من سلسلة مسير الأرواح بعد الموت

/ السيد محمد النجفي القوجاني - قم




لقد رأيت الهادي مشغولا بتزيين الحجرة .. فسألته : (( ماذا حدث حتى أراك منهمكا هكذا في تزيين هذه الحجرة .. مع أننا مسافران عنها؟)) .. قال: (( سمعت أنّ الأئمة وأولادهم الذين كنت قد زرت قبورهم .. والعلماء الذين ذكرت أسماءهم في صلواتك الليلية أو قرأت الفاتحة على قبورهم .. قد سمعوا بقصدك السفر إلى الآخرة .. فعزموا على زيارتك لأداء حقك )) .. فقلت : (( ما أسعدني بهذا التوفيق!! )) لقد انتابني فرح شديد لهذا الخبر السارّ .. قلت للهادي : (( إنّ هذه الحجرة صغيرة .. )) .. قال لي : ((إنها صغيرة عليك .. لكنها سوف تتسع بقدومهم )) .. وفجأة .. حضرت الوجوه النيّرة .. جلس كلّ في مكانه وبحسب منزلته .. كان المقدم عليهم جميعا : أبا الفضل العباس ع وعليا الأكبر ع .. جلسا على منصة كبيرة .. لكنهما ؟؟ .. لقد كانا يلبسان لأمة الحرب ؟؟!!!!!! لقد بهرني جمالهما وجلالهما ولم تعد عيناي تطيق التحول عنهما .. وقفت أبكي لشدة فرحي بحصول هذه اللقيا ..

سمعت (حبيب بن مظاهر) يخاطبني قائلا : (( لا تخش شيئا في رحلتك هذه .. المعصومون لن ينسوك .. إنّ قدومهم كان بأمر من آبائهم .. إنهم يدركون شيعتهم ومحبيهم في اللحظة الأخيرة .. !! كما أنّ السيدة زينب أخت الحسين ع تبلغك سلامها وما كنت تلاقيه خلال مسيرتك إلى أرض كربلاء لزيارة أخيها من صعوبات ومشاق وجوع وعطش وبكاء )) .. قلت : (( عليك وعليها السلام مني ورحمة الله وبركاته .. لكن .. لماذا يلبس هذان السيدان لأمة الحرب من بين جميع الحاضرين .. مع أنه لا حرب عندنا هنا ؟؟؟ )) ..قال : ((إنّ عزمهما وإرادتهما في كربلاء على أن يبيدا وحدهما ذلك الجيش الجرّار لم يتحقق .. ذلك بسبب المقادير الالهية التي شاءت أن يحصل ما حصل .. لقد بقي ذلك عقدة في صدريهما حتى الآن .. إنهما ينتظران زمان الرجعة ليفكا تلك العقدة في صدريهما .. وهي التي تبدو لك في صورة لأمة الحرب .. )) ..

ذهب الجميع وبقيت وحدي مع الهادي .. عادت الحجرة إلى حجمها الصغير وزالت عنها الفخامة والزينة .. قال الهادي : ((لا حاجة لك في مرافقتي .. سأذهب لأنتظرك في مكان آخر .. عليك أن تحمل غدا خرجك على ظهرك وتسير في هذا الطريق اللاهب المتوجه إلى القبلة .. إلى أن تصل إليّ )) .قلت : ((أيها الهادي !! أنت تعلم أن فراقك صعب عليّ )).. لكنه طار مبتعدا .. وتركني وحيدا ..


- يتبع -


ملاحظة : جاء في الكافي بسند معتبر عن الامام الباقر ع : أنّ في مغرب هذا العالم .. بستانا يستقي من الفرات .. وأنّ أرواح المؤمنين تتنعّم صباحا ومساء بنعم الله في ذلك البستان الكثير الخيرات .. فتلتقي بعضها بعضا تتعارف وتتزاور .. فإذا أصبح الصباح خرجت من ذلك البستان وطارت في الفضاء جيئة وذهابا .. وعند طلوع الشمس تتفقد قبورها .. وأما في شرق هذا العالم .. فنار خلقها الله لأرواح الكفار المذنبين .. فهي تسكن تلك النار وتطعم طعاما مرّا وتشرب من ماء عفن حارّ ..