السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سأختم سيرتي في المنتدى باستعراض لمجموعة من المقالات لباحث سلفي سعودي وجدته من أنصف الباحثين السنّة في استعراضه للتأريخ من اهل السنة. وعلى الرغم ان الشيعة لايوافقوه في كل آراءه الا انه قد أورد جوانب كثيرة مما تتفق مع الرؤية الشيعية المغيبة عن اهل السنة. انه الباحث الشيخ : حسن بن فرحان المالكي
ملخص البحث:
1- الامام الحسن

2- صلح الامام الحسين وقتال الامام علي كلاهما صحيح فكلٌ له ظرفه.
3- حديث صلح الحسن حديث آحاد ومختلف في وصله وإرساله.
4- مفهوم (الجماعة) انطلقت بداياته من الدولة الاموية
5- عكسوا المفاهيم فاثنوا على الظالم وسموّا ذلك العصر عصر الجماعة وذمّوا صاحب الحق وسمّوا عصره بعصر الفتنة والحقيقة عكس ذلك.
6- عندما يتكلموا عن الفتنة تتوجه اقلامهم لنقد وتقييم السلطة المركزية المتمثلة بخلافة الامام ويغضوا طرفهم عن الولاية المتمردة عن السلطة المركزية المتمثلة بمعاوية.
نبذه من سيرته:

- تلقى تعليمه الابتدائي بمدرسة القعقاع بوادي الجنية بني مالك (1401هـ).
- تلقى تعليمه المتوسط بمدرسة الداير بالداير بني مالك (1403هـ).
- درس الثانوية العامة بثانوية فيفاء بجبل فيفاء (1404-1407هـ).
- تلقى تعليمه الجامعي بكلية الدعوة والإعلام جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض(1408هـ-1412هـ).
- كما أخذ العلم عن بعض العلماء والشيوخ في المساجد في الرياض سواء في مسجد السكن الجامعي أيام الجامعة أو بعد ذلك، ومن أشهر الشيوخ الذين استفاد منهم الشيخ محمد الحسن الموريتاني والشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ ناصر العقل والشيخ عبد الله السعد والشيخ عبد الرحمن المحمود وكلهم في الرياض.
- لكن الشيخ الأبرز الذي يعود له الفضل في محاولة صاحب المؤلف انتهاج المنهج العلمي ونبذ التعصب والتوسع في البحث كان الشيخ علي بن بوكر بن نسيب العقيلي بصبياء الذي كانت بينه وبين صاحب الترجمة لقاءات ومراسلات مازال صاحب المؤلف يدين للشيخ علي بالفضل فيها.
- كما كان للتعلم الذاتي عبر القراءة الموسعة الفضل الأكبر على المؤلف.
الاهتمام:
يتركز اهتمام المؤلف على علمين اثنين وهما علم التاريخ وعلم الحديث.
المبحث:
صلح الحسن وآثاره:
بعد استشهاد الإمام علي غدراً على يد عبد الرحمن بن ملجم المرادي أحد رؤوس الخوارج بايع المسلمون بالعراق وجزيرة العرب وخراسان ابنه الحسن بن علي بلا وصية من الإمام علي –كما يدعي بعض الشيعة- وإنما قال الإمام علي: (أترككم كما ترككم رسول الله صلى الله عليه وسلم) فلم يأمرهم ببيعة الحسن ولم ينههم عنها لكن يبدو أنه لا يوجد في الناس يومئذٍ من يوازيه فضلاً وشرفاً وقد يوجد أناس قد يوازونه في الفضل أو يزيدون عليه كسعد بن أبي وقاص لكنه بعيد عن مواطن الأحداث معتزل عن الناس، وكبقية البدريين لكن أكثرهم من الأنصار لا من قريش إضافة إلى أن الحسن كان يمتاز عنهم بالقرب من النبي (صلى الله عليه وسلم) وكونه أحد سيدي شباب أهل الجنة-وكان لاجتماع هذا الفضل وهذه القرابة أهميته في ذلك العصر-.
إذن فالحسن بن علي رضي الله عنه لم يكن في قوة أبيه ولا فضله ولا سابقته مع التسليم بفضل الحسن ومكانته، لكن ما سبق ذكره جعل شيوخ القبائل ينفرجون عن الحسن إلى معاوية لبذل معاوية للأموال وشرائه للذمم فأصبح رئيس القبيلة يكاتب معاوية سراً ويضمن له قبيلته ولما سار معاوية لحرب الحسن كان مع الحسن جيش قوي كان والده الإمام علي قد جهزه لحرب أهل الشام وكان عدده أربعين ألفاً فيهم المتحرقون لقتال أهل الشام وفيهم رجال القبائل أتباع الدرهم والدينار، وكان الحسن قد أرسل عبيد الله بن العباس على رأس ذلك الجيش ومعه القائد المحنك قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري لكن ذلك الجيش بدأ ينفض ويتفرق بسبب مكاتبة معاوية لرؤساء القبائل ومكاتبتهم له فلم يشعر عبيد الله بن العباس وقيس بن سعد إلا وهم في عدد أقل بكثير مما خرجوا به من الكوفة إضافة لعدم ثقتهم فيمن تبقى معهم (بل قيل إن عبيد الله بن العباس نفسه هرب إلى معاوية بعد إشاعة أشاعها معاوية بأن الحسن بن علي نفسه يفاوض في شروط تسليم الخلافة)، وأجاد معاوية استخدام الحرب النفسية فكان يرسل من يفشي في جيش الحسن أن جيش قيس بن سعد قد أبيد إبادة كاملة وأن الفائز من سبق إلى معاوية فتفرق الناس عن الحسن وطعنوه ونهبوا بعض أمواله ووجد الحسن نفسه بين أناس (أغلبهم مع من غلب) يسوقهم المال والتبعية للقبيلة، وكان معه جماعة لا بأس بها من مخلصي الشيعة (بقية تيار العلوية) إلا أن هذا التيار لم يكن مؤهلاً لخوض حرب ضد جمهرة المتخاذلين من أهل العراق فضلاً عن محاربة هؤلاء وأهل الشام مجتمعين.
فكان الحسن بن علي هنا بين أمرين إما أن يستعين بهذه القلة من المخلصين ضد هذه الجموع الكبيرة وإما أن يلجأ لمصالحة معاوية فكان هذا الخيار الأخير هو الذي ترجح عند الحسن لحفظ البقية الباقية من محبي الإمام علي وأهل البيت لعلهم ينشرون علومهم وسيرتهم وكان اللجوء للخيار الأول (محاربة معاوية) يعني –إلى حد كبير- القضاء على كل من يذكر الإمام علي بخير من أهل العراق وبهذا يضيع فضل وآثار (الثقل الثاني) بعد كتاب الله[8].
ولا ريب أن ما فعله الحسن كان خيراً للظروف السابقة التي سبق شرحها التي تختلف عن ظروف الإمام علي، فلذلك لا يتناقض من قال: كان الإمام علي محقاً في قتال البغاة وكان الحسن بن علي محقاً في التصالح معهم نظراً لاختلاف الظروف والأحوال مثلما كان النبي (صلى الله عليه وسلم) محقاً عند قتال الكفار وكان محقاً عند التصالح معهم، إذ أن القتال والصلح يدور مع الاستطاعة والقدرة فمتى رأى الإمام أن الخير في القتال قاتل ومتى رأى أن الصلح أولى صالح فتعلم الناس من الإمام علي وجوب قتال الفئة الباغية الخارجة على الإمام الشرعي والسيرة في ذلك وكونها تختلف في أحكامها عن السيرة في قتال المشركين والكفار ولذلك قال غير واحد من أهل العلم كأبي حنيفة والشافعي وابن حزم:(رحم الله علياً لولاه لما عرفنا كيف نقاتل أهل البغي) أو (كيف السيرة في قتال أهل البغي) كما تعلم الناس من الحسن اختيار أخف الضررين..[9] ولكن من كابر وأصرَّ على تصويب علي أو الحسن مع تخطئة الآخر، فلا ريب أن علياً هو الأصوب لكثرة الأدلة الشرعية والعقلية التي معه بعكس الحسن إذ ليس معه إلا حديث واحد مختلف فيه بين الوصل والإرسال وهو حديث (ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين طائفتين عظيمتين..) وليست دلالته كدلالة حديث عمار ولو كان الحسن في ظروف الإمام علي لكان مخطئاً في التصالح مع البغاة ذلك الصلح الذي ينقل الخلافة إليهم ليفسدوا فيها الفساد الكبير.
وقد نتج عن صلح الحسن ومعاوية استغلال من تيار العثمانية لهذا الصلح ووظفوه لصالحهم وسموا ذلك العام (عام الجماعة)!! وزعموا أن ما فعله الحسن كان (أحب إلى الله ورسوله مما فعله أبوه علي بن أبي طالب)!! الذي –بزعمهم- سفك دماء المسلمين بلا مصلحة لا في دينهم ولا دنياهم!! وأصبح هذا الرأي في تيار العثمانية النواصب يتسرب بين بعض مغفلي العلماء في ظل السيطرة الأموية!! في جميع الأمصار وتركز في علماء الشام والبصرة إلى أن تسرب من هؤلاء في عقائدنا المعاصرة!! التي أخذناها من هؤلاء!! ونسي هؤلاء أو تناسوا الأوامر الشرعية بقتال من خرج على الجماعة وتناسوا أدلة علي وحملوه مسئولية الفتنة ولم يحملوها أهل الشام وهم أصحابها وأسبابها ولو أن ولاية الشام انضمت لدولة الخلافة لما حدث سفك للدماء فلم يكن أمام علي سوى قتالهم لمنعهم إياه من التصرف في هذه الولاية التي يجب أن تتبع الخلافة المركزية شأنها شأن بقية الولايات الإسلامية.
إذن فقد أجاد أهل الشام استغلال (الصلح) للدعاية السياسية لهم فعصر معاوية عصر جماعة!! ويد الله مع الجماعة[10]!! وعصر علي عصر فتنة ونعوذ بالله من الفتن!![11]، بينما الحق خلاف ذلك فقد كان عصر علي متحققة فيه الراشدية والعدالة في أسمى معانيها مما عرّض علياً لفقدان بعض أتباعه بسبب عدم محاباته في الحق أحداً. أما عهد معاوية فتم فيه تأسيس مظالم استمرت على مر التاريخ كما سيأتي.
وصلح الحسن كان لأهل العلم والدين خيراً من عدمه إذ أصبح للحق متنفساً واستطاع هذا التيار أن يتصل بالمحايدين ممن اعتزل من الصحابة والتابعين وتم إقناع بعضهم ولذلك رأينا ابن عمر يصرح عند موته أنه كان نادماً على ترك القتال مع علي!! وهكذا أثر هذا عن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمرو وغيرهم.
أما العثمانية ومنهم علماء أهل الشام فهم يثنون كثيراً على صلح الحسن ليس حباً في الحسن وإنما للطعن في حرب علي للبغاة!! ويرددون كثيراً حديث (ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به) ويهملون حديث عمار (تقتله الفئة الباغية) مع أن حديث صلح الحسن آحاد ومختلف في وصله وإرساله (كما ذكر الدارقطني في العلل) بينما حديث عمار متواتر ومتفق على صحته ثم لا يثنون على الصلح حباً لهذا الحديث ولو كان الأمر حباً للأحاديث فحديث عمار أولى بالمحبة!! للاتفاق على صحته ولصراحة دلالته بعكس حديث صلح الحسن، كما لا يثنون على الصلح حباً في حقن الدماء ولا مراعاة لمصلحة الأمة –كما يزعمون- ولو كانوا جادين لذموا خلاف معاوية لعلي من أجل مصلحة الأمة ولكونه كان سبباً في سفك تلك الدماء!! ولكنهم يسكتون عن معاوية سكوتاً تاماً عند كلامهم في الفتنة ويتركز حديثهم حول سؤال: هل ما فعله علي أولى أو ما فعله الحسن!! مع إهمال ظروف هذا وهذا ثم يرجحون صلح الحسن!! أما معاوية فيهملون بغيه وخروجه على الجماعة وكونه السبب الرئيس في اختلاف الأمة، إضافة لاستغلاله قميص عثمان والأحداث التي عملها في عهده من تكميم الأفواه وقطع الرؤوس في الرأي والاستئثار ببيت المال وجعله الخلافة في ابنه المشهور بالفسق مع وجود أكابر الصحابة وأفاضل التابعين00 الخ وتأثيره على عدالة القضاء وفصله للدين عن السياسة[12].
الهامش:
[8] الأثر له أسانيد صحيحة راجعها في ترجمة ابن عمر عند ابن عبد البر في الاستيعاب، وطبقات ابن سعد وتاريخ دمشق وغيرها من المصادر التي ترجمت لابن عمر بتوسع.
[9] راجع هذه الأحاديث والحكم عليها ومعانيها في كتابنا (بيعة علي بن أبي طالب).
[10] كان المعتزلون من البدريين نحو الأربعة أو الخمسة وكان المقاتلون مع علي من البدريين نحو السبعين أو الثمانين ، كما أن المعتزلين من أصحاب بيعة الرضوان نحو الخمسة عشر إلى العشرين بينما المقاتلون مع علي من الرضوانيين ثمانمائة!! فهنا يظهر الفرق ويتبين أن التيار الشرعي الذي معه الصحابة كان تيار الإمام علي لا تيار العتزلين، علماً بأن أهل الشام لم يكن فيهم بدري ولا رضواني، ولا مهاجري ولا أنصاري (الهجرة الشرعية والنصرة الشرعية- راجع كتابنا: الصحبة والصحابة بين الإطلاق اللغوي والتخصيص الشرعي- جاهز للطباعة)، فلجأ تيار العثمانية من علماء الشام إلى الزعم بأن المعتزلين أكثر!! وأنهم يمثلون أهل السنة!! بينما علي وأصحابه يمثلون التيار الشيعي!! وهذه مغالطة كبرى كما سبق البيان. وقد تبنى غلاة الحنابلة هذا الموقف ورأوا فيه رداً على تيار الشيعة!! ونكاية بهم!!.
[11] راجع ترجمة خالد القسري في أنساب الأشراف للبلاذري فبدعته أعظم من بدعة الجعد بن درهم الذي ذبحه خالد القسري بدعوى البدعة!! وهذا يبين أن الذين أثنوا على خالد القسري من غلاة الحنابلة وغيرهم ليست البدعة معيارية عندهم وإنما الخصومة!! فالخصومة مع الجهمية جرتهم لمدح الظلمة والثناء عليهم وتبرير أفعالهم!!.
[12] راجع كتاب: الفرق الإسلامية في بلاد الشام في العصر الأموي للدكتور حسين عطوان ص213 وما بعدها.
تعليق