الحوار الهادىء .. ؟
الحوار : ليس دعوة ولا مناظرة ولا مجادلة , ولكنه صيغة جامعة وأسلوب من أساليب التقارب والتجاذب والتفاعل 0 ؟
الحوار ليس دعوة ولا مناظرة ولا مجادلة , الدعوة إلى الله تعالى معناها أن تجلب الطرف الآخر إلى طريقك , وهذه مهمة الخطبـاء والدعاة , وذلك لأن دعوتهم جذب الناس إلى واقعهم الذي يعيشون فيه إلى وضعية مثلى , يشرق عليهم فيها أنوار الهدي الرباني وهذه
هي مهمتهم 0 الحوار ليس دعوة , لأن الدعوة تكون من طرف واحد للآخر , ولا مناظرة , لأن المناظرة تسمى تعميق البعد الواحـد
بمعنى أني أريد أن أناظره لأفحمه أو لأقنعه بأن كلامي هو الصحيح 0 ولا مجادلة , لأنه لا يصل إلى نتائج , وربما قصد من خلالـه
إثبات الذات من طريق إثبات الفكرة , وقد تتوهم أنك تريد أن تثبت فكرة حق فتدخل نفسك وتبرز شخصيتك من خلالها لتقول : ( أنا على الصواب وأنت على الخطأ ) وهذه التلبيسات التي لا يُنتبه إليها 0
الحوار ليس دعوة ولا مناظرة ولا مجادلة , ولكنه صيغة جامعة وأسلوب من أساليب التقارب والتجاذب والتفاعل , كل ٌ يجذب الآخـر
ويلقي ببعض الأضواء إلى الآخر , ثم بعد هذا يتفاعل الفكر مع الفكر , ليس تفاعلا ً كليا ً من كل الجوانب , لأن الإنسان إذا وافق على كل ما يقال وما يقرأ , فمعنى ذلك أنه ألغى شخصيته , وكان بوقا ً لما يقوله الآخرون , قرأ نصوصا ً وكررها وانتهت القضية ؟
وهذا خطأ جسيم , الفقهاء عندما قارنوا المذاهب ببعضها ناقشوا وحاوروا وأتوا بالأدلة , ورد بعضهم على بعض , وهذه ظاهرة صحية رائعة عندما تكون ضمن دائرة الآداب الإسلامية الرفيعة 0
للحوار في لغتنا وتراثنا معان رفيعة القدر , سامية الدرجة , تكسوها مسحات راقية وتكسبها دلالة عميقة , وإذا رجعنا إلى معنى الحوار في اللغة وجدناه : ( المراجعة بالكلام ) مما يوحي بما ينبغي أن يكون عليه المحاور من رحابة صدر وسماحة النفس ورجاحة العقل , وما يحتاج إليه من ثقة ويقين وثبات , وما يلزم من القدرة على التكيف والتجاوب والتفاعل والتعامل المتحضر الراقي مع الأفكار والآراء جميعا ً 0
وارتباط الحوار بمعنى الرجوع عن الشيء وإلى الشيء يُثبت في الضمير الإنساني فضيلة الاعتراف بالخطأ , ويركز على قيمة عظمى
من قيم الحياة الإنسانية , وهي القبول بمبدأ المراجعة بالمفهوم الحضاري الواسع الذي تجاوز الرجوع عن الخطأ إلى مراجعة الموقف
برمته إذا اقتضت لوازم الحقيقة وشروطها المراجعة , واستدعى الأمر إعادة النظر في المسألة المطروحة للحوار إي على حال من الأحوال وصولا ً إلى أجلاء الحق 0
فالحوار قيمة من قيم الحضارة الإسلامية المستندة أساسا ً إلى مبادىء الدين الحنيف وتعاليمه السمحة , وهو موقف فكري وحالة وجدانية , وهو تعبير عن أبرز سمات الشخصية الإسلامية السوية وهي سمة التسامح , لا بمعنى التخاذل والضعف بوازع من الهزيمة
النفسية , وإنما بالترفع عن الصغائر والتسامي عن الضغائن , والتجافي عن الهوى والباطل 0
وعلى الرغم من الطبيعة المتشعبة للحوار فإن من شروط الحوار الجاد الهادف أن يتصف بالحكمة 0 والحكمة في هذا الباب هي : جماع العلم والعقل والمعرفة والأداة , ومن عناصرها : الفطنة وحسن الفهم , وعمق الوعي , كيف تستطيع أن تحاور شخصا ً وأن تتفاهم معه وأنت تحمل عنه فكرة تكونت منذ عشر سنوات , وتجمدت هذه الفكرة في مخيلتك وذاكرتك , فهو إن ذكر تتصور هذا الشخص كما كان , أنت لا تستطيع أن تتفاهم معه , إذا أخطأ شخص في موقف أو كلمة أو فتوى , وجئت أنت لترسم من خلال هذا الخطأ صورة متكاملة عنه في ذهنك , فأنت لا تستطيع أن تتفاهم معه في المستقبل أبدا ً 0
الحوار الناجح لا يشعر فيه الداعي إلى الحق بالغرور , ولا يشعر أحد الطرفين إذا تراجع عن خطئه بالذل , يقول له : ( أرأيت لقد أخبرتك , جيد أنك تراجعت ) 00 ) الذي سرت فكرته إلى قلب الآخر , لا يشعر بنوع من أنواع الغرور , والجوانب النفسية تدخل
في هذه القضية 0 على الإنسان أن يكون مهذب النفس , رقيق الطباع قبل أن يدخل في الحوار , وإلا انقلب الحوار إلى أشبه ما يكون
بحرب داحس والغبراء , أو حرب البسوس 0
مبادىء الحوار الناجح 00 ؟
المبدأ الأول : القصد إلى مواطن الاتفاق (1) 0
تصور أنك تحاور إنسانا ً ملحدا ً , هل يوجد بينك وبينه نقطة اتفاق , من أين ستبدأ الحوار معه , هل تقول له : يا كافر يا فاســق يا منافق 00 يمكنك أن تقول له : إن دور الأخلاق أصبح دورا ً ثانويا ً في هذه الأيام , ألا تشعر بالعلاقات الاجتماعية التي نحياها بحاجة إلى إعادة نظر , وعندها سيقول لك : نعم 0
من أخلاقيات الحوار ومبادئه البدء بمواطن الاتفاق من أجل كسب الثقة ونشر التفاهم , وإيجاد أجواء من الهدوء والانفتاح النفســي
مما يفتح آفاق التلاقي والقبول والإقبال , ويقلل الجفوة وردم الهوة , ويجعل فرص النجاح أفضل وأقرب , كما يجعل احتمالات التنازع
أقل وأبعد , وقد قال الله تعالى : ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) 0 ( آل عمران : 64 ) 0
إذن البداية ليس من نقاط الاختلاف , وإنما من نقاط الاتفاق , لكسب الثقة ولنشر روح التفاهم والارتياح النفسي , مما يقلل الجفوة ويردم الهوة , ابدأ من نقاط الاتفاق 0
المبدأ الثاني : الاتفاق على منطلقات ثابتة وقضايا مسلمة 0
وبعبارة أخرى الاتفاق إلى أصل يرجع إليه , فالثوابت قد تكون دينية أو عقلية , وقد تحاور إنسانا ً لا يؤمن ببعض البديهيات العقلية , فهذاكيف تحاوره , فهو لا يؤمن بالقضايا المعلومة من الدين بالضرورة , ولا يؤمن بقضايا إنسانية عامة , ولا بقوانين ثابتة 00 فهذا
من العبث أن تتحاور معه 0
ومن الثوابت في دين الإسلام : الإيمان بأركانه , وما يطلق عليه العلماء ( المعلوم من الدين بالضرورة ) كالحكم بما أنزل الله , وحرمة الربا والخمر والزنى والسرقة 00 وأمثال ذلك مما هو مقطوع به لدى المسلمين , وإثباته شرعا ً أمر مفروغ منه , فهذه الثوابت لا يجوز أن تكون بين المسلمين محل حوار أو ميدان نقاش 0 ويدخل في هذا أيضا َ: عدم مناقشة الفرع قبل الاتفاق على الأصل , فلا بد من البدء بالأهم من الأصول وضبطها والاتفاق عليها كما مر , ومن ثم الانطلاق منها لمناقشة الفروع والحوار حولها
المبدأ الثالث : التجرد وقصد الحق والبعد عن التعصب 0
فقصد الحق وأتباعُه والحرص عليه التزاما ً وطلبا ً هو الذي يقود الحوار إلى طريق مستقيم , ويحول دون الانسياق وراء الهوى ودواعيه , سواء كان هوى النفس , أو هوى الجمهور , أو هوى الأتباع (2) 0 لأن التعصب لمجموعة يجعل الشخص يعيش في حاجز نفسي , فيجعل همه واهتمامه إفحام المخالف والإجهاز عليه , بل إذلاله 0 ومما يؤكد الاحترام القصد ُ إلى الإنصاف وتحري العدل , يجسد ذلك قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجر منكم شنئانُ قوم ٍ على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) 0 ( المائدة : 8 )
وينبغي في مجلس الحوار التأكيد على الاحترام المتبادل , وإعطاء كل ذي حق حقه , والاعتراف بمنزلته ومقامه , وأن يعتمد على التعريض والتلميح بدل التصريح 000 فيكون التخاطب بالعبارات اللائقة والألقاب المستحقة والأساليب المهذبة 0
-----------------------------------------
(1) إن مشكلة الأمة الحقيقية الآن ليست في ترجيح رأي على رأي , ولكن مشكلة الأمة حقا ً في تضييع الأمور المتفق عليها , فمشكلة المسلمين ليست فيمن يقول : الرحمن على العرش استوى , أي :
( استولى ) أو هو كناية عن عظمة سلطانه تعالى , بل قيمن يجحد العرش ورب العرش جميعا ً , مشكلة الأمة ليست فيمن يجهر بالبسملة أو يسر بها , ولا فيمن يرفع يديه عند الركوع والرفع منه
ومن لا يرفعها , إنما المشكلة فيمن لا ينحني يوما ً لله راكعا ً وساجدا ً و مشكلة الأمة ليست فيمن يأخذ بأحد المذاهب المعتبرة في إثبات هلال شهر رمضان وشوال , بل فيمن يمر عليه شـــهر
رمضان كما مر عليه شعبان وشوال , لا يعرف صياما ً ولا قياما ً , بل يفطر جهارا ً نهارا ً بلا خشية أو شعور بالذنب والتقصير 0 !
(2) الحرص على معرفة الحق والوصول إلى الحقيقة هو الخُلق الأساسي والتوجه الجوهري الذي ينبغي أن ينطوي عليه صدر المحاور , وقد روي عن حاتم الأصم أنه قال : معي ثلاث خصال أظهـر
بها على خصمي – أي أغلب بها خصمي – قالوا : وما هي ؟؟ قال : أفرح إذا أصاب خصمي , وأحزن إذا أخطأ , وأحفظ نفسي من أن أتجاهل عليه – أي أضبط نفسي من أن أسيء الأدب أثنـاء
الحوار - فقيل سبحان الله كان ما أعقله من رجل 0
الحوار ليس دعوة ولا مناظرة ولا مجادلة , الدعوة إلى الله تعالى معناها أن تجلب الطرف الآخر إلى طريقك , وهذه مهمة الخطبـاء والدعاة , وذلك لأن دعوتهم جذب الناس إلى واقعهم الذي يعيشون فيه إلى وضعية مثلى , يشرق عليهم فيها أنوار الهدي الرباني وهذه
هي مهمتهم 0 الحوار ليس دعوة , لأن الدعوة تكون من طرف واحد للآخر , ولا مناظرة , لأن المناظرة تسمى تعميق البعد الواحـد
بمعنى أني أريد أن أناظره لأفحمه أو لأقنعه بأن كلامي هو الصحيح 0 ولا مجادلة , لأنه لا يصل إلى نتائج , وربما قصد من خلالـه
إثبات الذات من طريق إثبات الفكرة , وقد تتوهم أنك تريد أن تثبت فكرة حق فتدخل نفسك وتبرز شخصيتك من خلالها لتقول : ( أنا على الصواب وأنت على الخطأ ) وهذه التلبيسات التي لا يُنتبه إليها 0
الحوار ليس دعوة ولا مناظرة ولا مجادلة , ولكنه صيغة جامعة وأسلوب من أساليب التقارب والتجاذب والتفاعل , كل ٌ يجذب الآخـر
ويلقي ببعض الأضواء إلى الآخر , ثم بعد هذا يتفاعل الفكر مع الفكر , ليس تفاعلا ً كليا ً من كل الجوانب , لأن الإنسان إذا وافق على كل ما يقال وما يقرأ , فمعنى ذلك أنه ألغى شخصيته , وكان بوقا ً لما يقوله الآخرون , قرأ نصوصا ً وكررها وانتهت القضية ؟
وهذا خطأ جسيم , الفقهاء عندما قارنوا المذاهب ببعضها ناقشوا وحاوروا وأتوا بالأدلة , ورد بعضهم على بعض , وهذه ظاهرة صحية رائعة عندما تكون ضمن دائرة الآداب الإسلامية الرفيعة 0
للحوار في لغتنا وتراثنا معان رفيعة القدر , سامية الدرجة , تكسوها مسحات راقية وتكسبها دلالة عميقة , وإذا رجعنا إلى معنى الحوار في اللغة وجدناه : ( المراجعة بالكلام ) مما يوحي بما ينبغي أن يكون عليه المحاور من رحابة صدر وسماحة النفس ورجاحة العقل , وما يحتاج إليه من ثقة ويقين وثبات , وما يلزم من القدرة على التكيف والتجاوب والتفاعل والتعامل المتحضر الراقي مع الأفكار والآراء جميعا ً 0
وارتباط الحوار بمعنى الرجوع عن الشيء وإلى الشيء يُثبت في الضمير الإنساني فضيلة الاعتراف بالخطأ , ويركز على قيمة عظمى
من قيم الحياة الإنسانية , وهي القبول بمبدأ المراجعة بالمفهوم الحضاري الواسع الذي تجاوز الرجوع عن الخطأ إلى مراجعة الموقف
برمته إذا اقتضت لوازم الحقيقة وشروطها المراجعة , واستدعى الأمر إعادة النظر في المسألة المطروحة للحوار إي على حال من الأحوال وصولا ً إلى أجلاء الحق 0
فالحوار قيمة من قيم الحضارة الإسلامية المستندة أساسا ً إلى مبادىء الدين الحنيف وتعاليمه السمحة , وهو موقف فكري وحالة وجدانية , وهو تعبير عن أبرز سمات الشخصية الإسلامية السوية وهي سمة التسامح , لا بمعنى التخاذل والضعف بوازع من الهزيمة
النفسية , وإنما بالترفع عن الصغائر والتسامي عن الضغائن , والتجافي عن الهوى والباطل 0
وعلى الرغم من الطبيعة المتشعبة للحوار فإن من شروط الحوار الجاد الهادف أن يتصف بالحكمة 0 والحكمة في هذا الباب هي : جماع العلم والعقل والمعرفة والأداة , ومن عناصرها : الفطنة وحسن الفهم , وعمق الوعي , كيف تستطيع أن تحاور شخصا ً وأن تتفاهم معه وأنت تحمل عنه فكرة تكونت منذ عشر سنوات , وتجمدت هذه الفكرة في مخيلتك وذاكرتك , فهو إن ذكر تتصور هذا الشخص كما كان , أنت لا تستطيع أن تتفاهم معه , إذا أخطأ شخص في موقف أو كلمة أو فتوى , وجئت أنت لترسم من خلال هذا الخطأ صورة متكاملة عنه في ذهنك , فأنت لا تستطيع أن تتفاهم معه في المستقبل أبدا ً 0
الحوار الناجح لا يشعر فيه الداعي إلى الحق بالغرور , ولا يشعر أحد الطرفين إذا تراجع عن خطئه بالذل , يقول له : ( أرأيت لقد أخبرتك , جيد أنك تراجعت ) 00 ) الذي سرت فكرته إلى قلب الآخر , لا يشعر بنوع من أنواع الغرور , والجوانب النفسية تدخل
في هذه القضية 0 على الإنسان أن يكون مهذب النفس , رقيق الطباع قبل أن يدخل في الحوار , وإلا انقلب الحوار إلى أشبه ما يكون
بحرب داحس والغبراء , أو حرب البسوس 0
مبادىء الحوار الناجح 00 ؟
المبدأ الأول : القصد إلى مواطن الاتفاق (1) 0
تصور أنك تحاور إنسانا ً ملحدا ً , هل يوجد بينك وبينه نقطة اتفاق , من أين ستبدأ الحوار معه , هل تقول له : يا كافر يا فاســق يا منافق 00 يمكنك أن تقول له : إن دور الأخلاق أصبح دورا ً ثانويا ً في هذه الأيام , ألا تشعر بالعلاقات الاجتماعية التي نحياها بحاجة إلى إعادة نظر , وعندها سيقول لك : نعم 0
من أخلاقيات الحوار ومبادئه البدء بمواطن الاتفاق من أجل كسب الثقة ونشر التفاهم , وإيجاد أجواء من الهدوء والانفتاح النفســي
مما يفتح آفاق التلاقي والقبول والإقبال , ويقلل الجفوة وردم الهوة , ويجعل فرص النجاح أفضل وأقرب , كما يجعل احتمالات التنازع
أقل وأبعد , وقد قال الله تعالى : ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) 0 ( آل عمران : 64 ) 0
إذن البداية ليس من نقاط الاختلاف , وإنما من نقاط الاتفاق , لكسب الثقة ولنشر روح التفاهم والارتياح النفسي , مما يقلل الجفوة ويردم الهوة , ابدأ من نقاط الاتفاق 0
المبدأ الثاني : الاتفاق على منطلقات ثابتة وقضايا مسلمة 0
وبعبارة أخرى الاتفاق إلى أصل يرجع إليه , فالثوابت قد تكون دينية أو عقلية , وقد تحاور إنسانا ً لا يؤمن ببعض البديهيات العقلية , فهذاكيف تحاوره , فهو لا يؤمن بالقضايا المعلومة من الدين بالضرورة , ولا يؤمن بقضايا إنسانية عامة , ولا بقوانين ثابتة 00 فهذا
من العبث أن تتحاور معه 0
ومن الثوابت في دين الإسلام : الإيمان بأركانه , وما يطلق عليه العلماء ( المعلوم من الدين بالضرورة ) كالحكم بما أنزل الله , وحرمة الربا والخمر والزنى والسرقة 00 وأمثال ذلك مما هو مقطوع به لدى المسلمين , وإثباته شرعا ً أمر مفروغ منه , فهذه الثوابت لا يجوز أن تكون بين المسلمين محل حوار أو ميدان نقاش 0 ويدخل في هذا أيضا َ: عدم مناقشة الفرع قبل الاتفاق على الأصل , فلا بد من البدء بالأهم من الأصول وضبطها والاتفاق عليها كما مر , ومن ثم الانطلاق منها لمناقشة الفروع والحوار حولها
المبدأ الثالث : التجرد وقصد الحق والبعد عن التعصب 0
فقصد الحق وأتباعُه والحرص عليه التزاما ً وطلبا ً هو الذي يقود الحوار إلى طريق مستقيم , ويحول دون الانسياق وراء الهوى ودواعيه , سواء كان هوى النفس , أو هوى الجمهور , أو هوى الأتباع (2) 0 لأن التعصب لمجموعة يجعل الشخص يعيش في حاجز نفسي , فيجعل همه واهتمامه إفحام المخالف والإجهاز عليه , بل إذلاله 0 ومما يؤكد الاحترام القصد ُ إلى الإنصاف وتحري العدل , يجسد ذلك قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجر منكم شنئانُ قوم ٍ على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) 0 ( المائدة : 8 )
وينبغي في مجلس الحوار التأكيد على الاحترام المتبادل , وإعطاء كل ذي حق حقه , والاعتراف بمنزلته ومقامه , وأن يعتمد على التعريض والتلميح بدل التصريح 000 فيكون التخاطب بالعبارات اللائقة والألقاب المستحقة والأساليب المهذبة 0
-----------------------------------------
(1) إن مشكلة الأمة الحقيقية الآن ليست في ترجيح رأي على رأي , ولكن مشكلة الأمة حقا ً في تضييع الأمور المتفق عليها , فمشكلة المسلمين ليست فيمن يقول : الرحمن على العرش استوى , أي :
( استولى ) أو هو كناية عن عظمة سلطانه تعالى , بل قيمن يجحد العرش ورب العرش جميعا ً , مشكلة الأمة ليست فيمن يجهر بالبسملة أو يسر بها , ولا فيمن يرفع يديه عند الركوع والرفع منه
ومن لا يرفعها , إنما المشكلة فيمن لا ينحني يوما ً لله راكعا ً وساجدا ً و مشكلة الأمة ليست فيمن يأخذ بأحد المذاهب المعتبرة في إثبات هلال شهر رمضان وشوال , بل فيمن يمر عليه شـــهر
رمضان كما مر عليه شعبان وشوال , لا يعرف صياما ً ولا قياما ً , بل يفطر جهارا ً نهارا ً بلا خشية أو شعور بالذنب والتقصير 0 !
(2) الحرص على معرفة الحق والوصول إلى الحقيقة هو الخُلق الأساسي والتوجه الجوهري الذي ينبغي أن ينطوي عليه صدر المحاور , وقد روي عن حاتم الأصم أنه قال : معي ثلاث خصال أظهـر
بها على خصمي – أي أغلب بها خصمي – قالوا : وما هي ؟؟ قال : أفرح إذا أصاب خصمي , وأحزن إذا أخطأ , وأحفظ نفسي من أن أتجاهل عليه – أي أضبط نفسي من أن أسيء الأدب أثنـاء
الحوار - فقيل سبحان الله كان ما أعقله من رجل 0
تعليق