المنهج المبين في صفات رب العلمين (اهل السنة والجماعة مثبتة موحدون)
بين يدي المنهج
ان الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
ان مشاركة الاخ ابو حسين تحمل دلالات خطيرة عن صاحبها وتساؤلاته كانه ليس من اهل السنة، ومن اخطر ما قاله في سؤال له:
هل لله مكان معين يسكنه؟ واين هو؟
منتهى السخرية بالحق جل وعلا، والمؤمن الحق لايورد مثل هذا التسأل ولايصدر حتى من الجهال ويجب عليه اعلان التوبة من هذا الاستهزاء بالذات الالهيه والغير مسبوق والذي لايصدر من مسلم يؤمن بالله وهو على حد زعمه في توقيعه يقول:
لا سنية لا شيعية .. اسلامية محمدية.
فهل سؤاله نابع من اسلامية محمدية انا اشك في ذلك ومما يجعل شكي يقينا ان السائل لاينتمي لاهل السنة والجماعة قوله:
هلا وضحتم ذلك لبيان عقيدتكم في تلك النقاط؟
فاقول وبالله التوفيق:
نحن معشر السنة والجماعة مثبتون لكل ماورد من صفات الله في القران والسنة الصحيحة اثباتا كما قال الامام الشافعى رضى الله عنه:
آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله وآمنت برسول الله وما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله
وقال الامام البيهقي رحمه الله في شعب الإيمان (1/142):
"لله تعالى صفات خبرية منها الوجه واليد طريق إثباتها ورود خبر الصادق بها فنثبتها ولا نكيفها".
قال المجلسي السني: ان الذي اخبرنا بهذه الصفات هو النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان صلى الله عليه وسلم اراد اخبارنا خلاف ظاهر ما اخبر به عن الله وضد حقيقته فيلزم النبي ان يبين للأمة انه لم يرد حقيقة ما اخبر به عن الله وانما اراد مجازه، وهذا لم يصدر عن النبي وتاخير البيان عن وقت الحاجة لايجوز اذ لايعقل ان النبي يخبر عن صفات الله لا يراد منها حقيقتها ثم يدع الامة في حيرة من امرها في هذه الصفات اذ هذا يكون من باب التدليس والالغاز وحاشاه صلى الله عليه وسلم ان يقف هذا الموقف. وهذا امر خفي على اهل الباطل الذي يستدركون علينا في هذا الباب وهم في الحقيقة يستدركون على المشرع صلى الله عليه وسلم شاؤا ام ابو.
لقد اخبرنا النبي عن اشياء خارجة عن تصوراتنا فامنا بها وصدقناها من غير تاويل او تعطيل.
فقد اخبرنا عن الجنة والنار والسموات والارضين والجن والشياطين والملائكة والعرش والكرسي وغيرها وكل هذه الاشياء عظيمة الخلق لاتتصور بالعقل البشري مهما حاولنا التصور.
ولكن نجدهم عند صفات الله عزوجل وبإيعاز من الشيطان قاموا بتأويلات فاسدة ونفي لبعض الصفات، وهذا مفصل في كتب العقائد التي رد مؤلفوها على اهل الباطل.
الله عزوجل وصف نفسه في القران بامور كالاستواء واليد والمجيء وان له عيننا، وغير ذلك كما وصف نفسه عل لسان النبي في السنة الصحيحة بصفات عديدة بان له قدم واصابع وغيرها.
ولقد سبق في علم الله انه سياتي قوم ضلال ينفون عنه صفاته او يشبهونه او يجسمونه او يعطلونه فقد اتبع الايات التي وصف بها سبحانه نفسه بايات تبين انه منزه عما يظن به اهل الزيغ والضلال فقال:
( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: من الآية11).
وقال: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(طـه:110).
واخبر عن هؤلاء الضلال بقول: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)(آل عمران:7)
وقد كان علماءنا رحمهم الله شديدي الحساسية تجاه هذه القضية وهذا ان دل فانما يدل على عظيم حبهم لله ورسوله وحرصهم الشديد في حماية الذات الالهية من التعرض لها بالتشبيه والتجسيم والتعطيل.
ونمثل لذلك بطرد الامام مالك الرجل الذي ساله عن استواء الله عزوجل من مجلس العلم بعد ان بين له الحق فقال: الاستواء معلوم والكيف مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة.
ثم هنا تساؤل:
من هو الذي اخبرنا بهذه الصفات اليس هو الله نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه في فيما صح من سنته.
فلو كان المراد بها خلاف ظاهرها وضد حقيقتها فلماذا قال الله عزوجل ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: من الآية11). وقال: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(طـه:110).
ولوكان المراد خلاف ظاهرها فلماذا سكت النبي عن ذلك فهل نعده غاشا لامته مدلسا لهم اخفى عنهم ما يجب ان يعلموه؟؟ حاشاه فداه ابي وامي وهو الذي حذر من كتم العلم وهذه دقائق تخفى على اهل الباطل الذي قال الله تعالى فيهم:
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)(آل عمران:7)
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (قّ:37) (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)(الحج: من الآية46).
وعن احاديث الصفات يقول شيخ الاسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى (6/355):
(مذهب أهل الحديث وهم السلف من القرون الثلاثة ومن سلك سبيلهم من الخلف أن هذه الاحاديث تمر كما جاءت ويؤمن بها وتصدق وتصان عن تاويل يفضى الى تعطيل وتكييف يفضى الى تمثيل)
وقال ايضا (6/356):
(لا يختلف أهل السنة أن الله تعالى ليس كمثله شىء لا فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى أفعاله بل أكثر أهل السنة من أصحابنا وغيرهم يكفرون المشبهة والمجسمة)
وقال ايضا (6/357):
(ومن قال ان ظاهر شىء من أسمائه وصفاته غير مراد فقد أخطأ لأنه ما من اسم يسمى الله تعالى به الا والظاهر الذى يستحقه المخلوق غير مراد به فكان قول هذا القائل يقتضى أن يكون جميع أسمائه وصفاته قد أريد بها ما يخالف ظاهرها ولا يخفى ما فى هذا الكلام من الفساد).
صفة اليد وقياس باقي الصفات الخبرية عليها
اسوق اليك اخي القاري كلاما يجب ان يكتب ماء الذهب على صحائف من الجوهر لاحد اعلام الامة افنى عمره رحمه الله في الدفاع عن حياض العقيدة الاسلامية حتى لقى وجه ربه.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (6/362 - 372):
(نحن نتكلم على صفة من الصفات ونجعل الكلام فيها أنموذجا يحتذى عليه ونعبر بصفة اليد وقد قال تعالى وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وقال تعالى لابليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى وقال تعالى وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه وقال تعالى تبارك الذى بيده الملك وقال بيدك الخير انك على كل شىء وقال تعالى أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا انعاما فهم لها مالكون وقد تواتر فى السنة مجىء اليد فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم فالمفهوم من هذا الكلام أن لله تعالى يدين متخصتان به ذاتيتان له كما يليق بجلاله وأنه سبحانه خلق آدم بيده دون الملائكة وابليس وأنه سبحانه يقبض الارض ويطوى السموات بيده اليمنى وان يداه مبسوطتان ومعنى بسطهما بذل الجود وسعة العطاء لان الاعطاء والجود فى الغالب يكون ببسط اليد ومدها وتركه يكون ضما لليد الى العنق صار من الحقائق العرفية اذا قيل هو مبسوط اليد فهم منه يد حقيقة وكان ظاهره الجود والبخل كما قال تعالى ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط ويقولون فلان جعد البنان وسبط البنان. قلت له فالقائل ان زعم أنه ليس له يد من جنس ايدى المخلوقين وأن يده ليست جارحة فهذا حق وان زعم أنه ليس له بد زائدة على الصفات السبع فهو مبطل فيحتاج الى تلك المقامات الاربعة أما الأول فيقول أن اليد تكون بمعنى النعمة والعطية تسمية للشىء باسم سببه كما يسمى المطر والنبات سماء ومنه قولهم لفلان عنده أياد وقول ابى طالب لما فقد النبى يا رب رد راكبى محمدا رده على واصطنع عندى يدا. قول عروة بن مسعود لابى بكر يوم الحديبية لولا يد لك عندى لم أجزك بها لأجبتك. وقد تكون اليد بمعنى القدرة تسمية للشىء باسم مسببه لأن القدرة هى تحرك اليد يقولون فلان له يد فى كذا وكذا. ومنه قول زياد لمعاوية انى قد امسكت العراق باحدى يدى ويدى الاخرى فارغة يريد نصف قدرتى ضبط العراق ومنه قوله بيده عقدة النكاح والنكاح كلام يقال وانما معناه انه مقتدر عليه وقد يجعلون اضافة الفعل اليها اضافة الفعل الى الشخص نفسه لان غالب الافعال لما كانت باليد جعل ذكر اليد اشارة الى أنه فعل بنفسه قال الله تعالى لقد سمع الله
قول الذين قالوا ان الله فقير ونحن أغنياء الى قوله ذلك بما قدمت أيديكم أى بما قدمتم فان بعض ما قدموه كلام تكلموا به وكذلك قوله تعالى (ولو ترى اذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وادبارهم) الى قوله (ذلك بما قدمت أيديكم)، والعرب تقول يداك أوكتا وفوك نفخ توبيخا لكل من جر على نفسه جريرة لأن اول ما قيل هذا لمن فعل بيديه وفمه.
قلت له ونحن لا ننكر لغة العرب التى نزل بها القرآن فى هذا كله والمتأولون للصفات الذين حرفوا الكلم عن مواضعه وألحدوا فى أسمائه وآياته تأولوا قوله ب(ل يداه مبسوطتان) وقوله (لما خلقت بيدى) على هذا كله فقالوا ان المراد نعمته أى نعمة الدنيا ونعمة الاخرة وقالوا بقدرته وقالوا اللفظ كناية عن نفس الجود من غير ان يكون هناك يد حقيقة بل هذه اللفظة قد صارت حقيقة فى العطاء والجود وقوله (لما خلقت بيدى) أى خلقته انا وان لم يكن هناك يد حقيقة.
قلت له فهذه تأويلاتهم قال نعم قلت له فننظر فيما قدمنا المقام الاول أن لفظ اليدين بصيغة التثنية لم يستعمل فى النعمة ولا فى القدرة لان من لغة القوم استعمال الواحد فى الجمع كقوله (ان الانسان لفى خسر) ولفظ الجمع فى الوحد كقوله (الذين قال لهم الناس ان الناس) ولفظ الجمع فى الاثنين كقوله (صغت قلوبكما)
بين يدي المنهج
ان الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
ان مشاركة الاخ ابو حسين تحمل دلالات خطيرة عن صاحبها وتساؤلاته كانه ليس من اهل السنة، ومن اخطر ما قاله في سؤال له:
هل لله مكان معين يسكنه؟ واين هو؟
منتهى السخرية بالحق جل وعلا، والمؤمن الحق لايورد مثل هذا التسأل ولايصدر حتى من الجهال ويجب عليه اعلان التوبة من هذا الاستهزاء بالذات الالهيه والغير مسبوق والذي لايصدر من مسلم يؤمن بالله وهو على حد زعمه في توقيعه يقول:
لا سنية لا شيعية .. اسلامية محمدية.
فهل سؤاله نابع من اسلامية محمدية انا اشك في ذلك ومما يجعل شكي يقينا ان السائل لاينتمي لاهل السنة والجماعة قوله:
هلا وضحتم ذلك لبيان عقيدتكم في تلك النقاط؟
فاقول وبالله التوفيق:
نحن معشر السنة والجماعة مثبتون لكل ماورد من صفات الله في القران والسنة الصحيحة اثباتا كما قال الامام الشافعى رضى الله عنه:
آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله وآمنت برسول الله وما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله
وقال الامام البيهقي رحمه الله في شعب الإيمان (1/142):
"لله تعالى صفات خبرية منها الوجه واليد طريق إثباتها ورود خبر الصادق بها فنثبتها ولا نكيفها".
قال المجلسي السني: ان الذي اخبرنا بهذه الصفات هو النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان صلى الله عليه وسلم اراد اخبارنا خلاف ظاهر ما اخبر به عن الله وضد حقيقته فيلزم النبي ان يبين للأمة انه لم يرد حقيقة ما اخبر به عن الله وانما اراد مجازه، وهذا لم يصدر عن النبي وتاخير البيان عن وقت الحاجة لايجوز اذ لايعقل ان النبي يخبر عن صفات الله لا يراد منها حقيقتها ثم يدع الامة في حيرة من امرها في هذه الصفات اذ هذا يكون من باب التدليس والالغاز وحاشاه صلى الله عليه وسلم ان يقف هذا الموقف. وهذا امر خفي على اهل الباطل الذي يستدركون علينا في هذا الباب وهم في الحقيقة يستدركون على المشرع صلى الله عليه وسلم شاؤا ام ابو.
لقد اخبرنا النبي عن اشياء خارجة عن تصوراتنا فامنا بها وصدقناها من غير تاويل او تعطيل.
فقد اخبرنا عن الجنة والنار والسموات والارضين والجن والشياطين والملائكة والعرش والكرسي وغيرها وكل هذه الاشياء عظيمة الخلق لاتتصور بالعقل البشري مهما حاولنا التصور.
ولكن نجدهم عند صفات الله عزوجل وبإيعاز من الشيطان قاموا بتأويلات فاسدة ونفي لبعض الصفات، وهذا مفصل في كتب العقائد التي رد مؤلفوها على اهل الباطل.
الله عزوجل وصف نفسه في القران بامور كالاستواء واليد والمجيء وان له عيننا، وغير ذلك كما وصف نفسه عل لسان النبي في السنة الصحيحة بصفات عديدة بان له قدم واصابع وغيرها.
ولقد سبق في علم الله انه سياتي قوم ضلال ينفون عنه صفاته او يشبهونه او يجسمونه او يعطلونه فقد اتبع الايات التي وصف بها سبحانه نفسه بايات تبين انه منزه عما يظن به اهل الزيغ والضلال فقال:
( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: من الآية11).
وقال: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(طـه:110).
واخبر عن هؤلاء الضلال بقول: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)(آل عمران:7)
وقد كان علماءنا رحمهم الله شديدي الحساسية تجاه هذه القضية وهذا ان دل فانما يدل على عظيم حبهم لله ورسوله وحرصهم الشديد في حماية الذات الالهية من التعرض لها بالتشبيه والتجسيم والتعطيل.
ونمثل لذلك بطرد الامام مالك الرجل الذي ساله عن استواء الله عزوجل من مجلس العلم بعد ان بين له الحق فقال: الاستواء معلوم والكيف مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة.
ثم هنا تساؤل:
من هو الذي اخبرنا بهذه الصفات اليس هو الله نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه في فيما صح من سنته.
فلو كان المراد بها خلاف ظاهرها وضد حقيقتها فلماذا قال الله عزوجل ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: من الآية11). وقال: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(طـه:110).
ولوكان المراد خلاف ظاهرها فلماذا سكت النبي عن ذلك فهل نعده غاشا لامته مدلسا لهم اخفى عنهم ما يجب ان يعلموه؟؟ حاشاه فداه ابي وامي وهو الذي حذر من كتم العلم وهذه دقائق تخفى على اهل الباطل الذي قال الله تعالى فيهم:
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)(آل عمران:7)
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (قّ:37) (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)(الحج: من الآية46).
وعن احاديث الصفات يقول شيخ الاسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى (6/355):
(مذهب أهل الحديث وهم السلف من القرون الثلاثة ومن سلك سبيلهم من الخلف أن هذه الاحاديث تمر كما جاءت ويؤمن بها وتصدق وتصان عن تاويل يفضى الى تعطيل وتكييف يفضى الى تمثيل)
وقال ايضا (6/356):
(لا يختلف أهل السنة أن الله تعالى ليس كمثله شىء لا فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى أفعاله بل أكثر أهل السنة من أصحابنا وغيرهم يكفرون المشبهة والمجسمة)
وقال ايضا (6/357):
(ومن قال ان ظاهر شىء من أسمائه وصفاته غير مراد فقد أخطأ لأنه ما من اسم يسمى الله تعالى به الا والظاهر الذى يستحقه المخلوق غير مراد به فكان قول هذا القائل يقتضى أن يكون جميع أسمائه وصفاته قد أريد بها ما يخالف ظاهرها ولا يخفى ما فى هذا الكلام من الفساد).
صفة اليد وقياس باقي الصفات الخبرية عليها
اسوق اليك اخي القاري كلاما يجب ان يكتب ماء الذهب على صحائف من الجوهر لاحد اعلام الامة افنى عمره رحمه الله في الدفاع عن حياض العقيدة الاسلامية حتى لقى وجه ربه.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (6/362 - 372):
(نحن نتكلم على صفة من الصفات ونجعل الكلام فيها أنموذجا يحتذى عليه ونعبر بصفة اليد وقد قال تعالى وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وقال تعالى لابليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى وقال تعالى وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه وقال تعالى تبارك الذى بيده الملك وقال بيدك الخير انك على كل شىء وقال تعالى أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا انعاما فهم لها مالكون وقد تواتر فى السنة مجىء اليد فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم فالمفهوم من هذا الكلام أن لله تعالى يدين متخصتان به ذاتيتان له كما يليق بجلاله وأنه سبحانه خلق آدم بيده دون الملائكة وابليس وأنه سبحانه يقبض الارض ويطوى السموات بيده اليمنى وان يداه مبسوطتان ومعنى بسطهما بذل الجود وسعة العطاء لان الاعطاء والجود فى الغالب يكون ببسط اليد ومدها وتركه يكون ضما لليد الى العنق صار من الحقائق العرفية اذا قيل هو مبسوط اليد فهم منه يد حقيقة وكان ظاهره الجود والبخل كما قال تعالى ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط ويقولون فلان جعد البنان وسبط البنان. قلت له فالقائل ان زعم أنه ليس له يد من جنس ايدى المخلوقين وأن يده ليست جارحة فهذا حق وان زعم أنه ليس له بد زائدة على الصفات السبع فهو مبطل فيحتاج الى تلك المقامات الاربعة أما الأول فيقول أن اليد تكون بمعنى النعمة والعطية تسمية للشىء باسم سببه كما يسمى المطر والنبات سماء ومنه قولهم لفلان عنده أياد وقول ابى طالب لما فقد النبى يا رب رد راكبى محمدا رده على واصطنع عندى يدا. قول عروة بن مسعود لابى بكر يوم الحديبية لولا يد لك عندى لم أجزك بها لأجبتك. وقد تكون اليد بمعنى القدرة تسمية للشىء باسم مسببه لأن القدرة هى تحرك اليد يقولون فلان له يد فى كذا وكذا. ومنه قول زياد لمعاوية انى قد امسكت العراق باحدى يدى ويدى الاخرى فارغة يريد نصف قدرتى ضبط العراق ومنه قوله بيده عقدة النكاح والنكاح كلام يقال وانما معناه انه مقتدر عليه وقد يجعلون اضافة الفعل اليها اضافة الفعل الى الشخص نفسه لان غالب الافعال لما كانت باليد جعل ذكر اليد اشارة الى أنه فعل بنفسه قال الله تعالى لقد سمع الله
قول الذين قالوا ان الله فقير ونحن أغنياء الى قوله ذلك بما قدمت أيديكم أى بما قدمتم فان بعض ما قدموه كلام تكلموا به وكذلك قوله تعالى (ولو ترى اذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وادبارهم) الى قوله (ذلك بما قدمت أيديكم)، والعرب تقول يداك أوكتا وفوك نفخ توبيخا لكل من جر على نفسه جريرة لأن اول ما قيل هذا لمن فعل بيديه وفمه.
قلت له ونحن لا ننكر لغة العرب التى نزل بها القرآن فى هذا كله والمتأولون للصفات الذين حرفوا الكلم عن مواضعه وألحدوا فى أسمائه وآياته تأولوا قوله ب(ل يداه مبسوطتان) وقوله (لما خلقت بيدى) على هذا كله فقالوا ان المراد نعمته أى نعمة الدنيا ونعمة الاخرة وقالوا بقدرته وقالوا اللفظ كناية عن نفس الجود من غير ان يكون هناك يد حقيقة بل هذه اللفظة قد صارت حقيقة فى العطاء والجود وقوله (لما خلقت بيدى) أى خلقته انا وان لم يكن هناك يد حقيقة.
قلت له فهذه تأويلاتهم قال نعم قلت له فننظر فيما قدمنا المقام الاول أن لفظ اليدين بصيغة التثنية لم يستعمل فى النعمة ولا فى القدرة لان من لغة القوم استعمال الواحد فى الجمع كقوله (ان الانسان لفى خسر) ولفظ الجمع فى الوحد كقوله (الذين قال لهم الناس ان الناس) ولفظ الجمع فى الاثنين كقوله (صغت قلوبكما)
تعليق