( في موعظة رسول الله صلى الله عليه وآله لابن مسعود )
عن عبد الله بن مسعود قال : دخلت أنا وخمسة رهط من أصحابنا يوما على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد أصابتنا مجاعة شديدة ولم يكن رزقنا منذ أربعة أشهر إلا الماء واللبن وورق الشجر ، فقلنا : يا رسول الله إلى متى نحن على هذه المجاعة الشديدة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تزالون فيها ما عشتم فأحدثوا لله شكرا ، فإني قرأت كتاب الله الذي أنزل علي وعلى من كان قبلي فما وجدت من يدخلون الجنة إلا الصابرون .
يا ابن مسعود : قال الله تعالى : " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " . " أولئك يجزون الغرقة بما صبروا " . " إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون " . يا ابن معسود : قال الله تعالى : " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " ، " أولئك يجزون الغرقة بما صبروا " . إني جزيتهم اليوم بما صبروا وأنهم هم الفائزون " .
يا ابن مسعود : قول الله تعالى : " وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا " ، " أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا " . يقول الله تعالى " : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتيكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء " . " ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين " . قلنا : يا رسول الله فمن الصابرون ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الذين يصبرون على طاعة الله واجتنبوا معصيته الذين كسبوا طيبا وأنفقوا قصدا وقدموا فضلا فأفلحوا وأصلحوا .
يا ابن مسعود : عليهم الخشوع والوقار والسكينة والتفكر واللين والعدل والتعليم والاعتبار والتدبير والتقوى والاحسان والتحرج والحب في الله والبغض في الله وأداء الأمانة والعدل في الحكمة . وإقامة الشهادة ومعاونة أهل الحق [ على المسئ ] والعفو عمن ظلم .
يا ابن مسعود : إذا ابتلوا صبروا ، وإذا أعطوا شكروا ، وإذا حكموا عدلوا ، وإذا قالوا صدقوا ، وإذا عاهدوا وفوا ، وإذا أساؤوا استغفروا ، وإذا أحسنوا استبشروا و " إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " ، و " إذا مروا باللغو مروا كراما " . " والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما " . " ويقولون للناس حسنا " .
يا ابن مسعود : والذي بعثني بالحق إن هؤلاء هم الفائزون . ‹ صفحة 447 › يا ابن مسعود : فمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه ، فإن النور إذا وقع في القلب انشرح وانفسح ، فقيل : يا رسول الله فهل لذلك من علامة ؟ فقال : نعم ، التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل نزوله فمن زهد في الدنيا قصر أمله فيها وتركها لأهلها .
يا ابن مسعود : قول الله تعالى : " ليبلوكم أيكم أحسن عملا " يعني أيكم أزهد في الدنيا إنها دار الغرور ودار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له . إن أحمق الناس من طلب الدنيا ، قال الله تعالى : " إعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد " . وقال تعالى : " وآتيناه الحكم صبيا " يعني الزهد في الدنيا . وقال تعالى لموسى ( عليه السلام ) : " يا موسى لن يتزين المتزينون بزينة أزين في عيني من الزهد . يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل : " مرحبا بشعار الصالحين . وإذا رأيت الغنى مقبلا فقل : ذنب عجلت عقوبته " .
يا ابن مسعود : انظر قول الله تعالى : " ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ، ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون ، وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين " . وقوله : " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا " .
يا ابن مسعود : من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الخيرات . ومن خاف النار ترك الشهوات . ومن ترقب الموت أعرض عن اللذات . ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات . يا ابن مسعود : إقرأ قول الله تعالى : " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة " الآية .
يا ابن مسعود : إن الله اصطفى موسى بالكلام والمناجاة حتى كان يرى خضرة البقل في بطنه من هزاله وما سأل موسى ( عليه السلام ) حين تولى إلى الظل إلا طعاما يأكله من الجوع .
يا ابن مسعود : إن شئت نبأتك بأمر نوح [ نبي الله ] ( عليه السلام ) إنه عاش ألف سنة ‹ صفحة 448 › إلا خمسين عاما يدعو إلى الله ، فكان إذا أصبح قال : لا أمسي . وإذا أمسى قال : لا أصبح ، وكان لباسه الشعر وطعامه الشعير . وإن شئت نبأتك بأمر داود ( عليه السلام ) خليفة الله في الأرض ، كان لباسه الشعر وطعامه الشعير . وإن شئت نبأتك بأمر سليمان ( عليه السلام ) مع ما كان فيه من الملك ، كان يأكل الشعير ويطعم الناس الحواري ( 1 ) ، وكان لباسه الشعر ، وكان إذا جنه الليل شد يده إلى عنقه فلا يزال قائما يصلي حتى يصبح . وإن شئت نبأتك بأمر إبراهيم خليل الرحمن ( عليه السلام ) ، كان لباسه الصوف وطعامه الشعير . وإن شئت نبأتك بأمر يحيى ( عليه السلام ) ، كان لباسه الليف وكان يأكل ورق الشجر . وإن شئت نبأتك بأمر عيسى بن مريم ( عليه السلام ) فهو العجب ، كان يقول : إدامي الجوع وشعاري الخوف ولباسي الصوف ودابتي رجلاي وسراجي بالليل القمر واصطلائي في الشتاء مشارق الشمس وفاكهتي وريحانتي بقول الأرض مما يأكل الوحوش والانعام ، أبيت وليس لي شئ وأصبح وليس لي شئ وليس على وجه الأرض أحد أغنى مني .
يا ابن مسعود : كل هذا منهم يبغضون ما أبغض الله ويصغرون ما صغر الله ويزهدون ما أزهد الله وقد أثنى الله عليهم في محكم كتابه ، فقال لنوح ( عليه السلام ) : " إنه كان عبدا شكورا " . وقال لإبراهيم ( عليه السلام ) : " واتخذ الله إبراهيم خليلا " . وقال لداود ( عليه السلام ) : " إنا جعلناك خليفة في الأرض " وقال لموسى ( عليه السلام ) : " وكلم الله موسى تكليما " . وقال أيضا لموسى ( عليه السلام ) : " وقربناه نجيا " . وقال ليحيى عليه السلام : " وآتيناه الحكم صبيا " . وقال لعيسى ( عليه السلام ) : " يا عيسى بن مريم أذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا " إلى قوله " وإذا تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني " . وقال : " انهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين " .
يا ابن مسعود : كل ذلك لما خوفهم الله في كتابه من قوله : " وإن جهنم لموعدهم أجمعين ، لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم " . وقال تعالى : " وجيئ بالنبيين والشهداء وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون " .
يا ابن مسعود : النار لمن ركب محرما والجنة لمن ترك الحلال ، فعليك بالزهد فإن ذلك مما يباهي الله به الملائكة وبه يقبل الله عليك بوجهه ويصلي عليك الجبار . ‹ صفحة 449 ›
يا ابن مسعود : سيأتي من بعدي أقوام يأكلون طيبات الطعام وألوانها ويركبون الدواب ويتزينون بزينة المرأة لزوجها ويتبرجون تبرج النساء ، وزيهم مثل زي الملوك الجبابرة ، هم منافقو هذه الأمة في آخر الزمان ، شاربو القهوات ، لاعبون بالكعاب ، راكبون الشهوات ، تاركون الجماعات ، راقدون عن العتمات ، مفرطون في الغدوات ، يقول الله تعالى : " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا " .
يا ابن مسعود : مثلهم مثل الدفلي زهرتها حسنة و طعمها مر ، كلامهم الحكمة وأعمالهم داء لا تقبل الدواء ، " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " . يا ابن مسعود : ما ينفع من يتنعم في الدنيا إذا أخلد في النار ، " يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون " ، يبنون الدور ويشيدون القصور ويزخرفون المساجد ، ليست همتهم إلا الدنيا عاكفون عليها معتمدون فيها ، آلهتهم بطونهم ، قال الله تعالى : " وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ، وإذا بطشتم بطشتم جبارين ، فاتقوا الله وأطيعون " . وقال الله تعالى : " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه " إلى قوله : " أفلا تذكرون " وما هو إلا منافق ، جعل دينه هواه وإلهه بطنه ، كل ما اشتهى من الحلال والحرام لم يمتنع منه ، قال الله تعالى : " وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع " .
يا ابن مسعود : محاريبهم نساؤهم وشرفهم الدراهم والدنانير ، وهمتهم بطونهم ، أولئك هم شر الأشرار ، الفتنة منهم وإليهم تعود .
يا ابن مسعود : إقرأ قول الله تعالى : " أفرأيت إن متعناهم سنين ، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ، ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون " . يا ابن مسعود : أجسادهم لا تشبع وقلوبهم لا تخشع .
يا ابن مسعود : الاسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء ، فمن أدرك ذلك الزمان [ ممن يظهر ] من أعقابكم فلا يسلم عليهم في ناديهم ولا يشيع جنائزهم ولا يعود مرضاهم ، فإنهم يستنون بسنتكم ويظهرون بدعواكم ويخالفون أفعالكم فيموتون على غير ملتكم ، أولئك ليسوا مني ولست منهم ‹ صفحة 450 ›
يا ابن مسعود : لا تخافن أحدا غير الله ، فإن الله تعالى يقول : " أين ما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة " . ويقول : " يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظروا نقتبس من نوركم - إلى قوله - وبئس المصير " .
يا ابن مسعود : عليهم لعنة مني ومن جميع المرسلين والملائكة المقربين وعليهم غضب الله وسوء الحساب في الدنيا والآخرة ، وقال الله : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل - إلى قوله - ولكن كثيرا منهم فاسقون " .
يا ابن مسعود : أولئك يظهرون الحرص الفاحش والحسد الظاهر ويقطعون الأرحام ويزهدون في الخير ، وقد قال الله تعالى : " والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار " . وقال تعالى : " مثل الذين حملوا التورية ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفار " .
يا ابن مسعود : يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دينه مثل القابض على الجمر بكفه ، فإن كان في ذلك الزمان ذئبا ، وإلا أكلته الذئاب . يا ابن مسعود : علماؤهم وفقهاؤهم خونة فجرة ، ألا إنهم أشرار خلق الله ، وكذلك أتباعهم ومن يأتيهم ويأخذ منهم ويحبهم ويجالسهم ويشاورهم أشرار خلق الله يدخلهم نار جهنم " صم بكم عمي فهم لا يرجعون " ، " ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا " ، " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب " ، " إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور ، تكاد تميز من الغيظ " ، " كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب الحريق " ، " لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون " .
يا ابن مسعود : يدعون أنهم على ديني وسنتي ومنهاجي وشرائعي إنهم مني برآء وأنا منهم برئ . يا ابن مسعود : لا تجالسوهم في الملا ولا تبايعوهم في الأسواق ، ولا تهدوهم إلى الطريق ، ولا تسقوهم الماء ، قال الله تعالى : " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون " ، يقول الله تعالى : " ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب " ،
يا ابن مسعود : ما بلوى أمتي منهم العداوة والبغضاء والجدال أولئك أذلاء هذه الأمة في دنياهم . والذي بعثني بالحق ليخسفن الله ‹ صفحة 451 › بهم ويمسخهم قردة وخنازير . قال : فبكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبكينا لبكائه وقلنا : يا رسول الله ما يبكيك ؟ فقال : رحمة للأشقياء ، يقول الله تعالى : " ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب " . يعني العلماء والفقهاء .
يا ابن مسعود : من نعلم العلم يريد به الدنيا وآثر عليه حب الدنيا وزينتها استوجب سخط الله عليه وكان في الدرك الأسفل من النار مع اليهود والنصارى الذين نبذوا كتاب الله تعالى ، قال الله تعالى : " فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين " . يا ابن مسعود : من تعلم القرآن للدنيا وزينتها حرم الله عليه الجنة .
يا ابن مسعود : من تعلم العلم ولم تعمل بما فيه حشره الله يوم القيامة أعمى . ومن تعلم العلم رئاء وسمعة يريد به الدنيا نزع الله بركته وضيق عليه معيشته ووكله الله إلى نفسه ، ومن وكله الله إلى نفسه فقد هلك ، قال الله تعالى : " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " .
يا ابن مسعود : فليكن جلساؤك الأبرار وإخوانك الأتقياء والزهاد ، لان الله تعالى قال في كتابه : " الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين " .
يا ابن مسعود : إعلم أنهم يرون المعروف منكرا والمنكر معروفا ففي ذلك يطبع الله على قلوبهم فلا يكون فيهم الشاهد بالحق ولا القوامون بالقسط ، قال الله تعالى : " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين " .
يا ابن مسعود : يتفاضلون بأحسابهم و أموالهم ، يقول الله تعالى : " وما لاحد عنده من نعمة تجزى ، إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى ، ولسوف يرضى " .
يا ابن مسعود : عليك بخشية الله تعالى وأداء الفرائض ، فإنه يقول : " هو أهل التقوى وأهل المغفرة " . ويقول : " رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه " .
يا ابن مسعود : دع عنك ما لا يغنيك و عليك بما يغنيك ، فإن الله تعالى يقول : " لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه " . يا ابن مسعود : إياك أن تدع طاعة الله وتقصد معصيته شفقة على أهلك ، لأنه الله تعالى يقول : " يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ، إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور " .
يا ابن مسعود : احذر الدنيا ولذاتها وشهواتها و زينتها وأكل الحرام والذهب ‹ صفحة 452 › والفضة والركب والنساء ، فإنه سبحانه يقول : " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ، قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد " .
يا ابن مسعود : لا تغترن بالله ولا تغترن بصلاحك وعلمك وعملك وبرك وعبادتك .
يا ابن مسعود : إذا تلوت كتاب الله تعالى فأتيت على آية فيها أمر ونهي فرددها نظرا واعتبارا فيها ولا تسه عن ذلك ، فإن نهيه يدل على ترك المعاصي وأمره يدل على عمل البر والصلاح ، فإن الله تعالى يقول : " فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " .
يا ابن مسعود : لا تحقرن ذنبا ولا تصغرنه واجتنب الكبائر ، فإن العبد إذا نظر يوم القيامة إلب ذنوبه دمعت عيناه قيحا ودما ، يقول الله تعالى : " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا " .
يا ابن مسعود : إذا قيل لك : اتق الله فلا تغضب ، فإنه يقول : " وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم " .
يا ابن مسعود : قصر أملك ، فإذا أصبحت فقل : " إني لا أمسي " ، وإذا أمسيت فقل : " إني لا أصبح " . واعزم على مفارقة الدنيا وأحب لقاء الله ولا تكره لقاءه ، فإن الله يحب لقاء من يحب لقاءه ويكره لقاء من يكره لقاءه .
يا ابن مسعود : لا تغرس الأشجار ولا تجر الأنهار ولا تزخرف البنيان ولا تتخذ الحيطان والبستان ، فإن الله تعالى يقول : " ألهاكم التكاثر " .
يا ابن مسعود : والذي بعثني بالحق ليأتي على الناس زمان يستحلون الخمر ويسمونه النبيذ . عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين أنا منهم برئ وهم مني برآء .
يا ابن مسعود : الزاني بأمه أهون عند الله ممن يدخل في ماله من الربا مثقال حبة من خردل . ومن شرب المسكر قليلا كان أو كثيرا فهو أشد عند الله من آكل الربا ، لأنه مفتاح كل شر . يا ابن مسعود : أولئك يظلمون الأبرار ويصدقون الفجار [ والفسقة ] ، الحق ‹ صفحة 453 › عندهم باطل والباطل عندهم حق هذا كله للدنيا وهم يعلمون أنهم على غير الحق ولكن زين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ، " رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون " .
يا ابن مسعود : قال تعالى : " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ، وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ، حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين " .
يا ابن مسعود : إنهم ليعيبون على من يقتدي بسنتي وفرائض الله ، قال الله تعالى : " فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون ، إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون " .
يا ابن مسعود : احذر سكر الخطيئة ، فإن للخطيئة سكرا كسكر الشراب بل هي أشد سكرا منه ، يقول الله تعالى : " صم بكم عمي فهم لا يرجعون " . ويقول : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ، وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا " .
يا ابن مسعود : الدنيا ملعونة ، ملعون من فيها وملعون من طلبها وأحبها ونصب لها ، وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى : " كل من عليها فان ، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام " . وقوله تعالى : " كل شئ هالك إلا وجهه " .
يا ابن مسعود : إذا عملت عملا فاعمله لله خالصا ، لأنه لا يقبل من عباده الأعمال إلا ما كان له خالصا ، فإنه يقول : " وما لاحد عنده من نعمة تجزى ، إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى ، ولسوف يرضى " .
يا ابن مسعود : دع نعيم الدنيا وأكلها وحلاوتها وحارها وباردها ولينها وطيبها والزم نفسك الصبر عنها ، فإنك مسؤول عن هذا كله ، قال الله تعالى : " ثم لتسألن يومئذ عن النعيم " . يا ابن مسعود : لا تلهينك الدنيا وشهواتها ، فإن الله تعالى يقول : " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون " .
يا ابن مسعود : إذا عملت عملا من البر وأنت تريد بذلك غير الله فلا ترج بذلك منه ثوابا ، فإنه يقول : " فلا نقيم له يوم القيامة وزنا " . ‹ صفحة 454 › يا ابن مسعود : إذا مدحك الناس فقالوا : إنك تصوم النهار وتقوم الليل وأنت على غير ذلك فلا تفرح بذلك ، فإن الله تعالى يقول : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم " .
يا ابن مسعود : أكثر من الصالحات والبر ، فإن المحسن والمسئ يندمان ، يقول المحسن : يا ليتني ازددت من الحسنات . ويقول المسئ : قصرت ، وتصديق ذلك قوله تعالى : " ولا أقسم بالنفس اللوامة " . يا ابن مسعود : لا تقدم الذنب ولا تؤخر التوبة ولكن قدم التوبة وأخر الذنب فإن الله تعالى يقول في كتابه : " بل يريد الانسان ليفجر أمامه " .
يا ابن مسعود : إياك أن تسن سنة بدعة ، فإن العبد إذا سن سنة سيئة لحقه وزرها ووزرها من عمل بها ، قال الله تعالى : " ونكتب ما قدموا وآثارهم " . وقال سبحانه : " ينبؤ الانسان يومئذ بما قدم وأخر " .
يا ابن مسعود : لا تركن إلى الدنيا ولا تطمئن إليها فستفارقها عن قليل ، فإن الله تعالى يقول : " فأخرجناهم من جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم " .
يا ابن مسعود : تذكر القرون الماضية والملوك الجبابرة الذين مضوا ، فإن الله يقول : " وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا " .
يا ابن مسعود : إياك والذنب سرا وعلانية ، صغيرا وكبيرا ، فإن الله تعالى حيثما كنت يراك و " هو معكم أينما كنتم " .
يا ابن مسعود : اتق الله في السر والعلانية والبر والبحر والليل والنهار ، فإنه يقول : " ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا " .
يا ابن مسعود : اتخذ الشيطان عدوا ، فإن الله تعالى يقول : " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا " . ويقول عن إبليس : " ثم لاتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين " . ويقول : " فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين " .
يا ابن مسعود : لا تأكل الحرام ولا تلبس الحرام ولا تأخذ من الحرام ولا تعص الله ، لان الله تعالى يقول لإبليس : واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم ‹ صفحة 455 › بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا " . وقال : " فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور " .
يا ابن مسعود : خف الله في السر والعلانية ، فإن الله تعالى يقول : " ولمن خاف مقام ربه جنتان " . ولا تؤثرن الحياة الدنيا على الآخرة باللذات والشهوات ، فإنه تعالى يقول في كتابه : " فأما من طغى ، وآثر الحياة الدنيا ، فإن الجحيم هي المأوى " يعني الدنيا الملعونة والملعون ما فيها إلا ما كان لله .
يا ابن مسعود : لا تخونن أحدا في مال يضعه عندك أو أمانة ائتمنك عليها ، فإن الله تعالى يقول : " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " .
يا ابن مسعود : لا تتكلم بالعلم إلا بشئ سمعته ورأيته ، فإن الله تعالى يقول : " ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا " . وقال : " ستكتب شهادتهم ويسئلون " . وقال : " وإذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ، ما يلفظ من قوله إلا لديه رقيب وعتيد " . وقال : " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " .
يا ابن مسعود : لا تهتم للرزق ، فإن الله تعالى يقول : " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها " . وقال : " وفي السماء رزقكم وما توعدون " . وقال : " وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شئ قدير " .
يا ابن مسعود : والذي بعثني بالحق [ نبيا ] إن من يدع الدنيا ويقبل على تجارة الآخرة ، فإن الله تعالى يتجر له من وراء ، قال الله تعالى : " رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار " .
فقال ابن مسعود : بأبي أنت وأمي يا رسول الله كيف لي بتجارة الآخرة ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا تريحن لسانك عن ذكر الله ، وذلك أن تقول : " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " فهذه التجارة المربحة . وقال الله تعالى : " يرجون تجارة لن تبور ، ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله " .
يا ابن مسعود : كل ما أبصرته بعينك واستخلاه قلبك فاجعله لله فذلك تجارة الآخرة ، لان الله يقول : " ما عندكم ينفذ وما عند الله باق " .
يا ابن مسعود : إذا تكلمت بلا إله إلا الله ولم تعرف حقها فإنه مردود عليك . ‹ صفحة 456 › ولا يزال يقول : لا إله إلا الله إلا أن يرد غضب الله عن العباد حتى إذا لم ينالوا ما ينقص من دينهم بعد إذ سلمت دنياهم ، يقول الله تعالى : " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " .
يا ابن مسعود : أحب الصالحين ، فإن المرء مع من أحب ، فإن لم تقدر على أعمال البر فأحب العلماء ، فإنه يقول : " من يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا " .
يا ابن مسعود : إياك أن تشرك بالله طرفة عين وإن نشرت بالمنشار أو قطعت أو صلبت أو أحرقت بالنار ، يقول الله تعالى : " والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم " .
يا ابن مسعود : اصبر مع الذين يذكرون الله ويسبحونه ويهللونه ويحمدونه ويعملون بطاعته ويدعونه بكرة وعشيا ، فإن الله تعالى يقول : " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم " .
يا ابن مسعود : لا تختر على ذكر الله شيئا ، فإن الله يقول : " ولذكر الله أكبر " . ويقول : " فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون " . ويقول : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " ويقول : " ادعوني أستجب لكم " .
يا ابن مسعود : عليك بالسكينة والوقار وكن سهلا لينا عفيفا مسلما تقيا نقيا بار طاهرا مطهرا صادقا خالصا سليما صحيحا لبيبا صالحا صبورا شكورا مؤمنا ورعا عابدا زاهدا رحيما عالما فقيها ، يقول الله تعالى : " إن إبراهيم لحليم أواه منيب " . " وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " ، والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما " ، " وقولوا للناس حسنا " ، " وإذا مروا باللغو مروا كراما ، [ والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا ] ، والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ، أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما ، خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما " . وقال الله تعالى : " قد أفلح المؤمنون ، الذين هم في صلاتهم خاشعون ، والذين هم عن اللغو معرضون ، والذين هم للزكاة فاعلون ، والذين هم لفروجهم حافظون ، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك ‹ صفحة 457 › هم العادون ، والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ، والذين هم على صلواتهم يحافظون ، أولئك هن الوارثون ، الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون " . وقال الله تعالى : " أولئك في جنات مكرمون " . وقال : " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " إلى قوله : " أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم " .
يا ابن مسعود : لا تحملنك الشفقة على أهلك وولدك على الدخول في المعاصي والحرام ، فإن الله تعالى يقول : " يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم " . وعليك بذكر الله والعمل الصالح ، فإن الله تعالى يقول : " والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا " .
يا ابن مسعود : لا تكونن ممن يهدي الناس إلى الخير ويأمرهم بالخير وهو غافل عنه ، يقول الله : " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم " .
يا ابن مسعود : عليك بحفظ لسانك ، فإن الله تعالى يقول : " اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون " .
يا ابن مسعود : عليك بإصلاح السريرة ، فإن الله تعالى يقول : " يوم تبلي السرائر فما له من قوة ولا ناصر " .
يا ابن مسعود : احذر يوما تنشر فيه الصحائف وتظهر فيه الفضائح ، فإنه تعالى يقول : " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين " .
يا ابن مسعود : اخش الله بالغيب كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، ويقول الله تعالى : " من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ، ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود " .
يا ابن مسعود : أنصف الناس من نفسك وانصح الأمة وارحمهم ، فإذا كنت كذلك وغضب الله على أهل بلدة أنت فيها وأراد أن ينزل عليهم العذاب نظر إليك فرحمهم بك ، يقول الله تعالى : " وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " .
يا ابن مسعود : إياك أن تظهر من نفسك الخشوع والتواضع للادميين وأنت فيما بينك وبين ربك مصر على المعاصي والذنوب ، يقول الله تعالى : " يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور " . يا ابن مسعود : لا تكن ممن يشدد على الناس ويخفف عن نفسه ، يقول الله تعالى : ‹ صفحة 458 › " لم تقولون ما لا تفعلون " .
يا ابن مسعود : إذا عملت عملا فاعمل بعلم وعقل ، وإياك وأن تعمل عملا بغير تدبر وعلم ، فإنه جل جلاله يقول : " ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا " .
يا ابن مسعود : عليك بالصدق ولا تخرجن من فيك كذبة أبدا وأنصف الناس من نفسك وأحسن ، وادع الناس إلى الاحسان ، وصل رحمك ، ولا تمكر بالناس ، وأوف الناس بما عاهدتهم ، فإن الله تعالى يقول : " إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون " .
مكارم الأخلاق - الشيخ الطبرسي- الفصل الرابع - ص 446 ....