][ إضاءات على خطبة الإمام الحسين عليه السلام في مكة ][
قال المحقّق المتتبع الشيخ السماوي (قدس سره): «ولمّا جاء كتاب مسلم الى الحسين عزم على الخروج، فجمع أصحابه في الليلة الثامنة من ذي الحجّة فخطبهم..»(1).
غير أنّ السيد ابن طاووس (قدس سره) لم يذكر أنه خطبها في أصحابه، بل قال: «ورُوي أنه(عليه السلام) لمّا عزم على الخروج الى العراق قام خطيباً...»(2).
وقال ابن نما(قدس سره): «ثم قام خطيباً...»(3).
وقد يستفاد من نص ابن طاووس وابن نما أنّ الإمام

والخطبة هي:
« الحمد لله، ما شاء الله، ولا قوّة إلاّ بالله، وصلى الله على رسوله، خُطّ الموت على ولد آدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف، وخِيرَ لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا فيملأن منّي أكرُشاً جوفاً وأجربة سغباً، لا محيص عن يوم خُطَّ بالقلم، رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجر الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله

ملاحظات مستفادة من هذه الخطبة الشريفة:
1) شبّه الإمام

2) في قوله


كما أنّ في قوله هذا إشارة إلى علمه بمصيره ومآل أمره.
3) في قوله

4) في هذه الخطبة ركّز الإمام

وشرط على من يلتحق به أن يكون باذلاً في موالاة أهل البيت عليهم السلام مهجته، وموطّناً على لقاء الله نفسه، أي لا مصير إلاّ القتل والصبر على السيوف والأسنّة !
فماذا اراد الإمام

إنّ القائد الرباني في حركته نحو تحقيق أهدافه يسعى كغيره من القادة إلى تهيأة العدّة والعدد ويتوسّل الى ذلك بالأسباب الظاهرة المألوفة، ولكنه يختلف عن القادة الساعين الى تحقيق النصر الظاهري فقط في انّه لا يبتغي الأعوان كيفما كانوا، بل القائد الربّاني يبتغي أعواناً ربّانين من نوعه، هدفهم الأساس في كلّ ما هم ساعون إليه مرضاة الربّ تبارك وتعالى، أعواناً هادين مهديين، مصرّين على المضيّ في طريق ذات الشوكة مع علمهم بمصيرهم، ومن أولئك تتشكّل العدّة الحقيقية للقائد الربّاني التي يرسم بحسبها خطّة الفعل ونوع المواجهة، فهو لا يعتمد في رسم خطط ونوع المواجهة على كلّ من التحق به، وكثير منهم الطامعون وأهل الريبة والعصيان، فلابد من تمحيصهم، ولابدّ من تنقية الركب الحسينيّ من كلّ أولئك قبل الوصول الى ساحة المواجهة، ولذا كان لابدّ من أن يختبر حقيقة النيّات والعزائم بالإعلام والتأكيد على أنّ المصير هو القتل والصبر على السيوف والأسنة، وأنّ ذلك لا يقوى عليه إلاّ باذل في حقيقة الموالاة مهجته، موطّن على لقاء الله نفسه !!
وهذا الإختبار من سنن منهج القيادة الربانيّة، وقد حدّثنا القرآن الحكيم عن هذه السنّة في اختبار النهر على يد طالوت

(فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)(5).
يُضاف الى ذلك أنّ القائد الربّاني حينما يُطلع أنصاره على ما سوف يلقى ويلقونه من مصير وما سوف يواجهونه من شدائد ومكاره يكون بذلك قد فتح لهم باب علّو الدرجة وسمّو المنزلة والمثوبة العليا عند الله تبارك وتعالى في حال إصرارهم على المضيّ على طريق الجهاد في سبيل الله.
والمتأمل في تفاصيل حركة الإمام الحسين


5) في قوله






ــــــــــــ
(1) إبصار العين: 27.
(2) اللهوف: 126.
(3) مثير الأحزان: 41.
(4) اللهوف: 26، ومثير الأحزان: 41، وكشف الغمة 2: 29.
قال الشيخ السماوي:
مخطّ القلادة: يعني موضع خطّ القلادة، وهي في الحقيقة الجلد المستدير من الجيد، فكما أنّ ذلك الجلد لازم على الرقبة كذلك الموت على ولد آدم !
هذا إذا قلنا إنّ مخطّ اسم مكان، وإن قلنا إنه اسم مصدر بمعنى خطّ فيعني به أنّ الموت دائرة لا يخرج ابن آدم من وسطها كما أنّ القلادة دائرة لا يخرج الجيد منها في حال تقلّده.
ما أولهني: ـ يعني ما أشدَّ شوقي، والوله شدّة الشوق.
خِيرَ لي: ـ يعني خار الله لي مصرعاً، أي اختاره. ويمضي على بعض الألسنة وفي بعض الكتب «خُيِّر» بالتشديد وهو غلط فاحش.
عُسلان الفلوات: بضم العين وسكون السين، جمع عاسل، وهو المهتزّ والمضطرب، يُقال للرمح وللذئب وأمثالهما، والمراد هنا المعنى الثاني.
لا يُقال: إنّ العسلان لا تتسلّط على أوصال صفوة الله، لطفاً من الله وإيثاراً له.
لأنا نقول: إنّ الكلام جرى على القواعد العربية والأساليب الفصيحة كما يقول قائلهم: عندي جفنة يقعد فيها الخمسة، يعني لو كانت مما يُفعل به ذلك لقعد فيها خمسة رجال. فيكون معنى الكلام: لو جاز ذلك على أوصالي لفُعل بها، وهذا كناية عن قتله وتركه بالعراء.
النواويس: ـ جمع ناوس في الأصل، وهو القبر للنصراني، والمراد به هنا القرية التي كانت عند كربلاء.
جُوفاً: ـ بضم الجيم وسكون الواو، جمع جوفاء، وهي الواسعة، ويجري على بعض الألسن تحريك الواو أو تشديدها وهو غلط.
أجربة سُغُباً: أجربة جمع جراب، كأغلمة وغلام، والمراد به البطن مجازاً، وسغباً جمع سغبى من السَغَب وهو الجوع. ورأيت في نسخة «أحوية» فكأنه جمع لـ حوية البطن وهي أمعاؤها، والمعروف حوايا، فإن وردت أحوية فما أحسبها إلاّ خيراً من أجربة.
لن تشذّ: ـ لن تنفرد وتتفرّق.
لُحمته: ـ بضمّ اللام وهي القرابة. (إبصار العين: 42 ـ 43).
(5) سورة البقرة: 249.
(6) عن محمد بن مسلم قال: سمعت أباجعفر وجعفر بن محمد(عليهما السلام) يقولان: إنّ الله تعالى عوّض الحسين(عليه السلام) من قتله أن جعل الإمامة في ذريته، والشفاء في تربته، وإجابة الدعاء عند قبره، ولا تُعدّ أيّام زائريه جائياً وراجعاً من عمره.
قال محمد بن مسلم: فقلت لأبي عبدالله(عليه السلام): هذه الخلال تُنال بالحسين(عليه السلام)، فماله في نفسه ؟ قال: إنّ الله تعالى ألحقه بالنبيّ فكان معه في درجته ومنزلته، ثمّ تلا أبوعبدالله(عليه السلام): ( والذين آمنوا واتّبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرّيتهم ) الآية». (البحار 44:221).
(7) والروايات في هذا المعنى كثيرة يجدها من أرادها في الكتب المؤلّفة في غيبته(عليه السلام)، كالغيبة للطوسي، والغيبة للنعماني، وكمال الدين للصدوق، ويحتويها بشكل مجموع كتاب معجم أحاديث المهدي(عليه السلام). فراجع.
http://www.al-shia.org/html/ara/book...hosain/h06.htm
تعليق