منهج أهل البيت عليهم السلام في النهي عن اللعن
حاول البعض أن يشرع السب والشتم واللعن الذي هو أحد مصاديق السب في الشريعة الإسلامية وأن يلصق ذلك بقادته الميامين (ع) وأنهم استعملوه ضد من خالفهم وهذا ما لا يتناسب مع مقام بعض العلماء حتى يتناسب مع من مدحهم الله في الذكر الحكيم وقال في سيدهم ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ «القلم:4».
وهنا أعرض موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في بعض جوانبه وفي بعض كلامه .
حادثة وقعت في وقت الإعداد واستنهاض الناس للقتال في حرب صفين – كما يقول به البعض – وبعضٌ يقول أن هذه الحادثة وقعت أثناء الحرب والقتال وقد سمعها علي (ع) مباشرة، الحادثة رويت بعدة روايات وحاصلها أن بعض أصحاب علي (ع) تعرض لمعاوية وأصحابه بالسب واللعن ولكن الإمام علي (ع) استنكر ذلك وقال أن هذا العمل غير ناجح ولم يكن أمراً صحيحاً بل النهج القويم أن تشرح أفعال مخالفيك ليتعرف الآخرون عليها مع الخلق الإسلامي.
حاولت أن أنقل هذه الحادثة برواياتها المتعددة لأهميتها ثم أعرض ما فهمه العلماء منها:
- الرواية الأولى:
فقد رَوَى نَصْرٌ بن مزاحم: عن عمر بن سعد «الأسدي»، عن عبد الرحمن، عن الحارث بن حصيرة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ:
خَرَجَ حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ وَعَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ يُظْهِرَانِ الْبَرَاءَةَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا عَلِيٌّ أَنْ كُفَّا عَمَّا يَبْلُغُنِي عَنْكُمَا.. فَأَتَيَاهُ فَقَالَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلَسْنَا مُحِقِّينَ؟!
قَالَ: بَلَى.
قالا: أو ليسوا مبطلين؟. قال: بلى. قَالَا: فَلِمَ مَنَعْتَنَا مِنْ شَتْمِهِمْ؟!.
قَالَ: كَرِهْتُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا: لَعَّانِينَ، شَتَّامِينَ تَشْتِمُونَ، وَتَتَبْرَءُونَ، وَلَكِنْ لَوْ وَصَفْتُمْ مَسَاوِئَ أَعْمَالِهِمْ فَقُلْتُمْ مِنْ سِيرَتِهِمْ كَذَا وَكَذَا، وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ كَذَا وَكَذَا، كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ، وَ«لَوْ» قُلْتُمْ مَكَانَ لَعْنِكُمْ إِيَّاهُمْ، وَبَرَاءَتِكُمْ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ احْقُنْ دِمَاءَهُمْ، وَدِمَاءَنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ وَبَيْنِنَا، وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ، حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مِنْهُمْ مَنْ جَهِلَهُ، وَيَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مِنْهُمْ مَنْ لَجَّ بِهِ، لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ، وَخَيْراً لَكُمْ.
فَقَالَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَقْبَلُ عِظَتَكَ وَنَتَأَدَّبُ بِأَدَبِك.
المصدر:
وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص 103 وعنه في بحارا لأنوار ج: 32 ص: 399.
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج3 ص171
أعيان الشيعة ج 4 ص 569 وج 8 ص 376
الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة للسيد علي خان ص 423
وعند مستدرك الوسائل ج12 ص 305 ح14159
جامع أحاديث الشيعة ج15 ص 518 ح1667
نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ج2 ص104 وج6 ص 318
مستدركات علم الرجال للنمازي ج2 ص 253
- الرواية الثانية:
التي رواها ابن أعثم الكوفي في كتابه «الفتوح» بعد كلام طويل لأصحاب أمير المؤمنين :
قال: فعندها خرج حجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي، فجعلا يظهران البراءة من أهل الشام واللعنة لهم، فأرسل إليهما علي أن «كفا عما يبلغني عنكما».
فأقبلا إلى علي وقالا: يا أمير المؤمنين ! ألسنا على الحق؟.
قال: بلى!.
قالا: فَلِمَ تمنعنا عن شتمهم ولعنهم؟.
فقال: لأني أكره لكم أن تكونوا لعَّانين شتَّامين، ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم كذا لكان ذلك أصوب في القول وأبلغ في الرأي، ولو قلتم: اللهم ! احقن دماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، وأهدهم من ضلالتهم، لكان ذلك أحب إليَّ لكم.
فقالا: يا أمير المؤمنين! فإننا نقبل عظتك ونتأدب بأدبك.
المصدر: كتاب الفتوح - لأحمد بن أعثم الكوفي - ج 2 - ص 543
- الرواية الثالثة:
التي رواها الدينوري في كتابه «الأخبار الطوال» فقال: قالوا: وبلغ عليا أن حجر بن عدي وعمرو بن الحمق يظهران شتم معاوية، ولعن أهل الشام، فأرسل إليهما أن كفا عما يبلغني عنكما.
فأتياه، فقالا: «يا أمير المؤمنين، ألسنا على الحق، وهم على الباطل؟».
قال: «بلى، ورب الكعبة المسدنة».
قالوا: «فلم تمنعنا من شتمهم ولعنهم؟».
قال: «كرهت لكم أن تكونوا شتَّامين لعَّانين، ولكن قولوا: اللهم أحقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، وأهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغي من لجج به».
المصدر: الأخبار الطوال - الدينوري - ص 165
- نستخلص من هذه الروايات الثلاث:
1- اتفاق هذه الروايات على أن أمير المؤمنين (ع) كان يكره لأصحابه أن يكونوا شتامين لعانين وهذه الكراهة بمعنى عدم الرضا والمنع من هذا الفعل مفادها حرمة السب واللعن.
2- مفاد هذه الروايات مع روايات أخرى صحيحة السند وقوله تعالى ﴿ وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ «الأنعام: 108» وأن اللعن من سائر الناس أحد مصاديق السب؛ مفاد كل ذلك:
أن السب واللعن من الأمور المحرمة: وذلك أن الإمام أمير المؤمنين (ع) منع أصحابه بشدة من الشتم واللعن كما جاء في الرواية الأولى والرابعة «قَالَا: فَلِمَ مَنَعْتَنَا مِنْ شَتْمِهِمْ؟!» وفي الثانية والثالثة «قالا: فلم تمنعنا عن شتمهم ولعنهم؟» ومنع الإمام المعصوم دال على الحرمة.
فالسب واللعن لم يكونا من الأمور العبادية كما يصوره البعض بل من الأمور المبغوضة التي تجلب مختلف الفتن والمصائب.
3- أن حرمة السب واللعن لا تنزه الطرف الآخر ولاتبرؤه من كفره إن كان كافراً أو من فسقه إن كان فاسقاً أو من ضلاله إن كان ضالا «وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ، حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مِنْهُمْ مَنْ جَهِلَهُ» فقد يستحق الطرف الآخر اللعن والعذاب الأليم في واقع الأمر لأفعاله الشنيعة فهذا شيء، وشتمه ولعنه شيء آخر.
4- أن الإمام (ع)عندما منع من الشتم واللعن واللذان هما من مساوئ الأخلاق طرح عملا آخر أكثر مفعولية منهما ألا وهو شرح أفعال الطرف الآخر لجماهير الأمة بعدلٍ وإنصاف دون الكذب والبهتان.
5- الدعاء للمخالف بالهداية عن الضلال «.... وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ، حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مِنْهُمْ مَنْ جَهِلَهُ، وَيَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مِنْهُمْ مَنْ لَجَّ بِهِ» إن صاحب القلب الكبير الرحيم حتى لأعدائه لم يقتصر على عدم سبهم والدعاء عليهم بالعذاب واللعن لهم – حتى وإن فسر بالدعاء على الغير - بل ثقف شيعته أن يدعوا لأعدائهم ومخالفيهم بالهداية، فأين هذه الروحية والثقافة التي يريدها علي بن أبي طالب (ع) حتى لمن سل سيفه عليه يقاتله، وبين ثقافة السب والشتم واللعن؟؟؟ !!!
6- الدعاء لهم بحقن دمائهم «اللَّهُمَّ احْقُنْ دِمَاءَهُمْ، وَدِمَاءَنَا....» وفي الرواية الثانية «ولو قلتم: اللهم ! احقن دماءهم....» ولم يذكر «دماءنا» أي لم يذكر دمه ودم أصحابه بل كان نظره على حفظ دم عدوه ومن يقاتله.
إنني لا أفهم لغة السب والشتم واللعن في قاموس هذا الرجل الذي خلقه الله مع ابن عمه وأولاده الهداة رحمة وذخراً وشرفاً ليس للمسلمين فحسب بل للبشرية عامة.
إن المحافظة على حقن الدماء مهم إلى أبعد حد وبأي ثمن كان وبأي وسيلة، والسب والشتم واللعن من أهم أسباب سفك الدماء في الأمة فيحرمان ولو بالعنوان الثانوي إذا لم يحرما بالعنوان الأولي.
7- النتيجة الحسنة: بالالتزام بعدم السب والشتم واللعن فهو الخير للأمة لمحافظتها على كرامتها بل ووحدتها وقد يحصل الوئام بين المتنازعين كما قال (ع) «لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ، وَخَيْراً لَكُمْ».
8- إن مفردات السب والشتم واللعن لم تكن ثقافة أمير المؤمنين (ع)، بل ثقافة العاجز المهزوم الذي لم يكن لديه أي رصيد علمي أو عملي أو أخلاقي، والإمام أمير المؤمنين (ع) بعيد عن هذا بعد ما بين السماء والأرض سواء كان في حال الحرب أو السلم، وشيعته المخلصون على هداه سائرون، لهذا قال حجر وعمرو بن الحمق «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَقْبَلُ عِظَتَكَ وَنَتَأَدَّبُ بِأَدَبِك» فمن يستعمل السب والشتم واللعن - حتى لمن يستحق - لم يتأدب بأدب أمير المؤمنين (ع) وإنما تأدب بأدب أعدائه الذين اتخذوا السب واللعن ثقافة استمروا عليها لعشرات السنين.
- الرواية الرابعة:
التي رواها أبو جعفر محمد بن عبد الله الاسكافي المعتزلي المتوفى 220 هـ في كتابه «المعيار والموازنة»:
«تحذير أمير المؤمنين (ع) أصحابه من اعتياد السب واللعن وكراهته لهم أن يكونوا سبابين ولعانين».
قال الأسكافي: وكان (ع) من مبالغته في الدعاء وحسن سيرته في الكف عن الأذى، ودعائه بالتي هي أحسن - اقتداء بأدب الله وطلبا لما هو أصلح - أنه لما بلغه عن أصحابه أنهم يكثرون شتم مخالفيهم باللعن والسب، أرسل إليهم أن كفوا عما بلغني «عنكم» من الشتم والأذى.
فلقوه، فقالوا: يا أمير المؤمنين ألسنا محقين؟
قال: بلى.
قالوا: ومن خالفنا مبطلون؟
قال: بلى.
قالوا: فلم منعتنا من شتمهم؟
فقال: كرهت أن تكونوا سبابين ولكن لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، و [لو] قلتم مكان سبكم إياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي من الغي والعدوان من لهج به، فهذا من الكلام أحب إلي لكم.
فقالوا: قد أصبت.
المصدر: المعيار والموازنة - أبو جعفر الإسكافي - ص 137
- الرواية الخامسة:
التي رواها السيد الرضي في «نهج البلاغة» فقال:
ومن كلام له (ع) في هذا الجانب وقد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفين:
«إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ، وَلَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ، وَذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ، وَقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ: اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَهُمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ، وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ، حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ، وَيَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ».
المصدر: نهج البلاغة: الخطبة 206 رقم 199، وفي النسخة المخطوطة لعام 469 هـ والنسخة الأخرى المخطوطة 494 هـ «دماهم» وفي نسختنا المخطوطة لعام 736 هـ في البداية: «إنني»... «البغي» بدل الغي. وفيها في آخر الخطبة «وتبعه خ ل» بحار الأنوار: 32 / 561 / 466.
حاول البعض أن يشرع السب والشتم واللعن الذي هو أحد مصاديق السب في الشريعة الإسلامية وأن يلصق ذلك بقادته الميامين (ع) وأنهم استعملوه ضد من خالفهم وهذا ما لا يتناسب مع مقام بعض العلماء حتى يتناسب مع من مدحهم الله في الذكر الحكيم وقال في سيدهم ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ «القلم:4».
وهنا أعرض موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في بعض جوانبه وفي بعض كلامه .
حادثة وقعت في وقت الإعداد واستنهاض الناس للقتال في حرب صفين – كما يقول به البعض – وبعضٌ يقول أن هذه الحادثة وقعت أثناء الحرب والقتال وقد سمعها علي (ع) مباشرة، الحادثة رويت بعدة روايات وحاصلها أن بعض أصحاب علي (ع) تعرض لمعاوية وأصحابه بالسب واللعن ولكن الإمام علي (ع) استنكر ذلك وقال أن هذا العمل غير ناجح ولم يكن أمراً صحيحاً بل النهج القويم أن تشرح أفعال مخالفيك ليتعرف الآخرون عليها مع الخلق الإسلامي.
حاولت أن أنقل هذه الحادثة برواياتها المتعددة لأهميتها ثم أعرض ما فهمه العلماء منها:
- الرواية الأولى:
فقد رَوَى نَصْرٌ بن مزاحم: عن عمر بن سعد «الأسدي»، عن عبد الرحمن، عن الحارث بن حصيرة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ:
خَرَجَ حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ وَعَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ يُظْهِرَانِ الْبَرَاءَةَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا عَلِيٌّ أَنْ كُفَّا عَمَّا يَبْلُغُنِي عَنْكُمَا.. فَأَتَيَاهُ فَقَالَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلَسْنَا مُحِقِّينَ؟!
قَالَ: بَلَى.
قالا: أو ليسوا مبطلين؟. قال: بلى. قَالَا: فَلِمَ مَنَعْتَنَا مِنْ شَتْمِهِمْ؟!.
قَالَ: كَرِهْتُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا: لَعَّانِينَ، شَتَّامِينَ تَشْتِمُونَ، وَتَتَبْرَءُونَ، وَلَكِنْ لَوْ وَصَفْتُمْ مَسَاوِئَ أَعْمَالِهِمْ فَقُلْتُمْ مِنْ سِيرَتِهِمْ كَذَا وَكَذَا، وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ كَذَا وَكَذَا، كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ، وَ«لَوْ» قُلْتُمْ مَكَانَ لَعْنِكُمْ إِيَّاهُمْ، وَبَرَاءَتِكُمْ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ احْقُنْ دِمَاءَهُمْ، وَدِمَاءَنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ وَبَيْنِنَا، وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ، حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مِنْهُمْ مَنْ جَهِلَهُ، وَيَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مِنْهُمْ مَنْ لَجَّ بِهِ، لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ، وَخَيْراً لَكُمْ.
فَقَالَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَقْبَلُ عِظَتَكَ وَنَتَأَدَّبُ بِأَدَبِك.
المصدر:
وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص 103 وعنه في بحارا لأنوار ج: 32 ص: 399.
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج3 ص171
أعيان الشيعة ج 4 ص 569 وج 8 ص 376
الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة للسيد علي خان ص 423
وعند مستدرك الوسائل ج12 ص 305 ح14159
جامع أحاديث الشيعة ج15 ص 518 ح1667
نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ج2 ص104 وج6 ص 318
مستدركات علم الرجال للنمازي ج2 ص 253
- الرواية الثانية:
التي رواها ابن أعثم الكوفي في كتابه «الفتوح» بعد كلام طويل لأصحاب أمير المؤمنين :
قال: فعندها خرج حجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي، فجعلا يظهران البراءة من أهل الشام واللعنة لهم، فأرسل إليهما علي أن «كفا عما يبلغني عنكما».
فأقبلا إلى علي وقالا: يا أمير المؤمنين ! ألسنا على الحق؟.
قال: بلى!.
قالا: فَلِمَ تمنعنا عن شتمهم ولعنهم؟.
فقال: لأني أكره لكم أن تكونوا لعَّانين شتَّامين، ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم كذا لكان ذلك أصوب في القول وأبلغ في الرأي، ولو قلتم: اللهم ! احقن دماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، وأهدهم من ضلالتهم، لكان ذلك أحب إليَّ لكم.
فقالا: يا أمير المؤمنين! فإننا نقبل عظتك ونتأدب بأدبك.
المصدر: كتاب الفتوح - لأحمد بن أعثم الكوفي - ج 2 - ص 543
- الرواية الثالثة:
التي رواها الدينوري في كتابه «الأخبار الطوال» فقال: قالوا: وبلغ عليا أن حجر بن عدي وعمرو بن الحمق يظهران شتم معاوية، ولعن أهل الشام، فأرسل إليهما أن كفا عما يبلغني عنكما.
فأتياه، فقالا: «يا أمير المؤمنين، ألسنا على الحق، وهم على الباطل؟».
قال: «بلى، ورب الكعبة المسدنة».
قالوا: «فلم تمنعنا من شتمهم ولعنهم؟».
قال: «كرهت لكم أن تكونوا شتَّامين لعَّانين، ولكن قولوا: اللهم أحقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، وأهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغي من لجج به».
المصدر: الأخبار الطوال - الدينوري - ص 165
- نستخلص من هذه الروايات الثلاث:
1- اتفاق هذه الروايات على أن أمير المؤمنين (ع) كان يكره لأصحابه أن يكونوا شتامين لعانين وهذه الكراهة بمعنى عدم الرضا والمنع من هذا الفعل مفادها حرمة السب واللعن.
2- مفاد هذه الروايات مع روايات أخرى صحيحة السند وقوله تعالى ﴿ وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ «الأنعام: 108» وأن اللعن من سائر الناس أحد مصاديق السب؛ مفاد كل ذلك:
أن السب واللعن من الأمور المحرمة: وذلك أن الإمام أمير المؤمنين (ع) منع أصحابه بشدة من الشتم واللعن كما جاء في الرواية الأولى والرابعة «قَالَا: فَلِمَ مَنَعْتَنَا مِنْ شَتْمِهِمْ؟!» وفي الثانية والثالثة «قالا: فلم تمنعنا عن شتمهم ولعنهم؟» ومنع الإمام المعصوم دال على الحرمة.
فالسب واللعن لم يكونا من الأمور العبادية كما يصوره البعض بل من الأمور المبغوضة التي تجلب مختلف الفتن والمصائب.
3- أن حرمة السب واللعن لا تنزه الطرف الآخر ولاتبرؤه من كفره إن كان كافراً أو من فسقه إن كان فاسقاً أو من ضلاله إن كان ضالا «وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ، حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مِنْهُمْ مَنْ جَهِلَهُ» فقد يستحق الطرف الآخر اللعن والعذاب الأليم في واقع الأمر لأفعاله الشنيعة فهذا شيء، وشتمه ولعنه شيء آخر.
4- أن الإمام (ع)عندما منع من الشتم واللعن واللذان هما من مساوئ الأخلاق طرح عملا آخر أكثر مفعولية منهما ألا وهو شرح أفعال الطرف الآخر لجماهير الأمة بعدلٍ وإنصاف دون الكذب والبهتان.
5- الدعاء للمخالف بالهداية عن الضلال «.... وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ، حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مِنْهُمْ مَنْ جَهِلَهُ، وَيَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مِنْهُمْ مَنْ لَجَّ بِهِ» إن صاحب القلب الكبير الرحيم حتى لأعدائه لم يقتصر على عدم سبهم والدعاء عليهم بالعذاب واللعن لهم – حتى وإن فسر بالدعاء على الغير - بل ثقف شيعته أن يدعوا لأعدائهم ومخالفيهم بالهداية، فأين هذه الروحية والثقافة التي يريدها علي بن أبي طالب (ع) حتى لمن سل سيفه عليه يقاتله، وبين ثقافة السب والشتم واللعن؟؟؟ !!!
6- الدعاء لهم بحقن دمائهم «اللَّهُمَّ احْقُنْ دِمَاءَهُمْ، وَدِمَاءَنَا....» وفي الرواية الثانية «ولو قلتم: اللهم ! احقن دماءهم....» ولم يذكر «دماءنا» أي لم يذكر دمه ودم أصحابه بل كان نظره على حفظ دم عدوه ومن يقاتله.
إنني لا أفهم لغة السب والشتم واللعن في قاموس هذا الرجل الذي خلقه الله مع ابن عمه وأولاده الهداة رحمة وذخراً وشرفاً ليس للمسلمين فحسب بل للبشرية عامة.
إن المحافظة على حقن الدماء مهم إلى أبعد حد وبأي ثمن كان وبأي وسيلة، والسب والشتم واللعن من أهم أسباب سفك الدماء في الأمة فيحرمان ولو بالعنوان الثانوي إذا لم يحرما بالعنوان الأولي.
7- النتيجة الحسنة: بالالتزام بعدم السب والشتم واللعن فهو الخير للأمة لمحافظتها على كرامتها بل ووحدتها وقد يحصل الوئام بين المتنازعين كما قال (ع) «لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ، وَخَيْراً لَكُمْ».
8- إن مفردات السب والشتم واللعن لم تكن ثقافة أمير المؤمنين (ع)، بل ثقافة العاجز المهزوم الذي لم يكن لديه أي رصيد علمي أو عملي أو أخلاقي، والإمام أمير المؤمنين (ع) بعيد عن هذا بعد ما بين السماء والأرض سواء كان في حال الحرب أو السلم، وشيعته المخلصون على هداه سائرون، لهذا قال حجر وعمرو بن الحمق «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَقْبَلُ عِظَتَكَ وَنَتَأَدَّبُ بِأَدَبِك» فمن يستعمل السب والشتم واللعن - حتى لمن يستحق - لم يتأدب بأدب أمير المؤمنين (ع) وإنما تأدب بأدب أعدائه الذين اتخذوا السب واللعن ثقافة استمروا عليها لعشرات السنين.
- الرواية الرابعة:
التي رواها أبو جعفر محمد بن عبد الله الاسكافي المعتزلي المتوفى 220 هـ في كتابه «المعيار والموازنة»:
«تحذير أمير المؤمنين (ع) أصحابه من اعتياد السب واللعن وكراهته لهم أن يكونوا سبابين ولعانين».
قال الأسكافي: وكان (ع) من مبالغته في الدعاء وحسن سيرته في الكف عن الأذى، ودعائه بالتي هي أحسن - اقتداء بأدب الله وطلبا لما هو أصلح - أنه لما بلغه عن أصحابه أنهم يكثرون شتم مخالفيهم باللعن والسب، أرسل إليهم أن كفوا عما بلغني «عنكم» من الشتم والأذى.
فلقوه، فقالوا: يا أمير المؤمنين ألسنا محقين؟
قال: بلى.
قالوا: ومن خالفنا مبطلون؟
قال: بلى.
قالوا: فلم منعتنا من شتمهم؟
فقال: كرهت أن تكونوا سبابين ولكن لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، و [لو] قلتم مكان سبكم إياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي من الغي والعدوان من لهج به، فهذا من الكلام أحب إلي لكم.
فقالوا: قد أصبت.
المصدر: المعيار والموازنة - أبو جعفر الإسكافي - ص 137
- الرواية الخامسة:
التي رواها السيد الرضي في «نهج البلاغة» فقال:
ومن كلام له (ع) في هذا الجانب وقد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفين:
«إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ، وَلَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ، وَذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ، وَقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ: اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَهُمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ، وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ، حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ، وَيَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ».
المصدر: نهج البلاغة: الخطبة 206 رقم 199، وفي النسخة المخطوطة لعام 469 هـ والنسخة الأخرى المخطوطة 494 هـ «دماهم» وفي نسختنا المخطوطة لعام 736 هـ في البداية: «إنني»... «البغي» بدل الغي. وفيها في آخر الخطبة «وتبعه خ ل» بحار الأنوار: 32 / 561 / 466.
تعليق