إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    أشعة من حياة
    السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)


    مكارم أخلاقها
    إخلاصها (عليها السلام)

    1 ـ سأل بزل الهروي الحسين بن روح (رضي الله عنه) فقال: كم بنات رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال: أربع، فقال: أيتهن أفضل؟ فقال: فاطمة. قال: ولم صارت أفضل وكانت أصغرهن سنا وأقلهن صحبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: لخصلتين خصها الله بهما: إنها ورثت رسول الله صلى الله عليه وآله، ونسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها، ولم يخصها بذلك إلا بفضل إخلاص عرفه من نيتها(1).


    2 - ولم تكن لتصل إلى هذه المرتبة السامية لأنها بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحسب، فقد كانت للرسول الإكرام صلى الله عليه وآله وسلم بنات أربعة، وكان له زوجات عديدات، ولكنها وصلت إلى تلك الدرجة بفضل إخلاصها وزهدها وعبادتها وجهادها في سبيل الله، وصبرها وتحملها في سبيل الله. لقد اختارت مسيرتها بإرادتها، وقررت أن تصبح سيدة نساء العالمين… ومن استحقت أن تكون رمزا في المجتمع الإسلامي، وإن يعطيها الله فضل أمومة الأوصياء، وشرف الربط بين النبوة والإمامة(2).

    عبادتها (عليها السلام)

    1 ـ قال العلامة ابن فهد الحلي: وكانت فاطمة عليها السلام تنهج في الصلاة من خيفة الله تعالى(3).


    2 ـ عن الحسن بن علي عليهما السلام قل: رأيت أمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه، لو لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني، الجار ثم الدار(4)

    3 ـ محمد بن الحسين بن علي عليهم سلام قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله سلمانا إلى فاطمة، فوقفت بالباب وقفة حتى سلمت،فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من جوا، وتدور الرحى من برا(5)، ما عندها أنيس. وقال في آخر الخبر: فتبتسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: يا سلمان ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيمانا إلى مشاشها(6)، تفرغت لطاعة الله فبعث الله ملكا اسمه زروقائيل ـوفي خبر آخر جبرائيل عليه السلامـ فأدار لها الرحى، وكفاها الله مؤونة الدنيا مع مؤونة الآخرة(7).

    4 ـ روي إنها عليها السلام ربما اشتغلت بصلاتها وعبادتها، فربما بكى ولدها، فرؤي المهد يتحرك وكان ملك يحركه(8).

    5 ـ وفي حديث: فسأل (النبي صلى الله عليه وآله وسلم) كيف وجدت أهلك؟ قال: نعم العون على طاعة الله. وسأل فاطمة، فقالت: خير بعل(9).

    6ـ الحسن البصري: ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة، كانت تقوم حتى تورم قدماها(10).

    7ـ وفي حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وأما ابنتي فاطمة عليها السلام فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهن نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عز وجل لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي قائمة بين يدي، ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهدكم إني قد آمنت شيعتها من النار(11).

    تسبيحها سلام الله عليها وسبب تشريعها

    إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم ابنته فاطمة عليها السلام أذكارا تقولها عند النوم وفي دبر كل صلاة، واشتهرت بتسبيح فاطمة عليها السلام. قال العلامة المجلسي (رحمه الله): كان السبب في تشريع هذا التسبيح ما رواه الإمامية وغيرهم من أن أمير المؤمنين عليا عليه السلام قال: لما رأيت ما أصاب فاطمة الزهراء من العناء في خدمة البيت وقد جاء سبي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قلت لها: هلا أتيت أباك تسأليه خادما يكفيك مشقة خدمة البيت؟ فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإذا عنده جماعة، فانصرفت، وعلم أبوها أنها جاءت لأمر أهمها، فغدا إلى دارها صباحا، وسألها عليهما السلام جاءت له، فاستحت أن تذكر له، فقلت له: أنت تعلم ما تلاقيه فاطمة من القيام بشؤون البيت من الاستقاء والطحن والكنس.

    وقد أثر ذلك عليها، فقلت لها: لو سألت أباك يخدمك من يكفيك مشقة ما أنت فيه من العمل. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أفلا أدلك يا فاطمة على ما هو خير لك من الخادم في الدنيا(12)؟ قالت: بلى يا رسول الله، فعلمها هذا التسبيح المعروف عند النوم وبعد كل صلاة. وقد استفاضت أخبار الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في الحت على الإتيان به حتى قال الإمام الباقر عليه السلام: ما عبد الله بشيء أفضل من تسبيح فاطمة كل يوم دبر كل صلاة، ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله فاطمة. ويقول الصادق عليه السلام: تسبيح فاطمة في كل يوم دبر كل صلاة أحب إلي من صلاة ألف ركعة في كل يوم(13)، وإنا لنأمر صبياننا به كما نأمرهم بالصلاة. وقال العلامة المقرم: وورد في التعبير عن بلوغ التسبيح مرتبة عالية من الفضل بحيث يصح للمولى مع تركه
    رد العبادة على صاحبها وإن كانت تامة الأجزاء والشرائط، فقالوا عليهم السلام: (أن الصلاة الخالية منه ترد على صاحبها) لكون العبادة المقرونة بتسبيح الزهراء كالحلة الموشاة التي لا تماثلها الحلة الخالية من الوشي والتطريز. وهذه الأخبار المتكثرة لا يضر اختلافها في بيان كيفيته الصلاة وعند النوم بعد أن صادق على كونه أربع وثلاثون(14) تكبيرة، ثم ثلاث وثلاثون تحميدة، ثم ثلاث وثلاثون تسبيحة المشهور من علمائنا الأعلام(15). بل عليه فتاوى الأصحاب كما في (الجواهر) وهو الأشهر
    كما في (المنتهى) للعلامة الحلي، وعليه عمل الطائفة(16)...

    1 ـ عن محمد بن عذافر قال: دخلت مع أبي على أبي عبد الله عليه السلام فسأله أبي عن تسبيح فاطمة صلى الله عليها، فقال: (الله أكبر) حتى أحصى (ها) أربعا وثلاثين مرة، ثم قال: (الحمد لله) حتى بلغ سبعا وستين، ثم قال: (سبحان الله) حتى بلغ مائة، يحصيها بيده جملة واحدة(17). قال المجلسي (ره) قوله عليه السلام: (جملة واحدة) كأن المراد أنه عليه السلام بعد إحصائه عدد كل واحد من الثلاثة لم يستأنف العدد الآخر بل أضاف إلى السابق حتى وصل إلى المائة.

    2 ـ عن أبي يصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال في تسيح فاطمة عليها السلام: يبدأ بالتكبير أربعا وثلاثين، ثم التحميد ثلاثا وثلاثين، ثم التسبيح ثلاثا وثلاثين. قال المجلسي (ره): (يبدأ بالتكبير) رد على المخالفين حيث يبدأون بالتسبيح ثم التحميد ثم التكبير(18).

    3 - روي أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لرجل من بني سعد: ألا أحدثك عني وعن فاطمة الزهراء (عليها السلام )؟ إنها كانت عندي فاستقت بالقربة حتى أثر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها(19)، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها(20)، فأصابها من ذلك ضر شديد، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألته خادما يكفيك حر ما أنت فيه من هذا العمل. فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوجدت عنده حداثا(21)، فاستحيت
    فانصرفت، فعلم صلى الله عليه وآله وسلم أنها قد جاءت لحاجة، فغدا علينا ونحن في لحافنا، فقال: السلام عليكم، فسكتنا، ثم قال: السلام عليكم، فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف ـوقد كان يفعل ذلك فيسلم ثلاثا، فإن أذن له وإلا انصرفـ فقلنا: وعليك السلام يا رسول الله أدخل، فدخل وجلس عند رؤوسنا، ثم قال: يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد؟ فخشيت إن لم نجبه أن يقوم، فأخرجت رأسي فقلت: أنا والله أخبرك يا رسول الله، إنها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها، وجرت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألته خادما يكفيك حر ما أنت فيه من هذا العمل. قال: أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فكبرا أربعا وثلاثين تكبيرة، وسبحا ثلاثا وثلاثين تسبيحة، واحمدا ثلاثا وثلاثين تحميدة. فأخرجت فاطمة رأسها وقالت: رضيت عن الله ورسوله، رضيت عن الله وعن رسوله(22). أقول: إنما أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تكون فلذة كبده وقرة عينه وبضعته الطاهرة مثالا كاملا لنفسه الشريفة في الزهد عن الدنيا وتحمل مشاقها ورفض لذائذها كما يقتضيه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (فاطمة بضعة مني). أو (أنت مني). فمن المعلوم أنه ليس أراد بذلك تولدها منه لوضوحه وانتقاء الحكمة في بيانه، بل أراد: إن ابنتي فاطمة روحها روحي، ونفسها نفسي، وطينتها طينتي. وقد جاء نظير هذه القضية في شأن جعفر عليه السلام، فروي عن علي عليه السلام، إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما جاءه جعفر بن أبي طالب من الحبشة قام إليه واستقبله اثنتي عشرة خطوة، وقبل ما بين عينيه وبكى وقال: لا أدري بأيهما أنا أشد سرورا؟ بقدومك يا جعفر أم بفتح الله
    على أخيك خيبر(23)...؟ فعلمه صلاة تسمى باسمه جعفر. وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:قال رسول الله صلى الله عليه وآله لجعفر: ألا أمنحك ؟ ألا أعطيك ؟
    ألا أحبوك؟ فقال له جعفر: بلى يا رسول الله. قال: فظن الناس أنه يعطيه ذهبا وفضة، فتشوف الناس لذلك، فقال له: إني أعطيك شيئا إن أنت صنعته في كل كان خيرا لك من الدنيا وما فيها. ثم علمه صلى الله عليه وآله وسلم صلاة جعفر(24). وأما ما هو المعروف من أنه كانت لفاطمة سلام الله عليها خادمة اسمها فضة، فهذا إنما كان أخيرا بعد ما كثرت أولادها وزادت كلفتها وكثرت الفتوح والغنائم من خيبر وبني قريظة وبني النضير، وارتفع الفقر والعناء عن المسلمين، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضة إليها ووسع على ابنته عليها السلام. عن علي عليه السلام قال: أهدى بعض ملوك الأعاجم رقيقا، فقلت لفاطمة: اذهبي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فاستخدميه خادما، فأتته فسألته ذلك ـوذكر الحديث بطوله ـ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: يا فاطمة، أعطيك ما هو خير لك من خادم ومن الدنيا بما فيها؟: تكبرين الله بعد كل صلاة أربعا وثلاثين تكبيرة، وتحمدين الله ثلاثا وثلاثين تحميدة، وتسبحين الله ثلاثا وثلاثين تسبيحة، ثم ذلك بلا إله إلا الله، وذلك خير لك من الذي أردت ومن الدنيا وما فيها. فلزمت صلوات الله عليها هذا التسبيح بعد كل صلاة، ونسب إليها(25).

    توفيق وتحقيق

    قال الشيخ البهائي ـضاعف الله بهاءهـ في (مفتاح الفلاح): اعلم أن المشهور استحباب تسبيح الزهراء في وقتين: أحدهما بعد الصلاة، والآخر

    عند النوم. وظاهر الرواية الواردة به عند النوم يقتضي تقديم التسبيح على التحميد، وظاهر الرواية الصحيحة الواردة في تسبيح الزهراء عليها السلام على الإطلاق يقتضي تأخيره عنه. (وقال (ره) بعد كلام) قلت: لأني لم أجد قائلا بالفرق بين تسبيح الزهراء عليها السلام في الحالتين، بل الذي يظهر بعد التتبع أن كلا من الفريقين القائلين بتقديم التحميد وتأخيره قائل به مطلقا سواء وقع بعد الصلاة أو قبل النوم، فالقول بالتفصيل إحداث قول ثالث في مقابل الإجماع المركب(26). وقال صاحب (الجواهر) (ره): وربما بينهما بالفرق بين النوم والتعقيب، فيقدم التسبيح على التحميد في الأول دون الثاني. وفيه مع أنه لم يقل به أحد بل الظاهر أو المقطوع به اتحاد كيفية تسبيح الزهراء عليها السلام، ضرورة كون المأمور به في التعقيب تسبيح الزهراء عليها السلام الذي أمرها به أبوها في النوم(27). وقال صاحب الوسائل:عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث نافلة شهر رمضان) قال: سبح تسبيح فاطمة عليها السلام، وهو (الله أكبر) أربعا وثلاثين مرة، و(سبحان الله) ثلاثا وثلاثين مرة و(الحمد لله) ثلاثا وثلاثين مرة. فوالله لو كان شئ أفضل منه لعلمه صلى الله عليه وآله وسلم إياها. أقول: الواو لمطلق الجمع كما تقرر، فيجب حمله هنا على تقديم التسبيح كما مر، وعليه عمل الطائفة. وفي (العلل) عن أحمد بن الحسن القطان، عن الحسن بن علي السكري، عن الحكم بن أسلم، عن ابن علية، عن الحريري، عن أبي الورد بن تمامة، عن علي عليه السلام مثله، إلا أنه قال: إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا ثلاثا وثلاثين، فسبحا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين. أقول: هذا غير صريح في منافاة ما سبق لما عرفت، ولاحتماله للنسخ
    لتقدمه، وللتخصيص بوقت النوم، وللتقية في الرواية(28). قال في (الجواهر): وأما كيفيته فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة بل في (الوسائل) عليه عمل الطائفة أربع وثلاثون تكبيرة، ثم ثلاث وثلاثون تحميدة، ثم ثلاث وثلاثون تسبيحة، بل لا خلاف في الفتاوى والنصوص عدا خبر (العلل) الذي ستسمعه، وقيل إن رجاله أكثرهم من العامة(29). وأيضا عنه في أفضلية تسبيح الزهراء عليها السلام:الذي ما عبد الله بشيء من التحميد أفضل منه، ولو كان شئ أفضل منه لنحله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(30). وهو في كل يوم في دبر كل صلاة أحب إلى الصادق عليه السلام من صلاة ألف ركعة في كل يوم، ولم يلزمه عبد فشقي، ولذا يؤمر الصبيان به كما يؤمرون بالصلاة إذ هو وإن كان مائة باللسان إلا أنه ألف في الميزان، وطارد للشيطان،ومرضى الرحمن، ويدفع الثقل الذي الآذان، وما قاله عبد قبل أن يثني رجله من المكتوبة إلا غفر له الله، وأوجب الله له الجنة، خصوصا الغداة، وخصوصا إذا أتبعه بلا إله إلا الله، واستغفر بعده، وبه يندرج العبد في الذاكرين الله كثيرا، ويستحق ذكر الله تعالى له كما وعد بقوله تعالى (فاذكروني أذكركم)(31). وحكي لي عن (مكارم الأخلاق)أنه روي فيه كون تسبيح الزهراء عليها السلام إحدى العلامات الخمس للمؤمن… أفضله بمستفيض النقل تسبيحة الزهراء ذات الفضل. وعن البهائي: إن ذلك (أفضلية التسبيح) يوجب تخصيص حديث (أفضل الأعمال أحمزها)، اللهم أن يفسر بأن أفضل كل نوع من أنواع
    الأعمال ذلك النوع(32).

    مسبحتها وفضل تربة الحسين (عليه السلام)

    روى إبراهيم بن محمد الثقفي: إن فاطمة عليها السلام بنت الرسول الله صلى الله عليه وآله كانت مسبحتها من خيط صوف مفتل معقود، عليه عدد التكبيرات، فكانت عليها السلام تديرها بيدها وتسبح إلى أن قتل حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء، فاستعملت تربته وعملت المسابيح، فاستعملها الناس، فلما قتل الحسين عليه السلام عدل بالأمر إليه فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزية(33). في كتاب الحسن بن محبوب: إن أبا عبد الله عليه السلام سئل عن استعمال التربتين من طين قبر حمزة والحسين عليهما السلام والتفاضل بينهما، فقال: السبحة من طين قبر الحسين عليه السلام تسبح من غير أن يسبح(34). وروي أن الحور العين إذا أبصرن بواحد من الأملاك يهبط إلى الأرض لأمر ما يستهدين من السبح والترب من طين قبر الحسين عليه السلام(35). عن الكاظم عليه السلام قال: المؤمن لا يخلو من خمسة: مسواك، ومشط، وسجادة، وسبحة فيها أربع وثلاثون حبة، وخاتم عقيق(36). وروي أنه لما حمل علي بن الحسين عليهما السلام إلى يزيد عليه اللعنة هم بضرب عنقه، فوقفه بين يديه وهو يكلمه ليستنطقه بكلمة يوجب بها قتله، وعلي عليه السلام يجيبه حسب ما يكلمه وفي يده سبحة صغيرة يديرها بأصابعه وهو يتكلم. فقال له يزيد عليه ما يستحقه: أنا أكلمك وأنت تجيبني وتدير أصابعك بسبحة في يديك! فكيف يجوز ذلك؟ فقال عليه السلام: حدثني أبي، عن جدي عليهما السلام أنه كان إذا صلى الغداة وانفتل لا يتكلم حتى يأخذ سبحة بين يديه فيقول: (اللهم إني أصبحت أسبحك وأحمدك وأهللك وأكبرك وأمجدك بعدد ما أدير به سبحتي) ويأخذ السبة في يده ويديرها وهو يتكلم بما يريد من أن يتكلم بالتسبيح، وذكر أن ذلك محتسب له، وهو حرز إلى أن يأوي إلى فراشه، فإذا أوى إلى فراشه فهي محسوبة له من الوقت إلى الوقت؛ ففعلت هذا اقتداء بجدي عليه السلام. فقال له يزيد عليه اللعنة مرة بعد أخرى: لست أكلم أحدا منكم إلا ويجيبني بما يفوز به. وعفا عنه ووصله وأمر بإطلاقه(37).

    صلاتها (سلام الله عليها)

    1 ـ قال شيخ الطائفة (ره): صلاة الطاهرة فاطمة عليها السلام هما ركعتان، تقرأ في الأولى الحمد ومائة مرة (إنا أنزلناه في ليلة القدر) وفي الثانية الحمد ومائة مرة (قل هو الله أحد)، فإذا سلمت سبحت تسبي الزهراء ثم تقول: (سبحان ذي العز الشامخ المنيف، سبحان ذي الجلال الباذخ العظيم، سبحان ذي الملك الفاخر القديم، سبحان من لبس البهجة والجمال، سبحان من تردى بالنور والوقار، سبحان من يرى أثر النمل في الصفا، سبحان من يرى وقع الطير في الهواء، سبحان من هو هكذا لا هكذا غيره). وينبغي لمن صلى هذه الصلاة وفرغ من التسبيح أن يكشف ركبتيه وذراعيه، ويباشر بجميع مساجده الأرض بغير حاجز بينه وبينها، ويدعو ويسأل حاجته وما شاء من الدعاء، ويقول وهو ساجد:

    (يا من ليس غيره رب يدعى، يا من ليس فوقه إله يخشى، يا من ليس دونه ملك يتقى، يا من ليس له وزير يؤتى، يا من ليس له حاجب يرشى، يا من ليس له بواب يغشى، يا من لا يزداد على كثرة السؤال إلا كرما وجودا، وعلى كثرة الذنوب إلا عفوا وصفحا، صل على محمد وآل محمد، وأفعل بي كذا وكذا)(38).

    2 ـ وكذا صلاة أخرى لها عليها السلام تصلى للأمر المخوف.وروى إبراهيم بن عمر الصنعاني عم أبي عبد الله عليه السلام قال: للأمر المخوف العظيم تصلي ركعتين، وهي التي كانت الزهراء عليها السلام تصليها، تقرأ في الأولى الحمد وقل هو الله أحد خمسين مرة، وفي الثانية مثل ذلك، فإذا سلمت صليت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم ترفع يديك وتقول: (اللهم أتوجه إليك بهم، وأتوسل إليك بحقهم (بحقك ـخ ل) العظيم الذي لا يعلم كنهه سواك، وبحق من حقه عندك عظيم، وبأسمائك الحسنى وكلماتك التامات التي أمرتني أن أدعوك بها، وأسألك باسمك العظيم الذي أمرت إبراهيم عليه السلام أن يدعو به الطير فأجابته، وباسمك العظيم الذي قلت للنار: (كوني بردا وسلاما على إبراهيم) فكانت، وبأحب أسمائك إليك وأشرفها عندك، وأعظمها لديك، وأسرعها إجابة، وأنجحها طلبة، وبما أنت أهله ومستحقه ومستوجبه؛ وأتوسل إليك، وأرغب إليك، وأتصدق منك، واستغفرك، وأستمنحك، وأتضرع إليك، وأخضع بين يديك، وأخشع لك، وأقر لك بسوء صنيعي، وأتملق وألح عليك، وأسألك بكتبك التي أنزلتها على أنبيائك ورسلك صلواتك عليهم أجمعين من التوراة والإنجيل والقرآن العظيم من أولها إلى آخرها، فإن فيها اسمك الأعظم، وبما فيها من أسمائك العظمى، أتقرب إليك، وأسألك أن تصلي على محمد وآله، وأن تفرج عن محمد وآله، وتجعل فرجي مقرونا بفرجهم، وتبدأ بهم فيه، وتفتح أبواب السماء لدعائي في هذا اليوم، وتأذن في هذا اليوم وهذه الليلة بفرجي وإعطاء سؤلي وأملي في الدنيا والآخرة، فقد مسني الفقر ونالني الضر وشملتني الخصاصة، وألجأتني الحاجة، وتوسمت بالذلة، وغلبتني المسكنة، وحقت علي الكلمة، وأحاطت بي الخيئة، وهذا الوقت الذي وعدت أولياءك فيه الإجابة. فصل على محمد وآله، وامسح ما بي بيمينك الشافية، وانظر إلي بعينك الراحمة، وأدخلني في رحمتك الواسعة، وأقبل إلي بوجهك الذي إذا أقبلت به على أسير فككته، وعلى ضال هديته، وعلى حائر أديته، وعلى فقير أغنيته، وعلى ضعيف قويته، وعلى خائف آمنته؛ ولا تخلني لقا لعدوك وعدوي، يا ذا الجلال والإكرام. يا من لا يعلم كيف هو، وحيث هو، وقدرته إلا هو، يا من سد الهواء بالسماء، وكبس الأرض على الماء، واختار لنفسه أحسن الأسماء، يا من سمى نفسه بالاسم الذي به يقضى حاجة كل طالب يدعوه يه، وأسألك بذلك الاسم، فلا شفيع أقوى لي منه، وبحق محمد وآل محمد أن تصلي على محمد وعلى آل محمد، وأن تقضي لي حوائجي، وتسمع محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين وعليا ومحمدا وجعفر وموسى وعليا ومحمدا وعليا والحسن والحجة ـصلوات الله عليهم وبركاته ورحمتهـ صوتي، فيشفعوا لي إليك، وتشفعهم في، ولا تردني خائبا، بحق لا إله إلا أنت، وبحق محمد وآل محمد، وافعل بي كذا وكذا يا كريم(39). قال الزاهد السيد ابن طاووس الحلي (ره): روى صفوان قال: دخل محمد بن علي الحلبي على عبد الله عليه السلام في يوم الجمعة فقال له: تعلمني ما أصنع في مثل هذا اليوم؟ فقال: يا محمد، ما أعلم أن أحدا كان أكبر عند رسول الله صلى الله عليه وآله من فاطمة عليها السلام، ولا أفضل مما علمها أبوها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: من أصبح يوم الجمعة فاغتسل وصف قدميه وصلى أربع ركعات مثنى مثنى، يقرأ في أول ركعة الحمد والإخلاص خمسين مرة، وفي الثانية فاتحة الكتاب والعاديات خمسين مرة، وفي الثالثة فاتحة الكتاب وإذا زلزلت الأرض خمسين مرة، وفي الرابعة فاتحة الكتاب وإذا جاء نصر الله والفتح خمسين مرة ـوهذه سورة النصر وهي آخر سورة نزلتـ فإذا فرغ منها دعا، فقال(40): (إلهي وسيدي، من تهيأ أو أعد أو استعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وفوائده ونائله وفواضله وجوائزه، فإليك يا إلهي كانت تهيئتي وتعبيتي وإعدادي واستعدادي رجاء رفدك ومعروفك ونائلك وجوائزك، فلا تحرمني ذلك يا من لا يخيب عليه مسألة السائل، ولا تنقصه عطية نائل، فإني لم آتك بعمل صالح قدمته، ولا شفاعة مخلوق رجوته، أتقرب إليك بشفاعة محمد وأهل بيته صلواتك عليهم أجمعين، أرجو عظيم عفوك الذي عفوت به على الخاطئين عند عكوفهم على المحارم فلم يمنعك طول عكوفهم على المحارم أن عدت عليهم بالمغفرة، وأنت سيدي العواد بالخطاء، أسألك بمحمد وآله الظاهرين أن تغفر لي الذنب العظيم، فإنه لا يغفر ذنبي العظيم إلا العظيم، يا عظيم يا عظيم يا عظيم يا عظيم يا عظيم يا عظيم يا عظيم)(41). روى الصدوق (ره) عن هشام بن سالم (بحذف الإسناد) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من صلى أربع ركعات، فقرأ في كل ركعة بخمسين مرة قل هو الله أحد، كانت صلاة فاطمة عليها السلام وهي صلاة الأولين). وكان شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد رضي الله عنه يروي هذه الصلاة وثوابها، إلا أنه كان يقول: إني لا أعرفها بصلاة فاطمة عليها السلام، وأما أهل الكوفة فإنهم يعرفونها بصلاة فاطمة عليها السلام(42). عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من توضأ وأسبغ الوضوء وافتتح الصلاة فصلى أربع ركعات يفصل بينهن بتسليمة، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد خمسين مرة، انفتل حين ينفتل وليس بينه وبين الله عز وجل ذنب إلا غفره له(43). عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعت يقول: من صلى أربع ركعات بمائتي مرة قل هو الله أحد في كل ركعة خمسين مرة، لم يفتل وبينه وبين الله عز وجل ذنب إلا غفرله(44). وقال السيد ابن طاووس (رضي الله عنه): روي عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لأمير المؤمنين ولابنته فاطمة عليها السلام: إنني أريد أن أخصكما بشيء من الخير مما علمني الله عز وجل وأطلعني الله عليه، فاحتفظوا به. قال: نعم يا رسول الله فما هو؟ قال: يصلي أحدكما ركعتين، تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي ثلاث مرات، وقل هو الله أحد ثلاث مرات، وآخر الحشر ثلاث مرات من قوله (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل) إلى آخره، فإذا جلس فليتشهد وليثن على الله عز وجل وليصل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليدع للمؤمنين والمؤمنات، ثم يدعو على أثر ذلك فيقول: (اللهم إني أسألك بحق كل اسم هو لك، يحق عليك فيه إجابة الدعاء إذا دعيت به، وأسألك بحق كل ذي حق عليك، وأسألك بحقك على جميع ما هو دونك أن تفعل بي كذا وكذا)(45).
    وقال (رضي الله عنه) أيضا في كتاب (زوائد الفوائد) بعد ذكر زيارة مختصرة لها عليها السلام وهي معروفة: إنها مختصة بهذا اليوم ـيعني يوم الثالث في جمادى الآخرة وهو يوم وفاتهاـ. قال: وتصلي صلاة الزيارة أو صلاتها عليها السلام، وهي ركعتان تقرأ في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد ستين مرة(46). قال الشيخ الجليل الحسن بن الفضل الطبرسي (ره): صلاة الاستغاثة بالبتول (عليها السلام): تصلي ركعتين، ثم تسجد وتقول: (يا فاطمة) مائة مرة، ثم تضع خدك الأيمن على الأرض وقل مثل ذلك، وتضع حدك الأيسر على الأرض وتقول مثله، ثم اسجد وقل ذلك مائة وعشر دفعات، وقل: (يا آمنا من كل شئ، وكل شئ منك خائف حذر، أسألك بأمنك من كل شئ وخوف كل شئ منك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تعطيني أمانا لنفسي وأهلي وولدي حتى لا أخاف أحدا، ولا أحذر من شئ أبدا، إنك على كل شئ قدير)(47). عن أبي عبد الله عليه السلام: إذا كانت لأحدكم استغاثة إلى الله تعالى فليصل ركعتين، ثم يسجد ويقول: (يا محمد يا رسول الله، يا علي يا سيد المؤمنين والمؤمنات، بكما أستغيث إلى الله تعالى، يا محمد يا علي أستغيث بكما، يا غوثاه بالله وبمحمد وعلي وفاطمة ـوتعد الأئمةـ بكم أتوسل إلى الله تعالى). فإنك من ساعتك إن شاء الله تعالى(48). قال المحدث القمي (ره): روي: إذا كانت لك حاجة إلى الله تعالى وتضيق عنها صدرك فصل ركعتين، وإذا سلمت فكبر ثلاث مرات، وسبح تسبيح فاطمة عليها السلام، ثم اسجد وقل مائة مرة: (يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني). ثم ضع خدك الأيمن على الأرض وقل ذلك مائة

    الهوامش
    1 ـ (البحار) ج43، ص37
    2 ـ (يوميات فاطمة الزهراء) لأحمد الكاتب ص21.
    3 ـ (عدة الداعي) الباب الرابع ص139. النهج ـبالتحريكـ والنهيج: تواتر النفس من شدة الحركة.
    4 ـ (البحار) 43، ص81 ـ82.
    5 ـ الجواء: داخل البيت والبرا: ظاهر البيت.
    6 ـ المشاش: رأس العظم اللين.
    7 ـ (المناقب) لابن شهر آشوب.
    8 ـ (منلقب) لابن شهر آشوب، ج3، ص337
    9 ـ المصدر، ص356.
    10 ـ (البحار) ج43، ص84.
    11 ـ (الأمالي) للصدوق، المجلس 24، ص100.
    12 ـ قال ابن حجر القسطلاني في (إرشاد الساري) ج6، ص117، بمطبعة الكبرى الأميرية مصر: قال ابن تيمية فيه: إن من واظب على هذا الذكر عند النوم لم يصبه أعباء، لأن فاطمة رضي الله عنها شكت التعب من العمل فأحالها صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك. وقال عياض: معنى الخيرية (وهو قوله: خير لكما من الخادم) أن عمل الآخرة أفضل من أمور الدنيا.
    13 ـ (مرآة العقول) ج15، ص176.
    14 ـ كذا، والصواب (أربعاً وثلاثين) وهكذا ما بعده
    15 ـ راجع للبحث الوافي عنه (مفتاح الفلاح) للعلامة البهائي (رحمه الله): الباب الخامس.
    16 ـ (وفاة الصديقة الزهراء) للعلامة المقرم، ص41.
    17 ـ المصدر السابق.
    18 ـ (فروع الكافي) بهامش (مرآة العقول) ج15، ص174 و173.
    19 ـ مجلت يداها أي ظهر فيها المجل وهو ماء يكون بين الجلد واللحم من كثرة العمل الشاق. والمجلة: القشرة الرقيقة التي يجتمع فيها ماء من أثر العمل الشاق.
    20 ـ الدكنة: لون يضرب إلى السواد.
    21 ـ الحداث: جماعة يتحدثون
    22 ـ (من لا يحضره الفقيه) ج1، ص320 ـ 321.
    23 ـ المصدر السابق.
    24 ـ (البحار) ج21، ص24.
    25 ـ (البحار) ج85، ص336.
    26 ـ المصدر، ص339
    27 ـ (الجواهر) ج10، ص402
    28 ـ (وسائل الشيعة) الباب 10 و11 من أبواب التعقيب.
    29 ـ (الجواهر) ج10، ص399.
    30 ـ (الوسائل) الباب 9 من أبواب التعقيب.
    31 ـ (الجواهر) ج10، ص396.
    32 ـ المصدر، ص397 ـ398.
    33 ـ انتبه هامش
    34 ـ انتبه هامش
    35 ـ انتبه هامش
    36 ـ (مكارم الأخلاق) فيما يتعلق باليوم والليلة، ص281.
    37 ـ (دعوات الراوندي) ص61.
    38 ـ مصباح المتهجد) ص265 ـ266.
    39 ـ المصدر، ص266 ـ268.
    40 ـ جزاء الشرط محذوف لدلالة الكلام عليه.
    41 ـ (جمال الأسبوع) ص132 ـ133.
    42 ـ (من لا يحضره الفقيه) ج1، ص564.
    43 ـ المصدر السابق.
    44 ـ (وسائل الشيعة) ج5، ص243 ـ244، باب استحباب صلاة فاطمة عليها السلام وكيفيتها.
    45 ـ (جمال الأسبوع) ص127 ـ128.
    46 ـ مستدرك الوسائل) ج1، ص460
    47 ـ المصدر السابق
    48 ـ (مكارم الأخلاق) ص330،، باب نوادر الصلوات.

    تعليق


    • #17
      عصمتها (عليها السلام)

      قد دللنا على عصمتها عليها السلام في ضمن أبحاث المتقدمة استطرادا، ونتكلم عليها في هذا الفصل خصوصا، فنقول:

      1 ـ قال الشارح المعتزلي نقلا عن علم الهدى السيد المرتضى (ره): أما الذي يدل على ما ذكرناه فهو أنها كانت معصومة من الغلط، مأمونا منها فعل القبيح، ومن هذه صفته لا يحتاج فيما يدعيه إلى شهادة وبينة. فإن قيل: دللوا على الأمرين، قلنا: بيان الأول قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)(61). والآية تتناول جماعة منهم فاطمة عليها السلام، بما تواترت الأخبار في ذلك، والإرادة ههنا دلالة على وقوع الفعل المراد. وأيضا فيدل على ذلك قوله عليه السلام: (فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل)، وهذا يدل على عصمتها لأنها لو كانت ممن تقارف الذنوب لم يكن من يؤذيها مؤذيا له صلى الله عليه وآله وسلم على كل حال، بل كان من فعل المستحق من ذمها وإقامة الحد ـإن كان الفعل يقتضيهـ سارا له صلى الله عليه وآله وسلم(62).

      2 ـ قال العلامة الأميني (ره): لا يسعنا أن في الدفاع عن الخليفة بما قال ابن كثير في تاريخه5، صلى الله عليه وآله وسلم249 من أن فاطمة حصل لها ـوهي امرأة من البشر ليست بواجبة العصمةـ عتب وتغضب، ولم تكلم الصديق حتى ماتت. وقال في ص289:وهي امرأة من بنات آدم، تأسف كما يأسفون، وليست بواجبة العصمة… أنى لنا السرف والمجازفة في القول بمثل هذا تجاه آية التطهير في كتاب الله العزيز النازلة فيها وفي أبيها وبعلها وبنيها؟ أنى لنا بذلك وبين يدينا هتاف النبي الأقدس صلى الله عليه وآله وسلم: (فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني)؟ وفي لفظ: (فاطمة بضعة
      مني، يؤذيني ما آذاها، ويغضبني ما أغضبها)(63). أقول: ومزيد التحقيق في كتابنا هذا، فصل فضائلها المشتركة سلام الله عليها في عنوان اشتراكها في الحرب والسلم.

      3 ـ قال العلامة السيد عبد الرزاق المقرم (ره) بعد نقل آية التطهير الدالة على عصمتها عليها السلام: ولو أعرضنا عن البرهنة العلمية فإنا لا ننسى مهما ننسى شيئا أنها صلوات الله عليها مشتقة من نور النبي صلى الله عليه وآله المنتجب من الشعاع الإلهي، فهي شظية من الحقيقة المحمدية، المصنوعة من عنصر القداسة… فمن المستحيل ـوالحالة هذهـ أن يتطرق الإثم إلى أفعالها، أو أن توصم بشيء من شية العار، فلا يهولنك ما يقرع سمعك من الطنين أخذا من الميول والأهواء المردية بأن العصمة الثابتة لمن شاركها في الكساء لأجل تحملهم الحجية من رسالة أو إمامة، وقد تخلت الحوراء عنهما، فلا تجب عصمتها؛ فإنا لم نقل بتحقق العصمة فيهم عليهم السلام لأجل تبليغ الأحكام حتى يقال بعدم عصمة الصديقة لعدم توقف التبليغ عليها، وإنما تمسكنا لعصمتهم بعد نص الكتاب العزيز باقتضاء الطبيعة المتكونة من النور الإلهي المستحيل فيمن اشتق منه مقارفة إثم، أو تلوث بما لا يلائم ذلك النور الأرفع حتى في مثل ترك الأولى. وهذه القدسية كما أوجبت عدم تمثل الشيطان في المنام على ما أنبأت عنه الأخبار الصحيحة أوجبت نزاهة الزهراء عليهما السلام يعتري النساء عند العادة والولادة تفضيلا لها ولمن ارتكض في بطنها من طاهرين مطهرين. ومما يؤكد العصمة فيها المتواتر من قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (فاطمة بضعة مني، يغضبني من أغضبها، ويسرني من سرها، وإن الله يغضب لغضبها، ويرضى لرضاها)، فإن هذا كاشف عن إناطة رضاها بما فيه مرضاة الرب جل شأنه وغضبه بغضبها، حتى أنها لو غضبت أو رضيت على أمر مباح لابد من أن يكون له جهة شرعية تدخله في
      الراجحات، ولم تكن حالة الرضا والغضب فيها منبعثة عن جهة نفسانية؛ وهذا معنى العصمة الثابتة لها سلام الله عليها...(64) أقول: إن آية التطهير تدل دلالة واضحة على أنها عليها السلام مطهرة طهارة حقيقة عن كل نقص وعيب ووصمة وشين، لا من جهة الذنوب والمعاصي فحسب، بل عن الخواطر النفسانية التي لا تنافي العصمة التي ثابتة في الأنبياء وهي واجبة لهم، إذ كل ما يتنفر عنه العقل والطبع فهو داخل في الرجس، وهي عليها السلام قد طهرت عنه تحقيقا لدلالة الآية الشريفة؛ وقد حققنا المسألة في كتابنا (الإمام علي عليه السلام) بما لا مزيد عليه.

      49 ـ السمل بالتحريك: الثوب الخلق. وتهلل: كناية عن انخراق الثوب، والقياس أن يقول: تهلهل
      50 ـ أي أحسن إلي.
      51 ـ القرظ: ورق السلم يدبغ به.
      52 ـ (البحار) ج43، ص56 ـ58. والظاهر أن المراد من (ربه) صاحبه وهي فاطمة عليها السلام.
      53 ـ الدهر، 7
      54 ـ (تذكرة سبط ابن الجوزي) ص313 ـ315. وقد أتى بما أورد جده على القصة وأجاب عنه شافياً، واستطرف من الآية الشريفة طرائف، فالطالب يراجعه.
      55 ـ (حلية الأولياء) ج2، ص41. وراجع أيضاً مثله في (أعيان الشيعة) ج1، ص308 نقلاً عن (الاستيعاب).
      56 ـ المصدر السابق.
      57 ـ (حلية الأولياء) ج2، ص41 ـ42.
      58 ـ (المناقب لابن شهر آشوب) ج3، ص341.
      59 ـ المصدر السابق.
      60 ـ (البحار) ج43، ص91 ـ92.
      61 ـ الأحزاب، 33.
      62 ـ (شرح النهج) ج16،ن ص272.
      63 ـ (الغدير) ج7، ص231.
      64 ـ (وفاة الصديقة الزهراء عليها السلام) ص54 ـ55.

      تعليق


      • #18
        أشعة من حياة
        السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)


        خطبها
        الخطبة الفدكية وشرحها

        مر سابقاً دفاعها عن الإمامة بأقوالها وأفعالها، ولها أيضاً في ذلك خطبة ألقتها بحشد من الصحابة في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله في أمر فدك، وكلاماً مع نساء المهاجرين والأنصار عندما اجتمعن إليها في مرضها، تشكو فيه المستبدين بالخلافة وتتلهف من خروج الأمر عن علي عليه السلام. وهي خطبة تحتوي على المعارف والأحكام وما جرى من أمر فدك وإدالتها يداً بيد بين الخلفاء وذلك بقلم صاحب الفيض القدسي العلامة المجلسي (رحمه الله) في شرحهما(1).


        احتجاج فاطمة الزهراء عليها السلام على القوم لما منعوها فدك(2)

        روى عبد الله بن الحسن (عليه السلام) بإسناده عن آبائه (عليهم السلام) أنه لما أجمع(3) أبو بكر على منع فاطمة (عليها السلام) فدك، وبلغها ذلك، لاثت خمارها على رأسها(4)، واشتملت بجلبابها(5)، وأقبلت في لمة(6) من حفدتها(7) ونساء قومها، تطأ ذيولها(8)، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله(9)، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد(10) من المهاجرين والأنصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة(11)، فجلست، ثم أنّت أنّة أجهش القوم(12) لها بالبكاء. فارتجّ المجلس(13). ثم أمهلت هنيةً(14) حتى إذا سكن نشيج القوم(15)، وهدأت فورتهم(16)، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله، فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها، فقالت عليها السلام:

        الحمد لله على ما أنعم وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدّم، من عموم نعم ابتدأها(17)، وسبوغ آلاء أسداها(18)، وتمام منن والاها(19)، جم عن الإحصاء عددها(20)، ونأى عن الجزاء أمدها(21)، وتفاوت عن الإدراك أبدها(22)، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها(23)، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها(24)، وثنّى بالندب إلى أمثالها(25).
        وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها(26)، وضمّن القلوب موصولها(27)، وأنار في الفكر معقولها(28)، الممتنع من الأبصار رؤيته(29)، ومن الألسن صفته،(30) ومن الأوهام كيفيته. ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها(31)، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها(32)، كوّنها بقدرته، وذرأها بمشيته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها إلا تثبيتاً لحكمته، وتنبيهاً على طاعته(33)، وإظهاراً لقدرته، وتعبّداً لبريته(34)، وإعزازاً لدعوته(35) ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، ذيادةً لعباده عن نقمته(36) وحياشة منه إلى جنته(37).
        وأشهد أن أبي محمد (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله، اختاره وانتجبه قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتبله(38)، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة(39)، وبنهاية العدم مقرونة، علماً من الله تعالى بمآيل الأمور(40)، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع المقدور(41) ابتعثه الله تعالى إتماماً لأمره(42)، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنقاذاً لمقادير حتمه(43).
        فرأى الأمم فرقاً في أديانها، عكفاً على نيرانها(44)، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها(45) فأنار الله محمدٍ صلى الله عليه وآله ظلمها(46)، وكشف عن القلوب بهمها(47) وجلى عن الأبصار غممها(48)، وقام في الناس بالهداية، وأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية(49) وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم.
        ثم قبضه الله إليه رأفة واختيار(50) ورغبة وإيثار بمحمدٍ(51) صلى الله عليه وآله عن تعب هذه الدار في راحة، قد حُفّ بالملائكة الأبرار، ورضوان الرب الغفار، ومجاورة الملك الجبار، صلى الله على أبي نبيه وأمينه على الوحي، وصفيه وخيرته من الخلق ورضيّه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته.
        ثم التفتت إلى أهل المجلس وقالت:
        أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه(52) وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله على أنفسكم، وبلغاؤه إلى الأمم(53): وزعمتم حق لكم(54) لله فيكم، عهد قدّمه إليكم، وبقية استخلفها عليكم(55): كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بيّنة بصائره(56)، منكشفة سرائره(57)، متجلية ظواهره، مغتبطة به أشياعه(58)، قائد إلى الرضوان اتّباعه، مؤدٍ إلى النجاة إسماعه(59). به تُنال حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذّرة، وبيّناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة(60)، وشرائعه المكتوبة.
        فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس(61) ونماءً في الرزق(62)، والصيام تثبيتاً للإخلاص(63)، والحج تشييداً للدين(64)، والعدل تنسيقاً للقلوب(65)، وطاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من الفرقة، والجهاد عز للإسلام، والصبر معونة على استيجاب الأجر(66)، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، وبر الوالدين وقاية من السخط(67)، وصلة الأرحام منماة للعدد(68)، والقصاص حصناً للدماء، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس(69) والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس(70)، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة(71)، وترك السرقة إيجاباً للعفة(72)، وحرم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية، (فاتقوا الله حق تقاته ولا تمتن إلا وأنتم مسلمون) وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، فإنه (إنما يخشى الله من عباده العلماء).

        الهوامش
        1 ـ ونورد من الشرح ما هو بيان وتوضيح بصورة التعليقة، دون تكرار ألفاظ الخطبة.
        2 ـ قال العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار ج8، ص114، ط الكمباني: ولنوضح تلك الخطبة الغراء الساطعة عن سيدة النساء صلوات الله عليها التي تحير من العجب منها والإعجاب بها أحلام الفصحاء والبلغاء، ونبني الشرح على رواية (الاحتجاج) ونشير أحياناً إلى الروايات الأخر.
        3 ـ أي أحكم النية والعزيمة عليه.
        4 ـ أي عصبته وجمعته يقال: لاث العمامة على رأسه يلوثها لوثاً، أي شدها وربطها.
        5 ـ الجلباب، بالكسر: يطلق على الملحفة والرداء والإزار، والثوب الواسع للمرأة دون الملحفة والثوب كالمقنعة تغطي بها المرأة رأسها وصدرها وظهرها. والأول هنا أظهر.
        6 ـ اللمة، بضم اللام وتخفيف الميم: الجماعة. قال في النهاية: (في حديث فاطمة عليها السلام أنها خرجت في لمة من نسائها، تتوطأ ذيلها إلى أبي بكر فعاتبته، أي في جماعة من نسائها. قيل: هي ما بين الثلاثة إلى عشرة، وقيل: اللمة: المثل في السن والترب). وقال الجوهري: (الهاء عوض عن الهمزة الذاهبة من وسطه، وهو مما أخذت عينه كسَهٍ ومذ، وأصلها فعلة من الملاءمة وهي الموافقة). انتهى. أقول: ويحتمل أن يكون بتشديد الميم، قال الفيروز آبادي: (اللمة بالضم: الصاحب والأصحاب في السفر والمونس، للواحد والجمع).
        7 ـ الحفدة، بالتحريك: الأعوان والخدم.
        8 ـ أي كانت أثوابها طويلة تستر قدميها وتضع عليها قدمها عند المشي. وجمع الذيل باعتبار الأجزاء أو تعدد الثياب.
        9 ـ في بعض النسخ (من مشي رسول الله صلى الله عليه وآله). والخرم: الترك والنقص والعدول. والمشية بالكسر: الاسم من مشى يمشي مشياً، أي لم تنقص مشيتها من مشيته صلى الله عليه وآله شيئاً كأنه هو بعينه. قال في النهاية: (فيه: ما خرمت من صلاة رسول الله شيئاً، أي ما تركت. ومنه الحديث: لم أخرج منه حرفاً، أي لم أدع).
        10 ـ الحشد، بالفتح وقد يحرك: الجماعة. وفي الكشف: (إن فاطمة عليها السلام لما بلغها إجماع أبي بكر على منعها فدكاً لاثت خمارها، وأقبلت في لميمة من حفدتها ونساء قومها، تجر أدراعها، وتطأ في ذيولها، ما تخرم من مشية رسول الله صلى الله عليه وآله حتى دخلت على أبي بكر وقد حشد المهاجرين والأنصار، فضرب بينهم بريطة بيضاء ـ وقيل: قبطية ـ فأنت أنّه أجهش لها القوم بالبكاء، ثم أمهلت طويلاً حتى سكنوا من فورتهم، ثم قالت: أبتدئ بحمد من هو أولى بالحمد والطول والمجد، الحمد لله على ما أنعم).
        11 ـ الملاءة، بالضم والمد: الريطة والإزار. ونيطت بمعنى علقت، أي ضربوا بينها عليها السلام وبين القوم ستراً وحجاباً. والريطة، بالفتح: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لفقين، أو هي كل ثوب لين رقيق. والقبطية، بالكسر: ثياب بيض رقاق من كتان تتخذ بمصر، وقد تضم لأنهم يغيرون في النسبة.
        12 ـ الجهش أن يفزع الإنسان إلى غيره وهو مع ذلك يريد البكاء كالصبي يفزع إلى أمه وقد يتهيأ للبكاء، يقال: جهش إليه ـ كمنع ـ وأجهش.
        13 ـ الارتجاج: الاضطراب
        14 ـ أي صبرت زماناً قليلاً.
        15 ـ النشيج: صوت معه توجع وبكاء كما يردد الصبي بكاءه في صدره.
        16 ـ هدأت ـ كمنعت ـ أي سكنت. وفورة الشيء: شدته، وفار القدر أي جاشت.
        17 ـ أي بنعم أعطاها العباد قبل أن يستحقوها. ويحتمل أن يكون المراد بالتقديم الإيجاد والفعل من غير ملاحظة معنى الابتداء فيكون تأسيساً.
        18 ـ السبوغ: الكمال. والآلاء: جمع ألى، بالفتح والقصر وقد يكسر الهمزة. وأسدى وأولى وأعطى بمعنى واحد.
        19 ـ والاها، أي تابعها بإعطاء نعمة بعد أخرى بلا فصل
        20 ـ جم الشيء أي كثر. والجم: الكثير، والتعدية بعن لتضمين معنى التعدي والتجاوز.
        21 ـ الأمد بالتحريك: الغاية والمنتهى، أي بعد عن الجزاء بالشكر غايتها. فالمراد بالأمد إما الأمد المفروض إذ لا أمد لها على الحقيقة، أو الأمد الحقيقي لكل حد من حدودها المفروضة. ويحتمل أن يكون المراد بأمدها ابتداؤها، وقد مر في كثير من الخطب بهذا المعنى. وقال في النهاية: (في حديث الحجاج قال للحسن: ما أمدك؟ قال: سنتان من خلافة عمر. أراد أنه ولد لسنتين من خلافته. وللإنسان أمدان: مولده وموته). انتهى. وإذا حمل عليه يكون أبلغ. ويحتمل على بعد أن يقرأ بكسر الميم، قال الفيروز آبادي: (الآمد: المملوء من خير وشر، والسفينة المشحونة).
        22 ـ التفاوت: البعد. والأبد: الدهر، والدائم، والقديم الأزلي. وبعده عن الإدراك لعدم الانتهاء.
        23 ـ يقال: ندبه للأمر وإليه فانتدب، أي دعاه فأجاب. واللام في قولها (لاتصالها) لتعليل الندب، أي رغبهم في استزادة النعمة بسبب الشكر لتكون نعمة متصلة لهم غير منقطعة عنهم. وجعل اللام الأولى للتعليل والثانية للصلة بعيد. وفي بعض النسخ: (لإفضالها) فيحتمل تعلقه بالشكر.
        24 ـ أي طلب منهم الحمد بسبب إجزال النعم وإكمالها عليهم، يقال: أجزلت له من العطاء، أي أكثرت، وأجزاك النعم، كأنه طلب الحمد، أو طلب منهم الحمد حقيقة لإجزال النعم، وعلى التقديرين التعدية بإلى لتضمين معنى الانتهاء أو التوجه، وهذه التعدية في الحمد شائع بوجه آخر، يقال: أحمد إليك الله، قيل: أي أحمده معك، وقيل: أي أحمد إليك نعمة الله بتحديثك إياها. ويحتمل أن يكون (استحمد) بمعنى تحمد، يقال: فلان يتحمد علي، أي يمتن، فيكون إلى بمعنى على، وفيه بعد.
        25 ـ أي بعد أن أكمل لهم النعم الدنيوية ندبهم إلى تحصيل أمثالها من النعم الأخروية أو الأعم منها ومن مزيد النعم الدنيوية. ويحتمل أن يكون المراد بالندب إلى أمثالها أمر العباد بالإحسان والمعروف وهو على المحسن إليه، وعلى المحسن أيضاً، لأنه به يصير مستوجباً للأعواض والمثوبات الدنيوية والأخروية.
        26 ـ المراد بالإخلاص جعل الأعمال كلها خالصة لله تعالى، وعدم شوب الرياء والأغراض الفاسدة، وعدم التوسل بغيره تعالى في شيء من الأمور، فهذا تأويل كلمة التوحيد، لأن من أيقن بأنه الخالق والمدبر وبأنه لا شريك له في الإلهية فحق له أن لا يشرك في العبادة غيره، ولا يتوجه في شيء من الأمور إلى غيره.
        27 ـ هذه الفقرة تحتمل وجوهاً:
        الأول: أن الله تعالى ألزم وأوجب على القلوب ما تستلزمه هذه الكلمة من عدم تركيبه تعالى وعدم زيادة صفاته الكمالية الموجودة وأشباه ذلك مما يؤول إلى التوحيد.
        الثاني: أن يكون المعنى: جعل ما يصل إليه العقل من تلك الكلمة مدرجاً في القلوب بما أراهم من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم، أو بما فطرهم عليه من التوحيد.
        الثالث: أن يكون المعنى لم يكلف العقول الوصول إلى منتهى دقائق كلمة اللتوحيد وتأويلها، بل إنما كلف عامة القلوب بالإذعان بظاهر معناها وصريح مغزاها، وهو المراد بالوصول.
        الرابع: أن يكون الضمير في (موصولها) راجعاً إلى القلوب، أي لم يلزم القلوب إلا ما يمكنها الوصول إليها من تأويل تلك الكلمة الطيبة والدقائق المستنبطة منها، أو مطلقاً، ولولا التفكيك لكان أحسن الوجوه بعد الوجه الأول، بل مطلقاً.
        28 ـ أي أوضح في الأذهان ما يتعقل من تلك الكلمة بالتفكر في الدلائل والبراهين. ويحتمل إرجاع الضمير إلى القلوب. والفكر بصيغة الجمع، أي أوضح بالتفكر ما يعقلها العقول. وهذا يؤيد الوجه الرابع من وجوه الفقرة السابقة.
        29 ـ يمكن أن يقرأ (الأبصار) بصبغة الجمع، والمصدر. والمراد بالرؤية العلم الكامل والظهور التام.
        30 ـ الظاهر أن الصفة هنا مصدر، ويحتمل المعنى المشهور بتقدير، أي بيان صفته.
        31 ـ (لا من شيء) أي مادة.
        32 ـ احتذى مثاله: اقتدى به. و(امتثلها) أي تبعها ولم يبتعد عنها، أي لم يخلقها على وفق صنع غيره.
        33 ـ لأن ذوي العقل يتنبهون بمشاهدة مصنوعاته بأن شكر خالقها والمنعم بها واجب وأن خالقها مستحق للعبادة، أو بأن من قدر عليها يقدر على الإعادة والانتقام.
        34 ـ أي خلق البرية ليتعبدهم، أو خلق الأشياء ليتعبد البرايا بمعرفته والاستدلال بها عليه.
        35 ـ أي خلق الأشياء ليغلب ويظهر دعوة الأنبياء إليه بالاستدلال بها.
        36 ـ الذود والذياد، بالذال المعجمة: السوق والطرد والدفع والإبعاد.
        37 ـ حشت الصيد أحوشه: إذا جئته من حواليه لتصرفه إلى الحبالة، ولعل التعبير بذلك لنفور الناس بطباعهم عما يوجب دخول الجنة
        38 ـ الجبل: الخلق، يقال: جبلهم الله أي خلقهم، وجبله على الشيء أي طبعه عليه، ولعل المعنى أنه تعالى سماه لأنبيائه قبل أن يخلقه*، ولعل زيادة البناء للمبالغة تنبيهاً على أنه خلق عظيم. وفي بعض النسخ بالحاء المهملة، يقال: احتبل الصيد، أي أخذه بالحبالة، فيكون المراد به الخلق أو البعث مجازاً، وفي بعضها (قبل أن اجتباه) أي اصطفاه بالبعثة. وكل منها لا يخلو من تكلف.* قال السيوطي في (الاتقان) ج2، ص141: أخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن مرة قال: خمسة سموا قبل أن يكونوا: محمد: (ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد).
        39 ـ لعل المراد بالستر ستر العدم، أو حجب الأصلاب والأرحام. ونسبته إلى الأهاويل لما يلحق الأشياء في تلك الأحوال من موانع الوجود وعوائقه. ويحتمل أن يكون المراد أنها كانت مصونة عن الأهاويل بستر العدم إذ هي إنما تلحقها بعد الوجود. وقيل: التعبير بالأهاويل من قبيل التعبير عن درجات العدم بالظلمات.
        40 ـ على صيغة الجمع أي عواقبها. وفي بعض النسخ بصيغة المفرد.
        41 ـ أي لمعرفته تعالى بما يصلح وينبغي من أزمنة الأمور الممكنة المقدورة وأمكنتها ويحتمل أن يكون المراد بالمقدور المقدر، بل هو أظهر.
        42 ـ أي للحكمة التي خلق الأشياء لأجلها.
        43 ـ الإضافة في (مقادير حتمه) من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة، أي مقاديره المحتومة.
        44 ـ تفصيل وبيان للفرق بذكر بعضها، يقال: عكف على الشيء ـ كضرب ونصر ـ أي أقبل عليه مواظباً ولازمه، فهو عاكف، ويجمع على (عكف) بضم العين وفتح الكاف المشددة كما هو الغالب في فاعل الصفة نحو شُهد وغُيّب. والنيران جمع نار وهو قياس مطرد في جمع الأجوف نحو تيجان وجيران.
        45 ـ لكون معرفته تعالى فطرية، أو لقيام الدلائل الواضحة الدالة على وجوده سبحانه
        46 ـ الضمير في (ظلمها) راجع إلى الأمم، والضميران التاليان له يمكن إرجاعهما إليها وإلى القلوب والأبصار. والظلم بضم الظاء وفتح اللام: جمع ظلمة، استعيرت هنا للجهالة.
        47 ـ البهم: جمع بهمة بالضم، وهي مشكلات الأمور.
        48 ـ جلوت الأمر: أوضحته وكشفته. والغمم: جمع غمة، يقال: أمر غمة، أي مبهم ملتبس، قال الله تعالى: (ثم لا يكن أمركم عليكم غمة) قال أبو عبيدة: مجازها ظلمة وضيق، وتقول: غممت الشيء إذا غطيته وسترته.
        49 ـ العماية: الغواية واللجاج، ذكره الفيروز آبادي.
        50 ـ واختيار، أي من الله له ما هو خير له، أو باختيار منه صلى الله عليه وآله وسلم ورضاً، وكذا الإيثار، والأول أظهر فيهما.
        51 ـ لعل الظرف متعلق بالإيثار بتضمين معنى الضنّة أو نحوها. وفي بعض النسخ: (محمد) بدون الباء قتكون الجملة استئنافية، أو مؤكدة للفقرة السابقة، أو حالية بتقدير الواو. وفي بعض كتب المناقب القديمة: (فمحمد صلى الله عليه وآله) وهو أظهر. وفي رواية كشف الغمة: (رغبة بمحمد صلى الله عليه وآله عن تعب هذه الدار) وفي رواية أحمد بن أبي ظاهر: (بأبي عزت هذه الدار) وهو أظهر. ولعل المراد بالدار دار القرار، ولو كان المراد الدنيا تكون الجملة معترضة. وعلى التقادير لا يخلو من تكلف.
        52 ـ قال الفيروز آبادي: (النصب بالفتح: العلم المنصوب، ويحرك. وهذا نصب عيني، بالضم والفتح) انتهى. أي نصبكم الله لأوامره ونواهيه وهو خبر الضمير. و(عباد الله) منصوب على النداء.
        53 ـ أي تؤدون الأحكام إلى سائر الناس لأنكم أدركتم صحبة الرسول صلى الله عليه وآله.
        54 ـ أي زعمتم أن ما ذكر ثابت لكم، وتلك الأسماء صادقة عليكم بالاستحقاق. ويمكن أن يقرأ على الماضي والمجهول. وفي إيراد لفظ الزعم إشعار بأنهم ليسوا متصفين بها حقيقة وإنما يدعون ذلك كذباً. ويمكن أن يكون (حق لكم) جملة أخرى مستأنفة، أي زعمتم أنكم كذلك وكان يحق لكم وينبغي أن تكونوا كذلك لكن قصرتم. وفي بعض النسخ: (وزعمتم حق له فيكم وعهد) وفي كتاب المناقب القديم: (زعمتم أن لا حق لي فيكم، عهداً قدمه إليكم) فيكون (عهداً) منصوباً باذكروا ونحوه.* وفي الكشف: (إلى الأمم حولكم، لله فيكم عهد). *وفي الاحتجاج المطبوع: (زعيم حق له فيكم وعهد…) فلا يحتاج إلى التكلف.
        55 ـ العهد: الوصية. وبقية الرجل: ما يخلفه في أهله. والمراد بهما القرآن، أو بالأول ما أوصاهم به في أهل بيته وعترته، وبالثاني القرآن. وفي رواية أحمد بن أبي ظاهر: (وبقية استخلفنا عليكم ومعنا كتاب الله) فالمراد بالبقية أهل البيت عليهم السلام، وبالعهد ما أوصاهم به فيهم.
        56 ـ البصائر: جمع بصيرة وهي الحجة.
        57 ـ المراد بانكشاف السرائر وضوحها عند حملة القرآن وأهله.
        58 ـ الغبطة أن يتمنى المرء مثل حال المغبوط من غير أن يريد زوالها منه، تقول: غبطته فاغتبط. والباء للسببية أي أشياعه مغبوطون بسبب اتباعه. وتلك الفقرة غير موجودة في سائر الروايات.
        59 ـ على بناء الإفعال، أي تلاوته. وفي بعض نسخ الاحتجاج وسائر الروايات: (استماعه).
        60 ـ المراد بالعزائم: الفرائض، وبالفضائل: السنن، وبالرخص: المباحات بل ما يشمل المكروهات، وبالشرائع ما سوى ذلك من الأحكام كالحدود والديات والأعم، وأما الحجج والبينات والبراهين فالظاهر أن بعضها مؤكدة لبعض، ويمكن تخصيص كل منها ببعض ما يتعلق بأصول الدين لبعض المناسبات. وفي رواية ابن أبي طاهر: (وبيناته الجالية وجمله الكافية) فالمراد بالبينات: المحكمات، وبالجمل: المتشابهات، ووصفها بالكافية لدفع توهم نقص فيها لإجمالها فإنها كافية فيما أريد منها، ويكفي معرفة الراسخين في العلم بالمقصود منها فإنهم المفسرون لغيرهم. ويحتمل أن يكون المراد بالجمل العمومات التي يستنبط منها الأحكام الكثيرة.
        61 ـ أي من دنس الذنوب، أو من رذيلة البخل، إشارة إلى قوله تعالى: (تطهرهم وتزكيهم بها)
        62 ـ إيماء إلى قوله تعالى: (وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون)، على بعض التفاسير.
        63 ـ أي لتشييد الإخلاص وإبقائه أو لإثباته وبيانه. ويؤيد الأخير أن في بعض الروايات: (تبييناً). وتخصيص الصوم بذلك لكونه أمراً عدمياً لا يظهر لغيره تعالى، فهو أبعد من الرياء وأقرب إلى الإخلاص. وهذا أحد الوجوه في تفسير الحديث المشهور: (الصوم لي وأنا أجزي به) وقد شرحناه في حواشي الكافي وسيأتي في كتاب الصوم إن شاء الله تعالى.
        64 ـ إنما خص التشييد به لظهوره ووضوحه وتحمل المشاق فيه وبذل النفس والمال له، فالإتيان به أدل دليل على ثبوت الدين، أو يوجب استقرار الدين في النفس لتلك العلل وغيرها مما لا نعرفه. ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما ورد في الأخبار الكثيرة من أن علة الحج التشرف بخدمة الإمام وعرض النصرة عليه وتعلم شرائع الدين منه، فالتشييد لا يحتاج إلى تكلف. وفي العلل ورواية ابن أبي طاهر: (تسلية للدين) فلعل المعنى تسلية للنفس بتحمل المشاق وبذل الأموال بسبب التقيد بالدين، أو المراد بالتسلية الكشف والإيضاح فإنها كشف الهم، أو المراد بالدين أهل الدين، أو أسند إليه مجازاً. والظاهر أنه تصحيف (تسنية) وكذا في الكشف وفي بعض نسخ العلل، أي يصير سبباً لرفعة الدين وعلوه.
        65 ـ التنسيق: التنظم. وفي العلل: (مسكاً للقلوب) أي ما يمسكها. وفي القاموس: (المسكة بالضم: ما يتمسك به وما يمسك الأبدان من الغذاء والشراب، والجمع كصرد. والمسك محركة: الموضع يمسك الماء). وفي رواية ابن أبي طاهر والكشف: (تنسكاً للقلوب) أي عبادة لها، لأن العدل أمر نفساني تظهر آثاره على الجوارح.
        66 ـ إذ به يتم فعل الطاعات وترك السيئات.
        67 ـ أي سخطهما أو سخط الله تعالى، والأول أظهر.
        68 ـ المنماة: اسم مكان أو مصدر ميمي أي يصير سبباً لكثرة عدد الأولاد والعشائر، كما أن قطعها يذر الديار بلاقع من أهلها.
        69 ـ في سائر الروايات: (للبخسة) أي لئلا ينقص مال من ينقص المكيال والميزان إذ التوفية موجبة للبركة وكثرة المال، أو لئلا ينقصوا أموال الناس، فيكون المقصود أن هذا أمر يحكم العقل بقبحه.
        70 ـ أي النجس أو ما يجب التنزه عنه عقلاً، والأول أوضح في التعليل، فيمكن الاستدلال على نجاستها.
        71 ـ أي لعنة الله، أو لعنة المقذوف، أو القاذف، فيرجع إلى الوجه الأخير في السابقة، والأول أظهر، إشارة إلى قوله تعالى: (لعنوا في الدنيا والآخرة).
        72 ـ أي لا ولة عن التصرف في أموال الناس مطلقاً، أو يرجع إلى ما مر، وكذا الفقرة التالية. وفي الكشف بعد قوله (للعفة): (والتنزه عن أموال الأيتام، والاستئثار بفيئهم إجارة من الظلم، والعدل في الأحكام إيناساً للرعية، والتبري من الشرك إخلاصاً للربوبية).

        تعليق


        • #19
          الموت والخلود
          السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)


          استشهادها
          مدة مكثها بعد أبيها (صلى الله عليه وآله)

          1ـ قال أبو الفرج الأصفهاني: وكانت وفاة فاطمة عليها السلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله بمدة يختلف في مبلغها، فالمكثر يقول بستة أشهر، والمقلل يقول أربعين يوماً، إلا أن الثابت في ذلك ما روي عن أبي جعفر محمد بن علي أنها توفيت بعده بثلاثة أشهر(1).


          2ـ ذكر العلامة المجلسي (ره) عين كلامه إلا أنه قال: فالمكثر يقول ثمانية أشهر. وأيضاً قال بعد قوله: (ثلاثة أشهر): حدثني بذلك الحسن بن علي، عن الحارث، عن ابن سعد، عن الواقدي، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام(2).


          3ـ قال ثقة الإسلام الكليني (ره): ولدت فاطمة ـ عليها وعلى بعلها السلام ـ بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله بخمس سنين، وتوفيت عليها السلام ولها ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً، وبقيت بعد أبيها صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً. وقال (بحذف الإسناد) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن فاطمة عليها السلام مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان يأتيها جبرائيل فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك(3).


          4ـ قال العلامة المقرم (ره): اختلف في وفاة الصديقة على أقوال: الأول ـ أنها بقيت بعد أبيها المصطفى صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً، وهو المختار لأنه المشهور بين المؤرخين، وبه جاءت الرواية عن الصادق عليه السلام كما في (الكافي) للكليني، و(الاختصاص) للشيخ المفيد، و(معالم الزلفى) للسيد هاشم البحراني صلى الله عليه وآله وسلم ص 133. الثاني ـ بقيت أربعين يوماً، ذكره في (مروج الذهب) ج1، ص403، و(روضة الواعظين) ص130، و(كتاب سليم) ص203، ونسبه إلى الرواية في (كشف الغمة) ص149، وفي (تاريخ القرماني) هو الأصح. الثالث ـ توفيت لثلاث خلون من جمادى الآخرة، ذكره الكفعمي في (المصباح)، والشيخ الطوسي في (مصباح المتهجد) ص554، والسيد ابن طاووس في (الإقبال)، ورواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام كما في (البحار) ج10، ص1، وإليه يرجع ما في (مقاتل الطالبيين) ص19 من أن الثلاثة أشهر هو الثابت من رواية أبي جعفر الباقر عليه السلام. الرابع ـ العشرون من جمادى الآخرة، ذكره في (دلائل الإمامة) ص46. الخامس ـ اثنان وسبعون، ذكره ابن شهر آشوب في (المناقب) ج2، ص112. السادس ـ مائة يوم، ذكره ابن قتيبة في (المعارف) ص62. السابع ـ ستون يوماً، رواه الشيخ هاشم في (مصباح الأنوار) عن أبي جعفر عليه السلام. الثامن ـ ستة أشهر، ذكره ابن حجر في (الإصابة) ترجمة فاطمة، وذكر فيها حديث الأربعة أشهر والثمانية أشهر. التاسع ـ خمسة وتسعون يوماً، نقله في (البحار) ج10، ص52، و(الإصابة) لابن حجر عن الدولابي في كتاب (الذرية الطاهرة). العاشر ـ ثلاث خلون من شهر رمضان، ذكره في (نور الأبصار) ص42، و(مناقب) الخوارزمي ج1، ص83، و(الإصابة) لابن حجر ج4، ص280(4).


          5ـ قال العلامة المجلسي (ره): لا يمكن التطبيق بين أكثر تواريخ الولادة والوفاة ومدة عمرها الشريف، ولا بين تواريخ الوفاة وبين ما مر في الخبر الصحيح أنها عليها السلام عاشت بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً إذ لو كان وفاة الرسول صلى الله عليه وآله في الثامن والعشرين من صفر كان على هذا وفاتها في أواسط جمادى الأولى، وما رواه أبو الفرج عن الباقر عليه السلام من كون مكثها بعده صلى الله عليه وآله ثلاثة أشهر يمكن تطبيقه على ما هو المشهور من كون وفاتها في ثالث جمادى الآخرة، ويدل عليه أيضاً ما مر من خبر أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام برواية الطبري(5) بأن يكون عليه السلام لم يتعرض للأيام الزائدة لقلتها. والله أعلم(6).

          علة شهادتها وكيفية استشهادها وتجهيزها (سلام الله عليها)

          1ـ عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث): وكان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى الرجل
          (أي عمر بن الخطاب) لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسناً ومرضت من ذلك مرضاً شديداً، ولم تدع أحداً ممن آذاها يدخل عليها(7)...


          2 ـ وقال المحدث القمي (ره): وكان سبب وفاتها أن قنفذ مولى عمر
          لكزها بنعل السيف(8).


          3 ـ أخذت فاطمة باب الدار ولزمتها عن ورائها، فمنعتهم عن الدخول، ضرب عمر برجله على الباب فقلعت فوقعت على بطنها سلام الله عليها، فسقط جنينها المحسن(9).


          4 ـ حين ما جروا أمير المؤمنين مع حلس كان مستقراً عليه، لزمت فاطمة مع ما كان عليها من وجع القلب بطرف الحلس تجره ويجر القوم على خلافها... أخذ عمر عن خالد بن وليد سيفاً فجعل يضرب بغمده على كتفها حتى صارت مجروحة(10).


          5ـ علة وفاة فاطمة أن عمر بن الخطاب هجم مع ثلاث مائة رجل على بيتها سلام الله عليها(11).

          تاريخ استشهادها (عليها السلام)

          ليس من العجيب أن يختلف المؤرِّخون في تاريخ
          شهادتها ومقدار عمرها كما اختلفوا في تاريخ ولادتها قبل البعثة أو بعدها، وهكذا الاختلاف في مقدار مكثها في الحياة بعد وفاة أبيها الرسول (صلى الله عليه وآله).

          فاليعقوبي يروي أنها عاشت بعد أبيها ثلاثين أو خمسة وثلاثين يوماً وهذا أقلّ ما قيل في مدة بقائها بعد الرسول وقول آخر: أربعون يوماً وقول ثالث: خمسة وسبعون وهو الأشهر ورابع: خمسة وتسعون يوماً وهو الأقوى وهناك أقوال لا يعبأ بها كالقول بأنها عاشت بعد أبيها ستة أشهر أو ثمانية أشهر وهذا أكثر ما قيل في مكثها بعد أبيها (صلى الله عليه وآله).
          وهناك أحاديث واردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كانت ولا تزال مورد الاعتبار والاعتماد.
          ففي كتاب (دلائل الإمامة) للطبري الإمامي بإسناده عن الأمام الصادق (عليه السلام): أنها قُبضت في جمادي الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه، سنة إحدى عشرة من الهجرة.
          وفي العاشر من البحار عن جابر بن عبد الله: وقبض النبي ولها يومئذ ثماني عشرة سنة وسبعة أشهر.
          أيضاً عن الإمام محمد بن عليّ الباقر (عليه السلام): وتوفيت ولها ثمانية عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً.
          وروى الكليني هذا القول في الكافي.
          وعلى كل تقدير فإن عشرات الآلاف من المجالس والمآتم تقام في البلاد الشيعية بمناسبة وفاة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في المساجد والبيوت والمجامع، ويطعمون الطعام في يوم وفاتها بكل سخاء، وتسمّى تلك الأيام بـ(الفاطمية) فيرقى الخطباء المنابر ويتحدثون عن السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وعن حياتها الزاخرة بالفضائل والمناقب والمواقف المشرِّفة، ويختمون كلامهم عن ذكر بعض مصائبها وآلامها.
          كيفية استشهادها (سلام الله عليها)

          1ـ قالت لأم سلمة: اسكبي لي ماءً أغتسل به، فأتت به، فاغتسلت ولبست ثياباً طاهرة، وأمرتها أن تبسط فراشها بوسط الحجرة، فانضجعت على يمينها مستقبلة القبلة، ووضعت يدها اليمنى تحت خدها(12).


          2ـ في رواية أخرى: قالت لأسماء: اسكبي لي ماءً، واغتسلت به، ثم قالت: ناوليني ثيابي الجدد، فلبستها، ثم قالت: آتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا، فضعيه تحت رأسي، ثم اخرجي عني وانظريني هنيهة، فإني أريد أن أناجي ربي عز وجل. قالت أسماء: فخرجت عنها فسمعتها تناجي ربها، فدخلت عليها وهي لا تشعر بي، فرأيتها رافعة يديها إلى السماء وهي تقول: اللهم إني أسألك بمحمد المصطفى وشوقه إلي، وببعلي علي المرتضى وحزنه علي، وبالحسن المجتبى وبكائه علي، وبالحسين الشهيد وكآبته علي، وببناتي الفاطميات وتحسرهن علي، إنك ترحم وتغفر للعصاة من أمة محمد، وتدخلهم الجنة، إنك أكرم المسؤولين، وأرحم الراحمين(13).


          3 ـ وقالت: انتظريني هنيهة ثم ادعني، فإن أجبتك وإلا فاعلمي أني قد قدمت على أبي. قال الراوي: فانتظرتها أسماء هنيهة ثم نادتها، فلم تجبها، فنادت: يا بنت محمد المصطفى، يا بنت أكرم من حملته النساء، يا بنت خير من وطأ الحصى، يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى، فلم تجبها، فكشفت الثوب عن وجهها فإذا بها قد فارقت الدنيا. فوقعت عليها تقبلها وهي تقول: يا فاطمة إذا قدمت على أبيك رسول الله فأقرئيه عن أسماء بنت عميس السلام. ثم شقت أسماء جيبها وخرجت، فتلقاها الحسن والحسين عليهما السلام فقالا: أين أمنا؟ فسكتت، فدخلا البيت فإذا هي ممدة، فحركها الحسين عليه السلام فإذا هي ميتة، فقال: يا أخاه آجرك الله في الوالدة. فوقع عليها الحسن عليه السلام يقبلها مرة ويقول: يا أماه كلميني قبل أن يفارق روحي بدني. قالت: وأقبل الحسين عليه السلام يقبل رجليها ويقول: يا أماه أنا ابنك الحسين، كلميني قبل أن ينصدع قلبي فأموت. قالت لهما أسماء: يا ابني رسول الله صلى الله عليه وآله انطلقا إلى أبيكما علي عليه السلام فأخبراه بموت أمكما. فخرجا يناديان يا محمداه، يا أحمداه، اليوم جدد لنا موتك إذ ماتت أمنا، ثم أخبرا علياً عليه السلام وهو في المسجد، فغشي عليه، حتى رش عليه الماء، ثم أفاق وكان عليه السلام يقول: بمن العزاء يا بنت محمد، كنت بك أتعزى، ففيم العزاء من بعدك؟ قال المسعودي: ولما قبضت عليها السلام جزع علي عليه السلام جزعاً شديداً، واشتد بكاؤه وظهر أنينه وحنينه، وقال في ذلك:

          وكـل الذي دون المـمات(14) قليل

          لكـــــل اجتـــماع مـن خـليلين فرقة
          دلـيل عـلى أن لا يـدوم خـليل(16)

          وإن افتقادي واحداً بعد واحد(15)

          4ـ قال العلامة المقرم (ره): قالت أم سلمى زوجة أبي رافع: كنت أمرض فاطمة أيام شكاتها، فأصبحت يوماً كأمثل ما رأيتها في شكواها، فقالت لي: يا أماه اسكبي لي غسلاً، فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل، ثم قالت لي: يا أماه أعطيني ثيابي الجدد، فلبستها وأمرتني أن أقدم فراشها وسط البيت، ففعلت، فنامت عليه مستقبلة القبلة(17) وقالت: يا أماه إني مقبوضة الآن، فلا يكشفني أحد. تقول أسماء بنت عميس: لما دخلت فاطمة البيت انتظرتها هنيهة ثم ناديتها، فلم تجب، فناديت: يا بنت محمد المصطفى، يا بنت أكرم من حملته النساء، يا بنت خير من وطأ الحصى، يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى، فلم تجب، فدخلت البيت وكشفت الرداء عنها فإذا بها قد قضت نحبها شهيدة، صابرة مظلومة محتسبة ما بين المغرب والعشاء. فوقعت عليها أقبلها وأقول: يا فاطمة إذا قدمت على أبيك صلى الله عليه وآله فأقرئيه مني السلام. فبينا هي كذلك وإذا بالحسن والحسين دخلا الدار وعرفا أنها ميتة، فوقع الحسن يقبلها ويقول: يا أماه كلميني قبل أن تفارق روحي بدني، والحسين يقبل رجلها ويقول: يا أماه أنا ابنك الحسين، كلميني قبل أن ينصدع قلبي فأموت. ثم خرجا إلى المسجد وأعلما أباهما بشهادة أمهما، فأقبل أمير المؤمنين إلى المنزل وهو يقول: بمن العزاء يا بنت محمد؟ كنت بك أتعزى، ففيم العزاء من بعدك؟ وقال عليه السلام: اللهم إني راض عن ابنة نبيك صلى الله عليه وآله اللهم إنها قد أوحشت فآنسها، وهجرت فصلها، وظلمت فاحكم لها يا أحكم الحاكمين. وخرجت أم كلثوم متجللة برداء وهي تصيح: يا أبتاه يا رسول الله الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده. وكثر الصراخ في المدينة على ابنة رسول الله، واجتمع الناس ينتظرون خروج الجنازة، فخرج إليهم أبو ذر وقال: انصرفوا إن ابنة رسول الله أخر إخراجها هذه العشية. وأخذ أمير المؤمنين في غسلها، وعلله الإمام الصادق عليه السلام بأنها صديقة فلا يغسلها إلا صديق، كما أن مريم لم يغسلها إلا عيسى عليه السلام. وقال عليه السلام: إن علياً أفاض عليها من الماء ثلاثاً وخمساً، وجعل في الخامسة شيئاً من الكافور، وكان يقول: اللهم إنها أمتك، وبنت رسولك، وخيرتك من خلقك، اللهم لقنها حجتها، وأعظم برهانها، وأعل درجتها، واجمع بينها وبين محمد صلى الله عليه وآله. وحنطها من فاضل حنوط رسول الله الذي جاء به جبرائيل، فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا علي ويا فاطمة هذا حنوط من الجنة دفعه إلي جبرائيل، وهو يقرئكما السلام ويقول لكما: اقسماه واعزلا منه لي ولكما، فقالت فاطمة: ثلثه لك، والباقي ينظر فيه علي عليه السلام. فبكى رسول الله وضمها إليه وقال: إنك موفقة رشيدة مهدية ملهمة، يا علي قل في الباقي، فقال: نصف منه لها، والنصف لمن ترى يا رسول الله، قال: هو لك. وكفنها في سبعة أثواب، وقبل أن يعقد الرداء عليها نادى: يا أم كلثوم، يا زينب، يا فضة، يا حسن، يا حسين، هلموا وتزودوا من أمكم الزهراء، فهذا الفراق، واللقاء في الجنة. فأقبل الحسنان عليهما السلام يقولان: وا حسرتا لا تنطفئ من فقد جدنا محمد المصطفى وأمنا الزهراء، إذا لقيت جدنا فأقرئيه منا السلام وقولي له: إنا بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا. فقال أمير المؤمنين عليه السلام أشهد أنها حنت وأنت ومدت يديها وضمتهما إلى صدرها ملياً، وإذا بهاتف من السماء ينادي يا أبا الحسن ارفعهما عنها، فلقد أبكيا والله ملائكة السماء. فرفعهما عنها، وعقد الرداء عليها، وصلى عليها، ومعه الحسن والحسين وعقيل وعمار وسلمان والمقداد وأبو ذر، ودفنها في بيتها. ولما وضعها في اللحد قال: بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله، وعلى ملة رسول الله محمد بن عبد الله، سلمتك أيتها الصديقة إلى من هو أولى بك مني، ورضيت لك بما رضي الله لك. ثم قرأ: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى)(18). وفي حديث غيرنا: إن أمير المؤمنين لما أنزلها في القبر وسواه عليها، سألها الملكان من ربك؟ قالت: الله ربي، قالا: ومن نبيك؟ قالت: أبي محمد، قالا: ومن إمامك؟ قالت: هذا القائم على قبري علي. ثم إنه عليه السلام سوى في البقيع سبعة قبور، أو أربعين قبراً، ولما عرف الشيوخ دفنها، وفي البقيع قبور جدد، أشكل عليهم الأمر فقالوا: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور لنخرجها ونصلي عليها. فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام، فخرج مغضباً عليه قباؤه الأصفر الذي يلبسه عند الكريهة، وبيده ذو الفقار، وهو يقسم بالله: لئن حول من القبور حجر ليضعن السيف فيهم، فتلقاه عمر ومعه أصحابه فقال له: ما لك والله يا أبا الحسن لننبشن قبرها ونصلي عليها. فأخذ أمير المؤمنين بمجامع ثوبه وضرب به الأرض وقال له: يا ابن السوداء أما حقي فتركته مخافة أن يرتد الناس عن دينهم، وأما قبر فاطمة فو الذي نفسي بيده لئن حول منه حجر لأسقين الأرض من دمائكم. وجاء أبو بكر وأقسم عليه برسول الله أن يتركه، فخلى عنه، وتفرق الناس(19).

          تعليق


          • #20
            الصلاة عليها

            1 ـ روي: أن فاطمة عليها السلام توفيت ولها ثمان عشرة سنة وشهرين، وأقامت بعد النبي صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً وروي: أربعين يوماً، وتولى غسلها وتكفينها أمير المؤمنين عليه السلام، وأخرجها ومعه الحسن والحسين في الليل، وصلوا عليها ولم يعلم بها أحد(20).


            2 ـ فلما توفيت قام أمير المؤمنين عليه السلام بجميع ما وصته، فغسلها في قميصها، وأعانته على غسلها أسماء بنت عميس(21)، وأمر الحسن والحسين عليهما السلام يدخلان الماء، ولم يحضرها غيره وغير الحسنين وزينب وأم كلثوم وفضة جاريتها وأسماء بنت عميس، وكفنها في سبعة أثواب ثم صلى عليها، وكبر خمساً، ودفنها في جوف الليل، وعفى قبرها، ولم يحضر دفنها والصلاة عليها إلا علي والحسنان ونفر من بني هاشم وخواص علي عليه السلام(22).


            3 ـ عن علي عليه السلام قال: خلقت الأرض لسبعة، بهم يرزقون، وبهم يمطرون، وبهم ينصرون: أبو ذر وسلمان والمقداد وعمار وحذيفة وعبد الله بن مسعود، ـقال علي عليه السلامـ وأنا إمامهم وهم الذين شهدوا الصلاة على فاطمة عليها السلام(23).


            4 ـ ولما ماتت فاطمة عليها السلام قام عليها أمير المؤمنين عليه السلام وقال: (اللهم إني راض عن ابنة نبيك، اللهم إنها قد أوحشت فآنسها، اللهم إنها قد هجرت فصلها، اللهم إنها قد ظلمت فاحكم لها وأنت خير الحاكمين)(24).


            5 ـ فلما جن الليل غسلها علي، ووضعها على السرير، وقال للحسن: ادع لي أبا ذر فدعاه، فحملاه إلى المصلى، فصلى عليها، ثم صلى ركعتين، ورفع يديه إلى السماء فنادى: هذه بنت نبيك فاطمة، أخرجتها من الظلمات إلى النور، فأضاءت الأرض ميلاً في ميل. فلما أرادوا أن يدفنوها نودوا من بقعة من البقيع: إلي إلي فقد رفع تربتها مني، فنظروا فإذا هي بقبر محفور، فحملوا السرير إليها فدفنوها، فجلس علي على شفير القبر فقال: (يا أرض استودعتك وديعتي، هذه بنت رسول الله)، فنودي منها: (يا علي أنا أرفق بها منك، فارجع ولا تهتم) فرجع وانسد القبر، واستوى بالأرض، فلم يعلم أين كان إلى يوم القيامة(25).


            6 ـ تاريخ الطبري: إن فاطمة دفنت ليلاً، ولم يحضرها إلا العباس وعلي والمقداد والزبير. وفي رواياتنا أنه صلى عليها أمير المؤمنين والحسن والحسين وعقيل وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وبريدة. وفي رواية: والعباس وابنه الفضل. وفي رواية: وحذيفة وابن مسعود(26).


            7ـ فلما واراها وألحدها في لحدها أنشأ بهذه الأبيات، يقول:

            وصــاحبها حــتى المــمات عــلـيـل

            أرى عــلــل الــدنيا عــلـي كثـيــرة
            وإن بـقــائـي عــنــدكم لـقــلـــيــــل

            لـكــل اجــتماع مــن خـليـلين فرقـة
            دليل عــلــى أن لا يدوم خليل(27)

            وإن افتــقـادي فـاطماً بـعــد أحـــمد

            أول نعش أحدث في الإسلام نعشها عليها السلام
            1ـ في حديث: ثم قالت: أوصيك يا ابن عم أن تتخذ لي نعشاً، فقد رأيت الملائكة صوروا صورته. فقال لها: صفيه لي، فوصفته، فاتخذه لها. فأول نعش عمل على وجه الأرض ذاك، وما رأى أحد قبله ولا عمل أحد(28).

            2 ـ عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن أول من جعل له النعش، قال: فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله.


            3 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أول نعش أحدث في الإسلام نعش فاطمة، إنها اشتكت شكاتها التي قبضت فيها قالت لأسماء: إني نحلت فأُذهب لحمي، ألا تجعلين لي شيئاً يسترني؟ فقالت أسماء: إني إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئاً، أفلا أصنع لك مثله؟ فإن أعجبك صنعت لك، قالت: نعم، فدعت بسرير، فأكبته لوجهه، ثم دعت بجرائد فشددته على قوائمه، ثم جللته ثوباً فقالت: هكذا رأيتهم يصنعون، فقالت: اصنعي لي مثله، استريني سترك الله من النار.


            4 ـ قال الصادق عليه السلام: أول من جعل له النعش فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله.


            5 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن أول من جعل له النعش، فقال: فاطمة عليها السلام.


            6 ـ عن ابن عباس قال: مرضت فاطمة عليها السلام مرضاً شديداً، فقالت لأسماء بنت عميس: ألا ترين إلى ما بلغت؟ فلا تحمليني على سرير ظاهر، فقالت: لا لعمري، ولكن أصنع نعشاً كما رأيت يصنع بالحبشة. قالت: فأرينيه، فأرسلت إلى جرائد رطبة فقطعت من الأسواق، ثم جعلت على السرير نعشاً، وهو أول ما كان النعش، فتبسمت، وما رأيتها مبتسمة إلا يومئذ، ثم حملناها فدفناها ليلاً.


            7ـ عن أسماء بنت عميس: إن فاطمة عليها السلام قالت لها: إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء، إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى، فقالت: يا بنت رسول الله أنا أصنع لك شيئاً رأيته بأرض الحبشة، قالت: فدعوت بجريدة رطبة فحبستها(29)، ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله! لا تعرف به المرأة من الرجل، فإذا مت فاغسليني أنت ـإلى أن قالـ فلما ماتت عليها السلام غسلها علي وأسماء(30).

            تذييل

            قال محشي البحار: قد كثر في هذا الباب ذكر أسماء بنت عميس وأن فاطمة عليها السلام أوصت إليها بكذا وكذا. لكنه ينافي ما هو الثابت في التاريخ من أنها كانت زوجة جعفر بن أبي طالب، ثم بعد شهادته تزوجها أبي بكر بن أبي قحافة، وبعد وفاته ـ في سنة ثلاث وعشرة من الهجرة بعد رحلة النبي صلى الله عليه وآله بأزيد من سنتين تزوجها علي بن أبي طالب، فكانت عنده مع ابنها محمد بن أبي بكر. فإما أن يكون وفاة فاطمة عليها السلام بعد هذه السنة ولم يقل به أحد، أو كان (أسماء بنت عميس) مصحفاً عن (سلمى) امرأة أبي رافع كما مر عن (أمالي الطوسي ص172)، ويجيء في غيره من المصادر، أو سلمى امرأة حمزة بن عبد المطلب وهي أخت أسماء بنت عميس كما احتمله الإربلي في (كشف الغمة) وقد مر ص 136، وإما أن يكون مصحفاً عن (أسماء بنت يزيد بن السكن) كما مر 132 عن الكنجي الشافعي، وهو الأشبه(31).

            نقول: ويؤيده ما في (الإصابة) بترجمة فاطمة الزهراء عليها السلام: نقل أبو عمر في قصة وفاتها أن فاطمة أوصت علياً أن يغسلها هو وأسماء بنت عميس. واستبعده ابن فتحون فإن أسماء كانت حينئذ زوج أبي بكر (إلى أن قال) وهو محل الاستبعاد(32).

            دفنها عليها السلام

            1 ـ روي أنه لما صار بها إلى القبر المبارك خرجت يد فتناولتها وانصرف(33).


            2 ـ في حديث: فلما قضت نحبها صلى الله عليها وهم في ذلك في جوف الليل، أخذ علي عليه السلام في جهازها من ساعته كما أوصته، فلما فرغ من جهازها أخرج علي الجنازة وأشعل النار في جريد النخل، ومشى مع الجنازة بالنار حتى صلى عليها ودفنها ليلاً(34).


            3 ـ وذكر الحاكم: أن فاطمة لما ماتت أنشأ علي عليه السلام:

            يــا ليــتها خــرجت مــع الــزفرات

            نـفــسي عــلى زفــــراتها محبوسة
            أبكـي مخافة أن تطول حياتي(35)

            لا خيــر بـعــدك فـــي الحيـاة وإنما

            4 ـ فلما نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن، فأرسل دموعه على خديه وحول وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: السلام عليك يا رسول الله ـ الخ(36).

            ومن وصيتها له: إذا أنزلها في القبر وسوى التراب عليها يجلس عند رأسها قبالة وجهها، ويكثر من تلاوة القرآن والدعاء، فإنها ساعة يحتاج الميت فيها إلى أنس الأحياء(37).

            الهوامش
            1 ـ (مقاتل الطالبيين) ص49، ط بيروت
            2 ـ (البحار) ج43، ص215
            3 ـ (الكافي) ج1، ص458
            4 ـ (وفاة الصديقة الزهراء عليها السلام) ص114 ـ 115.
            5 ـ وهو: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال: ولدت عليها السلام في جمادى الآخرة في العشرين منه سنة خمس وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وآله، وأقامت بمكة ثمان سنين، وبالمدينة عشر سنين، وبعد وفاة أبيها خمسة وسبعين يوماً (أو تسعين)، وقبضت في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه... (دلائل الإمامة، ص45) أقول: إن نسخة الطبري كانت خمسة وسبعين،، ولعلها صحف والصحيح خمسة وتسعين
            6 ـ (البحار) ج43، ص215 ـ216.
            7 ـ (دلائل الإمامة) للطبري، ص45
            8 ـ (بيت الأحزان) ص160. والكنز: الدفع والضرب، والطعن بطرف سنان الرمح.
            9 ـ (ملتقى البحرين) ص81، (الجنة العاصمة) ص251
            10 ـ (ملتقى البحرين) ص81، (الجنة العاصمة) ص251
            11 ـ المصدر، ص81.
            12 ـ (وفاة فاطمة الزهراء) للعلامة البلادي البحراني، ص77 ـ 78
            13 ـ (وفاة فاطمة الزهراء) للعلامة البلادي البحراني، ص77 ـ78
            14 ـ دون الفراق ـ خ ل.
            15 ـ فاطمة بعد أحمد ـ خ ل.
            16 ـ (بيت الأحزان) ص150 ـ152
            17 ـ ثم توسدت يدها اليمنى واستقبلت القبلة (البحار، 43/188) وجعلت يدها تحت نحرها وقالت: إني مقبوضة (تذكرة الخواص 318). ووضعت يدها اليمنى تحت خدها (وفاة الزهراء للبلادي 79).
            18 ـ طه، 55.
            19 ـ (وفاة الصديقة الزهراء عليها السلام) ص106 ـ110.
            20 ـ (عوالم المعارف) ج11، ص292.
            21 ـ في (تذكرة الخواص) ص319: إن علياً غسلها، وأسماء تصب عليها.
            22 ـ (المجالس السنية) ج2، ص122.
            23 ـ (الخصال) ص360 و588.
            24 ـ (الخصال) ص360 و588.
            25 ـ (البحار) ج43، ص215.
            26 ـ المصدر، ص183 و180.
            27 ـ المصدر، ص183 و180.
            28 ـ (البحار) ج43، ص192.
            29 ـ في البحار: فحسنتها.
            30 ـ (وسائل الشيعة) ج2، ص876 ـ877، الباب 52 من أبواب الدفن.
            31 ـ هامش (البحار) ج43، ص181 ـ182.
            32 ـ (الإصابة) ج4، ص378.
            33 ـ (البحار) ج43، ص184 و204 و213.
            34 ـ (البحار) ج43، ص184 و204 و213.
            35 ـ (البحار) ج43، ص184 و204 و213.
            36 ـ راجع الكلام، ص551 ـ552.
            37 ـ (وفاة الصديقة الزهراء عليها السلام) للعلامة المقرم، ص105، عن (كشف اللثام) للفاضل الهندي عند قول العلامة (ره): يكره المقام عند القبور، رواه عن الصادق عليه السلام.

            تعليق

            المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
            حفظ-تلقائي
            x

            رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

            صورة التسجيل تحديث الصورة

            اقرأ في منتديات يا حسين

            تقليص

            المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
            أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
            استجابة 1
            11 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة ibrahim aly awaly
            بواسطة ibrahim aly awaly
             
            أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 07:21 AM
            ردود 2
            13 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة ibrahim aly awaly
            بواسطة ibrahim aly awaly
             
            يعمل...
            X