السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
*************************
الحكمة من نزول آيات متشابهة في عصمة الأنبياء عليهم السلام
************************
سؤال يرد في الذهن: لماذا جعل الله تعالى بعض الآيات المتعلقة بعصمة أنبيائه عليهم السلام من المتشابهات التي توهم وقوعهم في المعاصي ؟
والجواب: نعم ، لقد تضمنت الآيات المتعلقة بسلوك الأنبياء عليهم السلام آيات محكمة كقوله تعالى عن نبينا صلى الله عليه وآله : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى.إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى ، والذي يعصم الله منطقه فلا يفتح فمه عن كلمة إلا بوحي وعصمة إلهية ، لايمكن أن يصدر منه فعلٌ ولا حركةٌ ولا سكونٌ إلا بعصمة إلهية !
وفي نفس الوقت توجد آيات تُوهم وقوعه في الذنب والمعصية كقوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا. (الفتح: 2).
والحكمة المتصورة من ذلك:
أولاً، لعله سبحانه أراد أن يؤكد بشريتهم حتى لايعبدوا من دونه ، وأن يبين أن عصمتهم الكاملة محاطة بغلاف وحجاب. ويؤيد ذلك ما رواه الطوسي في كتاب الغيبة ص324 ، قال رحمه الله ( وأخبرني جماعة ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رحمه الله قال: كنت عند الشيخ أبي القإسم الحسين بن روح رضي الله عنه مع جماعة منهم علي بن عيسى القصري ، فقام إليه رجل فقال: إني أريد أن أسألك عن شئ ؟ فقال له: سل عما بدا لك ، فقال الرجل: أخبرني عن الحسين عليه السلام أهو وليُّ الله؟ قال: نعم ، قال: أخبرني عن قاتله لعنه الله أهو عدو الله ؟ قال: نعم ، قال الرجل: فهل يجوز أن يسلط الله عز وجل عدوه على وليه ؟
فقال له أبو القإسم قدس سره: إفهم عني ما أقول لك ، إعلم أن الله تعالى لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان ، ولا يشافههم بالكلام ، ولكنه جلت عظمته يبعث إليهم رسلاً من أجناسهم وأصنافهم بشرا مثلهم ، ولو بعث إليه رسلاً من غير صفتهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم ، فلما جاؤوهم وكانوا من جنسهم يأكلون ويمشون في الأسواق قالوا لهم: أنتم مثلنا لا نقبل منكم حتى تأتوا بشئ نعجز عن أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه ، فجعل الله عز وجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها .
فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإعذار والإنذار ، ففرق جميع من طغى وتمرد.
ومنهم: من ألقي في النار فكانت عليه برداً وسلاماً.
ومنهم: من أخرج من الحجر الصلد الناقة وأجرى من ضرعها لبناً.
ومنهم: من فلق له البحر ، وفجر له من الحجر العيون ، وجعل له العصا اليابسة ثعباناً تلقف ما يأفكون.
ومنهم: من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله ، وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم .
ومنهم: من انشق له القمر وكلمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك.
فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من أممهم أن يأتوا بمثله ، كان من تقدير الله جل جلاله ولطفه بعباده وحكمته ، أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين وأخرى مغلوبين ، وفي حال قاهرين وأخرى مقهورين ، ولو جعلهم عز وجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ، ولم يبتلهم ولم يمتحنهم ، لاتخذهم الناس آلهة من دون الله عز وجل ! ولما عُرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والإختبار ! ولكنه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ، ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين ، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين ، وليعلم العباد أن لهم عليهم السلام إلهاً هو خالقهم ومدبرهم ، فيعبدوه ويطيعوا رسله ، ويكونوا حجة لله ثابتة على من تجاوز الحد فيهم وادعى لهم الربوبية ، أو عاند وخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء والرسل ، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ! قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه: فعدت إلى الشيخ أبي القإسم الحسين بن روح قدس سره من الغد ، وأنا أقول في نفسي: أتراه ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه ؟! فابتدأني فقال: يا محمد بن إبراهيم لئن أخرَّ من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح من مكان سحيق ، أحبُّ إليَّ من أن أقول في دين الله برأيي ومن عند نفسي ! بل ذلك من الأصل ومسموع من الحجة صلوات الله وسلامه عليه). (ورواه في الاحتجاج:2/284).
ثانياً ، ابتلاء المسلمين لكي يتوفق بعضهم فينفذ من حجاب المتشابه ويصل إلى نور المحكم ، ويبقى المتخلف يعيش في خطأ تصوره عن مقام النبي صلى الله عليه وآله .
**********************
من كتاب / العقائد الاسلامية - المجلد الخامس / للشيخ : علي الكوراني
منقول
*************************
الحكمة من نزول آيات متشابهة في عصمة الأنبياء عليهم السلام
************************
سؤال يرد في الذهن: لماذا جعل الله تعالى بعض الآيات المتعلقة بعصمة أنبيائه عليهم السلام من المتشابهات التي توهم وقوعهم في المعاصي ؟
والجواب: نعم ، لقد تضمنت الآيات المتعلقة بسلوك الأنبياء عليهم السلام آيات محكمة كقوله تعالى عن نبينا صلى الله عليه وآله : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى.إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى ، والذي يعصم الله منطقه فلا يفتح فمه عن كلمة إلا بوحي وعصمة إلهية ، لايمكن أن يصدر منه فعلٌ ولا حركةٌ ولا سكونٌ إلا بعصمة إلهية !
وفي نفس الوقت توجد آيات تُوهم وقوعه في الذنب والمعصية كقوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا. (الفتح: 2).
والحكمة المتصورة من ذلك:
أولاً، لعله سبحانه أراد أن يؤكد بشريتهم حتى لايعبدوا من دونه ، وأن يبين أن عصمتهم الكاملة محاطة بغلاف وحجاب. ويؤيد ذلك ما رواه الطوسي في كتاب الغيبة ص324 ، قال رحمه الله ( وأخبرني جماعة ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رحمه الله قال: كنت عند الشيخ أبي القإسم الحسين بن روح رضي الله عنه مع جماعة منهم علي بن عيسى القصري ، فقام إليه رجل فقال: إني أريد أن أسألك عن شئ ؟ فقال له: سل عما بدا لك ، فقال الرجل: أخبرني عن الحسين عليه السلام أهو وليُّ الله؟ قال: نعم ، قال: أخبرني عن قاتله لعنه الله أهو عدو الله ؟ قال: نعم ، قال الرجل: فهل يجوز أن يسلط الله عز وجل عدوه على وليه ؟
فقال له أبو القإسم قدس سره: إفهم عني ما أقول لك ، إعلم أن الله تعالى لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان ، ولا يشافههم بالكلام ، ولكنه جلت عظمته يبعث إليهم رسلاً من أجناسهم وأصنافهم بشرا مثلهم ، ولو بعث إليه رسلاً من غير صفتهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم ، فلما جاؤوهم وكانوا من جنسهم يأكلون ويمشون في الأسواق قالوا لهم: أنتم مثلنا لا نقبل منكم حتى تأتوا بشئ نعجز عن أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه ، فجعل الله عز وجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها .
فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإعذار والإنذار ، ففرق جميع من طغى وتمرد.
ومنهم: من ألقي في النار فكانت عليه برداً وسلاماً.
ومنهم: من أخرج من الحجر الصلد الناقة وأجرى من ضرعها لبناً.
ومنهم: من فلق له البحر ، وفجر له من الحجر العيون ، وجعل له العصا اليابسة ثعباناً تلقف ما يأفكون.
ومنهم: من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله ، وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم .
ومنهم: من انشق له القمر وكلمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك.
فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من أممهم أن يأتوا بمثله ، كان من تقدير الله جل جلاله ولطفه بعباده وحكمته ، أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين وأخرى مغلوبين ، وفي حال قاهرين وأخرى مقهورين ، ولو جعلهم عز وجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ، ولم يبتلهم ولم يمتحنهم ، لاتخذهم الناس آلهة من دون الله عز وجل ! ولما عُرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والإختبار ! ولكنه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ، ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين ، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين ، وليعلم العباد أن لهم عليهم السلام إلهاً هو خالقهم ومدبرهم ، فيعبدوه ويطيعوا رسله ، ويكونوا حجة لله ثابتة على من تجاوز الحد فيهم وادعى لهم الربوبية ، أو عاند وخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء والرسل ، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ! قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه: فعدت إلى الشيخ أبي القإسم الحسين بن روح قدس سره من الغد ، وأنا أقول في نفسي: أتراه ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه ؟! فابتدأني فقال: يا محمد بن إبراهيم لئن أخرَّ من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح من مكان سحيق ، أحبُّ إليَّ من أن أقول في دين الله برأيي ومن عند نفسي ! بل ذلك من الأصل ومسموع من الحجة صلوات الله وسلامه عليه). (ورواه في الاحتجاج:2/284).
ثانياً ، ابتلاء المسلمين لكي يتوفق بعضهم فينفذ من حجاب المتشابه ويصل إلى نور المحكم ، ويبقى المتخلف يعيش في خطأ تصوره عن مقام النبي صلى الله عليه وآله .
**********************
من كتاب / العقائد الاسلامية - المجلد الخامس / للشيخ : علي الكوراني
منقول