إن الذي يتربّى في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويتغذى على يدي علي وفاطمة عليهما السلام ويتخرج من مدرستهم الفياضة بالعطاء الثر يكون غنيًّا عن التعريف، فكيف بالإمام الحسن (عليه السلام) الذي ملأ الدنيا جوداً وكرماً وسماحةً وفضلاً، وهو الإمام المعصوم بنصّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وثاني خُلفائِه.
لقد حدثنا التاريخ بأن الإمام الحسن (عليه السلام) كان شديد الاهتمام بالفقراء والمساكين، ولم يقصده أحد بحاجة إلاّ ورجع بقضاء حاجته ويهبه الإمام (عليه السلام) من لدنه سعةً وفضلاً؛ فمعين الجود لم ينضب، وروح النبوّة والإمامة كانت تفوح من جنبيه وتفيض من بين شفتيه في كل موطن وموقف حلّ به سلام الله عليه، وكانت عبادته عبادة الصدّيقين وسيماؤه سيماء النبيين، وقد ورث من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هيبته وسؤدده، وكان باب الله الذي منه يؤتى وإليه يهتدى.. وإليك عزيزي القارئ بعضاً من سجاياه وصفاته:
هيبته وسيماؤهإن فاطمة عليها السلام أتت بابنيها الحسن والحسين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالت: انحل ابنيّ هذين يارسول الله. ـ وفي رواية: هذان ابناك فورّثهما شيئاً ـ فقال: «أمّا الحسن فله هيبتي وسؤددي، وأمّا الحسين فله جرأتي وجودي».(1)
عن أنس بن مالك قال: «لم يكن أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحسن بن علي عليهما السلام».(2)
وقال ابن الزبير: «والله ما قامت النساء عن مثل الحسن بن علي في هيبته وسموّ منزلته».(3)
أمّا واصل بن عطاء البصري، وكان متكلماً بليغاً، فقد قال في الإمام الحسن عليه السلام: «كانت على الحسن سيماء الأنبياء وبهاء الملوك».(4)
ورأى هيبة الإمام الحسن عليه السلام ووقاره أحد الحاقدين عليه، فلم يتمالك نفسه، فقال للإمام عليه السلام: فيك عظمة!
فأجابه الإمام عليه السلام: «إن فيَّ عزّة»!
ثم تلا قوله تعالى: (ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين)(5).□ما تشاور قوم إلاّ هُدوا إلى رُشْدِهم.
إنّ مَنْ طلب العبادة تزكّى لها.
تُجهل النِّعم ما أقامت، فإذا ولّت عُرفت!
الوعد مرض في الجود، والإنجاز دواؤه.
المسؤول حرّ حتى يعِد، ومسترقّ حتى يُنجز.
لا تُعاجل الذنب بالعقوبة، واجعل بينهما للاعتذار طريقاً.
لا يغشّ العاقل مَن استنصحه.
الفرصة سريعة الفوت، بطيئة العَوْد.
أشدّ من المصيبة سُوءُ الخُلُق.
القريب مَنْ قرّبته المودّة وإن بعد نسبه، والبعيد مَنْ باعدته المودّة وإن قرب نسبه.
مروءة القناعة والرضا أكثر من مروءة الإعطاء.
السياسة في نظره
وسئل عن السياسة يوماً فأجاب عليه السلام:
«هي أن ترعى حقوق الله، وحقوق الأحياء، وحقوق الأموات؛ فأمّا حقوق الله: فأداء ما طلب، والاجتناب عمّا نهى. وأمّا حقوق الأحياء: فهي أن تقوم بواجبك نحو إخوانك، ولا تتأخر عن خدمة أمّتك، وأن تخلص لوليّ الأمر ما أخلص لأمّته، وأن ترفع عقيرتك في وجهه إذا ما حاد عن الطريق السويّ. وأمّا حقوق الأموات: فهي أن تذكر خيراتهم وتتغاضى عن مساوئهم، فإن لهم ربًّا يحاسبهم».(1)□
عفوه
اجتاز على الإمام شخص من أهل الشام ممّن غذّاهم معاوية بالكراهية والحقد على أهل البيت، فجعل يكيل للإمام السب والشتم، والإمام ساكت لم يرد عليه شيئاً من مقالته. وبعد فراغه التفت الإمام فخاطبه بِناعِم القول وقابله ببسمات فياضة بالبشر قائلاً:
«أيها الشيخ، أظنك غريباً؛ لو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أطعمناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك...».
وما زال عليه السلام يلاطف الشامي بهذا ومثله ليقلع روح العداء والشر من نفسه، حتى ذُهل ولم يطق ردّ الكلام، وبقي حائراً خجلاً كيف يعتذر للإمام، وكيف يمحو الذنب عنه! وطفق يقول: «الله أعلم حيث يجعل رسالته...».(1)□
فصاحته وبلاغته
وجّه الإمام علي عليه السلام إلى ابنه الحسن عليه السلام أسئلة تتعلق بأصول الأخلاق والفضائل، فأجابه بجواب يفيض بالبلاغة مع الإيجاز. وإليك المحاورة:
الإمام علي عليه السلام: يابنيّ، ما السداد؟
الإمام الحسن عليه السلام: ياأبتِ، السداد دفع المنكر بالمعروف.
ـ ما الشرف؟
ـ اصطناع العشيرة وحمل الجريرة.
ـ ما المروءة؟
ـ العفاف وإصلاح المرء ماله.
ـ ما الدنيئة؟
ـ النظر في اليسير ومنع الحقير.
ـ ما اللؤم؟
ـ احتراز المرء نفسه، وبذله عُرسه!
ـ ما السماحة؟
ـ البذل في العسر واليسر.
ـ ما الشحّ؟
ـ أن ترى ما في يديك شرفاً، وما أنفقته تلفاً.
ـ ما الإخاء؟
ـ الوفاء في الشدّة والرخاء.
ـ ما الجبن؟
ـ الجرأة على الصديق، والنكول عن العدو!
ـ ما الغنيمة؟
ـ الرغبة في التقوى، والزهادة في الدنيا.
ـ ما الحلم؟
ـ كظم الغيظ وملك النفس
ـ ما الغنى؟
ـ رضى النفس بما قسم الله وإن قلّ، فإنّما الغِنى غِنى النفس.
ـ ما الفقر؟
ـ شره النفس في كل شيء.
ـ ما المنعة؟
ـ شدّة البأس ومقارعة أشدّ الناس.
ـ ما الذلّ؟
ـ الفزع عند المصدوقية.
ـ ما الجرأة؟
ـ موافقة الأقران.
ـ ما الكلفة؟
ـ كلامك فيما لا يعنيك.
ـ ما المجد؟
ـ أن تعطي في الغرم، وأن تعفو عن الجرم.
ـ ما العقل؟
ـ حفظ القلب كل ما استرعيته.
ـ ما الخرق؟
ـ معاداتك إمامك ورفعك عليه كلامك.
ـ ما الثناء؟
ـ إتيان الجميل، وترك القبيح.
ـ ما الحزم؟
ـ طول الأناة، والرفق بالولاة، والاحتراس من الناس بسوء الظن، هو الحزم.
ـ ما الشرف؟
ـ موافقة الإخوان.
ـ ما السفه؟
ـ اتّباع الدناة، ومصاحبة الغواة.
ـ ما الغفلة؟
ـ تركك المسجد، وطاعتك المفسد.
ـ ما الحرمان؟
ـ تركك حظّك وقد عُرض عليك.(1)□
--------------------------------------------------------------------------------
(1) اقتطفناها من: حياة الإمام الحسن عليه السلام: ج1، ص310ـ313. ومطالب السؤول: ج2، ص31ـ33. وسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته: ج2، ص12. نقلاً عن تحف العقول للحرّاني: ص231، الطبعة الثانية، مع اختلاف يسير بين المصادر ببعض الألفاظ.
حكمه ومواعظه
لقد حدثنا التاريخ بأن الإمام الحسن (عليه السلام) كان شديد الاهتمام بالفقراء والمساكين، ولم يقصده أحد بحاجة إلاّ ورجع بقضاء حاجته ويهبه الإمام (عليه السلام) من لدنه سعةً وفضلاً؛ فمعين الجود لم ينضب، وروح النبوّة والإمامة كانت تفوح من جنبيه وتفيض من بين شفتيه في كل موطن وموقف حلّ به سلام الله عليه، وكانت عبادته عبادة الصدّيقين وسيماؤه سيماء النبيين، وقد ورث من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هيبته وسؤدده، وكان باب الله الذي منه يؤتى وإليه يهتدى.. وإليك عزيزي القارئ بعضاً من سجاياه وصفاته:
هيبته وسيماؤهإن فاطمة عليها السلام أتت بابنيها الحسن والحسين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالت: انحل ابنيّ هذين يارسول الله. ـ وفي رواية: هذان ابناك فورّثهما شيئاً ـ فقال: «أمّا الحسن فله هيبتي وسؤددي، وأمّا الحسين فله جرأتي وجودي».(1)
عن أنس بن مالك قال: «لم يكن أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحسن بن علي عليهما السلام».(2)
وقال ابن الزبير: «والله ما قامت النساء عن مثل الحسن بن علي في هيبته وسموّ منزلته».(3)
أمّا واصل بن عطاء البصري، وكان متكلماً بليغاً، فقد قال في الإمام الحسن عليه السلام: «كانت على الحسن سيماء الأنبياء وبهاء الملوك».(4)
ورأى هيبة الإمام الحسن عليه السلام ووقاره أحد الحاقدين عليه، فلم يتمالك نفسه، فقال للإمام عليه السلام: فيك عظمة!
فأجابه الإمام عليه السلام: «إن فيَّ عزّة»!
ثم تلا قوله تعالى: (ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين)(5).□ما تشاور قوم إلاّ هُدوا إلى رُشْدِهم.
إنّ مَنْ طلب العبادة تزكّى لها.
تُجهل النِّعم ما أقامت، فإذا ولّت عُرفت!
الوعد مرض في الجود، والإنجاز دواؤه.
المسؤول حرّ حتى يعِد، ومسترقّ حتى يُنجز.
لا تُعاجل الذنب بالعقوبة، واجعل بينهما للاعتذار طريقاً.
لا يغشّ العاقل مَن استنصحه.
الفرصة سريعة الفوت، بطيئة العَوْد.
أشدّ من المصيبة سُوءُ الخُلُق.
القريب مَنْ قرّبته المودّة وإن بعد نسبه، والبعيد مَنْ باعدته المودّة وإن قرب نسبه.
مروءة القناعة والرضا أكثر من مروءة الإعطاء.
السياسة في نظره
وسئل عن السياسة يوماً فأجاب عليه السلام:
«هي أن ترعى حقوق الله، وحقوق الأحياء، وحقوق الأموات؛ فأمّا حقوق الله: فأداء ما طلب، والاجتناب عمّا نهى. وأمّا حقوق الأحياء: فهي أن تقوم بواجبك نحو إخوانك، ولا تتأخر عن خدمة أمّتك، وأن تخلص لوليّ الأمر ما أخلص لأمّته، وأن ترفع عقيرتك في وجهه إذا ما حاد عن الطريق السويّ. وأمّا حقوق الأموات: فهي أن تذكر خيراتهم وتتغاضى عن مساوئهم، فإن لهم ربًّا يحاسبهم».(1)□
عفوه
اجتاز على الإمام شخص من أهل الشام ممّن غذّاهم معاوية بالكراهية والحقد على أهل البيت، فجعل يكيل للإمام السب والشتم، والإمام ساكت لم يرد عليه شيئاً من مقالته. وبعد فراغه التفت الإمام فخاطبه بِناعِم القول وقابله ببسمات فياضة بالبشر قائلاً:
«أيها الشيخ، أظنك غريباً؛ لو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أطعمناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك...».
وما زال عليه السلام يلاطف الشامي بهذا ومثله ليقلع روح العداء والشر من نفسه، حتى ذُهل ولم يطق ردّ الكلام، وبقي حائراً خجلاً كيف يعتذر للإمام، وكيف يمحو الذنب عنه! وطفق يقول: «الله أعلم حيث يجعل رسالته...».(1)□
فصاحته وبلاغته
وجّه الإمام علي عليه السلام إلى ابنه الحسن عليه السلام أسئلة تتعلق بأصول الأخلاق والفضائل، فأجابه بجواب يفيض بالبلاغة مع الإيجاز. وإليك المحاورة:
الإمام علي عليه السلام: يابنيّ، ما السداد؟
الإمام الحسن عليه السلام: ياأبتِ، السداد دفع المنكر بالمعروف.
ـ ما الشرف؟
ـ اصطناع العشيرة وحمل الجريرة.
ـ ما المروءة؟
ـ العفاف وإصلاح المرء ماله.
ـ ما الدنيئة؟
ـ النظر في اليسير ومنع الحقير.
ـ ما اللؤم؟
ـ احتراز المرء نفسه، وبذله عُرسه!
ـ ما السماحة؟
ـ البذل في العسر واليسر.
ـ ما الشحّ؟
ـ أن ترى ما في يديك شرفاً، وما أنفقته تلفاً.
ـ ما الإخاء؟
ـ الوفاء في الشدّة والرخاء.
ـ ما الجبن؟
ـ الجرأة على الصديق، والنكول عن العدو!
ـ ما الغنيمة؟
ـ الرغبة في التقوى، والزهادة في الدنيا.
ـ ما الحلم؟
ـ كظم الغيظ وملك النفس
ـ ما الغنى؟
ـ رضى النفس بما قسم الله وإن قلّ، فإنّما الغِنى غِنى النفس.
ـ ما الفقر؟
ـ شره النفس في كل شيء.
ـ ما المنعة؟
ـ شدّة البأس ومقارعة أشدّ الناس.
ـ ما الذلّ؟
ـ الفزع عند المصدوقية.
ـ ما الجرأة؟
ـ موافقة الأقران.
ـ ما الكلفة؟
ـ كلامك فيما لا يعنيك.
ـ ما المجد؟
ـ أن تعطي في الغرم، وأن تعفو عن الجرم.
ـ ما العقل؟
ـ حفظ القلب كل ما استرعيته.
ـ ما الخرق؟
ـ معاداتك إمامك ورفعك عليه كلامك.
ـ ما الثناء؟
ـ إتيان الجميل، وترك القبيح.
ـ ما الحزم؟
ـ طول الأناة، والرفق بالولاة، والاحتراس من الناس بسوء الظن، هو الحزم.
ـ ما الشرف؟
ـ موافقة الإخوان.
ـ ما السفه؟
ـ اتّباع الدناة، ومصاحبة الغواة.
ـ ما الغفلة؟
ـ تركك المسجد، وطاعتك المفسد.
ـ ما الحرمان؟
ـ تركك حظّك وقد عُرض عليك.(1)□
--------------------------------------------------------------------------------
(1) اقتطفناها من: حياة الإمام الحسن عليه السلام: ج1، ص310ـ313. ومطالب السؤول: ج2، ص31ـ33. وسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته: ج2، ص12. نقلاً عن تحف العقول للحرّاني: ص231، الطبعة الثانية، مع اختلاف يسير بين المصادر ببعض الألفاظ.
حكمه ومواعظه
تعليق