إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الصديقة بنت الصديق

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    يا سنة العالم استيقظوا وابحثوا على الحق

    تعليق


    • #17
      الزميل سيف الله المسلول هل تريد ان اثبت لك ومن كتب السنة ان عائشة تبغض الامام علي ولا تطيب له نفسا بخير؟

      وهل تعرف ما حكم من يبغض الامام علي ؟

      تعليق


      • #18
        مع مليكة :

        أخرج ابن سعد في طبقاته ( 43 ) وقال : تزوج النبي مليكة بنت كعب ، وكانت تذكر بجمال بارع ، فدخلت عليها عائشة ، فقالت لها : أما تستحين أن تنكحي قاتل أبيك ، فاستعاذت من رسول الله فطلقها ، فجاء قومها إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالوا : يا رسول الله إنها صغيرة وإنها لا رأي لها وإنها خدعت فارتجعها ، فأبى رسول الله ، وكان أبوها قتل في يوم فتح مكة ، قتله خالد بن الوليد بالخندمة ( * ) .

        مع أسماء :

        وأخرج ابن سعد في طبقاته ( 44 ) عن ابن عباس ، قال : تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله أسماء بنت النعمان ، وكانت من أجمل أهل زمانها وأشبه ، قال : فلما جعل رسول الله صلى الله عليه وآله يتزوج الغرائب ، قالت عائشة : قد وضع يده في الغرائب ، ويوشكن أن يصرفن وجهه عنا ، وكان خطبها حين وفدت كندة عليه إلى أبيها ، فلما رآها نساء النبي صلى الله عليه وآله حسدنها ، فقلن لها : إن أردت أن تحظي عنده فتعوذي بالله منه إذا دخل عليك ، فلما دخل ، وألقى الستر ، مد يده إليها ، فقالت : أعوذ بالله منك ، فقال : " أمن عائذ الله ! إلحقي بأهلك " .

        وروى ( 45 ) حمزة بن أبي اسيد الساعدي عن أبيه ، وكان بدريا قال : تزوج
        ( 43 ) 8 / 148 ، والذهبي في تاريخه 1 / 335 ، وابن كثير في تاريخه 5 / 299 وفي الإصابة 4 / 392 في الترجمة المرقمة 1016، وقد تخيرنا اللفظ من طبقات ابن سعد. وفي انساب البلاذري 1 / 458 أوفى من ابن سعد
        ( * ) الخندمة جبل بمكة معجم البلدان .
        ( 44 ) 8 / 145 ، وأخرجه اليعقوبي عند ذكره أزواج النبي من تاريخه مختصرا ، وفي المحبر 94 - 95 وبعده : وخرج والغضب يرى في وجهه ، فقال له الأشعث بن قيس لا يسوءك يا رسول الله . . الحديث فزوجه ابنته .
        ( 45 ) الطبري في ذيل المذيل 13 / 79 . والحاكم في المستدرك 4 / 37 وفي تلخيصه وفي المحبر أيضا .( * )
        - ج 1 ص 65 -
        الرسول صلى الله عليه وآله أسماء بنت النعمان الجونية فأرسلني فجئت بها ، فقالت حفصة لعائشة أو عائشة لحفصة : اخضبيها أنت ، وأنا أمشطها ففعلن ، ثم قالت إحداهما : ( إن النبي يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول أعوذ بالله منك ، فلما دخلت وأرخى الستر مد يده إليها ، فقالت : أعوذ بالله منك ! فتل ( * ) بكمه على وجهه ، واستتر به وقال : " عذت معاذا " ثلاث مرات . قال أبو أسيد : ثم خرج علي فقال : يا أبا أسيد ! ألحقها بأهلها ومتعها برازقيتين - يعني كرباستين - فكانت تقول : أدعوني الشقية ) ( 46 ) .
        يظهر من هذه النصوص ، أن المتعوذة بالله من الرسول بتعليم من أم المؤمنين أيضا كانت أكثر من واحدة .
        ( * ) تل عليه : أرخاه .
        ( 46 ) أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب 2 / 703 الترجمة 2 ، وفي الإصابة 3 / 530 يترجمه نعمان ابن أبي الجون الترجمة 8736 مفصلا ، وفي الترجمة 57 ج 4 ص 227 - 298 ، والحاكم في المستدرك 4 / 36 ، وفي تلخيصه وقال اليعقوبي عند ذكره أزواج النبي من تاريخه : " والجونية امرأة من كندة " ، وليست بأسماء . ثم ذكر باختصار تمام القصة المذكورة آنفا وختمها بقوله : فزعموا أنها ماتت كمدا . وكذلك ذكره في المحبر 95 ، وأنساب الاشراف 1 / 457 .

        تعليق


        • #19
          مع مارية :

          أخرج ابن سعد في طبقاته ( 47 ) عن عائشة ، قالت : ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية ، وذلك أنها كانت جميلة جعدة ( * ) ، وأعجب با رسول الله صلى الله عليه وآله وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيت حارثة بن النعمان ( 48 ) - إلى قولها - وفزعنا لها فجزعت ، فحولها رسول الله صلى الله عليه وآله إلى العالية ( * ) ، فكان يختلف إليها
          ( 47 ) طبقات 8 / 212 ، والإصابة بترجمة مارية ، وأنساب الأشراف 1 / 449 - 450 .
          ( * ) جعدة : شعرها غير مسترسل .
          ( 48 ) حارثة بن النعمان الأنصاري الخزرجي من بني النجار ، شهد بدرا وما بعدها من المشاهد مع الرسول ، توفي عصر معاوية ، أسد الغابة 1 / 358 - 359 ، والإصابة 1 / 1532 .
          ( * ) العالية من المدينة وقراها وعما يرها ما كان من جهة نجد إلى تهامة . وما كان دون ذلك من جهة تهامة فهي السافلة ، ويقصد هنا من العالية مال كان لبني النظير ثم صار للنبي صلى الله عليه وآله .
          - ج 1 ص 66 -
          هناك ، فكان ذلك أشد علينا ، ثم رزقه الله الولد وحرمناه . . . الحديث .

          قصة مارية :

          أخرج ابن سعد في طبقاته ( 49 ) وقال : بعث المقوقس ( * ) صاحب الاسكندرية إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في سنة سبع من الهجرة بمارية وبأختها سيرين وألف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا لينا وبلغته الدلدل وحماره عفير ، ويقال : يعفور ، ومعهم خصي يقال له : مابور ، شيخ كبير ، كان أخا مارية ، وبعث ذلك كله مع الحاطب بن ( 50 ) أبي بلتعة ، فعرض حاطب بن أبي بلتعة على مارية الإسلام ، ورغبها فيه ، فأسلمت وأسلمت أختها ، وأقام الخصي على دينه ، حتى أسلم بالمدينة بعد على عهد رسول الله
          وكان رسول الله معجبا بأم إبراهيم ، وكانت بيضا جميلة ، فأنزلها رسول الله في العالية في المال الذي يقال لها اليوم مشربة أم إبراهيم ، وكان رسول الله يختلف إليها هناك ، وضرب عليها الحجاب ، وكان يطأها بملك اليمين ، فلما حملت وضعت هناك ، وقبلتها سلمى مولاة رسول الله ، فجاء أبو رافع ( 51 ) زوج سلمى فبشر رسول الله

          ( 49 ) 8 / 212 .
          ( * ) يقال : الفراعنة لملوك مصر ، والقياصرة لملوك الروم ، والنجاشي لامبراطور الحبشة ، والمقوقس لصاحب الإسكندرية .
          ( 50 ) حاطب بن أبي بلتعة عمرو بن عمير من بني خالفة بطن من لخم ، كنيته أبو عبد الله حليف بني أسد ، مولى عبد الله بن حميد الاسدي ، أو كان حليف الزبير بن العوام الاسدي ، وأرسله النبي سنة ست إلى المقوقس فبعث المقوقس معه هدية للنبي ومارية وسيرين اختها وجارية اخرى وخصيا اسمه مابور توفي سنة ثلاثين وصلى عليه الخليفة عثمان . أسد الغابة 1 / 361 - 362 والإصابة الترجمة 1538 ، والاستيعاب الترجمة 534 .
          ( 51 ) أبو رافع مولى رسول الله . اختلفوا في اسمه ، والاشهر ان اسمه أسلم ، زوجه رسول الله مولاته سلمى . شهد الخندق وما بعدها ، وتوفي قبل قتل عثمان ، أو في خلافة علي . وسلمى كانت مولاة صفية شهدت خيبر وكانت قابلة بني فاطمة ، واشتركت في غسل فاطمة بنت رسول الله . راجع ترجمتها من الاستيعاب 152 ، وأسد الغابة 1 / 77 . والاستيعاب الترجمة المرقمة 120 من الكنى و 73 من الاسماء . ( * )
          - ج 1 ص 67 -
          بإبراهيم ، فوهب له عبدا ، وكان ذلك في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة ، وتنافست الانصار في إبراهيم وأحبوا أن يفرغوا مارية للنبي صلى الله عليه وآله لما يعلمون من هواه فيها ، ( وغار نساء رسول الله صلى الله عليه وآله واشتد عليهن حين رزق منها الولد ) ( 52 ) .

          وفي الطبقات أيضا " وكانت ثقلت على نساء النبي صلى الله عليه وآله وغرن عليها ولا مثل عائشة " .
          وحدثت أم المؤمنين وقالت : " لما ولد إبراهيم جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله إلي فقال : أنظري إلى شبهه بي . فقلت : ما أرى شبها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ألا ترين إلى بياضه ولحه ، قالت : من سقي ألبان الضأن ، ابيض وسمن " ( 53 ) .

          وكان من أثر ما صدر من أم المؤمنين عائشة وحفصة في حق مارية نزول سورة التحريم ، كما نوردها في ما يلي : بسم الله الرحمن الرحيم ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ *قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ) .

          في تفسير الطبري عن ابن عباس قال : كانت حفصة وعائشة متحابين وكانتا زوجتي النبي صلى الله عليه وآله فذهبت حفصة إلى أبيها فتحدثت عنده فأرسل النبي صلى الله عليه وآله إلى جاريته فظلت معه في بيت حفصة وكان اليوم الذي يأتي فيه عائشة فرجعت حفصة فوجدتها في بيتها فجعلت تنتظر خروجها ، وغارت غيرة شديدة فأخرج رسول الله صلى الله عليه وآله جاريته ودخلت حفصة فقالت قد رأيت من كان عندك والله لقد سؤتني .
          فقال النبي صلى الله عليه وآله والله إني لأرضينك فإني مسر إليك سرا فاحفظيه . قالت : ما هو ؟
          ( 52 ) طبقات ابن سعد ترجمة ابراهيم ابن النبي 1 / 134 ، وأنساب الأشراف 1 / 449 - 450 .
          ( 53 ) طبقات ابن سعد بترجمة إبراهيم ابن النبي 1 / 137 ، وأنساب الأشراف 1 / 449 - 450 . ( * )
          - ج 1 ص 68 -
          قال : إني أشهدك أن سرتي هذه علي حرام رضا لك ، وكانت حفصة وعائشة تظاهران على نساء النبي صلى الله عليه وآله فانطلقت حفصة إلى عائشة فأسرت إليها : أن ابشري إن النبي صلى الله عليه وآله قد حرم عليه فتاته . فلما أخبرت بسر النبي صلى الله عليه وآله أظهر الله عزوجل النبي صلى الله عليه وآله فأنزل الله على رسوله لما تظاهرتا عليه ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ) - إلى قوله تعالى - ( وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) ( 54 ) .
          وقريب منه رواية عروة بن الزبير في طبقات ابن سعد ( 55 )
          وفي رواية الضحاك : كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله فتاة فغشيها فبصرت به حفصة وكان اليوم يوم عائشة وكانتا متظاهرتين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اكتمي علي ولا تذكري لعائشة ما رأيت فذكرت حفصة لعائشة فغضبت عائشة فلم تزل بنبي الله صلى الله عليه وآله حتى حلف أن لا يقربها أبدا فأنزل الله هذه الآية وأمره أن يكفر يمينه ويأتي جاريته ( 56 )
          ( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ) .
          في تفسير الطبري : ( هو في قول ابن عباس وقتادة وزيد بن اسلم وابنه عبد الرحمن والشعبي والضحاك بن مزاحم : حفصة . وقد ذكرنا الرواية في ذلك قبل ) .
          وروى وقال : وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا ، قوله لها لا تذكريه فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض وكان كريما صلى الله عليه وآله .
          ( 54 ) تفسير الطبري ( 28 / 101 ) وفي ص : 102 رواها عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب .
          ( 55 ) ط / أوربا ( 8 / 135 ) باب ( ذكر المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وآله . . ) .
          ( 56 ) اللفظ للطبري في تفسيرة ( 28 / 101 ) وراجع طبقات ابن سعد ط اوربا ( 8 / 134 ) . ( * )
          - ج 1 ص 69 -
          وقوله : فلما نبأها به يقول : فلما خبر حفصة نبي الله صلى الله عليه وآله بما اظهره الله عليه من افشائها سر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى عائشة ( قالت : من أنبأك هذا ) يقول قالت حفصة لرسول الله من أنبأك هذا الخبر وأخبرك به ( قال نبأني العليم الخبير ) يقول تعالى ذكره : قال محمد نبي الله لحفصة خبرني به العليم بسرائر عباده . .
          ( إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) .
          في تفسير الطبري عن ابن عباس قال : " مكثت سنة وانا اريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن المتظاهرتين فما أجد له موضعا أسأله فيه ، حتى خرج حاجا وصحبته حتى إذا كان بمر الظهران ، ذهب لحاجته وقال أدركني بإداوة من ماء فلما قضى حاجته ورجع أتيته بالاداوة اصبها عليه فرأيت موضعا ، فقلت : يا أمير المؤمنين ! من المرأتان المتظاهرتان على رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فما قضيت كلامي حتى قال : عائشة وحفصة ( رض ) " . تواترت هذه الرواية عن ابن عباس وفي بعض ألفاظها بعض الاختلاف في بعض الاسانيد ( 57 ) .

          في تفسير الطبري عن ابن مسعود والضحاك وسفيان : فقد صغت قلوبكما : فقد زاغت قلوبكما .
          وعن ابن عباس : فقد صغت قلوبكما يقول : فقد زاغت قلوبكما يقول : قد اثمت
          ( 57 ) مر الظهران : قرية بوادي ظهران قرب مكة . والخبر بتفسير الطبري ( 28 / 104 - 105 ) وصحيح البخاري ( 3 / 137 و 138 ) كتاب التفسير ، تفسير سورة التحريم ، الباب 2 والباب 3 وج 4 / 22 كتاب اللباس ، باب ما كان يتجوز رسول الله من اللباس والزينة ، وصحيح مسلم كتاب الطلاق ، الحديث المرقم 31 و 32 و 33 و 34 ، ومسند احمد ( 1 / 48 ) . ( * )
          - ج 1 ص 70 -
          قلوبكما ( 58 ) .
          وفي تفسير السيوطي الدر المنثور عن ابن مردويه وابن عساكر عن علي بن أبي طالب وابن عباس في قوله : ( وصالح المؤمنين ) قال : هو علي بن أبي طالب . وعن اسماء بنت عميس : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : " وصالح المؤمنين " قال : علي بن أبي طالب ( 59 ) .
          ( عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ) . ( قانتات ) قال الراغب في مفردته : القنوت : لزوم الطاعة مع الخضوع .
          ( سائحات ) قال الراغب : " سائحات : صائمات ، قال بعضهم : الصوم ضربان : حقيقي وهو ترك المطعم والمنكح ، وصوم حكمي وهو حفظ الجوارح عن المعاصي كالسمع والبصر واللسان ، فالسائح هو الذي يصوم هذا الصوم دون الصوم الأول ، وقيل : السائحون : هم الذين يتحرون ما اقتضاه قوله : ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ) .

          ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) .
          " قوا أنفسكم . . "
          في تفسير الطبري عن علي بن أبي طالب : قوا أنفسكم وأهليكم قال : أدبوهم علموهم .
          ( 58 ) تفسير الطبري ( 28 / 104 ) .
          ( 59 ) تفسير السيوطي ( 6 / 244 ) . ( * )
          - ج 1 ص 71 -
          ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) .
          لما ورد في الخطاب إلى زوجتي الرسول المتظاهرتين أمر بالتوبة ، وفي وصف الزوجات اللاتي عسى ربه أن يبدلهن بالمطلقات : التائبات . وصف في هذه الآية التوبة المطلوبة بالنصوح .
          وقال الراغب في تفسير النصوح : ( هو من قولهم : نصحت له الود : أي أخلصته ، وناصح العسل خالصه ، أو من قولهم : نصحت الجلد : خطته ، و " توبوا إلى الله توبة نصوحا " من أحد هذين : إما الاخلاص وإما الاحكام ) .

          وفي تفسير السورة قال السيد قطب : ( هذه السورة تعرض في صدرها صفحة من الحياة البيتية لرسول الله صلى الله عليه وآله وصورة من الانفعالات والاستجابات الانسانية بين بعض نسائه وبعض ، وبينهن وبينه ! وانعكاس هذه الانفعالات والاستجابات في حياته صلى الله عليه وآله وفي حياة الجماعة المسلمة كذلك . . . ثم في التوجيهات العامة للامة على ضوء ما وقع في بيوت رسول الله وبين أزواجه ) .

          ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ) .

          - ج 1 ص 72 -
          ( فخانتاهما ) في تفسير الطبري عن ابن عباس ، قال : " ما بغت امرأة نبي قط . فخانتهما ، قال : في الدين " . وكانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما فكانت امرأة نوح تطلع على سر نوح ، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به فكان ذلك من أمرها . وأما امرأة لوط فكانت إذا ضاف لوطا أحد أخبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء " .
          ( فلم يغنيا عنهما ) في تفسير الطبري عن سعيد بن جبير : ( لم يغن نوح ولوط عن امرأتيهما من الله لما عاقبهما على خيانتهما زوجيهما شيئا ، ولم ينفعهما أن كان زوجاهما نبيين ) ( 60 ) .
          ( احصنت فرجها ) . قال الراغب في المفردات : " المحصنة إما بعفتها أو تزوجها أو بمانع من شرفها وحريتها ".

          قال السيد قطب في تفسيره : ( الحادث الذي نزل بشأنه صدر هذه السورة هو واحد من تلك الامثلة التي كانت تقع في حياة الرسول صلى الله عليه وآله ، وفي حياة أزواجه ) .
          ( وبمناسبة هذا الحادث وما ورد فيه من توجيهات ، وبخاصة دعوة الزوجين المتآمرتين فيه إلى التوبة ، اعقبه في السورة دعوة إلى التوبة والى قيام أصحاب البيوت على بيوتهم بالتربية ، ووقاية أنفسهم واهليهم من النار ، كما ورد مشهد للكافرين في هذه النار ، واختتمت السورة بالحديث عن امرأة نوح وامرأة لوط كمثل للكفر في بيت مؤمن .
          وعن امرأة فرعون كمثل للايمان في بيت كافر . وكذلك عن مريم ابنة عمران التي تظهرت فتلقت النفخة من روح الله وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ) .
          ( 60 ) في تفسير الطبري " أزواجهما شيئا ولم ينفعهما أن كانت أزواجهما أنبياء " وهو خطأ . ( * )

          تعليق


          • #20
            مع ذكرى خديجة :

            أخرج البخاري في صحيحه ( 61 ) ، في باب غيرة النساء من كتاب النكاح عن عائشة ، قالت : " ما غرت على امرأة لرسول الله كما غرت على خديجة ، لكثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله إياها وثنائه عليها ، وقد أوحى الله إلى رسول الله ، أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب " ( * ) .

            وأخرج ( 62 ) في باب مناقب خديجة منه ، أنها قالت : ما غرت على أحد من نساء النبي ما غرت على خديجة ، وما رأيتها ! ولكن النبي كان يكثر ذكرها ، وربما ذبح الشاة ، ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة وفي رواية قال بعده اني لاحب حبيبها ( 63 ) .

            وفيه أيضا عن أم المؤمنين قالت : استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة ( 64 ) على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فعرف استيذان خديجة ، فارتاع لذلك ، فقال " اللهم هالة " قالت : فغرت ، فقلت : ما تذكر من عجوز من عجايز قريش ، حمراء الشدقين ، هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيرا منها ! ؟ وفي مسند أحمد بعد هذا : " فتغير وجه رسول الله تغيرا ما كنت أراه إلا
            ( 61 ) 2 / 209 .
            ( * ) القصب ما كان مستطيلا من الجوهر ، الدر الرطب الزبرجد الرطب المرصع بالياقوت .
            ( 62 ) البخاري 2 / 210 .
            ( 63 ) راجع ترجمتها في الإصابة .
            ( 64 ) خديجة بنت خويلد القرشية الاسدية ، وامها فاطمة بنت زائدة من آل لؤي ، تزوجها أبو هالة هند التميمي ، فولدت له هندا ، ثم خلف عليها عتيق بن عائذ المخزومي وتزوجها الرسول وعمرها اربعون سنة ، وهو ابن خمس وعشرين ، فولدت له أولاده كلهم ما عدا ابراهيم ، وتوفيت في السنة العاشرة من البعثة ، راجع ترجمتها في الطبقات ، والاستيعاب الترجمة 84 وأسد الغابة والإصابة .
            - ج 1 ص 74 -
            عند نزول الوحي أو عند المخيلة حتى ينزل ، أرحمة هو أم عذاب ؟ " ( 65 ) .
            وفي رواية ( 66 ) قال لها : " ما أبدلني الله خيرا منها ، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس ، وصدقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله عزوجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء " انتهى .

            وفي رواية الاستيعاب قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها .
            ما فتئ الرسول يذكر زوجه الأولى خديجة ، ويعيش مع ذكراها مؤثرا ذوي قراباتها وأصدقائها ببره وإحسانه .
            حتى أوغر بذلك صدر أم المؤمنين عائشة ، فاعترضت عليه غير مرة ، وزاد في الطين بلة ما تلقته من الرسول أخيرا من تقريع ولوم في ذلك ، وما سمعته من المدح والقدح المتقابلين مما حز في نفسها وآلمها كثيرا ، فأثر ذلك تأثيرا سيئا في علاقاتها مع فاطمة ابنة خديجة من رسول الله ، وفي علاقاتها مع زوج فاطمة وبينها الذين خصهم الرسول بمزيد من عطفه ، وحدبه عليهم
            ومن آثار ذلك ما رواه أحمد في مسنده ( 67 ) عن النعمان ابن بشير ، حيث قال : استأذن أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وآله فسمع صوت عائشة عاليا وهي تقول : " والله لقد عرفت أن عليا أحب إليك من أبي ومني مرتين أو ثلاثا . . . الحديث " .

            وكانت - أحيانا - لا تذكره بخير ، روت عائشة ان النبي خرج يمشي بين رجلين من أهله ، أحدهما الفصل بن عباس ورجل آخر . .
            ( 65 ) مسند أحمد 6 / 150 و 154 عن موسى بن طلحة .
            ( 66 ) مسند أحمد 6 / 117 ، وراجع أسانيد الحديث وألفاظ في كل من سنن الترمذي ص 247 باب ما جاء في حسن العهد ،
            وسنن ابن ماجة ، باب الغيرة من أبواب النكاح 1 / 315 ، والبخاري أيضا في 2 / 177 ، و 4 / 36 و 195 ،
            والإصابة 4 / 383 ، وراجع أسد الغابة 5 / 439 ، والاستيعاب بترجمة خديجة ، ومسند أحمد 6 / 58 و 102 و 202 و 279
            وابن كثير في تاريخه 3 / 128 والكنز 6 / 224 الحديث 3973 و 3974 .
            ( 67 ) مسند أحمد 4 / 275 ، وراجع خصائص النسائي ، ص 28 ، ومجمع الزوائد 9 / 126 . ( * )
            - ج 1 ص 75 -
            قال ابن عباس للراوي هل تدري من الرجل الآخر ؟ قال : لا ، قال : علي بن أبي طالب ولكنها كانت لا تقدر على أن تذكره بخير وهي تستطيع . . ( 68 ) .
            وقد وصف بعض ذلك ابن أبي طالب في خطبته التي قال فيها : " أما فلانة فقد أدركها ضعف رأي النساء ، وضغن غلا في صدرها ، كمرجل القين ( * ) . " ولو دعيت لتنال من غيري ما أتت إلي لم تفعل " ( 69 ) !

            وفي الكنز ( 70 ) : " وأما عائشة فقد أدركها رأي النساء وشئ كان في نفسها علي يغلي كالمرجل ، ولو دعيت لتنال من غيري ما أتت إلي لم تفعل ، ولها بعد ذلك حرمتها الاولى ، والحساب على الله ، يعفو عمن يشاء ويعذب من يشاء " .
            ويناسب في المقام أن نورد ما ذكره ابن أبي الحديد في شرحه لهذه الخطبة ( 71 ) : قال ابن أبي الحديد : وقد كنت قرأته على الشيخ أبي يعقوب يوسف بن إسماعيل اللمعاني ( ره ) أيام اشتغالي عليه بعلم الكلام ، وسألته عما عنده فيه ، فأجابني بجواب طويل أنا أذكر محصوله ، بعضه بلفظه وبعضه بلفظي ، فقد شذ عني الآن لفظه كله بعينه ، قال : أول بدء الضغن كان بينها وبين فاطمة ، وذلك لان رسول الله تزوجها عقيب موت خديجة ، فأقامها مقامها ، وفاطمة هي ابنة خديجة ، ومن المعلوم أن ابنة الرجل إذا ماتت أمها وتزوج أبوها أخرى
            ( 68 ) الطبري 1 / 1801 . ط . أوربا .
            ( * ) المرجل : قدر كبير والقين الحداد اي كغليان قدر من حديد .
            ( 69 ) شرح ابن أبي الحديد 2 / 456 - 460 في ( ومن كلام له ( ع ) خاطب به أهل البصرة على جهة اقتصاص الملاحم فمن استطاع منكم عند ذلك . . إلى قوله واما فلانه ) .
            ( 70 ) 8 / 215 - 217 ، ومنتخبه 6 / 315 - 331 .
            ( 71 ) وقد لخصنا كلام ابن أبي الحديد وربما اشرنا في الهامش إلى مصادر الأحاديث التي يستشهد بها . شرح النهج ( 2 / 457 - 460 ) . ( * )
            - ج 1 ص 76 -
            كان بين الابنة وبين المرأة كدر وشنآن ، وهذا لابد منه ، لان الزوجة تنفس عليها ميل الأب ، والبنت تكره ميل أبيها إلى امرأة غريبة ، كالضرة لامها ، بل هي ضرة على الحقيقة وإن كانت الأم ميتة ، ولانا لو قدرنا الأم حية لكانت العداوة مضطرمة ، متسعرة ، فإذا كانت قد ماتت ، ورثت ابنتها تلك العداوة . . ثم اتفق أن رسول الله مال إليها وأحبها ، فازداد ما عند فاطمة بحسب زيادة ميله .

            وأكرم رسول الله فاطمة إكراما عظيما أكثر مما كان الناس يظنونه ، وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم ، حتى خرج بها عن حد حب الآباء للأولاد ، فقال بمحضر الخاص والعام مرارا لا مرة واحدة ، في مقامات مختلفة لا في مقام واحد : إنها سيدة نساء العالمين ( 72 ) ، وإنها عديلة مريم بنت عمران ( 73 ) ، وإنها إذا مرت في الموقف ، نادى منادى من جهة العرش ، يا أهل الموقف ! غضوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمد ( 74 ) .
            وهذا من الأحاديث الصحيحة ، وليس من الأحاديث المستضعفة ، وإن إنكاحه عليا إياها ما كان إلا بعدما أنكحه الله تعالى إياها في السماء ، بشهادة الملائكة ( 75 ) ، وكم قال - لا مرة - : " يؤذيني ما يؤذيها ، ويغضبني ما يغضبها " ( 76 ) ، و " إنها بضعة مني . يريبني ما يريبها " ( 77 ) .
            فكان هذا وأمثاله يوجب زيادة الضغن عند الزوجة ، حسب زيادة هذا
            ( 72 ) كنز العمال 6 / 219 الحديث 3853 ( عن عائشة ) ، والحديث 3854 ( ش ع عبد الرحمن ابن أبي ليلى ) .
            ( 73 ) الكنز 6 / 219 ، الحديث 3845 ، و 3855 .
            ( 74 ) المستدرك 3 / 153 و 156 والكنز 6 / 218 ، 3830 ، و 3831 و 3832 .
            ( 75 ) المستدرك 3 / 158 - 159 ، والكنز 6 / 218 الحديث 3834 عن المسور بن مخرمة ، و 3836 عن ابن الزبير ، وص 219 الحديث 3864 .
            ( 76 ) والترمذي 13 / 246 في فضل فاطمة .
            ( 77 ) الكنز 6 / 220 الحديث 3866 ، وراجع ترجمة خديجة وفاطمة في الطبقات 8 ، والاستيعاب وأسد الغابة والإصابة ، وخلاصة تذهيب الكمال ، وحلية أبي نعيم . ( * )
            - ج 1 ص 77 -
            التعظيم والتبجيل ، والنفوس البشرية تغيظ على ما دون هذا فكيف هذا ؟ ثم حصل عند بعلها ما هو حاصل عندها - أعني عليا عليه السلام - فإن النساء كثيرا ما يجعلن الأحقاد في قلوب الرجال ، لا سيما وهن محدثات الليل ، كما قيل في المثل ، وكانت تكثر الشكوى من عائشة ، ويغشاها نساء المدينة وجيران بيتها ، فينقلن إليها كلمات عن عائشة ، ثم يذهبن إلى بيت عائشة فينقلن إليها كلمات عن فاطمة ، وكما كانت فاطمة تشكو إلى بعلها ، كانت عائشة تشكو إلى أبيها ، لعلمها أن بعلها لا يشكيها على ابنته ، فحصل في نفس أبي بكر من ذلك أثر ما ، ثم تزايد تقريظ رسول الله لعلي ، وتقريبه واختصاصه ، فأحدث ذلك حسدا له ، وغبطة في نفس أبي بكر عنه ، وهو أبوها ، وفي نفس طلحة وهو ابن عمها ، وهي تجلس إليهما ، وتسمع كلامهما ، وهما يجلسان إليها ويحادثانها فأعدي إليها منهما كما أعدتهما قال : وليست أبرى عليا من مثل ذلك
            ثم كان بينها وبين علي في حياة الرسول أحوال وأقوال ، كلها تقتضي تهييج ما في النفوس ، نحو ما روي أنه سائره يوما وأطال مناجاته ( 78 ) ، فجاءت ، وهي سائرة خلفهما ، حتى دخلت بينهما ، وقالت : فيم أنتما فقد أطلتما ، فيقال إن رسول الله - صلى الله عليه وآله - غضب ذلك اليوم

            وما روي من حديث الجفنة من الثريد التي أمرت الخادم ، فوقفت لها فأكفأتها ، ونحو ذلك مما يكون بين الأهل وبين المرأة وأحمائها ، ثم اتفق أن فاطمة ولدت أولادا كثيرة ، بنين وبنات ولم تلد هي ولدا ، وأن رسول الله كان يقيم بني فاطمة مقام بنيه ، ويسمى الواحد منهما ابني ، ويقول : " دعوا لي ابني " و " لا تزرموا على ابني " و " ما فعل ابني ؟ " فما ظنك بالزوجة إذا حرمت الولد من البعل ، ثم رأت البعل يتبنى بني ابنته من غيرها ، ويحنو عليهم حنو الوالد المشفق ، هل تكون محبة لأولئك البنين ولامهم ولابيهم أم مبغضة ؟ وهل تود دوام ذلك واستمراره أم زواله وانقضاءه ؟ !
            ( 78 ) في باب مناقب علي من كتاب المناقب بسنن الترمذي 13 / 173 دعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا يوم الطائف فانتجاه فقال الناس : لقد طال نجواه مع ابن عمه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : " ما انتجيته ولكن الله انتجاه " . ( * )
            - ج 1 ص 78 -
            ثم اتفق أن رسول الله صلى الله عليه وآله سد باب أبيها إلى المسجد ، وفتح باب صهره ( 79 ) ، ثم بعث أباها ببراءة إلى مكة ، ثم عزله عنها بصهره ( 80 ) ، فقدح ذلك أيضا في نفسها ، وولد لرسول الله إبراهيم من مارية ، فأظهر علي بذلك سرورا كثيرا ، وكان يتعصب لمارية ، ويقوم بأمرها عند رسول الله صلى الله عليه وآله ميلا على غيرها ، وجرت لمارية نكبة ، فبرأها علي منها ، وكشف بطلانها ، أو كشفه الله على يده ، وكان ذلك كشفا محسا بالبصر ، لا يتهيأ للمنافقين أن يقولوا فيه ما قالوه في القرآن المنزل ببراءة عائشة
            وكل ذلك مما يوغر صدر عائشة عليه ، ويؤكد ما في نفسها منه ، ثم مات إبراهيم ، فأبطنت شماتة ، وإن أظهرت كآبة ، ووجم علي من ذلك ، وكذلك فاطمة ، وكانا يؤثران مارية ، ويريدان أن تتميز عليها بالولد ، فلم يقدر لهما ولا لمارية ذلك ، وبقيت الامور على ماهي عليه . . .
            وكان علي لا يشك أن الأمر له ، وأنه لا ينازعه فيه أحد من الناس ، ولهذا قال له عمه : أمدد يدك أبايعك ، فيقال : عم رسول الله بايع ابن عم رسول الله ، فلا يختلف عليك اثنان . قال : يا عم وهل يطمع فيها طامع غيري ؟ ! قال : ستعلم ! قال : فإني لا أحب هذا الأمر من وراء رتاج ( * ) ، وأحب أن أصحر به ، فسكت عنه ( 81 ) .

            فلما ثقل رسول الله في مرضه ، أنفذ جيش أسامة ، وجعل فيه
            ( 79 ) مسند أحمد ومنتخب الكنز 5 / 29 ، والكنز 6 / 152 الحديث 2495 والمستدرك 3 / 125 . والترمذي 13 / 176 ولم يسد باب أبي بكر لانه كان بالسنح .
            ( 80 ) مسند أحمد 1 / 331 المستدرك 3 / 52 عن ابن عباس ، وص 6 من خصائص النسائي ، ومسند أحمد ج 1 / 2 عن طريق أبي بكر ومسند أحمد 1 / 351 عن طريق علي ، وص 20 من خصائص النسائي وعبد الله بن عمر راجع : المستدرك 3 / 51 .
            ( * ) الرتاج : الباب المقفل .
            ( 81 ) راجع : المرشحون للبيعة من عبد الله بن سبأ ، المدخل ص 31 نجد تفصيل المحاروة هناك مع بيان رأينا فيه . ( * )
            - ج 1 ص 79 -
            أبا بكر ( 82 ) وغيره من أعلام المهاجرين والأنصار فكان علي حينئذ بوصوله إلى الامر - إن حدث برسول الله حدث أوثق ، ويغلب على ظنه أن المدينة لو مات لخلت من منازع ينازعه الامر بالكلية ، فيأخذه صفوا وعفوا ، وتتم له البيعة ، فلا يتهيأ فسخها لو رام ضد منازعته عليها ، فكان من عود أبي بكر من جيش أسامة بإرسالها - يعني عائشة - إليه وإعلامه بأن رسول الله يموت ما كان .

            ومن حديث الصلاة بالناس ما عرف ، فنسب علي إلى عائشة أنها أمرت بلالا مولى أبيها أن يأمره فليصل بالناس ، لان رسول الله كما روي قال ليصل بهم أحدهم ، ولم يعين ، وكانت صلاة الصبح ، فخرج رسول الله وهو في آخر رمق يتهادى بين علي والفضل بن العباس ، حتى قام في المحراب كما ورد في الخبر ، ثم دخل ، فمات ارتفاع الضحى ، فجعل يوم صلاته حجة في صرف الامر إليه ( 83 ) .
            وقال : أيكم يطيب نفسا أن يتقدم قدمين قدمهما رسول الله في الصلاة ، ولم يحملوا خروج رسول الله إلى الصلاة لصرفه عنها ، بل لمحافظته على الصلاة مهما أمكن ، فبويع على هذه النكتة التي اتهمها علي أنها ابتدأت منها ، وكان علي يذكر هذا لأصحابه في خلواته كثيرا ، ويقول : إنه لم يقل " إنكن لصويحبات يوسف " إلا إنكارا لهذه الحال ، وغضبا منها ، لانها وحفصة تبادرتا إلى تعيين أبويهما ، وإنه استدركها بخروجه ، وصرفه عن
            ( 82 ) روى ابن سعد في الطبقات عن جيش اسامة ، وقال : فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة . فيهم أبو بكر ، وعمر بن الخطاب ، وأبو عبيدة ابن الجراح ، وسعد بن أبي وقاص . . فتكلم قوم وقالوا : يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين ، فغضب رسول الله ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما مقالة بلغني عن بعضكم في تأميري اسامة ؟ . . ثم نزل فدخل بيته ، وذلك يوم السبت . وتوفي يوم الاثنين ، راجع الطبقات . ط . ليدن ج 2 ق 1 1 / 136 ، وفي ج 4 ، ق 1 / 46 منه عن ابن عمر ، وراجع تهذيب تاريخ ابن عساكر 2 / 391 ، وكنز العمال 5 / 312 ، ومنتخبه 4 / 180 .
            ( 83 ) لنا بحث مفصل في ذلك باسم صلاة أبي بكر . ( * )
            - ج 1 ص 80 -
            المحراب ، فلم يجد ذلك ولا أثر ، مع قوة الداعي الذي كان يدعو إلى أبي بكر ، ويمهد له قاعدة الأمر ، وتقرر حاله في نفوس الناس ، ومن اتبعه على ذلك من أعيان المهاجرين ، والأنصار ( 84 ) ، ولما ساعد على ذلك من الحظ الفلكي ، والأمر السمائي الذي جمع عليه القلوب والأهواء .

            فكانت هذه الحال عند علي أعظم من كل عظيم ، وهي الطامة الكبرى ، والمصيبة العظمى ، ولم ينسبها إلا إلى عائشة وحدها ، ولا علق الامر الواقع إلا بها ، فدعا عليها في خلواته وبين خواصه ، وتظلم إلى الله منها ، وجرى له في تخلفه عن البيعة ما هو مشهور حتى بايع ( 85 ) .
            وكان يبلغه وفاطمة عنها كل ما يكرهانه منذ مات رسول الله ، إلى أن توفيت فاطمة وهما صابران على مضض ورمض ، واستظهرت بولاية أبيها واستطالت وعظم شأنها ، وانخذل علي وفاطمة ، وقهرا .
            وأخذت فدك ، وخرجت فاطمة تجادل في ذلك مرارا ، فلمتظفر بشئ ( 86 ) ، وفي ذلك تبلغها النساء الداخلات والخارجات عن عائشة كل كلام يسوءها ويبلغن عائشة عنها وعن بعلها مثل ذلك إلا أنه شتان ما بين الحالتين ، وبعد ما بين الفريقين ، هذه غالبة ، وهذه مغلوبة ، وهذه آمرة ، وهذه مأمورة ، وظهر التشفي والشماتة ولا شئ أعظم مرارة ومشقة من شماتة العدو ! فقلت له - ره - : أفتقول أنت : إن عائشة عينت أباها للصلاة ورسول الله صلى الله عليه وآله لم يعينه ؟ !
            ( 84 ) راجع : عبد الله بن سبأ ، السقيفة ، تجد تفصيلا وافيا هناك .
            ( 85 ) راجع : عبد الله بن سبأ ، ص 43 56 .
            ( 86 ) راجع طبقات ابن سعد ج 2 ق 2 / 86 ط . أوربا ، ( باب ذكر ميراث رسول الله ) ،
            وصحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة خبير 3 38 ،
            وصحيح مسلم باب قول رسول الله ( نحن لا نورث ما تركناه صدقة ) 1 / 72 و 3 / 153 ، والطبري بعد ايراد السقيفة ،
            وابن كثير 6 / 285 - 286 ، وابن عبد ربه 3 / 64 ، ومسند أحمد 1 / 4 و 9 و 10 و 14 ، و 2 / 353 . ( * )
            - ج 1 ص 81 -
            فقال : أما أنا فلا أقول ذلك ، ولكن عليا كان يقوله ، وتكليفي غير تكليفه ، كان حاضرا ولم أكن حاضرا ، فأنا محجوج بالاخبار التي اتصلت بي ( 87 ) ، وهي تتضمن تعيين النبي لأبي بكر في الصلاة وهو محجوج بما كان قد علمه ، أو يغلب على ظنه من الحال التي كان حضرها . قال : ثم ماتت فاطمة ، فجاء نساء رسول الله كلهن إلى بني هاشم في العزاء إلا عائشة ، فإنها لم تأت ، وأظهرت مرضا ، ونقل إلى علي عنها كلام يدل على السرور ( 88 ) .

            ثم بايع علي أباها ، فسرت بذلك ، وأظهرت من الاستبشار بتمام البيعة واستقرار الخلافة وبطلان منازعة الخصم ما قد نقله الناقلون فأكثروا ، واستمرت الأمور على هذه مدة خلافة أبيها وخلافة عمر وعثمان ، والقلوب تغلي والأحقاد تذيب الحجارة ، وكلما طال الزمن على علي تضاعفت همومه وغمومه ، وباح بما في نفسه إلى أن قتل عثمان ، وقد كانت عائشة أشد الناس عليه تأليبا وتحريضا ، فقالت : أبعده الله .
            وأملت أن تكون الخلافة في طلحة ، فتعود الامرة تيمية كما كانت أولا ، فعدل الناس عنه إلى علي بن أبي طالب ، فلما سمعت ذلك صرخت : واعثماناه قتل عثمان مظلوما ، وثار ما في الانفس حتى تولد من ذلك يوم الجمل وما بعده . قال ابن الحديد : هذه خلاصة كلام الشيخ أبي يعقوب - ره - ولم يكن يتشيع . إنتهى .
            ( 87 ) راجع باب أحاديثها في صلاة أبي بكر من هذا الكتاب .
            ( 88 ) في ترجمة فاطمة من النبلاء 2 / 94 ، قالت فاطمة لاسماء : إذا مت فغسليني أنت وعلي ولا يدخلن أحد علي . فلما توفيت جاءت عائشة فقالت أسماء لا تدخلي ، فشكت إلى أبي بكر فجاء فوقف على الباب فكلم أسماء فقالت : هي أمرتني ، قال فاصنعي ما أمرتك . ثم انصرف . ( * )
            - ج 1 ص 82 -
            قد أوردنا قسما كبيرا من محاورة ابن أبي الحديد وشيخه ( 89 ) في شرح كلام علي بن أبي طالب ، لما كان فيها من إيضاح لغوامض لنا عن حياة أم المؤمنين الزوجية ، وعلاقاتها بأسرة النبي الأقربين في عصره ، والأحداث التي نشأت عنها بعده ، ونقتصر عليه في دارسة بعض نواحي حياتها الزوجية ، لما في عرضها مفصلا من خروج بنا عن الدراسة الممهدة لفهم أحاديثها إلى دراسة مفصلة لحياتها وأثرها على المجتمع الإسلامي ، مما ينبغي بحثها في دراسات أخرى .

            والذي نستخلصه من كل ما مر ، أن أم المؤمنين كانت امرأة غيرى ، تغار على زوجها الرسول ، وأن غيرتها هذه كانت تؤثر على حياتها الزوجية ، وعلاقاتها بزوجات الرسول وسراياه وسائر أفراد أسرته .

            وسنرى - مضافا إلى ما رأينا في ما مر - أنها كانت تغار على مصلحة ذوي قرباها ، وحزبهم ( 90 ) أيضا بمثل تلك القوة والشدة ، وأن هذه الصفة ( الغيرة ) الشديدة ) المصحوبة بحدة الطبع كانت تدفعها إلى أعمال عنيفة ، وأقوال حادة مما عقدنا الفصول الآتية لدراسة أكثرها .
            ( 89 ) سيأتي بحث بعض ما أشار إليه اللمعاني في الابواب الآتية من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى .
            ( 90 ) كان لام المؤمنين حزب داخل بيت الرسول على ما حدثت هي وقالت : " ان نساء النبي كن حزبين ، فحزب عائشة وحفصة وسودة ، والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وآله . . الحديث . وفي بقية الحديث ما يدل على ان فاطمة كانت في الحزب المناوئ لها راجع البخاري باب من أهدى إلى صاحبه من كتاب الهبة 2 / 60 . أما خارج بيت الرسول فسنرى فيما يأتي انها صرفت عمرها في حفظ مصالح ذوي قرباها وحزبهم مدى الحياة . ( * )

            تعليق


            • #21
              أمارات الثورة في ولاية الوليد :

              قال البلاذري ( 37 ) : لما شاع فعل عثمان وسارت به الركبان كان أول من دعا إلى خلعه والبيعة لعلي عمرو بن زرارة ( 38 ) بن قيس بن الحارث بن عمرو ابن عداء النخعي ، وكميل بن زياد بن نهيك بن هتيم النخعي ثم أحد بني صهبان ، فقام عمرو بن زرارة فقال : أيها الناس إن عثمان ترك الحق وهو يعرفه ، وقد أغرى بصلحائكم يولي عليهم شراركم .
              فمضى خالد بن عرفطة ابن أبرهة بن سنان العذري حليف بني زهرة إلى الوليد فأخبره بقول عمرو بن زرارة واجتماع الناس إليه ، فركب الوليد نحوهم ، فقيل له : الأمر أشد من ذلك والقوم مجتمعون فاتق الله ولا تسعر الفتنة ، وقال له مالك بن الحارث الاشتر النخعي : أنا أكفيك أمرهم فأتاهم فكفهم وسكنهم وحذرهم الفتنة والفرقة ، فانصرفوا .

              وكتب الوليد إلى عثمان بما كان من ابن زرارة ، فكتب إليه عثمان : إن ابن زرارة أعرابي جلف فسيره إلى الشام فسيره ، وشيعه الاشتر والاسود بن يزيد ابن قيس ، وعلقمة بن قيس ، وهم عم الاسود ، والاسود اكبر منه ، فقال قيس
              ( 37 ) أنساب الأشراف 5 / 30 .
              ( 38 ) عمرو بن زرارة . ترجموه في الصحابة ، وفد أبوه على النبي وحدثه برؤيا رآها فعبرها له .
              راجع ترجمتها في أسد الغابة 2 / 201 - 202 و 4 / 104 . ( * )
              - ج 1 ص 122 -
              ابن فهدان بن سلمة منبني البداء من كندة يومئذ :
              أقسم بالله رب البيت مجتهدا * أرجو الثواب له سرا وإعلانا
              لاخلعن أبا وهب وصاحبه * كهف الضلالة عثمان بن عفانا

              وكان عثمان وجه حمران إلى الكوفة حين شكا الناس الوليد بن عقبة ليأتيه بحقيقة خبره فرشاه الوليد ، فلما قدم على عثمان كذب عن الوليد وقرظة ، ثم إنه لقي مروان فسأله عن الوليد ، فقال له : إن الامر جليل ، فأخبر مروان عثمان بذلك ، فغضب على حمران وغربه إلى البصرة لكذبه إياه وأقطعه دارا ( 39 ) .

              استمرت إمارة الوليد على الكوفة خمس سنين ، وغزا في أيامه آذربيجان وأصاب حدا في غزاة فأرادوا أن يقيموه عليه ، فقال حذيفة : أتقيمون عليه الحد وهو بأزاء العدو ؟ ! فكفوا عن ذلك ( 40 ) .

              ولا ندري هل كان ذلك منه في شربه الخمر أم غيره ، فإن كان مشهورا بمعاقرة الخمرة وحد على ذلك في قصة مشهورة ذكرها المؤرخون وقالوا : في حده على السكر :
              فيما أخرجه أبو الفرج في الأغاني ( 41 ) عن أبي عبيدة والكلبي والأصمعي : كان الوليد بن عقبة زانيا شريب خمر ، فشرب الخمر بالكوفة وقام ليصلي بهم الصبح في المسجد الجامع ، فصلى بهم أربع ركعات ، ثم التفت إليهم وقال لهم : أزيدكم ؟ وتقيأ في المحراب وقرأ بهم في الصلاة :
              علق القلب الربابا * بعدما شابت وشابا

              وقال المسعودي ( 42 ) : إن الوليد بن عقبة كان يشرب مع ندمائه ومغنيه من
              ( 39 ) أنساب الاشراف 5 / 57 58 .
              ( 40 ) أنساب الاشراف 5 / 31 .
              ( 41 ) الأغاني 4 / 176 177 ، ط . ساسي .
              ( 42 ) المسعودي في مروجه 2 / 335 ، ط . دار الاندلس . ( * )
              - ج 1 ص 123 -
              أول الليل إلى الصباح ، فلما آذنه المؤذنون بالصلاة خرج منفصلا في غلائله ( * ) فتقدم إلى المحراب في صلاة الصبح فصلى بهم أربعا ، وقال : أتريدون أن أزيدكم ؟ وقيل إنه قال في سجوده وقد أطال : " إشرب واسقني " .
              فقال له عتاب الثقفي وكان في الصف الأول : ما تريد لازادك الله مزيد الخير . والله لا أعجب إلا ممن بعثك إلينا واليا وعلينا أميرا ، فحصبه الناس بحصباء المسجد ، فدخل قصره يترنح ويتمثل أبيات تأبط شرا .
              ولست بعيدا عن مدام وقينة * ولا بصفا صلد عن الخير معزل
              ولكنني أروي من الخمر هامتي * وأمشي الملا بالساحب المتسلسل

              ما جرى للشهود : رغب أهل الكوفة في أن يذهبوا إلى المدينة ومعه بينة جلية تؤيدهم في شهادتهم على أخي الخليفة كي لا يجبهوا بالرد والانكار .

              روى أبو الفرج ، والمسعودي والبلاذري ، واللفظ للأخير قال ( 43 ) : لما صلى الوليد بالناس وهو سكران أتى أبو زينب زهير بن عوف الأزدي صديقا له من بني أسد يقال له : المورع ، فسأله أن يعاونه على الوليد في التماسه غرتة فتفقداه ذات يوم فلم يرياه خرج لصلة العصر ، فانطلقا إلى بابه ليدخلا عليه ، فمنعهما البواب ، فأعطاه أبو زينب دينارا ، فسكت ، فدخلا فإذا هما به سكران ما يعقل فحملاه حتى وضعاه على سريره فقاء خمرا وانتزع أبو زينب خاتمه من يده .

              وفي لفظ الاغاني بعد هذا : ولقي أبو زينب وصاحبه عبد الله بن حبيش الاسدي وعلقمة بن يزيد البكري وغيرهما فأخبراه ، فقالوا : اشخصوا إلى أمير المؤمنين فأعلموه ، فقال بعضهم : لا يقبل قولنا في أخيه .
              ( * ) غلائله مفرده الغلالة : شعار يلبس تحت الثوب والدرع . وقيل بطائن تلبس تحت الدروع . لسان العرب ، مادة : غلل .
              ( 43 ) في الاغاني 4 / 178 ، ط . ساسي ، ومروج الذهب 1 / 435 وأنساب الاشراف 5 / 33 . ( * )
              - ج 1 ص 124 -
              وفي لفظ البلاذري : ومضى وصاحبه على طريق البصرة حتى قدما على عثمان . عند الخليفة : روى أبو الفرج وقال ( 44 ) : قدم رجل المدينة فقال لعثمان ( رض ) : إني صليت الغداة خلف الوليد بن عقبة ، فالتفت إلينا فقال : أأزيدكم ؟ إني أجد اليوم نشاطا ، وأنا أشم منه رائحة الخمر ، فضرب عثمان الرجل ، فقال الناس : عطلت الحدود وضربت الشهود .

              وفي رواية البلاذري عن أبي إسحاق قال : فخرج في أمره إلى عثمان أربعة نفر : أبو زينب وجندب بنزهير وأبو حبيبة الغفاري والصعب بن جثامة ، فأخبروا عثمان خبره ، فقال عبد الرحمن بن عوف : ماله أجن ؟ ! قالوا : لا ولكنه سكر ، قال فأوعدهم عثمان وتهددهم ، وقال لجندب : أنت رأيت أخي يشرب الخمر ؟ ! قال : معاذ الله ! ولكني اشهد أني رأيته سكران يقلسها ( * ) من جوفه وإني اخذت خاتمه من يده وهو سكران لا يعقل .

              وفي رواية الاغاني : فشخصوا إليه وقالوا : إنا جئناك في أمر ونحن مخرجوه إليك من أعناقنا وقد قلنا إنك لا تقبله . قال : وما هو ؟ قالوا : رأينا الوليد وهو سكران من خمر قد شربها وهذا خاتمه أخذناه وهو لا يعقل ! . . . ( 45 ) .

              وفي رواية المسعودي : ( ثم تقايأ عليهم ما شرب من الخمر ، فانتزعوا خاتمه من يده فأتوا عثمان بن عفان فشهدوا عنده على الوليد أنه شرب الخمر ، فقال
              ( 44 ) في الاعاني 4 / 178 ، ط . ساسي ، بسنده إلى مطر الوراق .
              ( * ) يقلسها : يقيئها .
              ( 45 ) الاغاني ، ط . ساسي ، 4 / 178 . ( * )
              - ج 1 ص 125 -
              عثمان : وما يدريكما أنه شرب خمرا ، فقالا : هي الخمر التي كنا نشربها في الجاهلية ، وأخرجا خاتمه فدفعاه إليه فرزأهما ودفع في صدورهما ، وقال : تنحيا عني فخرجا وأتيا علي بن أبي طالب ( رض ) وأخبراه بالقصة ، فأتى عثمان وهو يقول : دفعت الشهود وأبطلت الحدود . . الحديث ) ( 46 ) .

              وفي رواية البلاذري عن الواقدي : وقد يقال : إن عثمان ضرب بعض الشهود أسواطا فأتوا عليا فشكوا ذلك إليه فأتى عثمان ، فقال : عطلت الحدود وضربت قوم شهدوا على أخيك فقلبت الحكم .
              وأخرج البلاذري عن أبي إسحاق قال : فأتى الشهود عائشة فأخبروها بما جرى بينهم وبين عثمان وأن عثمان زبرهم ، فنادت عائشة : إن عثمان أبطل الحدود وتوعد الشهود ( 47 ) .

              وأخرج أبو الفرج ( 48 ) عن الزهري أنه قال : خرج رهط من أهل الكوفة إلى عثمان في أمر الوليد فقال : أكلما غضب رجل منكم على أميره رماه بالباطل ؟ لئن أصبحت لانكلن بكم ، فاستجاروا بعائشة ، وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا وكلاما فيه بعض الغلظة فقال : أم يجد مراق أهل العراق وفساقهم ملجأ إلا بيت عائشة ! ؟ فسمعت فرفعت نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وقال : تركت سنة رسول الله صاحب هذا النعل . فتسامع الناس فجاءوا حتى ملئوا المسجد فمن قائل : أحسنت ، ومن قائل : ما للنساء ولهذا ! ؟ حتى تحاصبوا وتضاربوا بالنعال .

              وأخرج البلاذري ( 49 ) : ان عائشة أغلظت لعثمان ، وأغلظ لها وقال : وما أنت وهذا ! ؟ إنما أمرت أن تقري في بيتك ، فقال قوم مثل قوله ، وقال آخرون : ومن أولى بذلك منها ، فاضطربوا بالنعال ، وكان ذلك أو قتال بين المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وآله .
              ( 46 ) مروج الذهب ، طبعة بيروت ، دار الاندلس ، 2 / 336 . ( 47 ) أنساب الاشراف 5 / 34 .
              ( 48 ) الاغاني 4 / 178 ، ط . ساسي .
              ( 49 ) أنساب الاشراف 5 / 33 . ( * )
              - ج 1 ص 126 -
              وأخرج اليعقوبي في تاريخه ( 50 ) وابن عبد البر بترجمته من الاستيعاب قريبا مما أوردناه من موقف أم المؤمنين في هذه القصة .
              وأخرج البلاذري ( 51 ) عن الواقدي وأبي مخنف وغيرهما أنهم قالوا : أتى طلحة والزبير عثمان ، فقالا له : قد نهيناك عن تولية الوليد شيئا من أمور المسلمين فأبيت ، وقد شهد عليه بشرب الخمر والسكر فاعزله . وقال له علي : اعزله وحده إذا شهد الشهود عليه في وجهه ، فولى عثمان سعيد بن العاص الكوفة وأمره بإشخاص الوليد . فلما قدم سعيد الكوفة غسل المنبر ودار الإمارة .

              وروى الطبري ( 52 ) في بيان هذا وقال : فقدم سعيد بن العاص الكوفة فأرسل إلى الوليد ان أمير المؤمنين يأمرك أن تلحق به ، قال : فتضجع أياما فقال له : انطلق إلى أخيك فانه قد أمرني أن أبعثك إليه ، قال : وما صعد منبر الكوفة حتى أمر به أن يغسل . فناشده من قريش ممن كانوا خرجوا معه من بني أمية ، وقالوا : إن هذا قبيح ، والله لو أراد هذا غيرك لكان حقا أن تذب عنه ، يلزمه عار هذا أبدا . قال فأبى إلا أن يفعل فغسله وأرسل إلى الوليد أن يتحول من دار الامارة فتحول عنها ونزل دار عمارة بن عقبة .

              وفي الاغاني ( 53 ) : لما شهد على الوليد عند عثمان بشرب الخمر كتب إليه يأمره بالشخوص ، فخرج وخرج معه قوم يعذرونه ، فيهم عدي بن حاتم ، فنزل الوليد يوما يسوق بهم ، فقال يرتجز :
              لا تحسبنا قد نسينا الايجاف * والنشوات من عتيق أوصاف
              ( 50 ) اليعقوبي 2 / 203 ، ط . بيروت ، دار صادر .
              ( 51 ) أنساب الاشراف 5 / 35 .
              ( 52 ) الطبري 5 / 188 ، في ذكره حوادث سنة 33 ه‍ ، وفي ط . أوربا 1 / 2915 .
              ( 53 ) الاغاني 4 / 181 ، وفي ط . ساسي 4 / 178 179 . ( * )
              - ج 1 ص 127 -
              وعزف قينات علينا عزاف ( * ) فقال عدي : أين تذهب بنا ! أقم !

              وفي رواية البلاذري ( 54 ) : وأشخص الوليد فلما شهد عليه في وجهه وأراد عثمان أن يحده ألبسه جبة حبر ( * ) وأدخله بيتا فجعل إذا بعث إليه رجلا من قريش ليضر به ، قال له الوليد : أنشدك الله أن تقطع رحمي ، وتغضب أمير المؤمنين عليك . فكيف . فلما رأى ذلك علي بن أبي طالب أخذ السوط ودخل عليه ومعه ابنه الحسن ، فقال له الوليد مثل تلك المقالة ، فقال له الحسن : صدق يا أبت ، فقال علي : ما أنا إذا بمؤمن ، وجلده بسوط له شعبتان أربعين جلدة ، ولم ينزع جبته ، وكان عليه كساء فجاذبه علي إياه حتى طرحه عن ظهره وضربه وما يبدو وإبطه .

              وفي رواية الاغاني ( 55 ) : فقال له الوليد نشدتك بالله والقرابة ، فقال علي : أسكت أبا وهب فإنما هلكت بنو إسرائيل بتعطيلهم الحدود . فضربه وقال : لتدعوني قريش بعد هذا جلادها .

              وقال المسعودي ( 56 ) : فلما نظر إلى امتناع الجماعة من إقامة الحد عليه توقيا لغضب عثمان لقرابته منه ، أخذ علي السوط ودنا منه ، فلما أقبل نحوه سبه الوليد ، وقال : يا صاحب مكس ( * ) . فقال عقيل بن أبي طالب وكان ممن حضر : إنك لتتكلم يا ابن أبي معيط كأنك لا تدري من أنت وأنت علج من أهل صفورية وهي قرية بين عكا
              ( 1 ) الايجاف : سير فسيح واسع للابل ، والنشوات من عتيق أوصاف ، أي ولم ننس النشوات من خمر عتيق موصوف بالجودة ، وعزف قينات . . أي ولم ننس عزف المغنيات .
              ( 54 ) أنساب الاشراف 5 / 35 .
              ( * ) حبر : ضرب من برود اليمن .
              ( 55 ) الاغاني 4 / 177 ، ط . ساسي .
              ( 56 ) مروج الذهب 1 / 449 .
              ( * ) المكس : النقص والظلم ، ودراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في الاسواق في الجاهلية ، أو درهم كان يأخذه المصدق بعد فراغه من الصدقة . ( * )
              - ج 1 ص 128 -
              واللجون من أعمال الأردن من بلاد طبرية كان ذكر أنا أبه يهوديا منها فأقبل الوليد يروغ ( * ) من علي فاجتذبه فضرب به الأرض وعلاه بالسوط . فقال عثمان : ليس لك ان تفعل به هذا ، قال : بلى وشرا من هذا إذا فسق ومنع من حق الله تعالى أن يؤخذ منه .

              وروى البلاذري ( 57 ) وقال : لما ضرب علي الوليد بن عقبة جعل الوليد يقول : يا مكيثة يا مكيثة ( * ) ! وقال حين حد :
              باعد الله ما بينى وبينكم * بني أمية من قربى ومن نسب
              إن يكثر المال لا يذمم فعالكم * وإن يعش عائلا مولاكم يخب

              وروى أنه سئل عثمان ان يحلق ، وقيل له إن عمر حلق مثله ، فقال : قد كان فعل ثم تركه .
              وروى اليعقوبي ( 58 ) أن عثمان بعث أخاه الوليد بعد أن أجري الحد عليه على صدقات كلب وبلقين .
              * * *
              في هذه القصة نجد الوليد بن عقبة امرءا موصوفا في القرآن بالفسق ، ومشهورا لدى الناس بالكسر والزنا ، ونجده عارفا بضعف نفس أخيه الخليفة خبيرا بكيفية التصرف فيه .
              ونجده يبسط يده في أموال المسلمين ، كما نجده يتخذ من السلطة سلما إلى التمتع بشهواته ، ويتجاهر في سبيل ذلك غير هياب ولا متحرج اعتمادا على مركز أخيه الخليفة وتدليله إياه ، فنجده يقطع نديمه الشاعر النصراني أرضا واسعة ، ويجري عليه لحم الخنزير والخمر ، ويدخله المسجد الجامع وهو
              ( * ) يروغ الرجل والثعلب : يميل ويحيد عن الشئ .
              ( 57 ) أنساب الاشراف 5 / 35 .
              ( * ) مكيثة : المكث اللبث ، والمكيث الرزين ، ولعله كان يوصي نفسه بالصبر والوقار .
              ( 58 ) اليعقوبي في تاريخه 2 / 142 . ( * )
              - ج 1 ص 129 -
              سكران ، ويدخل الساحر اليهودي المسجد أيضا ليقوم له فيه بأعماله السحرية ، ويخرج سكران في غلائله ليصلي بالمسلمين في محرابهم ، ويتقيأ الخمرة لإكثاره منها ، حتى إذا أشخص إلى المدينة أخرج معه الاشرف ليعذروه ولكنه لا يستطيع ان يكف عن ذكر الخمر والعزف فيتغنى بهما وهو في طريقه إلى مجلس الحكم .

              ونجد فيها المسلمين كافة متذمرين من السلطة معلنين استنكارهم عليها غير أن هناك شخصيتين متميزتين على من عداهما :
              أولاهما : ابن أبي طالب فانه الشخص الوحيد الذي تقدم من بين المسلمين والصحابة لاقامة الحد على أخي الخليفة غير مبال بسخط الخليفة ، ونقمة أسرته من بني أمية ، ومن المصادفات الفريدة أن يكون هذا الشخص ضارب رأس الأب الكافر وجالد ظهر الابن الفاسق ، وحق له ان يقول : لتدعوني قريش جلادها ، ولقد ادخر بأفعاله هذه كرها شديدا في صدور قريش ، وحقدا دفينا جنى ثمارهما في مستقبل أيامه .

              وثانيهما : أم المؤمنين عائشة فانها كانت في الناقمين على عثمان تملك قيادة جماهير الناس ، وقد استطاعت أن تحشد الجماهير ضده بعمل فذ لم يقم به أحد قبلها ولا بعدها ، فإنها أخرجت نعل رسول الله في وقت كان الناس متعطشين إلى رؤية آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وبذلك أثارت عواطفهم ! وهيجتهم ! ودفعتهم إلى حيث ما تريد ، فوقع الخصام ، وانقسم المسلمون حزبين يترامون بالحصباء ويتضاربون بالنعال !
              وكان ذلك أول قتال وقع بين المسلمين ، وأخيرا تغلبت على الخليفة ، واضطرته إلى النزول عند رغبة الجماهير فعزل أخاه وأحضره للحكم ، ولولا براعتها في تحشيد الجماهير وقيادتها ، لما وقع شئ من ذلك ، وإنها لم تكن الوحيد ممن بقيت من أزواج الرسول بعده ، فقد كانت هناك حفصة وأم سلمة وأم حبيبة وقد اشترك بعضهن في بعض المواقف السياسية غير أن واحدة منهن لم تفعل ذلك .

              ونجد في هذه القصة - أيضا الخليفة عثمان قد اتخذ لنفسه سريرا يجلس

              - ج 1 ص 130 -
              عليه مما لم نجد الخليفتين قبله قد فعلا ذلك ، ثم نجده يشرك معه على السرير أبا سفيان كبير قريش في حروبها لرسول الله ، وأخاه الموصوف في القرآن بالفسق شريب الخمر الزاني ، ونجده يحترم عمه الحكم طريق رسول الله ولعينه أكثر من أي إنسان كان ، فيزحل له عن مجلسه
              ونجده يطعم النصف الشرقي من بلاد المسلمين إلى أخيه الماجن هذا ليجبر بذلك نفسه الكسيرة ، ونجده يبسط يد هذا المتهتك على بيت مال المسلمين ، ويعاقب الصحابي الجليل ابن مسعود على إنكاره على أخيه ، ويخاطبه بذلك الخطاب المقذع ، ويأمر به فيضرب حتى تنكسر ضلعاه ، ويحرمه عطاءه ويمنعه من الخروج إلى الجهاد في سبيل الله ، ويحبسه في المدينة حتى يموت
              كل ذلك يفعله غضبا لأخيه الفاسق هذا ، ونجده يرد شهادة الشهود على أخيه ، ويضربهم على شهادتهم ، وبعد ان يجبر على إقامة الحد عليه يلبسه جبة حبر تمنع من جسده ألم السياط ، ثم لا يحلق رأسه بعد الحد ، وبعد ذلك كله يوظفه على الصدقات . هذه واحدة من حوادث سياسية اشتركت فيها أم المؤمنين ضد الخليفة عثمان .

              تعليق


              • #22
                ثانيا : في خبر عمار مع الخليفة الحادثة الأخرى التي اشتركت فيها أم المؤمنين ، وقادت الجماهير فيها ضده كانت في قصة الخليفة مع عمار بن ياسر .

                وعمار بن ياسر هو أبو اليقظان بن ياسر بن عامر ، وكان ياسر والد عمار عربيا قحطانيا مذحجيا من عنس قدم من اليمن إلى مكة وحالف أبا حذيفة ابن المغيرة المخزومي وتزوج أمته سمية بن خباط فولدت عمارا فاعتقه أبو حذيفة ، فمن هنا صار عمار مولى لبني مخزوم .
                كان هو وأبواه وأخوه عبد الله من السابقين إلى الإسلام ، واجهروا بإسلامهم فعذبوا عليه أشد العذاب . ألبسوا أدراع الحديد ، ثم صهروا في الشمس على أن يتركوا الإسلام وهم يأبون ذلك ، وكان رسول الله يمر عليهم بالابطح وهم يعذبون في رمضاء مكة فيقول : " صبرا آل ياسر موعدكم الجنة " وكانت سمية أول شهيد في الإسلام طعنها أبو جهل بحربة في قبلها فماتت من ذلك . وقتل بعدها ياسر .

                - ج 1 ص 131 -
                أما عمار فانه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها فأخبر النبي بأن عمارا كفر فقال : كلا ، إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه ، وأخلط الإيمان بلحمه ودمه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يبكي فجعل رسول الله يمسح عينيه ، وقال : إن عادوا لك فعد لهم بما قلت ، فأنزل الله تعالى فيه : ( مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ . . ) الآية ( 59 ) ( النحل / 106 ) .

                هاجر عمار إلى المدينة وشهد بدرا وما بعدها ، ولما قدم النبي إلى المدينة جمع أحجارا وبنى له مسجد قبا فهو أول من بنى مسجد في الإسلام ( 60 ) .
                واشترك في بناء المسجد النبي صلى الله عليه وآله .
                قال ابن هشام ( 61 ) عند ذكره بناء رسول الله مسجده في المدينة : فدخل عمار وقد أثقلوه باللبن ، فقال : يا رسول الله قتلوني يحملون علي مالا يحملون . قالت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله ينفض وفرته بيده وكان رجلا جعدا وهو يقول : " ويح ابن سمية ليسوا بالذين يقتلونك إنما تقتلك الفئة الباغية " وارتجز علي بن أبي طالب ( رض ) :
                لا يستوي من يعمر المساجدا * يدأب فيها قائما وقاعدا وقائما
                طورا وطورا قاعدا * ومن يرى عن الغبار حائدا

                فأخذها عمار بن ياسر فجعل يرتجز بها .
                قال ابن هشام : فلما أكثر ، ظن رجل من أصحاب رسول الله أنه إنما
                ( 59 ) ذكر نزول هذه الآية في عمار : ابن عبد البر بترجمته من الاستيعاب قال : هذا مما اجتمع أهل التفسير عليه ، وراجع تفسير الآية في تفسير الطبري والقرطبي وابن كثير والسيوطي وطبقات ابن سعد 3 / 178 والمستدرك 3 / 178 وغيرها وراجع - لسائر ما ذكرناه في نسب عمار وأبيه وأمه وتعذيبهم - ترجمتهم في الاستيعاب وأسد الغابة والإصابة ، وباب فضائلهم في المستدرك
                وكنز العمال .
                ( 60 ) ترجمته في أسد الغابة .
                ( 61 ) سيرة ابن هشام 2 / 114 . ( * )
                - ج 1 ص 132 -
                يعرض به ، فقال : قد سمعت ما تقول منذ اليوم يا ابن سمية والله إني لاراني سأعرض هذه العصا لانفك ، قال : وفي يده عصا ، قال : فغضب رسول الله ثم قال : " مالهم ولعمار ! يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ، إن عمارا جلدة ما بين عيني وأنفي فإذا بلغ ذلك من الرجل فلم يستبق فاجتنبوه " قال أبو ذر في شرح سيرة ابن هشام : إن هذا الرجل هو عثمان بن عفان ( 62 ) .

                وقد أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله في مواطن كثيرة منها قوله فيه لما رأى خالدا يغلظ له القول : " من عادى عمارا عاداه الله ، ومن أبغض عمارا أبغضه الله " شهد مع علي الجمل وصفين ، وكان في صفين لا يأخذ في ناحية ولا واد إلا وتبعه أصحاب النبي كأنه علم لهم ، وكان يرتجز ويقول :
                اليوم ألقى الأحبة * محمدا وحزبه

                ولما قتل اختصم في قتله اثنان فقال عمرو بن العاص : والله إن يختصمان إلا في النار ، والله لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة ( 63 ) .
                هذا هو عمار بن ياسر ، وأما قصته مع الخليفة عثمان فإنه غضب عليه في عدة موارد :

                منها في قصة ترحمه من كل قلبه على أبي ذر في ما روى البلاذري ( 64 ) وقال : إنه لما بلغ عثمان موت أبي ذر بالربذة قال : رحمه الله . فقال عمار بن ياسر : نعم فرحمه الله من كل أنفسنا ، فقال عثمان : يا عاض أير أبيه ! أتراني

                ( 62 ) شرح سيرة ابن هشام لابي ذر الخشني المتوفى ( 604 ) ه‍ وقد روى ذلك عن ابن اسحاق صاحب السيرة الذي من سيرته أخذ ابن هشام ما اورده في سيرته . وقد اورد ابن عبد ربة القصة تامة في العقد الفريد 4 / 342 343 .
                ( 63 ) استشهد مساء الخميس 9 صفر سنة 37 ه‍ وعمره 93 سنة ، راجع ترجمته في الاستيعاب وأسد الغابة والإصابة والبخاري ، كتاب الجهاد ، الباب السابع عشر والطبقات 3 ق 1 / 166 189 .
                ( 64 ) الانساب 5 / 54 واليعقوبي 2 / 150 وكان عثمان قد نفى أبا ذر إلى الربذة لما شكاه معاوية فتوفي هناك في قصة طويلة ذكرها البلاذري في الانساب 5 / 52 - 54 وابن سعد في الطبقات 4 / 168 ، واليعقوبي 2 / 148 ، والمسعودي 1 / 438 . ( * )
                - ج 1 ص 133 -
                ندمت على تسييره ؟ وأمر فدفع في قفاه وقال : إلحق بمكانه فلما تهيأ للخروج جاءت بنو مخزوم إلى علي فسألوه أن يكلم عثمان فيه . فقال له علي : يا عثمان ! إتق الله فإنك سيرت رجلا صالحا من المسلمين فهلك في تسييرك ، ثم أنت الآن تريد أن تنفي نظيره ، وجرى بينهما كلام حتى قال عثمان : أنت أحق بالنفي منه فقال علي رم ذلك إن شئت ، واجتمع المهاجرون فقالوا : إن كنت كلما كلمك رجل سيرته ونفيته فان هذا شئ لا يسوغ . فكف عن عمار .

                ومنها في قصة أخذه كتاب استنكار الصحابة من عثمان إليه في ما أخرجه البلاذري وغيره ( 65 ) .
                البلاذري : إن المقداد بن عمرو ، وعمار بن ياسر ، وطلحة ، والزبير في عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كتبوا كتابا عددوا فيه أحداث عثمان وخوفوه ربه وأعلموه أنهم مواثبوه إن لم يقلع ، فأخذ عمار الكتاب وأتاه به فقرأ صدرا منه فقال له عثمان : أعلي تقدم من بينهم ؟ فقال عمار : لاني أنصحهم لك . فقال : كذبت يا ابن سمية ! فقال : أنا والله ابن سمية وابن ياسر ، فأمر غلمانه فمدوا بيديه ورجليه ثم ضربه عثمان برجليه وهي في الخفين على مذاكيره فأصابه الفتق ، وكان ضعيفا كبيرا فغشي عليه .

                ومنها قصة استنكاره أخذ عثمان جواهر من بيت المال في ما رواه البلاذري ( 66 ) وقال : كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حلي وجواهر ، فأخذ منه عثمان ما حلى به بعض أهله فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك وكلموه فيه بكلام شديد حتى أغضبوه فخطب فقال : لنأخذن حاجتنا من هذا الفئ وإن رغمت أنوف أقوام . فقال له علي : إذا تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه . وقال عمار بن ياسر : أشهد الله أن أنفي أول راغم من ذلك ، فقال عثمان : أعلي يا ابن المتكاء ( * ) تجترئ ؟ خذوه ، فأخذ ودخل عثمان ودعا به فضربه حتى غشي
                ( 65 ) الانساب 5 / 49 ، والعقد الفريد 2 / 272 ، وراجع تفصيل الكتاب في الإمامة والسياسة .
                ( 66 ) أنساب الاشراف 5 / 48 .
                ( * ) المتكاء : العظيمة البطن ، البظراء المفضاة ، التي لا تمسك البول . ( * )
                - ج 1 ص 134 -
                عليه ثم أخرج فحمل حتى أتي به منزل أم سلمة زوج رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يصل الظهر والعصر والمغرب فلما أفاق توضأ وصلى وقال : الحمد لله ليس هذا أول يوم أوذينا فيه في الله .
                وقام هشام بن الوليد بن المغيرة المخزوحي وكان عمار حليفا لبني مخزوم فقال : يا عثمان أما علي فاتقيته وبني أبيه ، وأما نحن فاجترأت علينا وضربت أخانا حتى أشفيت به على التلف ، أما والله لئن مات لاقتلن به رجلا من بني أمية عظيم السرة ، فقال عثمان ، وإنك لها هنا يا ابن القسرية ، قال : فانهما قسريتان ( وكانت أمه وجدته قسريتين من بجيلة ) فشتمه عثمان وأمر به فأخرج ، فأتى أم سلمة فإذا هي قد غضبت لعمار ، وبلغ عائشة ما صنع بعمار فغضبت وأخرجت شعرا من شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وثوبا من ثيابه ونعلا من نعاله ثم قالت : ما أسر ما تركتم سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد ، فغضب عثمان غضبا شديدا حتى ما درى ما يقول ، فالتج المسجد وقال الناس : سبحان الله ، سبحان الله ، وكان عمرو بن العاص واجدا على عثمان لعزله إياه عن مصر وتوليه إياها عبد الله بن سعد بن أبي سرح فجعل يكثر التعجب والتسبيح .

                ومنها في قصة دفن ابن مسعود فانه كان قد أوصى أن يصلي عليه عمار ولا يؤذن به عثمان ففعل ، فلما أخبر بذلك غضب عليه ولم يلبث يسيرا حتى توفي المقداد فصلى عليه عمار وكان أوصى إليه ولم يؤذن عثمان به ، فاشتد غضب عثمان على عمار وقال : ويلي على ابن السوداء ، أما لقد كنت به عليما ( 67 ) .

                ومما يلفت نظرنا في هذه القصة مجابهة الخليفة عمارا بقوله : يا ابن المتكاء ، ويا عاض أير أبيه إلى أمثالها ، هذا مع ما ورد في الصحاح والمسانيد عن أم المؤمنين من أن عثمان رجل حيي ، وأن الملائكة والله لتستحي من عثمان ، وأن رسول الله قد استحى منه لشدة حيائه ، إلى غيرها مما فيه الإشادة بذكر حيائه !

                تعليق


                • #23
                  ونجد فيها أيضا لام المؤمنين دور القيادة الحكيمة في تحشيد الناقمين من الخليفة ضده ، والبصيرة النافذة بما يؤثر في نفوس الجماهير من الناس ، فانها إن كانت قد باغتت الخليفة في تلك المرة بإخراج نعل رسول الله لتهييج الجماهير عليه وأثرت الأثر الذي كانت تتوخاه ، ولم يكن لتكراره مرة ثانية ذلك الأثر على النفوس
                  فانها في هذه المرة أيضا لم تعدم الوسيلة لإثارة العواطف ضده ، فقد أضافت إلى ما أخرجت : ثوب رسول الله وشعره ، فكان لها الأثر الفعال في إثارة الناس على عثمان وتحطيم مركزه كخليفة للمسلمين كما كان ذلك للتي قبلها .

                  وفي القصتين جميعا تمكنت أم المؤمنين من أن ترفع عن عثمان الحصانة التي كان يتمتع بها في المجتمع الإسلامي لمكانه من خلافة رسول الله ، فانها قد استطاعت بوسائلها المحسوسة أن تجعله في جانب .
                  وسنة رسول الله وآثاره وأزواجه في جانب آخر ، وبذلك قد أزالت عنه كل حرمة في النفوس وكرامة في المجتمع ، فأصبح المسلمون يستسيغون النيل منه ، ثم تعدى أثر ذلك من شخص الخليفة إلى مقام الخلافة فإنه لم يبق بعد هذا المقام الخلافة أيضا حرمته الأولى في المجتمع الإسلامي . وبذلك أثرت حتى على من جاء بعده من الخلفاء .

                  ومما نرى في هذه الحوادث ، تردي العلاقات بين أم المؤمنين وعثمان من سيئ إلى أسوأ ، فقد أصبحت من أشد المعارضين له بعد أن كانت من أقوى مؤيديه ، ومن الجائز أن يكون بدء تنقيص عطائها في خلال هذه المعارك الكلامية .
                  وأخيرا فقد حولت هذه الحوادث المتتالية أم المؤمنين من منتقمة لغيرها إلى ثائرة لكرامتها ، فأصبحت المعركة معركتها أكثر من أن تكون معركة غيرها ، وأشركت في المعركة أفراد أسرتها حتى قالوا : " وأجلب عليه محمد بن أبي بكر ببني تيم وأعانه على ذلك طلحة بن عبيدالله " ( 68 ) .

                  ( 68 ) أنساب الاشراف 5 / 68 . ( * )
                  - ج 1 ص 136 -
                  وقصة جلب محمد بن أبي بكر عليه يبدأ من مصر حيث اشترك مع محمد ابن أبي حذيفة بالثورة ضد عبد الله بن سعد بن أبي سرح عامل عثمان عليها مما سنوردها بعد إيراد تراجمهم .
                  أولا : عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث القرشي العامري . وهو أخو عثمان من الرضاعة ، أرضعت أمة عثمان .
                  أسلم قبل الفتح وهاجر إلى المدينة وكتب الوحي لرسول الله ثم ارتد مشركا وصار إلى قريش بمكة ، فقال لهم : إني كنت أصرف محمدا حيث أريد ، كان يملي علي : " عزيز حكيم " ، فأقول : " عليكم حكيم " ؟ فيقول : نعم ، كل صواب فأنزل الله تعالى فيه :
                  ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ) الآية 93 من سورة الانعام .
                  فلما كان يوم الفتح أهدر رسول الله دمه وأمر بقتله ولو وجد متعلقا بأستار الكعبة . ففر عبد الله إلى عثمان فغيبه حتى أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فاستأمنه له ، فصمت رسول الله صلى الله عليه وآله طويلا ، ثم قال : نعم ، فلما انصرف عثمان قال لمن حوله : ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه ، فقالوا : هلا أومأت إلينا ، فقال : إن النبي لا ينبغي أن يكون له خائنة الأعين .

                  ولاه عثمان مصر سنة 25 ه‍ وعزل عنها عمرو بن العاص ففتح افريقية فأعطاه عثمان خمس غنائم الغزوة الأولى ، وبقي أميرا على مصر حتى سنة 34 حيث ثار ابن أبي حذيفة في مصر فمضى إلى عسقلان فأقام بها حتى قتل عثمان . وتوفي سنة 57 أو 59 ه ( 69 ).
                  ( 69 ) الاستيعاب 2 / 367 370 والإصابة 2 / 309 310 و 1 / 11 12 وأسد الغابة =>
                  - ج 1 ص 137 -
                  ثانيا : محمد بن أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان ، وأمه أسماء بنت عميس الخثعمية كانت تحت جعفر وتزوجها أبو بكر بعد وفاة جعفر بن أبي طالب فولدت له محمدا في طريقهم إلى مكة في حجة الوداع ، ولما توفي أبو بكر تزوجها علي فنشأ محمد في حجر علي وكان ربيبه ، شهد مع علي الجمل وصفين ، ثم ولاه مصر فدخلها في الخامس عشر من شهر رمضان سنة 37 ، فجهز معاوية عمرو بن العاص إلى مصر سنة 38 فتغلب عليه وقتله معاوية ابن خديج صبرا وأدخلوا جثته في بطن حمار ميت وأحرقوه ( 70 ) .

                  ثالثا : أبو القاسم محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة القرشي العبشمي ، وأمه سهلة بن عمرو العامرية ، ولد بأرض الحبشة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله واستشهد أبوه أبو حذيفة باليمامة فضم عثمان ابنه هذا لايه ورباه .
                  استأذن عثمان في ان يذهب إلى مصر للغزو فأذن له فأخذ هناك يؤلب الناس على عثمان ثم وثب على خليفة عبد الله بن سعد بمصر وأخرجه منها وبايعه أهل مصر بالإمارة ، ولما استخلف علي أقره عليها فبقي عليها حتى سار إليه معاوية عند مسيره إلى صفين ، فخرج إليهم محمد ومنعه من دخول الفسطاط ثم تصالحوا على ان يخرج محمد بن أبي حذيفة ومن معه آمنين فخرج محمد وثلاثون رجلا فغدر بهم معاوية وحبسه في سجن دمشق ثم قتله رشدين مولى معاوية ! وكان محمد ممن أدركوا صحبة الرسول ( 71 ) .

                  وقصتهم بمصر في ما رواه الطبري ( 72 ) : ان عمرو بن العاص كان على
                  => 3 / 173 174 ، وأنساب الاشراف 5 / 49 والمستدرك 3 / 100 والمفسرون كالقرطبي وغيره من تفسيرهم الآية 93 من سورة الانعام ، وابن أبي الحديد 1 / 68 .
                  ( 70 ) المؤرخون في ذكرهم حوادث سنة 37 و 38 ه‍ ، والاستيعاب 3 / 328 329 ، والاصابة 3 . 452 بحرف الميم ق 2 .
                  ( 71 ) راجع الطبري وابن الاثير في حوادث سنة 30 36 والاستيعاب 3 / 321 322 الترجمة رقم 991 ،
                  وأسد الغابة 4 / 315 والاصابة 3 / 54 .
                  ( 72 ) الطبري 5 / 108 ، وط . أوربا 1 / 2266 . ( * )
                  - ج 1 ص 138 -
                  مصر عاملا لعثمان فعزله عن الخراج واستعمله على الصلاة ، واستعمل عبد الله ابن سعد على الخراج ثم جمعهما لعبدالله بن سعد .
                  وفيما روى البلاذري ( 73 ) أن محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر حين أكثر الناس في أمر عثمان قدما مصر وعليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، ووافقا بمصر محمد بن طلحة ( 74 ) بن عبيدالله وهو مع عبد الله بن سعد ، وإن ابن أبي حذيفة شهد صلاة الصبح في صبيحة الليلة التي قدم فيها ، ففاتته الصلاة فجهر بالقراءة فسمع ابن أبي سرح قراءته فأمر إذا صلى أن يؤتى به .
                  فلما رآه قال : ما جاء بك إلى بلدي ، قال : جئت غازيا ، قال : ومن معك ، قال : محمد بن أبي بكر ، فقال : والله ما جئتنا إلا لتفسدا الناس ، فأمر بهما فسجنا ، فأرسلا إلى محمد بن طلحة يسألانه ان يكلمه فيهما لئلا يمنعهما من الغزو ، فأطلقهما ابن أبي سرح وغزا ابن أبي سرح إفريقية فأعد لهما سفينة مفردة لئلا يفسدا عليه الناس فمرض ابن أبي بكر فتخلف ، وتخلف معه ابن أبي حذيفة ، ثم انهما خرجا في جماعة الناس فما رجعا من غزاتهما إلا وقد أوغرا صدور الناس على عثمان .

                  وقال في حديث آخر وكانت غزو ذات الصواري في المحرم سنة 34 وعليها عبد الله بن سعد ، فصلى بالناس فكبرا ابن أبي حذيفة تكبيرة افزعه بها فقال : لولا أنك حدث أحمق لقربت بين خطوك ولم يزل يبلغه عنه وعن ابن أبي بكر ما يكره وجعل ابن أبي حذيفة يقول : يا أهل مصر إنا خلفنا الغزو وراءنا يعني غزو عثمان . . الحديث .

                  وقال الطبري ( 75 )
                  ( 73 ) أنساب الاشراف 5 / 50 .
                  ( 74 ) محمد بن طلحة بن عبيدالله ، وأمه حمنة بنت جحش ، كنيته أبو سليمان ، ولد في عصر الرسول ، وقتل يوم الجمل فمر عليه علي وقال : أبوه صرعه هذا المصرع ولولا أبوه وبره به ما خرج ذلك المخرج ، ترجمته من الطبقات ج 5 / 37 39 .
                  ( 75 ) الطبري 5 / 70 71 ، في ذكره غزوة ذات الصواري في سنة 31 ، وط . أوربا ( * )
                  - ج 1 ص 139 -
                  خرج محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر عام خرج عبد الله بن سعد ، فأظهرا عيب عثمان وما غير وما خالف به أبا بكر وعمر وأن دم عثمان حلال ، ويقولان : استعمل عبد الله بن سعد رجلا كان رسول الله صلى الله عليه وآله أباح دمه ، ونزل القرآن بكفره [ حين قال : سأنزل مثل ما أنزل الله ] ( 76 ) وأخرج رسول الله صلى الله عليه وآله قوما وأدخلهم ( 77 ) إلى قوله فأفسدا أهل تلك الغزاة وعابا عثمان أشد العيب .
                  وقال : ( ومحمد بن أبي حذيفة يقول للرجل : أما والله لقد تركنا خلفنا الجهاد حقا فيقول الرجل : وأي جهاد ؟ ! فيقول : عثمان بن عفان فعل كذا وكذا حتى أفسد الناس ، فقدموا بلدهم وقد أفسدهم ، وأظهروا من القوم ما لم يكونوا ينطقون به ) .
                  ومما ساعد المحمدين في أمرهم تذمر المصريين من سيرة ابن أبي سرح فيهم ، وظلمه إياهم ، وقد بلغ الأمر به معهم أن يضرب بعض من شكاه إلى عثمان حتى يتوفى ، وقد أورد قصة قدوم المصريين على عثمان في شكواهم من ابن أبي سرح كل من الطبري وابن الاثير في حديثهما عن شكوى المصريين من ابن أبي سرح ، وقالا : ( وقد قدموا في كلامهم ابن عديس فذكر ما صنع ابن سعد بمصر وذكر تحاملا منه على المسلمين وأهل الذمة واستئثارا منه في غنائم المسلمين ، فإذا قيل له في ذلك قال هذا كتاب أمير المؤمنين إلى . . ) ( 78 ) .

                  وابن أعثم في تاريخه ( 79 ) حيث قال : جاء إلى المدينة وفد من أشراف مصر يشكون عاملهم عبد الله بن أبي
                  2870 - 2871 .
                  ( 76 ) هذه الجملة في أنساب الاشراف 5 / 50 .
                  ( 77 ) يقصد بهم الحكم بن أبي العاص وولده .
                  ( 78 ) الطبري 5 / 118 ، ط . أوربا 1 / 2994 ، وابن الاثير 3 / 59 70 .
                  ( 79 ) تاريخ ابن أعثم 46 47 . ( * )
                  - ج 1 ص 140 -
                  سرح ، فدخلوا مسجد الرسول فرأوا فيها جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من المهاجرين والأنصار ، فسلموا عليهم ، فسألتهم الصحابة عما أقدمهم من مصرهم ، فقالوا : ظلم والينا ، وفساده ، فقال لهم علي : لا تعجلوا في أمركم ، واعرضوا على الإمام شكواكم ، فلعل عاملكم عمل برأيه فيكم .
                  اذهبوا إلى الخليفة واشرحوا له ما ساءكم من عاملكم ، فان أنكر عليه وعذله أصبتم بغيتكم ، وإن لم يفعل وأقره على ما هو عليه ، رأيتم أمركم ، فدعا له المصريون وقالوا : أصبت القول فنرجو أن تحضر مجلسنا عنده ، فقال : لا حاجة في ذلك فالأمر يتم بحضوركم عنده ، فقالوا : وان كان الأمر كذلك غير أنا نرغب أن تحضر وتشهد ، فقال علي : يشهدكم من هو أقوى مني وأعظم من جميع المخلوقين وأرحم على عباده .
                  فذهب أشراف مصر إلى دار عثمان واستأذنوا للدخول عليه ، فلما أذن لهم ودخلوا عليه أكرمهم وأجلسهم إلى جنبه ، ثم سألهم وقال : ما الذي أقدمكم ؟ وما دهاكم فقدمتم دونما رخصة مني أو من عاملي ! ؟ فقالوا : جئنا نستنكر منك ما يصدر منك ، ونؤاخذك بما يصدر من عاملك .
                  ثم ذكر ابن أعثم ما جرى بينهم من حجاج وأقوال .

                  تعليق


                  • #24
                    محنة المسلمين وموقف علي منها :


                    وكان نتيجة شكوى أهل مصر ما ذكره البلاذري ( 80 ) حيث قال : لما ولي عثمان كره ولايته نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله لان عثمان كان يحب قومه ، فولي الناس اثنتي عشرة حجة ، وكان كثيرا ما يولي من بني أمية من لم يكن له مع النبي صلى الله عليه وآله صحبة فكان يجئ من أمرائه ما ينكره أصحاب محمد صلى الله عليه وآله ، وكان يستعتب فيهم فلا يعزلهم ، فلما كان في الست الأواخر
                    ( 80 ) أنساب الاشراف 5 / 25 26 . ( * )
                    - ج 1 ص 141 -
                    استأثر ببني عمه ، فولاهم وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر ، فمكث عليها سنين ، فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه . . فكتب إليه كتابا يتهدده فيه فأبى ان ينزع عما نهاه عنه وضرب بعض من شكاه إلى عثمان حتى قتله .
                    ولما ضاق الامر بالمسلمين كتب من كان من أصحاب النبي بالمدينة إلى إخوانهم في الأمصار يدعونهم إلى غزو عثمان فيما رواه الطبري وغيره ( 81 )
                    واللفظ للطبري قال : لما رأى الناس ما صنع عثمان كتب من المدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله إلى من بالآفاق منهم وكانوا قد تفرقوا في الثغور : إنكم إنما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عزوجل تطلبون دين محمد فان دين محمد قد أفسد من خلفكم وترك فهلموا ، فأقيموا دين محمد صلى الله عليه وآله .

                    وفي رواية ابن الاثير : فان دين محمد قد أفسده خليفتكم ، وفي شرح ابن أبي الحديد : فاخلعوه ، فأقبلوا من كل افق حتى قتلوه .

                    وروى البلاذري
                    ( 82 ) وقال : لما كانت سنة 34 كتب بعض أصحاب رسول الله إلى بعض يتشاكون سيرة عثمان وتغييره وتبديله وما الناس فيه من عماله ، ويكثرون عليه ، ويسأل بعضهم بعضا أن يقدموا المدينة إن كانوا يريدون الجهاد ، ولم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يدفع عن عثمان ولا ينكر ما يقال فيه إلا زيد بن
                    ( 81 ) الطبري 5 / 114 115 ، وط . أوربا 1 / 2983 ، وابن الاثير 5 / 70 وابن أبي الحديد 1 / 165 . وإنما ذكرنا كتب أصحابنا النبي إلى أهل الأمصار وموافاتهم بالموسم خلال بحثنا عن تأثير المحمدين في مصر وتحريضهما إياهم على عثمان لصلة الحوادث بعد هذا بعضها ببعض .
                    ( 82 ) أنساب الاشراف 5 / 60 وراجع الطبري 5 / 96 97 وابن الاثير 3 / 63 وابن أبي الحديد 1 / 303 وابن كثير 7 / 168 وأبي الفداء 1 / 168 . ( * )
                    - ج 1 ص 142 -
                    ثابت ، وأبو أسيد الساعدي ، وكعب بن مالك بن أبي كعب من بني سلمة من الأنصار ، وحسان بن ثابت ( 83 ) ، فاجتمع المهاجرون وغيرهم إلى علي فسألوه أن يكلم عثمان ويعظه فأتاه فقال له : إن الناس ورائي قد كلموني في أمرك ، ووالله ما أدري ما أقول لك ، ما أعرفك شيئا تجهله ، ولا أدلك على أمر لا تعرفه ، وإنك لتعلم ما نعلم ، وما سبقناك إلى شئ فنخبرك عنه ، ولقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسمعت ورأيت مثل ما سمعنا ورأينا ، وما ابن أبي قحافة ، وابن الخطاب بأولى بالحق منك ، ولانت أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله رحما ، ولقد نلت من صهره ما لم ينالا ، فالله الله في نفسك ، فانك لا تبصر من عمى ، ولا تعلم من جهل .
                    فقال له عثمان : والله لو كنت مكاني ما عنفتك ، ولا أسلمتك ، ولا عتبت عليك إن وصلت رحما وسددت خلة وآويت ضائعا ، ووليت من كان عمر يوليه ، نشدتك الله : ألم يول عمر المغيرة بن شعبة وليس هناك . . " قال : نعم .

                    ( 83 ) أ زيد بن ثابت بن الضحاك الانصاري الخزرجي ثم النجاري ، أمه النوار بنت مالك . وكانت يكتب لرسول الله ، ثم كتب لابي بكر وعمر ، واستخلفه عمر وعثمان على المدينة في سفرهما إلى الحج ، وكان على بيت المال لعثمان ودخل عثمان يوما على زيد فسمع مولاه وهيبا يغني ففرض له عثمان ألفا وكان زيد عثمانيا اختلفوا في وفاته من سنة 42 إلى سنة 55 وصلى عليه مروان بن الحكم . ( أسد الغابة )
                    وجاء في الاستيعاب بترجمته أن عثمان دخل عليهم بيت المال فأبصر وهيبا يغنيهم في بيت المال فقال : من هذا ؟ فقال زيد : هذا مملوك لي ، فقال عثمان : أراه يعين المسلمين وله حق وانا نفرض له . ففرض له ألفين ، فقال زيد : والله لا نفرض لعبد ألفين ، ففرض له ألفا ( الاستيعاب / 1 / 189 ) . ب أبو أسيد الساعدي مالك بن ربيعة بن البدن الأنصاري الخزرجي شهد بدرا وما بعدها عمي قبل أن يقتل عثمان . اختلفوا في وفاته . ج كعب بن مالك الخزرجي وأمه ليلى بنت زيد من بني سلمة شهد المشاهد مع رسول الله خلا بدر وتبوك .
                    راجع تراجمهم في الاستيعاب وأسد الغابة والاجابة ، أما حسان فستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى . ( * )
                    - ج 1 ص 143 -
                    قال : فلم تلومني إن وليت ابن عامر في رحمه وقرابته ؟
                    قال علي : سأخبرك . ان عمر بن الخطاب كان كلما ولى فانما يطأ على صماخه ، إن بلغه حرف جلبه ، ثم بلغ به أقصى الغاية ، وأنت لا تفعل ضعف ورفقت على أقربائك .
                    قال عثمان : هم أقرباؤك أيضا .
                    فقال علي : لعمري إن رحمهم مني لقريبة ولكن الفضل في غيرهم " ( 84 ) .
                    قال : أولم يول عمر معاوية ؟
                    فقال علي : إن معاوية كان أشد خوفا وطاعة لعمر من يرفأ ( * ) وهو الآن يبتز الأمور دونك ويقطعها بغير علمك ويقول للناس : هذا أمر عثمان ، ويبلغك فلا تغير ، ثم خرج ، وخرج عثمان بعده ، فصعد المنبر فقال : أما بعد ، فإن لكل شئ آفة ، ولكل أمر عاهة ، وإن آفة هذه الأمة ، وعاهة هذه النعمة عيابون طعانون يرونكم ما تحبون ، ويسرون لكم ما تكرهون ، مثل النعام يتبعون أول ناعق ، أحب مواردهم إليهم البعيد ، والله لقد نقمتم علي ما أقررتم لابن الخطاب بمثله ، ولكنه وطئكم برجله ، وخبطكم بيده ، وقمعكم بلسانه ، فدنتم له على ما أحببتم وكرهتم ، وألنت لكم كنفي ، وكففت عنكم لساني ويدي فأجترأتم علي .
                    فأراد مروان الكلام فقال له عثمان : أسكت

                    تعليق


                    • #25
                      وفي البدء والتاريخ ( 101 ) : كان اشد الناس على عثمان طلحة والزبير ومحمد ابن أبي بكر وعائشة ، وخذله المهاجرون والأنصار ، وتكلمت عائشة في أمره ، وأطلعت شعرة من شعرات رسول الله صلى الله عليه وآله ونعله وثيابه وقالت : ما أسرع ما نسيتم سنة نبيكم ، فقال عثمان في آل أبي قحافة ما قال وغضب حتى ما كان يدري ما يقول ، انتهى .

                      كان أشد الناس على عثمان رؤوس آل تيم الثلاثة : أم المؤمنين عائشة وأخوها محمد بن أبي بكر وابن عمهما طلحة بن عبيدالله وذكروا من مواقف أم المؤمنين مع عثمان شيئا كثيرا .
                      ( 101 ) أنساب الاشراف 5 / 205 . ( * )
                      - ج 1 ص 161 -
                      منها ما ذكره اليعقوبي في تاريخه ( 102 ) حيث قال : كان عثمان يخطب إذ دلت عائشة قميص رسول الله ونادت : " يا معشر المسلمين ! هذا جلباب رسول الله لم يبل وقد أبلى عثمان سنته " فقال عثمان : " رب اصرف عني كيدهن إن كيدهن عظيم " .

                      وقال ابن أعثم ( 103 ) : ولما رأت أم المؤمنين اتفاق الناس على قتل عثمان ، قالت له : أي عثمان ! خصصت بيت مال المسلمين لنفسك ، وأطلقت أيدي بني أمية على أموال المسلمين ، ووليتهم البلاد ، وتركت أمة محمد في ضيق وعسر ، قطع الله عنك بركات السماء وحرمك خيرات الأرض ، ولولا أنك تصلي الخمس لنحروك كما تنحر الإبل ( 104 ) . فقرأ عليها عثمان : " ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين " ( 105 ) . انتهى .

                      إن هذه الكلمات القارصة من الخليفة في أم المؤمنين عائشة ذات الطبع الحاد والتي لم تكن لتملك نفسها عند سورة الغضب ، والكتاب الذي عثر عليه اخوها محمد في طريقه إلى مصر والذي فيه أمر صريح بقتله وآخرين من رفقته ممن أدركوا صحبة النبي وغيرهم من المسلمين ، قد دفعت أم المؤمنين التي كانت تذهب نفسها في سبيل الدفاع عن ذوي قرباها أن تصدر الفتوى
                      ( 102 ) أنساب الاشراف 2 / 175 .
                      ( 103 ) كتاب الفتوح / ص 115
                      ( 104 ) ينبغي أن تكون هذه المحاورة قبل عثور أخيها محمد على كتاب عثمان في طريق مصر يأمر فيه بقتلهم ، فإنها بعد ذلك كان تفتي بقتله غير مبالية بصلاته .
                      ( 105 ) الآية العاشرة من سورة التحريم وكان عثمان يعرض بها إلى ما أطبق عليه المفسرون من أن منشأ قصة التحريم ما قامت به أم المؤمنين عائشة وأخرى معها من أمهات المؤمنين فنزلت فيهما سورة التحريم . ( * )
                      - ج 1 ص 162 -
                      الصريحة بقتل الخليفة عثمان وكفره . فتقول فيه : " أقتلوا نعثلا فقد كفر " ( 106 ) . وقالت : أشهد أن عثمان جيفة على الصراط . انطلقت هذه الكلمة من فم أم المؤمنين ، فانتشرت بين الناس انتشار النار في الهشيم فتلقفها منها غير ممن لم يكن يجرؤ على التفوه بمثلها وجبابرة قريش في المدينة حضر ممن سنذكرهم بعد تدبر معنى الكلمة ومغزاها .
                      وكلمة نعثل في ما ذكروه بمعاجم اللغة :
                      أ الذكر من الضباع .
                      ب الشيخ الأحمق .
                      ج وقالوا : كان رجل من أهل مصر طويل اللحية يسمى نعثلا .
                      د وقالوا : إن نعثلا كان يهوديا بالمدينة شبه به عثمان ( * ) .
                      إن هذه المعاني لكلمة نعثل لم تغرب عن بال أم المؤمنين ذات العارضة القوية ، وإنما رمته بها بعد أن استمدت من فصاحتها وبلاغتها فرمته من قوارضها بمقذعة أصابته في الصميم ، وبقيت وصمة عليه ، وذهبت في الدهر مثلا ، وجرت بعد قولها على لسان أعدائه حتى بعد حياته ، فقد جاء في أبيات للاعور الشني ( 107 ) :
                      برئت إلى الرحمن من دين نعثل * ودين ابن صخر أيها الرجلان

                      وقال محمد بن أبي سبرة بن أبي زهير القرشي ( 108 ) :
                      نحن قتلنا نعثلا بالسيرة * إذ صد عن أعلامنا المنيرة
                      ( 106 ) الطبري 4 / 477 ، ط . القاهرة سنة 1357 ، وط . أوربا / 3112 ، وابن أعثم ص 155 ، وابن الاثير 3 / 87 ،
                      وابن أبي الحديد 2 / 77 ، ونهاية ابن الاثير 4 / 156 ، وشرح النهج 4 / 458 .
                      ( * ) راجع لغة نعثل في النهاية لابن الاثير والقاموس وتاج العروس ولسان العرب .
                      ( 107 ) أنساب الاشراف 5 / 105 .
                      ( 108 ) صفين ، لنصر بن مزاحم ص 436 . ( * )
                      - ج 1 ص 163 -
                      ولما نادى ابن العاص يوم صفين بأبيات قال فيها : ( ردوا علينا شيخنا كما كان ) أجابه أهل العراق :
                      أبت سيوف مذحج وهمدان * بأن ترد نعثلا كما كان

                      ثم نادى عمرو بن العاص ثانية : ( ردوا علينا شيخنا ثم بجل ) . فرد عليه أهل العراق : ( كيف نرد نعثلا وقد قحل ) ( 109 ) .

                      أفتت أم المؤمنين بقتل الخليفة ، وإذا كان هناك أمل ضئيل قبل هذه الفتيا في الإصلاح بين المسلمين والخليفة يقوم به علي أو غيره ، فقد وقعت الواقعة بعد صدور هذه الفتوى الصريحة ، وانطلاقها من فم ام المؤمنين ، وقضي الأمر .
                      وذلك لما بلغت إليه أم المؤمنين منذ عهد الخليفتين من مكانة مرموقة بين المسلمين بما كانا يعظمانها في كل شئ ويرجعان إليها في الفتيا ، وزاد في تأثير فتياها صدورها في أوانها حيث بلغ السيل الزبى والحزام الطبيين ( 110 ) .
                      وبعد حصول الانشقاق بين الأسرة الحاكمة من آل أمية في البلاد وأفراد المسلمين بطبقاتهم كافة مما أوردنا بعضا منها وأعرضنا عن ذكر أكثرها روما لاختصار .

                      وبعد هذه الفتيا والتي كانت الجماهير الإسلامية من الصحابة وغيرهم قد صممت على تنفيذها ، لم يبق أمام أحد مجال إلا في طريقين : الاعتزال أو القتال . والقتال إما في صف الخليفة المحاصر من قبل الجماهير وإما في صف الجماهير الهادرة الثائرة . فاختار علي وسعد من أهل الشورى الاعتزال ، وطلحة والزبير القتال في صف الجماهير . انتشرت على الأفواه كلمة أم المؤمنين : " اقتلوا نعثلا " فقالها غيرها لما كانوا
                      ( 109 ) صفين لنصر بن مزاحم 256 و 257 و 454 ، وابن أبي الحديد 1 / 482 وثم بجل أي ثم حسب . وقد قحل أي قد يبس .
                      ( 110 ) قال ابن الاثير في النهاية وفي حديث عثمان ( رض ) : أما بعد فقد بلغ السيل الزبى . ( * )
                      - ج 1 ص 164 -
                      ينقمون على عثمان - وإن كانت هي ( أول من سمى عثمان نعثلا ) ( 111 ) وممن قالها في حياة الخليفة جبلة بن عمرو الساعدي في ما أخرجه الطبري حيث قال : مر عثمان على جبلة عمرو الساعدي وهو بفناء داره ومعه جامعة ، فقال : يا نعثل ! والله لاقتلنك ، ولاحملنك على قلوص جرباء ولاخرجنك إلى حرة النار . . الحديث .

                      وفي حديث البلاذري بعد هذا : وأتاه يوما بجامعة ( * ) فقال : والله لاطرحنها في عنقك ، أو لتتركن بطانتك هذه ، أطعمت الحارث بن الحكم السوق وفعلت وفعلت ، وكان عثمان ولى الحارث السوق فكان يشتري الجلب بحكمه ويبيعه بسومه ، ويجبي مقاعد المتسوقين ، ويصنع صنيعا منكرا ، فكلم في إخراج السوق من يده فلم يفعل ، وقيل لجبلة في أمر عثمان وسئل الكف عنه فقال : والله لا ألقى الله غدا فأقول : إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا ، فأضلونا السبيل ( 112 ) .

                      وفي حديث آخر للطبري : ( فلما مر عثمان سلم فرد القوم فقال جبلة : لم تردون على رجل فعل كذا وكذا ؟ قال : ثم أقبل على عثمان فقال : والله لاطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه . قال عثمان : أي بطانة ؟ فوالله إني لا أتخير الناس ، فقال : مروان تخيرته ، ومعاوية تخيرته ، وعبد الله بن عامر بن كريز تخيرته ، وعبد الله بن سعد تخيرته ، منهم من نزل القرآن بذمه وأباح رسول الله دمه . . ) الحديث ( 113 ) .
                      ( 111 ) ابن ابي الحديد 2 / 77 .
                      ( * ) الجامعة : سلسلة أو قيد من حديد .
                      ( 112 ) أنساب الاشراف 5 / 47 .
                      ( 113 ) الطبري 5 / 114 ، وط . أوربا 1 / 2981 2982 ، والبلاذري 5 / 47 ، وراجع ابن الاثير 3 / 70 ،
                      وابن أبي الحديد 1 / 165 ، وابن كثير 7 / 157 . وهذه تراجم بعض المذكورين في الحديث ممن لم يسبق ذكرنا ترجمتهم :
                      أ - جبلة بن عمرو الأنصاري اختلفوا في نسبه وقالوا فيه : . . كان فاضلا من فقهاء الصحابة شهد صفين مع علي وسكن مصر .
                      ترجمته في أسد الغابة 1 / 269 .
                      =>
                      - ج 1 ص 165 -
                      وممن جبه الخليفة بهذه الكلمة ، الجهجاه فيما اخرجه الطبري والبلاذري ( 114 ) بسندهما إلى حاطب قال :

                      => ب - الحكم بن أبي العاص عم الخليفة عثمان ، قال البلاذري في أنساب الاشراف 5 / 27 : ان الحكم بن أبي العاص كان جارا لرسول الله صلى الله عليه وآله في الجاهلية ، وكان أشد جيرانه أذى له في الإسلام ، وكان قدومه المدينة بعد فتح مكة وكان مغموصا عليه في دينه ، فكان يمر خلف رسول الله صلى الله عليه وآله فيغمز به ويحكيه ويخلج بأنفه وفمه ، وإذا صلى قام خلفه فأشار بأصابعه فبقي على تخليجه وأصابته خبلة واطلع على رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم وهو في بعض حجر نسائه فعرفه وخرج إليه بعنزة وقال : من عذيري من هذا الوزغة اللعين ، ثم قال : لا يساكنني ولا ولده فغربهم جميعا إلى الطائف ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله كلم عثمان أبا بكر فيهم وسأله ردهم فأبى ذلك وقال : ما كنت لآوي طرداء رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم لما استخلف عمر كلمه فيهم فقال مثل قول أبي بكر ، فلما استخلف عثمان أدخلهم المدينة وقال : قد كنت كلمت رسول الله فيهم وسألته ردهم فوعدني أن يأذن لهم فقبض قبل ذلك فأنكر المسلمون عليه ادخاله إياهم المدينة .
                      وقال في ص 225 من الانساب : وكان يفشي أحاديث الرسول فلعنه وسيره إلى الطائف ومعه عثمان الازرق والحارث وغيرهما من بنيه وقال : لا يساكنني . فلم يزالوا طرداء حتى ردهم عثمان .
                      وقال في ص 28 منه : وكان مما أنكروا على عثمان أنه ولى الحكم صدقات قضاعة حي بالمين فبلغت ثلاث مائة ألف درهم فوهبها له حين أتاه .
                      وقال في ص 27 : ومات بالمدينة في خلافة عثمان فصلى عليه وضرب على قبره فسطاطا . وراجع ترجمته في الاستيعاب وأسد الغابة والاصابة .
                      ج - والحارث المذكور في الحديث ابنه والمطرود معه إلى الطائف .
                      د - عبد الله بن عامر بن كريز هو ابن خال عثمان فقد كانت ام عثمان أروى بنت كريز ، وقصة توليته البصرة ، أن شبل بن خالد دخل على عثمان ( رض ) حين لم يكن عنده غير أموي فقال : ما لكم معشر قريش أما فيكم صغير تريدون أن ينبل أو فقير تريدون غناه أو خامل تريدون التنويه باسمه ؟ علام أقطعتم هذا الاشعري العراق يعني أبا موسى الاشعري يأكلها خضما ؟ فقال عثمان : ومن لها ؟ فأشاروا بعبدالله بن عامر وهو ابن ست عشر سنة فولاه حينئذ .
                      اللفظ لعبد البرقي ترجمته لشبل بن خالد في الاستيعاب رقم ( 2613 ) .
                      ( 114 ) الطبري 4 / 114 ، وط . أوربا 1 / 2982 ، والبلاذري 5 / 47 48 ، والرياض النضرة 2 / 123 ، وابن الاثير 3 / 70 ، وابن أبي الحديد 1 / 165 ، وابن كثير 7 / 175 ، والاصابة 1 / 253 ، والخميس 2 / 260 . ( * )
                      - ج 1 ص 166 -
                      أنا أنظر إلى عثمان يخطب على عصا رسول الله صلى الله عليه وآله التي كان يخطب عليها أبو بكر وعمر ( رض ) فقال له جهجاه : قم يا نعثل فانزل عن هذا المنبر . . الحديث .

                      وفي حديث آخر عن أبي حبيبة : فقام إليه جهجاه الغفاري ( 115 ) فصاح : يا عثمان ، ألا إن هذه شارف قد جئنا بها عليها عباءة وجامعة فانزل فلندرعك العباءة ولنطرحك في الجامعة ولنحملك على الشارف ثم نطرحك في جبل الدخان . فقال عثمان : قبحك الله وقبح ما جئت به . قال أبو حبيبة ولم يكن ذلك منه إلا عن ملا من الناس ، وقام إلى عثمان خيرته وشيعته من بني أمية فحملوه وأدخلوا الدار قال أبو حبيبة فكان آخر ما رأيته فيه . انتهى .

                      وآخر الحديث السابق : فما خرج بعد ذلك إلا خرجة أو خرجتين حتى حصر فقتل . انتهى .

                      حاصر الناس عثمان بعد أن لم يتنازل إلى تلبية مطالبهم ، وبعد أن أفتت فيه أم المؤمنين ما أفتت ، وتحلبوا عليه من البلاد بعد أن ضاقوا ذرعا بولاته . وبعد أن وصلت من أم المؤمنين ( كتب إلى البلاد تحرض المسلمين على الخروج عليه ) ( 116 ) . " وكان طلحة قد استولى على أمر الناس في الحصار ( 117 ) "
                      ولما اشتد الأمر على عثمان أمر مروان بن الحكم وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ( 118 ) فأتيا
                      ( 115 ) جهجاه الغفاري اختلفوا في نسبه . شهد بيعة الرضوان إلى بني المصطلق تناول العصا التي كان يخطب عليها عثمان فكسرها على ركبته فدخلت منها شظية في ركتبه وبقي الجرح فيها حتى مات بعد قتل عثمان بسنة . ترجمته في أسد الغابة .
                      ( 116 ) أنساب الاشراف 5 / 103 .
                      ( 117 ) أنساب الاشراف 5 / 81 .
                      ( 118 ) عبد الرحمن بن عتاب بن اسيد بن أبي العيص بن امية بن عبد شمس . قتل يوم الجمل تحت راية عائشة وقطعت يده فاختطفها نسر وفيها خاتمه فطرحها ذلك اليوم باليمامة ، فعرفت يده بخاتمه . ( 187 193 جمهرة نسب قريش ) . ( * )
                      - ج 1 ص 167 -
                      عائشة وهي تريد الحج فقالا لها : لو أقمت ، فلعل الله يدفع بك عن هذا الرجل ، " وقال مروان : ويدفع لك بكل درهم انفقتيه درهمين ( 119 ) " . فقالت : قد قرنت ركائبي واوجبت الحج على نفسي ووالله لا أفعل ! فنهض مروان وصاحبه ، ومروان يقول :
                      وحرق قيس علي البلاد * فلما اضطرمت أحجما

                      ورد البيت في الانساب 5 / 75 هكذا :
                      وحرق قيس علي البلاد * د حتى إذا اضطرمت أجذما

                      فقالت عائشة : يا مروان : " العلك ترى اني في شك من صاحبك ( 120 ) " والله لوددت أنه في غرارة من غرائري هذه وأني طوقت حمله حتى ألقيه في البحر ( 121 ) .

                      خرجت أم المؤمنين من المدينة متوجهة إلى مكة وخرج ابن عباس ( 122 ) أميرا على الحاج من قبل عثمان فمر بعائشة في الصلصل ( * ) وهي في طريقها

                      ( 119 و 120 ) هذه الزيادة في تاريخ اليعقوبي 2 / 124 .
                      ( 121 ) أخرج هذه الرواية كل من البلاذري في الانساب 5 / 75 ، وابن أعثم ص 155 وابن سعد في الطبقات ط . ليدن 5 / 25 بترجمة مروان ، وذكر في من أتى عائشة زيد بن ثابت . والغرارة : الجوالق .

                      ( 122 ) عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي ، كني بأبيه العباس وهو أكبر ولده ، وامه لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن الهلالية ولد والنبي بالشعب من قبل الهجرة بثلاث .
                      شهد مع علي الجمل وصفين والنهروان ثم ولاه البصرة ، وترك البصرة في آخر خلافة علي وذهب إلى مكة ، ولما وقعت الفتنة بين عبد الله بن الزبير وعبد الملك ألح ابن الزبير عليه وعلى محمد بن الحنفية ان يبايعا . فأبيا فجمع الحطب على دورهم حتى بلغ رؤوس الجدر ليحرقهم بجاءتهم أربعة آلاف فارس من الكوفة . وانقذتهم وخاف ابن الزبير فتعلق بأستار الكعبة وقال : أنا عائذ بالبيت فمنعهم عنه ابن عباس . وتوفي بالطائف سنة ثمان وستين أو سبعين وهو ابن سبعين أو احدى وسبعين سنة . الاستيعاب 372 374 ، الترجمة رقم 1591 ، وأسد الغابة 3 / 192 195 ، والاصابة 2 / 22 26 . ( * ) الصلصل : من نواحي المدينة على مسيرة أميال منها : الحموي . ( * )
                      - ج 1 ص 168 -
                      إلى مكة - فقالت : يا ابن عباس ! انشدك الله فانك أعطيت لسانا ازعيلا ( * ) ان تخذل عن هذا الرجل .

                      وفي الانساب : إياك أن ترد عن هذا الطاغية ( 123 ) وان تشكك فيه الناس فقد بانت لهم بصائرهم وانهجت ورفعت لهم المنار وتحلبوا من البلدان لأمر قد جم ، وقد رأيت طلحة بن عبيدالله قد اتخذ على بيوت الأموال والخزائن مفاتيح ، فان يل يسره بسيرة ابن عمه أبي بكر . قال : قلت : يا أمه لو حدث بالرجل حدث ما فزع الناس إلا إلى صاحبنا . فقالت : ايها عنك إني لست أريد مكابرتك ولا مجادلتك ( 124 ) .

                      ولما رأى عثمان استيلاء طلحة على بيوت الأموال واشتداد الحصار عليه بعث عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بهذا البيت إلى علي :
                      فإن كنت مأكولا فكن أنت آكلي * والا فأدركني ولما أمزق ( 125 )

                      وكان علي عند حصر عثمان بخيبر فقدم المدينة والناس مجتمعون عند طلحة وكان ممن له فيه اثر فلما قدم علي أتاه عثمان وقال له : أما بعد ! فان لي حق الإسلام ، وحق الإخاء ، والقرابة ، والصهر ، ولو لم يكن من ذلك شئ وكنا في الجاهلية لكان عارا على بني عبد مناف أن ينتزع اخو بني تيم يعني طلحة أمرهم .
                      ( * ) أزعيلا : الازعيل : الذلق ، وفي القاموس النشيط .
                      ( 123 ) وفي الانساب 5 / 75 .
                      ( 124 ) الطبري 5 / 140 ، وط . أوربا 1 / 3040 ، وابن أعثم ص 156 ، واللفظ للطبري والبلاذري .
                      ( 125 ) أنساب الاشراف 5 / 78 ، وقد أورد محاورة عثمان وعلي كل من الطبري 5 / 154 ، وابن الاثير 3 / 64 ،
                      والكنز 6 / 389 الحديث 5965 ، وقد تخيرنا لفظ ابن الاثير لانه أتم وأخصر ،
                      وراجع الكامل للمبرد ص 11 ط . ليدن وزهر الآداب 1 / 75 ط الرحمانية وابن أعثم 156 157 . ( * )
                      - ج 1 ص 169 -
                      فقال له علي : سيأتيك الخبر ثم الخبر ثم فخرج إلى المسجد فرأى أسامة ( 126 ) فتوكأ على يده حتى دخل دار طلحة وهي رجاس ( * ) من الناس فقال له : يا طلحة ! ما هذا الأمر الذي وقعت فيه ( 127 ) ؟ ! فقال : يا أبا الحسن بعدما مس الحزام الطبين ، فانصرف علي ولم يحر إليه شيئا حتى بيت المال ، فقال افتحوا هذا الباب ، فلم يقدر على المفاتيح فقال : اكسروه فكسر باب بيت المال ، فقال : اخرجوا المال فجعل يعطي الناس فبلغ الذين في دار طلحة الذي صنع علي ، فجعلوا يتسللون إليه حتى ترك طلحة وحده ، وبلغ عثمان الخبر فسر بذلك ، ثم اقبل طلحة يمشي عائدا إلى دار عثمان . . فلما دخل عليه قال : يا أمير المؤمنين استغفر الله وأتوب إليه أردت أمرا فحال الله بيني وبينه ، فقال عثمان : انك والله ما جئت تائبا ولكنك جئت مغلوبا . الله حسيبل يا طلحة . . إنتهى .
                      وروى الطبري وقال : فحصروه أربعين ليلة وطلحة يصلي بالناس ( 128 ) .

                      وروى البلاذري وقال : لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله أشد على عثمان من طلحة ( 129 ) .
                      لمتابعة الموضوع اضغط على الصفحة التالية أدناه

                      ( 126 ) اسامة مولى رسول الله وابن مولاه زيد بن حارثة وابن مولاته وحاضنته ام أيمن وكان يسمى حب رسول الله صلى الله عليه وآله ، أمره رسول الله في مرض موته على جيش كان قد انتدبهم لغزو الشام واستوعب في الجيش المهاجرين الاولين . توفي سنة 54 ، أو 58 ، أو 59 . ترجمته في الاستيعاب رقم 12 وأسد الغابة 1 / 65 66 والاصابة .
                      ( * ) رجاس ، الرجس : الصوت الشديد . سحاب ورعد رجاس : شديد الصوت .
                      ( 127 ) وفي رواية الطبري ط . أوربا 1 / 3071 ، منه ان عليا قال لطلحة : أنشدك الله الا ردت الناس عن عثمان ، قال : لا والله حتى تعطي بنو أمية الحق من أنفسها .
                      ( 128 ) الطبري 5 / 117 ، وط . أوربا 1 / 2989 .
                      ( 129 ) أنساب الاشراف 5 / 81 . ( * )

                      تعليق


                      • #26
                        منع طلحة الماء عن عثمان :


                        روى البلاذري ( 130 ) وقال : وكان الزبير وطلحة قد استوليا على الأمر ومنع طلحة عثمان أن يدخل عليه الماء العذب فأرسل علي إلى طلحة وهو في أرض له على ميل من المدينة أن دع هذا الرجل فليشرب من مائه ومن بئره يعني من رومة ولا تقتلوه من العطش فأبى . . الحديث .

                        وقال الطبري ( 131 ) : ( ولما اشتد الحصار بعثمان ومنع عنه الماء أرسل عثمان إلى علي يستسقيه ، فجاء فكلم طلحة في أن يدخل عليه الروايا وغضب غضبا شديدا حتى دخلت الروايا على عثمان ) .

                        وقال البلاذري ( 132 ) : ( فحاصر الناس عثمان ومنعوه الماء فأشرف على الناس فقال : أفيكم علي ؟ فقالوا : لا ، فقال : أفيكم سعد ؟ فقالوا : لا ، فسكت ، ثم قال : ألا أحد يبلغ عليا فيسقينا ، فبلغ ذلك عليا فبعث إليه بثلاث قرب مملوءة فما كادت تصل إليه وجرح بسببها عدة من موالي بني هاشم ونبي أمية ، حتى وصلت إليه ) ومر مجمع بن جارية الأنصاري ( 133 ) بطلحة بن عبيدالله فقال : يا مجمع ما فعل صاحبك ؟ قال أظنكم والله قاتليه ! فقال طلحة : فان قتل فلا ملك مقرب ولا نبي مرسل ( 134 ) .

                        وروى الطبري ( 135 ) عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة أنه قال : دخلت على عثمان فتحدثت عنده ساعة . فقال : يا ابن عياش : تعال . فأخذ بيدي
                        ( 130 ) أنساب الاشراف 5 / 90 .
                        ( 131 ) الطبري 5 / 113 .
                        ( 132 ) أنساب الاشراف 5 / 68 69 .
                        ( 133 ) مجمع بن جارية بن عامر الانصاري الاوسي وكان أبوه ممن اتخذ مسجد الضرار وكان هو غلاما حدثا قد جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله إلا سورة أو سورتين : ترجمته في أسد الغابة 5 / 303 304 .
                        ( 134 ) أنساب الاشراف 5 / 74 .
                        ( 135 ) الطبري 5 / 122 ، وط . أوربا 1 / 3000 ، وابن الاثير 3 / 73 . ( * )
                        - ج 1 ص 171 -
                        فاسمعني كلام من على عثمان فسمعنا كلاما ، منهم من يقول : ما تنظرون به ؟ ومنهم من يقول : أنظروا عسى أن يراجع . فبينا أنا وهو واقفان إذ مر طلحة ان عبيدالله فوقف فقال : اين ابن عديس ( 136 ) ؟ . فقيل : هاهو ذا .
                        قال : فجاءه ابن عديس فناجاه بشئ ، ثم رجع ابن عديس فقال لأصحابه : لا تتركوا أحدا يدخل على هذا الرجل ولا يخرج من عنده .
                        فقال عثمان : اللهم اكفني طلحة بن عبيدالله فإنه حمل علي هؤلاء وألبهم . والله إني لأرجو ان يكون منها صفرا وان يسفك دمه ، إنه انتهك مني مالا يحل له . .
                        قال ابن عياش : فأردت ان اخرج فمنعوني حتى مر بي محمد بن أبي بكر ، فقال : خلو سبيله فخلوني . .
                        وبلغ عليا أن القوم يريدون قتل عثمان . . فقال للحسن والحسين اذهبا بسيفيكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعا أحدا يصل إليه . . فخضب الحسن بالدماء على بابه وشج قنبر مولى علي فلما رأى ذلك محمد ابن أبي بكر خشي أن يغضب بنو هاشم لحال الحسن والحسين فيثيروها فتنة ، فأخذ بيد رجلين فقال لهما : إن جاءت بنو هاشم فرأت الدماء على وجه الحسن كشفوا الناس عن عثمان وبطل ما تريدون ولكن مروا بنا حتى نتسور عليه الدار فنقتله من غير أن يعلم فتسور محمد وصاحباه من دار رجل من الأنصار حتى دخلوا على عثمان وما يعلم أحد ممن كان معه لانهم كانوا فوق البيوت ولم يكن معه إلا امرأته ، فقال محمد بن أبي بكر : أنا أبدأكما بالدخول فإذا أنا ضبطته فادخلا فتوجاه حتى تقتلاه ، فدخل محمد فأخذ بلحيته ، فقال عثمان : لو رآك أبوك لساءه مكانك مني ، فتراخت يده ودخل الرجل فتوجاه
                        ( 136 ) هو عبد الرحمن بن عديس البلوي . وكان ممن بايع النبي تحت الشجرة وشهد فتح مصر واختط بها . وكان ممن سار إلى عثمان من مصر . وسجنه معاوية بعد بفلسطين وقتل سنة 36 ه‍ بعد أن هرب من السجن . الاصابة ، حرف العين ، القسم الاول 4 / 171 . ( * )
                        - ج 1 ص 172 -
                        حتى قتلاه ( 137 ) .
                        وفي رواية لابن أبي الحديد : أن طلحة كان يوم قتل عثمان مقنعا بثوب استتر به عن أعين الناس يرمي الدار بالسهام.
                        وروى أيضا : أنه لما امتنع على الذين حصروه الدخول من باب الدار حملهم طلحة إلى دار لبعض الانصار فأصعدهم إلى سطحها وتسوروا منها على عثمان داره فقتلوه ( 138 ) .

                        وروى الطبري ( 139 ) : أنهم دخلوا دار عمرو بن حزم وكانت إلى جنب دار عثمان فناوشوهم شيئا منه مناوشة ، وقال : فوالله ما نسينا أن خرج سودان ابن حمران فأسمعه يقول : أين طلحة بن عبيدالله ؟ قد قتلنا ابن عفان .

                        وقال البلاذري ( 140 ) : ان عليا لما بلغه الخبر جاء وقال لابنيه : كيف قتل وأنتما على الباب ؟ ! فلطم هذا وضرب صدر ذاك وخرج وهو غضبان يرى أن طلحة أعان على ما كان ، فلقيه طلحة ، فقال : مالك يا أبا الحسن ؟ فقال عليك لعنة الله ، أيقتل رجل من أصحاب رسول الله . . فقال طلحة : لو دفع مروان لم يقتل . . ورخج علي فأتى منزله . . انتهى .
                        لمتابعة الموضوع اضغط على الصفحة التالية أدناه
                        ( 137 ) أنساب الاشراف 5 / 69 ، وذكر فعل محمد بن أبي بكر هذا بألفاظ اخرى ، وط . أوربا 1 / 3021 ، كل من الطبري في 5 / 118 ، وابن الاثير في تاريخ الكامل 3 / 68 70 .
                        ( 138 ) ابن أبي الحديد 2 / 404 .
                        ( 139 ) الطبري ج 5 / 122 .
                        ( 140 ) أنساب الاشراف 5 / 69 70 . ( * )

                        تعليق


                        • #27
                          دفن الخليفة :
                          اتفقت الروايات على أن عثمان ترك ثلاثا لم يدفن حتى توسط علي في ذلك .
                          روى الطبري : انهم كلموا عليا في دفنه وطلبوا إليه أن يأذن لأهله ذلك ، ففعل وأذن لهم علي ، فلما سمع بذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة وخرج به ناس يسير من أهله وهم يريدون به حائطا بالمدينة يقال له حش
                          - ج 1 ص 173 -
                          كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم ، فلما خرج به على الناس رجموا سريره وهموا بطرحه ، فبلغ ذلك عليا ، فأرسل إليهم يعزم عليهم ليكفن عنه ففعلوا ، فانطلق به حتى دفن في حش كوكب ، فلما ظهر معاوية بن أبي سفيان على الناس أمر بهدم ذلك الحائط حتى افضى به إلى البقيع ، فأمر الناس ان يدفنوا موتاهم حول قبره حتى اتصل ذلك بمقابر المسلمين .

                          وفي حديث آخر له قال : دفن عثمان ( رض ) بين المغرب والعتمة ولم يشهد جنازته إلا مروان بن الحكم وثلاثة من مواليه وابنته الخامسة فناحت ابنته ورفعت صوتها تندبه ، وأخذ الناس الحجارة وقالوا : نعثل ، نعثل ، وكادت ترجم . . الحديث ( 141 ) .

                          بيعة علي :

                          قتل عثمان ورجع إلى المسلمين أمرهم وانحلوا من كل بيعة سابقة توثقهم فتهافتوا على علي بن أبي طالب يطلبون يده للبيعة .
                          قال الطبري ( 142 ) فأتاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقالوا : إن هذا الرجل قد قتل ولابد للناس من إمام ولانجد اليوم أحد بهذا الامر منك ، لا أقدم سابقة ولا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : لا تفعلوا فإني أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا ، فقالوا : لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك . قال : ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خفيا ولا تكون إلا عن رضى المسلمين . .

                          وروى بسند آخر وقال : اجتمع المهاجرون والانصار فيهم طلحة والزبير فأتوا عليا فقالوا : يا أبا الحسن ، هلم نبايعك ، فقال : لا حاجة لي في
                          ( 141 ) الطبري 4 / 143 144 ، وط . أوربا 1 / 3046 ، وابن الاثير 3 / 76 ، وابن أعثم 159 ،
                          وراجع الرياض النضرة 2 / 131 132 .
                          ( 142 ) الطبري 5 / 152 - 153 ، وط . أوربا 1 / 3066 ، وراجع كنز العمال 3 / 161 الحديث 2471 ، فانه يروي تفصيل بيعة علي ومجئ طلحة والزبير إليه وامتناعه عن البيعة . . . وكذلك حكاه ابن أعثم بالتفصيل في ص 160 161 من تاريخه . ( * )
                          - ج 1 ص 174 -
                          أمركم ، أنا معكم فمن اخترتم فقد رضيت به ، فاختاروا والله ، فقالوا : والله ما نختار غيرك ، قال : فاختلفوا إليه بعدما قتل عثمان ( رض ) مرارا ثم أتوه في آخر ذلك ، فقالوا له : إنه لا يصلح الناس إلا بالإمرة وقد طال الأمر فقال لهم : انكم قد اختلفتم إلي وأتيتم وإني قائل لكم قولا إن قبلتموه قبلت أمركم وإلا فلا حاجة لي فيه . قالوا : ما قلت قبلناه إن شاء الله ، فجاء فصعد المنبر فاجتمع الناس إليه فقال : إني قد كنت كارها لأمركم فأبيتم إلا أن أكون عليكم . ألا وإنه ليس لي أمر دونكم ، ألا إن مفاتيح مالكم معي . ألا وإنه ليس لي أن آخذ منه درهما دونكم ، رضيتم ؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد عليهم . ثم بايعهم على ذلك .

                          وروى البلاذري ( 143 ) وقال : وخرج علي فأتى منزله ، وجاء الناس كلهم يهرعون إلى علي ، أصحاب النبي وغيرهم ، وهم يقولون : " إن أمير المؤمنين علي " حتى دخلوا داره ، فقالوا له : نبايعك ، فمد يدك فإنه لابد من أمير ، فقال علي : ليس ذلك إليكم إنما ذلك إلى أهل بدر فمن رضي به أهل بدر فهو خليفة ، فلم يبق أحد من أهل بدر إلا أتى عليا ( ع ) ، فقالوا : ما نرى أحدا أحق بهذا الأمر منك . . فلما رأى علي ذلك صعد المنبر وكان أول من صعد إليه فبايعه طلحة بيده ، وكانت إصبع طلحة شلاء فتطير منها علي وقال : ما أخلقه أن ينكث .

                          وروى الطبري ( 144 ) : أن حبيب بن ذؤيب نظر إلى طلحة حين بايع . فقال : أول من بدأ بالبيعة يد شلاء لا يتم هذا الأمر . . انتهى .
                          ( 143 ) أنساب الاشراف 5 / 70 ، وقد روى الحاكم في المستدرك 3 / 114 تشاؤم علي من بيعة طلحة .
                          ( 144 ) الطبري 5 / 153 ، وط . أوربا 1 / 3068 . ( * )

                          تعليق


                          • #28
                            وبينا الناس في المدينة يتشاءمون من مبادءة البيعة بيد طلحة الشلاءكانت عائشة في طريقها إلى مكة وبمكة تتفاءل بتسابق الناس إلى بيعة تلك اليد الشلاء وقد كانت تتنسم أخبار المدينة بتلهف شديد .

                            وقد روى الطبري ( 145 ) انه قدم على أم المؤمنين مكة رجل يقال له : الاخضر ، فقالت : ما صنع الناس ؟ فقال : قتل عثمان المصريين ! فقالت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أيقتل قوما جاءوا يطلبون الحق وينكرون الظلم ! ؟ والله لا نرضى بهذا . ثم قدم آخر . فقالت : ما صنع الناس ؟ قال : قتل المصريون عثمان ! قالت : العجب لاخضر زعم أن المقتول هو القاتل ، فكان يضرب المثل ، " اكذب من أخضر " .

                            وقال البلاذري ( 146 ) : فلما بلغها أمره وهي بمكة أمرت بقبتها فضربت في المسجد الحرام وقالت : إني رأى عثمان سيشأم قومه كما شأم أبو سفيان قومه يوم بدر .

                            وقد روي عن طرق مختلفة ( 147 ) أن عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكة قالت : أبعده الله . ذلك بما قدمت يداه وما الله بظلام للعبيد ، وكانت تقول : أبعده الله ، قتله ذنبه ، وأقاده الله بعمله ، يا معشر قريش لا يسومنكم قتل عثمان كما سام أحمر ثمود قومه ، إن أحق الناس بهذا الأمر ذو الاصبع . ثم أقبلت مسرعة إلى المدينة وهي لا تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر ، وكانت تقول : بعدا لنعثل وسحقا ، إيه ذا الاصبغ ، إيه أبا شبل ، إيه ابن عم ، لله أبوك أما
                            ( 145 ) الطبري 5 / 166 ، وط . أوربا 1 / 3098 .
                            ( 146 ) أنساب الاشراف 5 / 91 ، كنز العمال 3 / 161 الخلافة والامارة.
                            ( 147 ) كالمدائني في كتابه الجمل ، وأبو مخنف لوط بن يحيى على رواية ابن أبي الحديد عنهما في شرحه : ومن كلامه له بعد فراغه من حرب الجمل في ذم النساء : ( معاشر الناس ، النساء نواقص الايمان ) ج 6 من تجزئة المؤلف ج 2 / 76 ط . مصر . ( * )
                            - ج 1 ص 176 -
                            إنهم وجدوا طلحة لها كفؤا ، لكأني أنظر إلى إصبعه وهو يبايع ، حثوا الابل ودعدعوها ( * ) .
                            ولما انتهت إلى سرف ( * ) في طريقها إلى المدينة لقيها عبيد بن أم كلاب ( 148 ) فقالت له : مهيم ؟ قال : قتلوا عثمان ( رض ) ثم مكثوا ثمانيا . قالت : ثم صنعوا ماذا ؟ قال : أخذها أهل المدينة بالإجماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز ، اجتمعوا إلى علي بن أبي طالب ، فقالت : والله ليت أن هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك ، ويحك انظر ما تقول ؟ ! قال : هو ما قلت لك يا أم المؤمنين ، فولوت ، فقال لها : ما شأنك يا أم المؤمنين ! ؟ والله لا أعرف بين لابتيها ( * ) أحدا أولى بها منه ولا أحق ولا أرى له نظيرا في جميع حالاته فلماذا تكرهين ولايته ؟ انتهى .
                            صاحت أم المؤمنين : ردوني . ردوني . فانصرفت إلى مكة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوما ، والله لاطلبن بدمه ! فقال لها ابن أم كلاب : ولم ؟ فوالله إن أول من أمال حرفه لانت ، فلقد كنت تقولين : أقتلوا نعثلا فقد كفر ،
                            ( * ) دعدعوها : حركوها .
                            ( * ) سرف على بعد ستة أميال أو أكثر من مكة . معجم البلدان .
                            ( 148 ) هو عبيد بن أبي سلمة الليثي ينسب إلى امه ، وقد روى ما دار بينها وبين عبيد كل من الطبري 5 / 172 ، وط . أوربا 1 / 3111 3112 ، وابن الاثير 3 / 80 ، وكنز العمال 3 / 161 ، وابن سعد 4 / 88 بترجمة عبيد ابن أم كلاب مختصرا . وابن أعثم ( 2 / 248 250 ) ط . حيدر آباد 1388 ه‍ ، 1968 م ، وجاء اسمه في الطبري عبد تحريف .
                            ( * ) لابتيها مفردها لابة ، واللابة الحرة . وفي الحديث ان النبي حرم ما بين لابتي المدينة وهما حرتان يكتنفانها . لسان العرب . ومهيم كلمة استفهام ومن معانيها : ما وراءك ؟ ( * )
                            - ج 1 ص 171 -
                            قالت : إنهم اس تتابوه ثم قتلوه ، وقد قلت وقالوا ، وقولي الاخير خير من قولي الاول ، فقال لها ابن أم كلاب :
                            فمنك البداء ومنك الغير * ومنك الرياح ومنك المطر
                            وأنت أمرت بقتل الإمام * وقلت لنا انه قد كفر
                            فهبنا أطعناك في قتله * وقاتله عندنا من أمر
                            ولم يسقط السقف من فوقنا * ولم تنكسف شمسنا والقمر
                            وقد بايع الناس ذا تدرأ * يزيل الشبا ويقيم الصعر ( * )
                            ويلبس للحرب أثوابها * وما من وفى مثل من قد غدر

                            فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد فقصدت الحجر فتسرت واجتمع إليها الناس ، فقالت : يا أيها الناس إن عثمان قتل مظلوما والله لاطلبن بدمه . وكانت تقول : يا معشر قريش إن عثمان قد قتل ، قتله علي بن أبي طالب ، والله لانملة أو قالت لليلة من عثمان خير من علي الدهر كله ( 149 ) .

                            علي والمتخلفون عن بيعته :

                            وتخلف عن البيعة عبد الله بن عمر ، ومحمد بن مسلمة ، وأسامة بن زيد ، وحسان بن ثابت ، وسعد بن أبي وقاص ، فجاء عمار والأشتر إلى علي فقال
                            ( * ) " ذوتدرأ " : ذو عز ومنعة والرجل المدافع عن حماه . " الشبا " : العلو . " الصعر " إمالة الخد عن النظر إلى الناس تهاونا وكبرا .
                            ( 149 ) في رواية البلاذري في الانساب 5 / 91 . وروى أبو مخنف عن قيس بن أبي حازم أنه حج في العام الذي قتل فيه عثمان وكان مع عائشة ثم ذكر قريبا مما مر آنفا ، راجع ابن أبي الحديد في شرحه : ومن كلام له بعد فراغه من الجمل ، وروى أيضا انها لما بلغتها بيعة علي قالت : تعسوا ، تعسوا ، لا يردون الأمر في تيم أبدا . ( * )
                            - ج 1 ص 178 -
                            عمار : يا أمير المؤمنين ! قد بايعك الناس كافة إلا هؤلاء النفر فلو دعوتهم إلى البيعة كي لا يتخلفوا في ذلك عن المهاجرين والأنصار .
                            فقال : يا عمار ! لا حاجة لنا في من لا يرغب فينا .
                            فقال الأشتر : إن هؤلاء وإن كانوا سبقوا بعضنا إلى رسول الله غير أن هذا الأمر يجب أن يجمعوا عليه ويرغبوا فيه.
                            فقال علي : يا مالك ! إني أعرف بالناس منك ، ودع هؤلاء يعملوا برأيهم .
                            فجاء سعد إلى علي وقال : والله يا أمير المؤمنين لا ريب لي في أنك أحق الناس بالخلافة وأنك أمين على الدين والدنيا غير أنه سينازعك على هذا الأمر أناس ، فلو رغبت في بيعتي لك أعطني سيفا له لسان ، يقول لي : خذ هذا ، ودع هذا .
                            فقال علي : أترى أحدا خالف القرآن في القول أو العمل ؟ لقد بايعني المهاجرون والأنصار على أن أعمل فيهم بكتاب الله وسنة نبيه فإن رغبت بايعت وإلا جلست في دارك فإني لست مكرهك عليه . إنتهى ( 150 ) .

                            أما من تخلف من بني أمية فقد ذكروا عن بيعتهم ما قاله اليعقوبي ( 151 ) في تاريخه حيث قال : إن مروان بن الحكم وسعيد بن العاص والوليد بن عقبة حضروا عند علي ، فقال الوليد وكان لسان القوم : يا هذا ! إنك قد وترتنا جميعا ، أما أنا ، فقد قتلت أبي صبرا يوم بدر ، وأما سعيد ، فقد قتلت أباه يوم بدر ، وكان أبوه ثور قريش ، وأما مروان فقد شتمت أباه وعبت على عثمان حين ضمه إليه ، وإنا نبايعك على أن تضع عنا ما أصبنا وتعفي لنا عما في أيدينا وتقتل قتلة
                            ( 150 ) كتاب الفتوح لابن أعثم ص 163 .
                            ( 151 ) اليعقوبي 2 / 178 ، والمسعودي عند ذكره بيعة علي ، وكتاب الفتوح لابن أعثم ص 2 / 259 260 ط . حيدر آباد ، واللفظ لليعقوبي . ( * )
                            - ج 1 ص 179 -
                            صاحبنا ، فغضب علي وقال : " أما ما ذكرت من وتري إياكم فالحق وتركم ، وأما وضعي عنكم عما في أيديكم مما كان لله وللمسلمين فالعد يسعكم ، وأما قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قتلهم اليوم لزمني قتالهم غدا ، ولكن لكم أن أحملكم على كتاب الله ، وسنة نبيه . فمن ضاق الحق عليه ، فالباطل عليه أضيق . وإن شئتم فالحقوا بملاحقكم " .
                            فقال مروان : " بل نبايعك ، ونقيم معك . فترى ونرى " .

                            تعليق


                            • #29
                              بواعث حرب الجمل :

                              أضطر طلحة والزبير تحت ضغط الرأي العام أن يقطعا أملهما في الخلافة ، ويبادرا إلى بيعة علي قبل غيرهما ليمنا بذلك عليه ، ويكون لهما السهم الأوفر في عهده ، غير أنه لم يميز بينهما وبين الآخرين من أفراد المسلمين ، فخاب فألهما ، وضاع أملهما في علي ، وكانا يراجعانه في ما كانا يبغيان من الحظوة بالإمرة على ما ذكره اليعقوبي ( 153 ) في تاريخه وقال : أتاه طلحة والزبير ، فقالا : إنه قد نالتنا بعد رسول الله جفوة فأشركنا في أمرك ، فقال : " أنتما شريكاي في القوة والاستقامة وعوناي على العجز والأود " .

                              وروى بعضهم : أنه ولى طلحة اليمن والزبير اليمامة والبحرين ، فلما دفع إليهما عهديهما ، قالا له : وصلتك رحم ، قال :
                              ( 153 ) اليعقوبي 2 / 179 180 ، عند ذكره كيفية بيعة علي من تاريخه .
                              - ج 1 ص 181 -
                              " وإنما وصلتكما بولاية أمور المسلمين " واسترد العهدين منهما ، فعتبا من ذلك وقالا : " آثرت علينا " فقال : " ولولا ما ظهر من حرصكما فقد كان لي فيكما رأي " ( 154 ) .

                              وفي الطبري ( 155 ) : وسأل طلحة والزبير ان يؤمرهما على الكوفة والبصرة فقال : تكونان عندي فاتجمل بكما فإني وحش لفراقكما .
                              وقد أورد ابن أبي الحديد في شرح النهج ( 156 ) تفصيل ما دار بينهما وبين ابن أبي طالب وكيف تلقيا مساواة علي بين المسلمين في العطاء عندما وزع بيت المال على المسلمين فأعطى لكل واحد منهم ثلاثة دنانير سواء المولى والعربي خلافا لما كان عليه الأمر في عهد الخليفة عمر ، وما دار من كلام واحتجاج حول ذلك ( 157 ) .

                              وروى الطبري ( 158 ) ان طلحة قال : ما لنا من هذا الأمر إلا كلحسة الكلب أنفه . بقي طلحة والزبير في المدينة أربعة أشهر يراقبان عليا من قريب ، حتى إذا أيسا منه وبلغهما موقف أم المؤمنين بمكة عزما على الخروج من المدينة ، فأتيا عليا ، فقالا : إنا نريد العمرة ، فأذن لنا في الخروج ، فقال علي لبعض أصحابه : " والله ما أرادوا العمرة ، ولكنهما أرادا الغدرة " ( 159 ) فأذن لهما في الخروج بعد أن جددا له البيعة فخرجا من المدينة ، والتحقا بركب أم المؤمنين عائشة . كما التحق بركبها بنو أمية ، فإنهم كانوا يتربصون في المدينة ، فلما بلغهم
                              ( 154 ) كان النبي لا يولي الحريص على الإمارة . البخاري 4 / 156 ومسلم 5 / 6 .
                              ( 155 ) الطبري 5 / 153 ، وط . أوربا 1 / 3069 ، وابن كثير 7 / 227 228 .
                              ( 156 ) شرح النهج 11 من تقسيم المؤلف . ( 2 / 170 173 ) .
                              ( 157 ) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم 2 / 248 .
                              ( 158 ) الطبري 5 / 153 ، وط . أوربا 1 / 3069 .
                              ( 159 ) اليعقوبي 2 / 180 ، وابن أعثم 2 / 275 ، ط . حيدر آباد 1388 ه‍ 1968 م بلفظ مختلف . ( * )
                              - ج 1 ص 182 -
                              مجاهرة أم المؤمنين بالخلاف على علي ، غادروا المدينة إلى مكة ، والتحق بها أيضا ولاة عثمان الذين عزلهم علي عن الأمصار ، وهم يحملون معهم من أموال المسلمين ما يحملون .

                              أخرج الطبري ( 160 ) عن الزهري أنه قال : ثم ظهرا يعني طلحة والزبير إلى مكة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر ، وابن عامر بها يجر الدنيا ، وقدم يعلى بن أمية معه بمال كثير ، وزيادة على أربعمائة بعير ، فاجتمعوا في بيت عائشة ( رض ) ، فأداروا الرأي ، فقالوا : نسير إلى علي فنقاتله ، فقال بعضهم : ليس لكم طاقة بأهل المدينة ولكنا نسير حتى ندخل البصرة والكوفة ، ولطلحة بالكوفة شيعة وهوى ، وللزبير بالبصرة هوى ومعونة . فاجتمع رأيهم على أن يسيروا إلى البصرة والكوفة ، فاعطاهم عبد الله بن عامر مالا كثيرا وإبلا ، فخرجوا في سبعمائة رجل من أهل المدينة والكوفة ، ولحقهم الناس حتى كانوا ثلاثة آلاف رجل .

                              وفي رواية أخرى للطبري قال ( 161 ) : أعان يعلى بن أمية الزبير بأربعمائة ألف ، وحمل سبعين رجلا من قريش ، وحمل عائشة ( رض ) على جمل يقال له : عسكر ، أخذه بثمانين دينارا . وقالت أم سلمة لعائشة لما همت بالخروج ( 162 ) : يا عائشة ! إنك سدة بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين أمته ، حجابك مضروب على حرمته ، وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه ، وسكن الله عقيراك ، فلا
                              ( 160 ) الطبري 5 / 168 ، وط . أوربا 1 / 3103 . ابن عامر هو عبد الله بن عامر ابن خال عثمان وواليه على البصرة .
                              ( 161 ) الطبري 5 / 167 ، وط . أوربا 1 / 3102 ، عن عوف بن يعلى كان على اليمن فعزله علي .
                              ( 162 ) ابن طيفور بلاغات النساء ص 8 وفي نسخة كتبت إليها ام سلمة ، وراجع الفائق للزمخشري 1 / 290 ،
                              والعقد الفريد 3 / 69 ، وشرح النهج 2 / 79 ، وفي رواية اليعقوبي بعض الاختلاف مع ما أوردناه . ( * )
                              - ج 1 ص 183 -
                              تصحريها ، الله من وراء هذه الأمة ، قد علم رسول الله مكانك لو أراد أن يعهد فيك ، عهد ، بل قد نهاك عن الفرطة في البلاد ، ما كنت قائلة لو أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد عارضك بأطراف الفلوات ناصة قلوصك قعودا من منهل إلى منهل ؟ ! إن بعين الله مثواك ! وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله تعرضين ، ولو أمرت بدخول الفردوس لاستحييت أن ألقى محمدا هاتكة حجابا جعله الله علي ، فاجعليه سترك ، وقاعة البيت قبرك حتى تلقيه وهو عنك راض
                              وفي رواية بعده ( 163 ) ولو أني حدثتك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله لنهشتني نهش الحية الرقشاء المطرقة والسلام . فقالت عائشة : يا أم سلمة ! ما أقبلني لوعظك ، واعرفني بنصحك ليس الأمر كما تقولين ، ولنعم المطلع مطلعا أصلحت فيه بين فئتين متناجزتين ( * )

                              وروى الطبري ( 164 ) وقال : خرج أصحاب الجمل . . . من مكة وأذن مروان حين فصل من مكة ، ثم جاء حتى وقف عليهما فقال : على أيكما أسلم بالامرة وأؤذن بالصلاة . فقال عبد الله بن الزبير : على أبي عبد الله . وقال محمد بن طلحة : على أبي محمد ، فأرسلت عائشة ( رض ) إلى مروان
                              ( 163 ) هذه الزيادة في رواية العقد الفريد 4 / 316 317 ط . دار الكتاب العربي وفي الفاظه بعض الاختلاف مع رواية ابن طيفور
                              ( * ) " السدة " : الباب " ولا تندحيه " لا تفتحيه وتوسعيه " والعقيري " مصغر : عقر الدار ، واصحر : خرج إلى الصحراء . أي جعل الله عقر دارك لك سكنا فلا تبرحيها " والنهش " العض " والرقشاء " الافعى المنقطة و " المطرقة " من صفات الافعى .
                              وفي المحاسن والمساوئ للبيقهي ط . مكتبة نهضة مصر ( 1 / 481 ) : أن أم سلمة حلفت أن لا تكلم عائشة من أجل مسيرها إلى حرب علي . فدخلت عليها عائشة يوما وكلمتها فقالت ام سلمة : ألم انهك ؟ ألم أقل لك ؟ قالت : إني استغفر الله . كلميني ، فقالت ام سلمة : يا حائط ألم أنهك ؟ ألم أقل لك ؟ فلم تكلمها أم سلمة حتى ماتت .
                              ( 164 ) راجع الطبري 5 / 168 169 ، وط . أوربا 1 / 3106 3107 ، حول النزاع على الصلاة ومكالمة سعيد مع بني أمية الآتية . ( * )
                              - ج 1 ص 184 -
                              فقالت : مالك ؟ أتريد أن تفرق أمرنا ؟ ليصل ابن أختي ، فكان يصلي بهم عبد الله بن الزبير حتى قدم البصرة ، فكان معاذ بن عبيدالله يقول : والله لو ظفرنا لافتتنا . ما خلى الزبير بين طلحة والأمر خلى طلحة بين الزبير والأمر ( 165 ) .
                              ولقي سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه بذات عرق فقال : أين تذهبون وثاركم على أعجاز الإبل ؟ ! أقتلوهم ، ثم ارجعوا إلى منازلكم . لا تقتلوا أنفسكم ، قالوا : بل نسير ، فلعلنا نقتل قتلة عثمان جميعا ، فخلا سعيد بطلحة والزبير ، فقال : إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر أصدقاني ، قالا : لاحدنا أينا اختاره الناس ، قال : بل اجعلوه لولد عثمان فإنكم خرجتم تطلبون بدمه ، قالا : ندع شيوخ المهاجرين ، ونجعلها لأبنائهم ، قال : أفلا أراني أسعى لاخرجها من بني عبد مناف ، فرجع ورجع عبد الله بن خالد بن أسيد ( 166 )
                              فقال المغيرة بن شعبة : من كان ههنا من ثقيف فليرجع . فرجع ومضى القوم معهم أبان بن عثمان ، والوليد بن عثمان ، فاختلفوا في الطريق فقالوا : من ندعو لهذا الأمر ؟ فخلا الزبير بابنه عبد الله ، وخلا طلحة بعلقمة بن وقاص الليثي ، وكان يؤثره على ولده ، فقال أحدهما : إئت الشام ، وقال الآخر : إئت العراق ،
                              ( 165 ) وفي طبقات ابن سعد 5 / 23 بترجمة سعيد ولم يذكر قول سعيد : ان ظفرتما لمن تجعلان الأمر ؟ وسعيد هذا ، هو ابن العاص بن أمية ، وجده المعروف بأبي أحيحة كان من أشراف قريش وأمه أم كلثوم بنت عمرو العامرية ، قتل علي أباه يوم بدر ، وكان سعيد من أشراف قريش وفصحائهم ، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان واستعمله عثمان على الكوفة بعد الوليد ، ولما قتل عثمان اعتز ولم يشهد الجمل وصفين ، وكان معاوية يوليه المدينة إذا عزل عنها مروان ويولي مروان إذا عزله ، توفي سنة تسع وخمسين . أسد الغابة 2 / 309 310 . ( 166 ) عبد الله خالد بن أسيد بن أبي العيص بن امية بن أخي عتاب بن أسيد ، استعمله زياد على بلاد فارس ، واستخلفه على الكوفة زياد حين مات فصلى على زياد وأقره معاوية على الولاية . أسد الغابة 3 / 149 . ( * )
                              - ج 1 ص 185 -
                              وحاور كل منهما صاحبه ، ثم اتفقوا على البصرة . وأخرج في رواية الزهري قبل هذا وقال : فبلغ عليا مسيرهم فأمر على المدينة سهل بن حنيف الانصاري ، فخرج فسار حتى نزل ذاقار ، وكان مسيره إليها ثماني ليال ، ومعه جماعة من أهل المدينة .

                              وروى ابن عبد البر بترجمة طلحة في الاستيعاب ( 167 ) : أن عليا قال في خطبته حين نهوضه إلى الجمل : إن الله عزوجل فرض الجهاد وجعل نصرته وناصره ، وما صلحت دنيا ولا دين إلا به ، وإني بليت بأربعة : أدهى الناس وأسخاهم طلحة ، وأشجع الناس الزبير ، وأطوع الناس في الناس عائشة ، وأسرع الناس إلى فتنة يعلى ابن أمية ( 168 ) والله ما أنكروا علي شيئا منكرا ، ولا استأثرت بمال ولا ملت بهوى ، وإنهم ليطلبون حقا تركوه ، ودما سفكوه ، ولقد ولوه دوني ، وان كنت شريكهم في الإنكار لما أنكروه ، وما تبعة عثمان إلا عندهم ، وإنهم لهم الفئة الباغية ، بايعوني ، ونكثوا بيعتي وما استأنسوا بي حتى يعرفوا جوري من عدلي ، واني لراض بحجة الله عليهم ، وعلمه فيهم ، واني مع هذا لداعيهم ومعذر إليهم
                              ( 167 ) ورواه ابن عبد ربه في ذكره الجمل من العقد الفريد مع اختلاف في بعض ألفاظه ، والاغاني 11 / 119 . ( 168 ) يعلى بن أمية بن أبي عبيدة بن همام التميمي الحنظلي . كنيته أبو صفوان أو أبو خالد وهو المعروف بيعلى بن منية وهي أمة منية بنت غزوان أخت عتبة بن غزوان وقيل ان منية هي بنت الحارث بن جابر عمة عتبة ، وجدة يعلى أم أبيه ، وجدة الزبير بن العوام ام أبيه .
                              أسلم يوم الفتح وشهد حنينا والطائف وتبوك ، واستعمله عمر على بعض اليمن فحمى لنفسه حمى فجلبه عمر فمات قبل أن يصل إليه ، فاستعمله عثمان على صنعاء وكان ذا منزلة عظيمة عند عثمان ولما بلغه قتل عثمان أقبل لينصره فسقط عن بعيره في الطريق فانكسرت فخذه فقدم بعد انقضاء الحج واستشرف إليه الناس فقال : من يخرج يطلب بدم عثمان فعلي جهازه فأعان الزبير بأربعمائة ألف وحمل سبعين من قريش وحمل عائشة على الجمل الذي شهدت القتال عليه ثم شهد الجمل مع عائشة ثم صار من أصحاب علي وقتل معه بصفين . أسد الغابة 5 / 128 129 وترجمته في الاستيعاب والاصابة . ( * )
                              - ج 1 ص 186 -
                              فإن قبلوا فالتوبة مقبولة ، والحق أولى ما أنصرف إليه ، وإن أبوا أعطيتهم حد السيف وكفى به شافيا من باطل وناصرا ، والله إن طلحة الزبير وعائشة ليعلمون أني على الحق وهم مبطلون .

                              تعليق


                              • #30
                                وروى الطبري ( 169 ) أنه لما بلغ طلحة والزبير منزل علي بذي قار انصرفوا إلى البصرة فأخذوا على المنكدر ، فسمعت عائشة ( رض ) نباح الكلاب فقالت : أي ماء هذا ؟ فقالوا : الحوأب . فقالت : إنا لله وإنا إليه راجعون إني لهيه ، قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول وعنده نساؤه : ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب ، فأرادت الرجوع ، فأتاها عبد الله بن الزبير فزعم أنه قال : كذب من قال إن هذا الحوأب ، ولم يزل بها حتى مضت ، فقدموا البصرة .

                                ولما انتهت عائشة وطلحة إلى حفر أبي موسى ( 170 ) قريبا من البصرة أرسل عثمان بن حنيف ( 171 ) وهو يومئذ عامل علي على البصرة إلى القوم أبا الاسود الدؤلي يعلم له علمهم ، فجاء حتى دخل على عائشة ، فسألها عن مسيرها . فقالت : أطلب بدم عثمان . قال : إنه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحد ! قالت : صدقت ولكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة وجئت استنهض أهل البصرة لقتاله ، أنغضب لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من
                                ( 169 ) الطبري 5 / 178 ، وط . أوربا 1 / 3127 ، وراجع تفصيل الحوأب في : " عبد الله بن سبأ " ص 100 103 .
                                ( 170 ) الامامة والسياسية 1 / 57 وابن أبي الحديد 2 / 80 81 .
                                ( 171 ) عثمان بن حنيف بن واهب بن الحكيم الأنصاري الاويسي أبو عمرو أو أبو عبد الله . شهد أحدا وما بعدها . استعمله عمر على مساحة العراق واستعمله علي على البصرة فبقي عليها إلى أن قدمها طلحة والزبير وعائشة وسكن عثمان بعدها الكوفة وكان حيا إلى زمان معاوية . أسد الغابة 3 / 371 . ( * )
                                - ج 1 ص 187 -
                                سيوفكم ؟ فقال لها : ما أنت من السوط والسيف ؟ إنما أنت حبيسة رسول الله صلى الله عليه وآله أمرك أن تقري في بيتك ، وتتلي كتاب ربك ، وليس على النساء قتال ، ولا لهن الطلب بالدماء ، وإن عليا لأولى منك وأمس رحما ، فإنهما ابنا عبد مناف .
                                فقالت : لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت إليه ، أفتظن أبا الاسود ! أن أحدا يقدم على قتالي ؟ قال : أما والله لتقاتلن قتالا أهونه الشديد .
                                ثم قام فأتى الزبير ، فقال : يا أبا عبد الله عهد الناس بك وأنت يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك ، تقول : لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب وأين هذا المقام من ذاك ؟ فذكر له دم عثمان ، قال : أنت وصاحبك وليتماه فيما بلغنا . قال : فانطلق إلى طلحة فاسمع ما يقول فذهب إلى طلحة ، فوجده سادرا في غية مصرا على الحرب والفتنة . . الحديث .

                                وروي عن أبي الاسود قال : بعثني وعمران بن حصين ( 172 ) عثمان بن حنيف إلى عائشة ، فقلنا : يا أم المؤمنين اخبرينا عن مسيرك هذا ، أعهد عهده رسول الله صلى الله عليه وآله ام رأي رأيته ، قالت : بل رأي رأيته حين قتل عثمان إنا نقمنا عليه ضربة السوط ، وموقع المسحاة المحماة ، وامرة سعيد والوليد ، فعدوتم عليه ، فاستحللتم منه الحرم الثلاث حرمة البلد وحرمة الخلافة وحرمة الشهر الحرام ، بعد ان مصناه كما يماص الاناء فاستبقيناه .
                                فركبتم منه هذه ظالمين ، وغضبنا لكم من سوط عثمان ، ولا نغضب لعثمان من سيفكم ؟ قلت : " ما أنت وسيفنا وسوط عثمان وأنت حبيس رسول الله صلى الله عليه وآله ، أمرك أن تقري في بيتك ، فجئت تضربين الناس بعضهم ببعض ! " . قالت : " وهل أحد يقاتلني ، أو يقول غير هذا ؟ ! " . قلت : " نعم " .
                                ( 172 ) عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي الكعبي أسلم عام خيبر وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله بعدها بعثه عمر معلما للبصرة ، ولما ولي ابن عامر استفضاه فأقام قاضيا يسيرا ، ثم استعفى وكان به استسقاء فثقب له سرير ، فبقي عليه ثلاثين سنة ، وتوفي بالبصرة سنة اثنتين وخمسين . أسد الغابة 4 / 137 138 . ( * )
                                - ج 1 ص 188 -
                                قالت : من يفعل ذلك ؟ أزنيم بني عامر ؟ . . الحديث ( 173 ) .

                                وقال ابن قتيبة : لما انتهوا إلى البصرة ، خرج إليهم عثمان بن حنيف عامل علي عليها ، وتقابلوا في المربد ، فخطبت أم المؤمنين وقالت : إن أمير المؤمنين عثمان كان قد غير وبدل ، ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة حتى قتل مظلوما تائبا ، وإنما نقموا عليه ضربة بالسوط ، وتأميره الشبان ، وحمايته موضع الغمامة ، فقتلوه محرما في الشهر الحرام وحرمة البلد ذبحا كما يذبح الجمل ، ألا وإن قريشا رمت غرضها بنبالها ، وأدمت أفواهها بأيديها ، وما نالت بقتلها إياه شيئا ، ولا سلكت به سبيلا قاصدا . أما والله ليرونها بلايا عقيمة ، تنبه النائم وتقيم الجالس ، وليسلطن عليهم قوم لا يرحمونهم يسومونهم سوء العذاب .
                                أيها الناس ! إنه ما بلغ من ذنب عثمان ما يستحل دمه ، مصتموه كما يماص الثوب الرحيض ، ثم عدوتم عليه ، فقتلتموه بعد توبته وخروجه من ذنبه وبايعتم ابن أبي طالب من غير مشورة من الجماعة : ابتزازا وغصبا . ترونني أغضب لكم من سوط عثمان ولسانه ولا أغضب لعثمان من سيوفكم ؟ ألا إن عثمان قتل مظلوما فاطلبوا قتلته ، فإذا ظفرتم بهم فاقتلوهم ، ثم اجعلوا الأمر شورى بين الرهط الذين اختارهم أمير المؤمنين عمر ، ولا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان ( 174 ) .
                                ( 173 ) بلاغات النساء ص 9 ، وراجع العقد الفريد 3 / 98 . والبيان والتبيين للجاحظ ، ط . السندوبي 2 / 209 210 . " المسحاة المحماة " : موضع لسرف كان عثمان قد حماه لخليه وخيل بني أمية وكان عمر قد حماه لخيل المسلمين ، و " الموص " : الغسل اللين والدلك باليد . ( 174 ) الامامة والسياسة 1 / 60 ، وابن أبي الحديد 2 / 499 . والمربد : كان به سوق للابل قديما ، ثم سكنها الناس ، وأصبحت محلة عظيمة يجتمع فيها الادباء ويتبارون فيها . و " الموص " : الغسل اللين والدلك باليد . و " الرحيض " : المغسول . ( * )
                                - ج 1 ص 189 -
                                وفي رواية الزهري ( 175 ) قام طلحة والزبير خطيبين ، فقالا : يا أهل البصرة ! توبة بحوبة ، إنما أردنا أن يستعتب أمير المؤمنين عثمان ، ولم نرد قتله ، فغلب سفهاء الناس الحلماء حتى قتلوه ، فقال الناس لطلحة : يا أبا محمد ! قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا ، فقال الزبير : فهل جاءكم مني كتاب في شأنه ؟ ثم ذكر قتل عثمان ( رض ) وما أتي إليه وأظهر عيب علي ، فقام إليه رجل من عبد القيس ، فقال : أيها الرجل أنصت حتى نتكلم فقال عبد الله بن الزبير : ومالك والكلام .
                                فقال العبدي : يا معشر المهاجرين ! أنتم أول من أجاب رسول الله صلى الله عليه وآله فكان لكم بذلك فضل ، ثم دخل الناس في الإسلام كما دخلتم ، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله بايعتم رجلا منكم ، والله ما استأمرتمونا في شئ من ذلك ، فرضينا واتبعناكم ، فجعل الله عزوجل للمسلمين في إمارته بركة ، ثم مات ( رض ) ، واستخلف عليكم رجلا منكم ، فلم تشاورونا في ذلك ، فرضينا وسلمنا ، فلما توفي الأمير جعل الأمر إلى ستة نفر ، فاخترتم عثمان ، وبايعتموه عن غير مشورة منا ، ثم أنكرتم من ذلك الرجل شيئا فقتلتموه عن غير مشهورة منا ، ثم بايعتم عليا من غير مشورة منا ، فما الذي نقمتم عليه فنقاتله ؟ هل استأثر بفئ أو عمل بغير الحق أو عمل شيئا تنكرونه فنكون معكم عليه وإلا فما هذا ؟ فهموا بقتل ذلك الرجل ، فقام من دونه عشيرته ، فلما كان الغد وثبوا عليه وعلى من كان معه ، فقتلوا سبعين رجلا .

                                وأخرج الطبري ( 176 ) عن نصر بن مزاحم ، قال : وأقبل جارية بن قدامة السعدي ( 177 ) ، فقال : يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان بن عفان أهون من
                                ( 175 ) الطبري 5 / 178 ، وط . أوربا 1 / 3127 3128 .
                                ( 176 ) الطبري 5 / 176 ، وط . أوربا 1 / 3120 3121 .
                                ( 177 ) جارية بن قدامة بن مالك بن زهير التميمي السعدي ، اختلفوا في إدراكه النبي ، شهد حروب علي ، وهو الذي حصر عبد الله بن الحضرمي بالبصرة وحرق عليه الدار بالبصرة لما أرسله معاوية إليها ، أسد الغابة 1 / 263 . ( * )
                                - ج 1 ص 190 -
                                خروجك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح ، إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة ، فهتكت سترك وأبحت حرمتك ، إنه من رأى قتالك فإنه يرى قتلك ، إن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك ، وإن كنت أتيتنا مستكرهة فاستعيني بالناس ، قال : فخرج غلام شاب من بني سعد إلى طلحة والزبير فقال : أما أنت يا زبير ! فحواري رسول الله صلى الله عليه وآله وأما أنت يا طلحة : فوقيت رسول الله صلى الله عليه وآله بيدك وأرى أمكما معكما ، فهل جئتما بنسائكما ؟ قالا : لا ، قال : فما أنا منكما في شئ . واعتزل ، وقال السعدي في ذلك :
                                صنتم حلائلكم وقدتم أمكم * هذا لعمرك قلة الانصاف
                                أمرت بجر ذيولها في بيتها * فهوت تشق البيد بالايجاف
                                غرضا يقاتل دونها أبناؤها * بالنبل والخطي والاسياف
                                هتكت بطلحة والزبير ستورها * هذا المخبر عنهم والكافي

                                وأقبل غلام من جهينة على محمد بن طلحة ، وكان محمد رجلا عابدا ، فقال : أخبرني عن قتلة عثمان فقال : نعم ، دم عثمان ثلاثة أثلاث ثلث على صاحبة الهودج يعني عائشة وثلث على صاحب الجمل الاحمر يعني طلحة وثلث على علي بن أبي طالب ، فضحك الغلام وقال : لا أراني على ضلال ، ولحق بعلي وقال :
                                سألت ابن طلحة عن هالك * بجوف المدينة لم يقبر
                                فقال : ثلاثة رهط هم * أماتوا ابن عفان واستعبر
                                فثلث على تلك في خدرها * وثلث على راكب الاحمر
                                وثلث على ابن أبي طالب * ونحن بدوية قرقر
                                فقلت صدقت على الاولين * وأخطأت في الثالث الازهر

                                وقال الطبري ( 178 ) : فقدموا البصرة وعليها عثمان بن حنيف ، فقال لهم عثمان : ما نقمتم على صاحبكم ؟ فقالوا : لم نره أولى بها منا وقد صنع ما صنع .
                                ( 178 ) الطبري 5 / 178 ، وط . أوربا 1 / 3127 . ( * )
                                - ج 1 ص 191 -
                                قال : فإن الرجل أمرني فأكتب إليه فأعلمه ما جئتم له على أن أصلي بالناس حتى يأتينا كتابه ، فوقفوا عليه ، وكتب فلم يلبث إلا يومين حتى وثبوا عليه فقاتلوه بالزابوقة عند مدينة الرزق فظهروا ، وأخذوا عثمان فأرادوا قتله ، ثم خشوا غضب الأنصار فنالوه في شعره وجسده .

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 05-09-2020, 11:35 AM
                                ردود 5
                                208 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 26-08-2020, 09:02 PM
                                ردود 5
                                291 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 26-08-2020, 10:37 AM
                                ردود 4
                                133 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 06-09-2019, 12:55 PM
                                ردود 7
                                398 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 19-09-2018, 12:35 AM
                                ردود 4
                                1,560 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                يعمل...
                                X