1) ماهو التّوحيد.؟
اعلم أخا الإسلام أن التوحيد روحا وجوهرا وقلبا وقالبا هو نفي الأغيار عنه تعالى ذهناً وخارجاً وتصوّراً وتوهّماً, وبعبارة علوية- موجزة في إطارها- لا متناهية في واقعها, كما نقل شيخ المحدّثين الصدوق رحمه الله بإسناده عن أمير المؤمنين قطب دائرة التّوحيد ونقطته: التوحيد ألاّ َتتّوهّمَه, أي بمعنى عميق أشار إليه باقر العلوم عليه السلام بقوله: كلما ميّزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود عليكم, ولا أريد الخوض في تفاصيل هذا الأمر العجيب الذي نزلت به الكُتُب وأتت به الرسل ودعا إليه الأنبياء, وفاز مَن فاز- من شعوبهم- وخسر ميدانه مَن خسر وما زال الامتحان حتى قيام المُظهر للحقّ عجّل الله فرجه الشريف وعنده تنتهي جولة الشرك في الأرض, وأجواق الإلحاد في الوجود,وذلك بقوله تعالى" يعبدونني لا يشركون بي شيئا", وعليه فإني وبحمد الله وفضل رسوله واله بحثت في غمار بحار التوحيد حتى وصل إلى ثلاث مئة بحث أحيلك على موقعنا وموقع تلميذنا أللامعي علي بوصخر, بالصوت وسيكون مع الصورة قريبا إن شاء الله, فستجد ضآلتك, ولكن بشرط إن تتحلّى بالصبر معي أبدا, حتى أُحدث لك منه ذكرا, فهل تستطيع معي صبرا ولا تعصي لي أمراً.فقل بسم الله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون.
فاستمع لما يوحى ولا تعجل به من قبل أن يقضى عنك وحيه, فهذه تغاريد الحقيقة التي نطق بها أسمائه الحسنى, وكلماته التامة العليا, والتي صار بها هشام بن الحكم صقراً, ولمن دنا منه مجادلا فئراً فقد أورد ثقة الإسلام الشيخ الكليني رحمه الله بالإسناد الصحيح, ولا أكون ضنينا بنقل السند بتمامه, وكذا المتن لتستيقن الحقّ وتُبطل الباطل.عليّ بن إبراهيم, عن أبيه, عن النضر بن سويد, عن هشام بن الحكم أنّه سال أبا عبدالله عن أسماء الله واشتقاقها: الله مما هو مشتق؟فقال: يا هشام الله مشتق من إله, وإله يقتضي مألوهاً, والاسم غير المسمى, فمَن عبد الاسم فقد كفر, ومّن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد اثنين, ومَن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد أفهمت يا هشام؟ فال: قلت زدني, قال لله تسعة وتسعون اسما فلو كان الاسم هو المسمى لكان كلّ اسم منها إلهاً, ولكن الله معنى يُدّل عليه بهذه الأسماء وكلها غيره, يا هشام الخبز اسم للمأكول, والماء اسم للمشروب والثوب اسم للملبوس, والنار اسم للمُحرق, أفهمت يا هشام فَهماً تناضل به أعدائنا المُتّخذين مع الله عزّ وجلّ غيره, قلت: نعم فقال: نفعك الله به و ثبّتك يا هشام, قال فوَالله ما قهرني أحدٌ في التوحيد حتّى قمت مقامي هذا.انتهى النص الشريف ففيه مالا يخفى على العفيف اللطيف.
وفي توحيد الصدوق روى بسنده عن الإمام أبي عبد الله عليه السّلام قوله: إنّ الله عظيم رفيع لا يقدر العباد على صفته ولا يبلغون كنه عظمته، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير, ولا يوصف بكيف ولا أين وحيث، وكيف أصفه بالكيف؟ ! وهو الذّي كيّف الكيف حتّى صار كيفاً, فعرفت الكيف بما كيّف لنا من الكيف. أم كيف أصفه بأين؟ ! وهو الذّي أين الأين حتّى صار أيناً فعرفت الأين بما أيّن لنا من الأين. أم كيف أصفه بحيث؟ ! وهو الذّي حيّث الحيث حتّى صار حيثاً فعرفت الحيث بما حيّث لنا من الحيث. فالله تبارك وتعالى داخل في كُلّ مكان وخارج من كُلّ شيء، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار؟ لا إله إلاّ هو العلّي العظيم و هو اللطيف الخبير.
وقال سهل: كتبت إلى أبي مُحمّد عليه السّلام سنة خمس وخمسين ومئتين: قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التّوحيد، منهم من يقول: هو جسم ومنهم من يقول: هو صورة فإن رأيت يا سيدي أن تعلّمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فعلت متطولاً على عبدك، فوقع بخطه عليه السّلام: سألت عن التّوحيد وهذا عنكم معزول، الله واحد، أحد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، خالق وليس بمخلوق يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام وغير ذلك وليس بجسم, ويصوّر ما يشاء وليس بصورة, جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه أن يكون له شبه، هو لا غيره، ليس كمثله شئ وهو السّميع البصير.
فهذا هو التّوحيد ياسائلاً عن التّوحيد.

2) ماهى الغاية والمُراد من توحيد الله تعالى؟
الغاية من توحيد الله جل شأنه, هو التفريق بين العابد والمعبود, والتمييز بين الاسم والمسمّى,لذا أول تعليم صدر في بقعة الإمكان وعرصة الأعيان " وعلّم آدم الأسماء كلّها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبؤني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين" فإذا ما وصل هذا الحدّ وعرف الاّ نور إلاّ نوره, ولاصوت إلاّ صوته تيقّن واطمأنّ" ليطمئن قلبي". وعرف حينئذ عظمة ربّه ومعبوده, وأنّه يُدبّر أمر عباده وحده, فلا خالق ولا رازق... ولا مُدبر لأمر المملكة ظاهراً وباطناً غيره, ولا تتحرك ذرة إلاّ بإذنه, ولا تسقط ورقة إلاّ بعلمه, ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السّموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلاّ وقد أحصاها علمه وأحاطت بها قُدرته ونفذت فيها مشيئته واقتضتها حكمته, فيجمعوا همّتهم وقلبهم وعزمهم وإرادتهم وحركاتهم على أداء حقّه, والقيام بعبوديّته ويفردوه فى عبادتهم، ويطيعوه فى سلوكهم ويستقر الإيمان فى قُلوبهم، ويتحوّل إلى عمل فى واقع الأرض.

3) ما هي مراتب التّوحيد.
اعلم أنّ روح التّوحيد وجوهر التّفريد هو القول بأن مقام الذّات منزّه عن كلّ اسم ورسم ونعت وصفة بدلالة العقل والنّقل وخلاصة الدّليل العقلي: هو أنّ ذاته لا تناسب لها مع غيرها ولا سنخيّة ولا شبه ولا عدل ولا تُدرك بالحواس ولا الجواس ولا يُشار إليها ولا يُقال عنها فيم، وعلام، ومم، وغيرها بشهادة العقل السّليم، وأمّا الدّليل النّقلي فقول أمير المؤمنين عليه السّلام: " ولا في المسألة عنه جواب" وقولهم: " الباب مسدود والطّلب مردود" وإذا أردت التّفصيل فارجع البصر إلى دراساتنا في كتاب التّوحيد للصّدوق رحمه الله تعالى. وعليه فالمراتب المنظورة في تقسيمات التّوحيد مُنحصرة في مقامي الصّفات والأفعال، فافهم السّرّ وما حوى تُدرك الأمل والمُنى.