من سلسلة مسير الأرواح بعد الموت
/ السيد النجفي القوجاني - قم



وأنا في تلك الحال من الاستيحاش الرهيب واليأس الشديد .. إلاّ من الله ، جلست عند رأس الجنازة .. ولاحظت شيئا فشيئا ..

أن القبر أخذ يهتز .. وراح التراب ينهال من سقف اللحد ..

وكانت الأرض التي تلي قدمي الجثة تضطرب .. وكأن حيوانا يحاول أن يشقها ليدخل القبر ..


وأخيرا ..

انشقت الأرض وخرج منها شخصان لهما ملامح مخيفة وهيكلان مهيبان ..

كانا كوحشين قويين .. يخرج من فميهما ومناخيرهما النار والدخان .. وبيديهما هراوتان من حديد محمّر .. كجمرتين يتطاير منهما الشرر ..

أخذا يطرحان على الجثة .. أسئلة بصوت .. كالرعد القاصف .. كاد يهز السماء والأرض ..


قالا له : (( من ربك ؟؟ )) ..

أما أنا .. فقد جفّ حلقي من شدة الخوف والهلع .. وقلت إن هذه الجثة التي لا روح فيها .. لايمكن أن تجيب على سؤاليهما ..

لاشك أنهما سينهالان عليها بالضرب بهراوتي النار .. فيمتليء القبر بالنار المحرقة ويشتد الأمر ..فمن الخير إذن أن أرد أنا !!

فتوجهت إلى الله أمل اليائسين والمساكين .. وملجأ الحيارى .. وتوسلت في قلبي بعلي بن أبي طالب ..

الذي كنت أعرفه جيدا .. وأعرف أنه يدرك الملهوفين ..

!!!! !!!!!!!!! !!!!! ! !!!! .......


ولما طال الزمن على رد الجواب .. عاد السائلان يسألان بغيظ وحنق .. وبصوت أشد من ألأول .. وبغضب شديد اسودّ منه وجهاهما .. وانبعث الشرر يتطاير من عينيهما :

(( من ربك ؟؟ ))

ولكنني .. قبل أن يركبني الخوف كالسابق .. أجبت بصوت ضعيف : ((الله ربي)) .

: (( هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم + هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون )) ..

هذه الآيات الشريفة كنت أتلوها في تعقيب صلاة الصبح دائما .. تلوتها عليهما لمجرد إظهار أني أحفظها ..

لقد لاحظت أن غضبهما قد هدأ , وتفتحت ملامح وجهيهما ..

والتفت أحدهما يقول للآخر : يبدو أن هذا من علماء المسلمين .. وهو جدير أن نتلطف بسؤاله !!!

إلا أن الآخر قال : إن سلوكنا معه يعتمد على جوابه عن سؤال آخر .. علينا أن
نواصل مهمتنا .. لا تهمنا شخصية الميت .. المراكز والمقامات لا اعتبار لها في نظرنا ..

فالتفت إلى الجثة قائلا : (( من نبيك ؟؟ )) ..

عندئذ هدأت ضربات قلبي وانفتح لساني أكثر .. فقلت : (( محمد نبيي )) ..

هنا .. زال عنهما كل غضب وحنق .. وأشرق وجهاهما ..

ثم أخذا يسألانني عن الكتاب والقبلة والإمام وخليفة رسول الله ..

فأجبت .. بل ورحت أذكر لهما اسم كل واحد من أئمتنا العظام ونسبه وحسبه ..

سكتّ أنتظر أن يطرحا عليّ أسئلة أخرى .. ولكنهما لم يسألا تلك الأسئلة .. وإنما سألاني : (( من أين لك هذه الإجابات ؟؟ ممن تعلمتها ؟ )) ..

لم أجب .. بل احتواني التفكير .. كنت غارقا في بحر التأملات عندما سمعت صيحتيهما كصاعقة من السماء : (( من أين لك هذا الذي قلته ؟؟؟ )) ..

نظرت .. وليتني لم أنظر ..

رأيت علامات الغضب الشديد على ملامحهما .. لقد برزت عيونهما محمرة كشعلة النيران .. واسودّ وجهاهما .. أصبح فميهما كأفواه الإبل .. بدت في فميهما الأنياب الصفر الطويلة ..

لقد رفعا هراوتيهما تهيؤا للضرب .. أصابني من ذلك فزع شديد ..

قلت بصوت ضعيف : (( ذلك ما هداني الله إليه )) .. وغشي عليّ ..

سمعتهما يقولان : (( نم نومة العروس )) وذهبا ..

لعلي قد استولى عليّ النوم أو الاغماء .. لا أدري .. ولكن شعرت بأني قد تحررت من ذلك الخوف ..

- يتبع -

+++++

ملاحظة : إن هذه الحالة من الاستعداد للإجابة التي يجسدها المؤلف ، إنما تحكي حال الأشخاص من أمثاله .. شيوخ أجلاء ، ممن أمضوا السنوات في اكتساب المعرفة وخدمة الناس والأعمال الصالحة والفضائل الانسانية .. أما الذين غفلوا عن كل ذلك وانغمسوا في حب الدنيا ، فيلقون حالة صعبة للغاية ..