البروستاتا غدة في حجم الجوزة تقع على اسفل عنق المثانة ويخترقها الاحليل او مجرى البول (صورة). وظيفتها افراز قسم من السائل المنوى لتغذية وتنشيط الحييات المنوية ومساعدتها على اختراق البويضة لتلقيحها. فلنشبّه المثانة بالبالون والأحليل فمه الذي ينفخ به والبروستاتا كتفاحة يخترقها انبوب البالون والاحليل عبر وسطها، فاذا ما ضغطت التفاحة على الزلعوم لما تمكنه البالون بتفريغ نفسه الا بصعوبة واذا ما اشتد الضغط يمكن اغلاق الزلعوم تماما فلا يمر اي سائل عبره مهما قوي الضغط على البالون. وهذه المشابهة المبسطة تعطي فكرة واضحة عن آلية تضخم البروستاتا وعوارضه واسبابه ووسائل تخفيف الضغط على الزلعوم او الاحليل.
فالمثانة عضو متطور جدا من حيث الوظيفة، تستطيع ان تختزن كمية كبيرة من البول تحت ضغط خفيف وعند التبول يفتح صمام الاحليل تلقائيا بامر من الدماغ والنخاع الشوكي واعصاب الحوض وتحث هذه المراكز المثانة على تفريغ البول فتتقلص ويزيد ضغطها وتدفع البول الى الخارج عبر الاحليل. فاي ضغط على الاحليل او ضيق فيه او اي مرض عصبي يؤثر على عضلات المثانة سيمنع تفريغها بطريقة تلقائية ومنتظمة.
ان تضخم البروستاتا مع عوارضه المختلفة مرض شائع عند الرجال المسنون.. ففي دراسة اجريت في الولايات المتحدة عام 1990م. تبين ان هنالك , 56ملايين رجل من اصل , 225مليون رجل ابيض يتراوح اعمارهم ما بين 50و 79عاما يشتكون من عوارض تضخم البروستاتا الحميد. ولكن هذه النسبة قد تكون اقل مما هي عليه لان الكثيرين من الرجال يتقبلون عوارضهم ولا يستشيرون الطبيب للمعالجة. واشارت عدة دراسات عالمية الى ان عمر الرجل وحجم بروستاته لهما تأثير كبير في احتمال حدوث احتباس البول وضرورة المعالجة. فإذا كان حجم البروستاتا اكثر من 30غراماً وسرعة البول اقل من 12مليليتر بالثانية فأمل حدوث الاحتباس هو حوالي 14%. وتضخم البروستاتا الحميد حالة مرضية مزمنة ومتعاظمة من حيث الخطورة واتساع المدى قد تسبب عوارضا بولية خفيفة او شديدة حسب درجة ضغط البروستاتا المتضخمة على الاحليل، ولكن مخاطرها قليلة على المدى الطويل الا اذا سببت احتباسا بولياً او فشلا كلويا او حصيات في المثانة او نزيفا بوليا او التهابات بولية متكررة لا تتجاوب مع العلاج بالمضادات الحيوية. فهنا يجب الاشارة الى انه رغم ان حجم البروستاتا المتضخمة قد يزيد حدة العوارض، ولكن ما هو اهم هو قوة الض
غط على الاحليل ودرجة اغلاقه التي تسبب المشاكل والعوارض. فحتى البروستاتا الصغيرة الحجم قد تعصر الاحليل وتحبس البول. وتضخم البروستاتا يزيد تدريجياً كل سنة وكلما زاد حجمها ارتفعت نسبة وحدة عوارضها على مر السنين. ولكن لماذا تتضخم البروستاتا تدريجياً مع التقدم بالعمر وهل من الممكن الحد من تضخمها؟
ان ما هو مألوف وثابت طبياً ان البروستاتا تحت تأثير الهرمون الذكري المفرز من الخصيتين. فالرجل المخصي مثلا لا يشتكي من تضخم البروستاتا او من عوارضها. فمع تقدم العمر يحدث عند الرجال تغييرات هرمونية داخل انسجة البروستاتا مع ارتفاع نوع خاص من الهرمون الذكري الشديد التفاعل والحدة وهو هرمون "ديهيدروتستوستيرون" Dihydrotestosterone الذي قد يلعب دورا فعالا في حث الخلايا البروستاتية والعضلات الملساء والكولاجين داخلها الى النمو. وهنا يجب الاشارة الى ان هنالك دراسات عالمية قائمة على اساس حصر انتاج هذا الهرمون الذكري الذي برهن ان هذا العلاج الذي سنشرحه لاحقا فعال في معالجة تضخم البروستاتا وقادر على تحجيمها والوقاية من مضاعفاتها واخطارها. ولكن العامل الهرموني قد لا يكون العامل الاساسي او الوحيد بل هنالك عوامل كثيرة اخرى تطرقت اليها عدة دراسات حديثة واتضح تأثيرها على نمو البروستاتا عند الرجال المسنين. فاكتشاف هذه العوامل قد يكون له تأثير كبير على تفهم الية التضخم البروستاتي وعلى امكانية تداركه ومعالجته غير الجراحية والفعالة. فقد اتضح حديثا ان هنالك جينات خاصة موجودة في خلايا البروستاتا تلعب دورا مهما في عملية نموها او عدمه و
ان "لعوامل النمو" تأثيراً على الهرمونات والخلايا والعضلات الملساء وان "ثالث فسفات الادينوزين" (ATP) الذي يزيد تركيزه في حالة الاقفار في الانسجة كما يحصل في البروستاتا المضغوطة قد يكون مسؤولا عن تقلص عضلاتها التي يسبب عصرها للاحليل وان الجهاز العصبي الودي Sympathetic الموجود في كل انحاء الجسم وله مسؤوليات عديدة قد يزيد تفاعله وحدته في البروستاتا نفسها فيزيد من تشنجها وتقلصها.
التشخيص
وقبل المباشرة في مناقشة تشخيص تضخم البروستاتا الحميد ووسائل علاجه علينا الاشارة الى اننا توصلنا طبياً باستعمال عدة عوامل سريرية ومخبرية في التنبؤ عن حدوث تقدم في العوارض البولية وحاجة المريض المستقبلية للعلاج. ومن اهم هذه العوامل حدة وشدة العوارض البولية، وعمر المريض وتركيز مادة "ب اس اي" (PSA) في الدم وسماكة عضلات المثانة وسرعة البول وحجم التبول.
ان تشخيص تضخم البروستاتا الحميد يرتكز على الاعراض السريرية والفحوصات المخبرية. واكتشاف حدة وضخامة العوارض يتطلب من المريض في الاجابة الخطية على عدة اسئلة تتعلق بعوارضه البولية وشدتها بتسجيل نقاط ترتفع كلما اشتدت هذه العوارض. وهذه الاسئلة تتطرق الى قوة دفع البول، وتقطيعه والصعوبة في افراغ المثانة والى الحاجة الملحة للتبول ونسبة تكرار التبول في النهار والليل وحصول سلسل بولي او ادرار للبول بعد الانتهاء من التبويل والى المدة التي يستغرقها المريض قبل البدء في التبول والى تأثير هذه العوارض على حياته اليومية وجودتها. فتجمع النقاط ويعطى كل مريض علامات خاصة حسب الإجابة على النقاط . ومن اهم العوارض البولية التي يشكو منها اغلب المرضى على مختلف الدرجات دفع بطيء للبول مع تقطيع جريانه والتأخير في التبول والالحاح البولي الذي قد يسبب سلساً بولياً اذا ما استطاع المريض ان يصل الى المرحاض بسرعة، وتكرار البول في النهار وفي الليل، والى حدوث تقاطر البول بعد الانتهاء من التبويل، والى الصعوبة في تفريغ المثانة والحاجة الى التبول المكرر في فترة تقل عن الساعتين والشعور بعدم القدرة على التحكم بالبول وحدوث نزيف بولي او التهابات بولية مت
كررة. وحديثا تبين من دراسة األوف المرضى انه كلما اشتدت العوارض البولية حدة وشدة ارتفعت نسبة العجز الجنسي عند هؤلاء الرجال. وفي بعض الحالات قد يسبب تضخم البروستاتا تكوين الحصيات في المثانة بسبب رقود البول داخلها وقد يؤدي الى الفشل الكلوي في بعض الحالات النادرة. وبعد التحري عن العوارض البولية والامراض السابقة التي تعرض اليها المريض. يجري الطبيب فحصا سريرياً كاملاً مع التركيز على الفحص الشرجي للبروستاتا وقياس حجمها والتأكد من خلوها من اية جسوء او تحجر او عقيدات ودرجة تناظرها، ويشمل الفحص السريري التحري عن وجود اي خلل في الجهاز العصبي: واما بالنسبة الى الفحوصات المخبرية الاضافية فهنالك جدل طبي بين الاخصائيين عن جدوى وضرورة بعض التحاليل واهميتها في التشخيص والمعالجة. وقد عُقدت ندوة عالمية في باريس ضمت خبراء عالميين في امراض البروستاتا، وقد اشتركت فيها، اقرت ان الفحص المخبري يجب ان يكون محدودا ويشمل تحليل البول ومزرعته وتحليل الدم للتحري عن وظيفة الكلى وتركيز مادة PSA والسكر في الدم وتخطيط سرعة جريان البول باستعمال آلة لمقياس جريان البول على عدة مراحل وقياس ثمالي البول في المثانة مباشرة بعد التبول باستعمال الاشعة ا
لصوتية. واما باقي الفحوصات المتقدمة مثل قياس ضغط المثانة الاقصى عند التبول واقترانه بسرعة البول وتخطيط المثانة والاحليل والصمام الالكتروني فلاحاجة الى اجرائهما الا اذا ما تعذر تشخيص الانسداد بالوسائل المذكورة سابقا ونادرا ما يحتاج الاخصائي الى الاعتماد عليهما للمعالجة او التنبؤ بنجاح العلاج. واما بالنسبة الى تصوير الجهاز البولي بالصبغة واجراء تنظير للمثانة فلا حاجة اليهما الا عند وجود نزيف بولي ظاهر او مكتشف في تحاليل البول.
وبعد التشخيص يجب على الاخصائي مناقشة حالة المريض معه وتأثير عوارضه البولية على جودة حياته ودرجة انزعاجه ومضايقته منها ونتائج تحاليله وفحصه السريري باسهاب وموضوعية كاملة ويسرد عليه مختلف وسائل المعالجة مع نسبة نجاحها ومخاطرها ومضاعفاتها وتكاليفها. ففي اغلب الحالات يكون القرار النهائي للعلاج وضرورته وشكله راجعاً الى المريض نفسه بعد ان يتم تثقيفه وارشاده عن جميع الاحتمالات. واما الحالات التي تستدعي الجراحة الفورية فهي تشمل الفشل الكلوي واحتباس البول والنزيف البولي والالتهابات المتكررة التي لا تتجاوب مع علاج المضادات الحيوية. واما بالنسبة لوجود حصيات في المثانة كانت القاعدة الطبية في الماضي اجراء عملية استئصال البروستاتا واستخراج الحصيات معا ولكن الآن تبين انه من الممكن معالجة الحصيات الجراحية بدون اجراء اية جراحة على البروستاتا نفسها. واذا لم تكن هنالك اية استطبابات طبية ملحة لاجراء عملية جراحية على البروستاتا فقرار العلاج ونوعيته يعود الى المريض نفسه.
فبعض المرضى لا يعتقدون ان عوارضهم مزعجة الى حد انها تستدعي العلاج فيفضلون التعايش معها وان يتقوا العلاج اذا ما ازدادت حدتها واذا ما زاد تضايقهم منها، بعد ان يطمئنوا ان حالتهم لا تمثل اي خطر طبي.
واما غيرهم من الذين يشتكون من ذات العوارض او حتى اخف منها فيفضلون معالجتها باكرا حتى لا تسوء وتستدعي عملية جراحية قد تكون اخطر مع تقدم السن.
فالخيار يعود الى المريض نفسه بعد تفهمه التام لحالته واحتمال تقدم عوارضها مع العمر مع ضرورة معالجتها جراحيا او حدوث احتباس بولي.

منقووووووووووول