
كات ستيفنس: أهداني شقيقي الأكبر القرآن الكريم هدية في أعياد "الكريسماس" فكانت نقلة كبرى في حياتي
كانت هناك محطتان مهمتان في الرحلة الايمانية التي قادت المغني البريطاني كات ستيفنس الى اعتناق الاسلام وتغيير اسمه الى يوسف اسلام. فهاتان المحطتان كانتا سببا رئيسيا في الوصول الى قرار اشهاره الاسلام في عام 1977. فالاولى عندما اهداه شقيقه نسخة من القرآن الكريم، حيث هذه اول مرة يتعرف فيها كات ستيفنس على الاسلام عبر شقيقه الاكبر. والثانية عندما انقذ من الغرق اثناء سباحته في البحر.
وكان شقيقه الاكبر قد عاد في منتصف السبعينات من زيارة الى القدس متأثرا بما رأى هناك. وبدأ يقص على شقيقه الآثار الطيبة التي خلفتها زيارته الى هذه المدينة المقدسة، وانبهاره بالمعاملة الكريمة التي عومل بها من المسلمين هناك. فمن هنا بدأت اولى خطوات رحلة ستيفنس الايمانية التي لم تكن رحلة سهلة، بل كانت رحلة صعبة وشاقة.
وعلى الرغم من ان يوسف اسلام ليس هو حديث عهد بالاسلام الآن، اذ مر على اسلامه قرابة ثلاثة وعشرين عاما، فإننا نستعرض هنا تفاصيل رحلته الايمانية في ملف "المسلمون الجدد" لانها مليئة بالتجارب والمواقف التي يجب معرفتها وتبيان تفاصيلها، خاصة انه حرص في بداية اسلامه على تكوين حلقة اسلامية عرفت بـ"اسلاميك سركيل" كانت تعنى بالمسلمين الجدد في محاولة للتعبير عن أمور دينهم واعانتهم على تثبيت الايمان في قلوبهم.
وأظهر يوسف اسلام منذ اشهاره الاسلام حتى اليوم حماسة قوية للعمل من اجل خدمة الاسلام وبذل جهودا مقدرة في سبيل الدعوة الاسلامية داخل بريطانيا وخارجها، مما اكسب عمله وجهوده الاسلامية بعدا عالميا.
ولقد التقيت بالداعية الاسلامي يوسف اسلام اكثر من ثلاث مرات خلال العام الماضي في لندن. كما التقيته في مؤتمر اتحاد المسلمين في شمال اميركا في اغسطس (آب) الماضي بمدينة شيكاغو الاميركية، وشرحت له في هذه اللقاءات انشغالي باعداد ملف عن المسلمين الجدد لنشره في صحيفة "الشرق الأوسط" خلال شهر رمضان الحالي، فأشاد بالفكرة. خاصة انه ليست لدي المراجع والمصادر المهمة المتعلقة بتفاصيل اسلامه. كما تحدثنا في اكثر من مناسبة عن اهتماماته بشأن الاسلام والمسلمين داخل بريطانيا وخارجها. وبالاضافة الى اهتمامه الدعوي، اولى يوسف اسلام اهتماما خاصا بالتعليم. ودعا في اكثر من مناسبة الى انشاء المدارس الاسلامية في بريطانيا. وكان له قصب السبق في انشاء اول مدرسة اسلامية مكتملة في بريطانيا "المدرسة الاسلامية" في شمال لندن.
حرص يوسف اسلام منذ الايام الاولى من اشهاره الاسلام على ان تكون له علاقة وثيقة بالمركز الثقافي الاسلامي في لندن. كما شارك بجهد مقدر في الاعمال التطوعية الخيرية، ومنها العمل في جمعية عمار المساجد. ثم شرع في تكوين حلقة دراسية اسلامية كانت تعنى بالمسلمين الجدد في بريطانيا. اما عن رحلته الايمانية فيقول انها بدأت مع هدية من شقيقه الاكبر تمثلت في نسخة من كتاب الله وأحاديث عن المساجد في القدس، مشيرا الى انه بعد ان فرغ من قراءة القرآن الكريم لأول مرة في حياته اكتشف معنى الخلق والحياة. ووجد مجموعة اجابات لمجموعة من الاسئلة الحائرة التي كانت تدور في رأسه عن الخلق والخالق.
واستطاع يوسف ان يتكيف بسرعة مع دينه الجديد مع حماسة بالغة لهذا الدين ساعدته في تغيير نفسه وتحويلها من هيبي السبعينات الى ركن من اركان المجتمع الاسلامي البريطاني.
ولد ستيفن جورجيو في عام 1947 في لندن من اب اغريقي وام سويدية. وبدأ يكتب الاغاني منذ صغره، وهو طالب في كلية همرسميث في لندن صدرت له اول اغنية بعنوان "احب كلبي" في عام 1966. وبدأ يشتهر في عالم الغناء باسم كات ستيفنس، وفي يناير (كانون الثاني) عام 1967 سجلت احدى اغنياته لأول مرة ضمن قائمة افضل عشر اغنيات.
وبعد شفائه من مرض اوقفه عن اداء نشاطه لمدة زمنية، عاد من جديد الى عالم الموسيقى والغناء في عام 1970، وذاعت اغنياته وأصبح مغنيا مشهورا وموسيقيا معروفا، وتخطت اغنياته حاجز المحلية الى نطاق العالمية.
المنفى من الضرائب
وفي عام 1977 بعد ان امضى بعض الوقت في المنفى من الضرائب البريطانية في البرازيل. وبعد فترة وجيزة من هذه العودة بدأ رحلته الايمانية بحثا عن اجابات مقنعة عن اسئلة حائرة عن الحياة والموت والخلق والخالق.
وبالفعل بعد دراسة عميقة ومتأنية عن الاديان توقف ستيفنس عند دراسة الاسلام وبدأ يقرأ العديد من الكتب الاسلامية بالاضافة الى قراءة القرآن الكريم فشعر بانجذاب نحو الاسلام. فسارع الى اشهار اسلامه في عام 1977 وتغيير اسمه من كات ستيفنس الى يوسف اسلام. وبعد اسلامه هجر الغناء والموسيقى.
وفي عام 1979 تزوج من فوزية علي، فتاة آسيوية مسلمة، رآها في مسجد كينسينجتون وسط غرب لندن وانجب منها اطفاله الخمسة.
العزوف عن الغناء والموسيقى
وبدأ يوسف يتعمق في فهم الاسلام عن طريق دراسة القرآن الكريم دراسة عميقة. فتوصل بعدها الى قناعة تامة بضرورة العزوف عن الغناء والموسيقى والتخلي عن مهنته كمغن، فباع آلاته الموسيقية وهجر الموسيقى تماما. وسخر دخله المادي في تأسيس مدرسة اسلامية تربي النشء تربية اسلامية وتعلمه اموره الدينية، اضافة الى التعليم النظامي العادي. وبالفعل انشأ المدرسة الاسلامية في كيلبرن بشمال لندن. ولقد تزوج يوسف اسلام من امرأة مسلمة شاهدها لأول مرة في المسجد ولم يتحدث معها من قبل. ولقد تمت مراسم زواجه على الطريقة الاسلامية.
وحرص على ان يتعلم اطفاله الخمسة تعليما دينيا الى جانب تعليمهم العادي. وربما كان اطفاله سببا رئيسيا قاده الى الاهتمام بقضايا التعليم الاسلامي في بريطانيا.
التعليم الإسلامي
وبدأ يوسف اهتمامه بمسألة التعليم الاسلامي في بريطانيا في عام 1983 عندما اصبح رئيس وقف المدارس الاسلامية. فأسس في بادئ الامر المدرسة الابتدائية الاسلامية ثم المدرسة الثانوية الاسلامية للبنين والبنات في شمال لندن. وطالب يوسف الحكومة البريطانية بتخصيص ميزانية للمدارس الاسلامية اسوة بتخصيصها مبالغ محددة لمدارس الطوائف الدينية الاخرى كالكاثوليكية والانجليكانية واليهودية. ولم تستجب الحكومة البريطانية لطلبه هذا، ولكنه لم ييأس بل استمر في حملته الى ان وافقت الحكومة البريطانية الحالية على طلبه وخصصت ميزانية محددة من وزارة التعليم للمدارس الاسلامية ومن بينها مدارس يوسف اسلام الاسلامية.
وكان يوسف يناقش الحكومات البريطانية السابقة منذ الثمانينات بطرحه السؤال لماذا لا تتمتع المدارس الاسلامية في بريطانيا بالحقوق التي تتمتع بها المدارس الدينية الاخرى مثل المدارس الانجليكانية والكاثوليكية واليهودية.
مذاهب دينية متعددة
عاش يوسف منذ صغره تجربة التعايش مع المذاهب الدينية المختلفة، اذ كان والده اغريقيا مسيحيا ينتمي الى مذهب الارثوذكس، بينما والدته سويدية مسيحية تنتمي الى المذهب الكاثوليكي. كما ان المجتمع البريطاني الذي يعيش فيه من اتباع الكنيسة الانجليكانية. فهذه كلها مذاهب دينية متعددة في الديانة المسيحية التي نشأ وتربى عليها. وحرصت والدته ان يتعلم في مدارس دينية، لذلك تعلم في مدرسة كاثوليكية.
يقظة جيل الستينات
وفي سن التاسعة عشرة كان يوسف في قمة مجده الغنائي والموسيقي. وفي تلك الفترة وفي زحمة نجاحاته في عالم الغناء والموسيقى اصيب المغني الشاب بمرض السل فاضطر بسبب هذا المرض اللعين ان ينقطع عن عالم الغناء والموسيقى وان يمتنع عن مخالطة الناس. فظل بسبب هذا المرض بعيدا عن الناس وعن الغناء والموسيقى وحبيسا في المستشفى يتلقى العلاج. في هذه الاثناء بدأ يبحث عن اتجاه روحي في دراسة فلسفات عديدة. وقراءة العديد من كتب الفلسفة والديانات المختلفة.
ومن هنا اخذت رحلته الايمانية اتجاها روحيا لم تتشكل معالم طريقه او تتحدد توجهات مساره، بل ظل راغبا في قراءة المزيد من هذه الكتب بحثا عن الخلاص النفسي واشباعا للخواء الروحي.
وتمثل هذه الفترة الزمنية منعطفا مهما ليس في رحلته الايمانية فحسب، بل في كل مسار حياته. كما ان هذه الفترة الزمنية تأتي اهميتها من كونها جزءا من يقظة جيل الستينات.
الهدية الكبرى
وقال يوسف: "لقد اهداني شقيقي الاكبر هدية كبرى وعظيمة بمناسبة اعياد "الكريسماس"، وهي عبارة عن القرآن الكريم، وبدأ يروي لي في تأثر ملحوظ جوانب مما رأى خلال زيارته الى المسجد الاقصى في القدس، متسائلا عن اسرار الدين الاسلامي. شعرت ان هذه الهدية جاءت في الوقت المناسب، حيث كنت في حيرة من امرى ابحث عن طريق النجاة في كتب الفلاسفة والاديان الاخرى".
واضاف يوسف: عندما جاءتني هذه الهدية الكبرى كنت مثل قارب يسير بلا وجهة فبعد قراءة القرآن الكريم ادركت وجهتي وحددت طريقي وشعرت بأن في القرآن الكريم هدايتي وهداية البشرية جمعاء. وهكذا افضت رحلتي مع كتاب الله الى الايمان بالله ربا وبمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسولا وبالقرآن العظيم كتابا، فاشهرت اسلامي وغيرت اسمي من كات ستيفنس الى يوسف اسلام لانني كنت في غاية التأثر بقصة سيدنا يوسف عليه السلام في كتاب الله. وقررت التخلي عن الغناء والموسيقى واعتبرتهما من عرض الدنيا الفانية ولجأت الى ما عند الله وما عند الله خير وأبقى.
المغني البريطاني ستيفنس يودع حياة الشهرة الزائفة للتكيف مع تعاليم الإسلام ومبادئه
يوسف إسلام: ابني يستمع إلى أغنياتي القديمة وأغنيته المفضلة منها "ظل القمر"
كنا بالأمس في رفقة الداعية الاسلامي المعروف يوسف إسلام، واليوم في هذه الحلقة نتابع مشوار الرحلة الايمانية التي قادت المغني البريطاني كات ستيفنس الى اعتناق الاسلام وتغيير اسمه بعد دراسة متأنية للقرآن الكريم ومحاولة جادة لفهم معانيه ومبادئه والعمل على معرفة تعاليمه. وكانت بداية هذه الرحلة الايمانية كما ذكرنا في حلقة الأمس، هدية قدمها له شقيقه الأكبر نتيجة تأثره بالدين الاسلامي خلال زيارته الى مدينة القدس، ومن ثم زيارة المسجد الأقصى ولقاء مجموعة من المسلمين حدثته عن الاسلام. فاذا به يفاجئه شقيقه بالحديث عن الاسلام والمسلمين في القدس ويهديه نسخة من كتاب الله لقراءته وتأمل آياته. فحرص كات ستيفنس على قراءة القرآن العظيم. وعكف الشقيق في قراءة كتاب الله فوجد فيه ضالته التي لم يجدها في سواه من كتب الفلاسفة والأديان الاخرى. وانفتح قلبه لنور الايمان.
اغتنمت العديد من المناسبات التي جمعتني بالداعية الاسلامي يوسف إسلام في بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية للحديث معه حول رحلته الايمانية ومشواره في العمل الاسلامي والدعوة الاسلامية. وقد روى لي جزءا غير يسير منها، ونبهني الى بعض ما كتب عنه وعن اسلامه في المصادر الغربية وأهداني أشرطة فيديو وكاسيت عن هذه الرحلة الايمانية حتى أتمكن من الالمام التام بمعالمها عندما أكتب عنه في ملف "المسلمون الجدد". وعلى الرغم من أنه أشهر اسلامه في عام 1977 أي قرابة الثلاثة وعشرين عاما، فان تجربته الاسلامية ثرة، خاصة تجربته كمسلم جديد اعتنق الدين الاسلامي وتخلى عن امجاده وشهرته الغنائية والموسيقية من أجل دينه الجديد. فهذه التجربة الغنية بالمواقف يجب تسجيلها في مثل هذا الملف. لذا ها نحن نفرد له مساحة ضمن هذا الملف لنتابع معه تفاصيل قصة رحلته الايمانية التي افضت في نهاية المطاف الى اعتناقه الدين الاسلامي، ومن ثم العمل جاهدا في سبيل الدعوة الاسلامية بكل ما أوتي من شهرة ومال وجهد.
تعليق