من سلسلة مسير الأرواح بعد الموت

/ السيد محمد النجفي القوجاني - قم


وبعد برهة ..

عدت إلى رشدي وفتحت عيني .. وإذا بي في غرفة مفروشة ..

رأيت شابا صبيحا .. جميل الشعر .. طيب الرائحة .. يضع رأسي في حجره ..

ينتظرني أن أفيق !! رفعت رأسي عن حجره أدبا وتواضعا .. سلّمت عليه ..

تبّسم في وجهي .. ونهض وهو يرد عليّ السلام .. لقد عانقني بكل مودة وحب .

سألته :

(( من أنت ؟؟ ما اسمك ؟؟ إلى من تنتسب ؟؟ .. ما أحلى أن تكون رفيقي ..

والله ما أحلى أن أكون بصحبتك !!! )) ..

قال :

(( اسمي الهادي .. وأكنّى بأبي الوفاء وبأبي تراب ..

أنا الذي ألقيت في قلبك الجواب الأخير الذي قلته فنجوت .. وإلاّ ...

لامتلأ المكان بالنار من ضرب هراوتيهما .. ))

قلت :

(( أشكرك على ألطافك .. فأنا في الحقيقة طليق يديك ..

ولكن ... سؤالهم الأخير بدا في نظري لا فائدة فيه ..

فلو وضعت جمرة في كف انسان مثلا .. وقال : إن يده احترقت .. فلا يمكن أن

نسأله : لماذا تقول ذلك ؟؟؟؟!!!! )) ..

قال :

(( لا .. ليس من هذا القبيل .. بل لابد من الايمان القلبي ..

أما إذا كان الجواب : كان الناس يقولون فقلت .. فعندئذ لا ينفع التقليد في القول

بغير أن يعقد عليه القلب .. أنت تعلم أن أخبار المعصومين تورد هذه التفاصيل )) .

قلت :

(( نعم ...... لا أبعدك الله عني !! قل لي .. كيف حدث أنك تعرفني ؟؟

أنا لم أرك من قبل ؟؟ )) ..

قال :

(( لقد كنت معك منذ البداية .. وأنا أكنّ لك الود .. لكنك لم تشعر بي ..

لأنك في عالم المادة لم تكن قوي البصيرة ..

ما أنا إلاّ حبل المحبة .. ذاك الذي يربطك بعليّ بن أبي طالب وأهل بيت النبوة !!

ولذلك كان اسمي الهادي .. أي هاديك أنت !!!

أما هو : يقصد علي : فإنه هادي المتقين جميعا ..

++ ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ++

إن مقدار استعدادي لمسالمتك وعدم مسالمتك يعود إليك ..

ففي حالة معصيتك أهرب منك .. وفي حالة توبتك أكون جليسك ..

إلا إني في رحلة هذا العالم لا أنفصل عنك .. إلاّ عند تقصيرك أو قصورك ..

وهما من صنع يديك : ++ ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلاّم للعبيد ++

سأذهب الآن وأتركك تستريح ..

فما أنا إلا تلك الأمانة الإلهية التي عهد بها الله إليك ..

إن القرآن مليء بحكايتي .. ولكن .. من المؤسف أنك قرأت القرآن كثيرا ..

ومع ذلك تقول : أنك لا تعرفني !!!! )) ..



- يتبع -


+ ملاحظة : إن الايمان أمر قلبي .. وتعني الشهادة والتصديق ، ولا يحصلان إلا عن طريق المنطق الفطري والاستدلال الصحيح .. ولا يقبلان عن طريق تقليد الأبوين أو سائر الناس .. فإن شهادة كهذه سرعان ما تزول إذا صادفت أتفه شبهة أو مغالطة ، وحتى لو بقيت آخر العمر .. فإنها لا تنفع في عالمي البرزخ والآخرة .. لذلك فإن من واجبات كل أب وأم أن يضعا أبناءهما على صراط الدين بالاستدلال ، وإذا لم يؤديا واجبهما هذا ، فالمفروض على كل انسان فرضا عقليا : أي بعد بلوغه سن التكليف .. أن يتفهم أصول العقائد فهما جيدا ، حتى لا ينحرف عند أضعف شبهة ..