عظم الله أجورنا و أجوركم بذكرى شهادة السبط الأول وجعلنا الله وإياكم من الطالبين بثأره مع الحجة المنتقم عج
كريم أهل البيت (ع)
السلام عليك يابن رسول رب العالمين، السلام عليك يابن أمير المؤمنين، السلام عليك يابن فاطمة الزهراء، السلام عليك يا حجة الله، السلام عليك يا نور الله، السلام عليك يا صراط الله، السلام عليك أيها السيد الزكي، السلام عليك أيها العالم بالتأويل، السلام عليك أيها الشهيد الصِدِّيق، السلام عليك يا أبا محمد الحسن بن علي، ورحمة الله وبركاته.
نسبه الشريف
هو الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وأمّه سيدة نساء العالمين مولاتنا فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
مولده
وُلِدَ سلام الله عليه في يوم الخامس عشر (وقيل ليلة الخامس عشر) من شهر رمضان المبارك عام ثلاثة من الهجرة، في المدينة المنورة. وهو أول أولاد مولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها.
كريم أهل البيت (ع)
السلام عليك يابن رسول رب العالمين، السلام عليك يابن أمير المؤمنين، السلام عليك يابن فاطمة الزهراء، السلام عليك يا حجة الله، السلام عليك يا نور الله، السلام عليك يا صراط الله، السلام عليك أيها السيد الزكي، السلام عليك أيها العالم بالتأويل، السلام عليك أيها الشهيد الصِدِّيق، السلام عليك يا أبا محمد الحسن بن علي، ورحمة الله وبركاته.
نسبه الشريف
هو الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وأمّه سيدة نساء العالمين مولاتنا فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
مولده
وُلِدَ سلام الله عليه في يوم الخامس عشر (وقيل ليلة الخامس عشر) من شهر رمضان المبارك عام ثلاثة من الهجرة، في المدينة المنورة. وهو أول أولاد مولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها.
روى ابن بابويه بأسانيد معتبرة عن الإمام زين العابدين سلام الله عليه أنّه قال: «لما ولدت فاطمة الحسن سلام الله عليهما قالت لعلي سلام الله عليه سمّه، فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله فأخرج إليه في خرقة صفراء، فقال: «ألم أنهكم أن تلفوه في خرقة صفراء»، ثم رمى بها وأخذ خرقة بيضاء فلفّه فيها، ثم قال لعلي: هل سمّيته؟ فقال: ما كنت لأسبقك باسمه، فقال صلّى الله عليه وآله: وما كنت لأسبق باسمه ربي عز وجل، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى جبرئيل أنّه قد ولد لمحمد إبن فاهبط فاقرأه السلام وهنئه وقل له: إن علياً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمّه باسم ابن هارون، فهبط جبرئيل سلام الله عليه فهنّاه من الله عز وجل، ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تسميه باسم هارون، قال: وما كان اسمه؟ قال: شبّر، قال: لساني عربي، قال: سمّه الحسن، فسمّاه الحسن».
كنيته الشريفة: أبو محمد.
ألقابه الشريفة: الزكي، السيد، المجتبى، الزكي، الأمين، الحجة، البرّ، النقيّ، الزاهد، والسبط ومعناه ابن البنت أو الحفيد مطلقاً.
مدة إمامته: عشر سنوات
النص على إمامته
إن الحسن سلام الله عليه هو الإمام والخليفة الشرعي على الأمة بعد وفاة أبيه أمير المؤمنين سلام الله عليه، الذي أوصى إليه ونصّ عليه بالإمامة، إضافة إلى نصوص جدّه الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله على إمامته وإمامة أخيه الحسين سلام الله عليه والتي أشهرها قوله صلّى الله عليه وآله:«ابني هذان إمامان، قاما أو قعدا».
وجاء عن سليم بن قيس قال:«شهدت أمير المؤمنين حين أوصى إلى إبنه الحسن وأشهد على وصيّته الحسين ومحمداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح، وقال له: يا بُنيَّ أمرني رسول الله أن أوصي إليك وأدفع إليك كتبي وسلاحي، كما أوصى إليّ ودفع إليّ كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين، ثم أقبل على ابنه الحسين، فقال: وأمرك رسول الله صلّى الله عليه وآله أن تدفعها إلى إبنك هذا، ثم أخذ بيد علي بن الحسين وقال: وأمرك رسول الله صلّى الله عليه وآله أن تدفعها إلى إبنك محمد بن علي، فاقرأه من رسول الله ومنّي السلام».
وقال الإمام الباقر سلام الله عليه:«إن أمير المؤمنين لما حضره الوفاة قال لابنه الحسن: أدن منّي حتى أسرَّ إليك ما أسرّ إليَّ رسول الله وَأَئْتَمِنَكَ على ما أئتمنني عليه، ففعل».
نشأته
نشأ سلام الله عليه في كنف جده الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله، وأحضان أبيه أمير المؤمنين وأمّه فاطمة الزهراء سلام الله عليهما، حتى إذا بلغ أشدّه كان صورة رائعة عن الإنسان الكامل، ونموذجاً مثالياً للمسلم القرآني، وقدوةً صالحة للأمة. وكان النبي صلّى الله عليه وآله يحبّه حباً شديداً.
فقد روى الأربلي في كشف الغمة فقال:رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله واضعاً الحسن على عاتقه وقال: «من أحبّني فليحبّه».
وروي عن أبي هريرة قال:«ما رأيت الحسن قط إلا فاضت عيناي دموعاً، وذلك أنه أتى يوماً يشتدّ حتى قعد في حجر النبي صلّى الله عليه وآله، ورسول الله يفتح فمه ثم يدخل فمه في فمه ويقول: «اللهم إنّي أحبه وأحبّ من يحبّه» يقولها ثلاث مرات.
وقال صلّى الله عليه وآله فيه وفي أخيه الحسين سلام الله عليهما:«أبناي هذان إمامان قاما أو قعدا». «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة». «إنهما ريحانتاي من الدنيا».
من فضائله ومكارم أخلاقه سلام الله عليه
كان سلام الله عليه، عابداً، سخيّاً، كريماً، حليماً، عطوفاً، من أفضل الناس خلقاً وخُلقاً. كان كثير الصلاة والصيام والحج والصدقات حتى عُرف ببحر الجود، وبكريم أهل البيت سلام الله عليهم، وكان مرجعاً للفقهاء والعلماء في عصره يرجعون إليه لمعرفة الأحكام والسنن، وذلك كله من دلائل إمامته وموجبات خلافته بعد أبيه سلام الله عليهما.
وروى الصدوق عن الإمام الصادق سلام الله عليه أنّه قال:«حدثني أبي عن أبيه سلام الله عليهما، أن الحسن بن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجّ حج ماشياً وربما مشى حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممرّ على الصراط بكى، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها.
وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عز وجل، وكان إذا ذكر الجنة والنار إضطرب إضطراب السليم، ويسأل الله الجنة ويعوذ به من النار، وكان سلام الله عليه لا يقرأ من كتاب الله (يا أيها الذين آمنوا) إلا قال: (لبيك اللهم لبيك)، ولم يُر في شيء من أحواله إلا ذاكراً لله سبحانه، وكان أصدق الناس لهجة، وأفصحهم منطقاً».
وعن حذيفة بن اليمان قال:«بينا رسول الله صلى الله عليه وآله في جبل أظنّه حرى أو غيره ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي سلام الله عليه وجماعة من المهاجرين والأنصار وأَنَس حاضر لهذا الحديث، وحذيفة يحدِّث به إذ أقبل الحسن بن علي سلام الله عليهما يمشي على هدوء ووقار فنظر إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال: إن جبرئيل يهديه وميكائيل يسدِّده، وهو ولدي والطاهر من نفسي وضلع من أضلاعي، هذا سبطي وقرَّه عيني بأبي هو.فقام رسول الله صلّى الله عليه وآله وقمنا معه، وهو يقول له: أنت تفّاحتي، وأنت حبيبي، ومهجة قلبي، وأخذ بيده فمشى معه ونحن نمشي حتى جلس وجلسنا حوله ننظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو لا يرفع بصره عنه، ثم قال:أما إنه سيكون بعدي هادياً مهديّاً، هذا هدية من رب العالمين لي، ينبئ عنّي، ويعرِّف الناس آثاري ويحيي سنّتي ويتولى أموري في فعله، ينظر الله إليه فيرحمه، رحم الله من عرف له ذلك، وبرّني فيه وأكرمني فيه».
وفي المناقب قال: قال واصل بن عطا: كان الحسن بن علي سلام الله عليهما عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك. وقيل له سلام الله عليه: إن فيك عظمة! قال سلام الله عليه: بل فيَّ عزة، قال الله تعالى: «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين».
وكان سلام الله عليه إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه وقال:«إلهي ضيفك ببابك، يا محسن قد أتاك المسئ، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم».
وقال الإمام الصادق سلام الله عليه:إن الحسن بن علي سلام الله عليهما حجّ خمساً وعشرين حجة ماشياً، وقاسَمَ الله تعالى (ماله) مرتين، وفي خبر قاسَمَ ربه ثلاث مرات».
ومن حلمه سلام الله عليه ما روي عن الكامل للمبرد وغيره: «أن شاميّاً رآه راكباً فجعل يلعنه والحسن سلام الله عليه لا يردّ، فلما فرغ أقبل الحسن سلام الله عليه فسلّم عليه وضحك فقال:«أيها الشيخ أظنّك غريباً ولعلّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا احملناك، وان كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت إرتحالك كان أعود عليك لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً وما لا كثيراً».
فلما سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت أحبّ خلق الله اليّ، وحوّل رحله إليه وكان ضيفه إلى أن ارتحل وصار معتقداً لمحبتهم).
وروى الشيخ رضي الدين علي بن يوسف بن مطهر الحلّي أنه: (وقف رجل على الحسن بن علي سلام الله عليهما ، فقال: يا ابن أمير المؤمنين بالذي أنعم عليك بهذه النعمة التي ما تليها منه بشفيع منك إليه، بل إنعاماً منه عليك، إلا ما أنصفتني من خصمي فأنه غشوم ظلوم، لا يوقّر الشيخ الكبير ولا يرحم الطفل الصغير.وكان سلام الله عليه متكئاً فاستوى جالساً وقال له: من خصمك حتى أنتصف لك منه؟ فقال له: الفقر، فأطرق سلام الله عليه رأسه ساعة ثم رفع رأسه إلى خادمه وقال له: أحضر ما عندك من موجود، فأحضر خمسة آلاف درهم، فقال: أدفعها إليه، ثم قال له: بحق هذه الأقسام التي أقسمت بها عليّ متى أتاك خصمك جائراً إلا ما أتيتني منه متظلّماً».
وروى ابن شهر آشوب في المناقب عن محمد بن اسحاق قال

وروى ابن شهر آشوب أيضاً أشعاراً عن الإمام الحسن سلام الله عليه منها:
قل للمقيم بغيـر دار اقامة حان الرحيل فودع الأحبابا
ان الذين لقيتهم وصحبتهم صاروا جميعاً في القبور ترابا
وجاء في المناقب أيضاً:
وطاف الحسن سلام الله عليه بالبيت فسمع رجلاً يقول: هذا ابن فاطمة الزهراء، فالتفت سلام الله عليه إليه فقال: قل ابن علي بن أبي طالب، فأبي خير مني.
من كلماته سلام الله عليه
«نحن الآخرون، ونحن الأولون، ونحن النور، بنور الروحانيين، ننوّرُ بنور الله، ونروح بروحه، فينا مسكنُه، وإلينا معدِنُه، الآخرُ منّا كالأول، والأول منّا كالآخر».
«ما يعلم المخزون المكنون المجزوم المكتوم، الذي لم يطّلع عليه ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، غيرُ محمد وذريته».
«والله لا يحبنا عبد أبداً، ولو كان أسيراً في الديلم، إلا نفعه حبُّنا، وإن حبَّنا ليُساقط الذنوب من بني آدم، كما يساقِطُ الريحُ الورق من الشجر».
«يا ابن آدم: عِفَّ عن محارم الله تكن عابداً، وارض بما قسم الله تكن غنيّاً، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً، وصاحب الناس بمثل ما تحبُّ أن يصاحبوك به تكن عادلاً، إنه كان بين يديكم أقوام يجمعون كثيراً، ويبنون مشيداً، ويأملون بعيداً، أصبح جمعُهُم بوراً، وعملهم غروراً، ومساكنهم قبوراً. يا ابن آدم: لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمِّك، فخذ مما في يديك لما بين يديك، فإن المؤمن يتزود والكافر يتمتع».
قيل للإمام الحسن سلام الله عليه : مَنْ أعظمُ الناس قدراً؟
فقال: «مَن لم يُبالِ بالدنيا في يَدَي مَن كانت».
«أعرف الناس بحقوق إخوانه، وأشدُّهم قضاءً لها، أعظمُهُم عند الله شأن».
«ومَن تواضع في الدنيا لإخوانه، فهو عند الله من الصِّدِّقين، ومن شيعة علي بن أبي طالب سلام الله عليه».
«عجبتُ لمن يفكر في مأكوله، كيف لا يفكر في معقوله، فيجنِّب بطنه ما يؤذيه، ويودعُ صدره ما يرديه؟»
وسُئل عن الصمت؟ فقال سلام الله عليه:
«هو سترُ العيِّ، وزينُ العرضِ، وفاعله في راحه، وجليسُه في أمنٍ».
قال رجل للحسن سلام الله عليه: مَن شرُ الناس؟ فقال:«مَن يرى أنّه خيرُهم».
«أسمعُ الأسماع ما وعى التذكير وانتفع به».
«أشدُّ من المصيبة سوء الخُلق».
«أوصيكم بتقوى الله، وإدامة التفكر، فإن التفكر أبو كل خيرٍ وأُمُّه».
«رأسُ العقل: معاشرة الناسِ بالجميل».
«المصائبُ مفاتيح الأجر».
«ما تشاور قوم إلاّ هُدوا إلى رشدهم».
«لا حياة لمن لا دين له».
«مَن نافسَك في دينك فنافِسْه، ومن نافسك في دنياك فألقِها في نحره».
في تفسير قوله تعالى: «آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة» قال:«هي العلمُ والعبادة في الدنيا، والجنةُ في الآخرة».
«البُخل جامع للمساوئ، والعيوب، وقاطع للمودات من القلوب».
«حسنُ السؤال نصف العلم، ومداراة الناس نصف العقل، والقصد في المعيشة نصف المؤنة».
في صلح الإمام الحسن سلام الله عليه
اختلف المؤرخون اختلافاً كثيراً فيمن بادر لطلب الصلح فابن خلدون وجماعة من المؤرخين ذهبوا إلى (ان المبادر لذلك هو الإمام الحسن سلام الله عليه بعد ما آل أمره إلى الانحلال، وذهب فريق آخر إلى (أن معاوية هو الذي بادر لطلب الصلح بعد ما بعث إليه برسائل أصحابه المتضمنة للغدر والفتك به متى شاء معاوية أو أراد)، وذكر السبط ابن الجوزي (ان معاوية قد راسل الإمام سراً يدعوه إلى الصلح فلم يجبه، ثم أجابه بعد ذلك)، وأكبر الظن أن معاوية هو الذي استعجل الصلح وبادر إليه وذلك خوفاً من العراقيين أن ترجع إليهم أحلامهم، ويثوب إليهم رشدهم وذلك لما عرفوا به من سرعة الانقلاب وعدم الاستقامة على رأي، ومما يدل على أن معاوية هو الذي ابتدأ في طلب الصلح، خطاب الإمام الحسن الذي ألقاه في المدائن فقد جاء فيه «ألا وإن معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز ولا نصفة».
ومهما يكن من شيء فان تحقيق ذلك ليس بذي أهمية، لأن الإمام إن كان هو الذي استعجل الصلح فلا ضير عليه نظراً للمحن الشاقة التي أحاطت به حتى ألجأته إلى المسالمة، وإن كان معاوية هو الذي استعجل الصلح فلا ضير على الإمام سلام الله عليه أيضاً لما أوضحناه في أسباب الصلح، والمهم البحث عن الشروط التي اشترطها الإمام على خصمه.
فقد اختلف التاريخ فيها اختلافاً كثيراً، واضطربت كلمات المؤرخين في ذلك، وفيما يلي بعض تلك الأقوال.
1. ذكر بعض المؤرخين ان الإمام أرسل سفيرين إلى معاوية، هما عمرو بن سلمة الهمداني، ومحمد بن الأشعث الكندي ليستوثقا من معاوية ويعلما ما عنده. فأعطاهما معاوية كتاباً كان نصه:
«بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب للحسن بن علي من معاوية بن أبي سفيان، إني صالحتك على أن لك الأمر من بعدي، ولك عهد الله وميثاقه وذمته، وذمة رسوله محمد (ص)، وأشد ما أخذه الله على أحد من خلقه من عهد وعقد، لا أبغيك غائلة ولا مكروهاً، وعلى أن أعطيك في كل سنة ألف ألف درهم من بيت المال، وعلى أن لك خراج بَسَا ودار ابجرد، تبعث إليهما عمالك، وتصنع بهما ما بدا لك». شهد بها عبد الله بن عامر، وعمرو بن سلمة الكندي، وعبدالرحمن بن سمرة، ومحمد بن الأشعث الكندي، كتب في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين هجرية.
وتنص هذه الوثيقة على إعطاء معاوية للإمام الحسن سلام الله عليه ثلاثة أشياء:
1. جعله ولي عهده.
2. للإمام من بيت المال راتب سنوي ألف ألف درهم.
3. منحه كورتين من كور فارس يرسل إليهما عماله، ويصنع بهما ما شاء واحتفظ الإمام برسالة معاوية، فأرسل إليه رجلاً من بني عبدالمطلب وهو عبدالله بن الحارث بن نوفل وأمّه أخت معاوية فقال له: إئت خالك وقل له إن أمنت الناس بايعتك.
ولما انتهى عبدالله إلى معاوية عرض عليه مهمة الإمام وهي طلب الأمن العام لعموم الناس، فاستجاب له وأعطاه طوماراً وختم في أسفله وقال له: فليكتب الحسن فيه ما شاء، فجاء عبدالله بن الحارث بهذا التفويض المطلق إلى الإمام، فكتب سلام الله عليه ما رامه من الشروط.
2. روى كل من الطبري وابن الأثير صورة أخرى وخلاصتها ان الإمام راسل معاوية في الصلح واشترط عليه أموراً فان التزم بها ونفذها أجرى معه الصلح وإلا فلا يبرمه، فلما وصلت رسالة الإمام سلام الله عليه إلى معاوية أمسكها واحتفظ بها، وكان معاوية قبل ورود هذه الرسالة عليه قد بعث للإمام صحيفة بيضاء مختوماً في أسفلها، وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة ما شئت وقد وصلت هذه الصحيفة إلى الإمام بعدما بعث إلى معاوية الوثيقة التي سجل فيها ما أراده، وسجل الإمام في تلك الصحيفة البيضاء أضعاف الشروط التي اشترطها أولاً ثم أمسكها، فلما سلم له الأمر طلب منه الوفاء بالشروط التي اشترطها أخيراً، فلم يفِ له بها وقال له: «لك ما كنت كتبت إليَّ أولاً تسألني أن أعطيكه فاني قد أعطيتك حين جاءني كتابك، فقال له الحسن سلام الله عليه: وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك وأعطيتني العهد على الوفاء بما فيه، فاختلفا في ذلك، فلم ينفذ للحسن من الشروط شيئ».
وهذه الرواية لم تذكر لنا الشروط التي اشترطها الإمام «أول» ولا ما سجله. «ثاني» في الصحيفة البيضاء التي بعث بها معاوية إليه إلا أن أبا الفداء في تاريخه نص على الشروط الأولى التي اشترطها الإمام فقال: «وكتب الحسن إلى معاوية واشترط عليه شروطاً وقال: إن أجبت إليها فأنا سامع مطيع، فأجاب معاوية إليها، وكان الذي طلبه الحسن أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة، وخراج دار ابجرد من فارس، وأن لا يسب علياً فلم يجبه إلى الكف عن سبّ علي فطلب الحسن أن لا يشتم علياً وهو يسمع فأجابه إلى ذلك، ثم لم يفِ له به».
وعندي ان ما ذكره ابن الأثير والطبري بعيد عن الصحة كل البعد وذلك لأن الشروط التي اشترطها الإمام أخيراً إن كانت ذات أهمية بالغة فلماذا أهملها ولم ينص عليها في بداية الأمر؟ ولو أغمضنا النظر عن ذلك فأي فائدة في تسجيلها مع عدم اطلاع معاوية عليها وإقراره لها، مضافاً لذلك ان معاوية في تلك المرحلة لو سأله الإمام أي شيء لأجابه إليه.
3. وروى ابن عبد البر: «ان الإمام كتب إلى معاوية يخبره أنه يصيّر الأمر إليه على أن يشترط عليه أن لا يطلب أحداً من أهل المدينة والحجاز ولا أهل العراق بشيء كان في أيام أبيه، فأجابه معاوية وكاد يطير فرحاً إلا أنه قال: أما عشرة أنفس فلا أؤمنهم، فراجعه الحسن فيهم فكتب إليه يقول: إني قد آليت متى ظفرت بقيس بن سعد أن أقطع لسانه ويده، فراجعه الحسن إني لا أبايعك أبداً وأنت تطلب قيساً أو غيره بتبعة، قلت: أو كثرت! فبعث إليه معاوية حينئذ بِرِقٍ أبيض وقال: اكتب ما شئت فيه وأنا ألتزمه، فاصطلحا على ذلك، واشترط عليه الحسن أن يكون له الأمر من بعده، فالتزم ذلك كله معاوية».
وقد احتوت هذه الرواية على أن أهم ما طلبه الإمام الأمن العام لعموم أصحابه وأصحاب أبيه، ولا شك أن هذا الشرط من أوليات الشروط وأهمها عند الإمام أما أن الصلح جرى بهذا اللون فأنا أشك في ذلك.
4. وذكر جماعة من المؤرخين ان الإمام ومعاوية اصطلحا وارتضيا بما احتوته الوثيقة الآتية وقد وقّع عليها كل منهما وهذا نصها:
نص الصلح
بسـم الله الرحمن الرحيم «هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب، معاوية بن أبي سفيان، صالحه على أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله، وسنّة رسوله، وسيرة الخلفاء الصالحين، وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين، وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه، وما أخذ الله على أحد من خلقه بالوفاء وبما أعطى الله من نفسه، وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي، ولا لأخيه الحسين، ولا لأحد من أهل بيت رسول الله (ص) غائلة سراً ولا جهراً ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق، شهد عليه فلان ابن فلان بذلك وكفى بالله شهيداً».
وهذه الصورة أفضل صورة وردت مبينة لكيفية الصلح فقد احتوت على أمور مهمة يعود صالح الأكثر منها إلى عموم المسلمين إلا أنا نشك في ان ما احتوت عليه هذه الوثيقة هو مجموع ما طلبه الإمام وأراده، ونذكر فيما يلي مجموع الشروط التي ذكرها رواة الأثر وإن كان كل واحد منهم لم يذكرها بأسرها إلا أن بعضهم نص على طائفة منها، والبعض الآخر ذكر طائفة أخرى، وقد اعترف الفريقان ان ما ذكره كل واحد من الشروط ليس جميع ما اشترطه الإمام وإنما هي جزء من كل، وها هي:
بنود الصلح
1. تسليم الأمر إلى معاوية على أن يعمل بكتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسيرة الخلفاء الصالحين.
2. ليس لمعاوية أن يعهد بالأمر إلى أحد من بعده والأمر بعده للحسن فإن حدث به حدث فالأمر للحسين.
3. الأمن العام لعموم الناس الأسود والأحمر منهم سواء فيه، وأن يحتمل عنهم معاوية ما يكون من هفواتهم، وأن لا يتبع أحداً بما مضى، وأن لا يأخذ أهل العراق بإحنة.
4. أن لا يسميه أمير المؤمنين.
5. أن لا يقيم عنده الشهادة.
6. أن يترك سبّ أمير المؤمنين وأن لا يذكره إلا بخير.
7. أن يوصل إلى كل ذي حق حقه.
8. الأمن لشيعة أمير المؤمنين وعدم التعرض لهم بمكروه.
9. يفرق في أولاد من قتل مع أبيه في يوم الجمل وصفين ألف ألف درهم، ويجعل ذلك من خراج دار ابجرد.
10. أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة ويقضي عنه ديونه ويدفع إليه في كل عام مائة ألف.
11. أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأهل بيت رسول الله (ص) غائلة سراً ولا جهراً ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق.
هذه بنود الصلح ومواده التي ذكرها رواة الأثر اما أن الإمام قد اشترطها كلها أو بعضها فسوف نذكر ذلك عند دراسة الشروط وتحليلها وقبل أن نلقي الستار على هذا الفصل لا بد لنا من التعرض إلى أن الصلح في أي زمان نفذ؟
عام الصلح
وكما اختلف المؤرخون في المكان الذي وقع فيه الصلح فقد اختلفوا في الزمان أيضاً، فقد قيل: إنه كان سنة 41 هجرية في ربيع الأول، وقيل: في ربيع الآخر، وقيل: في جمادى الأولى، وعلى الأول تكون خلافته خمسة أشهر ونصف، وعلى الثاني فستة أشهر وأيام، وعلى الثالث فسبعة أشهر وأيام، وقيل: وقع الصلح سنة أربعين من الهجرة في ربيع الأول، وقيل غير ذلك، والأصح ان مدة خلافته كانت ستة أشهر حسب ما ذكره أكثر المؤرخين.
وعلى أي حال فقد اصطلح بعض المؤرخين على تسمية ذلك العام ـ الخالد في دنيا الأحزان ـ .... بعام الجماعة، نظراً لاجتماع كلمة المسلمين بعد الفرقة، ووحدتهم بعد الاختلاف، ولكن الحق ان هذه التسمية من باب تسمية الضد باسم ضده لأن المسلمين منذ ذلك العام قد وقعوا في شر عظيم، وانصبت عليهم الفتن كقطع الليل المظلم، حتى تغيرت معالم الدين، وتبدلت سنن الإسلام، وآلت الخلافة الإسلامية إلى المصير المؤلم تنتقل بالوراثة من ظالم إلى ظالم حتى أغرقت البلاد في الدماء والمآسي والشجون، يقول الجاحظ: «فعندها استوى معاوية على الملك واستبد على بقية الشورى، وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سموه (عام الجماعة) وما كان عام جماعة بل كان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة، والعام الذي تحولت فيه الإمامة ملكاً كسروياً والخلافة منصباً قيصري».
لقد انفتح باب الجور على مصراعيه منذ ذلك العام الذي تم فيه الملك إلى (كسرى العرب) فقد لاقى المسلمون وخصوصاً شيعة آل محمد (ص) من العناء والظلم والإرهاق ما لم يشاهد له التاريخ نظيراً في فظاعته وقسوته يقول ابن أبي الحديد عما جرى على المسلمين بعد عام الصلح: «لم يبق أحد من المؤمنين إلا وهو خائف على دمه أو مشرد في الأرض، يطلب الأمن فلا يجده»، وبعد هذا الظلم الشامل والجور المرهق هل يصح أن يسمى ذلك العام عام الجماعة والألفة؟
تعليق