بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه المنتجبين
والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه المنتجبين
رحلة البحث عن روح الله
في أعماق نفس كل واحد منا ترقد روح الله عز وجل .. تلك الروح التي نفخها فينا الله تعالى ذكره .. تلك الروح التي تجسد الحقيقة والفطرة التي فطرنا عليها الله .. تلك الروح القادمة من عالم الأرواح النورانية وعالم القرب من الله .
كان لتلك الروح أنين وشجون وعتاب ونصح وإرشاد .. كان لها نور ساطع يعيننا على تلمس طريق العودة لذلك العالم الذي قدمت منه .
إلا أن حب الدنيا والتعلق بها وإتباع الشهوات والهوى تراكمت فوق تلك الروح فدفنتها وأطفأت نورها .. فخيم الظلام المرعب .. وتخافت نداؤها شيئا فشيئا .. فلم يعد هناك أنين يسمع .... عندها، تعالت صرخات النفس الأمارة .. فباتت هذه النفس المسكينة والمذعورة تتخبط في وحل المغريات والنزوات .. ومع كل تخبط يشتد صراخ وضجيج النفس الأمارة .. فتقف النفس حائرة تائهة وسط هذا الضجيج والظلام الحالك .
وبينما هي في حيرتها .. وإذا بنداء خفي آتيا من تحت الأنقاض .. من تحت مخلفات النفس الأمارة التي تراكمت كالجبال .. فتقرر هذه النفس أن تنهي حالة الفوضى والحيرة التي تحيط بها من كل جانب .. وأن تشد الرحال وتبدأ برحلة في أعماق النفس و أغوارها للبحث والانتشال .. انتشال تلك الروح الطاهرة من تحت الركام .. وتحمل معها الزاد والطعام .. المتمثل بالجهاد والصبر وقوة الاحتمال .. فأمامها طرق وأزقة شديدة الوعورة والظلام .. فتحمل معها مصباح الهداية والكمال .
أعني به العلم .. وأي علم ؟ .. علم أهل البيت عليهم السلام .. ذلك النور الساطع والسراج المنير الذي يعيننا أثناء تجولنا وبحثنا في أزقة النفس وأروقتها الموحشة .. بحثا عن تلك الروح القامعة بين طيات هذه النفس المسكينة .
وإذا كانت إرادتنا قوية ونيتنا صادقة فإننا حتما سنعثر على تلك الروح .. وحين نصغي لكلماتها المنبعثة من الخالق العظيم لهذه الروح .. سوف نرى الحق يتجلى أمام بصيرتنا واضحا كالشمس .. ونرى الباطل بحقيقته السوداوية المرعبة.
وقد تعاتبنا قائلة : " علا صوت أنيني في كل ناد وجمع ... ورافقت ذوي الأحوال السيئة والحسنة ... فخيل لكل منهم أنه صار رفيقي وصاحبي ... بيد أن أحدا لم يطلع على سري ومكنون ضميري .
إن سري مودع في أنيني وشجوني لا ينفك عنهما ... لكن أعين الآخرين وآذانهم ينقصها ذلك النور فقصرت عن أن ترى وتسمع "/ شعر المثنوي للعارف الكبير الملا الرومي رحمة الله عليه .
وبعد العثور على روح الله الراقدة في أعماقنا والإصغاء إلى نصائحها التي سترسم لنا طريق العودة إلى عالم الخلود والسعادة الأبدية بالقرب من المولى تعالى ذكره .. عندها فقط سترتاح هذه النفس المسكينة من ضجيج وصراخ النفس الأمارة التي ستغادر أعماقنا بلا رجعة .. فينزل الله عز وجل عليها السكينة والطمأنينة ويخاطبها قائلا : ( يأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية وادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) صدق الله العلي العظيم .