إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام

    بابُ بدوِ نورها، ومبدأ ظهورها (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها)

    ـ في إرشاد القلوب

    مرفوعاً إلى سلمان الفارسي (رحمه الله) قال كنت جالسا عند النبي (صلى الله عليه وآله [في المسجد] إذ دخل العباس بن عبد المطلب فسلّم، فرد النبي (صلى الله عليه وآله) ورحب به، فقال: يا رسول الله! بم فضل الله علينا أهل البيت علي بن أبي طالب، والمعادن واحدة؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إذن أخبرك يا عم!
    إن الله خلقني وخلق عليا، ولا سماء ولا أرض، ولا جنة، ولا نار، ولا لوح، ولا قلم فلما أراد الله عز وجل بدو خلقنا فتكلم بكلمة فكانت نورا، ثم تكلم بكلمة ثانية فكانت روحا، فمزج فيما بينهما فاعتدلا، فخلقني وعليا منهما.
    ثم فتق من نوري نور العرش، فأنا أجلّ من نور العرش.
    ثم فتق من نور علي نور السماوات، فعلي أجلّ من نور السماوات.
    ثم فتق من نور الحسن نور الشمس، ومن نور الحسين نور القمر.
    فهما أجلّ من نور الشمس ومن نور القمر.
    وكانت الملائكة تسبح الله وتقدسه وتقول في تسبيحها: سبوح قدوس من أنوار ما أكرمها على الله تعالى، فلما أراد الله تعالى أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحابا من ظلمة، وكانت الملائكة لا تنظر أولها من آخرها، ولا آخرها من أولها، فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا! منذ خلقتنا ما رأينا مثل ما نحن فيه! فنسألك بحق هذه الأنوار إلا ماكشفت عنا، فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لافعلنّ.
    فخلق نور فاطمة الزهراء (عليها السلام) يومئذ كالقنديل، وعلقه في قرط(1) العرش، فزهرت السماوات السبع، والارضون السبع، ومن أجل ذلك سميت فاطمة «الزهراء»(2).
    وكانت الملائكة تسبح الله وتقدسه فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لأجعلن ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبي هذه المرأة وأبيها وبعلها وبنيها.
    قال سلمان: فخرج العباس، فلقيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فضمه إلى صدره وقبّل ما بين عينيه، وقال: بأبي عترة المصطفى من أهل بيت ما أكرمكم على الله تعالى(3).

    ـ في فرائد السمطين
    (بإسناده) عن أبي هريرة، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: لمّا خلق الله تعالى آدم أبو البشر ونفخ فيه من روحه التفت آدم يمنة العرش فإذا في النور خمسة أشباح سُجّدا ورُكعا.
    قال آدم: يا ربّ! هل خلقت أحدا من طين قبلي؟ قال: لا، يا آدم؛
    قال: فمن هؤلاء الخمسة الأشباح الذين أراهم في هيئتي وصورتي؟
    قال: هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار، ولا العرش ولا الكرسي، ولا السماء ولا الأرض، ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجنّ؛ فأنا المحمود وهذا محمد، وأنا العالي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الإحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين؛
    آليت بعزتي أنه لا يأتيني أحد بمثقال ذرة من خردل من بغض أحدهم إلا أدخلته ناري ولا أبالي، يا آدم! هؤلاء صفوتي من خلقي بهم أنجيهم، وبهم أهلكهم؛
    فإذا كان لك إليّ حاجة فبهؤلاء توسل؛
    فقال النبي (صلى الله عليه وآله): نحن سفينة النجاة، من تعلّق بها نجا، ومن حاد عنها هلك؛ فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت(4).

    ـ في الأربعون لابن أبي الفوارس
    المفضّل بن عمر بن عبد الله [عن أبي عبد الله (عليه السلام)](5)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: لما خلق الله إبراهيم (عليه السلام) كشف الله عن بصره فنظر إلى جنب العرش نورا، فقال: إلهي وسيدي ما هذا النور؟
    قال: يا إبراهيم، هذا نور محمد صفوتي.
    قال: إلهي وسيدي وأرى نورا إلى جانبه.
    قال: يا إبراهيم: هذا نور علي ناصر ديني.
    قال: إلهي وسيدي وأرى نورا ثالثا يلي النورين.
    قال: يا إبراهيم! هذا نور فاطمة تلي أباها وبعلها، فطمت بها محبيهما من النار.
    قال: إلهي وسيدي وأرى نورين يليان الثلاثة أنوار.
    قال: يا إبراهيم! هذان الحسن والحسين، يليان نور أبيهما وأمهما وجدهما.
    قال: إلهي وسيدي وأرى تسعة أنوار قد أحدقوا بالخمسة أنوار؟
    قال: يا إبراهيم! هؤلاء الأئمة من ولدهم - الحديث ـ(6).

    ـ في علل الشرائع
    القطّان، عن السكّري، عن الجوهري، عن عمر بن عمران، عن عبيد الله بن موسى العبسي، عن جبلّة المكّي، عن طاووس اليماني، عن ابن عبّاس قال: دخلت عائشة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقبّل فاطمة، فقالت له:
    أتحبّها يا رسول الله؟ قال: أما والله لو علمت حبّي لها لأزددت لها حبّا؛
    إنه لمّا عرج بي إلى السماء الرابعة أذّن جبرئيل وأقام ميكائيل.
    ثم قيل لي: ادنُ يا محمد: فقلت: أتقدم وأنت بحضرتي يا جبرئيل؟ قال: نعم، إن الله عز وجل فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضّلك أنت خاصة.
    فدنوت فصليت بأهل السماء الرابعة، ثم التفتّ عن يميني؛
    فإذا أنا بإبراهيم (عليه السلام) في روضة من رياض الجنة وقد اكتنفها جماعة من الملائكة؛
    ثمّ إني صرت إلى السماء الخامسة ومنها إلى السادسة فنوديت:
    يا محمد، نعم الأب أبوك إبراهيم، ونعم الأخ أخوك علي؛
    فلما صرت إلى الحجب أخذ جبرئيل (عليه السلام) بيدي فأدخلني الجنة، فإذا أنا بشجرة من نور في أصلها ملكان يطويان الحلي والحلل، فقلت: حبيبي جبرئيل لمن هذه الشجرة؟
    فقال: هذه لأخيك علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهذان الملكان يطويان له الحلي والحلل إلى يوم القيامة، ثم تقدمت أمامي، فإذا أنا برطب ألين من الزبد، وأطيب رائحة من المسك وأحلى من العسل، فأخذت رطبة فأكلتها، فتحولت الرطبة نطفة في صلبي؛
    فلما أن هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة؛ ففاطمة حوراء إنسية، فإذا اشتقت إلى الجنة شممت رائحة فاطمة (عليها السلام)(7).

    ـ في علل الشرائع
    القطّان، عن السكّري، عن الجوهري، ابن عمارة، عن أبيه، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن جابر بن عبد الله، قال:
    قيل: يا رسول الله! إنك تلثم فاطمة، وتلزمها وتدنيها منك، وتفعل بها ما لا تفعله بأحد من بناتك؟ فقال: إن جبرئيل (عليه السلام) أتاني بتفاحة من تفاح الجنة، فأكلتها فتحولت ماء في صلبي، ثم واقعت خديجة، فحملت بفاطمة، فأنا أشم منها رائحة الجنة(8).

    ـ وقال أبو الفرج في كتاب «مقاتل الطالبين»
    كان مولد فاطمة (عليها السلام) قبل النبوة، وقريش حينئذ تبني الكعبة، وكان تزويج علي بن أبي طالب إياها في صفر بعد مقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) المدينة، وبنى بها بعد رجوعه من غزوة بدر، ولها يؤمئذ ثماني عشرة سنة؛
    حدثني بذلك الحسن بن علي، عن الحارث، عن ابن سعد، عن الواقدين عن ابي بكر ابن عبد الله بن ابي سرة، عن إسحاق بن عبد الله [بن] أبي فروة؛
    عن جعفر بن محمد بن علي (عليهما السلام)(9).

    ـ في الكافي
    عبد الله بن جعفر، وسعد بن عبد الله جميعاً، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي بن مهزيار، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن حبيب السجستاني قال: سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول: ولدت فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) بعد مبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخمس سنين؛
    وتوفيت ولها ثماني شعرة سنة وخمسة وسبعون يوما(10).

    ـ الهداية الكبرى
    حدّثت الوراة، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام):
    أن فاطمة (عليها السلام) ولدت بعد ما أظهر الله نبوة نبيه (صلى الله عليه وآله) واُنزل عليه الوحي بخمس سنين.
    فزوّجها رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد مقدمه المدينة نحوا من سنة، وبنى بها بعد سنة؛
    وكان مولد فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد بعث النبي (صلى الله عليه وآله) بخمس سنين(11).

    ـ مجموعة نفيسة
    في كتاب «مواليد الأئمة (عليهم السلام)» بسنده، عن نصر بن علي الجهضمي، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن عمر فاطمة (عليها السلام)؟
    قال: ولدت فاطمة بعد ما أظهر الله نبوته بخمس سنين وقريش تبني البيت؛
    وتوفّيت ولها ثماني عشر سنة وخمسة وسبعون يوماً؛
    وكان عمرها مع النبي (صلى الله عليه وآله) بمكّة ثمان سنين؛
    وهاجرت مع النبي إلى المدينة وأقامت فيها عشر سنين؛
    وأقامت مع أمير المؤمنين من بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسة وسبعين يوماً؛
    وولدت الحسن بن عليّ (عليهما السلام) (ولها إحدى عشرة سنة بعد الهجرة)(12) (13).

    تأنيسها أمها قبل ولادتها

    1ـ عن خديجة رضي الله عنها قالت: لما حملت بفاطمة حملت حملا خفيفا وتحدثني في بطني، فلما قربت ولادتها دخل علي أربع نسوة عليهن من الجمال والنور ما لايوصف، فقالت إحداهن: أنا أمك حواء، وقالت الأخرى: أنا آسية بنت مزاحم، وقالت الأخرى: أنا كلثم أخت موسى، وقالت الأخرى: أنا مريم بنت عمران أم عيسى، جئنا لنلي من أمرك ماتلي النساء فولدت فاطمة، فوقعت على الأرض ساجدة رافعة أصبعها(14).

    2ـ فلما سأله الكفار أن يريهم انشقاق القمر، وقد بان لخديجة حملها بفاطمة وظهر، قالت خديجة: واخيبة من كذب محمدا وهو خير رسول ونبي! فنادت فاطمة من بطنها: يا أماه لا تحزني ولا ترهبي فإن الله مع أبي. فلما تم أمد حملها وانقضى وضعت فاطمة، فأشرق بنور وجهها الفضاء(15).
    3ـ إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: أتاني جبرئيل بتفاحة من الجنة، فأكلتها، وواقعت خديجة، فحملت بفاطمة، فقالت: إني حملت حملا خفيفا، فإذا خرجت حدثني الذي في بطني. فلما أرادت أن تضع بعثت إلى نساء قريش ليأتينها فيلين منها ما يلي النساء ممن تلد، فلم يفعلن وقلن: لا نأتيك وقد صرت زوجة محمد(16)...
    4ـ ذكر الشيخ عز الدين عبد السلام الشافعي في رسالته في مدح الخلفاء الراشدين: إنه لما حملت خديجة بفاطمة، كانت تكتمها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فدخل عليها يوما فوجدها تتكلم وليس معها غيرها، فسألها عمن كانت تخاطبه، فقالت: مع ما في بطني فإنه يتكلم معي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أبشري يا خديجة، هذه بنت جعلها الله أم أحد عشر من خلفائي، يخرجون بعدي وبعد أبيهم (صلوات الله عليهم أجمعين)(17).
    5ـفي حديث طويل عن الصادق عليه السلام: فدخل (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) يوما وسمع خديجة تحدث فاطمة فقال لها: يا خديجة، من يحدثك؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني. فقال لها: هذا جبرائيل يبشرني أنها أنثى، وأنها النسمة الطاهرة الميمونة، وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها وسيجعل نسلها أئمة في الأمة(18).

    باب ما وقع قبل ولادتها (عليها السلام)

    ـ في [العدد في الدرّ]

    وقيل: بينا النبي (صلى الله عليه وآله) جالس بالأبطح ومعه عمّار بن ياسر، والمنذر بن الضحضاح، وأبو بكر، وعمر، وعلي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطّلب، وحمزة بن عبد المطّلب، إذ هبط عليه جبرئيل (عليه السلام) في صورته العظمى، قد نشر أجنحته حتّى أخذت من المشرق إلى المغرب، فناداه:
    يا محمد! العلي الأعلى يقرأ عليك السلام، وهو يأمرك أن تعتزل عن خديجة أربعين صباحا، فشق ذلك على النبي (صلى الله عليه وآله)، وكان لها محبّاً، وبها وامقاً(19).
    قال: فأقام النبي (صلى الله عليه وآله) أربعين يوما، يصوم النهار، ويقوم الليل، حتى إذا كان في آخر أيامه تلك، بعث إلى خديجة بعمار بن ياسر، وقال: قل لها:
    يا خديجة لا تظني أنّ انقطاعي عنك هجرة ولا قلى(20) ولكنّ ربي عز وجل أمرني بذلك لينفذ أمره، فلا تظني يا خديجة إلا خيرا، فإن الله عز وجل ليباهي بك [كرام]ملائكته كل يوم مرارا، فإذا جنّك الليل فأجيفي(21) الباب، وخذي مضجعك من فراشك، فإني في منزل فاطمة بنت أسد.
    فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مرارا لفقد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛
    فلما كان في كمال الأربعين هبط جبرئيل (عليه السلام) فقال:
    يا محمد، العلي الأعلى يقرئك السلام وهو يأمرك أن تتأهب لتحيته وتحفته.
    قال النبي (صلى الله عليه وآله): يا جبرئيل، وما تحفة رب العالمين؟ وما تحيّته؟ قال: لا علم لي.
    قال: فبينا النبي (صلى الله عليه وآله) كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطّى بمنديل سندس ـ أو قال: إستبرق – فوضعه بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله)، وأقبل جبرئيل (عليه السلام) وقال: يا محمد! يأمرك ربك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام، فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام): كان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا أراد أن يفطر أمرني أن أفتح الباب لمن يرد إلى الإفطار، فلمّا كان في تلك الليلة أقعدني النبي (صلى الله عليه وآله) على باب المنزل، وقال: يا بن بي طالب، إنه طعام محرّم إلا عليّ؛ قال عليّ (عليه السلام): فجلست على الباب، وخلا النبي (صلى الله عليه وآله) بالطعام، وكشف الطبق فإذا عِذق(22) من رطب، وعنقودٌ من عنب، فأكل النبي (صلى الله عليه وآله) منه شبعا، وشرب من الماء ريا، ومدّ يده للغسل فأفاض الماء عليه جبرئيل، وغسل يده ميكائيل، وتمندله إسرافيل وارتفع فاضل الطعام مع الإناء إلى السماء؛ ثمّ قام النبي (صلى الله عليه وآله) ليصلّي، فأقبل عليه جبرئيل وقال: الصلاة محرّمة عليك في وقتك حتّى تأتي إلى منزل خديجة فتواقعها، فإن الله عز وجل آلى(23) على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذرية طيبة، فوثب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى منزل خديجة.
    قالت خديجة (رضوان الله عليها): وكنت قد ألفت الوحدة، فكان إذا جنّني الليل غطيت رأسي وأسجفت(24) ستري، وغلّقت بابي، وصلّيت وردي، وأطفأت مصباحي، وآويت إلى فراشي فلمّا كان في تلك الليلة لم أكن بالنائمة ولا بالمنتبهة إذ جاء النبي (صلى الله عليه وآله) فقرع الباب، فناديت: من هذا الذي يقرع حلقة لا يقرعها إلا محمد (صلى الله عليه وآله)؟‍ قالت خديجة: فنادى النبي (صلى الله عليه وآله) بعذوبة كلامه وحلاوة منطقه: افتحي يا خديجة فإني محمد؛ قالت خديجة: فقمت فرحة مستبشرة بالنبي (صلى الله عليه وآله)، وفتحت الباب، ودخل النبي المنزل وكان (صلى الله عليه وآله): إذا دخل المنزل دعا بالإناء فتطهّر للصلاة، ثم يقوم فيصلّي ركعتين يوجز فيهما، ثم يأوي إلى فراشه؛
    فلما كان في تلك الليلة لم يدع بالإناء ولم يتأهب للصلاة غير أنه أخذ بعضدي وأقعدني علىفراشه، وداعبني ومازحني وكان بيني وبينه ما يكون بين المرأة وبعلها، فلا والذي سمك السماء وأنبع الماء ما تباعد عني النبي (صلى الله عليه وآله) حتى أحسست بثقل فاطمة في بطني.
    الدر النظيم: (مثله)(25).

    باب كيفيّة ولادتها (صلوات الله عليها)

    ـ في أمالي الصدوق

    أحمد بن محمد الخليلي، عن المفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): كيف كان ولادة فاطمة (عليها السلام)؟
    فقال: نعم، إن خديجة (عليها السلام) لمّا تزوّج بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) هجرتها نسوة مكة، فكنّ لا يدخلن عليها، ولا يسلّمن عليها، ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة لذلك،وكان جزعها وغمّها حذرا عليه (صلى الله عليه وآله)، فلمّا حملت بفاطمة (عليها السلام) كانت فاطمة تحدّثها من بطنها، وتصبّرها(26)، وكانت تكتم ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدخل رسول الله يوما فسمع خديجة تحدّث فاطمة (عليها السلام).
    فقال لها: يا خديجة، من تحدّثين؟!
    قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني(27).
    قال: يا خديجة، هذا جبرئيل يبشّرني أنّها اُنثى، وأنها النسلة الطاهرة الميمونة. وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها؛
    وسيجعل من نسلها أئمة، ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه.
    فلم تزل خديجة (عليها السلام) على ذلك إلى أن حضرت ولادتها؛ فوجّهت إلى نساء قريس وبني هاشم أن تعالين لتلين منّي ما تلي النساء من النساء.
    فأرسلين إليها: أنتِ عصيتنا، ولم تقبلي قولنا، وتزوّجتِ محمدا يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له، فلسنا نجئ، ولا نلي من أمرك شيئا، فاغتمّت خديجة (عليها السلام) ذلك؛ فبينا هي كذلك، إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنّهن من نساء بني هاشم؛ ففزعت منهنّ لمّا رأتهن، فقالت إحداهن:
    لا تحزني يا خديجة، فإنا رسل ربك إليك، ونحن أخواتك، أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه كلثم أخت موسى بن عمران، بعثنا الله إليك لنلي منك ماتلي النساء من النساء؛
    فجلست واحدة عن يمينها، وأخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت فاطمة (عليها السلام) طاهرة مطهّرة؛ فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتّى دخل بيوتات مكّة(28)؛
    ولم يبق في شرق الارض ولا غربها [موضع] إلا اشرق فيه ذلك النور؛
    ودخل عشر من الحور العين، كل واحدة منهن معها طشت من الجنة، وإبريق من الجنة، وفي الإبريق ماء من الكوثر؛ فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن وأطيب ريحا من المسك والعنبر، فلفّتها بواحدة وقنّعتها بالثانية؛ ثم استنطقتها فنطقت فاطمة (عليها السلام) بالشهادتين؛
    وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن أبي رسول الله سيد الأنبياء، وأن بعلي سيد الأوصياء، وولدي سادة الأسباط؛
    ثم سلّمت عليهن وسمّت كل واحدة منهنّ بأسمها، وأقبلن يضحكن إليها؛
    وتباشرت الحور العين، وبشّر هل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة (عليها السلام) وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك.
    وقالت النسوة: خذيها يا خديجة، طاهرة مطهرة زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها فتناولتها فرحة مستبشرة(29) وألقمتها ثديها فدرّ عليها؛
    فكانت فاطمة (عليها السلام) تنمى في اليوم كما ينمى الصبيّ في الشهر، وتنمى في الشهر كما ينمى ا لصبي في السنة.

    الهوامش
    1 ـ القرط ـ بالضم ـ: الذي يعلق في شحمة الأذن. منه (رحمه الله). وفي ص22: فعلقه في بطنان العرش.
    2 ـ سيأتي في أسمائها عن ابن مسعود، وعن أنس عن ابن عباس وحديث سلمان (نحوه) في باب أسمائها ومعانيها.
    3 ـ 403، عنه البحار: 43/17 ح16.
    4 ـ 1/36 ح1، عنه غاية المرام: 5 ح1 وص15 ح1، وأخرجه في أرجح المطالب: 461، عنهما الإحقاق: 9/ م203 وص253.
    5 ـ هكذا، وأضفنا بين المعقوفين بما أن المفضل من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) فله أن يروي عن جده.
    6 ـ 38، عنه الإحقاق: 13/59.
    7 ـ 1/183 ح2، عنه البحار: 43/5 ح5. تفسير فرات: 10، عن محمد بن زيد الثقفي، المحتضر: 135 عن ابن عباس، كشف الغمة: 1/459، عن حذيفة (مثله).
    8 ـ 1/183 ح1، عنه البحار: 43/5 ح4. وأورده في المحتضر: 135 عن أبي جعفر (عليه السلام) (مثله).
    9 ـ 30، عنه البحار: 43/9.
    10 ـ 1/457 ح10، عنه البحار: 43/9 ح13.
    11 ـ ص3 (مخطوط).
    12 ـ وقال المجلسي: وقيل: ولدت الحسن بعد الهجرة، ولها إحدى عشرة سنة.
    13 ـ ص6.
    14 ـ (ينابيع المودة) ص198.
    15 ـ (الروض الفائق) ص314.
    16 ـ 3 ـ (ذخائر العقبى) ص44.
    17 ـ 4 ـ (إحقاق الحق) ج10، ص12.
    18 ـ 5 ـ (البحار) ج16، ص80.
    19 ـ الواومق: المحبّ.
    20 ـ قلى: ترك، وأبغض.
    21 ـ أجفت الباب: ردّته.
    22 ـ العذق بالكسر: عنقود العنب والرطب.
    23 ـ أي حلف.
    24 ـ قال الجوهري: أسجفت الستر: أرسلته.
    25 ـ 45 (مخطوط)، عنه البحار: 16/78.
    26 ـ الروض الفائق (214): لمّا سأله الكفار أن يريهم إنشقاق القمر وقد بان لخديجة حملها بفاطمة وظهر، قالت خديجة: واخيبة من كذّب محمدا وهو خير رسول ونبي.
    فنادت فاطمة من بطنها: يا اُماه! لا تحزني ولا ترهبي، فإن الله مع أبي، عنه الإحقاق: 10/12.
    27 ـ عن مشارق الأنوار.
    وكانت تحدّث خديجة في الأحشاء، وتؤنسها بالتسبيح والتقديس.
    28 ـ الروض الفائق (214): …
    فلما تم أمد حملها وانقضى، وضعت فاطمة فأشرق بنور وجهها الفضاء.
    29 ـ يأتي ص62 ح5: أنس، عن اُمّه: … وعندما وضعتها السيدة خديجة، ورأت في وليدتها «فاطمة الزهراء» أنها صورة من أبيها العظيم، سرّها ذلك الشبه، وأنه بركة من بركات الله عليها وعلى آل البيت الكرام.

  • #2
    تأنيسها أمها قبل ولادتها

    1ـ عن خديجة رضي الله عنها قالت: لما حملت بفاطمة حملت حملا خفيفا وتحدثني في بطني، فلما قربت ولادتها دخل علي أربع نسوة عليهن من الجمال والنور ما لايوصف، فقالت إحداهن: أنا أمك حواء، وقالت الأخرى: أنا آسية بنت مزاحم، وقالت الأخرى: أنا كلثم أخت موسى، وقالت الأخرى: أنا مريم بنت عمران أم عيسى، جئنا لنلي من أمرك ماتلي النساء فولدت فاطمة، فوقعت على الأرض ساجدة رافعة أصبعها(14).

    2ـ فلما سأله الكفار أن يريهم انشقاق القمر، وقد بان لخديجة حملها بفاطمة وظهر، قالت خديجة: واخيبة من كذب محمدا وهو خير رسول ونبي! فنادت فاطمة من بطنها: يا أماه لا تحزني ولا ترهبي فإن الله مع أبي. فلما تم أمد حملها وانقضى وضعت فاطمة، فأشرق بنور وجهها الفضاء(15).
    3ـ إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: أتاني جبرئيل بتفاحة من الجنة، فأكلتها، وواقعت خديجة، فحملت بفاطمة، فقالت: إني حملت حملا خفيفا، فإذا خرجت حدثني الذي في بطني. فلما أرادت أن تضع بعثت إلى نساء قريش ليأتينها فيلين منها ما يلي النساء ممن تلد، فلم يفعلن وقلن: لا نأتيك وقد صرت زوجة محمد(16)...
    4ـ ذكر الشيخ عز الدين عبد السلام الشافعي في رسالته في مدح الخلفاء الراشدين: إنه لما حملت خديجة بفاطمة، كانت تكتمها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فدخل عليها يوما فوجدها تتكلم وليس معها غيرها، فسألها عمن كانت تخاطبه، فقالت: مع ما في بطني فإنه يتكلم معي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أبشري يا خديجة، هذه بنت جعلها الله أم أحد عشر من خلفائي، يخرجون بعدي وبعد أبيهم (صلوات الله عليهم أجمعين)(17).
    5ـفي حديث طويل عن الصادق عليه السلام: فدخل (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) يوما وسمع خديجة تحدث فاطمة فقال لها: يا خديجة، من يحدثك؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني. فقال لها: هذا جبرائيل يبشرني أنها أنثى، وأنها النسمة الطاهرة الميمونة، وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها وسيجعل نسلها أئمة في الأمة(18).

    باب ما وقع قبل ولادتها (عليها السلام)

    ـ في [العدد في الدرّ]

    وقيل: بينا النبي (صلى الله عليه وآله) جالس بالأبطح ومعه عمّار بن ياسر، والمنذر بن الضحضاح، وأبو بكر، وعمر، وعلي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطّلب، وحمزة بن عبد المطّلب، إذ هبط عليه جبرئيل (عليه السلام) في صورته العظمى، قد نشر أجنحته حتّى أخذت من المشرق إلى المغرب، فناداه:
    يا محمد! العلي الأعلى يقرأ عليك السلام، وهو يأمرك أن تعتزل عن خديجة أربعين صباحا، فشق ذلك على النبي (صلى الله عليه وآله)، وكان لها محبّاً، وبها وامقاً(19).
    قال: فأقام النبي (صلى الله عليه وآله) أربعين يوما، يصوم النهار، ويقوم الليل، حتى إذا كان في آخر أيامه تلك، بعث إلى خديجة بعمار بن ياسر، وقال: قل لها:
    يا خديجة لا تظني أنّ انقطاعي عنك هجرة ولا قلى(20) ولكنّ ربي عز وجل أمرني بذلك لينفذ أمره، فلا تظني يا خديجة إلا خيرا، فإن الله عز وجل ليباهي بك [كرام]ملائكته كل يوم مرارا، فإذا جنّك الليل فأجيفي(21) الباب، وخذي مضجعك من فراشك، فإني في منزل فاطمة بنت أسد.
    فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مرارا لفقد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛
    فلما كان في كمال الأربعين هبط جبرئيل (عليه السلام) فقال:
    يا محمد، العلي الأعلى يقرئك السلام وهو يأمرك أن تتأهب لتحيته وتحفته.
    قال النبي (صلى الله عليه وآله): يا جبرئيل، وما تحفة رب العالمين؟ وما تحيّته؟ قال: لا علم لي.
    قال: فبينا النبي (صلى الله عليه وآله) كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطّى بمنديل سندس ـ أو قال: إستبرق – فوضعه بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله)، وأقبل جبرئيل (عليه السلام) وقال: يا محمد! يأمرك ربك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام، فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام): كان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا أراد أن يفطر أمرني أن أفتح الباب لمن يرد إلى الإفطار، فلمّا كان في تلك الليلة أقعدني النبي (صلى الله عليه وآله) على باب المنزل، وقال: يا بن بي طالب، إنه طعام محرّم إلا عليّ؛ قال عليّ (عليه السلام): فجلست على الباب، وخلا النبي (صلى الله عليه وآله) بالطعام، وكشف الطبق فإذا عِذق(22) من رطب، وعنقودٌ من عنب، فأكل النبي (صلى الله عليه وآله) منه شبعا، وشرب من الماء ريا، ومدّ يده للغسل فأفاض الماء عليه جبرئيل، وغسل يده ميكائيل، وتمندله إسرافيل وارتفع فاضل الطعام مع الإناء إلى السماء؛ ثمّ قام النبي (صلى الله عليه وآله) ليصلّي، فأقبل عليه جبرئيل وقال: الصلاة محرّمة عليك في وقتك حتّى تأتي إلى منزل خديجة فتواقعها، فإن الله عز وجل آلى(23) على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذرية طيبة، فوثب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى منزل خديجة.
    قالت خديجة (رضوان الله عليها): وكنت قد ألفت الوحدة، فكان إذا جنّني الليل غطيت رأسي وأسجفت(24) ستري، وغلّقت بابي، وصلّيت وردي، وأطفأت مصباحي، وآويت إلى فراشي فلمّا كان في تلك الليلة لم أكن بالنائمة ولا بالمنتبهة إذ جاء النبي (صلى الله عليه وآله) فقرع الباب، فناديت: من هذا الذي يقرع حلقة لا يقرعها إلا محمد (صلى الله عليه وآله)؟‍ قالت خديجة: فنادى النبي (صلى الله عليه وآله) بعذوبة كلامه وحلاوة منطقه: افتحي يا خديجة فإني محمد؛ قالت خديجة: فقمت فرحة مستبشرة بالنبي (صلى الله عليه وآله)، وفتحت الباب، ودخل النبي المنزل وكان (صلى الله عليه وآله): إذا دخل المنزل دعا بالإناء فتطهّر للصلاة، ثم يقوم فيصلّي ركعتين يوجز فيهما، ثم يأوي إلى فراشه؛
    فلما كان في تلك الليلة لم يدع بالإناء ولم يتأهب للصلاة غير أنه أخذ بعضدي وأقعدني علىفراشه، وداعبني ومازحني وكان بيني وبينه ما يكون بين المرأة وبعلها، فلا والذي سمك السماء وأنبع الماء ما تباعد عني النبي (صلى الله عليه وآله) حتى أحسست بثقل فاطمة في بطني.
    الدر النظيم: (مثله)(25).

    باب كيفيّة ولادتها (صلوات الله عليها)

    ـ في أمالي الصدوق

    أحمد بن محمد الخليلي، عن المفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): كيف كان ولادة فاطمة (عليها السلام)؟
    فقال: نعم، إن خديجة (عليها السلام) لمّا تزوّج بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) هجرتها نسوة مكة، فكنّ لا يدخلن عليها، ولا يسلّمن عليها، ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة لذلك،وكان جزعها وغمّها حذرا عليه (صلى الله عليه وآله)، فلمّا حملت بفاطمة (عليها السلام) كانت فاطمة تحدّثها من بطنها، وتصبّرها(26)، وكانت تكتم ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدخل رسول الله يوما فسمع خديجة تحدّث فاطمة (عليها السلام).
    فقال لها: يا خديجة، من تحدّثين؟!
    قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني(27).
    قال: يا خديجة، هذا جبرئيل يبشّرني أنّها اُنثى، وأنها النسلة الطاهرة الميمونة. وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها؛
    وسيجعل من نسلها أئمة، ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه.
    فلم تزل خديجة (عليها السلام) على ذلك إلى أن حضرت ولادتها؛ فوجّهت إلى نساء قريس وبني هاشم أن تعالين لتلين منّي ما تلي النساء من النساء.
    فأرسلين إليها: أنتِ عصيتنا، ولم تقبلي قولنا، وتزوّجتِ محمدا يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له، فلسنا نجئ، ولا نلي من أمرك شيئا، فاغتمّت خديجة (عليها السلام) ذلك؛ فبينا هي كذلك، إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنّهن من نساء بني هاشم؛ ففزعت منهنّ لمّا رأتهن، فقالت إحداهن:
    لا تحزني يا خديجة، فإنا رسل ربك إليك، ونحن أخواتك، أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه كلثم أخت موسى بن عمران، بعثنا الله إليك لنلي منك ماتلي النساء من النساء؛
    فجلست واحدة عن يمينها، وأخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت فاطمة (عليها السلام) طاهرة مطهّرة؛ فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتّى دخل بيوتات مكّة(28)؛
    ولم يبق في شرق الارض ولا غربها [موضع] إلا اشرق فيه ذلك النور؛
    ودخل عشر من الحور العين، كل واحدة منهن معها طشت من الجنة، وإبريق من الجنة، وفي الإبريق ماء من الكوثر؛ فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن وأطيب ريحا من المسك والعنبر، فلفّتها بواحدة وقنّعتها بالثانية؛ ثم استنطقتها فنطقت فاطمة (عليها السلام) بالشهادتين؛
    وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن أبي رسول الله سيد الأنبياء، وأن بعلي سيد الأوصياء، وولدي سادة الأسباط؛
    ثم سلّمت عليهن وسمّت كل واحدة منهنّ بأسمها، وأقبلن يضحكن إليها؛
    وتباشرت الحور العين، وبشّر هل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة (عليها السلام) وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك.
    وقالت النسوة: خذيها يا خديجة، طاهرة مطهرة زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها فتناولتها فرحة مستبشرة(29) وألقمتها ثديها فدرّ عليها؛
    فكانت فاطمة (عليها السلام) تنمى في اليوم كما ينمى الصبيّ في الشهر، وتنمى في الشهر كما ينمى ا لصبي في السنة.

    الهوامش
    1 ـ القرط ـ بالضم ـ: الذي يعلق في شحمة الأذن. منه (رحمه الله). وفي ص22: فعلقه في بطنان العرش.
    2 ـ سيأتي في أسمائها عن ابن مسعود، وعن أنس عن ابن عباس وحديث سلمان (نحوه) في باب أسمائها ومعانيها.
    3 ـ 403، عنه البحار: 43/17 ح16.
    4 ـ 1/36 ح1، عنه غاية المرام: 5 ح1 وص15 ح1، وأخرجه في أرجح المطالب: 461، عنهما الإحقاق: 9/ م203 وص253.
    5 ـ هكذا، وأضفنا بين المعقوفين بما أن المفضل من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) فله أن يروي عن جده.
    6 ـ 38، عنه الإحقاق: 13/59.
    7 ـ 1/183 ح2، عنه البحار: 43/5 ح5. تفسير فرات: 10، عن محمد بن زيد الثقفي، المحتضر: 135 عن ابن عباس، كشف الغمة: 1/459، عن حذيفة (مثله).
    8 ـ 1/183 ح1، عنه البحار: 43/5 ح4. وأورده في المحتضر: 135 عن أبي جعفر (عليه السلام) (مثله).
    9 ـ 30، عنه البحار: 43/9.
    10 ـ 1/457 ح10، عنه البحار: 43/9 ح13.
    11 ـ ص3 (مخطوط).
    12 ـ وقال المجلسي: وقيل: ولدت الحسن بعد الهجرة، ولها إحدى عشرة سنة.
    13 ـ ص6.
    14 ـ (ينابيع المودة) ص198.
    15 ـ (الروض الفائق) ص314.
    16 ـ 3 ـ (ذخائر العقبى) ص44.
    17 ـ 4 ـ (إحقاق الحق) ج10، ص12.
    18 ـ 5 ـ (البحار) ج16، ص80.
    19 ـ الواومق: المحبّ.
    20 ـ قلى: ترك، وأبغض.
    21 ـ أجفت الباب: ردّته.
    22 ـ العذق بالكسر: عنقود العنب والرطب.
    23 ـ أي حلف.
    24 ـ قال الجوهري: أسجفت الستر: أرسلته.
    25 ـ 45 (مخطوط)، عنه البحار: 16/78.
    26 ـ الروض الفائق (214): لمّا سأله الكفار أن يريهم إنشقاق القمر وقد بان لخديجة حملها بفاطمة وظهر، قالت خديجة: واخيبة من كذّب محمدا وهو خير رسول ونبي.
    فنادت فاطمة من بطنها: يا اُماه! لا تحزني ولا ترهبي، فإن الله مع أبي، عنه الإحقاق: 10/12.
    27 ـ عن مشارق الأنوار.
    وكانت تحدّث خديجة في الأحشاء، وتؤنسها بالتسبيح والتقديس.
    28 ـ الروض الفائق (214): …
    فلما تم أمد حملها وانقضى، وضعت فاطمة فأشرق بنور وجهها الفضاء.
    29 ـ يأتي ص62 ح5: أنس، عن اُمّه: … وعندما وضعتها السيدة خديجة، ورأت في وليدتها «فاطمة الزهراء» أنها صورة من أبيها العظيم، سرّها ذلك الشبه، وأنه بركة من بركات الله عليها وعلى آل البيت الكرام.

    تعليق


    • #3
      باب ما وقع قبل ولادتها (عليها السلام)

      ـ في [العدد في الدرّ]

      وقيل: بينا النبي (صلى الله عليه وآله) جالس بالأبطح ومعه عمّار بن ياسر، والمنذر بن الضحضاح، وأبو بكر، وعمر، وعلي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطّلب، وحمزة بن عبد المطّلب، إذ هبط عليه جبرئيل (عليه السلام) في صورته العظمى، قد نشر أجنحته حتّى أخذت من المشرق إلى المغرب، فناداه:
      يا محمد! العلي الأعلى يقرأ عليك السلام، وهو يأمرك أن تعتزل عن خديجة أربعين صباحا، فشق ذلك على النبي (صلى الله عليه وآله)، وكان لها محبّاً، وبها وامقاً(19).
      قال: فأقام النبي (صلى الله عليه وآله) أربعين يوما، يصوم النهار، ويقوم الليل، حتى إذا كان في آخر أيامه تلك، بعث إلى خديجة بعمار بن ياسر، وقال: قل لها:
      يا خديجة لا تظني أنّ انقطاعي عنك هجرة ولا قلى(20) ولكنّ ربي عز وجل أمرني بذلك لينفذ أمره، فلا تظني يا خديجة إلا خيرا، فإن الله عز وجل ليباهي بك [كرام]ملائكته كل يوم مرارا، فإذا جنّك الليل فأجيفي(21) الباب، وخذي مضجعك من فراشك، فإني في منزل فاطمة بنت أسد.
      فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مرارا لفقد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛
      فلما كان في كمال الأربعين هبط جبرئيل (عليه السلام) فقال:
      يا محمد، العلي الأعلى يقرئك السلام وهو يأمرك أن تتأهب لتحيته وتحفته.
      قال النبي (صلى الله عليه وآله): يا جبرئيل، وما تحفة رب العالمين؟ وما تحيّته؟ قال: لا علم لي.
      قال: فبينا النبي (صلى الله عليه وآله) كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطّى بمنديل سندس ـ أو قال: إستبرق – فوضعه بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله)، وأقبل جبرئيل (عليه السلام) وقال: يا محمد! يأمرك ربك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام، فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام): كان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا أراد أن يفطر أمرني أن أفتح الباب لمن يرد إلى الإفطار، فلمّا كان في تلك الليلة أقعدني النبي (صلى الله عليه وآله) على باب المنزل، وقال: يا بن بي طالب، إنه طعام محرّم إلا عليّ؛ قال عليّ (عليه السلام): فجلست على الباب، وخلا النبي (صلى الله عليه وآله) بالطعام، وكشف الطبق فإذا عِذق(22) من رطب، وعنقودٌ من عنب، فأكل النبي (صلى الله عليه وآله) منه شبعا، وشرب من الماء ريا، ومدّ يده للغسل فأفاض الماء عليه جبرئيل، وغسل يده ميكائيل، وتمندله إسرافيل وارتفع فاضل الطعام مع الإناء إلى السماء؛ ثمّ قام النبي (صلى الله عليه وآله) ليصلّي، فأقبل عليه جبرئيل وقال: الصلاة محرّمة عليك في وقتك حتّى تأتي إلى منزل خديجة فتواقعها، فإن الله عز وجل آلى(23) على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذرية طيبة، فوثب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى منزل خديجة.
      قالت خديجة (رضوان الله عليها): وكنت قد ألفت الوحدة، فكان إذا جنّني الليل غطيت رأسي وأسجفت(24) ستري، وغلّقت بابي، وصلّيت وردي، وأطفأت مصباحي، وآويت إلى فراشي فلمّا كان في تلك الليلة لم أكن بالنائمة ولا بالمنتبهة إذ جاء النبي (صلى الله عليه وآله) فقرع الباب، فناديت: من هذا الذي يقرع حلقة لا يقرعها إلا محمد (صلى الله عليه وآله)؟‍ قالت خديجة: فنادى النبي (صلى الله عليه وآله) بعذوبة كلامه وحلاوة منطقه: افتحي يا خديجة فإني محمد؛ قالت خديجة: فقمت فرحة مستبشرة بالنبي (صلى الله عليه وآله)، وفتحت الباب، ودخل النبي المنزل وكان (صلى الله عليه وآله): إذا دخل المنزل دعا بالإناء فتطهّر للصلاة، ثم يقوم فيصلّي ركعتين يوجز فيهما، ثم يأوي إلى فراشه؛
      فلما كان في تلك الليلة لم يدع بالإناء ولم يتأهب للصلاة غير أنه أخذ بعضدي وأقعدني علىفراشه، وداعبني ومازحني وكان بيني وبينه ما يكون بين المرأة وبعلها، فلا والذي سمك السماء وأنبع الماء ما تباعد عني النبي (صلى الله عليه وآله) حتى أحسست بثقل فاطمة في بطني.
      الدر النظيم: (مثله)(25).
      باب كيفيّة ولادتها (صلوات الله عليها)

      ـ في أمالي الصدوق

      أحمد بن محمد الخليلي، عن المفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): كيف كان ولادة فاطمة (عليها السلام)؟
      فقال: نعم، إن خديجة (عليها السلام) لمّا تزوّج بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) هجرتها نسوة مكة، فكنّ لا يدخلن عليها، ولا يسلّمن عليها، ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة لذلك،وكان جزعها وغمّها حذرا عليه (صلى الله عليه وآله)، فلمّا حملت بفاطمة (عليها السلام) كانت فاطمة تحدّثها من بطنها، وتصبّرها(26)، وكانت تكتم ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدخل رسول الله يوما فسمع خديجة تحدّث فاطمة (عليها السلام).
      فقال لها: يا خديجة، من تحدّثين؟!
      قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني(27).
      قال: يا خديجة، هذا جبرئيل يبشّرني أنّها اُنثى، وأنها النسلة الطاهرة الميمونة. وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها؛
      وسيجعل من نسلها أئمة، ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه.
      فلم تزل خديجة (عليها السلام) على ذلك إلى أن حضرت ولادتها؛ فوجّهت إلى نساء قريس وبني هاشم أن تعالين لتلين منّي ما تلي النساء من النساء.
      فأرسلين إليها: أنتِ عصيتنا، ولم تقبلي قولنا، وتزوّجتِ محمدا يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له، فلسنا نجئ، ولا نلي من أمرك شيئا، فاغتمّت خديجة (عليها السلام) ذلك؛ فبينا هي كذلك، إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنّهن من نساء بني هاشم؛ ففزعت منهنّ لمّا رأتهن، فقالت إحداهن:
      لا تحزني يا خديجة، فإنا رسل ربك إليك، ونحن أخواتك، أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه كلثم أخت موسى بن عمران، بعثنا الله إليك لنلي منك ماتلي النساء من النساء؛
      فجلست واحدة عن يمينها، وأخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت فاطمة (عليها السلام) طاهرة مطهّرة؛ فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتّى دخل بيوتات مكّة(28)؛
      ولم يبق في شرق الارض ولا غربها [موضع] إلا اشرق فيه ذلك النور؛
      ودخل عشر من الحور العين، كل واحدة منهن معها طشت من الجنة، وإبريق من الجنة، وفي الإبريق ماء من الكوثر؛ فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن وأطيب ريحا من المسك والعنبر، فلفّتها بواحدة وقنّعتها بالثانية؛ ثم استنطقتها فنطقت فاطمة (عليها السلام) بالشهادتين؛
      وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن أبي رسول الله سيد الأنبياء، وأن بعلي سيد الأوصياء، وولدي سادة الأسباط؛
      ثم سلّمت عليهن وسمّت كل واحدة منهنّ بأسمها، وأقبلن يضحكن إليها؛
      وتباشرت الحور العين، وبشّر هل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة (عليها السلام) وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك.
      وقالت النسوة: خذيها يا خديجة، طاهرة مطهرة زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها فتناولتها فرحة مستبشرة(29) وألقمتها ثديها فدرّ عليها؛
      فكانت فاطمة (عليها السلام) تنمى في اليوم كما ينمى الصبيّ في الشهر، وتنمى في الشهر كما ينمى ا لصبي في السنة.
      الهوامش
      1 ـ القرط ـ بالضم ـ: الذي يعلق في شحمة الأذن. منه (رحمه الله). وفي ص22: فعلقه في بطنان العرش.
      2 ـ سيأتي في أسمائها عن ابن مسعود، وعن أنس عن ابن عباس وحديث سلمان (نحوه) في باب أسمائها ومعانيها.
      3 ـ 403، عنه البحار: 43/17 ح16.
      4 ـ 1/36 ح1، عنه غاية المرام: 5 ح1 وص15 ح1، وأخرجه في أرجح المطالب: 461، عنهما الإحقاق: 9/ م203 وص253.
      5 ـ هكذا، وأضفنا بين المعقوفين بما أن المفضل من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) فله أن يروي عن جده.
      6 ـ 38، عنه الإحقاق: 13/59.
      7 ـ 1/183 ح2، عنه البحار: 43/5 ح5. تفسير فرات: 10، عن محمد بن زيد الثقفي، المحتضر: 135 عن ابن عباس، كشف الغمة: 1/459، عن حذيفة (مثله).
      8 ـ 1/183 ح1، عنه البحار: 43/5 ح4. وأورده في المحتضر: 135 عن أبي جعفر (عليه السلام) (مثله).
      9 ـ 30، عنه البحار: 43/9.
      10 ـ 1/457 ح10، عنه البحار: 43/9 ح13.
      11 ـ ص3 (مخطوط).
      12 ـ وقال المجلسي: وقيل: ولدت الحسن بعد الهجرة، ولها إحدى عشرة سنة.
      13 ـ ص6.
      14 ـ (ينابيع المودة) ص198.
      15 ـ (الروض الفائق) ص314.
      16 ـ 3 ـ (ذخائر العقبى) ص44.
      17 ـ 4 ـ (إحقاق الحق) ج10، ص12.
      18 ـ 5 ـ (البحار) ج16، ص80.
      19 ـ الواومق: المحبّ.
      20 ـ قلى: ترك، وأبغض.
      21 ـ أجفت الباب: ردّته.
      22 ـ العذق بالكسر: عنقود العنب والرطب.
      23 ـ أي حلف.
      24 ـ قال الجوهري: أسجفت الستر: أرسلته.
      25 ـ 45 (مخطوط)، عنه البحار: 16/78.
      26 ـ الروض الفائق (214): لمّا سأله الكفار أن يريهم إنشقاق القمر وقد بان لخديجة حملها بفاطمة وظهر، قالت خديجة: واخيبة من كذّب محمدا وهو خير رسول ونبي.
      فنادت فاطمة من بطنها: يا اُماه! لا تحزني ولا ترهبي، فإن الله مع أبي، عنه الإحقاق: 10/12.
      27 ـ عن مشارق الأنوار.
      وكانت تحدّث خديجة في الأحشاء، وتؤنسها بالتسبيح والتقديس.
      28 ـ الروض الفائق (214): …
      فلما تم أمد حملها وانقضى، وضعت فاطمة فأشرق بنور وجهها الفضاء.
      29 ـ يأتي ص62 ح5: أنس، عن اُمّه: … وعندما وضعتها السيدة خديجة، ورأت في وليدتها «فاطمة الزهراء» أنها صورة من أبيها العظيم، سرّها ذلك الشبه، وأنه بركة من بركات الله عليها وعلى آل البيت الكرام.

      تعليق


      • #4
        باب كيفيّة ولادتها (صلوات الله عليها)

        ـ في أمالي الصدوق

        أحمد بن محمد الخليلي، عن المفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): كيف كان ولادة فاطمة (عليها السلام)؟
        فقال: نعم، إن خديجة (عليها السلام) لمّا تزوّج بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) هجرتها نسوة مكة، فكنّ لا يدخلن عليها، ولا يسلّمن عليها، ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة لذلك،وكان جزعها وغمّها حذرا عليه (صلى الله عليه وآله)، فلمّا حملت بفاطمة (عليها السلام) كانت فاطمة تحدّثها من بطنها، وتصبّرها(26)، وكانت تكتم ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدخل رسول الله يوما فسمع خديجة تحدّث فاطمة (عليها السلام).
        فقال لها: يا خديجة، من تحدّثين؟!
        قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني(27).
        قال: يا خديجة، هذا جبرئيل يبشّرني أنّها اُنثى، وأنها النسلة الطاهرة الميمونة. وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها؛
        وسيجعل من نسلها أئمة، ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه.
        فلم تزل خديجة (عليها السلام) على ذلك إلى أن حضرت ولادتها؛ فوجّهت إلى نساء قريس وبني هاشم أن تعالين لتلين منّي ما تلي النساء من النساء.
        فأرسلين إليها: أنتِ عصيتنا، ولم تقبلي قولنا، وتزوّجتِ محمدا يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له، فلسنا نجئ، ولا نلي من أمرك شيئا، فاغتمّت خديجة (عليها السلام) ذلك؛ فبينا هي كذلك، إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنّهن من نساء بني هاشم؛ ففزعت منهنّ لمّا رأتهن، فقالت إحداهن:
        لا تحزني يا خديجة، فإنا رسل ربك إليك، ونحن أخواتك، أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه كلثم أخت موسى بن عمران، بعثنا الله إليك لنلي منك ماتلي النساء من النساء؛
        فجلست واحدة عن يمينها، وأخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت فاطمة (عليها السلام) طاهرة مطهّرة؛ فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتّى دخل بيوتات مكّة(28)؛
        ولم يبق في شرق الارض ولا غربها [موضع] إلا اشرق فيه ذلك النور؛
        ودخل عشر من الحور العين، كل واحدة منهن معها طشت من الجنة، وإبريق من الجنة، وفي الإبريق ماء من الكوثر؛ فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن وأطيب ريحا من المسك والعنبر، فلفّتها بواحدة وقنّعتها بالثانية؛ ثم استنطقتها فنطقت فاطمة (عليها السلام) بالشهادتين؛
        وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن أبي رسول الله سيد الأنبياء، وأن بعلي سيد الأوصياء، وولدي سادة الأسباط؛
        ثم سلّمت عليهن وسمّت كل واحدة منهنّ بأسمها، وأقبلن يضحكن إليها؛
        وتباشرت الحور العين، وبشّر هل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة (عليها السلام) وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك.
        وقالت النسوة: خذيها يا خديجة، طاهرة مطهرة زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها فتناولتها فرحة مستبشرة(29) وألقمتها ثديها فدرّ عليها؛
        فكانت فاطمة (عليها السلام) تنمى في اليوم كما ينمى الصبيّ في الشهر، وتنمى في الشهر كما ينمى ا لصبي في السنة.
        الهوامش
        1 ـ القرط ـ بالضم ـ: الذي يعلق في شحمة الأذن. منه (رحمه الله). وفي ص22: فعلقه في بطنان العرش.
        2 ـ سيأتي في أسمائها عن ابن مسعود، وعن أنس عن ابن عباس وحديث سلمان (نحوه) في باب أسمائها ومعانيها.
        3 ـ 403، عنه البحار: 43/17 ح16.
        4 ـ 1/36 ح1، عنه غاية المرام: 5 ح1 وص15 ح1، وأخرجه في أرجح المطالب: 461، عنهما الإحقاق: 9/ م203 وص253.
        5 ـ هكذا، وأضفنا بين المعقوفين بما أن المفضل من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) فله أن يروي عن جده.
        6 ـ 38، عنه الإحقاق: 13/59.
        7 ـ 1/183 ح2، عنه البحار: 43/5 ح5. تفسير فرات: 10، عن محمد بن زيد الثقفي، المحتضر: 135 عن ابن عباس، كشف الغمة: 1/459، عن حذيفة (مثله).
        8 ـ 1/183 ح1، عنه البحار: 43/5 ح4. وأورده في المحتضر: 135 عن أبي جعفر (عليه السلام) (مثله).
        9 ـ 30، عنه البحار: 43/9.
        10 ـ 1/457 ح10، عنه البحار: 43/9 ح13.
        11 ـ ص3 (مخطوط).
        12 ـ وقال المجلسي: وقيل: ولدت الحسن بعد الهجرة، ولها إحدى عشرة سنة.
        13 ـ ص6.
        14 ـ (ينابيع المودة) ص198.
        15 ـ (الروض الفائق) ص314.
        16 ـ 3 ـ (ذخائر العقبى) ص44.
        17 ـ 4 ـ (إحقاق الحق) ج10، ص12.
        18 ـ 5 ـ (البحار) ج16، ص80.
        19 ـ الواومق: المحبّ.
        20 ـ قلى: ترك، وأبغض.
        21 ـ أجفت الباب: ردّته.
        22 ـ العذق بالكسر: عنقود العنب والرطب.
        23 ـ أي حلف.
        24 ـ قال الجوهري: أسجفت الستر: أرسلته.
        25 ـ 45 (مخطوط)، عنه البحار: 16/78.
        26 ـ الروض الفائق (214): لمّا سأله الكفار أن يريهم إنشقاق القمر وقد بان لخديجة حملها بفاطمة وظهر، قالت خديجة: واخيبة من كذّب محمدا وهو خير رسول ونبي.
        فنادت فاطمة من بطنها: يا اُماه! لا تحزني ولا ترهبي، فإن الله مع أبي، عنه الإحقاق: 10/12.
        27 ـ عن مشارق الأنوار.
        وكانت تحدّث خديجة في الأحشاء، وتؤنسها بالتسبيح والتقديس.
        28 ـ الروض الفائق (214): …
        فلما تم أمد حملها وانقضى، وضعت فاطمة فأشرق بنور وجهها الفضاء.
        29 ـ يأتي ص62 ح5: أنس، عن اُمّه: … وعندما وضعتها السيدة خديجة، ورأت في وليدتها «فاطمة الزهراء» أنها صورة من أبيها العظيم، سرّها ذلك الشبه، وأنه بركة من بركات الله عليها وعلى آل البيت الكرام.

        تعليق


        • #5
          باب أنه لم ترضع فاطمة (عليها السلام) غير خديجة
          فلمّا ولدت فاطمة (عليها السلام) لم يرضعها أحد غيرها(30).
          أمالي الصدوق: تقدّم ص57 ح1: «فتناولتها فرحة مستبشرة، وألقمتها ثديها فدرّ عليها».


          الــليــلة العــشـريــن مـــن جمـادى


          يــا حــبـذا مـــن لــيــلـة المــيـــلاد

          صــــديـقــــة طــــاهــرة بــتـــــول


          ميــلاد بــنــت المـصطفى الرســول

          فــاطـــــمــــة زكـــــيـــة زهـــــراء


          ســيــــدة إنـــســـــيـــــة حـــــوراء

          إذ ولـــدت بــنــت الـنــبي أحـــمـد


          يــا لــيـــلة ســـر بــها مــحــمــــــد

          لأنـــها شــفيــعـــة فـــي المــحشـر


          مـيــلادهــا ســـر قــلـــوب البــشـر

          كـــذاك قــــرت عــــين مــن والاها


          وقـــرت العــيــــون مـــن أبــنــاهـا

          كــانت عــلـى العــرش والأريــكــة


          خــديــجــــة بــمــكــة مــلـيـــكـــــة

          بــبـنـتــها أم الحـســين والحــسـن


          حـقـت لهـا لـو فــخرت مدى الزمن

          غــصـــن الـنـــبي قـــد علا وأورق


          نــور الإلــه قــد ضــحـى وأشــرق

          وطــيــبــــة كــــذاك بــــالأزهـــــار


          وأشـــرقــت مـــكـــة بــــالأنـــــوار

          أنــار أطــبــاق السـماوات العــلــى


          بـكــل الآفــاق ضيــاؤهـــا ضـحــى

          معلقا في ساق عـرش الكبرياء(31)


          ونــورها قـــد كــان قنــديل الضياء

          1ـ قال المحدث الخبير الحائري: ولعمري فحسر عن إدراكها إنسان كل عارف، وقصر عن وصفها وإحصائها كل محص وواصف، والكل بضروب فضائلها معترفون، وعلى باب كعبة فواضلها معتكفون، وخصها الله من وصائف فضله وشرائف نبله بأكمل ما أعده لغيرها من ذوي النفوس القدسية، والأعراق الزكية والأخلاق الرضية، والحكم الإلهيه، وسطح صبح النبوة بطلعتها الحميدة وغرّتها الرشيدة، فلما الكمالات الإنسانية، وملكات الفضائل النفسانية كأن طيبتها قد عجنت بماء الحياة وعين الفضل في حظيرة القدس، فهي نور الحق، وحقيقة الصدق، وآية العدل، فتعالى مجدها، وتوالى إحسانها، ولدت عليها السلام في جمادى الآخرة يوم العشرين منها، بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمس سنين(32).

          2ـ قال المحدث القمي (رحمه الله): ولدت فاطمة ـصلوات الله عليها ـ في جمادى الآخرة، يوم العشرين منها سنة خمس وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان بعد مبعثه بخمس سنين(33)، كما روي عن الصادقين عليهما السلام. وكان مبدأ حمل خديجة رضي الله عنها بها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما عرج به إلى السماء أكل من ثمار الجنة رطبها وتفاحها، فحولها الله تعالى ماء في ظهره فاما هبط إلى الأرض واقع خديجة، فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة حوراء إنسية، وكلما اشتاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألى رائحة الجنة كان يشمها فيجد منها رائحة الجنة ورائحة شجرة طوبى. ويكثر لذلك أيضا تقبيلها وإن أنكرت بعض نسائه لجهلها بشرف محلها. فإن قلت: أن الإسراء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان قبل الهجرة بستة أشهر، وقيل: كان في سنة اثنتين من المبعث، وكان ولادة فاطمة عليها السلام بعده بثلاث سنين، فكيف يوافق ذلك؟ قلنا: لم يكن معراجه صلى الله عليه وآله وسلم منحصرا في مرة واحدة حتى لا يوافق ذلك، بل روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: عرج بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مائة وعشرين مرة ما من مرة إلا وقد أوصى الله عزوجل فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالولاية لعلي والأئمة عليهم السلام أكثر مما أوصاه بالفرائض(34).

          3ـ قال المحدث القمي (رحمه الله): اعتزال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن خديجة ـ رضي الله عنها ـ أربعين يوما كان للتأهب لتحية رب العالمين وتحفته، والمراد فاطمة ـ صلوات الله عليها ـ كما أشير إلى ذلك في زيارتها: (وصل على البتول الطاهرة ـ إلى قوله ـ فاطمة بنت رسولك، وبضعة لحمه، وصميم قلبه، وفلذة كبده، والتحية منك له والتحفة). وفي هذا الاعتزال دليل على جلالة فاطمة سيدة النسوان بما لا يطيق بتحرير بيانه البيان. ولعل تخصيص الرطب والعنب لكثرة بركتها وما يتولد منها من المنافع فإنه ليس في الأشجار ما يبلغ نفعهما، مع أنهما خلقتا من فضلة طينة آدم عليه السلام. ولا يبعد أن يكون في ذلك إشارة إلى كثرة نفع هذه النسلة الطاهرة المباركة وكثرة ذريتها وبركاتها، كما قد نومي إليها إنشاء الله تعالى في محلها(35).

          4 ـ وقال الحاج مولى علي الأنصاري: لما حان وقت حملها نزل جبرائيل بأمر الله تعالى، فأمر رسول الله أن يترك المخالطة مع الناس ويختار الخلوة والعزلة، ويشتغل بعبادة الله سبحانه، ولا يأكل من طعام أهل الدنيا ولو لقمة، ولا يشرب من مياههم ولو جرعة، بل يكون صائما أبدا، ويفطر برطب الجنة، بعد أن تكوَّن أصل تلك النطفة في ليلة الإسراء بأكل هذه الطيبات، على ما مر في تسميتها بالإنسية الحوراء(36).

          5 ـ عن سلمان ـ رضي الله عنه ـ قال: دخلت على فاطمة سلام الله عليها والحسن والحسين يلعبان بين يديها، ففرحت بهما فرحا شديدا، فلم ألبث حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: يا رسول الله، أخبرني بفضيلة هؤلاء لأزداد لهم حبا. فقال: يا سلمان، ليلة أسري بي إلى السماء أدارني جبرائيل في سماواته وجنانه، فبينا أنا أدور قصورها وبساتينها ومقاصيرها إذ اشتممت رائحة طيبة فأعجبتني تلك الرائحة، فقلت: يا حبيبي، ما هذه الرائحة التي غلبت على روائح الجنة كلها؟ فقال: يا محمد، تفاحة خلقها الله تبارك وتعالى بيده منذ ثلاثمائة عام، ما ندري ما يريد بها. فبينا أنا كذلك إذ رأيت ملائكة ومعهم تلك التفاحة. فقالوا: يا محمد، ربنا يقرئ عليك السلام وقد أتحفك بهذه التفاحة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فأخذت تلك التفاحة فوضعتها تحت جناح جبرائيل. فلما هبط بي إلى الأرض أكلت تلك التفاحة، فجمع الله ماءها في ظهري، فغشيت خديجة بنت خويلد، فحملت بفاطمة من ماء التفاحة، فأوحى الله عز وجل إلي أن قد ولد لك حوراء إنسية، فزوج النور من النور: فاطمة من علي، فإني قد زوجتهما في السماء، وجعلت خمس الأرض مهرها، وستخرج فيما بينهما ذرية طيبة، وهما سراجا الجنة: الحسن والحسين، ويخرج من صلب الحسين عليه السلام أئمة يقتلون ويخذلون؛ فالويل لقاتلهم وخاذلهم(37).

          6 ـ عن أبي عبد الله جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام، عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: معاشر الناس، أتدرون لما خلقت فاطمة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: خلقت فاطمة حوراء إنسية لا إنسية، وقال: خلقت من عرق جبرائيل ومن زغبه، قالوا: يا رسول الله، استشكل ذلك علينا، تقول: حوراء إنسية لا إنسية، ثم تقول: من عرق جبرائيل ومن زغبه! قال: إذا أنبئكم: أهدى إلي ربي تفاحة من الجنة، أتاني بها جبرائيل عليه السلام، فضمها إلى صدره فعرق جبرائيل عليه السلام وعرقت التفاحة، فصار عرقهما شيئاً واحداً، ثم قال: السلام عليك يا رسول لله، ورحمة الله وبركاته. قلت: وعليك السلام يا جبرائيل، فقال: إن الله أهدى إليك تفاحة من الجنة، فأخذتها وقبلتها ووضعتها على عيني وضممتها على صدري. ثم قال: يا محمد كلها، قلت: يا حبيبي يا جبرائييل، هدية ربي توكل؟ قال: نعم قد أمرت بأكلها. فأفلقتها فرأيت منها نورا ساطعا، ففزعت من ذلك النور، قال: كل،فإن ذلك نور المنصورة فاطمة، قلت:
          ياجبرائيل، ومن المنصورة؟ قال: جارية تخرج من صلبك واسمها في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة، فقلت: يا جبرائيل ولم سميت في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة؟ قال: سميت(فاطمة) في الأرض لأنه فطمت شيعتها من النار، وفطموا أعداؤها عن حبها وذلك قول الله في كتابه: (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله)(38) بنصر فاطمة عليها السلام.
          بيان: الزغب: الشعيرات الصغرى على ريش الفرخ، وكونها من زغب جبرائيل إما لكون التفاحة فيها وعرفت من بينها، أو لأنه التصق بها بعض ذلك الزغب فأكله النبي صلى الله عليه وآله وسلم(39).

          7 ـ عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام: كيف كانت ولادة فاطمة عليها السلام؟ قال: نعم، إن خديجة عليها رضوان الله لما تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هجرتها نسوة مكة، فكن لا يدخلن عليها ولا ييسلمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة من ذلك، فلما حملت بفاطمة عليها السلام صارت تحدثها في بطنها وتصبرها،وكانت خديجة تكتم ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فدخل يوما وسمع خديجة تحدث فاطمة، فقال لها: يا خديجة، من يحدثك؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني. فقال لها: هذا جبرائيل يبشرني أنها أنثى وأنها النسمة الطاهرة الميمونة، وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة في الأمة يجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه. فلم تزل خديجة رضي الله عنها على ذلك إلى أن حضرت ولادتها، فوجهت إلى نساء قريش ونساء بني هاشم يجئن ويلين منها ماتلي النساء من النساء، فأرسلن اليها: عصيتنا ولم تقبلي قولنا، وتزوجت محمدا يتيم أبي طالب فقيرا لا مال له، فلسنا نجيء ولانلي من أمرك شيئا.
          فاغتمت خديجة لذلك،فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة من نساء بني هاشم. ففزعت منهن، فقالت لها، إحداهن: أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه صفراء(40) بنت شعيب، بعثنا الله تعالى إليك لنلي من أمرك ماتلي النساء من النساء. فجلست واحدة عن يمينها، والأخرى عن يسارها والثالثة من بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت خديجة فاطمة عليهما السلام طاهرة مطهرة. فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها، فغسلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضا من اللبن وأطيب رائحة من المسك والعنبر، فلفتها بواحدة وقنعتها بالأخرى، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة عليها السلام بشهادة (أن لا إله إلا الله، وأن أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد الأنبياء، وأن بعلي سيد الأوصياء، وأن ولدي سيد الأسباط)، ثم سلمت عليهن، وسمت كل واحدة منهن باسمها، وضحكن إليها، وتباشرت الحور العين، وبشر أهل الجنة بعضهم بعضا بولادة فاطمة عليها السلام، وحدث في السماء نور زاهرلم تره الملائكة قبل ذلك اليوم، فلذلك سميت(الزهراء) عليها السلام، وقالت: خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة، زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها. فتناولتها خديجة عليها السلام فرحة مستبشرة فألقمتها ثديها فشربت، فدر عليها. وكانت عليها السلام تنمي في كل يوم كما ينمي الصبي في شهر، وفي شهر كما ينمي الصبي في سنة صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها(41).

          8 ـ قيل: بينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم جالس بالأبطح ومعه عمار بن ياسر والمنذر بن الضحضاح وأبو بكر وعمر وعلي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وحمزة بن عبد المطلب، إذ هبط عليه جبرائيل (عليه السلام) في صورته العظمى، قد نشر أجنحته حتى أخذت من المشرق إلى المغرب فناداه: يا محمد، العلي الأعلى يقرئ عليك السلام وهو يأمرك أن تعتزل عن خديجة أربعين صباحاً. فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان لها محباً وبها وامقاً(42). قال: فأقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعين يوماً يصوم النهار ويقوم الليل، حتى إذا كان في آخر أيامه تلك، بعث إلى خديجة بعمار بن ياسر وقال: قل لها: يا خديجة لا تظني أن انقطاعي عنك (هجرة) ولا قلى، ولكن ربي عز وجل أمرني بذلك لتنفذ أمره، فلا تظني يا خديجة إلا خيراً، فإن الله عز وجل ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مراراً، فإذا جنك الليل فأجيفي الباب(43) وخذي مضجعك من فراشك فإني في منزل فاطمة بنت أسد.
          فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مراراً لفقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فلما كان في كمال الأربعين هبط جبرائيل عليه السلام فقال: يا محمد، العلي الأعلى يقرئك السلام وهو يأمرك أن تتأهب لتحيته وتحفته. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا جبرائيل، وما تحفة رب العالمين؟ وما تحيته؟ قال: لاعلم لي.
          قال: فبينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطى بمنديل سندس ـ أو قال إستبرق ـ فوضعه بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأقبل جبرائيل عليه السلام وقال: يا محمد، يأمرك ربك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام. فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يفطر أمرني أن أفتح الباب لمن يرد إلى الإفطار فلما كان في تلك الليلة أقعدني النبي صلى الله عليه وآله وسلم على باب المنزل وقال: يا ابن أبي طالب، إنه طعام محرم إلا عليّ.
          قال علي (عليه السلام): فجلست على الباب، وخلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالطعام، وكشف الطبق فإذا عذق(44) من رطب وعنقود من عنب، فأكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم منه شبعاً، وشرب من الماء رياً، ومد يده للغسل فأفاض الماء عليه جبرائيل، وغسل يده ميكائيل، وتمندله إسرافيل، وارتفع فاضل الطعام مع الإناء إلى السماء. ثم قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليصلي، فأقبل عليه جبرائيل وقال: الصلاة محرمة عليك في وقتك حتى تأتي إلى منزل خديجة فتواقعها، فإن الله عزوجل آلى(45) على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذرية طيبة. فوثب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى منزل خديجة.
          قالت خديجة (رضوان الله عليها): وكنت قد ألفت الوحدة، فكان إذا جنّني الليل غطيت رأسي وأسجفت ستري(46)، وغلقت بابي، وصليت وردي، وأطفأت مصباحي، وأويت إلى فراشي. فلما كان في تلك الليلة لم أكن بالنائمة ولا بالمنتبهة إذ جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقرع الباب، فناديت من هذا الذي يقرع حلقة لا يقرعها إلا محمد صلى الله عليه وآله وسلم قالت خديجة: فنادى النبيّ (ص) بعذوبة كلامه وحلاوة منطقه: افتحي يا خديجة، فإني محمد.
          قالت خديجة: فقمت فرحة مستبشرة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وفتحت الباب، ودخل النبي المنزل، وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل المنزل دعا بالإناء فتطهر للصلاة، ثم يقوم فيصلي ركعتين يوجز فيهما، ثم يأوي إلى فراشه. فلما كان في تلك الليلة لم يدع بالإناء ولم يتأهب للصلاة غير أنه أخذ يعضدي وأقعدني على فراشه وداعبني ومازحني، وكان بيني وبينه ما يكون بين المرأة وبعلها. فلا والذي سمك السماء وأنبع الماء ما تباعد عني النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى حسست بثقل فاطمة في بطني(47).
          أقول: يستفاد من هذا الحديث الشريف أمور مهمة وفوائد عظيمة هي دالة على سمو جلالة بضعة خير المرسلين، وعلو منزلة زوجة أفضل الوصيين وأم الأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين).
          منها نزول جبرائيل (عليه السلام) على صورته الأصلية كنزوله في أول البعثة. ففي (البحار ج18، ص247): (أن محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان بحراء، فطلع له جبرائيل عليه السلام من الشرق، فسد الأفق إلى المغرب). ومعلوم أن مجيئه عليه السلام على هذه الهيئة لأمر عظيم. ومنها اعتكافه صلى الله عليه وآله وسلم أربعين يوما في بيت فاطمة بنت أسد (رضي الله عنها) قائماً ليله، صائماً نهاره، واعتزاله عن الناس وعن زوجته الكريمة خديجة الكبرى سلام الله عليها، كما كان معتكفاً ومعتزلاً في أول البعثة بحراء. نعم كان اعتكافه صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ لأجل أن يكون متهيئاً للنبوة والرسالة، وفي هذا الموقف لكونه متأهباً للتحفة الإلهية التي ستكون منشأ الإمامة والولاية، بل هي عنصر شجرة النبوة، كما جاء عن الباقر عليه السلام(48). ومنها ترك سنته في إفطاره، من إدخال كل من يرد للإفطار، واختصاصه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك الطعام. ومنها ترك سنته في التطهر عند وروده المنزل للصلاة عند النوم. ولا يخفى أن الترك إنما يكون للأهم، فتفطن.

          تحقيق وتبين
          الذي يستفاد من الأخبار والأحاديث التي وصلت إلينا من طريق أهل البيت عليهم السلام أن فاطمة سلام الله عليها ولدت على فطرة الإسلام وبعد نزول الوحي على أبيها صلى الله عليه وآله وسلم خلافاً لما في بعض كتب العامة، فإليك بعض نصوصها:

          1ـ قال علي بن الحسين عليهما السلام في حديث طويل: ولم يولد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خديجة عليها السلام على فطرة الإسلام إلا فاطمة عليها السلام، وقد كانت خديجة ماتت قبل الهجرة بسنة، ومات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة(49)...

          2ـ عن حبيب السجتاني قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ولدت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم بخمس سنين، وتوفيت ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً(50).

          3 ـ عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ولدت فاطمة في جمادى الآخرة اليوم العشرين منه سنة خمس وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأقامت بمكة ثمان سنين، وبالمدينة عشر سنين وبعد وفاة أبيها خمساً وسبعين يوماً(51).

          4 ـ قال ابن الخشاب في (تاريخ مواليد ووفاة أهل البيت (عليهم السلام) ) نقله عن شيوخه يرفعه عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام قال: ولدت فاطمة بعد ما أظهر الله نبوة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأنزل عليه الوحي بخمس سنين وقريش تبني البيت، وتوفيت ولها ثمانية عشر سنة وخمسة وسبعون يوماً(52).
          أقول: قوله: (وقريش تبني البيت) لا تنطبق على نزول الوحي، لأن بناء البيت منهم كان قبل المبعث. ثم في هذا الموقف أخبار تؤكد مضامين تلك الأخبار، وهي روايات تدل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم أسري به إلى السماء وأدخل الجنة فتناول من ثمار الجنة، فلما رجع واقع خديجة عليها السلام فتكونت نطفة فاطمة الزهراء عليها السلام من تلك الثمار، ومعلوم أن الإسراء وقع بعد البعثة بلا خلاف.
          وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لما أسري بي إلى السماء أدخلت الجنة فوقعت على شجرة من أشجار الجنة لم أر في الجنة أحسن منها ولا أبيض ورقاً ولا أطيب ثمرة من أثمارها فأكلتها، فصارت نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة، فحملت بفاطمة (رضي الله عنها)، فإذا أنا اشتقت إلى ريح الجنة شممت ريح فاطمة(53).
          وله نظائر أخرى في (ذخائر العقبى ص36)، و(ينابيع المودة ص127)، و(المستدرك للحاكم، ج3، ص156) و(تاريخ بغداد ج5، ص87). وبها يتضح لنا عدم صحة الأقوال المعلنة بولادتها عليها السلام قبل البعثة ونزول الوحي بخمس سنين. ويحتمل أن يكون للقائلين بذلك أهداف مشؤومة، منها إنكار الأخبار التي وردت حول انعقاد نطفتها عليها السلام من ثمار الجنة وغير ذلك من الأغراض الفاسدة الكاسدة.
          بقي هنا مسألة ينبغي الإشارة إليه وهي أنه يمكن أن يقال: بناء على القول بولادتها عليها السلام بعد البعثة يكون عمر أمها خديجة عليها السلام ستين سنة، لأن لها حين الزواج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعين سنة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ابن خمس وعشرين سنة، ونزل عليه الوحي في الأربعين، وبعد مضي خمس سنين من نزول الوحي ولدت فاطمة عليها السلام، فيكون سن النبي خمس وأربعون سنة، وسنها ستون سنة، والولادة في هذا السن غريبة. قلنا: هذا أمر طبيعي، لأنها حملت بفاطمة عليها السلام في سنة تسع وخمسين من عمرها ووضعتها في سنة ستين منه، وهذا أمر عادي من القرشيات، مع أن في مدة عمرها حين الزواج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقوالاً أخر، وبالالتزام بها تنحسم مادة الإشكال.
          قال ابن حماد الحنبلي: ورجح كثيرون أنها ابنة ثمان وعشرين(54) وقال البلاذري: تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة وهي ابنة أربعين سنة، وذلك أثبت عند العلماء… ويقال: إنه تزوجها وهو ابن ثلاث وعشرين سنة وهي ابنة ثمان وعشرين سنة(55).
          وفي (البحار) عن ابن عباس وابن حماد مثل ذلك. وفي (المناقب) لابن شهر آشوب: روى أحمد البلاذري وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما والمرتضى في (الشافي) وأبو جعفر في (التلخيص) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج بها وكانت عذراء، يؤكد ذلك ما ذكر في كتابي (الأنوار) و(البدع) أن رقية وزينب كانتا ابنتي هالة أخت خديجة(56).

          الهوامش
          30 ـ 1/293، عنه الإحقاق: 10/14 وعن البداية والنهاية: 5/307 (ومثله).
          31 ـ (الكوكب الدري) للشيخ مهدي المازندراني.
          32 ـ (الكوكب الدري) ص83، نقلاً عن (الخصائص الفاطمية).
          33 ـ إن العامة ذكروا ميلادها قبل المبعث بخمس سنين، ولعل الوجه في ذلك إنكار انعقاد نطفتها عليها السلام من تفاحة الجنة التي أكلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المعراج، لما أن المعراج كان بعد المبعث اتفاقاً، فتأمل.
          34 ـ (بيت الأحزان) ص4 ـ5.
          35 ـ (بيت الأحزان) ص7.
          36 ـ (اللمعة البيضاء) ص103.
          37 ـ (تأويل الآيات) ج1، ص236 ـ237.
          38 ـ سورة الروم: الآية 4.
          39 ـ البحار ج43، ص18.
          40 ـ قيل أنها صفوراء.
          41 ـ البحار ج16، ص80.
          42 ـ الوامق: المحب.
          43 ـ أجفت الباب: رددته.
          44 ـ العِذق، بالكسر: عنقود العنب والرطب.
          45 ـ أي حلف.
          46 ـ أسجفت الستر: أرسلته.
          47 ـ (البحار) ج16، ص78 ـ80.
          48 ـ انظر (مجمع البحرين) مادة شجر.
          49 ـ (روضة الكافي) ص340، الرقم 536.
          50 ـ (البحار) ج 43، ص 9.
          51 ـ (البحار) ج43، ص9.
          52 ـ (كشف الغمة) ج1، ص399.
          53 ـ (الدر المنثور) ج5، ص218، سورة الإسراء.
          54 ـ (شذرات الذهب) ج1، ص14، في حوادث سنة 11.
          55 ـ (أنساب الأشراف) ج1، ص98.
          56 ـ (المناقب) ج1، ص159، باب أقربائه وخدامه.

          تعليق


          • #6
            فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام 1

            باب جوامع أسمائها (صلوات الله عليها)

            ـ أمالي الصدوق، وعلل الشرائع والخصال
            ابن المتوكل عن السعد آدي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لفاطمة (عليها السلام) تسعة أسماء عند الله عز وجل:
            فاطمة، والصدّيقة، والمباركة، والطاهرة، والزكيّة، والراضية، والمرضيّة والمحدّثة، والزهراء؛
            ثم قال (عليه السلام): أتدري أي شئ تفسير فاطمة؟ قلت: أخبرني يا سيّدي؛
            قال: فطمت من الشرّ، قال: ثم قال: لولا أن أمير المؤمنين (عليه السلام) تزوجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الارض، آدم فمن دونه.
            ـ دلائل الإمامة للطبري: عن الحسن بن أحمد العلوي، عن الصدوق (مثله)(1).

            - المناقب لابن شهر آشوبك وأسماؤها على ما ذكره أبو جعفر القمي
            فاطمة، البتول، الحصان، الحرة، السيدة العذراء، الزهراء، الحوراء، المباركة، الطاهرة، الزكيّة، الراضية، المرضية، المحدثة، مريم الكبرى، الصدّيقة الكبرى.
            ويقال لها في السماء: النوريّة، السماويّة، الحانية(2) (3).

            باب علة تسميتها بفاطمة (صلوات الله عليها)

            - المناقب لابن شهر آشوب

            ابن شيرويه في «الفردوس» عن جابر الأنصاري: قال النبي (صلى الله عليه وآله: إنما سميت ابنتي فاطمة، لأن الله فطمها، وفطم محبيها من النار(4).
            باب أنها الزهراء، وعلة تسميتها بها (صلوات الله عليها)

            ـ كنز الفوائد

            روي عن ابن مسعود قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله – وساق الحديث إلى أن قال ـ: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله:
            يا بن مسعود! إن الله تعالى خلقني، وخلق عليا، والحسن والحسين من نور قدسه؛
            فلما أراد أن ينشئ خلقه فتق نوري، وخلق منه السماوات والأرض؛
            وأنا - والله ـ أجلّ من السماوات والأرض.
            وفتق نور علي وخلق منه العرش والكرسي، وعلي –والله ـ أجلّ من العرش والكرسيّ؛
            وفتق نور الحسن وخلق منه الحور العين والملائكة؛
            وفتق نور الحسين وخلق منه اللوح والقلم، والحسين –والله ـ أجلّ من اللوح والقلم.
            فعند ذلك أظلمت المشارق والمغارب، فضجّت الملائكة، ونادت:
            يا إلهنا وسيدنا بحق الأشباح التي خلقتها إلا ما فرّجت عنّا هذه الظلمة.
            فعند ذلك تكلّم الله بكلمة آخرى فخلق منها روحا، فاحتمل النور الروح، فخلق منه الزهراء فاطمة، فأقامها أمام العرش فأزهرت المشارق والمغارب
            فلأجل ذلك سمّيت الزهراء. الخبر(5)

            باب أنها البتول، وعلة تسميتها به (صلوات الله عليها)

            ـ ينابيع المودة

            عن رسول الله (صلى الله عليه وآله: وإنما سميت فاطمة البتول، لأنها تبتّلت من الحيض والنفاس، لأن ذلك عيب في بنات الأنبياء، أو قال: نقصان(6).
            باب أنها (صلوات الله عليها) ما رأت دماً في حيض ولا نفاس

            ـ مولد فاطمة (عليها السلام) لابن بابويه: ـ يرفعه ـ إلى أسماء بنت عميس قالت

            قلت لرسول الله (صلى الله عليه وآله: وقد كنت شهدت فاطمة (عليها السلام) وقد ولدت بعض ولدها فلم أرَ لهادماً، فقال (صلى الله عليه وآله: إن فاطمة خلقت حورية في صورة إنسية(7).
            باب كناها (صلوات الله عليها)

            ـ مقاتل الطالبين

            بإسناده إلى جعفر بن محمد، عن ابيه (عليهما السلام): إن فاطمة (عليها السلام) كانت تكنّى: اُمّ أبيها(8).

            ـ المناقب لابن شهر آشوب: كناها
            أم الحسن، وأم الحسين، وام المحسن(9)، وأم الأئمة،، وأم أبيها...(10)

            ـ علل الشرائع
            (بإسناده) عن مفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد لله (عليه السلام): من غسّل فاطمة (عليها السلام)؟ قال: ذلك أمير المؤمنين (عليها السلام)؛ فكأنّما استعظمت (استفظعت) ذلك من قوله، فقال لي: كأنك ضقت مما أخبرتك به، فقلت: قد كان ذلك جعلت فداك، فقال: لا تضيقن فإنها صدّيقة لم يكن يغسّلها إلا صدّيق؛ أما علمت أن مريم لم يغسّلها إلا عيسى؟ ـ الحديث(11).
            باب أنها (عليها السلام) المباركة، والكوثر

            ـ أمالي الصدوق

            الطالقاني، عن الجلودي، عن هشام بن جعفر، عن حمّاد، عن عبد الله بن سليمان قال: قرأت في الإنجيل في وصف النبي (صلى الله عليه وآله:
            نكّاح النساء، ذو النسل القليل، إنّما نسله من مباركة، لها بيت في الجنة، لا صخب فيه ولا نصب، يكفّلها في آخر الزمان كما كفّل زكريا اُمّك، لها فرخان مستشهدان(12).
            وقال ابن المنظور: البركة: النماء والزيادة.. عن الزجّاج: المبارك: ما يأتي من قبله الخير الكثير، نعم إنها (سلام الله عليها) هي الكوثر، والكوثر: الخي الكثير.
            قال الرازي في تفسيره: في قوله تعالى: (إنا أعطيناك الكوثر): والقول الثالث: الكوثر: أولاده، قالوا: لأن هذه السورة إنما نزلت ردا على من عابه (صلى الله عليه وآله بعدم الأولاد. فالمعنى أنه يعطيه نسلا يبقون على مر الزمان(13).
            فانظر كم قتل من أهل البيت، ثم العالم ممتلئ منهم ولم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به! ثم انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء؛
            كالباقر والصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام) والنفس الزكية وأمثالهم.
            وقال أيضا: إنا إذا حملنا الكوثر على كثرة الاتباع أو على كثرة الاولاد وعدم انقطاع النسل كان هذا إخبارا عن الغيب، وقد وقع مطابقاً له، فكان معجزا(14).
            وقال الآلوسي في تفسير (إن شانئك هو الابتر):
            الابتر الذي لا عقب له حيث لا يبقى منه نسل ولا حسن ذكر، وأما أنت فتبقى ذريتك.. وفيه دلالة على أن أولاد البنات من الذرية(15).
            نقول: يستفاد من كلامهما أن فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) وسيلة لكثرة أولاده وبقاء نسله (صلى الله عليه وآله، وأن ذريتها ذريته وأولادها أولاده، وهذا من أعظم بركاتها (سلام الله عليها).

            باب جوامع ألقابها، وكناها (عليها السلام)

            ـ الهداية الكبرى

            وألقابها: الزهراء، والبتول، والحصان، والحوراء، والسيدة، والصدّيقة، ومريم الكبرى، ووالدة الحسن والحسين؛
            وأم النقى، أم التقى، وأم البلجة(16)، وأم الرأفة، وأم العطيّة، وأم الموانح، وأم النورين، وأم العلا، وأم البرية، وأم الرواق الحسيبة، وأم البدريين(17).

            لا يحل الدخول جنيا في المسجد إلا لهم (عليهم السلام)

            ـ مناقب ابن شهر آشوب

            أبو صالح المؤذن في «الأربعين» وأبو العلاء العطار الهمداني في «كتابه» (بالإسناد) عن أم سلمة انه قال (صلى الله عليه وآله بأعلى صوته:
            الا إن هذا المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض(18) إلا للنبي وأزواجه، وفاطمة بنت محمد وعلي، ألا[قد] بينت لكم [الأسماء] أن [لا] تضلّوا، مرتين(19).

            الهوامش
            1 ـ 474 ح18، 1/178 ح3، 414 ح3، عنها البحار: 43/10 ح1، ودلائل الإمامة: 10. وأورده في كشف الغمة: 1/463، وروضة الواعظين: 179، والمحتضر: 138،ومقصد الراغب: 109(مخطوط)؛
            «يمكن أن يستدلّ به على كون علي وفاطمة (عليهما السلام) أشرف من سائر أولي العزم سوى نبينا (عليهما السلام)؛
            لا يقال: لا يدل على فضلهما على نوح وإبراهيم (عليهما السلام) لاحتمال كون عدم كونهما كفوين لكونهما من أجدادهما (عليهم السلام)، لأنا نقول: ذكر آدم (عليه السلام) يدل على أن المراد عدم كونهم أكفاءها، مع قطع النظر عن الموانع الأخر، على أنه يمكن أن يتشبث بعدم القول بالفصل؛
            نعم يمكن أن يناقش في دلالته على فضل فاطمة (عليها السلام) عليهم بأنه يمكن أن يشترك في الكفاءة كون الزوج أفضل، ولا يبعد ذلك من متفاهم العرف والله يعلم منه (رحمه الله).
            نقول: دلالة الحديث على عدم الكفو لها من آدم فمن بعده إلى يوم القيامة تام، ولا يحتمل هذا النقاش ولا الشرط أبداً.
            2 ـ الحانية أي المشفقة على زوجها وأولادها، قال الجزري: الحانية: التي تقيم على ولدها، لا تتزوج شفقة وعطفا، ومنه الحديث في نساء قريش: أحناه على ولد وأرعاه على زوج منه (رحمه الله).
            3 ـ 3/133، عنه البحار: 43/16 ح15.
            4 ـ 3/110، عنه البحار: 43/16 ضمن ح14. ورواه في الفردوس: 1/426 ح1395، عنه ينابيع المودة: 240 عن سلمان، وإسعاف الراغبين: 118، والصواعق المحرقة: 230، ومشارق الأنوار للحمزاوي: 107، وبشارة المصطفى: 131، عنه البحار: 68/133 ح16، ومقتل الحسين: 1/51، وفرائد السمطين: 2/57 ح384، والتحذير: 32، بأسانيدهم عن علي (عليه السلام). وأورده في ينابيع المودة: 259، ومودة القربى: 101، وأخرجه في آل محمد: 150 ح681 وح682 وفيه: «لأن ا لله فطمها ونجّاها وذريتها عن النار»، وإرشاد القلوب: 232؛
            ورواه المغازلي في مناقبه: 65 ح62 عن الحسين بن علي (عليه السلام).
            5 ـ 2/610 ح7، عنه البحار: 36/73 ح24، ياتي في مقتل الحسين (عليه السلام) من العوالم: 17:6.
            وأورده ابن شاذان في الفضائل: 172، والروضة: 18، عنهما البحار: 40/ 43 ح81. وأخرجه في البرهان: 4/226 ح14 عن المناقب الفاخرة للسيد الرضي (رضي الله عنه).
            6 ـ 360، مودة القربى: 103، عنهما الإحقاق: 10/25.
            7 ـ عنه إعلموا إني فاطمة: 4/105.
            8 ـ 29، عنه البحار: 43/19 ح19.
            ورواه ابن المغازلي في المناقب: 340 ح392، وأسد الغابة: 5/520 والإستيعاب: 4/380، وتأريخ مدينة دمشق: 1/158 ومجمع الزوائد: 9/211، وتهذيب الكمال: 22/142، والمنتخب من الذيل المذيل: 6 وتهذيب التهذيب: 12/440.
            وذكر في موسوعة آل النبي (صلى الله عليه وآله: 609: أم ابيها الزهراء (عليها السلام)، عنه الإحقاق: 10/113 (هـ).
            9 ـ هو جنينها الذي اسقط يوم اعتدي عليها في البيت الذي لم يدخله رسول الله (صلى الله عليه وآله بلا استئذان.
            الجنين الطاهر الذي ازهقت روحه ظلماً وعدوانا، ورجعت إلى بارئها شاكية إليه ما حل بأهل بيت رسوله بعد فقده (صلى الله عليه وآله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وسيعلم الذين ظلموا آل محمد أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين، ونعم الحكم الله إذا سألوا (وإذا الموؤدة سئلت* بأي ذنب قتلت)؟ (التكوير: 8،9).
            10 ـ 3/132، عنه البحار: 43/16 ح15. والهداية الكبرى: 176.
            11 ـ 2/280، عنه البحار: 43/105 ح19.
            12 ـ يأتي ص141 ح2.
            13 ـ أنظر تفسير الميزان: 20/370 ـ 371 توضيحاً أكثر، وكذلك كتاب فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد: 86 ـ 87، وفيه إحصاء تقريبي لذريتها (عليها السلام) في العالم.
            14 ـ 32/124و128.
            15 ـ روح المعاني: 30/247.
            16 ـ الأبلج: المضئ المشرق.
            17 ـ 176.
            18 ـ قوله: لجنب ولا لحائض، لا ينافي الاحاديث الصحيحة الواردة من الفريقين في أن فاطمة (عليها السلام) لا تحيض، انظر باب أسمائها (عليها السلام) وفيها ما رأت دما في حيض ولانفاس.
            19 ـ 2/40، عنه البحار: 39/30 ح11. وراه في مقتل الحسين: 1/62، والمناقب للخوارزمي: 229، ومناقب ابن المغازلي: 252، والسيرة الحلبية: 3/347، وعلل الحديث: 1/99 وتأريخ دمشق: 118 ح158، وفرائد السمطين: 2/29 ح368، ومنتخب كنز العمال: 5/93، وكنز العمال: 12/101، ومفتاح النجا: 15 (مخطوط)، عن بعضها إحقاق الحق: 9/224 وج5/577 و579، وفي ج16/371، عن أخبار إصبهان: 1/291.

            تعليق


            • #7
              زواجها سلام الله عليها وأنه بأمر الله تعالى

              1ـ قال المحقق البارع الشيخ شعيب الحريفش: وكان المختار كلما اشتاق إلى الجنة ونعيمها قبّل فاطمة وشم طيب نسيمها، فيقول حين ينشق نسماتها القدسية: (إن فاطمة لحوراء إنسية). فلما استنارت في سماء الرسالة شمس جمالها، وتم في أفق الجلالة بدر كمالها امتدت إليها مطالع الأفكار، وتمنت النظر إلى حسنها أبصار الأخيار، وخطبها سادات المهاجرين والأنصار، ردهم المخصوص من الله بالرضا، وقال: إني أنتظر بها القضاء.

              وفي فخار وفي فـضل وفــي حسب

              مـن مثل فاطمة الزهراء فـي نسب
              إذ كـانت ابــنة خـير العجم والعرب

              والله فـــضـلها حــقاً وشــرفــــهـــا
              ولقد خطبها أبو بكر وعمر، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله: إن أمرها إلى الله تعالى. ثم إن أبا بكر وعمر وسعد بن معاذ كانوا جلوساً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فتذاكروا أمر فاطمة عليها السلام، فقال أبو بكر: قد خطبها الأشراف فردهم رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: إن أمرها إلى الله عز وجل، وإن علياً لم يخطبها ولم يذكرها، ولا أرى ما يمنعه من ذلك إلا قلة ذات اليد، وإنه ليقع في نفسي أن الله تعالى ورسوله إنما يحبسانها لأجله (1) ...

              2ـ الحافظ الهمداني يرفعه إلى الحسين بن علي عليهما السلام قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة إذ هبط عليه ملك له عشرون رأساً، في كل رأس ألف لسان، يسبح الله ويقدسه بلغة لا تشبه الأخرى، وراحته أوسع من سبع سماوات وسبع أرضين، فحسب النبي صلى الله عليه وآله أنه جبرائيل، فقال: يا جبرائيل لم تأتني في مثل هذه الصورة قط. قال: ما أنا جبرائيل، أنا صرصائيل، بعثني الله إليك لتزوج النور من النور، فقال النبي صلى الله عليه وآله: من ممن؟ قال: ابنتك فاطمة من علي بن أبي طالب. فزوج النبي صلى الله عليه وآله فاطمة من علي بشهادة جبرائيل وميكائيل وصرصائيل. قال: فنظر النبي صلى الله عليه وآله فإذا بين كتفي صرصائيل: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي بن أبي طالب مقيم الحجة). فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا صرصائيل منذ كم هذا كتب بين كتفيك؟ قال: من قبل أن يخلق الله الدنيا باثني عشر ألف سنة(2).

              3ـ وفي حديث خباب بن الأرت: إن الله تعالى أوحى إلى جبرائيل: زوج النور من النور، وكان الولي الله، والخطيب جبرائيل، والمنادي ميكائيل، والداعي إسرافيل، والناثر عزرائيل، والشهود ملائكة السماوات والأرضين. ثم أوحى إلى شجرة طوبى أن انثري ما عليك، فنثرت الدر الأبيض والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر واللؤلؤ الرطب، فبادرن الحور العين يلتقطن ويهدين بعضهن إلى بعض(3).

              4 ـ عن أنس بن مالك قال: ورد عبد الرحمن بن عوف الزهري وعثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وآله، فقال له عبد الرحمن: يا رسول الله تزوجني فاطمة ابنتك، وقد بذلت لها من الصداق مائة ناقة سوداء زرق الأعين محملة كلها قباطي مصر، وعشرة آلاف دينار ـ ولم يكن من أصحاب رسول الله أيسر من عبد الرحمن وعثمان ـ. وقال عثمان: وأنا أبذل ذلك، وأنا أقدم من عبد الرحمن إسلاماً.
              فغضب النبي صلى الله عليه وآله من مقالتهما، فتناول كفاً من الحصى فحصب به عبد الرحمن وقال له: إنك تهول علي بمالك؟ فتحول الحصى دراً. فقومت درة من تلك الدرر فإذا هي تفي بكل ما يملكه عبد الرحمن، وهبط جبرائيل في تلك الساعة فقال: يا أحمد إن الله يقرئك السلام ويقول: قم إلى علي بن أبي طالب فإن مثله مثل الكعبة يحج إليها ولا يحج إلى أحد، إن الله أمرني أن آمر رضوان خازن الجنان أن يزين الأربع جنان، وأمر شجرة طوبى وسدرة المنتهى أن تحملا الحلي والحلل، وأمر الحور العين أن يتزين وأن يقفن تحت شجرة طوبى وسدرة المنتهى، وأمر ملكاً من الملائكة يقال له: راحيل ـ وليس في الملائكة أفصح منه لساناً ولا أعذب منطقاً ولا أحسن وجهاً ـ أن يحضر إلى ساق العرش. فلما حضرت الملائكة والملك أجمعون، أمرني أن أنصب منبراً من النور، وأمر راحيل أن يرقى فخطب خطبة بليغة من خطب النكاح، وزوج علياً من فاطمة بخمس الدنيا لها ولولدها إلى يوم القيامة، وكنت أنا وميكائيل شاهدين، وكان وليها الله تعالى، وأمر شجرة طوبى وسدرة المنتهى أن تنثرا ما فيهما من الحلي والحلل والطيب، وأمر الحور أن يلقطن ذلك وأن يفتخرن به إلى يوم القيامة، وقد أمرك الله أن تزوجه بفاطمة في الأرض(4)...

              5 ـ عن جابر بن عبد الله قال: لما زوج رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة من علي عليهما السلام كان الله تعالى مزوجه من فوق عرشه، وكان جبرائيل الخاطب، وكان ميكائيل وإسرافيل في سبعين ألفاً من الملائكة شهوداً(5) ...

              6 ـ عن أبي جعفر عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما أنا بشر مثلكم، أتزوج فيكم وأزوجكم إلا فاطمة، فإن تزويجها نزل من السماء(6).

              7 ـ عن علي عليه السلام قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة وقالوا: خطبناها إليك فمنعتنا وزوجت علياً، فقلت لهم: والله ما أنا منعتكم وزوجته، بل الله منعكم وزوجه، فهبط علي جبرائيل فقال: يا محمد إن الله جل جلاله يقول: لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة ابنتك كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه(7).

              صداقها سلام الله عليها في السماء

              8 ـ قيل للنبي صلى الله عليه وآله
              : قد علمنا مهر فاطمة في الأرض، فما مهرها في السماء؟ قال: سل عما يعنيك ودع ما لا يعنيك، قيل: هذا مما يعنينا يا رسول الله، قال: كان مهرها في السماء خمس الأرض، فمن مشى عليها مبغضاً لها ولولدها مشى عليها حراماً إلى أن تقوم الساعة(8).


              9 ـ قال الصادق عليه السلام: إن الله تعالى مهر فاطمة ربع الدنيا، فربعها لها، ومهرها الجنة والنار فتدخل أولياءها الجنة وأعداءها النار(9).

              10 ـ في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ولقد نحل الله طوبى في مهر فاطمة، فهي في دار علي عليه السلام(10).

              11 ـ وقد ورد في الخبر: إنها لما سمعت بأن أباها زوجها وجعل الدراهم مهراً لها، فقالت: يا رسول الله إن بنات الناس يتزوجن بالدراهم فما الفرق بيني وبينهن؟ أسألك تردها وتدعو الله تعالى أن يجعل مهري الشفاعة في عصاة أمتك، فنزل جبرائيل عليه السلام ومعه بطاقة من حرير مكتوب فيها: (جعل الله مهر فاطمة الزهراء شفاعة المذنبين من أمة أبيها).
              فلما احتضرت أوصت بأن توضع تلك البطاقة على صدرها تحت الكفن، فوضعت، وقالت: إذا حشرت يوم القيامة رفعت تلك البطاقة بيدي وشفعت في عصاة أمة أبي. قال النسفي: سألت فاطمة (رضي الله عنها) النبي صلى الله عليه وآله أن يكون صداقها شفاعة لأمته يوم القيامة، فإذا صارت على الصراط طلبت صداقها(11).

              12ـ في حديث عن النبي صلى الله عليه وآله مخاطباً للحسنين عليهما السلام: أنتما الإمامان، ولأمكما الشفاعة(12).

              13 ـ عن عتبة ابن الأزهري، عن يحيى بن عقيل قال: سمعت عقيلاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة (رضي الله عنها) على خمس الدنيا أو على ربعها ـ شك فيه عتبة ـ فمن مشى على الأرض وهو يبغضك في الدنيا فالدنيا عليه حرام ومشيه فيها حرام(13).

              14 ـ عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله: يا علي إن الله عز وجل زوجك فاطمة وجعل صداقها الأرض، فمن مشى عليها مبغضاً لك مشى حراماً(14).

              15 ـ في خبر طويل عن الباقر عليه السلام: وجعلت نحلتها من علي خمس الأرض وثلث الجنة، وجعلت لها في الأرض أربعة أنهار: الفرات ونيل مصر ونهروان ونهر بلخ، فزوجها أنت يا محمد بخمسمائة درهم تكون سنة لأمتك(15).
              الخطباء والخطب في زواجها (سلام الله عليها)

              والعاقد بينهما هو الله تعالى، والقابل جبرائيل، والخاطب راحيل، والشهود حملة العرش، وصاحب النثار رضوان، وطبق النثار شجرة طوبى، والنثار الدر والياقوت والمرجان، والرسول هو المشاطة، وأسماء صاحب الحجلة، ووليد هذا النكاح الأئمة عليهم السلام(16).


              الخطبة الأولى
              في خبر: إنه كان الخطيب راحيل، وقد جاء في بعض الكتب أنه خطب راحيل في البيت المعمور في جمع من أهل السماوات السبع، فقال: الحمد لله الأول قبل أولية الأولين، الباقي بعد فناء العالمين، نحمده إذ جعلنا ملائكة روحانيين، وبربوبيته مذعنين، وله على ما أنعم علينا شاكرين، حجبنا من الذنوب، وسترنا من العيوب، أسكننا في السماوات، وقربنا إلى السرادقات، وحجب عنا النهم للشهوات(17)، وجعل نهمتنا وشهوتنا في تقديسه وتسبيحه، الباسط رحمته، الواهب نعمته، جل عن إلحاد أهل الأرض من المشركين، وتعالى بعظمته عن إفك الملحدين. ثم قال بعد كلام: اختار الملك الجبار صفوة كرمه، وعبد عظمته لأمته سيدة النساء بنت خير النبيين وسيد المرسلين وإمام المتقين، فوصل حبله بحبل رجل من أهله وصاحبه، المصدق دعوته، المبادر إلى كلمته على الوصول، بفاطمة البتول ابنة الرسول. وروي أن جبرائيل روى عن الله تعالى عقيبها قوله عز وجل: الحمد ردائي، والعظمة كبريائي، والخلق كلهم عبيدي وإمائي، زوجت فاطمة أمتي، من علي صفوتي، اشهدوا ملائكتي(18).

              الخطبة الثانية
              في حديث طويل: أوحى الله إلى الأمين جبرائيل أن ارق منبر الكرامة، فرقى حتى استوى على المنبر واقفاً، فقام خطيباً: الحمد لله الذي خلق الأرواح، وفلق الإصباح، وصور على عرشه خمسة الأشباح، محيي الأموات، وجامع الشتات، ومخرج النبات، ومنزل البركات… بارئ الأنام، ومنشئ الغمام، لا تشتبه عليه الأصوات، ولا تخفى عليه اللغات، لا يأخذه نوم ولا نسيان... ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، ونشهد أن علي بن أبي طالب خليفة نبيه، واشهدوا يا ملائكة المقربين والملائكة الراكعين والملائكة المسبحين، وجميع أهل السماوات والأرضين بأني زوجت سيدة نساء العالمين بنت محمد الأمين فاطمة الزهراء بعلي بن أبي طالب سيد الوصيين. ألا أن لها بأمر رب العالمين خمس الدنيا أرضها وسماؤها، وبرها وبحرها، وجبالها وسهلها. وأوحى الله تعالى إليهم أني قد زوجت وليي ووصي رسول الله علياً ابن أبي طالب بسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(19).

              نكاحها (عليها السلام) في الأرض
              قال ابن أبي الحديد: وإن نكاحه علياً إياها ما كان إلا بعد أن أنكحه الله تعالى إياها في السماء بشهادة الملائكة(20). وكان بين تزويج أمير المؤمنين بفاطمة في السماء وبين تزويجها في الأرض أربعون يوماً(21). عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أتاني ملك فقال: يا محمد إن الله يقرأ عليك السلام ويقول لك: إني قد زوجت فاطمة ابنتك من علي بن أبي طالب في الملأ الأعلى، فزوجها منه في الأرض(22).
              قال المحقق البارع علي محمد علي دخيل: للزهراء عليها السلام فضائل ومميزات على جميع النساء باعتبارها سيدة نساء العالمين، ومن هذه الفضائل ـ وما أكثرها ـ زواجها من أمير المؤمنين عليه السلام وأنه كان بأمر من الله تعالى، وأن مراسيمه تمت في السماء قبل الأرض، وفي العالم العلوي قبل السفلي، روى ذلك الخاص والعام وتواتر به الحديث(23).
              عن جابر قال: لما أراد رسول الله أن يزوج فاطمة علياً قال له: اخرج يا أبا الحسن إلى المسجد فإني خارج في إثرك، ومزوجك بحضرة الناس، وذاكر من فضلك ما تقر به عينك. قال علي عليه السلام: فخرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا ممتلئ فرحاً وسروراً، فاستقبلني أبو بكر وعمر فقالا: ما وراءك: يا أبا الحسن؟ فقلت: يزوجني رسول الله فاطمة، وأخبرني أن الله زوجنيها، وهذا رسول الله خارج في إثري ليذكر بحضرة الناس، ففرحا وسرا ودخلا معي المسجد، فو الله ما توسطناه حتى لحق بنا رسول الله وإن وجهه ليتهلل فرحاً وسروراً. فقال صلى الله عليه وآله: أين بلال؟ فقال: لبيك وسعديك، فقال: وأين المقداد؟ فلباه، فقال: وأين سلمان؟ فلباه، فلما مثلوا بين يديه قال: انطلقوا بأجمعكم إلى جنبات المدينة واجمعوا المهاجرين والأنصار والمسلمين. فانطلقوا لأمره، فأقبل حتى جلس على أعلى درجة من منبره، فلما حشد المسجد بأهله قام صلى الله عليه وآله فحمد الله وأثنى عليه وقال:

              الخطبة الثالثة في المسجد
              الحمد لله الذي رفع السماء فبناها، وبسط الأرض ودحاها، وأثبتها بالجبال فأرساها، وتجلل عن تحبير لغات الناطقين، وجعل الجنة ثواب المتقين، والنار عقاب الظالمين، وجعلني رحمة للمؤمنين، ونقمة على الكافرين. عباد الله! إنكم في دار أمل، بين حياة وأجل، وصحة وعلل، دار زوال متقلبة الحال، جعلت سبباً للارتحال، فرحم الله امرئ قصر من أمله، وجد في عمله، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوته، فقدمه ليوم فاقته، يوم تحشر فيه الأموات، وتخشع فيه الأصوات، وتنكر الأولاد والأمهات، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، يوم يوفيهم الله دينهم الحق، ويعلمون أن الله هو الحق المبين، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً، ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره، يوم تبطل فيه الأنساب وتقطع الأسباب، ويشتد فيه على المجرمين الحساب، ويدفعون إلى العذاب، فمن زحزح عن النار وأدخل في الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور. أيها الناس إنما الأنبياء حجج الله في أرضه، الناطقون بكتابه، العاملون بوحيه، وإن الله تعالى أمرني أن أزوج كريمتي فاطمة بأخي وابن عمي وأولى الناس بي علي بن أبي طالب، والله عز شأنه قد زوجه بها في السماء، وأشهد الملائكة، وأمرني أن أزوجه في الأرض، وأشهدكم على ذلك. ثم جلس وقال: قم يا علي واخطب لنفسك، فقال علي: أ أخطب يا رسول الله وأنت حاضر؟ فقال: اخطب، فهكذا أمرني جبرئيل أن آمرك تخطب لنفسك، ولولا أن الخطيب في الجنان داود لكنت أنت يا علي. ثم قال: أيها الناس اسمعوا قول نبيكم: إن الله بعث أربعة آلاف نبي، ولكل نبي وصي، فأنا خير الأنبياء، ووصيي خير الأوصياء. ثم أمسك صلى الله عليه وآله وابتدأ علي عليه السلام فقال:

              الخطبة الرابعة من علي (عليه السلام)
              الحمد لله الذي ألهم بفواتح علمه الناطقين، وأنار بثواقب عظمته قلوب المتقين، وأوضح بدلائل أحكامه طرق السالكين، وأبهج بابن عمي المصطفى العالمين، حتى علت دعوته دعوة الملحدين، واستظهرت كلمته على بواطن المبطلين، وجعله خاتم النبيين وسيد المرسلين، فبلغ رسالة ربه، وصدع بأمره، وأنار من الله آياته، فالحمد لله الذي خلق العباد بقدرته، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد، ورحم وكرم وشرف وعظم، والحمد لله على نعمائه وأياديه. وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة إخلاص ترضيه، وأصلي على نبيه محمد صلاة تزلفه وتحظيه. وبعد، فإن النكاح مما أمر الله تعالى به، وأذن فيه، ومجلسنا هذا مما قضاه الله تعالى ورضيه، وهذا محمد بن عبد الله رسول الله، زوجني ابنته فاطمة على صداق أربعمائة درهم ودينار، وقد رضيت بذلك، فاسألوه واشهدوا.
              فقال المسلمون: زوجته يا رسول الله؟ قال: نعم، قال المسلمون: بارك الله لهما وعليهما وجمع شملهما(24).

              الخطبة الخامسة
              عن أنس قال: بينا أنا قاعد عند النبي صلى الله عليه وآله إذ غشيه الوحي، فلما سري عنه قال: يا أنس تدري ما جاءني به جبرائيل من صاحب العرش؟ قلت: الله ورسوله أعلم، بأبي وأمي ما جاء به جبرائيل؟ قال: إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة علياً، انطلق فادع لي المهاجرين والأنصار، قال: فدعوتهم، فلما أخذوا مقاعدهم قال النبي صلى الله عليه وآله: الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرغوب إليه فيما عنده، المرهوب عذابه، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميزهم بأحكامه، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد، ثم إن الله تعالى جعل المصاهرة نسباً وصهراً، فأمر الله يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره، فلكل قدر أجل، ولكل أجل كتاب، (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)(25).
              ثم إن الله أمرني أن أزوج فاطمة بعلي، فأشهدكم أني قد زوجته على أربعمائة مثقال من فضة إن رضي بذلك علي. وكان علي غائباً قد بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله في حاجته، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بطبق فيه بسر فوضع بين أيدينا، ثم قال: انتبهوا، فبينا نحن ننتبه إذ أقبل علي عليه السلام، فتبسم إليه النبي صلى الله عليه وآله ثم قال: يا علي إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة، فقد زوجتكها على أربعمائة مثقال فضة، إن رضيت، فقال علي عليه السلام: قد رضيت يا رسول الله. ثم إن علياً مال فخر ساجداً شكراً لله تعالى، وقال: الحمد لله الذي حببني إلى خير البرية محمد رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بارك الله عليكما، وبارك فيكما، وأسعدكما، وأخرج منكما الكثير الطيب. قال أنس: فو الله لقد أخرج منهما الكثير الطيب. قلت: هذا حديث حسن عال(26).
              نثار شجرة طوبى

              عن رسول الله صلى الله عليه وآله: أيها الناس هذا علي بن أبي طالب، أنتم تزعمون أنني أنا زوجته ابنتي فاطمة، ولقد خطبها إلي أشراف قريش فلم أجب كل ذلك، أتوقع الخبر من السماء، حتى جاءني جبرائيل عليه السلام ليلة أربع وعشرين من شهر رمضان فقال: يا محمد العلي الأعلى يقرأ عليك السلام، وقد جمع الروحانيين والكروبيين في واد يقال له الأفيح تحت شجرة طوبى، وزوّج فاطمة علياً، وأمرني فكنت الخاطب، والله تعالى الولي، وأمر شجرة طوبى فحملت الحلي والحلل والدر والياقوت ثم نثرته، وأمر الحور العين اجتمعن فلقطن، فهن يتهادينه إلى يوم القيامة ويقلن: هذا نثار فاطمة(27).


              نقل الشيخ البهائي (ره) عن والده (ره) في كشكوله: وجد در مكتوب فيه:
              يـوم تـــــزويـــج والـــد الســبطيـن

              أنـــا در مـــن السماء نثــــــرونـي
              صبــغتنـي دمـــاء نـــهـر الحسيـن

              كنـــت أصـــفى مــن الـلجين بياضاً

              ولبعضهم في تخميس هذا:
              كــل ذي جــوهــر عــزيـز ثــــميـن

              أيـهـا الســــائــل المســـائـل دونـي
              أنــا در مـــن الســمـاء نثـــــرونـي

              مـا أنــا ذا مــن الثــرى أخرجونـي

              يوم تزويج والد السبطين
              موضعي في السماء وليس انخفاضا

              كــنــــت مــن جــوهر ولا أعـــراضا
              كـــنـــت أصــفى مـن اللجين بياضـا

              إنـــمـا حـــمرتـي أتـتـــني اعــتراضا
              صبغتني دماء نهر الحسين(28)
              ما نثرت بعد العقد في السماوات

              عن بلال بن حمامة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم ضاحكاً مستبشراً، فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: بشارة أتتني من عند ربي، إن الله لما أراد أن يزوج علياً فاطمة أمر ملكاً أن يهز شجرة طوبى فهزها، فنثرت رقاقاً ـ يعني صكاكاً ـ وأنشأ الله ملائكة التقطوها، فإذا كانت القيامة ثارت الملائكة في الخلق، فلا يرون محباً لنا أهل البيت محضاً إلا دفعوا إليه منها كتاباً براءة له من النار من أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي من النار(29).


              وفي رواية: أنه يكون في الصكوك براءة من العلي الجبار لشيعة علي وفاطمة من النار(30).

              للعبدي الكوفي:
              يـــق شــــريــــف فــــي المــناسب

              صـــديــقـــة خـــلقـــت لـصــــــــــد
              طهــــريــــن مــــن دنــس المعايب

              اخـــــتــــاره واخــــتــــــــارهـــــــا
              بــــــظـــــــل الـعـــــرش راتـــــــب

              اســــمـــاهــمــا قـــرنا عــلى سطر
              أميـــنــه جبـــــريــــل خـــاطـــــــب

              كـــــان الإلـــــــه ولــــيــــهــــــا و
              هبــــة تـــعــالت فــــي الـمـــواهب

              والــمــهـــر خــمـــس الأرض مــو
              طـــيــبــــــت تـــــلك المــنــــــاهـب

              وتــهــابـــها مــــن حـــمــل طوبـى
              قوله: (صديقة) يعني به فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله، سماها به أبوها فيما أخرجه أبو سعيد في (شرف النبوة) عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي عليه السلام: أوتيت ثلاثاً لم يؤتيهن أحد ولا أنا: أوتيت صهراً مثلي ولم أوت أنا مثلي، وأوتيت زوجة صديقة مثل ابنتي ولم أوت مثلها زوجة، وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أوت من صلبي مثلهما، ولكنكم مني وأنا منكم. (الرياض النضرة، ج2، ص202).
              قوله: (لصديق) يعني به أمير المؤمنين عليه السلام… عن النبي صلى الله عليه وآله قال: قال لي ربي عز وجل ليلة أسري بي: من خلفت على أمتك يا محمد؟ قال: قلت: يا رب أنت أعلم، قال: يا محمد انتجبتك برسالتي، واصطفيتك لنفسي، وأنت نبيي وخيرتي من خلقي، ثم الصديق الأكبر الطاهر المطهر الذي خلقته من طينتك، وجعلته وزيرك وأبي سبطيك السيدين الشهيدين الطاهرين المطهرين سيدي شباب أهل الجنة، وزوجته خير نساء العالمين، أنت شجرة، وعلي غصنها، وفاطمة ورقها، والحسن والحسين ثمارها، خلقتهما من طينة عليين، وخلقت شيعتكم منكم، إنهم لو ضربوا على أعناقهم، بالسيوف ما ازدادوا لكم إلا حباً. قلت: يا رب ومن الصديق الأكبر؟ قال: أخوك علي بن أبي طالب. أخرجه القرشي في (شمس الأخبار ص33)(31).
              قوله: (وتهابها من حمل طوبى…) إشارة إلى ما في حديث بلال بن حمامة كما مر من (تاريخ بغداد).
              مهرها وصداقها (سلام الله عليها) في الأرض

              عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان صداق فاطمة برد حبرة، وإهاب شاة على عرار. أقول: في اللسان: برود حبرة ضرب من البرود يمانية، يقال: برد حبر وبرد حبرة مثل عِنَبَة على الوصف والإضافة. والإهاب: الجلد ما لم يدبغ. والعرار: نبت رائحة الطيب. وفي (الكافي) للكليني (رحمه الله): زوج النبي صلى الله عليه وآله فاطمة من علي على جرد برد(32). وفي (مجمع البحرين): وانجرد الثوب: انسحق ولان، ومنه: كان صداق فاطمة عليها السلام جرد برد حبرة، ودرع حطمية، وجرد قطيفة لنجرد خملها وخلقت.

              عن الحسين بن علي عليهما السلام في خبر: زوج النبي صلى الله عليه وآله فاطمة علياً على أربعمائة وثمانين درهماً. وروي أن مهرها أربعمائة مثقال فضة. وروي أنه كان خمسمائة درهم، وهو أصح(33). وعن الصادق عليه السلام قال: كان صداق فاطمة عليها السلام درع حطمية وإهاب كبش أو جدي(34). عن جعفر بن محمد، عن أبيه: إن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أصدق فاطمة (رضي الله عنها) درعاً من حديد، وجرة دوار(35)، وإن صداق نساء النبي صلى الله عليه وآله كان خمسمائة درهم(36).
              عن أنس في حديث تزويج فاطمة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي (عليه السلام): وما عندك؟ قلت: فرسي وبدني ـ يعني درعي ـ قال: أما فرسك فلا بد لك منه، وأما بدنك فبعها. قال: فبعتها بأربعمائة وثمانين درهماً، فأتيت بها النبي صلى الله عليه وآله فوضعتها في حجره، فقبض منها قبضة فقال: يا بلال ابتعنا بها طيباً(37).
              وفي حديث: إن علياً تزوج فاطمة فباع بعيراً له بثمانين وأربعمائة درهم، فقال النبي صلى الله عليه وآله: اجعلوا ثلثين في الطيب، وثلثاً في الثياب(38). عن علي عليه السلام قال: قالت لي مولاة لي: هل علمت أن فاطمة قد خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قلت: لا، قالت: فقد خطبت، فما يمنعك أن تأتي رسول الله صلى الله عليه وآله يزوجك، فقلت: وعندي شيء أتزوج به؟ فقالت: إنك إن جئت رسول الله صلى الله عليه وآله يزوجك، فو الله ما زالت ترجيني حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وآله جلالة وهيبة، فلما قعدت بين يديه أفحمت، فو الله ما أتكلم، فقال: ما جاء بك؟ ألك حاجة؟ فسكت، فقال: لعلك جئت تخطب فاطمة؟ قلت: نعم، قال: وهل عندك من شيء تستحلها به؟ قلت: لا والله يا رسول الله، فقال: ما فعلت الدرع التي سلحتكها؟ فقلت: عندي، والذي نفس علي بيده إنها لحطمية، ما ثمنها أربعمائة درهم، قال: قد زوجتكها، فابعث بها فإن كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله. قال في ذيل الحديث: والحطمية: قال شمر في تفسيرها: هي العريضة الثقيلة، وقال بعضهم: هي التي تكسر السيوف، ويقال: هي منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال لهم: حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع، قال ابن عيينة: هي شر الدروع، وهذا أمس بالحديث لأن علياً ذكرها في معرض الذم وتقليل ثمنها(39).
              وإن النبي صلى الله عليه وآله قال لفاطمة: إن علي بن أبي طالب ممن قد عرفت قرابته وفضله من الإسلام، وإني سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبهم إليه، وقد ذكر من أمرك شيئاً، فما ترين؟ فسكتت، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول: الله أكبر، سكوتها إقرارها(40).
              الهوامش
              1 ـ (الروض الفائق) ص256.
              2 ـ (البحار) ج43، ص123.
              3 ـ (البحار) ج43، ص109 ـ110.
              4 ـ (دلائل الإمامة) ص12 ـ13.
              5 ـ (البحار) ج43، ص142
              6 ـ البحار، ج43، ص145، 92، 113
              7 ـ البحار، ج43، ص145، 92، 113.
              8 ـ البحار، ج43، ص145، 92، 113.
              9 ـ البحار، ج43، ص145، 92، 113.
              10 ـ (معالم الزلفى) للسيد هاشم البحراني (ره) ص397.
              11 ـ (إحقاق الحق) ج10، ص367.
              12 ـ (كشف الغمة) ج1، ص507.
              13 ـ (مودة القربى) للسيد علي الهمداني، على ما في ذيل (إحقاق الحق) ج10، ص368.
              14 ـ (كشف الغمة) ج1، ص472. وأن (مبغضاً لها) أشبه، كما في بعض النسخ.
              15 ـ (البحار) ج43، ص113.
              16 ـ (البحار) ج43، ص107.
              17 ـ النهمة: بلوغ الهمة والشهوة في الشيء.
              18 ـ (المناقب) لابن شهر آشوب، ج3، ص348.
              19 ـ (الجنة العاصمة) ص100.
              20 ـ (شرح النهج) ج9، ص193.
              21 ـ (الجنة العاصمة) ص104.
              22 ـ (ذخائر العقبى) ص31 ـ32.
              23 ـ (فاطمة الزهراء عليها السلام) ص44.
              24 ـ (دلائل الإمامة) للطبري، ص16 ـ17
              25 ـ الرعد، 39.
              26 ـ (كفاية الطالب) الباب 78، ص298 ـ299.
              27 ـ (كفاية الطالب) الباب 79، ص300.
              28 ـ (كشكول البهائي) كما في (رياض المدح والرثاء) للشيخ سليمان البلادي البحراني، ص221 ـ222. أقول: نقل السيد ابن طاووس (ره) في (الإقبال) ص468 في فضل يوم الغدير عن الصادق عليه السلام في حديث طويل: (وفي ذلك اليوم ليتهادون (الملائكة) نثار فاطمة عليها السلام).
              29 ـ (تاريخ بغداد) ج4، ص210.
              30 ـ (المناقب) لابن شهر آشوب، ج3، ص346.
              31 ـ (الغدير) ج2، ص 305 ـ316.
              32 ـ (البحار) ج43، ص112 ـ113
              33 ـ (البحار) ج43، ص112 ـ113
              34 ـ (البحار) ج43، ص112 ـ113
              35 ـ الجرة: إناء من خزف كالفخار، وجمعها: جر وجرار
              36 ـ (إحقاق الحق) ج10، ص357
              37 ـ (إحقاق الحق) ج10، ص357 ـ360
              38 ـ (إحقاق الحق) ج10، ص357 ـ360
              39 ـ (ذخائر العقبى) ص27.
              40 ـ (البحار) ج43، ص111 ـ112

              تعليق


              • #8
                جهازها وأثاث بيتها

                قال الصادق عليه السلام في خبر: وسكب الدراهم في حجره، فأعطى منها قبضة ـ كانت ثلاثة وستين، أو ستة وستين ـ إلى أم أيمن لمتاع البيت، وقبضة إلى أسماء بنت عميس للطيب، وقبضة إلى أم سلمة للطعام، وأنفذ عماراً وأبا بكر وبلالاً لابتياع ما يصلحها، وكان مما اشتروه:

                1 ـ قميص بسبعة دراهم.
                2 ـ خمار بأربعة دراهم.
                3 ـ قطيفة سوداء خيبرية
                4 ـ سرير مزمل بشريط.
                5 ـ فراشان من خيش مصر حشو أحدهما ليف، وحشو الآخر من جز الغنم.
                6 ـ أربع مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر.
                7 ـ ستراً من صوف.
                8 ـ حصير هجري.
                9 ـ رحاء اليد.
                10 ـ سقاء من أدم.
                11 ـ مخضب من نحاس.
                12 ـ قعب للبن.
                13 ـ شن للماء.
                14 ـ مطهرة مزفتة.
                15 ـ جرة خضراء.
                16 ـ كيزان خزف.
                17 ـ نطع من أدم.
                18 ـ عباء قطواني.
                19 ـ قربة ماء. وكان من تجهيز علي داره انتشار رمل لين، ونصب خشبة من حائط إلى حائط للثياب، وبسط إهاب كبش، ومخدة ليف(41).
                بيتها (عليها السلام)

                في خبر نزوله صلى الله عليه وآله المدينة وبنائه المسجد والبيوت وخطبة أمير المؤمنين عنها عليهما السلام: فقال له (لعلي عليه السلام) رسول الله صلى الله عليه وآله: هيئ منزلاً حتى تحول فاطمة إليه، فقال علي عليه السلام: يا رسول الله ما هاهنا منزل إلا منزل حارثة بن النعمان(42).

                أقول: هذا عند ابتداء زواجهما عليهما السلام، وأما بعد فكان منزلها ملاصقاً بمنزل النبي صلى الله عليه وآله كما يأتي في فصله(43).
                متاع بيت علي ليلة عرس الزهراء عليهما السلام

                1 ـ عن علي عليه السلام قال: أهديت ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله إلي، فما كان فراشنا ليلة أهديت إلا مسك كبش(44).


                2 ـ عن علي عليه السلام: لقد تزوجت فاطمة ومالي ولها فراش غير جلد كبش، ننام عليه بالليل ونعلف عليه الناضح بالنهار، ومالي ولها خادم غيرها(45).

                3 ـ في رواية: فأتى النبي (صلى الله عليه وآله) وعلينا قطيفة إذا لبسناها طولاً خرجت منها جنوبنا، وإذا لبسناها عرضاً خرجت منها أقدامنا ورؤوسنا(46)...

                4 ـ عن أبي يزيد المديني قال: لما أهديت فاطمة إلى علي لم تجد عنده إلا رملاً مبسوطاً، ووسادة، وجرة، وكوزاً(47).

                5 ـ عن أنس قال: جاءت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله إني وابن عمي ما لنا فراش إلا جلد كبش ننام عليه، ونعلف عليه ناضحنا بالنهار، فقال: يا بنية اصبري فإن موسى بن عمران أقام مع امرأته عشر سنين ما لهما فراش إلا عباءة قطوانية ـ أي بيضاء كثير الخمل ـ(48).
                مقدمة الزفاف والتهيؤ له

                1 ـ في حديث: إذا استكمل الشراء حمل أبو بكر بعض المتاع، وحمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الذين كانوا معه الباقي، فلما عرض المتاع على رسول الله صلى الله عليه وآله جعل يقلبه بيده ويقول: بارك الله لأهل البيت(49).


                2 ـ في حديث طويل: … وحملناه جميعاً حتى وضعناه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فلما نظر إليه بكى وجرت دموعه، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف. قال علي: ودفع رسول الله صلى الله عليه وآله باقي ثمن الدرع إلى أم سلمة وقال: اتركي هذه الدراهم عندك. ومكثت بعد ذلك شهراً لا أعاود رسول الله صلى الله عليه وآله في أمر فاطمة بشيء استحياء من رسول الله صلى الله عليه وآله غير أني كنت إذا خلوت برسول الله يقول لي: يا أبا الحسن ما أحسن زوجتك وأجملها! أبشر فقد زوجتك سيدة نساء العالمين(50).

                3 ـ في حديث طويل: قال علي عليه السلام: فأقمت بعد ذلك (أي ابتياع متاع البيت) شهراً أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وأرجع إلى منزلي ولا أذكر شيئاً من أمر فاطمة عليها السلام، ثم قلن أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا نطلب لك من رسول الله صلى الله عليه وآله دخول فاطمة عليك؟ فقلت: افعلن، فدخلن عليه فقالت أم أيمن: يا رسول الله لو أن خديجة باقية لقرت عينها بزفاف فاطمة، وإن علياً يريد أهله، فقر عين فاطمة ببعلها، واجمع شملها، وقر عيوننا بذلك، فقال: ما بال علي لا يطلب مني زوجته، فقد كنا نتوقع ذلك منه؟ فقال علي (عليه السلام): فقلت: الحياء يمنعني يا رسول الله.
                الدعوة إلى وليمة العرس

                ... فالتفت إلى النساء فقال: من هاهنا؟ فقالت أم سلمة: أنا أم سلمة وهذه زينب، وهذه فلانة وفلانة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هيئوا لابنتي وابن عمي في حجري بيتاً. فقالت أم سلمة: في أي حجرة يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: في حجرتك، وأمر نساءه أن يزين ويصلحن من شأنها. قالت أم سلمة: فسألت فاطمة: هل عندك طيب ادخرتيه لنفسك؟ قالت: نعم، فأتت بقارورة فسكبت منها في راحتي، فشممت منها رائحة ما شممت مثلها قط، فقلت: ما هذا؟ قالت: كان دحية الكلبي يدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول لي: يا فاطمة هات الوسادة فاطرحيها لعمك، فأطرح له الوسادة فيجلس عليها، فإذا نهض سقط من بين ثيابه شيء فيأمرني بجمعه، فسأل علي (عليه السلام) رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذلك، فقال: هو عنبر يسقط من أجنحة جبرائيل. قال علي (عليه السلام): ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي اصنع لأهلك طعاماً فاضلاً، ثم قال: من عندنا اللحم والخبز، وعليك التمر والسمن، فاشتريت تمراً وسمناً، فحسر رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذراعه وجعل يشدخ التمر في السمن حتى اتخذه حيساً(51)، وبعث إلينا كبشاً سميناً فذبح، وخبز لنا خبز كثير. ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: ادع من أحببت، فأتيت المسجد وهو مشحن بالصحابة، فاستحييت أن أشخص قوماً وأدع قوماً، ثم صعدت على ربوة هناك وناديت: أجيبوا إلى وليمة فاطمة، فأقبل الناس أرسالاً(52)، فاستحييت من كثرة الناس وقلة الطعام، فعلم رسول الله صلى الله عليه وآله ما تداخلني، فقال: يا علي إني سأدعو الله بالبركة. قال علي عليه السلام فأكل القوم عن آخرهم طعامي وشربوا شرابي، ودعوا لي بالبركة، وصدروا وهم أكثر من أربعة آلاف رجل، ولم ينقص من الطعام شيء.

                ليلة الزفاف ومراسمها

                ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وآله بالصحاف فملئت ووجه بها إلى منازل أزواجه، ثم أخذ صحفة وجعل فيها طعاماً وقال: هذا لفاطمة وبعلها، حتى انصرفت الشمس للغروب قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أم سلمة هلمي فاطمة، فانطلقت فأتت بها وهي تسحب أذيالها، وقد تصببت عرقاً حياءً من رسول الله صلى الله عليه وآله، فعثرت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله. أقالك الله العثرة في الدنيا والآخرة. فلما وقفت بين يديه كشف الرداء عن وجهها حتى رآها علي عليه السلام(53).


                4 ـ إن جبرائيل أتي بحلة قيمتها الدنيا، فلما لبستها تحيرت نسوة قريش منها وقلن: من أين لك هذا؟ قالت: من عند الله(54).

                5 ـ في حديث: فلما كانت ليلة الزفاف أتى النبي صلى الله عليه وآله ببغلته الشهباء وثنى عليها قطيفة وقال لفاطمة: اركبي، وأمر سلمان أن يقودها، والنبي عليه السلام يسوقها، فبينما هو في بعض الطريق إذ سمع النبي صلى الله عليه وآله وجبة(55)، فإذا بجبرائيل في سبعين ألفاً، وميكائيل في سبعين ألفاً، فقال النبي صلى الله عليه وآله: ما أهبطكم إلى الأرض؟ قالوا: جئنا نزف فاطمة إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فكبر جبرائيل وكبر ميكائيل وكبرت الملائكة وكبر محمد صلى الله عليه وآله، فوقع التكبير على العرائس من تلك الليلة(56).

                6 ـ عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال: لما زفت فاطمة إلى علي عليه السلام نزل جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ونزل معهم سبعون ألف ملك، قال: فقدمت بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله دلدل وعليها شملة، فأمسك جبرائيل باللجام، وأمسك إسرافيل بالركاب، وأمسك ميكائيل بالثفرة(57)، ورسول الله صلى الله عليه وآله يسوي عليها ثيابها، فكبر جبرائيل وكبر إسرافيل وكبر ميكائيل وكبرت الملائكة، وجرت سنة التكبير في الزفاف(58).

                7 ـ عن ابن عباس قال: لما زفت فاطمة إلى علي (عليه السلام) كان النبي صلى الله عليه وآله قدامها، وجبرائيل عن يمينها، وميكائيل عن يسارها، وسبعون ألف ملك خلفها، يسبحون الله ويقدسونه حتى طلع الفجر(59).

                8 ـ كتاب (مولد فاطمة) عن ابن بابويه في خبر: أمر النبي صلى الله عليه وآله بنات عبد المطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة، وأن يفرحن ويرجزن ويكبرن ويحمدن، ولا يقلن ما لا يرضى الله، قال جابر: فأركبها على ناقته ـ وفي رواية على بغلته الشهباء ـ وأخذ سلمان زمامها، وحولها سبعون ألف حوراء، والنبي صلى الله عليه وآله وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت يمشون خلفها مشهرين سيوفهم، ونساء النبي صلى الله عليه وآله قدامها يزجرن، فأنشأت أم سلمة:
                واشـــكـــرنه فـــــــي كـــل حــالات

                ســــرن بــعـــون الله جــــاراتـــــي
                مـــن كـشــــف مـــكـــروه وآفـــات

                واذكــــرن مــا أنـــعم رب العـــلــى
                أنـــعــــشـــــنـا رب الســـــمــاوات

                فقــد هـــدانــا بــعـــد كفـــــر وقـــد
                تـــفدى بــعــــمـــات وخـــــــــالات

                وســرن مــع خيـــر نســاء الـورى
                بــالــوحـي مــنــه والــرســــــالات

                يـــا بــنــت مـــن فــضّله ذو العلـى
                ثم قالت عائشة:
                واذكــرن مـــا يحسن في المحاضر

                يــــا نســــــوة اســــترن بالمعاجـر
                بــــديـنه مــــع كــــل عـــــبد شاكر

                واذكــــرن رب الـــناس إذ يخــصنا
                والشـــــكر لله العـــــزيـز الـــقــادر

                والحـــــمد لله عــــلـى إفــــضالــــه
                وخصــــها مـــنـه بــــطهر طــاهـر

                ســـــرن بــــها فــالله أعطى ذكرها
                ثم قالت حفصة:
                ومــــن لهـا وجــــه كـــوجه القمر

                فـــــاطمة خـــــيـر نــــــساء البشـر
                بفــــــضل مـن خــــص بـآي الزمر

                فــــضّلك الله عـــــلى كـــــل الورى
                أعـــــني علياً خير مــن في الحضر

                زوجـــــــك الله فتــــــــى فــــاضـلاً
                كــــــــريـمة بنــــت عـظيـم الخطر

                فســــــرن جـــــاراتـي بهـــــا إنـهـا
                ثم قالت معاذة أم سعد بن معاذ:
                وأذكـــــــر الخــــــيـر وأبــــــديـــه

                أقــــــول قــــــولاً فيــــــه مـــا فيـه
                مــــــا فيـه مــــــــن كـــبر ولا تيـه

                مــــــحــــــمد خيـــــــر بـــــنـي آدم
                فـــــــــاللــه بالخـــــيـر يــــجازيــه

                بفضــــــــلــه عــــــــرفنـا رشـــدنـا
                ذي شـرف قـــــــــد مكنــــت فــيـه

                ونحــــــــن مـع بنــــت نبـي الهدى
                فـــــمـا أرى شيـــــــئـاً يـــدانـــيــه

                فــــــــي ذروة شــــــامخـة أصـلـها
                وكانت النسوة يرجعن أول بيت من كل رجز، ثم يكبرن ودخلن الدار. ثم أنفذ رسول الله صلى الله عليه وآله إلى علي عليه السلام ودعاه إلى المسجد، ثم دعا فاطمة، فأخذ يديها ووضعها في يده وقال: بارك الله في ابنة رسول الله. وفي رواية: ووضع يد فاطمة في يد علي وقال: يا أبا الحسن هذه وديعة الله ووديعة رسوله عندك، فاحفظ الله، واحفظني فيها (شجرة طوبى، ص254).
                كتاب ابن مردويه : إن النبي صلى الله عليه وآله سأل ماء فأخذ منه جرعة فتمضمض بها، ثم مجها في القعب، ثم صبها على رأسها، ثم قال: أقبلي، فلما أقبلت نضح من بين ثدييها، ثم قال: أدبري، فلما أدبرت نضح من بين كتفيها، ثم دعا لهما.
                كتاب ابن مردويه: اللهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في شبليهما. وروي أنه قال: اللهم إنهما أحب خلقك إلي، فأحبهما وبارك في ذريتهما، واجعل عليهما منك حافظاً، وإني أعيذهما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم. وروي أنه دعا لها فقال: أذهب الله عنك الرجس وطهرك تطهيراً. وروي أنه قال: مرحباً ببحرين يلتقيان، ونجمين يقترنان(60).
                ليلة الزفاف وصبيحة الليلة

                1 ـ عن علي عليه السلام في حديث طويل مر شطر منه قال: ثم دخل إلى منزلي، فدخلت إليه ودنوت منه، فوضع كف فاطمة الطيبة في كفي وقال: ادخلا المنزل ولا تحدثا أمراً حتى آتيكما. قال: فدخلنا المنزل فما كان إلا أن دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وبيده مصباح، فوضعه في ناحية المنزل وقال لي: يا علي خذ في ذلك القعب ماء من تلك الشكوة(61)، ففعلت ثم أتيته به، فتفل فيه تفلات، ثم ناولني القعب فقال: اشرب منه، فشربت، ثم رددته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فناوله فاطمة وقال: اشربي حبيبتي، فشربت منه ثلاث جرعات، ثم رددته إليه، فأخذ ما بقي من الماء فنضحه على صدري وصدرها وقال: إنما يريد الله ليذهب ـ الآية، ثم رفع يديه وقال: يا رب إنك لم تبعث نبياً إلا وقد جعلت له عترة، اللهم فاجعل عترتي الهادية من علي وفاطمة، ثم خرج. قال علي عليه السلام: فبت بليلة لم يبت أحد من العرب بمثلها، فلما كان في آخر السحر أحسست برسول الله، فذهبت لأنهض، فقال: مكانك أتيتك في فراشك رحمك الله، فأدخل رجليه معنا في الدثار، ثم أخذ مدرعة كانت تحت رأس فاطمة، فاستيقظت، فبكى وبكت وبكيت لبكائهما، فقال لي: ما يبكيك؟ فقلت: فداك أبي وأمي يا رسول الله بكيت وبكت فاطمة وبكيت لبكائكما فقال: أتاني جبرائيل فبشرني بفرخين يكونان لك، ثم عزيت بأحدهما وعلمت أنه يقتل غريباً عطشاناً، فبكت فاطمة حتى علا بكاؤهما(62).


                2 ـ دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على فاطمة ليلة عرسها بقدح من لبن فقال: اشربي هذا فداك أبوك، ثم قال لعلي (عليه السلام): اشرب فداك ابن عمك(63).

                3 ـ قال علي (عليه السلام): ومكث رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ذلك ثلاثاً لا يدخل علينا، فلما كان في صبيحة اليوم الرابع جاءنا ليدخل علينا، (ثم ذكر محاورة بين رسول الله صلى الله عليه وآله وأسماء، ثم قال) وكانت غداة قرة، وكنت أنا وفاطمة تحت العباء، فلما سمعنا كلام رسول الله صلى الله عليه وآله لأسماء ذهبنا لنقوم، فقال: بحقي عليكما لا تفترقا حتى أدخل عليكما فرجعنا إلى حالنا، ودخل صلى الله عليه وآله وجلس عند رؤوسنا، وأدخل رجليه فيما بيننا، وأخذت رجله اليمنى فضممتها إلى صدري، وأخذت فاطمة رجله اليسرى فضمتها إلى صدرها، وجعلنا ندفئ رجليه من القر، حتى إذا دفئتا قال: يا علي ائتني بكوز من ماء، فأتيته فتفل فيه ثلاثاً وقرأ فيه آيات من كتاب الله تعالى ثم قال: يا علي اشربه واترك فيه قليلاً، ففعلت ذلك، فرشّ باقي الماء على رأسي وصدري(64)...

                4 ـ إن النبي صلى الله عليه وآله صنع لها قميصاً جديداً ليلة عرسها وزفافها، وكان لها قميص مرقوع وإذا بسائل على الباب يقول: أطلب من بيت النبوة قميصاً خلقاً، فأرادت أن تدفع إليه القميص المرقوع فتذكرت قوله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)(65). فدفعت له الجديد، فلما قرب الزفاف نزل جبرائيل وقال: يا محمد إن الله يقرئك السلام وأمرني أن أسلم على فاطمة وقد أرسل لها معي هدية من ثياب الجنة من السندس الأخضر، فلما بلغها السلام وألبسها القميص الذي جاء به لفها رسول الله صلى الله عليه وآله بالعباءة ولفها جبرائيل بأجنحته حتى لا يأخذ نور القميص بالأبصار، فلما جلست بين النساء الكافرات ومع كل واحدة شمعة ومع فاطمة (رض) سراج، رفع جبرائيل جناحه ورفع العباءة وإذا بالأنوار قد طبقت المشرق والمغرب، فلما وقع النور على أبصار الكافرات خرج الكفر من قلوبهن وأظهرن الشهادتين(66).
                كلمات الأعاظم حول أسماء التي حضرت ليلة الزفاف

                عن أسماء بنت عميس: حضرت وفاة خديجة عليها السلام فبكت فقلت: أتبكين وأنت سيدة نساء العالمين وأنت زوجة النبي صلى الله عليه وآله ومبشرة على لسانه بالجنة؟ فقالت: ما لهذا بكيت ولكن المرأة ليلة زفافها فلا بد لها من امرأة تفضي إليها بسرها وتستعين بها على حوائجها، وفاطمة حديثة عهد بصبى وأخاف أن لا يكون لها من يتولى أمورها حينئذ، فقلت: يا سيدتي لك علي عهد أني إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الأمر. فلما كانت تلك الليلة وجاء النبي صلى الله عليه وآله أمر النساء فخرجن وبقيت، فلما أراد الخروج رأى سوادي، فقال: من أنت؟ فقلت: أنا أسماء بنت عميس، فقال: لم آمرك أن تخرجي؟ فقلت: بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي، وما قصدت خلافك، ولكني أعطيت خديجة رضي الله عنها عهداً، وحدثته، فبكى وقال: تالله لهذا وقفت؟ فقلت: نعم والله، فدعا لي. قال العلامة الإربلي في ذيل هذا الكلام: قد تظاهرت الروايات كما ترى أن أسماء بنت عميس حضرت زفاف فاطمة وفعلت، وأسماء كانت مهاجرة بأرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب عليه السلام ولم تعد هي ولا زوجها إلا يوم فتح خيبر، وذلك في سنة ست من الهجرة، ولم تشهد الزفاف لأنه كان في ذي الحجة من سنة اثنتين، والتي شهدت الزفاف سلمى بنت عميس أختها وهي زوجة حمزة بن عبد المطلب عليه السلام، ولعل الأخبار عنها، وكانت أسماء أشهر من أختها عند الرواة فرووا عنها، أو سها راو واحد فتبعوه(67). أقول: قد روى مثل تلك الرواية العلامة الكنجي الشافعي في (كفاية الطالب) في الباب 82، ص307 منه مع تغيير وتفاوت تركناها لتكرر مضامينها. ثم قال بعد نقل الرواية: وذكر أسماء في هذا الحديث ونسبتها إلى بنت عميس غير صحيح، وأسماء بنت عميس هي الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب، وهي التي تزوجها أبو بكر فولدت له محمداً بن أبي بكر، وذلك بذي الحليفة وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع، فلما مات أبو بكر تزوجها علي بن أبي طالب فولدت له. وما أرى نسبتها في هذا الحديث إلا غلطاً وقع من بعض الرواة، أو من بعض الوراقين، لأن أسماء التي حضرت في عرس فاطمة عليها السلام إنما هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاري، وأسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بأرض الحبشة، هاجر بها الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة وولدت لجعفر بن أبي طالب أولاده كلهم بأرض الحبشة. وبقي جعفر وزوجته أسماء بأرض الحبشة حتى هاجر النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة، وكانت وقعة بدر وأحد وخندق وغيرها من المغازي، إلى أن فتح الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وآله قرى خيبر في سنة سبع، وقدم المدينة وقد فتح الله عز وجل على يديه، وقدم يومئذ جعفر بامرأته وأهله، فقال النبي صلى الله عليه وآله: ما أدري بأيهما أسر؟ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟ وكان زواج فاطمة من علي عليهما السلام بعد وقعة بدر بأيام يسيرة، فصح بهذا أن أسماء المذكورة في هذا الحديث إنما هي أسماء بنت يزيد، ولها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله...

                وفي هامش (البحار ج43، ص134): وكانت أسماء هذه مكناة بأم سلمة وكانت يقال لها: خطيبة النساء، فما روي في قصة زفافها عن أم سلمة فإنما هي أسماء بنت يزيد بن السكن بن رافع، لا أم سلمة التي زوجها النبي بعد ذلك الزفاف بسنة أو أكثر. أقول: ولعل أن يكون زواج رسول الله صلى الله عليه وآله مع أم سلمة في أوائل الهجرة قبل زواج فاطمة الزهراء عليها السلام مع أمير المؤمنين عليه السلام، فعلى هذا أن ما روي في قصة زفاف الزهراء عليها السلام هو عن أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله.
                ويؤيد هذا ما ذكره العلامة المجلسي(رحمه الله) في مهاجرة فاطمة الزهراء مع أمير المؤمنين عليهما السلام ونساء المهاجرين: وخطب رسول الله صلى الله عليه وآله النساء وتزوج سودة أول دخوله المدينة، ونقل فاطمة إليها، ثم تزوج أم سلمة، فقالت أم سلمى: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وفوض أمر ابنته إلي، فكنت أؤدبها، وكانت والله أدأب مني وأعرف بالأشياء كلها(68).
                قال العلامة التستري: وأما ما روت العامة في تزويج النبي صلى الله عليه وآله فاطمة من أمير المؤمنين عليه السلام: (أن أبا بكر وعمر خطبا إلى النبي صلى الله عليه وآله فردهما، فقالا لعبد الرحمن بن عوف: اخطب أنت لكثرة مالك، فرده النبي صلى الله عليه وآله أيضاً، فجاءا إلى علي (عليه السلام) فقالا له: لو خطبتها، فقال: لقد نبهتماني.
                إلى أن قال: في الخبر: (فقالت أسماء: يا رسول الله خطب إليك ذوو الأنساب والأموال من قريش فلم تزوجهم وزوجتها من هذا الغلام؟ فقال لها: يا أسماء أما إنك ستزوجين بهذا الغلام وتلدين له غلاماً) فخبر موضوع، والشاهد لكونه موضوعاً أن أسماء بنت عميس كانت ذلك الوقت في الحبشة، وولدت لجعفر ثمة بنيه عبد الله وعوناً ومحمداً، وإنما قدم بها جعفر عام فتح خيبر سنة سبع، وتزوجه عليه السلام كان سنة اثنتين، كما أن خبراً آخر رووا في زفاف فاطمة عليها السلام وأن أسماء بنت عميس قالت: لم يزل النبي صلى الله عليه وآله يدعو لعلي وفاطمة عليهما السلام، إما موضوع وإما محرف بكون بنت عميس فيه زائدة، والمراد بأسماء فيه بنت يزيد بن السكن الأنصاري، كما قاله الكنجي الشافعي، كما أن ورودها في خبر ولادة الحسين عليه السلام كذلك(69).
                نقول: كيف يساعد هذا ما أورده العلامة الأميني (ره) فقال: (ومن جراء تلك الموجدة منعت أن تدخلها يوم ذاك عائشة كريمة أبي بكر فضلاً عن أبيها، فجاءت تدخل فمنعتها أسماء فقالت: لا تدخلي. فشكت إلى أبي بكر وقالت: هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، فوقف أبو بكر على الباب وقال: يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبي صلى الله عليه وآله أن يدخلن على بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وقد صنعت لها هودج العروس؟ قالت: هي أمرتني أن لا يدخل عليها أحد، وأمرتني أن أصنع لها ذلك)(70)، فإنه لا يخفى عليك التصريح بالخثعمية.
                وقال الفاضل المحقق السيد كاظم القزويني: والذي يقوى عندي أن الحل الصحيح والجواب المعقول: أن أسماء هذه هي أسماء بنت عميس الخثعمية زوجة جعفر بن أبي طالب، وأنها هاجرت مع زوجها إلى الحبشة، ولكنها رجعت إلى مكة وهاجرت إلى المدينة، ولعلها كررت سفرها إلى الحبشة، لأن المسافة من جدة إلى الحبشة هي مسافة عرض البحر الأحمر، وليس قطع هذه المسافة بالصعب المستصعب ذهاباً وإياباً وإن كان التاريخ لم يذكر ذلك لأسماء، فإن التاريخ أيضاً لم يذكر لأبي ذر الغفاري هجرة إلى الحبشة، وقد روي عن أبي ذر: كنت أنا وجعفر بن أبي طالب مهاجرين إلى الحبشة ـ الخ. وقد ظفرت برواية رواها المجلسي في العاشر من البحار في باب تزويج السيدة فاطمة عليها السلام عن كتاب مولد فاطمة، عن ابن بابويه: أمر النبي صلى الله عليه وآله بنات عبد المطلب ـ إلى أن يقول ـ والنبي (صلى الله عليه وآله) وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت يمشون خلفها ـ الخ. فالتصريح بوجود جعفر يحل هذه المشكلة(71).
                نقول: لعل الذي ذهب إليه العلامة الكنجي الشافعي نشأ من تشابه الاسمين، لأن أسماء التي حضرت ليلة الزفاف هي التي حضرت عند وفاة سيدتنا خديجة سلام الله عليها، لأنك لاحظت قولها: (حضرت وفاة خديجة عليها السلام فبكت وقلت: أتبكين وأنت سيدة نساء العالمين)، والحال أن أسماء الأنصارية لم تكن في مكة. وأما ما ذهب إليه الفاضل المتتبع السيد كاظم القزويني وإن كان وجهاً لطيفاً ولكن لم يرد من أهل السير والتواريخ دليل واضح على تكرر سفر جعفر وزوجته من مكة إلى الحبشة، بل الدليل والشاهد على خلافه، فإنه ذكر في (أسد الغابة) في ترجمة سلمى بنت عميس الخثعمية: فإنه لا خلاف بين أهل السير أن جعفراً هاجر إلى الحبشة من مكة ومع امرأته أسماء، وأنها ولدت له أولاده بالحبشة، ولم يقدم على النبي صلى الله عليه وآله إلا وهو محاصر خيبر(72)... نعم جاء في (البحار ج43، ص115) كما أشار إليه الفاضل الألمعي: (والنبي صلى الله عليه وآله وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت يمشون خلفها) ولكن هل يكفي ذلك دليلاً لحل هذه المشكلة، مع أن المجلسي (ره) يقول في (البحار ج18، ص416) بعد كلام طويل: ورجع (عمرو) من الحبشة إلى قريش فأخبرهم أن جعفراً في أرض الحبشة في أكرم كرامة، فلم يزل بها حتى هادن رسول الله صلى الله عليه وآله قريشاً وصالحهم وفتح خيبر، وأتى بجميع من معه. ومن جهة أخرى: أن الذين يرجعون من حبشة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وآله وفتح خيبر أسماؤهم مضبوطة في الكتب والتواريخ، وليس فيهم جعفر ولا زوجته أسماء، فلاحظ ما جاء في (الكامل) لابن الأثير: واشتدت قريش على المسلمين، فلما قرب المسلمون الذين كانوا بالحبشة من مكة بلغهم أن إسلام أهل مكة باطل، فلم يدخل أحد منهم إلا بجوار أو مستخفياً، فدخل عثمان في جوار أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية، فأمن بذلك، ودخل أبو حذيفة بن عتبة بجوار أبيه، ودخل عثمان بن مظعون بجوار الوليد بن المغيرة(73).
                وفي (حلة الأولياء): مذاكرة ومشاجرة بين عمر وأسماء بنت عميس، وهي تدل على ما قلنا أو تؤيد ما ذكرناه وهي: ودخلت أسماء بنت عميس فقال لها عمر: هذه الحبشية البجرية؟ قالت أسماء: نعم، فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، نحن أحق برسول الله صلى الله عليه وآله، فغضبت وقالت كلمة: كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وآله يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار ـ أو أرض ـ البعداء والبغضاء في الحبشة... فنحن كنا نؤذى ونخاف(74)... وهذه العبارات كما ترى لا تساعد تكرر سفرها من مكة إلى الحبشة، والحال أن الأخبار والأحاديث تصرح بأن أسماء بنت عميس (رضي الله عنها) كانت في مواقف كثيرة مع أهل البيت، عند وفاة خديجة (عليها السلام)، وعند فاطمة (عليها السلام) ليلة زفافها، وعند ولادة الحسن والحسين (عليهما السلام) بل كانت قابلة لهما، مع أن ولادتهما (عليهما السلام) كانت في سنة أربع من الهجرة في عام الخندق.
                وفي (البحار ج43، ص238) عن علي بن الحسين عليهما السلام، عن أسماء بنت عميس قالت: قبلت جدتك فاطمة عليها السلام بالحسن والحسين عليهما السلام، فلما ولد الحسن عليه السلام جاء النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا أسماء… ـ إلى آخر الحديث، وقد تكرر فيه اسم أسماء بنت عميس. ولعل هذه الأحاديث كانت موجبة لقوا بعض فضلاء عصرنا وهو الفاضل المتتبع الدكتور السيد جعفر الشهيدي، فإنه بعد رد قول العلامة السيد كاظم القزويني يقول: يحتمل أن تكون هذه المرأة أسماء ذات النطاقين بنت أبي بكر زوجة زبير بن العوام(75). ويمكن أن يستدل في تأييد قول هذا المحقق بما جاء في (البحار ج43، ص243)، عن فاطمة بنت الحسين، عن أسماء بنت أبي بكر، عن صفية بنت عبد المطلب قالت: لما سقط الحسين عليه السلام من بطن أمه وكنت وليتها عليها السلام ـ الخ.
                وقال العلامة المجاهد السيد الأمين (ره): اشتباه أسماء بنت عميس بأسماء بنت يزيد ممكن، بأن يكون الراوي ذكر أسماء، فتبادر إلى الأذهان بنت عميس لأنها أعرف، لكن ينافي ذلك آخر الحديث وهو أنها حضرت وفاة خديجة، وأسماء بنت يزيد أنصارية من أهل المدينة لم تكن بمكة حتى تحضر وفاة خديجة، مع أنه مر ذكر جعفر بن أبي طالب زوج أسماء الذي كان يومئذ مهاجراً بالحبشة، فإذا كان رفع الاشتباه في أسماء فكيف رفع في جعفر؟(76)... نقول: وبالجملة الذي أميل إليه هو ما قاله العلامة الإربلي (ره) أنها سلمى بنت عميس الخثعمية وهي زوجة حمزة، وكانت أختها أشهر، فصارت منشأ الاشتباه، والله أعلم بحقائق الأمور.
                41 ـ (المناقب) لابن شهر آشوب، ج3، ص352ـ 353. والشريطة: ورقة مفتول يشترط به السرير. والخيش: نسيج خشن من الكتان. والإذخر: حشيش طيب الريح. والمخضب: وعاء لغسل الثياب أو خضبها، والقعب: القدح العظيم الغليظ. والشن: القربة الصغيرة. والزفت: نوع من القير.
                42 ـ (البحار) ج19، ص113.
                43 ـ راجع ص585
                44 ـ (سنن المصطفى) لابن ماجة ج2، ص538
                45 ـ (صفوة الصفوة) لابن الجوزي ج2، ص3.
                46 ـ (ذخائر العقبى) ص49.
                47 ـ (المناقب) لأحمد بن حنبل، مخطوط.
                48 ـ (السيرة النبوية) لزيني دحلان، المطبوع بهامش (السيرة النبوية) ج2، ص10. وراجع (إحقاق الحق) ج10، ص395 ـ400 والخمل: ما يكون كالزغب على وجه الطنفسة.
                49 ـ (البحار) ج43، ص94
                50 ـ (كشف الغمة) ج1، ص359.
                51 ـ الشيخ: كسر الشيء الأجوف. الحيس: تمر يدق ويعجن بالسمن عجناً شديداً حتى يندر النوى منه.
                52 ـ الرسل، محركة: القطيع من كل شيء، الجماعة، والجمع: أرسال.
                53 ـ (البحار) ج43، ص95 ـ96.
                54 ـ المصدر، ص115.
                55 ـ الوجبة: صوت الساقط
                56 ـ (أمالي الشيخ) ج1، ص263ـ 264، الجزء العاشر.
                57 ـ ثفر الدابة: ما يجعل تحت ذنبها.
                58 ـ (دلائل الإمامة) ص25
                59 ـ (تاريخ بغداد) ج5، ص7.
                60 ـ (البحار) ج43، ص115 ـ117.
                61 ـ الشكوة: وعاء من جلد للماء أو اللبن.
                62 ـ (دلائل الإمامة) ص24 ـ25.
                63 ـ (البحار) ج43، ص139 و132
                64 ـ (البحار) ج43، ص139 و132
                65 ـ آل عمران، 92.
                66 ـ (نزهة المجالس) للصفوري، ج2، ص226، كما في (إحقاق الحق) ج10، ص402
                67 ـ (كشف الغمة) ج1، ص366
                68 ـ (البحار) ج43، ص10، نقلاً عن (دلائل الإمامة) ص11.
                69 ـ (قاموس الرجال) ج10، ص382.
                70 ـ (الغدير) ج7، ص228.
                71 ـ (فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد) ص204.
                72 ـ المصدر، ج7، ص149.
                73 ـ المصدر، ج2، ص77.
                74 ـ المصدر، ج2، ص74
                75 ـ (حياة فاطمة الزهراء) ص69.
                76 ـ (أعيان الشيعة) ج1، ص314.

                تعليق


                • #9
                  كلمات الأعاظم حول أسماء التي حضرت ليلة الزفاف

                  عن أسماء بنت عميس: حضرت وفاة خديجة عليها السلام فبكت فقلت: أتبكين وأنت سيدة نساء العالمين وأنت زوجة النبي صلى الله عليه وآله ومبشرة على لسانه بالجنة؟ فقالت: ما لهذا بكيت ولكن المرأة ليلة زفافها فلا بد لها من امرأة تفضي إليها بسرها وتستعين بها على حوائجها، وفاطمة حديثة عهد بصبى وأخاف أن لا يكون لها من يتولى أمورها حينئذ، فقلت: يا سيدتي لك علي عهد أني إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الأمر. فلما كانت تلك الليلة وجاء النبي صلى الله عليه وآله أمر النساء فخرجن وبقيت، فلما أراد الخروج رأى سوادي، فقال: من أنت؟ فقلت: أنا أسماء بنت عميس، فقال: لم آمرك أن تخرجي؟ فقلت: بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي، وما قصدت خلافك، ولكني أعطيت خديجة رضي الله عنها عهداً، وحدثته، فبكى وقال: تالله لهذا وقفت؟ فقلت: نعم والله، فدعا لي. قال العلامة الإربلي في ذيل هذا الكلام: قد تظاهرت الروايات كما ترى أن أسماء بنت عميس حضرت زفاف فاطمة وفعلت، وأسماء كانت مهاجرة بأرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب عليه السلام ولم تعد هي ولا زوجها إلا يوم فتح خيبر، وذلك في سنة ست من الهجرة، ولم تشهد الزفاف لأنه كان في ذي الحجة من سنة اثنتين، والتي شهدت الزفاف سلمى بنت عميس أختها وهي زوجة حمزة بن عبد المطلب عليه السلام، ولعل الأخبار عنها، وكانت أسماء أشهر من أختها عند الرواة فرووا عنها، أو سها راو واحد فتبعوه(67). أقول: قد روى مثل تلك الرواية العلامة الكنجي الشافعي في (كفاية الطالب) في الباب 82، ص307 منه مع تغيير وتفاوت تركناها لتكرر مضامينها. ثم قال بعد نقل الرواية: وذكر أسماء في هذا الحديث ونسبتها إلى بنت عميس غير صحيح، وأسماء بنت عميس هي الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب، وهي التي تزوجها أبو بكر فولدت له محمداً بن أبي بكر، وذلك بذي الحليفة وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع، فلما مات أبو بكر تزوجها علي بن أبي طالب فولدت له. وما أرى نسبتها في هذا الحديث إلا غلطاً وقع من بعض الرواة، أو من بعض الوراقين، لأن أسماء التي حضرت في عرس فاطمة عليها السلام إنما هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاري، وأسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بأرض الحبشة، هاجر بها الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة وولدت لجعفر بن أبي طالب أولاده كلهم بأرض الحبشة. وبقي جعفر وزوجته أسماء بأرض الحبشة حتى هاجر النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة، وكانت وقعة بدر وأحد وخندق وغيرها من المغازي، إلى أن فتح الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وآله قرى خيبر في سنة سبع، وقدم المدينة وقد فتح الله عز وجل على يديه، وقدم يومئذ جعفر بامرأته وأهله، فقال النبي صلى الله عليه وآله: ما أدري بأيهما أسر؟ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟ وكان زواج فاطمة من علي عليهما السلام بعد وقعة بدر بأيام يسيرة، فصح بهذا أن أسماء المذكورة في هذا الحديث إنما هي أسماء بنت يزيد، ولها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله...

                  وفي هامش (البحار ج43، ص134): وكانت أسماء هذه مكناة بأم سلمة وكانت يقال لها: خطيبة النساء، فما روي في قصة زفافها عن أم سلمة فإنما هي أسماء بنت يزيد بن السكن بن رافع، لا أم سلمة التي زوجها النبي بعد ذلك الزفاف بسنة أو أكثر. أقول: ولعل أن يكون زواج رسول الله صلى الله عليه وآله مع أم سلمة في أوائل الهجرة قبل زواج فاطمة الزهراء عليها السلام مع أمير المؤمنين عليه السلام، فعلى هذا أن ما روي في قصة زفاف الزهراء عليها السلام هو عن أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله.
                  ويؤيد هذا ما ذكره العلامة المجلسي(رحمه الله) في مهاجرة فاطمة الزهراء مع أمير المؤمنين عليهما السلام ونساء المهاجرين: وخطب رسول الله صلى الله عليه وآله النساء وتزوج سودة أول دخوله المدينة، ونقل فاطمة إليها، ثم تزوج أم سلمة، فقالت أم سلمى: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وفوض أمر ابنته إلي، فكنت أؤدبها، وكانت والله أدأب مني وأعرف بالأشياء كلها(68).
                  قال العلامة التستري: وأما ما روت العامة في تزويج النبي صلى الله عليه وآله فاطمة من أمير المؤمنين عليه السلام: (أن أبا بكر وعمر خطبا إلى النبي صلى الله عليه وآله فردهما، فقالا لعبد الرحمن بن عوف: اخطب أنت لكثرة مالك، فرده النبي صلى الله عليه وآله أيضاً، فجاءا إلى علي (عليه السلام) فقالا له: لو خطبتها، فقال: لقد نبهتماني.
                  إلى أن قال: في الخبر: (فقالت أسماء: يا رسول الله خطب إليك ذوو الأنساب والأموال من قريش فلم تزوجهم وزوجتها من هذا الغلام؟ فقال لها: يا أسماء أما إنك ستزوجين بهذا الغلام وتلدين له غلاماً) فخبر موضوع، والشاهد لكونه موضوعاً أن أسماء بنت عميس كانت ذلك الوقت في الحبشة، وولدت لجعفر ثمة بنيه عبد الله وعوناً ومحمداً، وإنما قدم بها جعفر عام فتح خيبر سنة سبع، وتزوجه عليه السلام كان سنة اثنتين، كما أن خبراً آخر رووا في زفاف فاطمة عليها السلام وأن أسماء بنت عميس قالت: لم يزل النبي صلى الله عليه وآله يدعو لعلي وفاطمة عليهما السلام، إما موضوع وإما محرف بكون بنت عميس فيه زائدة، والمراد بأسماء فيه بنت يزيد بن السكن الأنصاري، كما قاله الكنجي الشافعي، كما أن ورودها في خبر ولادة الحسين عليه السلام كذلك(69).
                  نقول: كيف يساعد هذا ما أورده العلامة الأميني (ره) فقال: (ومن جراء تلك الموجدة منعت أن تدخلها يوم ذاك عائشة كريمة أبي بكر فضلاً عن أبيها، فجاءت تدخل فمنعتها أسماء فقالت: لا تدخلي. فشكت إلى أبي بكر وقالت: هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، فوقف أبو بكر على الباب وقال: يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبي صلى الله عليه وآله أن يدخلن على بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وقد صنعت لها هودج العروس؟ قالت: هي أمرتني أن لا يدخل عليها أحد، وأمرتني أن أصنع لها ذلك)(70)، فإنه لا يخفى عليك التصريح بالخثعمية.
                  وقال الفاضل المحقق السيد كاظم القزويني: والذي يقوى عندي أن الحل الصحيح والجواب المعقول: أن أسماء هذه هي أسماء بنت عميس الخثعمية زوجة جعفر بن أبي طالب، وأنها هاجرت مع زوجها إلى الحبشة، ولكنها رجعت إلى مكة وهاجرت إلى المدينة، ولعلها كررت سفرها إلى الحبشة، لأن المسافة من جدة إلى الحبشة هي مسافة عرض البحر الأحمر، وليس قطع هذه المسافة بالصعب المستصعب ذهاباً وإياباً وإن كان التاريخ لم يذكر ذلك لأسماء، فإن التاريخ أيضاً لم يذكر لأبي ذر الغفاري هجرة إلى الحبشة، وقد روي عن أبي ذر: كنت أنا وجعفر بن أبي طالب مهاجرين إلى الحبشة ـ الخ. وقد ظفرت برواية رواها المجلسي في العاشر من البحار في باب تزويج السيدة فاطمة عليها السلام عن كتاب مولد فاطمة، عن ابن بابويه: أمر النبي صلى الله عليه وآله بنات عبد المطلب ـ إلى أن يقول ـ والنبي (صلى الله عليه وآله) وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت يمشون خلفها ـ الخ. فالتصريح بوجود جعفر يحل هذه المشكلة(71).
                  نقول: لعل الذي ذهب إليه العلامة الكنجي الشافعي نشأ من تشابه الاسمين، لأن أسماء التي حضرت ليلة الزفاف هي التي حضرت عند وفاة سيدتنا خديجة سلام الله عليها، لأنك لاحظت قولها: (حضرت وفاة خديجة عليها السلام فبكت وقلت: أتبكين وأنت سيدة نساء العالمين)، والحال أن أسماء الأنصارية لم تكن في مكة. وأما ما ذهب إليه الفاضل المتتبع السيد كاظم القزويني وإن كان وجهاً لطيفاً ولكن لم يرد من أهل السير والتواريخ دليل واضح على تكرر سفر جعفر وزوجته من مكة إلى الحبشة، بل الدليل والشاهد على خلافه، فإنه ذكر في (أسد الغابة) في ترجمة سلمى بنت عميس الخثعمية: فإنه لا خلاف بين أهل السير أن جعفراً هاجر إلى الحبشة من مكة ومع امرأته أسماء، وأنها ولدت له أولاده بالحبشة، ولم يقدم على النبي صلى الله عليه وآله إلا وهو محاصر خيبر(72)... نعم جاء في (البحار ج43، ص115) كما أشار إليه الفاضل الألمعي: (والنبي صلى الله عليه وآله وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت يمشون خلفها) ولكن هل يكفي ذلك دليلاً لحل هذه المشكلة، مع أن المجلسي (ره) يقول في (البحار ج18، ص416) بعد كلام طويل: ورجع (عمرو) من الحبشة إلى قريش فأخبرهم أن جعفراً في أرض الحبشة في أكرم كرامة، فلم يزل بها حتى هادن رسول الله صلى الله عليه وآله قريشاً وصالحهم وفتح خيبر، وأتى بجميع من معه. ومن جهة أخرى: أن الذين يرجعون من حبشة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وآله وفتح خيبر أسماؤهم مضبوطة في الكتب والتواريخ، وليس فيهم جعفر ولا زوجته أسماء، فلاحظ ما جاء في (الكامل) لابن الأثير: واشتدت قريش على المسلمين، فلما قرب المسلمون الذين كانوا بالحبشة من مكة بلغهم أن إسلام أهل مكة باطل، فلم يدخل أحد منهم إلا بجوار أو مستخفياً، فدخل عثمان في جوار أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية، فأمن بذلك، ودخل أبو حذيفة بن عتبة بجوار أبيه، ودخل عثمان بن مظعون بجوار الوليد بن المغيرة(73).
                  وفي (حلة الأولياء): مذاكرة ومشاجرة بين عمر وأسماء بنت عميس، وهي تدل على ما قلنا أو تؤيد ما ذكرناه وهي: ودخلت أسماء بنت عميس فقال لها عمر: هذه الحبشية البجرية؟ قالت أسماء: نعم، فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، نحن أحق برسول الله صلى الله عليه وآله، فغضبت وقالت كلمة: كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وآله يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار ـ أو أرض ـ البعداء والبغضاء في الحبشة... فنحن كنا نؤذى ونخاف(74)... وهذه العبارات كما ترى لا تساعد تكرر سفرها من مكة إلى الحبشة، والحال أن الأخبار والأحاديث تصرح بأن أسماء بنت عميس (رضي الله عنها) كانت في مواقف كثيرة مع أهل البيت، عند وفاة خديجة (عليها السلام)، وعند فاطمة (عليها السلام) ليلة زفافها، وعند ولادة الحسن والحسين (عليهما السلام) بل كانت قابلة لهما، مع أن ولادتهما (عليهما السلام) كانت في سنة أربع من الهجرة في عام الخندق.
                  وفي (البحار ج43، ص238) عن علي بن الحسين عليهما السلام، عن أسماء بنت عميس قالت: قبلت جدتك فاطمة عليها السلام بالحسن والحسين عليهما السلام، فلما ولد الحسن عليه السلام جاء النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا أسماء… ـ إلى آخر الحديث، وقد تكرر فيه اسم أسماء بنت عميس. ولعل هذه الأحاديث كانت موجبة لقوا بعض فضلاء عصرنا وهو الفاضل المتتبع الدكتور السيد جعفر الشهيدي، فإنه بعد رد قول العلامة السيد كاظم القزويني يقول: يحتمل أن تكون هذه المرأة أسماء ذات النطاقين بنت أبي بكر زوجة زبير بن العوام(75). ويمكن أن يستدل في تأييد قول هذا المحقق بما جاء في (البحار ج43، ص243)، عن فاطمة بنت الحسين، عن أسماء بنت أبي بكر، عن صفية بنت عبد المطلب قالت: لما سقط الحسين عليه السلام من بطن أمه وكنت وليتها عليها السلام ـ الخ.
                  وقال العلامة المجاهد السيد الأمين (ره): اشتباه أسماء بنت عميس بأسماء بنت يزيد ممكن، بأن يكون الراوي ذكر أسماء، فتبادر إلى الأذهان بنت عميس لأنها أعرف، لكن ينافي ذلك آخر الحديث وهو أنها حضرت وفاة خديجة، وأسماء بنت يزيد أنصارية من أهل المدينة لم تكن بمكة حتى تحضر وفاة خديجة، مع أنه مر ذكر جعفر بن أبي طالب زوج أسماء الذي كان يومئذ مهاجراً بالحبشة، فإذا كان رفع الاشتباه في أسماء فكيف رفع في جعفر؟(76)... نقول: وبالجملة الذي أميل إليه هو ما قاله العلامة الإربلي (ره) أنها سلمى بنت عميس الخثعمية وهي زوجة حمزة، وكانت أختها أشهر، فصارت منشأ الاشتباه، والله أعلم بحقائق الأمور.
                  41 ـ (المناقب) لابن شهر آشوب، ج3، ص352ـ 353. والشريطة: ورقة مفتول يشترط به السرير. والخيش: نسيج خشن من الكتان. والإذخر: حشيش طيب الريح. والمخضب: وعاء لغسل الثياب أو خضبها، والقعب: القدح العظيم الغليظ. والشن: القربة الصغيرة. والزفت: نوع من القير.
                  42 ـ (البحار) ج19، ص113.
                  43 ـ راجع ص585
                  44 ـ (سنن المصطفى) لابن ماجة ج2، ص538
                  45 ـ (صفوة الصفوة) لابن الجوزي ج2، ص3.
                  46 ـ (ذخائر العقبى) ص49.
                  47 ـ (المناقب) لأحمد بن حنبل، مخطوط.
                  48 ـ (السيرة النبوية) لزيني دحلان، المطبوع بهامش (السيرة النبوية) ج2، ص10. وراجع (إحقاق الحق) ج10، ص395 ـ400 والخمل: ما يكون كالزغب على وجه الطنفسة.
                  49 ـ (البحار) ج43، ص94
                  50 ـ (كشف الغمة) ج1، ص359.
                  51 ـ الشيخ: كسر الشيء الأجوف. الحيس: تمر يدق ويعجن بالسمن عجناً شديداً حتى يندر النوى منه.
                  52 ـ الرسل، محركة: القطيع من كل شيء، الجماعة، والجمع: أرسال.
                  53 ـ (البحار) ج43، ص95 ـ96.
                  54 ـ المصدر، ص115.
                  55 ـ الوجبة: صوت الساقط
                  56 ـ (أمالي الشيخ) ج1، ص263ـ 264، الجزء العاشر.
                  57 ـ ثفر الدابة: ما يجعل تحت ذنبها.
                  58 ـ (دلائل الإمامة) ص25
                  59 ـ (تاريخ بغداد) ج5، ص7.
                  60 ـ (البحار) ج43، ص115 ـ117.
                  61 ـ الشكوة: وعاء من جلد للماء أو اللبن.
                  62 ـ (دلائل الإمامة) ص24 ـ25.
                  63 ـ (البحار) ج43، ص139 و132
                  64 ـ (البحار) ج43، ص139 و132
                  65 ـ آل عمران، 92.
                  66 ـ (نزهة المجالس) للصفوري، ج2، ص226، كما في (إحقاق الحق) ج10، ص402
                  67 ـ (كشف الغمة) ج1، ص366
                  68 ـ (البحار) ج43، ص10، نقلاً عن (دلائل الإمامة) ص11.
                  69 ـ (قاموس الرجال) ج10، ص382.
                  70 ـ (الغدير) ج7، ص228.
                  71 ـ (فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد) ص204.
                  72 ـ المصدر، ج7، ص149.
                  73 ـ المصدر، ج2، ص77.
                  74 ـ المصدر، ج2، ص74
                  75 ـ (حياة فاطمة الزهراء) ص69.
                  76 ـ (أعيان الشيعة) ج1، ص314.

                  تعليق


                  • #10

                    شـــجــر كــريم العــرق والأغصان

                    وأراد رب العـــرش أن يلــــقى بها
                    كـــان الكــفــى لـهـــا بــلا نـقصان

                    فـقـــضـــى فـــزوجــــها عــلياً إنـه
                    ولـــدان كـالـقـــــمــريـن يلتــــقيان

                    وقـضــى الإلـه مـن أن تـولد منهما
                    كـبـــد البـــتــول كـــذاك يعـتـــــلقان

                    سـبـطــا مـحــمــد الـرسول وفلـذتا
                    بعــد الـــرسـالة ذانـــك الـــولـــدان

                    فـبــنى الإمامـة والخلافـة والـهدى
                    في حديث: فأنزل الله: (مرج البحرين يلتقيان) يقول: أنا الله أرسلت البحرين: علي بن أبي طالب بحر العلم، وفاطمة بحر النبوة، (يلتقيان) يتصلان، أنا الله أوقعت الوصلة بينهما. ثم قال: (بينهما برزخ) مانع، رسول الله يمنع علي بن أبي طالب أن يحزن لأجل الدنيا، ويمنع فاطمة أن تخاصم بعلها لأجل الدنيا (فبأي آلاء ربكما) يا معشر الجن والإنس (تكذبان) بولاية أمير المؤمنين وحب فاطمة الزهراء، فـ (اللؤلؤ) الحسن (والمرجان) الحسين، لأن اللؤلؤ الكبار، والمرجان الصغار، ولا غرو أن يكونا بحرين لسعة فضلهما وكثرة خيرهما، فإن البحر سمي بحراً لسعته(1)... إن لها عليها السلام خمسة أولاد ذكوراً وإناثاً، وهم: الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، الإمام الحسين سيد الشهداء (عليه السلام)، زينب الكبرى، وزينب الصغرى المكناة بأم كلثوم عليهما السلام، والمحسن عليه السلام الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أسقط في حادث الهجوم على الدار. أما الحسنين عليهما السلام فأمرهما أشهر من أن يذكر، وقد كتب عنهما كتب عديدة قل من لم يكن عارفاً بحياتهما لا سيما كيفية شهادتهما عليهما السلام. وأما الزينبين عليهما السلام وإن كتب فيهما كتب متعددة ـ كما سنوعز إليه إن شاء الله تعالى ـ ولكن لقلة اشتهار أمرهما أحببت أن أتعرض لشيء من حياتهما وبعض ما يتعلق بشأنهما تكميلاً للفائدة، وإتماماً لهذه المائدة الإلهية. وبالله التوفيق.
                    سيدتنا زينب الكبرى (عليها السلام)

                    هي الثالثة من أولاد فاطمة عليها السلام، كانت ولادة هذه الميمونة الطاهرة في الخامس من شهر جمادى الأولى في السنة الخامسة أو السادسة للهجرة على ما حققه بعض الأفاضل، وقيل: في شعبان في السنة السادسة للهجرة، وقيل: في السنة الرابعة، وقيل: في أواخر شهر رمضان في السنة التاسعة للهجرة، وهذا القول باطل لا يمكن القول بصحته، لأن فاطمة عليها السلام توفيت بعد والدها في السنة العاشرة أو الحادية عشرة للهجرة ـ على اختلاف الروايات ـ فإذا كانت ولادة زينب في السنة التاسعة ـ وهي كبرى بناتها ـ فمتى كانت ولادة أم كلثوم؟ ومتى حملت بالمحسن وأسقطته لستة أشهر؟ لأن المدة الباقية من ولادة زينب على هذا القول إلى حين وفاة أمها غير كافية. والذي يترجح عندنا هو أن ولادة زينب كانت في الخامسة من الهجرة، وذلك حسب الترتيب الوارد في أولاد الزهراء عليها السلام، أضف إلى ذلك أن الخبر المروي في (البحار) عن (العلل) في باب معاشرة فاطمة مع علي عليهما السلام جاء فيه: (حملت الحسن على عاتقها الأيمن، والحسين على عاتقها الأيسر، وأخذت بيد أم كلثوم اليسرى بيدها اليمنى، ثم تحولت إلى حجرة أبيها صلى الله عليه وآله). وأم كلثوم هذه إن كانت هي زينب عليها السلام فذلك دليل على أنها كانت كبيرة. وإن كانت أختها فذاك دليل على أن أمها عليها السلام تركت زينب لتنوب منابها في الشؤون المنزلية، فهي كانت كبيرة إذن، وقد روى صاحب (ناسخ التواريخ) في كتابه: (إن زينب أقبلت عند وفاة أمها وهي تجر رداءها وتنادي: يا أبتاه، يا رسول الله، الآن عرفنا الحرمان من النظر إليك). وروى هذه الرواية صاحب (البحار) عن (الروضة) بهذا اللفظ: (وخرجت أم كلثوم وعليها برقعة تجر ذيلها متجلببة برداء عليها تسحبهما وهي تقول: يا أبتاه، يا رسول الله، الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده أبداً). وأم كلثوم هذه هي زينب عليها السلام من غير شك، كما صرح باسمها في رواية صاحب (الناسخ)، ولكونها أكبر بنات فاطمة عليها السلام، وهذا دليل واضح على أنها كانت عند وفاة أمها في السادسة أو السابعة من عمرها ولهذا الخبر نظائر ومؤيدات، منها ما نقله في (الطراز المذهب) عن (بحر المصائب) عن بعض الكتب: (لما دنت الوفاة من النبي صلى الله عليه وآله: رأى كل من أمير المؤمنين والزهراء عليهما السلام رؤيا تدل على وفاته صلى الله عليه وآله، فأخذا بالبكاء والنحيب، فجاءت زينب إلى جدها رسول الله صلى الله عليه وآله وقالت: يا جداه رأيت البارحة رؤيا أنها انبعثت ريح عاصفة سودت الدنيا وما فيها وأظلمتها، وحركتني من جانب إلى جانب، فرأيت شجرة عظيمة فتعلقت بها من شدة الريح فإذا بالريح قلعتها وألقتها على الأرض، ثم تعلقت على غصن قوي من أغصان تلك الشجرة فقطعتها أيضاً، فتعلقت بفرع آخر فكسرته أيضاً، فتعلقت على أحد الفرعين من فروعها فكسرته أيضاً، فاستيقظت من نومي. فبكى صلى الله عليه وآله وقال: الشجرة جدك، والفرع الأول أمك فاطمة، والثاني أبوك علي، والفرعان الآخران هما أخواك الحسنان، تسود الدنيا لفقدهم، وتلبسين لباس الحداد في رزيتهم)(2).

                    اسمها (عليها السلام)

                    لما ولدت زينب عليها السلام جاءت بها أمها الزهراء عليها السلام إلى أبيها أمير المؤمنين عليه السلام وقالت: سم هذه المولودة، فقال: ما كنت لأسبق رسول الله صلى الله عليه وآله ـ وكان في سفر له ـ ولما جاء صلى الله عليه وآله وسأله علي عليه السلام عن اسمها فقال: ما كنت لأسبق ربي تعالى، فهبط جبرائيل عليه السلام يقرئ على النبي السلام من الجليل وقال له: سم هذه المولودة زينب فقد اختار الله لها هذا الاسم. ثم أخبره بما يجري عليها من المصائب، فبكى النبي صلى الله عليه وآله وقال: من بكى على مصائب هذه البنت كان كمن بكى على أخويها الحسن والحسين. وتكنى بأم كلثوم كما تكنى بأم الحسن أيضاً، ولم نقف على حقيقته، ويقال لها: زينب الكبرى للفرق بينها وبين من سميت باسمها من أخواتها، وكنيت بكنيتها، كما أنها تلقبت بالصديقة الصغرى للفرق بينها وبين أمها الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام(3).

                    ألقابها عليها السلام

                    1 ـ عالمة غير معلمة.

                    2 ـ فهمة غير مفهمة.
                    3 ـ كعبة الرزايا.
                    4 ـ نائبة الزهراء.
                    5 ـ نائبة الحسين.
                    6 ـ مليكة الدنيا.
                    7 ـ عقيلة النساء.
                    8 ـ عديلة الخامس من أهل الكساء.
                    9 ـ شريكة الشهيد.
                    10 ـ كفيلة السجاد.
                    11 ـ ناموس رواق العظمة.
                    12 ـ سيدة العقائل.
                    13 ـ سر أبيها.
                    14 ـ سلالة الولاية.
                    15 ـ وليدة الفصاحة.
                    16 ـ شقيقة الحسن.
                    17 ـ عقيلة خدر الرسالة.
                    18 ـ رضيعة ثدي الولاية.
                    19 ـ البليغة.
                    20 ـ الفصيحة.
                    21 ـ الصديقة الصغرى.
                    22 ـ الموثقة.
                    23 ـ عقيلة الطالبيين.
                    24 ـ الفاضلة.
                    25 ـ الكاملة.
                    26 ـ عابدة آل علي.
                    27 ـ عقيلة الوحي.
                    28 ـ شمسة قلادة الجلالة.
                    29 ـ نجمة سماء النبالة.
                    30 ـ المعصومة الصغرى.
                    31 ـ قرينة النوائب.
                    32 ـ محبوبة المصطفى.
                    33 ـ قرة عين المرتضى.
                    34 ـ صابرة محتسبة.
                    35 ـ عقيلة النبوة.
                    36 ـ ربة خدر القدس.
                    37 ـ قبلة البرايا.
                    38 ـ رضيعة الوحي.
                    39 ـ باب حطة الخطايا.
                    40 ـ حفرة علي وفاطمة.
                    41 ـ ربيبة الفضل.
                    42 ـ بطلة كربلا.
                    43 ـ عظيمة بلواها.
                    44 ـ عقيلة قريش.
                    45 ـ الباكية.
                    46 ـ سليلة الزهراء.
                    47 ـ أمينة الله.
                    48 ـ آية من آيات الله.
                    49 ـ مظلومة وحيدة(4).
                    كلمات الأعلام في شأنها (عليها السلام)

                    1 ـ قال العلامة المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين (رحمه الله): فلم ير أكرم منها أخلاقاً، ولا أنبل فطرة، ولا أطيب عنصراً، ولا أخلص جوهراً، إلا أن يكون جدها واللذين أولداها، وكانت ممن لا يستفزها نزق، ولا يستخفها غضب، ولا يروع حلمها رائع، آية من آيات الله في ذكاء الفهم، وصفاء النفس، ولطافة الحس، وقوة الجنان، وثبات الفؤاد، في أروع صورة من صور الشجاعة والإباء والترفع(5).


                    2 ـ قال العلامة الشيخ جعفر النقدي: ولقد كانت نشأة هذه الطاهرة الكريمة وتربية تلك الدرة الثمينة (زينب عليها السلام) في حضن النبوة ودرجت في بيت الرسالة، رضعت لبان الوحي من ثدي الزهراء البتول، وغذيت بغذاء الكرامة من كف ابن عم الرسول، فنشأت نشأة قدسية، وربيت تربية روحانية، متجلببة جلابيب الجلال والعظمة، متردية رداء العفاف والحشمة، فالخمسة أصحاب العباء عليهم السلام هم الذين قاموا بتربيتها وتثقيفها وتهذيبها، وكفاك بهم مؤدبين معلمين(6).

                    3 ـ قال العلامة المجاهد السيد محسن الأمين (رحمه الله): كانت زينب عليها السلام من فضليات النساء، وفضلها أشهر من أن يذكر، وأبين من أن يسطر، وتعلم جلالة شأنها، وعلو مكانتها، وقوة حجتها، ورجاحة عقلها، وثبات جنانها، وفصاحة لسانها، وبلاغة مقالها كأنها تفرغ عن لسان أبيها أمير المؤمنين عليه السلام من خطبها بالكوفة والشام، وليس عجباً من زينب أن تكون كذلك وهي فرع من فروع الشجرة الطيبة النبوية، والأرومة الهاشمية، جدها الرسول، وأبوها الوصي، وأمها البتول، وأخواها لأمها وأبيها الحسنان، ولا بدع أن جاء الفرع على منهاج أصله(7)...

                    4 ـ قال العلامة المامقاني (رحمه الله): أقول: زينب، وما زينب! وما أدراك ما زينب! هي عقيلة بني هاشم، وقد حازت من الصفات الحميدة ما لم يحزها بعد أمها أحد، حتى حق أن يقال: هي الصديقة الصغرى، هي في الحجاب والعفاف فريدة لم ير شخصها أحد من الرجال في زمان أبيها وأخويها إلى يوم الطف، وهي في الصبر والثبات وقوة الإيمان والتقوى وحيدة، وفي الفصاحة والبلاغة كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام، كما لا يخفى على من أنعم النظر في خطبتها. ولو قلنا بعصمتها لم يكن لأحد أن ينكر إن كان عارفاً بأحوالها في الطف وما بعده، كيف ولولا ذلك لما حملها الحسين (عليه السلام) مقداراً من ثقل الإمامة أيام مرض السجاد عليه السلام، وما أوصى إليها بجملة من وصاياه، ولما أنابها السجاد نيابة خاصة في بيان الأحكام وجملة أخرى من آثار الولاية. ألا ترى ما رواه الصدوق في (إكمال الدين) والشيخ (رحمه الله) في كتاب (الغيبة) مسنداً عن أحمد بن إبراهيم قال: دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي أبي الحسن العسكري في سنة اثنتين وثمانين بعد المائتين، فكلمتها من وراء حجاب، وسألتها عن دينها، فسمت لي من تأتم به (أو بهم) ثم قالت: فلان ابن الحسن، فقلت لها: جعلني الله فداك معاينة أو خبراً؟ فقالت: خبراً عن أبي محمد عليه السلام كتب به إلى أمه. فقلت لها: فأين المولود؟ فقالت: مستور، فقلت: إلى من تفزع الشيعة؟
                    فقالت: إلى الجدة أم أبي محمد، فقلت لها: أقتدي بمن وصيته إلى المرأة؟ فقالت: اقتد بالحسين عليه السلام بن علي بن أبي طالب عليه السلام، إن الحسين بن علي أوصى إلى أخته زينب بنت علي بن أبي طالب في الظاهر، وكان ما يخرج عن علي بن الحسين من علم ينسب إلى زينب بنت علي تستراً على علي بن الحسين عليهما السلام(8)...

                    5 ـ قال العلامة ابن الأثير: وكانت زينب امرأة عاقلة لبيبة جزلة، زوجها أبوها علي رضي الله عنهما من عبد الله ابن أخيه جعفر، فولدت له علياً وعوناً الأكبر وعباساً ومحمداً وأم كلثوم، وكانت مع أخيها الحسين رضي الله عنه لما قتل، وحملت إلى دمشق، وحضرت عند يزيد بن معاوية، وكلامها ليزيد حين طلب الشامي أختها فاطمة بنت علي من يزيد مشهور مذكور في التواريخ، وهو يدل على عقل وقوة جنان(9)...

                    6 ـ قال الأستاذ محمد فريد وجدي: هي زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام، كانت من فضليات النساء وجليلات العقائل، كانت مع أخيها الحسين بن علي في وقعة كربلا(10).

                    7 ـ في (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الإصفهاني: زينب العقيلة بنت علي بن أبي طالب، وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، والعقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة عليها السلام في فدك، فقال: حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي. وفي (جنات الخلود) ما معناه: كانت زينب الكبرى في البلاغة والزهد والتدبير والشجاعة قرينة أبيها وأمها عليهما السلام، فإن انتظام أمور أهل البيت بل الهاشميين بعد شهادة الحسين عليه السلام كان برأيها وتدبيرها(11).

                    8 ـ قال العلامة أسد حيدر: ويرتفع صوت الفضيلة المنتصرة، فتظهر.
                    زينب ابنة علي في ميدان الجهاد بثبات قلب ورباط جأش، فتعلن هنا أهداف ثورة الحسين، وترجع الناس ببليغ بيانها إلى أيام الإمام علي، لأنها ببلاغتها كأنما تفرغ عن لسان أبيها أمير المؤمنين عليه السلام، كما وصفها شاهد الموقف. أنها لم تقف موقف المرأة التي استولى عليها التأثر والحزن العميق فيملك مشاعرها فتكون أسيرة حزن وحليفة ذهول ورهينة فجيعة لعظم المصاب وفداحة الرزء الذي أصابها. وإذا كان موقف زينب موقف جزع فمن يكفل لهذه العائلة سلامتها؟ ومن يرعى أطفالاً صغاراً لا كافل لهم سواها… فقد مثلت دور البطولة في جهادها، وثبتت أمام المكاره ثبوت الجبل أمام العواصف، إنها تحملت المصائب والنكبات طلباً لمرضاة الله، وجهاداً في سبيله، وإعلاءً لكلمته(12)...

                    9 ـ قال الحافظ جلال الدين السيوطي في رسالته (الزينبية): ولدت زينب في حياة جدها رسول الله صلى الله عليه وآله ـوكانت لبيبة جزلة عاقلة، لها قوة جنان ـ فإن الحسن ولد قبل وفاة جده بثمان سنين، والحسين بسبع سنين، وزينب الكبرى بخمس سنين.

                    10 ـ عن النيسابوري في رسالته العلوية: كانت زينب ابنة علي عليه السلام في فصاحتها وبلاغتها وزهدها وعبادتها كأبيها المرتضى وأمها الزهراء عليهما السلام.

                    11 ـ الفاضل الأديب حسن قاسم في كتابه السيدة (زينب): السيدة الطاهرة الزكية زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب ابن عم الرسول صلى الله عليه وآله وشقيقة ريحانتيه لها أشرف نسب، وأجل حسب، وأكمل نفس، وأطهر قلب، فكأنها صيغت في قالب ضمخ بعطر الفضائل، فالمستجلي آثارها يتمثل أمام عينيه رمز الحق، رمز الفضيلة، رمز الشجاعة، رمز المروءة وفصاحة اللسان، قوة الجنان، مثال الزهد والورع، مثال العفاف والشهامة، إن في ذلك لعبرة… (وقال أيضاً) فلئن كان في النساء شهيرات فالسيدة أولاهن، وإذا عدت الفضائل فضيلة فضيلة!… من وفاء وسخاء وصدق وصفاء وشجاعة وإباء وعلم وعبادة.
                    وعفة وزهادة فزينب أقوى مثال للفضيلة بكل مظاهرها(13).
                    عبادتها (عليها السلام)

                    أما زينب صلوات الله عليها فلقد كانت في عبادتها ثانية أمها الزهراء عليها السلام، وكانت تقضي عامة لياليها بالتهجد وتلاوة القرآن. قال بعض ذوي الفضل: إنها صلوات الله عليها ما تركت تهجدها لله تعالى طول دهرها حتى ليلة الحادي عشر من المحرم. قال: وروي عن زين العابدين عليه السلام أنه قال: رأيتها تلك الليلة تصلي من جلوس. وعن الفاضل القائيني البيرجندي، عن بعض المقاتل المعتبرة، عن مولانا السجاد عليه السلام أنه قال: إن عمتي زينب مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا إلى الشام ما تركت نوافلها الليلية. عن الفاضل المذكور: إن الحسين عليه السلام لما ودع أخته زينب عليها السلام وداعه الأخير قال لها: يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل. وهذا الخبر رواه هذا الفاضل عن بعض المقاتل المعتبرة أيضاً. وفي (مثير الأحزان) للعلامة الشيخ شريف الجواهري قدس سره: قالت فاطمة بنت الحسين عليه السلام: وأما عمتي زينب فإنها لم تزل قائمة في تلك الليلة (أي العاشرة من المحرم) في محرابها تستغيث إلى ربها، فما هدأت لنا عين، ولا سكنت لها رنة. وروى بعض المتتبعين عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنه قال: إن عمتي زينب كانت تؤدي صلواتها من قيام: الفرائض والنوافل عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام، وفي بعض المنازل كانت تصلي من جلوس، فسألتها عن سبب ذلك فقالت: أصلي من جلوس لشدة الجوع والضعف منذ ثلاث ليال، لأنها كانت تقسم ما يصيبها من الطعام على الأطفال، لأن القوم كانوا يدفعون لكل واحد منا رغيفاً واحداً من الخبز في اليوم والليلة.

                    نقول: فإذا تأمل المتأمل إلى ما كانت عليه هذه الطاهرة من العبادة لله تعالى والانقطاع إليه لم يشك في عصمتها صلوات الله عليها وأنها كانت من القانتات اللواتي وقفن حركاتهن وسكناتهن وأنفاسهن للباري تعالى، وبذلك حصلن على المنازل الرفيعة والدرجات العالية التي حكت برفعتها منازل المرسلين ودرجات الأوصياء عليهم الصلاة والسلام(14).
                    عفتها وحياؤها (عليها السلام)

                    وحدث يحيى المازني قال: كنت في جوار أمير المؤمنين عليه السلام في المدينة مدة مديدة، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصاً، ولا سمعت لها صوتاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدها رسول الله صلى الله عليه وآله تخرج ليلاً والحسن عن يمينها والحسين عن شمالها وأمير المؤمنين أمامها، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين عليه السلام فأخمد ضوء القناديل، فسأله الحسن مرة عن ذلك، فقال: أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب(15).

                    مجدها وعلو منزلتها (عليها السلام)

                    جاء في بعض الأخبار: إن الحسين عليه السلام كان إذا زارته زينب يقوم إجلالاً لها، وكان يجلسها في مكانه. ولعمري أن هذه منزلة عظيمة لزينب لدى أخيها الحسين عليه السلام، كما أنها كانت أمينة أبيها على الهدايا الإلهية، ففي حديث مقتل أمير المؤمنين عليه السلام الذي نقله المجلسي (رحمه الله) في تاسع (البحار): نادى الحسن أخته زينب أم كلثوم: هلمي بحنوط جدي رسول الله صلى الله عليه وآله، فبادرت زينب عليها السلام مسرعة حتى أتته به، فلما فتحته فاحت الدار وجميع الكوفة

                    وشوارعها لشدة رائحة ذلك الطيب(16). قال العلامة السيد جعفر آل بحر العلوم الطباطبائي في (تحفة العالم): زينب الكبرى زوجة عبد الله بن جعفر تكنى (أم الحسن)، ويكفي في جلالة قدرها ونبالة شأنها ما ورد في بعض الأخبار من أنها دخلت على الحسين عليه السلام وكان يقرأ القرآن، فوضع القرآن على الأرض وقام لها إجلالاً(17).
                    علمها ومعرفتها بالله تعالى

                    كفاك في فضلها ومعرفتها عليها السلام احتجاج الصادق عليه السلام بفعلها وعملها في حادثة الطف، كما في (الجواهر) في جواز شق الثوب على الأب والأخ وعدمه، عن الصادق عليه السلام: (ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي عليهما السلام، وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب). قال صاحب الجواهر (رحمه الله): إذ من المعلوم فيهن بناته وأخواته(18). قال العلامة الشيخ جعفر النقدي: أما زينب المتربية في مدينة العلم النبوي، المعتكفة بعده ببابها العلوي، المتغذية بلبانه من أمها الصديقة الطاهرة سلام الله عليها، وقد طوت عمراً من الدهر مع الإمامين السبطين يزقانها العلم زقاً، فهي من عباب علم آل محمد عليهم السلام وفضائلهم التي اعترف بها عدوهم الألد (يزيد الطاغية) بقوله في الإمام السجاد عليه السلام: (إنه من أهل بيت زقوا العلم زقاً)، وقد نص لها بهذه الكلمة ابن أخيها علي بن الحسين عليهما السلام: (أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة)، يريد أن مادة علمها من سنخ ما منح به رجالات بيتها الرفيع، أفيض عليها إلهاماً لا بتخرج على أستاذ وأخذ عن مشيخة، وإذن كان الحصول على تلك القوة الربانية بسبب تهذيبات جدها.

                    وأبيها وأمها وأخويها، أو لمحض انتمائها إليهم واتحادها معهم في الطينة المكهربين لذاتها القدسية، فأزيحت عنها بذلك الموانع المادية، وبقي مقتضى اللطف الفياض وحده… وعن الصدوق محمد بن بابويه طاب ثراه: كانت زينب عليها السلام لها نيابة خاصة عن الحسين عليه السلام، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى برئ زين العابدين عليه السلام من مرضه. وقال الطبرسي: إن زينب عليها السلام روت أخباراً كثيرة عن أمها الزهراء عليها السلام. وعن عماد المحدثين: إن زينب الكبرى كانت تروي عن أمها وأبيها وأخويها وعن أم سلمة وأم هاني وغيرهما من النساء، وممن روى عنها ابن عباس وعلي بن الحسين وعبد الله بن جعفر وفاطمة بنت الحسين الصغرى وغيرهم. وقال أبو الفرج: زينب العقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة صلى الله عليها في فدك، فقال: حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي عليه السلام. ويظهر من الفاضل الدربندي وغيره أنها كانت تعلم علم المنايا والبلايا كجملة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، منهم ميثم التمار ورشيد الهجري وغيرهما، بل جزم في أسراره أنها صلوات الله عليها أفضل من مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم وغيرهما من فضليات النساء. وذكر قدس سره عند كلام السجاد عليه السلام لها عليها السلام: (يا عمة أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة): أن هذا الكلام حجة على أن زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام كانت محدثة أي ملهمة، وأن علمها كان من العلوم اللدنية والآثار الباطنية. وقال العلامة الفاضل السيد نور الدين الجزائري في كتابه الفارسي المسمى بالخصائص الزينبية، ما ترجمته: عن بعض الكتب: إن زينب عليها السلام كان لها مجلس في بيتها أيام إقامة أبيها عليه السلام في الكوفة، وكانت تفسر القرآن للنساء. ففي بعض الأيام، كانت تفسر (كهيعص) إذ دخل أمير المؤمنين عليه السلام عليها فقال لها: يا نور عيني سمعتك تفسرين (كهيعص) للنساء؟ فقالت: نعم، فقال عليه السلام: هذا رمز لمصيبة تصيبكم عترة رسول الله صلى الله عليه وآله. ثم شرح عليه السلام لها المصائب، فبكت بكاءً عالياً صلوات الله عليها(19).
                    الهوامش
                    1 ـ (المناقب) لابن شهر آشوب، ج3، ص319.
                    2 ـ (زينب الكبرى) للنقدي، ص18 ـ19.
                    3 ـ (زينب الكبرى) للنقدي، ص16 ـ17.
                    4 - توجد هذه الألقاب الشريفة في (زينب الكبرى) للنقدي، و(خصائص الزينبية) للجزائري، وديوان آية الله الغروي الأصفهاني: (الأنوار القدسية) و(عقيلة الوحي) للسيد شرف الدين.
                    5 - (عقيلة الوحي) ص24.
                    6 - (زينب الكبرى) ص19.
                    7 - (أعيان الشيعة) ج33، ص191.
                    8 - (تنقيح المقال) ج3، ص79.
                    9 - (أسد الغابة) ج7، ص122، بتحقيق محمد إبراهيم البناء، محمد أحمد عاشور.
                    10 - (دائرة المعارف) ج4، ص795.
                    11 - (زينب الكبرى) للنقدي، ص27.
                    12 - (مع الحسين ونهضته) ص294.
                    13 - (زينب الكبرى) للنقدي، ص28 ـ29.
                    14 - (زينب الكبرى) للنقدي، ص62 ـ63.
                    15 - (زينب الكبرى) ص22.
                    16 - (زينب الكبرى) للنقدي ص22 و29.
                    17 - (زينب الكبرى) للنقدي ص22 و29.
                    18 - (جواهر الكلام) ج4، ص307.
                    19 - (زينب الكبرى) ص34 ـ36

                    تعليق


                    • #11
                      قرآن وسنة
                      السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)


                      في القرآن
                      سورة آل عمران

                      (ذُرية بعضها من بعضٍ واللهُ سميعٌ عليمٌ) / 34

                      الإمام زين العابدين (عليه السلام) قال في حديث: إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أهدى إلى ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) خادمة وأوصاها بها... إلى أن قال: فقالت فاطمة: يا رسول الله، عليّ يوم وعليها يوم.
                      ففاضت عينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالبكاء، وقال: (الله أعلم حيث يجعل رساته).

                      (إن الله يرزقُ من يشاءُ بغير حسابٍ) / 37
                      روى العلامة السيوطي، في تفسير هذه الآية، قال: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أقام أيّاماً لم يطعم طعاماً حتى شقّ ذلك عليه، فطاف في منازل أزواجه، فلم يجد عند واحدة منهنّ شيئاً، فأتى فاطمة، فقال: يا بنية، هل عندك شيء آكله فإنّي جائع. فقالت: لا والله. فلما خرج من عندها، بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وقالت: والله لأوثرنّ بهذا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعاً محتاجين إلى شبعة طعام.
                      فبعثت حسناً أو حسيناً إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فرجع إليها. فقالت له: بأبي أنت وأمي، قد أتى الله تعالى بشيء قد خبأته لك.
                      قال: هلمّي يا بنية بالجفنة. فكشف عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً، فلمّا نظرت إليها بهتت وعرفت أنها بركة من الله تعالى، فحمدت الله تعالى وقدّمته إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
                      قال: من أين لك هذا يا بنية؟
                      قالت: يا أبتا (يا أبة) هو من عند الله، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب.
                      فحمد الله سبحانه ثم قال: الحمد لله الذي جعلك شبيه سيّدة نساء بني إسرائيل، فإنها كانت إذا رزقها الله تعالى رزقاً، فسئلت عنه قالت: هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب(1).

                      سورة الأنعام

                      (اللهُ أعلمُ حيثُ يجعلُ رسالتهُ) / 124

                      جاء في كتاب (تزويج فاطمة بنت الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للإمام الباقر (عليه السلام) في حديث طويل جاء فيه:
                      أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أهدى خادمة إلى ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) وأوصاها بها، إلى أن قال:
                      فقالت فاطمة: يا رسول الله، عليّ يوم، وعليها يوم.
                      ففاضت عينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالبكاء وقال: (الله أعلم حيث يجعل رسالة) (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم)(2).

                      سورة الإسراء

                      (واتِ ذا القُربى حقّهُ) / 26

                      روى العلامة البحراني عن الثعلبي ـ في تفسيره ـ في تفسير هذه الآية قال: عني بذلك قرابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
                      وقال: ثم قال الثعلبي: قال علي بن الحسين (رضي الله عنه) لرجل من أهل الشام: أقرأت القرآن؟ قال: نعم. قال: فما قرأت في بني إسرائيل (وآت ذا القربى حقّه)؟ قال: وإنكم القرابة التي أمر الله تعالى أن يؤتى حقه؟ قال: نعم(3).
                      وروى الحافظ الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا أبو سعد السعدي (بإسناده المذكور) عن أبي سعيد الخدري قال: لمّا نزلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (وآت ذا القربى حقّه) دعا فاطمة فأعطاها فدكاً والعوالي، وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): هذا قسم قسمه الله لك ولعقبك(4).
                      قال ياقوت الحموي في (معجمه): فدك، وهي قرية تبعد عن المدينة مسافة يومين أو ثلاثة أرضها زراعية خصبة فيها عين فوارة ونخيل كثيرة(5).

                      سورة المؤمنون

                      (فإذا نُفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون) / 101

                      روى العلامة المناوي في (فيض القدير) عن عمر بن الخطاب عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي(6).
                      وروى الحافظ الحسكاني الحنفي قال: أخبرنا عقيل بن الحسين (بإسناده المذكور) عن عطاء، عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): كل حسب ونسب يوم القيامة منقطع إلاّ حسبي ونسبي إن شئتم اقرأوا: (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون)(7).
                      فالسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي سيّدة الحسب والنسب المتصلين برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فهي طليعة المستثنين من هذه الآية الكريمة.

                      سورة الروم

                      (فآتِ ذا القُربى حقّهُ) / 38

                      روى الحاكم الحسكاني الحنفي عن ابن عباس قال: لمّا أنزل الله: (فآت ذا القربى حقّه) دعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فاطمة وأعطاها فدكاً لصلة القرابة(8).

                      سورة الكوثر

                      (إنّا أعطيناك الكوثر) / 1

                      أخرج أصحاب العديد من التفاسير نزول هذه السورة بشأن فاطمة الزهراء بنت الرسول (سلام الله عليه وعليها) وإليك عدداً منهم:
                      منهم: البيضاوي في تفسيره، عند تفسير كلمة (الكوثر) قال: (وقيل أولاده)(9).
                      ومنهم: الفخر الرازي، في تفسيره الكبير، قال: (الكوثر أولاده (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأن هذه السورة إنما نزلت ردّاً على من عابه (عليه السلام) بعدم الأولاد، فالمعنى: أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان، فانظركم قتل من أهل البيت ثم العالم ممتلئ منهم، ولم يبق من بني أميّة في الدنيا أحد يعبأ به)(10).
                      ومنهم: شيخ زاده في حاشيته على تفسير البيضاوي عند تفسير سورة الكوثر: (إنّ المفسرين ذكروا في تفسير الكوثر أقوالاً كثيرة منها: أنّ المراد بالكوثر: أولاده (عليه الصلاة والسلام)، ويدل عليه أن هذه السورة نزلت ردّاً على من قال في حقّه (عليه الصلاة والسلام): أنّه أبتر ليس له من يقوم مقامه)(11).
                      ومنهم: شهاب الدين في حاشيته على تفسير البيضاوي(12).
                      ومنهم عثمان بن حسن المشتهر بـ(كوسة زادة) في كتاب له في تفسير بعض آيات من القرآن أسماه بـ(المجالس)(13).
                      ومنهم: العلامة أبو بكر الحضرمي في كتابه (القول الفصل)(14).
                      ومنهم: غير هؤلاء...

                      الهوامش
                      1 ـ الدرّ المنثور 2: 20.
                      2 ـ كتاب تزويج فاطمة بنت الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ص58.
                      3 ـ غاية المرام: 323.
                      4 ـ شواهد التنزيل 1: 340 ـ 341.
                      5 ـ معجم البلدان: مادة (فدك).
                      6 ـ فضائل الخمسة: ج2.
                      7 ـ شواهد التنزيل 1: 407.
                      8 ـ شواهد التنزيل 1: 443.
                      9 ـ أنوار التنزيل وأسرار التأويل (مخطوط): ص1156.
                      10 ـ التفسير الكبير: ج30، تفسير سورة الكوثر.
                      11 ـ ج9، ص341.
                      12 ـ حاشية الشهاب المسمّاة بـ(عناية القاضي): ص403.
                      13 ـ المجالس لكوسة زادة: 222.
                      14 ـ القول الفصل: 457.

                      تعليق


                      • #12
                        قرآن وسنة
                        السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)


                        في السنة

                        لآلي منثورة وفرائد منشورة

                        عن الله تبارك وتعالى: يا أحمد! لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما(1)

                        (كشف اللآلي لصالح بن عبد الوهاب بن العرندس)
                        قال العالم السديد السيد ميرجهاني في كتابه (الجنة العاصمة) ص148: وفدت على العالم الجليل والمحقق الكبير الشيخ محمد السماوي صاحب كتاب (إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام) بمكتبته واستجزته في السير الإجمالي في المكتبة ففي الأثناء رأيت نسخة خطية ثمينة لكتاب (كشف اللآلي) لصالح بن عبد الوهاب بن العرندس، وحينما تصفحت الكتاب صادفت فيه الحديث المذكور بهذا السند: الشيخ إبراهيم بن الحسن الذراق، عن الشيخ علي بن هلال الجزائري، عن الشيخ أحمد بن فهد الحلي، عن الشيخ زين الدين علي بن الحسن الخازن الحائري، عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن مكي الشهيد بطرقه المتصلة إلى أبي جعفر محمد بن علي بن موسى بن باويه القمي بطريقه إلى جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، عن الله تبارك وتعالى إنه قال… أقول: وأورده أيضاً العلامة المرندي في (ملتقى البحرين) ص14. ويأتي في فصل كناها عليها السلام في معنى (أم أبيها) شرح لهذا الحديث الشريف، فليراجع.
                        عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ولو كان الحسن شخصاً لكان فاطمة، بل هي أعظم، إن فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً.

                        (فرائد السمطين، ج2، ص68)
                        عن علي عليه السلام: دخلت يوماً منزلي فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس والحسن عن يمينه، والحسين عن يساره، وفاطمة بين يديه، وهو يقول: يا حسن ويا حسين، أنتما كفتا الميزان، وفاطمة لسانه، ولا تعدل الكفتان إلا باللسان، ولا يقوم اللسان إلا على الكفتين... أنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة.

                        (كشف الغمة، ج1، ص506)
                        عن فاطمة الزهراء سلام الله عليها: … اعلم يا أبا الحسن أن الله تعالى خلق نوري وكان يسبح الله ـجل جلالهـ ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت، فلما دخل أبي الجنة أوحى الله إليه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وأدرها في لهواتك، ففعل، فأودعني الله سبحانه صلب أبي صلى الله عليه وآله، ثم أودعني خديجة بنت خويلد، فوضعتني، وأنا من ذلك النور، أعلم ما كان وما يكون وما لم يكن. يا أبا الحسن المؤمن ينظر بنور الله تعالى.

                        (عوالم العلوم والمعارف، ج6، ص7)
                        عن الحسن بن علي عليهما السلام: رأيت أمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني! الجار ثم الدار.

                        (البحار، ج43، ص81)
                        عن الحسين بن علي عليهما السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فاطمة بهجة قلبي، وابناها ثمرة فؤادي، وبعلها نور بصري، والأئمة من ولدها أمناء ربي، وحبله الممدود بينه وبين خلقه، من اعتصم به نجا، ومن تخلف عنه هوى.

                        (فرائد السمطين، ج2، ص66)
                        عن علي بن الحسين عليهما السلام: ولم يولد لرسول الله صلى الله عليه وآله من خديجة عليها السلام على فطرة الإسلام إلا فاطمة عليها السلام.

                        (روضة الكافي، الرقم 536)
                        عن أبي جعفر، عن آبائه عليهم السلام: إنما سميت فاطمة بنت محمد (الطاهرة) لطهارتها من كل دنس، وطهارتها من كل رفث، وما رأت قط يوماً حمرة ولا نفاساً.

                        (البحار، ج43، ص19)
                        عن أبي عبد الله عليه السلام: حرم الله النساء على علي ما دامت فاطمة حية، لأنها طاهرة لا تحيض.

                        (المناقب، لابن شهر آشوب، ج3 ص33)
                        عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين... أو فاطمة من النساء، عليهم السلام.

                        (سفينة البحار، ج1، ص662)
                        عن الرضا عليه السلام: قال النبي صلى الله عليه وآله: لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرائيل عليه السلام فأدخلني الجنة، فناولني من رطبها، فأكلته، فتحول
                        ذلك نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة حوراء إنسية. فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة.

                        (عوالم العلوم والمعارف، ج6، ص10)
                        عن أبي جعفر الثاني جواد الأئمة عليهم السلام: عن موسى بن القاسم قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: قد أردت أن أطوف عنك وعن أبيك، فقيل لي: إن الأوصياء لا يطاف عنهم. فقال لي: بل طف ما أمكنك فإن ذلك جائز. ثم قلت له بعد ذلك بثلاث سنين: إني كنت استأذنتك في الطواف عنك وعن أبيك فأذنت لي في ذلك، فطفت عنكما ما شاء الله، ثم وقع في قلبي شيء فعملت به، قال: وما هو؟ قلت: طفت يوماً عن رسول الله صلى الله عليه وآله ـفقال ثلاث مرات: صلى الله على رسول اللهـ ثم اليوم الثاني عن أمير المؤمنين، ثم طفت اليوم الثالث عن الحسن، والرابع عن الحسين، والخامس عن علي بن الحسين، والسادس عن أبي جعفر محمد بن علي، واليوم السابع عن جعفر بن محمد، واليوم الثامن عن أبيك موسى، واليوم التاسع عن أبيك علي، واليوم العاشر عنك يا سيدي، وهؤلاء الذين أدين الله بولايتهم. فقال: إذن والله تدين الله بالدين الذي لا يقبل من العباد غيره. قلت: وربما طفت عن أمك فاطمة وربما لم أطف، فقال: استكثر من هذا فإنه أفضل ما أنت عامله إن شاء الله.

                        (البحار، ج50، ص101)
                        عن أبي الحسن الثالث عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:إنما سميت ابنتي (فاطمة)، لأن الله عز وجل فطمها وفطم من أحبها من النار.

                        (عوالم العلوم والمعارف، ج6، ص30)
                        عن أبي محمد العسكري عليه السلام: (عن أبي هاشم العسكري: سألت صاحب العسكر عليه السلام: لم سميت فاطمة بالزهراء عليها السلام؟ فقال: كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين عليه السلام من أول النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشمس كالكوكب الدري.

                        (عوالم العلوم، ج6، ص33)
                        عن مولانا المهدي، أرواحنا له الفداء: ولولا ما عندنا من محبة صلاحكم ورحمتكم والإشفاق عليكم لكنا عن مخاطبتكم في شغل، مما قد امتحنا من منازعة الظالم العتل الضال المتابع في غيه، المضاد لربه، المدعي ما ليس له، الجاحد حق من افترض الله طاعته، الظالم الغاصب(2). وفي ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله لي أسوة حسنة، وسيردي الجاهل رداءة عمله، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار.

                        (البحار، ج53، ص179ـ180)
                        ولنعم ما قيل:
                        زيـتـــونــة عــم الــورى بــركاتها

                        مشـــكاة نـــور الله جـــل جـــلالــه
                        لمـــا تــنـزلـت أكثـــرت كــثـراتها

                        هـي قـطب دائــرة الـوجـود ونقطة
                        هي عنصر التوحيد في عرصاتها

                        هـي أحمد الثانـي و أحمد عصرها
                        الهوامش
                        1 ـ قال العالم السديد السيد ميرجهاني في كتابه (الجنة العاصمة) ص148: وفدت على العالم الجليل والمحقق الكبير الشيخ محمد السماوي صاحب كتاب (إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام) بمكتبته واستجزته في السير الإجمالي في المكتبة ففي الأثناء رأيت نسخة خطية ثمينة لكتاب (كشف اللآلي) لصالح بن عبد الوهاب بن العرندس، وحينما تصفحت الكتاب صادفت فيه الحديث المذكور بهذا المسند: الشيخ إبراهيم بن الحسن الذراق، عن الشيخ علي بن هلال الجزائري، عن الشيخ أحمد بن فهد الحلي، عن الشيخ زين الدين علي بن الحسن الخازن الحائري، عن أبي عبد الله محمد بن مكي الشهيد بطرقه المتصلة إلى أبي جعفر محمد بن علي بن موسى بن بابويه القمي بطريقه إلى جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عن الله تبارك وتعالى إنه قال... أقول: وأورده أيضا العلامة المرندي في (ملتقى البحرين) ص14. ويأتي في فصل كناها عليها السلام في معنى (أم أبيها) شرح لهذا الحديث الشريف، فليراجع.
                        2 ـ الظاهر أن المراد جعفر الكذاب.

                        تعليق


                        • #13
                          سيرتها (صلوات الله عليها) مع النبي (صلى الله عليه وآله)

                          دلائل الإمامة
                          وأخبرني القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد الطبري، قال: أخبرنا أبو الحسين زيد بن محمد بن جعفر الكوفي قراءة عليه، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحكم الحبري قراءة عليه، قال: أخبرنا إسماعيل بن صبيح، قال: حدثنا يحيى بن مساور، عن عليّ بن خزور، عن القاسم بن أبي سعيد الخدري.
                          رفع الحديث إلى فاطمة (عليها السلام)، قالت: أتيت النبي (صلى الله عليه وآله)، فقلت: السلام عليك يا أبة.
                          فقال: وعليك السلام يا بنيّة.
                          فقلت: والله ما أصبح يا نبيّ الله، في بيت عليّ حبّة طعام، ولا دخل بين شفتيه طعام منذ خمس، ولا أصبحت له ثاغية(1) ولا راغية(2)، وما أصبح في بيته سُفّة(3) ولا هفّة(4).

                          فقال: ادخلي يدك بين ظهري وثوبي، فإذا حجر بين كتفي النبي (صلى الله عليه وآله) مربوط بعمامته إلى صدره، فصاحت فاطمة صيحة شديدة، فقال لها: ما أوقدتْ في بيوت آل محمد نار منذ شهر، ثمّ قال (صلى الله عليه وآله): أتدرين ما منزلة عليّ؟!
                          كفاني أمري وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وضرب بين يديّ بالسيف وهو ابن ستّ عشر سنة، وقتل الأبطال وهو ابن تسع عشرة سنة، وفرّج همومي وهو ابن عشرين سنة.
                          ورفع باب خيبر وهو ابن نيف وعشرين، وكان لا يرفعه خمسون رجلاً، فأشرق لون فاطمة (عليها السلام)، ولن تقرّ قدميها مكانها حتى أتت علياً، فإذا البيت قد أنار بنور وجهها.
                          فقال لها علي (عليه السلام): يا ابنة محمد (صلى الله عليه وآله)! لقد خرجت من عندي ووجهك على غير هذه الحال، فقالت: إنّ النبي حدثني بفضلك فما تمالكت حتى جئتك.
                          فقال لها: كيف لو حدّثك بكلّ فضلي؟(5).


                          صحيح مسلم
                          (بإسناده) عن عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، أنّه سمع سهل بن سعد يسأل عن جرح رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم أحد؟
                          فقال: جرح وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكسرت رباعيّته(6)، وهشمت البيضة(7) على رأسه.
                          فكانت فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تغسل الدم.
                          وكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يسكب عليها بالمجن(8).

                          فلمّا رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلاّ كثرة، أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً، ثم ألصقته بالجرح، فاستمسك الدم(9)،(10).

                          تنبيه الخواطر
                          عن أنس قال: جاءت فاطمة (عليها السلام) بكسرة خبز لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ما هذه الكسرة؟ قالت: قرص خبزته، ولم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة.
                          فقال: أما إنّه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام(11).


                          مناقب ابن شهر آشوب: أخبار فاطمة
                          عن أبي الصولي، قال عبد الله بن الحسن: دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على فاطمة، فقدّمت إليه كسرة يابسة من خبز شعير فأفطر عليها، ثمّ قال: يا بنيّة، هذا أول خبز أكل أبوك منذ ثلاثة أيام.
                          فجعلت فاطمة تبكي، ورسول الله يمسح وجهها بيده(12).


                          صحيفة الرضا (عليه السلام)
                          (بإسناده) قال علي (عليه السلام): كنّا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حفر الخندق إذ جاءت فاطمة (عليها السلام) ومعها كسيرة من خبز فدفعتها إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله): ما هذه الكسيرة؟
                          قالت: قرص شعير خبزته للحسن والحسين، جئتك منه بهذه الكسيرة.
                          فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): يا فاطمة! أما إنّه أوّل طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام(13).


                          مكارم الأخلاق
                          عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا أراد السفر سلم على من أراد التسليم عليه من أهله، ثمّ يكون آخر من يسلم عليه فاطمة، فيكون وجهه إلى سفره من بيتها، وإذا رجع بدأ بها.
                          فسافر مرّة، وقد أصاب عليّ (عليه السلام) شيئاً من الغنيمة، فدفعه إلى فاطمة فخرج، فأخذت سوارين من فضة، وعلقت على بابها ستراً.
                          فلما قدم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) دخل المسجد، فتوجّه نحو بيت فاطمة (عليها السلام) كما كان يصنع، فقامت فرحة إلى أبيها صبابةً(14) وشوقاً إليه، فنظر، فإذا في يدها سواران من فضّة، وإذا على بابها ستر، فقعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث ينظر إليها.

                          فبكت فاطمة وحزنت وقالت: ما صنع هذا بي قبلها.
                          فدعت ابنيها، ونزعت الستر من بابها، وخلعت السوارين من يديها، ثمّ دفعت السوارين إلى أحدهما والستر إلى الآخر.
                          ثم قالت لهما: انطلقا إلى أبي فاقرآه السلام وقولا له:
                          ما أحدثنا بعدك غير هذا فشأنك به، فجاءاه فأبلغاه ذلك عن أمّهما.
                          فقبّلهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتزمهما، وأقعد كلّ واحد منهما على فخذه.
                          ثم أمر بذينك السوارين فكسّرا، فجعلهما قطعاً.
                          ثم دعا أهل الصفة - وهم قوم من المهاجرين لم يكن لهم منازل ولا أموال - فقسّمه بينهم قطعاً، ثم جعل يدعو الرجل منهم العاري الذي لا يستتر بشيء، وكان ذلك الستر طويلاً، ليس له عرض، فجعل يؤزر الرجل، فإذا التقيا عليه قطعه، حتى قسّمه بينهم أزراً، ثم أمر النساء لا يرفعن رؤوسهنّ من الركوع والسجود حتى يرفع الرجال رؤوسهم، وذلك أنهم كانوا من صغر إزارهم إذا ركعوا وسجدوا بدت عورتهم من خلفهم.
                          ثم جرت به السنة أن لا يرفع النساء رؤوسهنّ من الركوع والسجود حتى يرفع الرجال.
                          ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رحم الله فاطمة، ليكسونّها الله بهذا الستر من كسوة الجنة، وليحلّينّها بهذين السوارين من حلية الجنة.

                          بشارة المصطفى
                          بالإسناد إلى أبي علي الحسن بن محمد الطوسي، عن محمد بن الحسين المعروف بابن الصقّال، عن محمد بن معقل العجلي، عن محمد بن أبي الصهبان، عن ابن فضال، عن حمزة بن حمران.
                          عن الصادق، عن أبيه (عليه السلام)، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال:
                          صلى بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة العصر فلمّا انفتل جلس في قبلته والناس حوله؛ فبينا هم كذلك إذ أقبل إليه شيخ من مهاجرة العرب عليه سمل(15) قد تهلّل وأخلق، وهو لا يكاد يتمالك كبراً وضعفاً، فأقبل عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستحثّه الخبر(16)، فقال الشيخ:

                          يا نبي الله! أنا جائع الكبد فأطعمني، وعاري الجسد فاكسني، وفقير فأرشني(17).
                          فقال (صلى الله عليه وآله): ما أجد لك شيئاً، ولكنّ الدال على الخير كفاعله.
                          انطلق إلى منزل من يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، يؤثر الله على نفسه، انطلق إلى حجرة فاطمة، وكان بيتها ملاصق بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه.
                          وقال: يا بلال، قم فقف به على منزل فاطمة.
                          فانطلق الأعرابي مع بلال، فلما وقف على باب فاطمة (عليها السلام) نادى بأعلى صوته:
                          السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، ومختلف الملائكة، ومهبط جبرئيل الروح الأمين بالتنزيل، من عند ربّ العالمين.
                          فقالت فاطمة: وعليك السلام، فمن أنت يا هذا؟!
                          قال: شيخ من العرب، أقبلت على أبيك سيّد البشر مهاجراً من شقّة، وأنا يا بنت محمد عاري الجسد، جائع الكبد، فواسيني يرحمك الله.
                          وكان لفاطمة وعلي في تلك الحال ورسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاثاً ما طعموا فيها طعاماً، وقد علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك من شأنهما.
                          فعمدت فاطمة إلى جلد كبش مدبوغ بالقرظ(18) كان ينام عليه الحسن والحسين.

                          فقالت: خذ هذا أيّها الطارق فعسى الله أن يرتاح لك(19) ما هو خير منه؛
                          قال الأعرابي: يا بنت محمد! شكوت إليك الجوع فناولتني جلد كبش؟! ما أنا صانع به مع ما أجد من السغب(20).
                          قال: فعمدت - لما سمعت هذا من قوله - إلى عقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمّها حمزة بن عبد المطلب، فقطعته من عنقها ونبذته إلى الأعرابي؛
                          فقالت: خذه، وبعه فعسى الله أن يعوّضك به ما هو خير منه.
                          فأخذ الأعرابي العقد وانطلق إلى مسجد رسول الله والنبي (صلّى الله عليه وآله) جالس في أصحابه.
                          فقال: يا رسول الله، أعطتني فاطمة بنت محمد هذا العقد، وقالت: بعه فعسى الله أن يصنع لك. قال: فبكى النبي (صلّى الله عليه وآله) وقال:
                          وكيف لا يصنع الله لك وقد أعطتكه فاطمة بنت محمد سيدة بنات آدم.
                          فقام عمار بن ياسر (رحمة الله عليه) فقال: يا رسول الله، أتأذن لي بشراء هذا العقد؟
                          قال: اشتره يا عمّار؛ فلو اشترك فيه الثقلان ما عذّبهم الله بالنار.
                          فقال عمار: بكم العقد يا أعرابي؟ قال: بشبعة من الخبز واللحم، وبردة يمانيّة أستر بها عورتي وأصلّي فيها لربي، ودينار يبلغني إلى أهلي.
                          وكان عمّار قد باع سهمه الذي نفله رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من خيبر ولم يبق منه شيئاً فقال:
                          لك عشرون دنياراً، ومائتا درهم هجرية، وبردة يمانية، وراحلتي تبلغك أهلك، وشبعك من خبز البر واللحم.
                          فقال الأعرابي: ما أسخاك بالمال أيّها الرجل، وانطلق به عمار فوفّاه ما ضمن له.
                          وعاد الأعرابي إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أشبعت واكتسيت؟
                          قال الأعرابي: نعم، واستغنيت بأبي أنت وأمي، قال: فاجز فاطمة بصنيعها.
                          فقال الأعرابي: اللهم إنّك إله ما استحدثناك، ولا إله لنا نعبده سواك، وأنت رازقنا على كلّ الجهات، اللهم أعط فاطمة ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت.
                          فأمن النبي (صلّى الله عليه وآله) على دعائه، وأقبل على أصحابه فقال:
                          إن الله قد أعطى فاطمة في الدنيا ذلك: أنا أبوها وما أحد من العالمين مثلي، وعلي بعلها ولو لا علي ما كان لفاطمة كفؤ أبداً، وأعطاها الحسن والحسين.
                          وما للعالمين مثلهما سيدا شباب أسباط الأنبياء، وسيدا شباب أهل الجنة.
                          وكان بإزائه مقداد وعمار وسلمان، فقال: وأزيدكم؟ قالوا: نعم يا رسول الله.
                          قال: أتاني الروح - يعني جبرائيل (عليه السلام) - وقال:
                          إنها إذا هي قبضت ودفنت يسألها الملكان في قبرها: من ربّك؟ فتقول: الله ربي؛ فيقولان: فمن نبيّك؟ فتقول: أبي؛
                          فيقولا: فمن وليّك؟ فتقول: هذا القائم على شفير قبري علي بن أبي طالب (عليه السلام).
                          ألا وأزيدكم من فضلها: إنّ الله قد وكل بها رعيلاً(21) من الملائكة يحفظونها من بين يديها ومن خلفها، وعن يمينها، وعن شمالها.

                          وهم معها في حياتها، وعند قبرها، يكثرون الصلاة عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها.
                          فمن زارني بعد وفاتي، فكأنّما زارني في حياتي.
                          ومن زار فاطمة، فكأنّما زارني.
                          ومن زار عليّ بن طالب، فكأنّما زار فاطمة.
                          ومن زار الحسن والحسين، فكأنّما زار علياً.
                          ومن زار ذرّيتهما، فكأنّما زارهما.
                          فعمد عمّار إلى العقد، فطيّبه بالمسك، ولفّه في بردة يمانيّة، وكان له عبد اسمه:
                          (سهم) ابتاعه من ذلك السهم الذي أصابه بخيبر، فدفع العقد إلى المملوك، وقال له: خذ هذا العقد فادفعه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنت له؛
                          فأخذ المملوك العقد فأتى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخبره بقول عمار (رضي الله عنه).
                          فقال النبي (صلى الله عليه وآله): انطلق إلى فاطمة فادفع إليها العقد، وأنت لها.
                          فجاء المملوك بالعقد، وأخبرها بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأخذت فاطمة (عليها السلام) العقد وأعتقت المملوك، فضحك الغلام.
                          فقالت: ما يضحكك يا غلام؟ فقال: أضحكني عظم بركة هذا العقد: أشبع جائعاً، وكسى عرياناً، وأغنى فقيراً، وأعتق عبداً، ورجع إلى ربّه(22).


                          المناقب لابن شهر آشوب
                          القاضي أبو محمد الكرخي في (كتابه)، عن الصادق (عليه السلام): قالت فاطمة (عليها السلام): لما نزلت: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً)(23) هبت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن أقول له: يا أبة، فكنت أقول:
                          يا رسول الله! فأعرض عني مرة، أو اثنتين، أو ثلاثاً، ثم أقبل عليّ فقال:
                          يا فاطمة! إنها لم تنزل فيك، ولا في أهلك، ولا في نسلك، أنت مني وأنا منك، إنما نزلت في أهل الجفاء والغلظة من قريش أصحاب البذخ والكبر.
                          قولي: يا أبة، فإنها أحيى للقلب، وأرضى للرب. ثم قبل النبي (صلّى الله عليه وآله) جبهتي، ومسحني بريقه، فما احتجت إلى طيب بعده.

                          الخرائج والجرائح
                          روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يأتي مراضع فاطمة فيتفل في أفواههم، ويقول لفاطمة: لا ترضعيهم(24).

                          شرح نهج البلاغة
                          قال الواقدي: وخرجت فاطمة (عليها السلام) في نساء، وقد رأت الذي بوجه أبيها (صلى الله عليه وآله)، فاعتنقته، وجعلت تمسح الدم عن وجهه؛ ورسول الله (صلى الله عليه وآله)، يقول:
                          اشتدّ غضب الله على قوم دمّوا وجه رسوله.
                          وذهب علي (عليه السلام) فأتى بماء من المهراس، وقال لفاطمة: أمسكي هذا السيف غير ذميم. قال أيضاً: فلما أحضر علي (عليه السلام) الماء أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يشرب منه، فلم يستطع، وقد كان عطشاً، ووجد ريحاً من الماء كرهها.
                          فقال: هذا ماء آجن، فتمضمض منه للدم الذي كان بفيه ثمّ مجّه.
                          وغسلت فاطمة به الدم عن أبيها (صلى الله عليه وآله)، فخرج محمد بن مسلمة يطلب مع النساء، وكنّ أربع عشرة امرأة، قد جئن من المدينة يتلقّين الناس، منهنّ فاطمة (عليها السلام)، يحملن الطعام والشراب على ظهورهنّ، ويستقين الجرحى ويداوينهم(25).


                          كتاب أبان بن عثمان
                          إنه لما انتهت فاطمة (عليها السلام) وصفيّة إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ونظرتا إليه، قال: لعلي (عليه السلام): أما عمّتي فاحبسها عنّي، وأما فاطمة فدعها.
                          فلما دنت فاطمة (عليها السلام) من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ورأته قد شُجّ في وجهه، وأدمي فوه إدماءً، صاحت، وجعلت تمسح الدم، وتقول: اشتدّ غضب الله على من أدمى وجه رسول الله.
                          وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يتناول في يده ما يسيل من الدم فيرميه في الهواء، فلا يتراجع منه شيء.
                          قال الصادق (عليه السلام): - والله - لو سقط منه شيء على الأرض، لنزل العذاب(26).


                          قرب الإسناد
                          ومن ذلك: أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال:
                          دخلت السوق فابتعت لحماً بدرهم، وذرّة بدرهم، وأتيت فاطمة (عليها السلام) حتى إذا فرغت من الخبز والطبخ، قالت: لو دعوت أبي.
                          فأتيته وهو مضطجع وهو يقول: أعوذ بالله من الجوع(27).

                          سيدات نساء أهل الجنة: ودفاعها عن أبيها

                          لما بعث الله محمداً (صلى الله عليه وآله) بشيراً ونذيراً، شهدت زوجته خديجة بنت خويلد وبناتها زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة: أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

                          ولما اشتدّت عداوة قريش للنبي (صلى الله عليه وآله) كانت فاطمة تدافع عنه ما يلقى من كيد وأذى المشركين وسفهاء قريش.
                          فذات يوم جلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع بعض أصحابه: عبد الله بن مسعود، وصهيب بن سنان الرومي، وعمار بن ياسر، في المسجد وهو يصلي وقد نحر جزور وبقي فرثه - روثه في كرشه -.
                          فقال عمرو بن هشام: ألا تنظرون إلى هذا المرائي أيّكم يقوم إلى جزور بني فلان فيعمد إلى فرثها ودمها فيجيء به ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه.
                          فقام عقبة بن أبي معيط - وكان أشقى القوم - وجاء بذلك الفرث فألقاه على النبي (صلى الله عليه وآله) وهو ساجد، فضحك سادات قريش وجعلوا يميلون بعضهم على بعض من شدّة الضحك، وخشي أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يلقوا الفرث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فانسلّ صهيب الرومي إلى بيت النبي (صلى الله عليه وآله) وأخبر فاطمة (عليها السلام) بذلك، وظلّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ساجداً حتى أقبلت فاطمة فطرحت الفرث عن أبيها، ثم أقبلت على أشراف قريش تشتمهم.
                          فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو قائم يصلي وقال:
                          اللهم اشدد وطأتك - عقابك الشديد - على مضر سنين كسني يوسف، اللهم عليك بأبي الحكم - عمرو بن هشام - وعتبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف، وشيبة بن ربيعة.
                          فلما سمع سادات قريش صوت النبي (صلى الله عليه وآله)، ذهب منهم الضحك، وهابوا دعوته. وقتل عمرو بن هشام، وعتبة، وعقبة، وأمية، وشيبة، يوم بدر(28).

                          الهوامش
                          1 - الثغاء: صوت الشاة.
                          2 - الرغاء: صوت الناقة.
                          3 - السفّة: ما ينسج من الخوص كالزنبيل.
                          4 - الهفّة: السحاب لا ماء فيه.
                          5 - عنه مسند فاطمة: 148 ح 64.
                          6 - الرباعية: السن التي بين الثنيّة والناب (قاموس المحيط: 3/27).
                          7 - هشمت البيضة: انكسرت الخوذة (لسان العرب: 12/611).
                          8 - المجنّ: الترس (لسان العرب: 13/400).
                          9 - استمسك الدم: أي انقطع.
                          10 - 3/1416 ح 101. وفي ح 102، عن سهل بن سعد وهو يسأل عن جرح رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: أمَ والله! إني لأعرفُ من كان يغسل جرح رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن كان يسكب الماء، وبماذا دوي جرحه. ثم ذكر نحوه، وفي صحيح البخاري: 5/130، وسنن البيهقي: 9/31 (مثله).
                          11 - 1/102، الرسالة القشيرية: 72، وأخلاق النبي: 298، والمعجم الكبير: 41 (مخطوط)، وإتحاف السادة المتقين: 7/391، ومجمع الزوائد: 10/312 (مثله).
                          12 - 3/113.
                          13 - 237 ح 141، بكامل تخريجاته.
                          14 - الصبابة: الولع الشديد.
                          15 - السمل - بالتحريك -: الثوب الخلق، قوله: قد تهلّل أي الرجل من قولهم تهلّل وجهه إذا استنار وظهر فيه آثار السرور، أو الثوب كناية عن انخراقه.
                          16 - يستحثّه الخبر: أي يسأله الخبر ويحثّه ويرغّبه على ذكر أحواله.
                          17 - أرشني، قال الجزري: يقع الرياش على الخصب والمعاش والمال المستفاد، ومنه حديث عائشة: ويريش مملقها أي يكسوه ويعينه، وأصله من الريش كأنّ الفقير المملق لا نهوض به كالمقصوص الجناح، يقال: راشه يريشه: إذا أحسن إليه.
                          18 - القرظ: ورق السلم يدبغ به.
                          19 - يقال: ارتاح الله لفلان: أي رحمه.
                          20 - السغب: الجوع.
                          21 - قال الجزري: يقال للقطعة من الفرسان: رعلة، ولجماعة الخيل: رعيل، ومنه حديث علي (عليه السلام): سراعاً إلى أمره رعيلاً، أي ركاباً على الخيل.
                          22 - 137، عنه البحار: 43/56 ح 50.
                          23 - سورة النور: 63.
                          24 - 94 ح 155، عنه البحار: ج18: 30 ح 17 وج 43/250 ح 25.
                          25 - 15/ 35، عنه غاية المرام: 573 ح 10.
                          26 - عنه البحار: 20/95، ومسند فاطمة (عليها السلام) للتويسركاني: 205 ح 94.
                          27 - 325، عنه البحار: 17/232. ورواه في الخرائج: 1/108 ح 179 (مثله)، عنه البحار: 18/30.
                          28 - ص 100، إحقاق الحق: 25/289.

                          تعليق


                          • #14
                            سيرتها (صلوات الله عليها) مع علي (عليه السلام)

                            مناقب الخوارزمي

                            (بإسناده) عن أبي سعيد الخدري، قال:
                            انقضّ عليّ وفاطمة (عليها السلام): فقالت له فاطمة (عليها السلام): ليس في الرحل شيء، فخرج عليّ يبتغي الرزق، فوجد ديناراً، فعرّفه حتى سئم، ولم يجد له طالباً، ولم يصب عليّ شيئاً، قال: إلا أنّي وجدت ديناراً، فعرّفته حتى سئمت ولم أجد له باغياً.
                            فقالت: هل لك في خير، هل لك أن تستقرضه، فنتعشّى به وإذا جاء صاحبه، فله عوضه، وإنّما هو دينار مكان دينار؟ فقال علي (عليه السلام):
                            أفعل. فأخذ الدينار، وأخذ وعاءً، ثم خرج إلى السوق، فإذا رجل عنده طعام يبيعه.
                            فقال علي (عليه السلام): كيف تبيعني من طعامك هذا؟
                            قال: كذا وكذا بدينار، فناوله علي (عليه السلام) الدينار، ثمّ فتح وعاءه، فكال له حتى إذا فرغ ضمّ عليّ (عليه السلام) وعاءه، وذهب ليقوم، ردّ عليه الدينار، وقال: لتأخذنّه - والله -.
                            فأخذه ورجع إلى فاطمة، فحدّثها حديثه.
                            فقالت فاطمة (عليها السلام): هذا رجل عرف حقّنا وقرابتنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
                            فأكلوه حتى أنفذوه، ولم يصيبوا ميسرة.
                            فقالت له فاطمة (عليها السلام): هل لك في خير تستقرضه حتى نتعشّى به - مثل قولها الأول -.
                            قال: أفعل. فخرج إلى السوق، فإذا صاحبه، فقال له عليّ (عليه السلام): مثل قوله الأول، وفعل الرجل مثل فعله الأول، فرجع، فأخبر فاطمة (عليها السلام)، فدعت له مثل دعائها، وأكلوا حتى أنفذوا.
                            فلما كان الثالثة قالت له فاطمة: إن ردّ عليك الدينار، فلا تقبله.
                            فذهب علي (عليه السلام)، فوجده، فلما كال له ذهب يردّه عليه.
                            فقال له علي (عليه السلام): - والله - لا آخذه، فسكت عنه.
                            قال أبو هارون: فقمت فانصرفت من عنده فمررت برجل من الأنصار له صحبته، يطيّن بيته، فسلّمت عليه فردّ علي السلام وساءلته وساءلني، ثمّ قال: ما حدّثكم اليوم أبو سعيد؟
                            فقلت: حدّثنا بكذا وكذا، وحدّثنا حديث الدينار. فقال لي الأنصاري:
                            حدّثكم من كان الذي اشترى منه عليّ؟ قلت: لا أعلم، قال: كتمكم أبو سعيد: قلت: ومن كان البائع؟
                            قال: لما ذهب عليّ (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال له:
                            يا علي، تخبرني أو أخبرك؟ قال: أخبرني يا رسول الله.
                            قال: صاحب الطعام جبرئيل (عليه السلام) - والله - لولا تحلف لوجدته ما دام الدينار في يدك(29).


                            مسند فاطمة (عليها السلام)
                            عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه دخل يوماً على فاطمة (عليها السلام)، فوجد الحسن والحسين (عليه السلام) بين يديها يبكيان، فقال: ما لهما يبكيان؟
                            فقالت: يريدان ما يأكلان، ولا شيء عندنا في البيت.
                            قال: فلو أرسلت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله). قالت: نعم، فأرسلت إليه تقول: يا رسول الله! ابناك يبكيان ولم نجد لهما شيئاً، فإن كان عندك شيء فأبلغناه.
                            فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في البيت، فلم يجد شيئاً غير تمر، فدفعه إلى رسولها، فلم يقع منهما [كذا] فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) يبتغي أن يأخذ سلفاً أو شيئاً بوجهه من أحد، فكلّما أراد أن يكلّم أحداً احتشم، فانصرف، فبينا هو يسير إذ وجد ديناراً، فأتى به فاطمة (عليها السلام)، فأخبرها بالخبر.
                            فقالت: لو رهنته لنا اليوم في طعام، فإن جاء طالبه رجونا أن نجد فكاكه إن شاء الله.
                            فخرج به (عليه السلام)، فاشترى دقيقاً ثم دفع الدينار رهناً بثمنه، فأبى صاحب الدقيق عليه أن يأخذ رهناً، وقال: متى تيسّر ثمنه، فجئ به، وأقسم أن لا يأخذه رهناً.
                            ثم مرّ بلحم فاشترى منه بدرهم، ودفع الدينار إلى القصاب رهناً، فامتنع أيضاً عليه وحلف أن لا يأخذه، فأقبل إلى فاطمة (عليها السلام) باللحم والدقيق، وقال: عجّليه، فإني أخاف أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما بعث بابنيه بالتمر وعنده طعام اليوم، فعجّلته وأتى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فجاء به فإنهم ليأكلون، إذ سمعوا غلاماً ينشد بالله وبالإسلام من وجد ديناراً.
                            فأخبر عليّ (عليه السلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالخبر، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالغلام، فسأله؟ فقال: أرسلني أهلي بدينار أشتري لهم به طعاماً، فسقط منّي، ووصفه، فردّهُ رسول الله (صلى الله عليه وآله)(30).


                            علل الشرائع
                            القطان، عن السكري، عن الحكم بن أسلم، عن ابن عليّة عن الحريري، عن أبي الورد بن ثمامة، عن علي (عليه السلام):
                            أنّه قال لرجل من بني سعد: ألا أحدّثك عنّي وعن فاطمة؟
                            أنّها كانت عندي وكانت من أحبّ أهله إليه.
                            وأنّها استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت(31) يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد.

                            فقلت لها: لو أتيت أباك فسألته خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل.
                            فأتت النبي (صلى الله عليه وآله) فوجدت عنده حُدّاثاً(32) فاستحت فانصرفت.

                            قال: فعلم النبي (صلّى الله عليه وآله) أنّها جاءت لحاجة.
                            قال: فغدا علينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
                            وقال السلام عليكم.
                            فقلت: وعليك السلام يا رسول الله، أدخل.
                            فقال: يا فاطمة، ما كانت حاجتك أمس عند محمّد؟
                            قال: فخشيت إن لم نجبه أن يقوم، فقلت:
                            أنا - والله - أخبرك يا رسول الله، إنها استقت بالقربة حتى أثّرت في صدرها، وجرّت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها(33).

                            فقلت لها: لو أتيت أباك فسألته خادماً، يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل.
                            فقال: أفلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، وأحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبّرا أربعاً وثلاثين.
                            قال: فقالت (عليها السلام):
                            رضيت عن الله ورسوله، رضيت عن الله ورسوله، رضيت عن الله ورسوله(34).


                            كنز العمال
                            من طريق أبي نعيم في (انتفاء الوحشة): (بإسناده) عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنّه قال لفاطمة (عليها السلام):
                            اذهبي إلى أبيك فسليه، يعطك خادماً يقيك الرحى وحر التنّور.
                            فأتته فسألته، فقال: إذا جاء سبي فأتينا.
                            فجاء سبي من ناحية البحرين، فلم يزل الناس يطلبون ويسألونه إيّاه، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) معطاءً لا يُسألُ شيئاً إلاّ أعطاه، حتى إذا لم يبق شيء، أتته تطلب.
                            فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): جاءنا سبي فطلبه الناس.
                            ولكن أعلّمك ما هو خيرٌ لك من خادم! إذا أويت إلى فراشك فقولي:
                            اللهم ربّ السماوات السبع، وربّ العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، وفالق الحبّ والنوى، إنّي أعوذ بك من شرّ كلّ شيء أنت آخذ بناصيته.
                            أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، اقض عنّا الدين، وأغننا من الفقر.
                            فانصرفت فاطمة (عليها السلام) راضيةً بذلك من الجارية.
                            قال علي (عليه السلام): فما تركتها منذ علّمني رسول الله (صلى الله عليه وآله).
                            قيل: ولا ليلة صفّين؟! قال: ولا ليلة صفّين(35).


                            شرح النهج
                            قال: وقد روي عنه (عليه السلام): أنّ فاطمة (عليها السلام) حرّضته يوماً على النهوض والوثوب، فسمع صوت المؤذّن (أشهد أنّ محمداً رسول الله) فقال لها:
                            أيسرّك زوال هذا النداء من الأرض؟ قالت: لا، قال: فإنه ما أقول لك(36).


                            ذخائر العقبى
                            روي من طريق ابن البختري، عن علي (عليه السلام)، قال:
                            كانت فاطمة بنت أسد تكفيه عمل خارج.
                            وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) تكفيه عمل البيت(37).


                            قرب الإسناد
                            السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن أبي عبد الله، عن أبيه (عليه السلام) قال: تقاضى علي وفاطمة (عليها السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخدمة.
                            فقضى على فاطمة بخدمة ما دون الباب، وقضى على عليّ بما خلفه.
                            قال: فقالت فاطمة (عليها السلام): فلا يعلم ما داخلني من السرور إلاّ الله بإكفائي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما تحمّل رقاب الرجال(38)،(39).


                            الكافي
                            عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان، عن زيد بن الحسن قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)، يقول:
                            كان علي (عليه السلام) أشبه الناس طعمة، وسيرة برسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وكان يأكل الخبز والزيت، ويطعم الناس الخبز واللحم.
                            قال: وكان عليّ (عليه السلام) يستقي ويحتطب.
                            وكانت فاطمة (عليها السلام) تطحن وتعجن وتخبز وترقع، وكانت من أحسن الناس وجهاً، كأن وجنتيها وردتان (صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وولدها الطاهرين)(40).


                            شرح النهج
                            قال: روى أبو جعفر الإسكافي أيضاً: أن النبي (صلى الله عليه وآله) دخل على فاطمة (عليها السلام)، فوجد علياً (عليه السلام) نائماً، فذهبت تنبّهه، فقال (صلى الله عليه وآله):
                            دعيه فربّ سهر له بعدي طويل، وربّ جفوة لأهل بيتي من أجله شديدة، فبكت.
                            فقال (صلى الله عليه وآله): لا تبكي، فإنّكما معي، وفي موقف الكرامة عندي(41).


                            دعائم الإسلام
                            عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كانت فاطمة (صلوات الله عليها) تزور قبر حمزة وتقوم عليه، وكانت في كلّ سنة تأتي قبور الشهداء مع نسوة معها فيدعون ويستغفرون(42).

                            سنن البيهقي
                            (بإسناده) عن سليمان بن داود، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه:
                            أنّ فاطمة بنت النبيّ (صلى الله عليه وآله) كانت تزور قبر عمّها حمزة كلّ جمعة، فتصلي وتبكي عنده(43).


                            التهذيب
                            محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن محسن بن أحمد، عن محمد بن حباب، عن يونس، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
                            إن فاطمة (عليها السلام) كانت تأتي قبور الشهداء في كلّ غداة سبت.
                            فتأتي قبر حمزة وتترحّم عليه، وتستغفر له(44).


                            شرح نهج البلاغة
                            عن الواقدي أنّه قال:
                            وروي أنّ صفيّة لما جاءت، حالت الأنصار بينها وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: دعوها.
                            فجلست عنده، فجعلت إذا بكت يبكي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإذا نشجت ينشج رسول الله (صلى الله عليه وآله). وجعلت فاطمة (عليها السلام) تبكي، فلمّا بكت، بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: لن أُصاب بمثل حمزة أبداً، ثم قال (صلى الله عليه وآله) لصفيّة وفاطمة: أبشرا أتاني جبرئيل (عليه السلام) فأخبرني، أنّ حمزة مكتوب في أهل السماوات السبع: حمزة بن عبد المطلب أسد الله، وأسد رسوله(45).


                            بيت الأحزان
                            ... تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين: الاثنين والخميس، وفي رواية أخرى: كانت تصلي هناك وتدعو، حتى ماتت.
                            يقول الشيخ صالح الحلي (رضي الله عنه):
                            ومــــــــحمد ملقى بلا تكفين

                            الواثبين لظلم آل بيت محمد
                            في طول نوح دائم وحنين(46)

                            والقائلـــــــــين لفاطم آذيتنا

                            اعلموا أنّي فاطمة: ويقول أحد الشعراء:
                            تبكـــــــي أبــــــاها ليلها ونهارها

                            منعوا البتول عن النياحة مذ غدت
                            أنّى وقد سلب المصاب قرارها(47)

                            قالوا لها قـــــرّي فـــــــــــقد آذيتنا

                            شجرة طوبى
                            لقد كان لمصرع حمزة أثر بالغ في نفس النبي (صلى الله عليه وآله)، فقد هدّت المصيبة قواه، وجلس على جسده عمّه حمزة وعيناه تذرفان الدموع.
                            وحين سمع النساء يندبن القتلى، والشهداء، باستثناء عمّه حمزة حيث لم يكن عنده بواكي عليه فاضت عيناه بالدموع، وقال: لكن عمّي حمزة، لا بواكي له.
                            فلمّا سمعها سعد بن معاذ قال: لا تبكينّ امرأة حميمها حتى تأتي فاطمة، فتسعدها في البكاء على حمزة، فاجتمعن النساء عند فاطمة، وهنّ يسعدنها في البكاء على حمزة(48).

                            سيرتها (عليها السلام) في اتخاذ الطعام لأهل المصيبة

                            المحاسن

                            عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما قتل جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) أن تتّخذ طعاماً لأسماء بنت عميس ثلاثة أيام، وتأتيها وتسلّيها ثلاثة أيام.
                            منه: عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لمّا قتل جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) أن تأتي أسماء بنت عميس هي ونساؤها، وتقيم عندها ثلاثاً، وتصنع لها طعاماً ثلاثة أيام(49).

                            سيرتها (عليها السلام) في أمر المؤمنات بوظائفهن

                            الكافي

                            علي (بن إبراهيم)، عن أبيه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قضاء الحائض الصلاة ثم تقضي الصوم؟
                            قال: ليس عليها أن تقضي الصلاة، وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان.
                            ثم أقبل عليَّ وقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأمر بذلك فاطمة (عليها السلام)، وكانت تأمر بذلك المؤمنات(50).

                            سيرتها (عليها السلام) في امتثال أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)

                            التفسير المنسوب للعسكري (عليه السلام):

                            قال الحسن أبو محمد الإمام (عليه السلام)...: ألا أُنبئّكم ببعض أخبارنا؟ قالوا: بلى يا بن أمير المؤمنين.
                            قال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا بنى مسجده بالمدينة وأشرع فيه بابه، وأشرع المهاجرون والأنصار أبوابهم أراد الله عز وجل إبانة محمد وآله الأفضلين بالفضيلة، فنزل جبرائيل (عليه السلام) عن الله تعالى بأن سدّوا الأبواب عن مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل أن ينزل بكم العذاب.
                            فأول من بعث إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمره بسدّ الأبواب: العباس بن عبد المطلب.
                            فقال: سمعاً وطاعة لله ولرسوله، وكان الرسول معاذ بن جبل.
                            ثم مر العباس بفاطمة (عليها السلام) فرآها قاعدة على بابها، وقد أقعدت الحسن والحسين (عليه السلام) فقال لها: ما بالك قاعدة؟ انظروا إليها كأنّها لبوة بين يديها جرواها(51) تظنّ أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يخرج عمه، ويدخل ابن عمه.

                            فمرّ بهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال لها: ما بالك قاعدة؟
                            قالت: انتظر أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بسدّ الأبواب، فقال: لها: إن الله تعالى أمرهم بسدّ الأبواب، واستثنى منهم رسوله وإنّما أنتم نفس رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(52).

                            سيرتها (عليها السلام) مع الحسنين (صلوات الله عليهما)

                            الكافي

                            عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
                            إن فاطمة (صلى الله عليها) كانت تمضغ للحسن ثمّ للحسين (صلوات الله عليهما)، وهي صائمة في شهر رمضان(53).


                            مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي
                            وروي في المراسيل:
                            إن الحسن والحسين (عليهما السلام) كانا يكتبان، فقال الحسن للحسين (عليهما السلام): خطي أحسن من خطك، فقال الحسين: بل خطّي أحسن.
                            فقالا لأُمّهما فاطمة (عليها السلام): أحكمي بيننا من أحسن منّا خطّاً.
                            فكرهت فاطمة (عليها السلام) أن تؤذي أحدهما بتفضيل خطّ أحدهما على الآخر، فقالت لهما:
                            سلا أباكما علياً، فسألاه فكره أن يؤذي أحدهما، فقال (عليه السلام): سلا جدّكما، فسألاه، فقال (صلّى الله عليه وآله): لا أحكم بينكما حتى أسأل جبرئيل.
                            فلمّا جاء جبرئيل قال: لا أحكم بينهما، ولكن إسرافيل يحكم.
                            فقال إسرافيل: لا أحكم بينهما ولكن أسأل الله تعالى أن يحكم بينهما.
                            فقال الله تعالى: لا أحكم بينهما، ولكن أمّهما فاطمة تحكم بينهما.
                            فقالت فاطمة (عليها السلام): أحكم بينهما يا ربّ - وكانت لها قلادة - فقالت:
                            أنا أنثر بينكما هذه القلادة، فمن أخذ من جواهرها أكثر فخطّه أحسن.
                            فنثرتها وكان جبرئيل وقتئذ عند قائمة العرش فأمره الله أن يهبط إلى الأرض وينصّف الجواهر بينهما كيلا يتأذّى أحدهما.
                            ففعل ذلك جبرئيل إكراماً لهما وتعظيماً(54).


                            سفينة البحار
                            ومما يدلّ على تعظيمها للعلم: أنّ الحسن بن علي (عليه السلام) كان يحضر مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ابن سبع سنين، فيسمع الوحي ويحفظه، فيأتي أمّه فيلقي إليها ما حفظه وكلمّا دخل علي (عليه السلام) وجد عندها علماً بالتنزيل فيسألها عن ذلك، فتقول: من ولدك الحسن (عليه السلام). فتخفّى يوماً في الدار، وقد دخل الحسن (عليه السلام) وقد سمع الوحي، فأراد أن يلقيه إليها، فارتجّ، فعجبت أمّه من ذلك.
                            فقال: لا تعجبين يا أمّاه، فإن كبيراً يسمعني واستماعه قد أوقفني، فخرج عليّ (عليه السلام) فقبله(55).

                            الهوامش
                            29 - 230، عنه الإحقاق: 8/708، وغاية المرام واللفظ: 5 (مثله).
                            30 - 279 ح 149 للتويسركاني.
                            31 - قال الجزري: مجلت يده تمجّل مجلاً، إذا ثخن جلدها في العمل بالأشياء الصلبة؛ ومنها حديث فاطمة (عليها السلام): أنها شكت إلى عليّ (عليه السلام) مجل يدها من الطحن.
                            32 - وقال: في حديث فاطمة (عليها السلام) أنّها جاءت إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) فوجدت عنده حُدّاثاً، أي جماعة يتحدثون، وهو جمع على غير قياس حملاً على نظيره، نحو سامر وسمّار فإن السمّار المحدثون.
                            33 - قال [الجزري] في حديث فاطمة (عليها السلام): أنها أوقدت القدر حتى دكنت ثيابها، دكن الثوب: إذا اتّسخ واغبرّ لونه، يدكن دكناً.
                            34 - 2/366 ح 1، عنه البحار: 43/82 ح 5، وج 76/193 ح 6، وج 85/329 ح 7، ووسائل الشيعة: 4/2026 ح 3 (قطعة)، وج 8/445 ح 1 (قطعة)، عن الفقيه: 1/320 ح 947، وفي مكارم الأخلاق: 294 (مثله). ورواه في الحلية: 1/70 مختصراً بإسناده عن ابن أعبد، عنه مناقب الشافعي: 207 (مخطوط)، وذخائر العقبى: 50، وفي صفة الصفوة: 2/5، وسنن أبي داود: 2/610، ومختصر سنن أبي داود: 4/227، وكنز العمال: 15/508 ح 41985 بإسنادهم عن ابن أعبد، وفي ص 499 ح 41971 بإسناده عن أبي مريم باختلاف يسير، وح 41972 عن عبيدة (باختصار)، وفي ص 500 ح 41974 عن القاسم مولى معاوية وفي ص 503 ح 41978 عن أبي نعيم في الحلية، وأورده في نظم درر السمطين: 192، عن بعضها الإحقاق: 10/267.
                            وسيأتي نحوه في باب مشقّتها ص 346 ح 7.
                            35 - 15/501 ح 41975. ورواه في ذخائر العقبى: 49، ووسيلة المآل: 90 (مخطوط) بإسنادهما عن أبي هريرة، عنهما الإحقاق: 10/275، مستدرك الحاكم: 3/157 نحوه.
                            36 - 11/113، عنه البحار: 8/180 (ط. حجر)، وغاية المرام: 18 ح1.
                            37 - 51. وفي ينابيع المودة: 20، وسيلة المآل: 92 (مخطوط) (مثله)، عنها الإحقاق: 10/265.
                            38 - تحمل رقاب الرجال: أي تحمل أمور تحملها رقابهم، من حمل القرب والحطب، ويحتمل أن يكون كناية عن التبرّز من بين الرجال، أو المشي على رقاب النائمين عند خروجها ليلاً للاستسقاء، أي التحمّل على رقابهم.
                            39 - 25، عنه البحار: 43/81 ح1.
                            40 - 8/165، عن البحار: 41/131 ح 42.
                            41 - 4/107.
                            42 - 1/243 ح 885، عنه البحار: 82/169.
                            ويأتي في باب مدّة بقاؤها (عليها السلام) بعد أبيها (صلى الله عليه وآله) عن الكافي (تأتي قبور الشهداء في كلّ جمعة مرّتين: الاثنين والخميس).
                            وفي نفس الباب عن الخصال (فكانت تخرج إلى المقابر - مقابر الشهداء - فتبكي حتى تقضي حاجتها، ثمّ تنصرف).
                            43 - 4/78. ويأتي في باب مدّة بقائها (عليها السلام) بعد أبيها (صلّى الله عليه وآله) (لمّا قبض رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كانت فاطمة (عليها السلام) تأتي قبور الشهداء، وتأتي قبر حمزة، وتبكي هناك).
                            44 - 1/465 ح 168، عنه البحار: 43/90 ح 13، وج 102/300 ح 27. والوسائل: 2/879 ح2، وعن الفقيه: 1/18 ح 537.
                            45 - 15/17.
                            46 - ص 121 و 166، عنه مفاتيح الجنان: 333.
                            47 - 8/682.
                            48 - 2/287، عنه اعلموا أنّي فاطمة: 5/349.
                            49 - 419 ح 192، عنه البحار: 82/83 ح 22.
                            50 - 3/104 ح 3، عنه الوسائل: 2/589 ح2. ورواه الشيخ - رحمه الله - في التهذيب: 1/44، كذلك وفي بعض نسخ الكتاب، وبعض نسخ التهذيب [وكان يأمر بذلك المؤمنات] ونقل من الفقيه: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك، وهكذا في العلل أيضاً، ولا يدلّ الخبر على تقدير الزيادة على أنها (عليها السلام) كانت ترى الدم، وقد تكاثرت الروايات أنها (عليها السلام) لم تر حمرة قطّ، وهي صريحة بأنها لم تطمث ولم تحض، فالمراد أنّه (صلى الله عليه وآله) كان يأمرها أن تأمر بذلك المؤمنات. واحتمل بعض العلماء - على ما في الحدائق - أن المراد بفاطمة هنا بنت أبي حبيش المذكورة في أبواب الحيض والاستحاضة لأنها كانت مشهورة بكثرة الاستحاضة والسؤال عن مسائلها في ذلك الزمان، وعلى هذا يكون ذكر السلام بعد لفظ فاطمة (عليها السلام) من توهّم بعض الرواة أو النسّاخ بأنّها الزهراء (عليها السلام).
                            51 - اللبوة: أنثى الأسد، والجرو: ولد الأسد.
                            52 - 16 ح 3 و 4، عنه البحار: 39/22 ح 9.
                            53 - 4/114 ح 2.
                            54 - 1/123، مودّة القربى: 127، عنه الإحقاق: 10/654.
                            55 - 1/254.

                            تعليق


                            • #15
                              سيرتها (عليها السلام) في اتخاذ الطعام لأهل المصيبة

                              المحاسن

                              عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما قتل جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) أن تتّخذ طعاماً لأسماء بنت عميس ثلاثة أيام، وتأتيها وتسلّيها ثلاثة أيام.
                              منه: عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لمّا قتل جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) أن تأتي أسماء بنت عميس هي ونساؤها، وتقيم عندها ثلاثاً، وتصنع لها طعاماً ثلاثة أيام(49).

                              سيرتها (عليها السلام) في أمر المؤمنات بوظائفهن

                              الكافي

                              علي (بن إبراهيم)، عن أبيه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قضاء الحائض الصلاة ثم تقضي الصوم؟
                              قال: ليس عليها أن تقضي الصلاة، وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان.
                              ثم أقبل عليَّ وقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأمر بذلك فاطمة (عليها السلام)، وكانت تأمر بذلك المؤمنات(50).

                              سيرتها (عليها السلام) في امتثال أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)

                              التفسير المنسوب للعسكري (عليه السلام):

                              قال الحسن أبو محمد الإمام (عليه السلام)...: ألا أُنبئّكم ببعض أخبارنا؟ قالوا: بلى يا بن أمير المؤمنين.
                              قال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا بنى مسجده بالمدينة وأشرع فيه بابه، وأشرع المهاجرون والأنصار أبوابهم أراد الله عز وجل إبانة محمد وآله الأفضلين بالفضيلة، فنزل جبرائيل (عليه السلام) عن الله تعالى بأن سدّوا الأبواب عن مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل أن ينزل بكم العذاب.
                              فأول من بعث إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمره بسدّ الأبواب: العباس بن عبد المطلب.
                              فقال: سمعاً وطاعة لله ولرسوله، وكان الرسول معاذ بن جبل.
                              ثم مر العباس بفاطمة (عليها السلام) فرآها قاعدة على بابها، وقد أقعدت الحسن والحسين (عليه السلام) فقال لها: ما بالك قاعدة؟ انظروا إليها كأنّها لبوة بين يديها جرواها(51) تظنّ أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يخرج عمه، ويدخل ابن عمه.

                              فمرّ بهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال لها: ما بالك قاعدة؟
                              قالت: انتظر أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بسدّ الأبواب، فقال: لها: إن الله تعالى أمرهم بسدّ الأبواب، واستثنى منهم رسوله وإنّما أنتم نفس رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(52).

                              سيرتها (عليها السلام) مع الحسنين (صلوات الله عليهما)

                              الكافي

                              عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
                              إن فاطمة (صلى الله عليها) كانت تمضغ للحسن ثمّ للحسين (صلوات الله عليهما)، وهي صائمة في شهر رمضان(53).


                              مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي
                              وروي في المراسيل:
                              إن الحسن والحسين (عليهما السلام) كانا يكتبان، فقال الحسن للحسين (عليهما السلام): خطي أحسن من خطك، فقال الحسين: بل خطّي أحسن.
                              فقالا لأُمّهما فاطمة (عليها السلام): أحكمي بيننا من أحسن منّا خطّاً.
                              فكرهت فاطمة (عليها السلام) أن تؤذي أحدهما بتفضيل خطّ أحدهما على الآخر، فقالت لهما:
                              سلا أباكما علياً، فسألاه فكره أن يؤذي أحدهما، فقال (عليه السلام): سلا جدّكما، فسألاه، فقال (صلّى الله عليه وآله): لا أحكم بينكما حتى أسأل جبرئيل.
                              فلمّا جاء جبرئيل قال: لا أحكم بينهما، ولكن إسرافيل يحكم.
                              فقال إسرافيل: لا أحكم بينهما ولكن أسأل الله تعالى أن يحكم بينهما.
                              فقال الله تعالى: لا أحكم بينهما، ولكن أمّهما فاطمة تحكم بينهما.
                              فقالت فاطمة (عليها السلام): أحكم بينهما يا ربّ - وكانت لها قلادة - فقالت:
                              أنا أنثر بينكما هذه القلادة، فمن أخذ من جواهرها أكثر فخطّه أحسن.
                              فنثرتها وكان جبرئيل وقتئذ عند قائمة العرش فأمره الله أن يهبط إلى الأرض وينصّف الجواهر بينهما كيلا يتأذّى أحدهما.
                              ففعل ذلك جبرئيل إكراماً لهما وتعظيماً(54).


                              سفينة البحار
                              ومما يدلّ على تعظيمها للعلم: أنّ الحسن بن علي (عليه السلام) كان يحضر مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ابن سبع سنين، فيسمع الوحي ويحفظه، فيأتي أمّه فيلقي إليها ما حفظه وكلمّا دخل علي (عليه السلام) وجد عندها علماً بالتنزيل فيسألها عن ذلك، فتقول: من ولدك الحسن (عليه السلام). فتخفّى يوماً في الدار، وقد دخل الحسن (عليه السلام) وقد سمع الوحي، فأراد أن يلقيه إليها، فارتجّ، فعجبت أمّه من ذلك.
                              فقال: لا تعجبين يا أمّاه، فإن كبيراً يسمعني واستماعه قد أوقفني، فخرج عليّ (عليه السلام) فقبله(55).

                              الهوامش
                              29 - 230، عنه الإحقاق: 8/708، وغاية المرام واللفظ: 5 (مثله).
                              30 - 279 ح 149 للتويسركاني.
                              31 - قال الجزري: مجلت يده تمجّل مجلاً، إذا ثخن جلدها في العمل بالأشياء الصلبة؛ ومنها حديث فاطمة (عليها السلام): أنها شكت إلى عليّ (عليه السلام) مجل يدها من الطحن.
                              32 - وقال: في حديث فاطمة (عليها السلام) أنّها جاءت إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) فوجدت عنده حُدّاثاً، أي جماعة يتحدثون، وهو جمع على غير قياس حملاً على نظيره، نحو سامر وسمّار فإن السمّار المحدثون.
                              33 - قال [الجزري] في حديث فاطمة (عليها السلام): أنها أوقدت القدر حتى دكنت ثيابها، دكن الثوب: إذا اتّسخ واغبرّ لونه، يدكن دكناً.
                              34 - 2/366 ح 1، عنه البحار: 43/82 ح 5، وج 76/193 ح 6، وج 85/329 ح 7، ووسائل الشيعة: 4/2026 ح 3 (قطعة)، وج 8/445 ح 1 (قطعة)، عن الفقيه: 1/320 ح 947، وفي مكارم الأخلاق: 294 (مثله). ورواه في الحلية: 1/70 مختصراً بإسناده عن ابن أعبد، عنه مناقب الشافعي: 207 (مخطوط)، وذخائر العقبى: 50، وفي صفة الصفوة: 2/5، وسنن أبي داود: 2/610، ومختصر سنن أبي داود: 4/227، وكنز العمال: 15/508 ح 41985 بإسنادهم عن ابن أعبد، وفي ص 499 ح 41971 بإسناده عن أبي مريم باختلاف يسير، وح 41972 عن عبيدة (باختصار)، وفي ص 500 ح 41974 عن القاسم مولى معاوية وفي ص 503 ح 41978 عن أبي نعيم في الحلية، وأورده في نظم درر السمطين: 192، عن بعضها الإحقاق: 10/267.
                              وسيأتي نحوه في باب مشقّتها ص 346 ح 7.
                              35 - 15/501 ح 41975. ورواه في ذخائر العقبى: 49، ووسيلة المآل: 90 (مخطوط) بإسنادهما عن أبي هريرة، عنهما الإحقاق: 10/275، مستدرك الحاكم: 3/157 نحوه.
                              36 - 11/113، عنه البحار: 8/180 (ط. حجر)، وغاية المرام: 18 ح1.
                              37 - 51. وفي ينابيع المودة: 20، وسيلة المآل: 92 (مخطوط) (مثله)، عنها الإحقاق: 10/265.
                              38 - تحمل رقاب الرجال: أي تحمل أمور تحملها رقابهم، من حمل القرب والحطب، ويحتمل أن يكون كناية عن التبرّز من بين الرجال، أو المشي على رقاب النائمين عند خروجها ليلاً للاستسقاء، أي التحمّل على رقابهم.
                              39 - 25، عنه البحار: 43/81 ح1.
                              40 - 8/165، عن البحار: 41/131 ح 42.
                              41 - 4/107.
                              42 - 1/243 ح 885، عنه البحار: 82/169.
                              ويأتي في باب مدّة بقاؤها (عليها السلام) بعد أبيها (صلى الله عليه وآله) عن الكافي (تأتي قبور الشهداء في كلّ جمعة مرّتين: الاثنين والخميس).
                              وفي نفس الباب عن الخصال (فكانت تخرج إلى المقابر - مقابر الشهداء - فتبكي حتى تقضي حاجتها، ثمّ تنصرف).
                              43 - 4/78. ويأتي في باب مدّة بقائها (عليها السلام) بعد أبيها (صلّى الله عليه وآله) (لمّا قبض رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كانت فاطمة (عليها السلام) تأتي قبور الشهداء، وتأتي قبر حمزة، وتبكي هناك).
                              44 - 1/465 ح 168، عنه البحار: 43/90 ح 13، وج 102/300 ح 27. والوسائل: 2/879 ح2، وعن الفقيه: 1/18 ح 537.
                              45 - 15/17.
                              46 - ص 121 و 166، عنه مفاتيح الجنان: 333.
                              47 - 8/682.
                              48 - 2/287، عنه اعلموا أنّي فاطمة: 5/349.
                              49 - 419 ح 192، عنه البحار: 82/83 ح 22.
                              50 - 3/104 ح 3، عنه الوسائل: 2/589 ح2. ورواه الشيخ - رحمه الله - في التهذيب: 1/44، كذلك وفي بعض نسخ الكتاب، وبعض نسخ التهذيب [وكان يأمر بذلك المؤمنات] ونقل من الفقيه: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك، وهكذا في العلل أيضاً، ولا يدلّ الخبر على تقدير الزيادة على أنها (عليها السلام) كانت ترى الدم، وقد تكاثرت الروايات أنها (عليها السلام) لم تر حمرة قطّ، وهي صريحة بأنها لم تطمث ولم تحض، فالمراد أنّه (صلى الله عليه وآله) كان يأمرها أن تأمر بذلك المؤمنات. واحتمل بعض العلماء - على ما في الحدائق - أن المراد بفاطمة هنا بنت أبي حبيش المذكورة في أبواب الحيض والاستحاضة لأنها كانت مشهورة بكثرة الاستحاضة والسؤال عن مسائلها في ذلك الزمان، وعلى هذا يكون ذكر السلام بعد لفظ فاطمة (عليها السلام) من توهّم بعض الرواة أو النسّاخ بأنّها الزهراء (عليها السلام).
                              51 - اللبوة: أنثى الأسد، والجرو: ولد الأسد.
                              52 - 16 ح 3 و 4، عنه البحار: 39/22 ح 9.
                              53 - 4/114 ح 2.
                              54 - 1/123، مودّة القربى: 127، عنه الإحقاق: 10/654.
                              55 - 1/254.

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
                              استجابة 1
                              9 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                              بواسطة ibrahim aly awaly
                               
                              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
                              ردود 2
                              12 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                              بواسطة ibrahim aly awaly
                               
                              يعمل...
                              X