.
و يقول الشيخ المظفر في كتاب عقائد الإمامية "نعتقد: أنّها كالنبوَّة لطف من الله تعالى؛ فلا بدَّ أن يكون في كل عصر إمام هادٍ يخلف النبي في وظائفه من هداية البشر وارشادهم إلى ما فيه الصلاح والسعادة في النشأتين، وله ما للنبي من الولاية العامّة على الناس، لتدبير شؤونهم ومصالحهم، وإقامة العدل بينهم، ورفع الظلم والعدوان من بينهم. وعلى هذا، فالامامة استمرار للنبوّة، والدليل الذي يوجب إرسال الرسل وبعث الاَنبياء هو نفسه يوجب أيضاً نصب الاِمام بعد الرسول.
فلذلك نقول: إنّ الامامة لا تكون إلاّ بالنص من الله تعالى على لسان النبي أو لسان الاِمام الذي قبله، وليست هي بالاختيار، والانتخاب من الناس، فليس لهم إذا شاؤوا ينصبوا أحدا نصّبوه ، واذا شاء وا أن يعيّنوا إمام لهم عيّنوه ، ومتى شاؤوا أن يتركوا تعيينه تركوه، ليصح لهم البقاء بلا إمام، بل (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة) على ما ثبت ذلك عن الرسول الاَعظم بالحديث المستفيض.وعليه لا يجوز أن يخلو عصر من العصور من إمام مفروض الطاعة، منصوب من الله تعالى؛ سواء أبى البشر أم لم يأبوا، وسواء ناصروه أم لم يناصروه، أطاعوه أم لم يطيعوه، وسواء كان حاضراً أم غائباً عن أعين الناس؛ إذ كما يصح أن يغيب النبي كغيبته في الغار والشعب صحَّ أن يغيب الامام، ولا فرق في حكم العقل بين طول الغيبة وقصرها."
فصل في أن الإمامة بالنص:
نعتقد في الإمامة كما سبق تبيانه بأنها منصب إلهي و عليه فإن هذا المنصب الإلهي يجب أن يُعين القائم عليه من قبل الحق تبارك و تعالى، و لذلك عقيدتنا نحن الشيعة الإمامية بأن الإمامة هي كالنبوة من حيث أنها لطف من الباري عزوجل و بالتالي لا تكون إلا بالنص من الله العلي القدير على هؤلاء الأئمة الذين سيحملون هذه الأمانة العظيمة. قال شيخنا المظفر في عقائد الإمامية "نعتقد: أنّ الاِمامة كالنبوّة؛ لا تكون إلاّ بالنص من الله تعالى على لسان رسوله، أو لسان الامام المنصوب بالنص إذا أراد أن ينص على الامام من بعده. وحكمها في ذلك حكم النبوّة بلا فرق، فليس للناس أن يتحكَّموا فيمن يعيّنه الله هادياً ومرشداً لعامّة البشر، كما ليس لهم حق تعيينه، أو ترشيحه، أو انتخابه؛ لاَنّ الشخص الذي له من نفسه القدسية استعداد لتحمّل أعباء الامامة العامّة وهداية البشر قاطبة يجب ألا يُعرف إلاّ بتعريف الله ولا يُعيَّن إلاّ بتعيينه." قد قال الباري جل و علا في محكم كتابه الحكيم {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (68) سورة القصص و عليه فإن كل أمر يعتبر من مختصات الحق تبارك و تعالى لا يجوز للناس أن يختاروا بعد أمر الله سبحانه و تعالى.
تعليق