الأحكام الشرعية بين القيل والقال
"ولا تقفُ ما ليسَ لكَ به علم, إنَّ السمعَ و البصرَ والفؤاد كل أُولئكَ كان عنه مسؤولا"...
لا ريب أن لكل علم ذوي اختصاص يقومون بمهامه.. فالنجار لا ينوب عن الطبيب , والمدرس لا يقوم بعمل الطيار.. وهكذا. ولعل الأحكام الشرعية وما يتعلق بها تعتبر من أوسع بل وأخطر العلوم.. ولكـن!
إن من أعجب الأعاجيب المنتشرة في المجتمع هو عدم الرجوع إلى المختصين في هذا الأمر وعدم الاكتراث بالمسائل الشرعية.. فمنهم من أسسوا حوزاتهم العلمية الخاصة! يفتون كما يشتهون , ويقيسون حكماً شرعياً على آخر , ويستحسنون أحكاماً ويتركون أُخرى كيفما تقتضي أهوائهم دون أن يفرقوا بين حلال أو حرام.. بل إن منهم من يحرص على المستحبات ويترك الواجبات ويلتزم بترك المكروه ولا يجتنب عن الحرام.. يقولون بآرائهم رجماً بالغيب دون وازعٍ من تقوى الله ..قد يهون الخطب لو أنه اقتصر على بسطاء الناس و عوامهم, ولكن حتى بعض (المثقفين) وهم ليس إلا أخماس متعلمين لهم أرائهم في هذا الشأن!! واليك صدىً لبعض أصواتهم ..
يقول أحدهم : أنا لا اقلد أي فقيهٍ أبداً ,بل أعتمد على القرآن والأحاديث النبوية.. فيخبط خبط عشواء مفسراً الكتاب والسنّة دون أن يمتلك ذرّةً من علم.. أما الآخر فيكذب الروايات الواردة عن الأئمة الأطهار وكراماتهم وحجته في ذلك أنّه لم يسمع بها من قبل أو أن عقله (القاصر) ليس له القدرة على إدراكها وكأنّه أحاط بكل شيءٍ علماً!.. وقد سمعتُ أحدهم وهو يهزأ ببعض الفتاوى ويعترض على الفقهاء ويناقش آرائهم (بأدلةٍ) لا تدل على شيء سوى جهله المطبق! أمّا الآخر فله بعض الاستنتاجات ومنها قوله : بما أن صيام أول أيام الفطر والأضحى حرام , فيكون صيام يوم الغدير حراماً كذلك .. و لا يؤمن باستحباب صيام هذا اليوم الكريم باعتباره من اعظم الأعياد.. كما أنّه لا يحبذ صيام الخامس عشر من شعبان باعتباره فرحةً كبرى.. فأسمع وأعجب وعلى هذه فقس ما سواها !!
قال تعالى (( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)) .. إنّ مسألة التخصص في الأحكام الشرعية فقهاً وأصولاً وما يتعلق بهما تتطلب دراسة معمقة ومكثفة طويلة الأمد لكثير من العلوم القرآنية والعقائدية والفلسفية و.... و...لكي يكون المتصدي لذلك الاختصاص فقيهاً يمكن العمل بفتواه.. ومن جانب آخر , فإن الأحكام الشرعية لا تخضع للاستحسان والقياس , بل هي أحكام تعبدية توقيفية صدرت من رب الحكمة الذي يعرف مصالح الأمور .. و لا يحق حتى لرسول الله (ص) ان يشرع حكماً لأنّهُ ( وما ينطق عن الهوى ،إن ْ هو إلا وحيٌ يوحى).. فمن آمن بالله وحكمته وحسن تدبيره , أدرك أن لكل تشريع حكمة بالغة قد تكون أكبر من أن يدركها العقل البشري القاصر.. فكيف يعطي البعض لأنفسهم الحق بان يفتوا ويعترضوا ويناقشوا دون علم معرضين الشريعة المقدسة الى القيل والقال متناسين قول النبي الأكرم :
(من أفتى بغير علمٍ فليتبوأ مقعده من النار)
تعليق