من حكم الامام الحسن (عليه السلام)
قال (عليه السلام) : لا تعاجل الذنب بالعقوبة واجعل بينهما للاعتذار طريقا .
وقال (عليه السلام) : المزاح يأكل الهيبة ، وقد أكثر من الهيبة الصامت .
وقال (عليه السلام) : الفرصة سريعة الفوت ، بطيئة العود .
وقال (عليه السلام) : تجهل النعم ما اقامت ، فإذا ولت عرفت .
وقال (عليه السلام) : اللؤم ان لا تشكر النعمة .
وقال (عليه السلام) : العار اهون من النار .
الإمام الحسن (عليه السلام) ومعاوية
بعد شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) تمت البيعة للإمام الحسن (عليه السلام) خليفة وأميراً، وانتشر خبر ذلك في انحاء الدولة الإسلامية، فهزت هذه الأخبار معاوية الذي كان متمرداً في الشام، فقام بدعوة مستشاريه الى عقد مؤتمر للتشاور فتقرر في المؤتمر بث الجواسيس بين المجتمع الإسلامي الذي يقوده الإمام الحسن (عليه السلام)، لبث الدعايات وإثارة الفتنة.
وبعد أن كشف الإمام الحسن (عليه السلام) النيات المبيّتة له من قبل معاوية قام بارسال كتاب إليه يتوعده ويهدده بالحرب إن لم ينضوِ تحت لوائه الشرعي، واستمر تبادل الرسائل بين الطرفين بدون جدوى، مما ادى الى اعلان الحرب وكان البادئ بها معاوية إذ قام بتحريك جيوشه نحو العراق، فأعلن الإمام حالة الحرب لمواجهة العدو الزاحف؛ إلا ان ما يحز في النفس ويبعث على الاسى أن الجموع التي استمعت الى بيان اعلان الحرب كانت قد غمرتها الاشاعات التي روّجها معاوية وأزلامه فواجهت الموقف ببرود.
وهكذا سار الإمام الحسن (عليه السلام) بجيش كبير لكنه ضعيف في معنوياته يسوده التشتت والارتباك، ولم يمض قليلاً من الوقت حتى سلّم قائد الجيش نفسه الى جيش معاوية فعمّت الفوضى بين صنوف جيش الإمام الحسن (عليه السلام) مما اضطره الى توقيع وثيقة الصلح مع معاوية، وهو أقصى ما كان بأمكان الإمام أن يحققه للامة ورسالتها، ولو كان هناك بديلاً أفضل لما توانى عن القيام به.
بعد توقيع الصلح جاء معاوية الى العراق وخطب في مسجد الكوفة بالجموع المحتشدة وقال: كل شرط شرطته [شروط الصلح] فتحت قدمي هاتين ثم قام بنقل مقر الخلافة من الكوفة الى الشام، وأخذت كتائب الجيش الاموي تدخل الكوفة مُشيعة فيها الإرهاب تجزل العطاء للمنافقين بيد وتقمع المعارضين باليد الأخرى.صلحه(ع) مع معاوية
سار معاوية نحو العراق ليغلب عليه، فلما بلغ جسر منبج [بلدة بالشام] تحرّك الحسن (عليه السلام) و بعث حجر بن عديّ فأمر العمال بالمسير، و استنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه، ثم خفّ معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له و لأبيه (عليهما السلام) و بعضهم محكّمة (أي: الخوارج) يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة، و بعضهم أصحاب فتن و طمع في الغنائم، و بعضهم شكّاك، و بعضهم أصحاب عصبيّة اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين.
و كتب جماعة من رؤساء القبائل الى معاوية بالطاعة له في السرّ، و استحنّوه على السير نحوهم، و ضمنوا له تسليم الحسن (عليه السلام) إليه عند دنوّهم من عسكره أو الفتك به، و بلغ الحسن ذلك.
فمن كانت هذه حالتهم؛ فكيف يمكن الركون إليهم و الانتصار بهم؟!
و ورد على الحسن (ع) كتاب قيس بن سعد (رضي الله عنه) و كان قد أنفذه مع عبيدالله بن العباس عند مسيره من الكوفة ليلقى معاوية فيردّه عن العراق، و جعله أميراً على الجماعة و قال: «إن اُصبت فالأمير قيس بن سعد» فوصل كتاب ابن سعد يخبره بأن معاوية أرسل الى عبيد الله بن العباس يرغّبه في المصير إليه، و ضمن له الف الف درهم، يعجّل له منها النصف، و يعطيه النصف الآخر عند دخوله الكوفة، فانسلّ عبيدالله بن العباس في الليل الى معسكر معاوية في خاصّته، و أصبح الناس قد فقدوا أميرهم، فصلى بهم قيس رضي الله عنه و نظر في أمورهم.
ازدادت بصيرة الحسن (عليه السلام) بخذلان القوم له، و فساد نيّات المحكّمة فيه بما أظهروه له من السبّ و التكفير و استحلال دمه و نهب أمواله، و لم يبق معه من تؤمن غوائله إلا خاصّة من شيعته و شيعة أبيه أميرالمؤمنين (عليهما السلام) و هم جماعة لا تقوم لأجناد الشام.
فكتب إليه معاوية في الهدنة و الصلح، و أنفذ إليه بكتب أصحابه التي ضمنوا له فيها الفتك به و تسليمه إليه، و اشترط له على نفسه في إجابته الى صلحه شروطاً كثيرة و عقد له عقوداً كان في الوفاء بها مصالح شاملة، فلم يثق به الحسن (عليه السلام) و علم احتياله بذلك و اغتياله، غير أنه لم يجد بداً من إجابته الى ما التمس من ترك الحرب و إنفاذ الهدنة؛ لما كان عليه أصحابه من ضعف البصائر في حقه و الفساد عليه و الخلف منهم له، و ما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه و تسليمه الى خصمه، و خذلان ابن عمه عبيد الله بن العباس له و مصيره الى عدوّه.
فتوثق عليه السلام لنفسه من معاوية لتأكيد الحجّة عليه و الإعذار فيما بينه و بينه عند الله عزوجّل و عند المسلمين كافة، و اشترط عليه أن لا يسميه أميرالمؤمنين، و لا يقيم عنده شهادة، كما اشترط عليه ترك سبّ أميرالمؤمنين (عليه السلام) و العدول عن القنوت عليه في الصلوات، و أن يؤمن شيعته و لا يتعرّض لأحد منهم بسوء، و يوصل إلى كل ذي حق منهم حقه، و ان يفرق في أولاد من قتل مع أبيه يوم الجمل و صفين الف الف درهم، فأجابه معاوية الى ذلك كله، و عاهده عليه و حلف له بالوفاء به. و لم يف له بشيء مما عاهده عليه.
بهذا صالح الحسن معاوية، و بهذا أراد الحسن (عليه السلام) إحياء دين جدّه (صلّى الله عليه و آله و سلّم)، و العمل بكتاب الله و سنة رسوله كما أراد الحسين (عليه السلام) احياء دين الله بالسيف و القتال، فقيام الحسن (عليه السلام) أول امره، و قعوده في نهاية حياته، و قعود الحسين (عليه السلام) أول إمامته و قيامه آخر حياته؛ لهما أمر واحد يصبان في احياء دين الله و سنة نبيه «هذان ابناي إمامان قاما أو قعدا».
و لو تأمّلت فقرات الصلح أعلاه لتجلّى لك أن الحسن (عليه السلام) لم يكن من طلاّب الدنيا، و لا من أصحاب الكراسي و الحكم، بل أراد أن يعمل معاوية بكتاب الله و سنة رسوله (صلّى الله عليه و آله و سلّم)، و لم يفي معاوية بذلك، و أراد إصلاح الأمة و صلاحها و كف بعضهم عن بعض، و لم يرق لمعاوية ذلك، و أراد أن تعود الخلافة الى أصحابها الشرعيين بعدم العهد من بعد معاوية؛ و لم يفي معاوية بذلك، و أراد المحافظة و التوسيع على ابناء أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه و آله و سلّم) الذين قتلهم معاوية و جلاوزته لا لشيء إلا لأنهم يعملون بكتاب الله و سنة رسوله، و لم يفي معاوية بذلك.
فلما استتمت الهدنة على ذلك، سار معاوية حتى نزل بالنخيلة (موضع قرب الكوفة)، و كان ذلك يوم جمعة فصلّى بالناس ضحى النهار، فخطبهم و قال في خطبته: إني والله ما قاتلتكم لتصلّوا و لا لتصوموا و لا لتحجّوا و لا لتزكّوا، إنكم لتفعلون ذلك، و لكني قاتلتكم لاتأمّر عليكم، و قد أعطاني الله ذلك و أنتم له كارهون. ألا و إني كنت منّيت الحسن و أعطيته أشياء، و جمعيها تحت قدميّ لا أفي بشيء منها له.
ثم سار حتى دخل الكوفة فأقام بها أياماً، فلما استتمت البيعة له من أهلها، صعد المنبر فخطب الناس، و ذكر أميرالمؤمنين (عليه السلام) فنال منه و نال من الحسن، و كان الحسن و الحسين صلوات الله عليهما حاضرين، فقام الحسين ليردّ عليه فأخذ بيده الحسن فأجلسه، ثم قام فقال: «أيها الذاكر عليّا، أنا الحسن و أبي عليّ، و أنت معاوية و أبوك صخر، و أمي فاطمة و أمك هند، و جدّي رسول الله و جدّك حرب، و جدّتي خديجة و جدّتك قتيلة، فلعن الله أخملنا ذكراً، و ألأمنا حسباً، و شرّنا قدماً، و أقدمنا كفراً و نفاقاً». فقال طوائف من أهل المجد؛ آمين آمين.شهادته (ع)
لما نقض معاوية عهده مع الإمام الحسن(ع) ، وما كان ذلك بغريب على رجل أبوه أبو سفيان وأمّه هند، وهو طليق ابن طلقاء عمد إلى أخذ البيعة لولده يزيد المشهور بمجونه وتهتّكه وزندقته، وما كان شيء أثقل عليه من أمر الحسن بن علي(ع)، فدسّ إليه السمّ فمات بسببه.
فقد روي: أن معاوية أرسل إلى ابنة الأشعث، وكانت تحت الحسن(ع): إنّي مزوّجك بيزيد ابني على أن تسمّي الحسن بن عليّ.
وبعث إليها بمئة ألف درهم، فقبلت وسمّت الحسن، فسوّغها المال ولم يزوّجها منه.
فلمّا دنا موته(ع) أوصى لأخيه الحسين(ع) وقال:«إذا قضيت نحبي غسّلني وكفّني واحملني على سريري إلى قبرجدّي رسول الله(ص) ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد فادفنّي هناك، وبالله أقسم عليك أن تهريق في أمري محجمة دم».
فلمّا حملوه إلى روضة رسول الله(ص) لم يشكّ مروان ومن معه من بني أميّة أنهم سيدفنونه عند جدّه رسول الله(ص) فتجمّعوا له ولبسوا السلاح، ولحقتهم عائشة على بغل وهي تقول: مالي ولكم؟ تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحبّ؟!! وجعل مروان يقول ربّ هيجا هي خير من دعة، أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبيّ، وكادت الفتنة تقع بين بني هاشم وبني أميّة، ولأجل وصيّة الحسن مضوا به إلى البقيع ودفنوه عند جدّته فاطمة بنت أسد.
و استشهد الحسن(عليه السلام) في السابع من صفر وعلى رواية في الثامن والعشرين منه سنة (50) من الهجرة النبويّة، وله من العمر 47 عاما. والعجيب أن مروان بن الحكم حمل سريره إلى البقيع فقال له الحسين: «أتحمل سريره؟!! أما والله لقد كنت تجرّعه الغيظ» فقال مروان: إنّي كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال!!
ولمّا بلغ معاويّة موت الحسن(ع) سجد وسجد من حوله وكبّر وكبّروا معه، ذكره الزمخشري في ربيع الأبرار وابن عبدالبرّ في الاستيعاب وغيرهما.
فقال بعض الشعراء:
أصبـح اليـوم ابن هند شامتاً ــــــ ظاهر النخوة أن مات الحسن
ياابن هند إن تذق كأس الردى ــــــ تك في الدهـر كشيء لم يكن
لسـت بالباقي فلا تشـمت به ــــــ كـلّ حـيّ للمنـايا مرتهـن
قال (عليه السلام) : لا تعاجل الذنب بالعقوبة واجعل بينهما للاعتذار طريقا .
وقال (عليه السلام) : المزاح يأكل الهيبة ، وقد أكثر من الهيبة الصامت .
وقال (عليه السلام) : الفرصة سريعة الفوت ، بطيئة العود .
وقال (عليه السلام) : تجهل النعم ما اقامت ، فإذا ولت عرفت .
وقال (عليه السلام) : اللؤم ان لا تشكر النعمة .
وقال (عليه السلام) : العار اهون من النار .
الإمام الحسن (عليه السلام) ومعاوية
بعد شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) تمت البيعة للإمام الحسن (عليه السلام) خليفة وأميراً، وانتشر خبر ذلك في انحاء الدولة الإسلامية، فهزت هذه الأخبار معاوية الذي كان متمرداً في الشام، فقام بدعوة مستشاريه الى عقد مؤتمر للتشاور فتقرر في المؤتمر بث الجواسيس بين المجتمع الإسلامي الذي يقوده الإمام الحسن (عليه السلام)، لبث الدعايات وإثارة الفتنة.
وبعد أن كشف الإمام الحسن (عليه السلام) النيات المبيّتة له من قبل معاوية قام بارسال كتاب إليه يتوعده ويهدده بالحرب إن لم ينضوِ تحت لوائه الشرعي، واستمر تبادل الرسائل بين الطرفين بدون جدوى، مما ادى الى اعلان الحرب وكان البادئ بها معاوية إذ قام بتحريك جيوشه نحو العراق، فأعلن الإمام حالة الحرب لمواجهة العدو الزاحف؛ إلا ان ما يحز في النفس ويبعث على الاسى أن الجموع التي استمعت الى بيان اعلان الحرب كانت قد غمرتها الاشاعات التي روّجها معاوية وأزلامه فواجهت الموقف ببرود.
وهكذا سار الإمام الحسن (عليه السلام) بجيش كبير لكنه ضعيف في معنوياته يسوده التشتت والارتباك، ولم يمض قليلاً من الوقت حتى سلّم قائد الجيش نفسه الى جيش معاوية فعمّت الفوضى بين صنوف جيش الإمام الحسن (عليه السلام) مما اضطره الى توقيع وثيقة الصلح مع معاوية، وهو أقصى ما كان بأمكان الإمام أن يحققه للامة ورسالتها، ولو كان هناك بديلاً أفضل لما توانى عن القيام به.
بعد توقيع الصلح جاء معاوية الى العراق وخطب في مسجد الكوفة بالجموع المحتشدة وقال: كل شرط شرطته [شروط الصلح] فتحت قدمي هاتين ثم قام بنقل مقر الخلافة من الكوفة الى الشام، وأخذت كتائب الجيش الاموي تدخل الكوفة مُشيعة فيها الإرهاب تجزل العطاء للمنافقين بيد وتقمع المعارضين باليد الأخرى.صلحه(ع) مع معاوية
سار معاوية نحو العراق ليغلب عليه، فلما بلغ جسر منبج [بلدة بالشام] تحرّك الحسن (عليه السلام) و بعث حجر بن عديّ فأمر العمال بالمسير، و استنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه، ثم خفّ معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له و لأبيه (عليهما السلام) و بعضهم محكّمة (أي: الخوارج) يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة، و بعضهم أصحاب فتن و طمع في الغنائم، و بعضهم شكّاك، و بعضهم أصحاب عصبيّة اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين.
و كتب جماعة من رؤساء القبائل الى معاوية بالطاعة له في السرّ، و استحنّوه على السير نحوهم، و ضمنوا له تسليم الحسن (عليه السلام) إليه عند دنوّهم من عسكره أو الفتك به، و بلغ الحسن ذلك.
فمن كانت هذه حالتهم؛ فكيف يمكن الركون إليهم و الانتصار بهم؟!
و ورد على الحسن (ع) كتاب قيس بن سعد (رضي الله عنه) و كان قد أنفذه مع عبيدالله بن العباس عند مسيره من الكوفة ليلقى معاوية فيردّه عن العراق، و جعله أميراً على الجماعة و قال: «إن اُصبت فالأمير قيس بن سعد» فوصل كتاب ابن سعد يخبره بأن معاوية أرسل الى عبيد الله بن العباس يرغّبه في المصير إليه، و ضمن له الف الف درهم، يعجّل له منها النصف، و يعطيه النصف الآخر عند دخوله الكوفة، فانسلّ عبيدالله بن العباس في الليل الى معسكر معاوية في خاصّته، و أصبح الناس قد فقدوا أميرهم، فصلى بهم قيس رضي الله عنه و نظر في أمورهم.
ازدادت بصيرة الحسن (عليه السلام) بخذلان القوم له، و فساد نيّات المحكّمة فيه بما أظهروه له من السبّ و التكفير و استحلال دمه و نهب أمواله، و لم يبق معه من تؤمن غوائله إلا خاصّة من شيعته و شيعة أبيه أميرالمؤمنين (عليهما السلام) و هم جماعة لا تقوم لأجناد الشام.
فكتب إليه معاوية في الهدنة و الصلح، و أنفذ إليه بكتب أصحابه التي ضمنوا له فيها الفتك به و تسليمه إليه، و اشترط له على نفسه في إجابته الى صلحه شروطاً كثيرة و عقد له عقوداً كان في الوفاء بها مصالح شاملة، فلم يثق به الحسن (عليه السلام) و علم احتياله بذلك و اغتياله، غير أنه لم يجد بداً من إجابته الى ما التمس من ترك الحرب و إنفاذ الهدنة؛ لما كان عليه أصحابه من ضعف البصائر في حقه و الفساد عليه و الخلف منهم له، و ما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه و تسليمه الى خصمه، و خذلان ابن عمه عبيد الله بن العباس له و مصيره الى عدوّه.
فتوثق عليه السلام لنفسه من معاوية لتأكيد الحجّة عليه و الإعذار فيما بينه و بينه عند الله عزوجّل و عند المسلمين كافة، و اشترط عليه أن لا يسميه أميرالمؤمنين، و لا يقيم عنده شهادة، كما اشترط عليه ترك سبّ أميرالمؤمنين (عليه السلام) و العدول عن القنوت عليه في الصلوات، و أن يؤمن شيعته و لا يتعرّض لأحد منهم بسوء، و يوصل إلى كل ذي حق منهم حقه، و ان يفرق في أولاد من قتل مع أبيه يوم الجمل و صفين الف الف درهم، فأجابه معاوية الى ذلك كله، و عاهده عليه و حلف له بالوفاء به. و لم يف له بشيء مما عاهده عليه.
بهذا صالح الحسن معاوية، و بهذا أراد الحسن (عليه السلام) إحياء دين جدّه (صلّى الله عليه و آله و سلّم)، و العمل بكتاب الله و سنة رسوله كما أراد الحسين (عليه السلام) احياء دين الله بالسيف و القتال، فقيام الحسن (عليه السلام) أول امره، و قعوده في نهاية حياته، و قعود الحسين (عليه السلام) أول إمامته و قيامه آخر حياته؛ لهما أمر واحد يصبان في احياء دين الله و سنة نبيه «هذان ابناي إمامان قاما أو قعدا».
و لو تأمّلت فقرات الصلح أعلاه لتجلّى لك أن الحسن (عليه السلام) لم يكن من طلاّب الدنيا، و لا من أصحاب الكراسي و الحكم، بل أراد أن يعمل معاوية بكتاب الله و سنة رسوله (صلّى الله عليه و آله و سلّم)، و لم يفي معاوية بذلك، و أراد إصلاح الأمة و صلاحها و كف بعضهم عن بعض، و لم يرق لمعاوية ذلك، و أراد أن تعود الخلافة الى أصحابها الشرعيين بعدم العهد من بعد معاوية؛ و لم يفي معاوية بذلك، و أراد المحافظة و التوسيع على ابناء أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه و آله و سلّم) الذين قتلهم معاوية و جلاوزته لا لشيء إلا لأنهم يعملون بكتاب الله و سنة رسوله، و لم يفي معاوية بذلك.
فلما استتمت الهدنة على ذلك، سار معاوية حتى نزل بالنخيلة (موضع قرب الكوفة)، و كان ذلك يوم جمعة فصلّى بالناس ضحى النهار، فخطبهم و قال في خطبته: إني والله ما قاتلتكم لتصلّوا و لا لتصوموا و لا لتحجّوا و لا لتزكّوا، إنكم لتفعلون ذلك، و لكني قاتلتكم لاتأمّر عليكم، و قد أعطاني الله ذلك و أنتم له كارهون. ألا و إني كنت منّيت الحسن و أعطيته أشياء، و جمعيها تحت قدميّ لا أفي بشيء منها له.
ثم سار حتى دخل الكوفة فأقام بها أياماً، فلما استتمت البيعة له من أهلها، صعد المنبر فخطب الناس، و ذكر أميرالمؤمنين (عليه السلام) فنال منه و نال من الحسن، و كان الحسن و الحسين صلوات الله عليهما حاضرين، فقام الحسين ليردّ عليه فأخذ بيده الحسن فأجلسه، ثم قام فقال: «أيها الذاكر عليّا، أنا الحسن و أبي عليّ، و أنت معاوية و أبوك صخر، و أمي فاطمة و أمك هند، و جدّي رسول الله و جدّك حرب، و جدّتي خديجة و جدّتك قتيلة، فلعن الله أخملنا ذكراً، و ألأمنا حسباً، و شرّنا قدماً، و أقدمنا كفراً و نفاقاً». فقال طوائف من أهل المجد؛ آمين آمين.شهادته (ع)
لما نقض معاوية عهده مع الإمام الحسن(ع) ، وما كان ذلك بغريب على رجل أبوه أبو سفيان وأمّه هند، وهو طليق ابن طلقاء عمد إلى أخذ البيعة لولده يزيد المشهور بمجونه وتهتّكه وزندقته، وما كان شيء أثقل عليه من أمر الحسن بن علي(ع)، فدسّ إليه السمّ فمات بسببه.
فقد روي: أن معاوية أرسل إلى ابنة الأشعث، وكانت تحت الحسن(ع): إنّي مزوّجك بيزيد ابني على أن تسمّي الحسن بن عليّ.
وبعث إليها بمئة ألف درهم، فقبلت وسمّت الحسن، فسوّغها المال ولم يزوّجها منه.
فلمّا دنا موته(ع) أوصى لأخيه الحسين(ع) وقال:«إذا قضيت نحبي غسّلني وكفّني واحملني على سريري إلى قبرجدّي رسول الله(ص) ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد فادفنّي هناك، وبالله أقسم عليك أن تهريق في أمري محجمة دم».
فلمّا حملوه إلى روضة رسول الله(ص) لم يشكّ مروان ومن معه من بني أميّة أنهم سيدفنونه عند جدّه رسول الله(ص) فتجمّعوا له ولبسوا السلاح، ولحقتهم عائشة على بغل وهي تقول: مالي ولكم؟ تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحبّ؟!! وجعل مروان يقول ربّ هيجا هي خير من دعة، أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبيّ، وكادت الفتنة تقع بين بني هاشم وبني أميّة، ولأجل وصيّة الحسن مضوا به إلى البقيع ودفنوه عند جدّته فاطمة بنت أسد.
و استشهد الحسن(عليه السلام) في السابع من صفر وعلى رواية في الثامن والعشرين منه سنة (50) من الهجرة النبويّة، وله من العمر 47 عاما. والعجيب أن مروان بن الحكم حمل سريره إلى البقيع فقال له الحسين: «أتحمل سريره؟!! أما والله لقد كنت تجرّعه الغيظ» فقال مروان: إنّي كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال!!
ولمّا بلغ معاويّة موت الحسن(ع) سجد وسجد من حوله وكبّر وكبّروا معه، ذكره الزمخشري في ربيع الأبرار وابن عبدالبرّ في الاستيعاب وغيرهما.
فقال بعض الشعراء:
أصبـح اليـوم ابن هند شامتاً ــــــ ظاهر النخوة أن مات الحسن
ياابن هند إن تذق كأس الردى ــــــ تك في الدهـر كشيء لم يكن
لسـت بالباقي فلا تشـمت به ــــــ كـلّ حـيّ للمنـايا مرتهـن