إلى أن قال :
يدلّ على الرحمان من يقتدي به وينقذ من هول الخزايا ويرشد
إمام لهم يهديهم الحق جاهداً معلم صدق إن تطيعوه يسعدوا(2)
وهذا هو عبد الله بن رواحة ينشئ أبياتاً في هذا السياق فيقول فيها :
خلوّا بني الكفار عن سبيله خلّوا فكلّ الخير في رسوله
ياربّ إني مؤمن بقيله أعرف حق الله في قبوله (3)
هذه نماذج مما أنشأه الشعراء المعاصرون لعهد الرسالة في النبي الأكرم ونكتفي بها لدلالتها على ما ذكرنا.
ولو قام باحث بجمع ما قيل من الأشعار والقصائد حول النبي صلى الله عليه وآله وسلم
_________________
(1) السيرة النبوية لابن هشام 2 : 513 .
(2) السيرة النبوية لابن هشام 2: 666.
(3) المصدر نفسه 2: 371.
(9)
الأكرم لاحتاج في تأليفه إلى عشرات المجلدات . فإن مدح النبي كان الشغل الشاغل للمخلصين والمؤمنين منذ أن لبى الرسول دعوة ربّه ، ولا أظن أن أحداً عاش في هذه البسيطة ، ونال من المدح بمقدار ما ناله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من المدح بمختلف الأساليب والنظم .
وهناك شعراء مخلصون أفرغوا فضائل النبي ومناقبه في قصائد رائعة وخالدة ، مستلهمين ما جاء في الذكر الحكيم والسنة المطهرة في هذا المجال ، فشكر الله مساعيهم الحميدة وجهودهم المخلصة .
3ـ تقبيل كلّ ما يمتّ إلى النبيّ بصلة : كباب داره ، وضريحه وأستار قبره ، انطلاقاً من مبدأ الحب الذي عرفت أدلّته . وهذا أمر طبيعي وفطري ، فبما أن الإنسان المؤمن لا يتمكن بعد رحلة النبي (ص) من تقبيل الرسول (ص) 1 فيقبّل ما يتّصل به بنوع من الاتصال ، وهو كما أسلفنا أمر طبيعي في حياة البشر حيث يلثمون ما يرتبط بحبيبهم ويقصدون بذلك نفسه . فهذا هو المجنون العامري كان يقبّل جدار بيت ليلى ويصرّح بأنّه لا يقبّل الجدار ، بل يقصد تقبيل صاحب الدار ، يقول :
أمرّ على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
فما حبّ الديار شغفن قلبي ولكن حبّ من سكن الديارا
________________
(1) دخل أبو بكر حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد رحيله وهو مسجّى ببرد حبرة فكشف عن وجهه ثمّ أكبّ عليه يقبّله ثم بكى فقال : بأبي أنت يانبي الله لا يجمع الله عليك موتتين ، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متّها . ( لاحظ صحيح البخاري 2: 17 كتاب صحيح البخاري 2: 17 كتاب الجنائز ) .
(10)
4ـ إقامة الاحتفالات في مواليدهم ؛ وإلقاء الخطب والقصائد في مدحهم ، وذكر جهودهم ودرجاتهم في الكتاب والسنة ، شريطة أن لا تقترن تلك الاحتفالات بالمنهيّات والمحرّمات .
ومن دعا إلى الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أي قرن من القرون ، فقد انطلق من هذا المبدأ ، أي حب النبي صى الله عليه وآله وسلم الذي أمر به القرآن والسنة بهذا العمل .
هذا هو مؤلف تاريخ الخميس يقول في هذا الصدد : ( لا يزال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده ، ويعملون الولائم ، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ، ويظهرون السرور ، ويزيدون في المبّرات ، ويعتنون بقراءة مولده الشريف ، ويظهر عليهم من كراماته كل فضل عظيم ) . (1)
وقال أبو شامة المقدسي في كتابه : ( ومن حسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل في اليوم الموافق ليوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات والمعروف بإظهار الزينة والسرور ، فإن في ذلك مع ما فيه من الإحسان للفقراء شعاراً لمحبته ) . (2)
أنا لا أوافق الشيخ المقدسي في تسميته للاحتفال بالبدعة إلا أن يريد البدعة بالمعنى اللغوي ، كما أن الاحتجاج على حسن الاحتفال بالأعمال الجانبية من صدقات ومعروف وإظهار الزينة… فإن هذه الأمور الجانبية لا تسوغ الاحتفال ، ولا تصفي عليه صبغة شرعية ما لم يكن هناك دليل في الكتاب والسنة ، وقد عرفت وجوده .
____________________
(1) الديار بكري ، تاريخ الخميس 1: 323.
(2) الحلبي ، السيرة 1 : 83 ـ 84 .
(11)
وقال القسطلاني : ( ولا زال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده عليه السلام ، ويعملون الولائم ، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويظهرون السرور ، ويزيدون في المبّرات ، ويعتنون بقراءة مولده الكريم ، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عظيم … فرحم الله امرائاً اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعياداً ، ليكون أشد علّة على من في قلبه مرض و أعيا داء ) (1) . 1ـ أخرج مسلم في صحيحه عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وآله سئل عن صوم يوم الاثنين فقال : ( ذاك يوم ولدت فيه ، وفيه أنزل عليّ ) . (2)
_____________________
(1) المواهب اللدنية 1: 148.
(2) مسلم 2: 819.
(12)
يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ عند الكلام في استحباب صيام الأيام التي تتجدد فيها نعم الله علي عباده ـ ما هذا لفظه : ( إن من أعظم نعم الله على هذه الأمة إظهار محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعثه وإرساله إليهم ، كما قال الله تعالى : ( لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم ) فصيام يوم تجددت فيه هذه النعمة من الله سبحانه على عباده المؤمنين حسن جميل ، وهو من باب مقابلة النعم في أوقات تجددها بالشكر ) (1) .
2ـ روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس عليه السلام قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فسألوا عن ذلك ؟ فقالوا : هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون ونحن نصومه تعظيماً له ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( نحن أولى بموسى منكم فأمر بصومه ) (2) .
وقد استدل ابن حجر العسقلاني بهذا الحديث على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي على ما نقله الحافظ السيوطي ، فقال : ( فيستفاد فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة ، أو دفع نقمة ويعاد ذلك ، نظر ذلك اليوم من كل سنة ، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة ، كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة ، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم ) (3) .
3ـ وللسيوطي أيضاً كلام آخر نأتي بنصه ، يقول : ( وقد ظهر لي
_________________
(1) ابن رجب الحنبلي ، لطائف المعارف : 98 .
(2) مسلم ، الصحيح : 1130 ـ وأخرجه البخاري 7: 215 .
(3) السيوطي ، الحاوي للفتاوي 1: 196.
يدلّ على الرحمان من يقتدي به وينقذ من هول الخزايا ويرشد
إمام لهم يهديهم الحق جاهداً معلم صدق إن تطيعوه يسعدوا(2)
وهذا هو عبد الله بن رواحة ينشئ أبياتاً في هذا السياق فيقول فيها :
خلوّا بني الكفار عن سبيله خلّوا فكلّ الخير في رسوله
ياربّ إني مؤمن بقيله أعرف حق الله في قبوله (3)
هذه نماذج مما أنشأه الشعراء المعاصرون لعهد الرسالة في النبي الأكرم ونكتفي بها لدلالتها على ما ذكرنا.
ولو قام باحث بجمع ما قيل من الأشعار والقصائد حول النبي صلى الله عليه وآله وسلم
_________________
(1) السيرة النبوية لابن هشام 2 : 513 .
(2) السيرة النبوية لابن هشام 2: 666.
(3) المصدر نفسه 2: 371.
(9)
الأكرم لاحتاج في تأليفه إلى عشرات المجلدات . فإن مدح النبي كان الشغل الشاغل للمخلصين والمؤمنين منذ أن لبى الرسول دعوة ربّه ، ولا أظن أن أحداً عاش في هذه البسيطة ، ونال من المدح بمقدار ما ناله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من المدح بمختلف الأساليب والنظم .
وهناك شعراء مخلصون أفرغوا فضائل النبي ومناقبه في قصائد رائعة وخالدة ، مستلهمين ما جاء في الذكر الحكيم والسنة المطهرة في هذا المجال ، فشكر الله مساعيهم الحميدة وجهودهم المخلصة .
3ـ تقبيل كلّ ما يمتّ إلى النبيّ بصلة : كباب داره ، وضريحه وأستار قبره ، انطلاقاً من مبدأ الحب الذي عرفت أدلّته . وهذا أمر طبيعي وفطري ، فبما أن الإنسان المؤمن لا يتمكن بعد رحلة النبي (ص) من تقبيل الرسول (ص) 1 فيقبّل ما يتّصل به بنوع من الاتصال ، وهو كما أسلفنا أمر طبيعي في حياة البشر حيث يلثمون ما يرتبط بحبيبهم ويقصدون بذلك نفسه . فهذا هو المجنون العامري كان يقبّل جدار بيت ليلى ويصرّح بأنّه لا يقبّل الجدار ، بل يقصد تقبيل صاحب الدار ، يقول :
أمرّ على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
فما حبّ الديار شغفن قلبي ولكن حبّ من سكن الديارا
________________
(1) دخل أبو بكر حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد رحيله وهو مسجّى ببرد حبرة فكشف عن وجهه ثمّ أكبّ عليه يقبّله ثم بكى فقال : بأبي أنت يانبي الله لا يجمع الله عليك موتتين ، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متّها . ( لاحظ صحيح البخاري 2: 17 كتاب صحيح البخاري 2: 17 كتاب الجنائز ) .
(10)
4ـ إقامة الاحتفالات في مواليدهم ؛ وإلقاء الخطب والقصائد في مدحهم ، وذكر جهودهم ودرجاتهم في الكتاب والسنة ، شريطة أن لا تقترن تلك الاحتفالات بالمنهيّات والمحرّمات .
ومن دعا إلى الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أي قرن من القرون ، فقد انطلق من هذا المبدأ ، أي حب النبي صى الله عليه وآله وسلم الذي أمر به القرآن والسنة بهذا العمل .
هذا هو مؤلف تاريخ الخميس يقول في هذا الصدد : ( لا يزال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده ، ويعملون الولائم ، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ، ويظهرون السرور ، ويزيدون في المبّرات ، ويعتنون بقراءة مولده الشريف ، ويظهر عليهم من كراماته كل فضل عظيم ) . (1)
وقال أبو شامة المقدسي في كتابه : ( ومن حسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل في اليوم الموافق ليوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات والمعروف بإظهار الزينة والسرور ، فإن في ذلك مع ما فيه من الإحسان للفقراء شعاراً لمحبته ) . (2)
أنا لا أوافق الشيخ المقدسي في تسميته للاحتفال بالبدعة إلا أن يريد البدعة بالمعنى اللغوي ، كما أن الاحتجاج على حسن الاحتفال بالأعمال الجانبية من صدقات ومعروف وإظهار الزينة… فإن هذه الأمور الجانبية لا تسوغ الاحتفال ، ولا تصفي عليه صبغة شرعية ما لم يكن هناك دليل في الكتاب والسنة ، وقد عرفت وجوده .
____________________
(1) الديار بكري ، تاريخ الخميس 1: 323.
(2) الحلبي ، السيرة 1 : 83 ـ 84 .
(11)
وقال القسطلاني : ( ولا زال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده عليه السلام ، ويعملون الولائم ، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويظهرون السرور ، ويزيدون في المبّرات ، ويعتنون بقراءة مولده الكريم ، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عظيم … فرحم الله امرائاً اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعياداً ، ليكون أشد علّة على من في قلبه مرض و أعيا داء ) (1) . 1ـ أخرج مسلم في صحيحه عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وآله سئل عن صوم يوم الاثنين فقال : ( ذاك يوم ولدت فيه ، وفيه أنزل عليّ ) . (2)
_____________________
(1) المواهب اللدنية 1: 148.
(2) مسلم 2: 819.
(12)
يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ عند الكلام في استحباب صيام الأيام التي تتجدد فيها نعم الله علي عباده ـ ما هذا لفظه : ( إن من أعظم نعم الله على هذه الأمة إظهار محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعثه وإرساله إليهم ، كما قال الله تعالى : ( لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم ) فصيام يوم تجددت فيه هذه النعمة من الله سبحانه على عباده المؤمنين حسن جميل ، وهو من باب مقابلة النعم في أوقات تجددها بالشكر ) (1) .
2ـ روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس عليه السلام قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فسألوا عن ذلك ؟ فقالوا : هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون ونحن نصومه تعظيماً له ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( نحن أولى بموسى منكم فأمر بصومه ) (2) .
وقد استدل ابن حجر العسقلاني بهذا الحديث على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي على ما نقله الحافظ السيوطي ، فقال : ( فيستفاد فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة ، أو دفع نقمة ويعاد ذلك ، نظر ذلك اليوم من كل سنة ، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة ، كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة ، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم ) (3) .
3ـ وللسيوطي أيضاً كلام آخر نأتي بنصه ، يقول : ( وقد ظهر لي
_________________
(1) ابن رجب الحنبلي ، لطائف المعارف : 98 .
(2) مسلم ، الصحيح : 1130 ـ وأخرجه البخاري 7: 215 .
(3) السيوطي ، الحاوي للفتاوي 1: 196.