إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

قتلة الإمام الحسين هم أنصار أهل الخلاف ــ بحث رائع جداً للشيخ زهير الحكيم

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قتلة الإمام الحسين هم أنصار أهل الخلاف ــ بحث رائع جداً للشيخ زهير الحكيم

    بسم الله الرحمن الرحيم

    رب اشرح لي صدري

    بمناسبة ذكرى أربعين سيد الشهداء الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه ، نرفع لبقية الله في أرضه التعازي بهذا المصاب الجل والخطب العظيم ، وإلى جميع مسلمي وأحرار العالم خصوصاً شيعة المذهب الحق ، جعلنا الله من المتمسكين بخطى سيد الشهداء ، وحشرنا الله جميعاً تحت لوائه ، اللهم آمين .

    وأنتهز هذه المناسبة الأليمة لنشر هذا البحث القيم ، الفريد في بابه ، حيث التفصيل والتحليل والأدلة والشواهد لدفع شبهة طــالما رددها ويرددها النواصب وأعداء أهل البيت صلوات الله عليهم وأخزى شانئيهم ، وهي أن قتلة الإمام الحسين هم شيعته - عياذاً بالله من كل خطل - .
    فكان هذا البحث - وإن سبقته بحوث قويمة رصينة - المداوي لما حواه من تفصيل وتدقيق واستيعاب خطير لم أراه في البحوث والردود التي كُتبت قبله ، فرأيتُ من الواجب عليَّ نشره بين المؤمنين والمؤمنات وللمنصفين من المخالفين .. أمّا النواصب ممن يعتقد أن في خروج الحسين روحي له الفداء مفسدة وشر عظيم إلى آخر كلماتهم التي تقشعر من سماعها أبدان المؤمنين والمنصفين فليس هنا محلّهم ، فلنا إمامنا الحسين صلوات الله عليه ولهم إمامهم يزيد الفسق والفجور والخمور ... والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .

    ـــــــــــــــــــــــــــــــ
    عنوان البحث :
    قتلة الإمام الحسين (عليه السـلام) أنصار أهل الخلاف

    للشيخ زهير علي الحكيم
    وهو جزء من كتابه القيّم قليل النظير في بابه "مقتل أبي عبدالله الحسين من موروث أهل الخلاف"

    وهو بحث طويل يناهز الـ (70) صفحة ، لذا آثرت أن أنزله على فترات ومقاطع ، للبعد عن الملالة والكلل ، وإن كان في الواقع أبعد ما يكون منه لما حواه من دقة ورصانة تجعل الباحث معه لا يشعر بطوله ..

    ويجب قبل إدراجه ، أن أضع فهرساً لعناوينه للفائدة ..
    ـــــــ
    فهرست البحث

    شبهة جائرة : قتلة الإمام الحسين عليه السـلام هم من شيعته (عليه السـلام)!!.
    الشيعة في اللغة والاصطلاح .
    - معنى عام.
    - معنى خاص.
    هل يصدق معنى الشيعة بكلا المعنيين على من خرج لقتاله عليه السلام ؟


    - الأمور التي يستدل بها على أن الخارجين لقتله هم من شيعة بني أمية :

    الأمر الأول : تسمية الإمام الحسين ( عليه السـلام ) لهم بشيعة آل أبي سفيان .

    الأمر الثاني : تصريح جيش يزيد بن معاوية ببغضهم لأمير المؤمنين (عليه السـلام).

    الأمر الثالث : عقيدة جيش يزيد بن معاوية في الإمام الحسين (عليه السـلام) من خلال أقوالهم.
    دلائل ذلك :
    الدلالة الأولى :
    ردهم وتوعدهم بالفتك بالإمام الحسين (عليه السـلام) حينما أبدى لهم النصيحة وبيَّنَ لهم الحق.
    الدلالة الثانية :

    سبّهم لزهير بن القين رحمه الله ، وثنائهم على ابن زياد ودعاءهم له .
    الدلالة الرابعة :
    ابن الأشعث ينكر قرابة الإمام الحسين (عليه السـلام) من رسول الله صلى الله عليه
    وآله ولا من معترض من هذا الجيش .
    الدلالة الخامسة :
    ما قاله عمرو بن الحجاج الزبيدي (2) – مما يبيّن عقيدة الجيش في الإمام الحسين
    عليه السـلام – إنه مارق من الدين .
    الدلالة السادسة :
    قول الحصين بن تميم للإمام الحسين (عليه السـلام) : إن صلاته (عليه السـلام) لا
    تُقبل ، ولا مُعترضٌ عليه !!
    الدلالة السابعة :
    قول اللعين على بن قريظة للإمام الحسين (عليه السـلام) : الكذاب ابن الكذاب ، ولا مُعترض .
    الدلالة الثامنة :
    ما قاله رجل من جيش يزيد بن معاوية ، ولم ينكر عليه أحد منهم : أنتم الخبيثون .
    الدلالة التاسعة :
    قول رجل من جيش يزيد بن معاوية للإمام الحسين (عليه السـلام) : استعجلتَ بالنار
    .
    الدلالة العاشرة :
    بيان عقيدة نموذج من جيش يزيد ، وبيان عقيدة نموذج من أصحاب الإمام الحسين
    (عليه السـلام).

    الأمر الرابع : عقيدة جيش يزيد بن معاوية في الإمام الحسين (عليه السـلام) من خلال أفعالهم.
    والدلائل على ذلك كثيرة ، نذكر منها :
    الدلالة الأولى :
    منعهم الماء عن الإمام الحسين (عليه السـلام) وأصحابه عليهم السـلام .

    الدلالة الثانية :
    ما فعلوه في مقتل الإمام الحسين عليه السلام من ضرب رأسه وضرب منحره حتى
    ذبحوه من القفا .
    الدلالة الثالثة :
    سلبهم نساء الإمام الحسين (عليه السـلام) .
    الدلالة الرابعة:
    سلبهم الإمام الحسين (عليه السـلام) ، وهو كما ترى !

    الدلالة الخامسة:
    رضّهم لعنهم الله جسد الإمام الحسين (عليه السـلام) بحوافر الخيول حتى ألصقوه
    بالأرض.
    الدلالة السادسة :
    قطع رأس الحسين (عليه السـلام) ورؤوس أصحابه ، واقتسامها وحملها إلى الكوفة
    للتفاخر والتقرب لبني أمية .

    الأمر الخامس : قلّة الشيعة في الكوفة آنذاك.

    الأمر السادس : كثرة الأمويين وأتباعهم في الكوفة آنذاك.

    ويتضح هذا الأمر بدلالات كثيرة :
    الدلالة الأولى :
    عدد من شهد على حجر بن عدي وأصحابه شهادة الزور من أهل الكوفة الموالين
    لبني أمية .
    الدلالة الثانية :
    أن موت معاوية بن أبي سفيان قريب جداً من نهضة الحسين (عليه السـلام) ،

    والكوفة كانت تحت إمرته وتدين بدينه .
    الدلالة الثالثة :
    تعامل يزيد بن معاوية مع الكوفة بأنها تحت إمرته وسيطرته .
    الدلالة الرابعة :
    أنه لا يعقل من مثل ابن زياد – لعنه الله – أن يأتي إلى الكوفة بعدد قليل إلا لعلمه
    بأنهم موالون لبني أمية إلا من شذّ !.
    الدلالة الخامسة :
    خطبة ابن زياد في جامع الكوفة بمفرده بمجرد وصوله إليها .
    الدلالة السادسة :
    إرسال عبيدالله بن زياد عمرَ بن سعد بجيش عدده أربعة آلاف مقاتل من أهل الكوفة
    لقتال الديلم.
    الدلالة السابعة :
    خروج الآلاف المؤلفة من أهل الكوفة لقتال الإمام الحسين (عليه السـلام) يدل
    بوضوح – إلا عند من أعمى الله قلبه – على أكثرية الأمويين وأنصارهم في الكوفة.
    الدلالة الثامنة :
    إن عدد من قتله المختار رحمه الله – دون من هرب – من قتلة الإمام الحسين (عليه
    السـلام) كثير جداً ، ولا يعقل بمقتضى ما تقدم أن يكون أولئك من الشيعة .
    الدلالة التاسعة :
    أن أهل الكوفة لما هلك يزيد بن معاوية أرادوا أن يقيموا خليفة عليهم فاختاروا –
    وأنت تعلم بأن اختيار الخليفة لا يكون إلا من الأكثر – الملعون قاتل الإمام الحسين (عليه السـلام) .

    الأمر السابع : دهــاء ابن زيــاد .


    الأمر الثامن : اعتقال ابن زياد للشيعة وقتلهم ومنعهم من الوصول إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) في كربلاء.

    الأمر التاسع : اشتراك أهل الأمصار في قتل الإمام الحسين (عليه السـلام) .

    الأمر العاشر : أحوال ودواعي مَنْ كَتَبَ إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) .

    الأمر الحادي عشر : موقف مَنْ كَتَبَ من الشيعة إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) .

    الأمر الثاني عشر : نسبة علماء الخلاف قتل الإمام الحسين (عليه السـلام) إلى يزيد بن معاوية وأتباعه.

    حقائق تاريخية تبين موقف الشيعة من مقتل الإمام الحسين (عليه السـلام)
    - بدء وتحرك الشيعة للأخذ بثأر الحسين (عليه السلام) .
    - ترجمة بعض كبار الشيعة ممن خرج للأخذ بالثأر.


    قول الإمام الحسين (عليه السـلام) : هذه كُتب شيعتي أو كَتَبَتْ إلينا شيعتنا أو خذلتنا شيعتنا بالعراق. ما معناه لو ثبت عنه ؟!

    ماذا لو سلّمنا جدلاً بأن بعض من خرج لقتال الحسين هم من الشيعة بالمعنى الخاص
    ؟!
    - انقلاب الزبير بن العوام وزياد بن أبيه على أمير المؤمنين.


    على ماذا تُحمل التوبة التي عنونَ بها الثائرون خروجهم على قتلة الحسين عليه السلام ؟

    المتطرِّفون من أهل الخلاف لا يختلفون عن قتلة الإمام الحسين (عليه السـلام) .

    شمر بن ذي الجوشن يبرر قتله للإمام الحسين بطاعة ولاة الأمر !!.

    - المعتقدون بإمامة يزيد بن معاوية الذين يحرمون الخروج عليه ، لا شك أن هذا يُعطي اعتقاد وجوب اتباعه في قتل الحسين (عليه السلام) .

    نهاية فهرس البحث

    نبدأ بسرد البحث من المداخلة القادمة إن شاء الله ..

    اللهم صل على محمد وآل محمد والعن أعدائهم


    مرآة التواريخ ،،،

  • #2
    قال الشيخ زهير علي الحكيم في كتابه "مقتل أبي عبدالله الحسين من موروث أهل الخلاف" في ج2 / 155 (الفصل السادس) – في قتلة الإمام الحسين (عليه السـلام). الناشر: أهل الذكر ، المطبعة: ظهور ، ط1 ، سنة 2005م

    ( قتلة الإمام الحسين (عليه السـلام) أنصار أهل الخلاف.
    شبهة جائرة :
    ظهرت في الآونة الأخيرة دعوى عند بعض أهل الخلاف ، وخصوصاً المتطرِّفين منهم : بأن قتلة الإمام الحسين عليه السـلام هم من شيعته (عليه السـلام) ، وما أدري كيف يقاتل شيعة أهل البيت عليهم السـلام أهل البيت عليهم السـلام ؟!.
    مع أنَّ معنى الشيعة من المشايعة أي المتابعة والنصرة ، فإذا انتفت النصرة والمتابعة خرجوا عن كونهم شيعة من تركوا نصرته ومتابعته ، لكن الكثير يحسب أن من بايع أمير المؤمنين عليه السـلام هم الشيعة ، وهو غلط فاضح ، إذ أغلب وجلّ من بايعه عليه السـلام على أنه خليفة رابع بعد عثمان ، لا أنهم بايعوه على أنه إمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بالنص كالشيعة ، فالشيعة في ذلك الزمان أقل من القليل!.
    ولكي يتّسم البحث بالموضوعية علينا أن نعرف معنى لفظ "الشيعة" لكي يرتفع كثير من اللبس .

    الشيعة في اللغة والاصطلاح
    فلفظ الشيعة له معنيان ، عام وخاص :
    فالأول العام :
    ومعناه المشايعة والمتابعة والموالاة ، والشيعة هم الأتباع والأنصار ، وقد جاء ذكره في القرآن الكريم بمعنى المناصرة والموالاة كما في قوله تعال : (وَإِنَّ مِنْ

    ص156
    شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ) (1) ، وقوله تعالى : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) (2) .
    وقال ابن دريد (المتوفى سنة 321 ) : "فلان من شيعة فلان ، أي ممن يرى رأيه ، وشيعت الرجل على الأمر تشييعاً إذا أعنته عليه . ومشايعة الرجل على الأمر مشايعة ، وشياعاً إذا مالأته عليه" (3).
    وقال ابن منظور :
    " والشِّيعةُ : القوم الذين يَجْتَمِعون على الأَمر. وكلُّ قوم اجتَمَعوا على أَمْر فهم شِيعةٌ. وكلُّ قوم أَمرُهم واحد يَتْبَعُ بعضُهم رأْي بعض فهم شِيَعٌ . قال الأَزهري : ومعنى الشيعة الذين يتبع بعضهم بعضاً وليس كلهم متفقين ، قال الله عز وجل : (الذين فرَّقوا دِينَهم وكانوا شِيَعاً) كلُّ فِرْقةٍ تكفِّر الفرقة المخالفة لها ، يعني به اليهود والنصارى لأَنّ النصارى بعضُهُم [يكفّر] بعضاً ، وكذلك اليهود . والنصارى تكفِّرُ اليهود واليهودُ تكفرهم وكانوا أُمروا بشيء واحد.
    وفي حديث جابر : لما نزلت (أَو يُلْبِسَكُمْ شِيَعاً ويُذيقَ بعضَكم بأْس بعض) ، قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم : هاتان أَهْوَنُ وأَيْسَرُ الشِّيَعُ الفِرَقُ أَي يَجْعَلَكُم فرقاً مختلفين ، وأَما قوله تعالى (وإِنَّ من شيعته لإِبراهيم) ، فإِن ابن الأَعرابي قال : الهاءُ لمحمد صلى الله عليه (وآله) وسلم ، أَي إِبراهيم خَبَرَ نَخْبَره
    ــــــــــ
    (1) سورة الصافات : آية 83 .
    (2) سورة القصص : آية 15 .
    (3) جمهرة اللغة ج3 ص63 لابن دريد العضدي .

    ص157
    فاتَّبَعَه ودَعا له ، وكذلك قال الفراء ، يقول : هو على مِنهاجه ودِينه وإِن كَان ابراهيم سابقاً له ، وقيل : معناه أَي من شِيعة نوح ومن أَهل مِلَّتِه ، قال الأَزهري : وهذا القول أَقرب لأَنه معطوف على قصة نوح ، وهو قول الزجاج .
    والشِّيعةُ : أَتباع الرجل وأَنْصارُه ، وجمعها شِيَعٌ ، وأَشْياعٌ جمع الجمع ، ويقال : شايَعَه ، كما : يقال والاهُ ، من الوَلْيِ . وحكي في تفسير قول الأَعشى : (يُشَوِّعُ عُوناً ويَجْتابُها يُشَوِّعُ ) : يَجْمَعُ ومنه شيعة الرجل ، فإِن صح هذا التفسير فعين الشِّيعة واو وهو مذكور في بابه .
    وفي الحديث : "القَدَرِيَّةُ شِيعةُ الدَّجَّالِ" ، أَي : أَولِياؤُه وأَنْصارُه ، وأَصلُ الشِّيعة الفِرقة من الناس ، ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد (1).

    قال ابن الأثير :
    { شيع } ( هــ ) فيه [ القَدَريَّةُ شِيعةُ الدَّجّال ] أي أوْلياؤُه وأنصارُه . وأصلُ الشِّيعة الفِرْقةُ من النَّاس وتقَعُ على الواحِدِ والاثْنين والجمع والمُذَكَّر والمؤنَّث بلفظٍ واحدٍ ومعنى واحد (2).

    قال الزبيدي : (وشيعة الرجل ، بالكسر : أتباعه وأنصاره ، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة ، وقال الأزهري : معنى الشيعة : الذين يتبع بعضهم بعضا وليس كلهم متفقين . وفي الحديث : " القدرية شيعة الدجال " ، أي أولياؤه . وأصل الشيعة : الفرقة من الناس على حدة ، وكل من عاون إنسانا وتحزَّبَ له فهو له شيعة ، قال الكميت (رحمه الله) :
    وما لي إلاّ آل أحمدَ شيعة * وما لي إلا مشعبَ الحق مشعبُ
    ويقع على الواحد ، والاثنين ، والجمع ، والمذكر ، والمؤنث ، بلفظ واحد ،
    ـــــــــــ
    (1) لسان العرب – ابن منظور ج8 ص188 .
    (2) النهاية في غريب الحديث – ابن الأثير ج2 ص519 .

    ص158
    ومعنى واحد (1).

    ولا يخفى على الملتفت أن الشيعة بهذا المعنى هم من بايعوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السـلام على أنه الخليفة بعد عثمان بن عفان – كما يتبيّن لك ذلك – ولم يبايعوه على أنه الخليفة بالنص من الله بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهؤلاء كثيرون جداً ، فها هم أهل الكوفة يصلّون خلف أمير المؤمنين عليه السـلام ومع ذلك لمّا نهاهم عن صلاة التراويح بإمام نادوا : "[واسنة] عمراه" ، والشيعة لا يختلف اثنان في أنهم لا يرون قول وسنة عمر بن الخطاب فضلاً عن خلافته .
    قال عبدالحميد المعتزلي :
    وقد روي أن أمير المؤمنين عليه السـلام لما اجتمعوا إليه بالكوفة ، فسألوه أن ينصب لهم إماماً يصلي بهم نافلة شهر رمضان ، زجرهم وعرَّفهم أن ذلك خلاف السنة ، فتركوه واجتمعوا لأنفسهم ، وقدَّموا بعضهم ، فبعث إليهم ابنه الحسن عليه السـلام فدخل عليهم المسجد ومعه الدرة ، فلما رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا : واعمراه ! (2) .
    فكذا من بايع الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السـلام من أهل الكوفة وأهل المدينة وبقية الأمصار ، وأمّا الشيعة بالمعنى الخاص فقليلون جداً .

    والثاني الخاص :
    ومعناه : كل من اعتقد بإمامة علي عليه السـلام وأهل بيته عليهم السـلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بالنص من الله .
    قال أبو الحسن الأشعري : وإنما قيل لهم الشيعة ، لأنهم شايعوا علياً (عليه السـلام) ويقدمونه على سائر أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله ) (3) .
    ــــــــــــــ
    (1) تاج العروس – الزبيدي ج5 ص 405 .
    (2) [شرح] نهج البلاغة – ابن أبي الحديد المعتزلي ج12 ص 283 .
    (3) مقالات الإسلاميين ج1 ص65 للأشعري .


    ص159
    وقال الشهرستاني : الشيعة هم الذين شايعوا علياً عليه السـلام علي الخصوص ، وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً ووصية (1) .
    وقال النوبختي : إن أول فرق الشيعة هم فرقة علي بن أبي طالب (عليه السـلام) المسمّون شيعة علي (عليه السـلام) في زمان النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبعده ، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته (2).
    وقال ابن حزم الأندلسي : ومن وافق الشيعة في أن علياً ( عليه السـلام ) أفضل الناس بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأحقّهم بالإمامة وولده من بعده ، فهو شيعي . وإن خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعيّاً (3).
    قال ابن منظور :
    وقد غلَب هذا الاسم (الشيعة) على من يَتَوالى عَلِيًّا (عليه السـلام ) وأَهلَ بيته (عليهم السـلام) رضوان الله عليهم أَجمعين ، حتى صار لهم اسماً خاصّاً ، فإِذا قيل : فلان من الشِّيعة عُرِف أَنه منهم. وفي مذهب الشيعة كذا أَي عندهم. وأَصل ذلك من المُشايَعةِ ، وهي المُتابَعة والمُطاوَعة ، قال الأَزهري : والشِّيعةُ قوم يَهْوَوْنَ هَوى عِتْرةِ النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم ويُوالونهم (4).

    وقال ابن الأثير :
    وقد غَلَب هذا الاسْم (الشيعة) على كُلّ من يَزْعُم أنه يَتوَلَّى عليّاً رضي اللّه عنه وأهلَ بيْته (عليهم السـلام) حتى صارَ لهم أسماً خاصّاً ، فإذا قيل : فلانٌ من الشِّيعة عُرف أنه منهم . وفي مَذْهب الشِّيعة كذا : أي عِندَهم . وتُجمع الشِّيعة على شِيَع . وأصلُها من المُشاَيعة وهي المُتاَبعة والمُطاَوعة
    ( س ) ومنه حديث
    ــــــــــــ
    (1) الملل والنحل ج1 ص 131 للشهرستاني.
    (2) فرق الشيعة : 15 ، للنوبختي.
    (3) الفصل في الملل والأهواء والنحل ج2 ص 113 لابن حزم.
    (4) لسان العرب – ابن منظور ج8 ص 189 .


    ص160
    صفوان [ إني لأرَى موضع الشَّهادة لو تُشايِعني نَفْسي ] أي تُتاَبعني. [النهاية في غريب الحديث – لابن الأثير ج2 ص519].

    قال الزبيدي :
    وقد غلَبَ هذا الاسمُ (الشيعة) على كلِّ مَن يَتولَّى عَلِيّاً وأَهل بيتِه رضي الله عنهم أَجمعينَ حتّى صارَ اسماً لهُم خاصّاً فإذا قيلَ : فلانٌ من الشِّيعَةِ عُرِفَ أَنَّه منهم وفي مَذهب الشيعَةِ كذا أَي عندَهم ، وأَصلُ ذلكَ من المُشايَعَةِ وهي المُطاوَعَةُ والمُتابَعَةُ . وقيل : عَيْنُ الشِّيعَةِ واوٌ مِن شَوَّعَ قومَهُ إذا جمعَهُم وقد تقدَّمت الإشارَةُ إليه قريباً وقال الأَزْهَرِيّ : الشِّيعَة : قَوْمٌ يَهْوَوْنَ هَوَى عِتْرَةِ النَّبيِّ صلّى الله عليه (وآله) وسلَّم ويُوالونَهُم (1).

    وبعد وضوح أن لفظة الشيعة له معنيان ؛ لغويٌّ عام ، واصطلاحيٌّ خاصّ ، يتضح : أن من خرج على الإمام الحسين ( عليه السـلام ) لا يَصْدُقْ عليه أنه من شيعته ومتبعيه وناصريه على كلا هذين المعنيين (2) ، بل يَصْدُق عليه أنه من شيعة من خرج لنصرته ومتابعته ، وهم بنو أمية ، فجميع من خرج على الإمام الحسين ( عليه السـلام ) من شيعتهم ، ويدل على ذلك أمور نأتي عليها تباعاً :
    ــــــــــــ
    (1) تاج العروس – الزبيدي ج5 ص 405.
    (2) بل هؤلاء لا يكونون من شيعة جدّه المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) فضلاً عن كونهم شيعته ( عليه السـلام ) ، قال الموفق الخوارزمي في مقتله ج2 ص179 راثياً الحسين ( عليه السـلام ) ومستنكراً على قتلته :
    [....] ففاز بالشهادة ، وسلك إلى آخر مسلك السعادة ، فالسلام على الحسين ( عليه السـلام ) المقتول يوم الاثنين :
    لقد ذبحوا الحسين بن البتول ... وقالوا نحن أشياع الرسولِ
    بقطرةِ شربةٍ بخلوا عليه ... وخاض كلابهم وسط السيولِ
    قُصارى همّهم ريحٌ شمالٌ ... وكاساتٌ من الرّاحِ الشَّمولِ
    وإنّ موفَّقاً إن لم يُقاتلْ ... أمامَكَ يابن فاطمةَ البتولِ
    فسوف يصوغُ فيك مُحَبَّراتٍ ... تنقَّلُ في الحزونِ وفي السهولِ


    يتبع ...

    تعليق


    • #3
      التعديل الأخير تم بواسطة مرآة التواريخ; الساعة 16-02-2009, 09:06 PM.

      تعليق


      • #4
        لماذا لم تظهر المداخلة رقم (3) ؟!!

        مع اني أنزلت المشاركة عدة مرات !!

        فهل المشكلة من عندي ؟ أم من المنتدى ؟؟



        يتبع

        تعليق


        • #5
          ص161
          الأمر الأول : تسمية الإمام الحسين ( عليه السـلام ) لهم بشيعة آل أبي سفيان .
          قال الخوارزمي :
          [....] فحالوا بينه وبين رحله فصاح ( الإمام الحسين عليه السلام ) بهم : ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عُرباً كما تزعمون" (1) .
          وتصريحه أيضاً بأن أهل الكوفة قتلوا مسلم بن عقيل (عليه السـلام ) وشيعته ، فقد روى الخوارزمي في خطاب الإمام الحسين (عليه السـلام ) لابن الحر ، قال : فحمد الله الحسين (عليه السـلام ) وأثنى عليه ، ثم قال :
          "أما بعد – يابن الحر – فإن أهل مصركم هذا كتبوا إليَّ ، وأخبروني أنهم مجتمعون على أن ينصروني ، وأن يقوموا من دوني ، وأن يقاتلوا عدوي ، وسألوني القدوم عليهم ، فقدمت ، ولستُ أرى الأمر على ما زعموا لأنهم أعانوا من قتل ابن عمي مسلم وشيعته ، وأجمعوا على ابن مرجانة عبيد الله بن زياد مبايعين ليزيد بن معاوية ..."(2) .
          الأمر الثاني : تصريح جيش يزيد بن معاوية ببغضهم لأمير المؤمنين (عليه السـلام ).
          قد عرفت مما تقدم أن شيعة الرجل أتباعه ومحبوه بينما نلاحظ تصريحات قتلة الإمام الحسين (عليه السـلام) بأنهم قاتلوا الإمام الحسين (عليه السـلام) بغضاً منهم لأبيه ، فهل يتصور عاقل بأن شيعة أمير المؤمنين (عليه السـلام) هم مبغضوه (عليه السـلام) ؟!.
          قال القندوزي الحنفي :
          ـــــــــــ
          (1) مقتل الحسين (عليه السـلام) ج2 ص38 رواه عن تاريخ السلامي.
          (2) مقتل الحسين (عليه السـلام) ج1 ص324 ص326 تقدم هذا مفصلاً في الفصل الرابع.

          ص162
          "ثم دنا من القوم وقال : يا ويلكم أتقتلوني على سنة بدلتها ، أم على شريعة غيرتها ؟ أم على جرم فعلته ؟ أم على حق تركته ؟ فقالوا له : "إنا نقتلك بغضاً لأبيك" (1).
          وفي نور العين ، قال الاسفرايني :
          (قال الراوي) ثم إنه خرج من الخيمة ، وركب جواده ، وحمل على القوم ، فانهزموا من بين يديه ، كالجراد المنتشر ، فرجع وقال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ثم رجع إليهم ثانيا ، وقال لهم : ويلكم! على ماذا تقاتلوني ؟ أعلى عهد نكثته ؟ أم على سنة غيرتها ؟ أم على شريعة بدلتها ؟ أم على حق تركته ؟ فقالوا : نقتلك بغضاً منا لأبيك ، فعند ذلك غضب الحسين (عليه السـلام) غضباً شديداً (2) .
          ويؤكد هذا ما رواه البلاذري من قول الإمام الحسين (عليه السـلام) – في ليلة عاشوراء لما أذن لأصحابه بالانصراف - بأن أغلب من كتب إليه (عليه السـلام) لأجل الغدر والفتك به تقرباً ليزيد بن معاوية لعنهما الله ، قال البلاذري :
          وعرض الحسين (عليه السـلام) على أهله ومن معه أن يتفرقوا ويجعلوا الليل جملاً ، وقال (عليه السـلام) : "إنما يطلبوني وقد وجدوني ، وما كانت كُتُب من كَتَب إليِّ فيما أظن إلاّ مكيدة لي ، وتقرُّباً إلى ابن معاوية بي . فقالوا : قبّح الله العيش بعدك" (3) .
          الأمر الثالث : عقيدة جيش يزيد بن معاوية في الإمام الحسين (عليه السـلام) من خلال أقوالهم.
          لا يخفى أن النماذج التي صرحت بعقيدتها في الإمام الحسين (عليه السـلام) تكشف
          ـــــــــــــــ
          (1) ينابيع المودة لذوي القربى – القندوزي ج3 ص 80 .
          (2) نور العين في مشهد الحسين ص 48 للاسفرايني ، ذكر هذه الواقعة في غير يوم العاشر ، وذلك لأنه ذهب إلى أن ابتداء المعركة في الأيام الأولى إلى اليوم العاشر .
          (3) أنساب الأشراف – البلاذري ج3 ص393 .

          ص163
          عن عقيدة ذلك الجيش ، جيش يزيد بن معاوية لعنه الله بأكمله ، إذ الجميع أقرّوا هؤلاء المتكلمين بما قالوه في الإمام الحسين (عليه السـلام) ولم يبدِ أحد منهم اعتراضه مع كثرتهم ، فَمِنْ رادٍّ على الإمام الحسين (عليه السـلام) وأصحابه بالتهديد بالفتك ، وبالسب ، ومن مُنْكرٍ لقرابة الإمام الحسين (عليه السـلام) برسول الله صلى الله عليه وآله ، ومن قائل إنه (عليه السـلام) مرق من الدين لمخالفته إمامهم يزيد بن معاوية ! ، ومن قائل إنه (عليه السـلام) لا تُقبل صلاته ، ومن قائل له عليه السـلام : استعجلتَ بالنار ، ومن قائل له (عليه السـلام) ولأصحابه إنهم خبيثون ...... ، ومن قائل له (عليه السـلام) : الكذاب بن الكذاب!!!. ومن قائل .......... ومن قائل ........ إلخ .
          فهل يوجد واحد من الشيعة من يقول بهذه الأقاويل ؟! قال تعالى : ( .. قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ) (1) ، وقال تعالى : (أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (2) .
          وفي هذا كثير من الدلائل نذكر بعضها :
          الدلالة الأولى :
          ردهم وتوعدهم بالفتك بالإمام الحسين (عليه السـلام) حينما أبدى لهم النصيحة وبيَّنَ لهم الحق ، وفي عقيدة الشيعة أنه لا يؤمن بالله إلا من اعتقد أن قول الإمام الحسين (عليه السـلام) والأئمة المعصومين (عليهم السـلام) هو قول رسول الله صلى الله عليه وآله ، والرّاد عليهم رّاد على الله . فهل توجد هذه العقيدة عند أحد ممن يدّعي الإسلام غير الشيعة المعتقدة بإمامتهم (عليهم السـلام) بالنص من الله ؟! (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
          ـــــــــــــ
          (1) سورة الأنبياء : آية 24 .
          (2) سورة النمل: آية 64 .

          ص164
          صَادِقِينَ) (1) .
          ففي ينابيع المودة وغيره – كما ذكرناه في المقتل – قال :
          ثم قال (الإمام الحسين عليه السـلام) لأعدائه : "يا أهل الكوفة إن الدنيا قد تغيرت وتكدرت ، وأدبر معروفها ، وهي دار فناء وزوال ، تتصرف بأهلها من حال إلى حال ، فالمغرور من اغتر بها ، وركن إليها ، وطمع فيها . معاشر الناس أما قرأتم القرآن ؟ أما عرفتم شرايع الإسلام ؟ وثبتم على ابن نبيكم تقتلوه ظلما وعدوانا ، معاشر الناس هذا ماء الفرات تشرب منه الكلاب والخنازير والمجوس ، وآل نبيكم يموتون عطاشا ؟ ! .
          فقالوا : والله لا تذوق الماء ، بل تذوق الموت غصة بعد غصة وجرعة بعد جرعة . فلما سمع منهم ذلك رجع إلى أصحابه وقال لهم : " إن القوم قد استحوذ عليهم الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون " (2) .
          الدلالة الثانية :
          سبّهم لزهير بن القين رحمه الله ، وثنائهم على ابن زياد ودعاءهم له ، ولا يخفى أن هذه هي عقيدة أهل الخلاف الموروثة والمعروفة من موالاتهم لأعداء أهل البيت عليهم السـلام وبراءتهم من أولياءهم عليهم السـلام (3) . وهي مباينة تماماً لعقيدة الشيعة الاثني عشرية.
          روى الطبري والبلاذري وابن الأثير وابن كثير ، واللفظ للأول ، قال :
          ــــــــــــ
          (1) سورة النمل : آية 64 .
          (2) ينابيع المودة لذوي القربى – القندوزي ج3 ص68 .
          (3) ويأتي تفصيل هذا تحت عنوان المتطرفون من أهل الخلاف لا يختلفون عن قتلة الإمام الحسين (عليه السـلام) .

          ص165
          ( قال أبو مخنف ) فحدثني علي بن حنظلة بن أسعد الشامي عن رجل من قومه شهد مقتل الحسين (عليه السـلام) حين قتل يقال له كثير بن عبد الله الشعبي قال لما زحفنا قبل الحسين خرج إلينا زهير بن القين على فرس له ذنوب شاكٍ في السلاح .
          فقال : "يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب الله نذار ، إن حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم ونحن حتى الآن إخوة وعلى دين واحد وملة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف وأنتم للنصيحة منا أهل فإذا وقع السيف انقطعت العصمة وكنا أمة وأنتم أمة إن الله قد ابتلانا وإياكم بذرية نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لينظر ما نحن وأنتم عاملون إنا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد فإنكم لا تدركون منهما إلا بسوء عمر سلطانهما كله ليسملان أعينكم ويقطعان أيديكم وأرجلكم ويمثلان بكم ويرقعانكم على جذوع النخل ويقتلان أماثلكم وقراءكم أمثال حجر بن عدي وأصحابه وهانئ بن عروة وأشباهه".
          قال : فسبُّوه وأثنوا على عبيد الله بن زياد ، ودعوا له وقالوا : والله لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه أو نبعث به وبأصحابه إلى الأمير عبيد الله سلما (1) .
          الطبري والبلاذري وابن الأثير وابن كثير ، واللفظ للأول ، قال :
          فاستقدم أمام أصحابه ثم قال أيها القوم ألا تقبلون من حسين (عليه السـلام) خصلة من هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه وقتاله ؟!.
          قالوا : هذا
          ـــــــــــــــ
          (1) تاريخ الطبري ج3 ص319 ، أنساب الأشراف – البلاذري ج3 ص397 بإيجاز ، الكامل في التاريخ ج3 ص420 ولم يذكر تشبيهه بمؤمن آل فرعون (عليه السـلام) ، البداية والنهاية ج8 ص180 كذلك.

          ص166
          الأمير عمر بن سعد فكلَّمه ، فكلَّمه بمثل ما كلَّمه به قبل ، وبمثل ما كلَّمَ به أصحابه .
          قال عمر : قد حرصت لو وجدت إلى ذلك سبيلا فعلت .
          فقال : يا أهل الكوفة لامكم الهبل والعبر إذ دعوتموه حتى إذا أتاكم أسلمتموه وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه أمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب فمنعتموه التوجه في بلاد الله العريضة حتى يأمن ، ويأمن أهل بيته ، وأصبح في أيدكم كالأسير ، لا يملك لنفسه نفعاً ، ولا يدفع ضراً ، وحلأتموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والمجوسي والنصراني وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وهاهم قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمداً في ذريته لا أسقاكم الله يوم الظمأ ان لم تتوبوا وتنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه ، فحملت عليه رجالة لهم ترميه بالنبل فأقبل حتى وقف أمام الحسين (عليه السـلام) (1) .
          الدلالة الرابعة :
          ابن الأشعث ينكر قرابة الإمام الحسين (عليه السـلام) من رسول الله صلى الله عليه وآله ولا من معترض من هذا الجيش ، وهل هذه إلا عقيدة بني أمية وأنصارهم ، وهذا التاريخ خير شاهد على ذلك ، وقد تقدم في الفصل الأول ما يدل على ذلك ، وأمّا الشيعة ، فهم من دفعوا وصدّوا هذه العقيدة الفاسدة .
          قال الخوارزمي :
          وقال (الإمام الحسين عليه السـلام) : اللهم إنا أهل بيت نبيك وذريته وقرابته ، فاقصم من ظلمنا وغصبنا حقنا ، إنك سميع قريب.
          ـــــــــــــ
          (1) تاريخ الطبري ج3 ص320 – ص321 ، أنساب الأشراف – البلاذري ج3 ص398 ، الكامل في التاريخ ج3 ص420 – 421 ، البداية والنهاية ج8 ص181 باختلاف يسير .

          ص167
          فسمعها محمد بن الأشعث ، فقال : وأيّ قرابة بينك وبين محمد ؟
          فقال الحسين (عليه السـلام) : اللهم إن محمد بن الأشعث يقول : إنه ليس بيني وبين رسولك قرابة ، اللهم فأرني فيه هذا اليوم ذلا عاجلا ، فما كان بأسرع من أن تنحى محمد بن الأشعث ، وخرج من العسكر فنزل عن فرسه ، وإذا بعقرب سوداء خرجت من بعض الحجرة ، فضربته ضربة ، تركته متلوّثاً في ثيابه ممّا به .
          قال الحاكم الجشمي : انه مات ليومه . ولكن ذلك غير صحيح ، فإنه بقي إلى أيام المختار فقتله ، ولكنه بقي مما به في بيته (1) .
          الدلالة الخامسة :
          ما قاله عمرو بن الحجاج الزبيدي (2) – مما يبيّن عقيدة الجيش في الإمام الحسين عليه السـلام – إنه مارق من الدين :
          روى الطبري وابن الأثير وابن كثير والخوارزمي ، واللفظ للأول ، قال :
          ( قال أبو مخنف ) : حدثني الحسين بن عقبة المرادي قال الزبيدي إنه سمع عمرو بن الحجاج حين دنا من أصحاب الحسين (عليه السـلام) يقول يا أهل الكوفة
          ـــــــــــــ
          (1) مقتل الحسين عليه السـلام للخوارزمي ج1 ص352 – 353 .
          (2) وهو أحد من كتب إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) في كتاب يضمه ويضم شبث بن ربعي وعزرة بن قيس وحجار بن أبجر ....إلخ . أقول : من تتبع هذه القضية مع الملاحظة يعلم أن في المقام مخطط أموي مرسوم لإخراج الإمام الحسين (عليه السـلام) من الحرمين والفتك به (عليه السـلام) وبأهل البيت عليهم السـلام انتقاماً للكفار الأجلاف من بني أمية مثل شيبة وعتبة والوليد ، وإلا كيف ابن الحجاج يكتب إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) ثم يصفه بالمروق من الدين ، وأيضاً الثلاثون شيطاناً الذين بعثوهم للفتك بالإمام الحسين (عليه السـلام) وهو في حرم الله ، وأيضاً ما قال الإمام الحسين (عليه السـلام) فقد روى البلاذري قال : "وقال (الإمام الحسين عليه السـلام) : إنما يطلبوني وقد وجدوني ، وما كُتُب من كَتَبَ إليَّ فيما أظن إلا مكيدة لي ، وتقرّباً إلى ابن معاوية بي" أنساب الأشراف للبلاذري ج3 ص393 ، وما فعلوه بالإمام الحسين (عليه السـلام) في مقتله وبعده وبنساءه وغيرها من الدلائل.

          ص168
          ألزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الإمام .
          فقال له الحسين : يا عمرو بن الحجاج أعليَّ تُحرِّض الناس ! أنحن مرقنا وأنتم ثبتم عليه ؟! أما والله لتعلمنَّ لو قد قبضت أرواحكم ومتم على أعمالكم أيّنا مرق من الدين ومن هو أولى بصليّ النّار (1) .
          أقول : ولا يخفاك أن عمرو بن الحجاج أحد من كتب إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) هو وحجار بن أبجر وعزرة بن قيس الأحمسي وشبث وغيرهم في كتاب واحد ، فهل هؤلاء – الذين يعتقدون بوجوب طاعة الملعون يزيد بن معاوية بل ولا يشكّون في أن الإمام الحسين (عليه السـلام) رجل مرق من الدين وحارب إمامهم يزيد ، حتى منعوه من الماء ... وبما فيهم هذا الجيش المشؤم فإنه قد أقرّ بما ذكره عمرو بن الحجاج الزبيدي ، ولم ينكر عليه أحد – شيعة الإمام الحسين (عليه السـلام) ؟!!.
          الدلالة السادسة :
          قول الحصين بن تميم للإمام الحسين (عليه السـلام) : إن صلاته (عليه السـلام) لا تُقبل ، ولا مُعترضٌ عليه !! ، وهل هؤلاء من شيعته (عليه السـلام) ؟! إذ الشيعة هم من اعتقد بإمامة الحسين (عليه السـلام) بالنص ، ويرون أن صلاة المصلين لا تُقبل إلا بولايته (عليه السـلام) بخلاف غيرهم .
          روى الطبري وابن كثير وابن الأثير ، واللفظ للأول ، قال :
          قال (الحسين عليه السـلام) : سلوهم أن يكفُّوا عنا حتى نصلي ، فقال لهم الحصين بن
          ــــــــــــــ
          (1) سورة الأحزاب : آية 32 . تاريخ الطبري ج3 ص324 – 325 ، الكامل في التاريخ ج3 ص424 ، البداية والنهاية ج8 ص182 ، مقتل الحسين عليه السـلام للخوارزمي ج2 ص18 – ص19 .

          ص169
          تميم : إنها لا تُقبل ، فقال له حبيب بن مظاهر : لا تُقبل زعمتَ! . الصلاة من آل رسول الله صلى الله عليه وآله لا تُقبل ، وتُقبل منك يا حمار ! [...] (1) .
          وفي ينابيع المودة قال :
          فقال (عليه السـلام) : يا ويلكم ألا تقفون عن الحرب حتى نصلي ، فلم يجبه أحد إلا الحصين بن نمير ، قال : يا حسين إن صلاتك لا تُقبل ، فقال له حبيب بن مظاهر : إذا لم تُقبل صلاة ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) [بل]* تُقبل صلاتك يا ابن الخمّارة البوّالة على عقبيها !! (2) .
          الدلالة السابعة :
          قول اللعين على بن قريظة للإمام الحسين (عليه السـلام) : الكذاب ابن الكذاب ، ولا مُعترض ، وهل هؤلاء الأرذال شيعته (عليه السـلام) ؟! إذ الذي لا يختلف فيه اثنان أن من صميم عقيدة الشيعة الاثني عشرية الاعتقاد بعصمة الإمام الحسين (عليه السـلام) وجميع أئمة أهل البيت عليهم السـلام من أول عمرهم الشريف إلى نهايته ، وعقيدة غير الشيعة على خلاف ذلك تماماً .
          روى الطبري والبلاذري وابن الأثير والخوارزمي ، واللفظ للأول ، قال :
          ( قال أبو مخنف ) : عن ثابت بن هبيرة : فقتل عمرو بن قرظة بن كعب ، وكان مع الحسين ، وكان علي أخوه مع عمر بن سعد ، فنادى علي بن قريظة : يا حسين يا كذاب ابن الكذاب أضللتَ أخي وغررته ، حتى قتلته !.
          ـــــــــــ
          (1) تاريخ الطبري ج3 ص326 – 327 ، الكامل في التاريخ ج3 ص425 ، البداية والنهاية ج8 ص183 ، مقتل الحسين عليه السـلام للخوارزمي ج2 ص22 بإيجاز .
          (2) ينابيع المودة لذوي القربى – القندوزي ج3 ص70 – 71 . *[أقول : كلمة "بل" زائدة في المصدر ، والأولى رفعها ليستقيم السياق]

          ص170
          قال : إن الله لم يضل أخاك ولكنه هدى أخاك وأضلّك.
          قال : قتلني الله إن لم أقتلك ، أو أموت دونك ، فحمل عليه فاعترضه نافع بن هلال المرادي فطعنه فصرعه ، فحمله أصحابه فاستنقذوه ، فدُوويَ بعد فبرأ (1) .
          الدلالة الثامنة :
          ما قاله رجل من جيش يزيد بن معاوية ، ولم ينكر عليه أحد منهم : أنتم الخبيثون .
          أفهل هذه إلا عقيدة النواصب والمنافقين من بني أمية وأنصارهم وتقدم ويأتي ما يدل على ذلك في ترجمة يزيد بن معاوية ، وإلا فشيعة الإمام الحسين (عليه السـلام) هم بالخصوص من بين المسلمين من يعتقدون باختصاص آية التطهير بأهل البيت عليهم السـلام – الدافعة عنهم كل رجس – المتمثلة بالمصطفى صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين (عليه السـلام) وفاطمة الزهراء عليها السـلام والإمامين والحسن والحسين عليهما السـلام والأئمة المعصومين عليهم السـلام من ذرية الإمام الحسين (عليه السـلام) .
          وفي مقتل الخوارزمي ، قال :
          وجاء شمر بن ذي الجوشن في نصف الليل يتجسس ، ومعه جماعة من أصحابه ، حتى قارب معسكر الحسين (عليه السـلام) ، فسمعه يتلو قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (2) (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (3). فصاح رجل من أصحاب شمر : نحن ورب الكعبة! الطيبون ، وأنتم الخبيثون ، وقد ميّزنا منكم ، فقطع بُرير بن خضير الهمداني صلاته ،
          ــــــــــ
          (1) تاريخ الطبري ج3 ص323 –ص323 ، أنساب الأشراف – البلاذري ج3 ص400 ، الكامل في التاريخ ج3 ص423 ، مقتل الحسين عليه السـلام للخوارزمي ج2 ص23 ولم يذكر ما جرى مع أخيه.
          (2) سورة آل عمران : آية 178.
          (3) سورة آل عمران : آية 179.

          ص171
          ثم نادى : يا فاسق ! يا فاجر ! يا عدو الله ، يا ابن البوَّال على عقبيه! أمثلك يكون من الطيبين والحسين ابن رسول الله من الخبيثين؟ والله ما أنت إلا بهيمة ، ولا تعقل ما تأتي وما تذر ، فابشر يا عدو الله بالخزي يوم القيامة ، والعذاب الأليم (1) .
          الدلالة التاسعة :
          قول رجل من جيش يزيد بن معاوية للإمام الحسين (عليه السـلام) : استعجلتَ بالنار .
          ولا يخفى ما في هذا من عدم تعقُّل صدوره من الشيعة إلا السخافة والحماقة .
          وفي مقتل الخوارزمي :
          قال : [..] وأقبل رجل من عسكر عمر بن سعد يقال له (مالك بن جريرة) على فرس له حتى وقف على الحفيرة ، وجعل ينادي بأعلى صوته : أبشر يا حسين ، فقد تعجلت النار في الدنيا قبل الآخرة ، فقال له الحسين (عليه السـلام) : كذبتَ يا عدو الله ، أنا قادم على رب رحيم وشفيع مطاع وذاك جدي محمد (صلى الله عليه وآله ) ، ثم قال الحسين (عليه السـلام) لأصحابه : من هذا ؟ فقيل له : هذا من مالك بن جريرة ، فقال الحسين (عليه السـلام) : "اللهم جرّه إلى النار ، وأذقه حرّها قبل مصيره إلى نار الآخرة". فلم يكن بأسرع من أن شبَّ به الفرس ، فألقاه على ظهره ، فتعلقت رجله في الركاب فركض به الفرس ، حتى ألقاه في النار ، فاحترق [...] (2) .
          وروى القندوزي قال :
          فقال رجل ملعون : عجلت يا حسين بنار الدنيا قبل نار الآخرة .
          فقال الحسين (عليه السـلام) : تعيرني بالنار وأبي قاسمها ، وربي غفور رحيم ؟ ثم قال
          ــــــــــــ
          (1) مقتل الحسين (عليه السـلام) للخوارزمي ج1 ص355 .
          (2) مقتل الحسين (عليه السـلام) للخوارزمي ج1 ص352 - 353 .

          ص172
          لأصحابه : أتعرفون هذا الرجل ؟ فقالوا : هو جبيرة الكلبي (لعنه الله) [...] (1) .
          الدلالة العاشرة :
          بيان عقيدة نموذج من جيش يزيد ، وبيان عقيدة نموذج من أصحاب الإمام الحسين (عليه السـلام) ومباهلة بُرير رحمه الله ، ولا يختلف اثنان أن الشيعة لا يعتقدون بخلافة بني أمية عثمان فما دونه ، بخلاف بني أمية وأنصارهم من النواصب فهم من يعتقد بخلافة عثمان فما دونه ، وينكر إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السـلام) .
          روى الطبري والخوارزمي ، واللفظ ، للأول ، قال :
          (قال أبو مخنف) وحدثني يوسف بن يزيد ، عن عفيف بن زهير بن أبى الأخنس - وكان قد شهد مقتل الحسين (عليه السـلام) - قال : وخرج يزيد بن معقل من بنى عميرة بن ربيعة وهو حليف لبنى سليمة من عبد القيس فقال : يا برير بن حضير ؛ كيف ترى الله صنع بك ؟ .
          قال : صنع الله والله بي خيراً وصنع الله بك شراً .
          قال : كذبت ، وقبل اليوم ما كنتَ كذَّاباً ، هل تذكر وأنا أماشيك في بني لوذان وأنت تقول ان عثمان بن عفان كان على نفسه مُسرفاً ، وأن معاوية بن أبى سفيان ضال مضل ، وإنَّ إمام الهدى والحق على بن أبى طالب ؟!.
          فقال له برير : أشهدُ أن هذا رأيي وقولي .
          فقال له يزيد بن معقل : فإني أشهد أنك من الضالين .
          فقال له برير بن حضير : هل لك فلأُباهلكَ ، ولندع الله أن يلعن الكاذب ، وأن يقتل المبطل ، ثم اخرج فلأُبارزك .
          قال : فخرجا فرفعا أيديهما إلى الله يدعوانهأن يلعن الكاذب ، وأن يقتل المُحِقُّ الْمُبْطِلَ ، ثم برز كل واحد منهما لصاحبه ، فاختلفا ضربتين ، فضرب يزيد
          ــــــــــــــــ
          (1) ينابيع المودة لذوي القربى – القندوزي ج3 ص70 .

          ص173
          بن معقل برير بن حضير ضربةً خفيفةً لم تضره شيئاً ، وضربه برير بن حضير ضربة ، قدَّت المغفر وبلغت الدماغ ، فَخَرَّ كأنما هوى من حالق ، وإن سيف ابن حضير لثابت في رأسه ، فكأني أنظر إليه يُنضنضه من رأسه [...] (1) .

          يتبع ...

          تعليق


          • #6
            الأمر الرابع : عقيدة جيش يزيد بن معاوية في الإمام الحسين (عليه السـلام) من خلال أفعالهم
            ولا يخفى أن معرفة أحوال هذا الجيش الغاشم الذي فعل ما لا يفعله المسلم بالكافر فضلا عن المسلم بالمسلم كيف بابن رسول الله (صلى الله عليه وآله ) وريحانته من هذه الدنيا وسيد شباب أهل الجنة حتى حرموه من الماء فقضى عطشاناً ، وضربوه بالسيوف على رأسه وفي منحره وذبحوه من القفا ، وسلبوه ثيابه بعد ذبحه ، ورضوا جسده بحوافر الخيل حتى ألصقوه بالأرض ، وقطعوا رأسه ورؤوس أهل بيته وأصحابه ، واقتسموها افتخاراً بما فعلوا ، وسلبوا ما على نساءه وبنات رسول الله (صلى الله عليه وآله ) من اللباس حتى لم يتركوا لهن ما يسترن به وجههن وشعورهن ، وساقوهن كما تُساق الأسارى ، وهن مكشفات الوجوه والشعور من بلد إلى بلد و.....و...... .
            وهذا الجيش بأجمعه راضٍ بهذا كله إذ لم يبدِ أحد منهم اعتراض أو كراهة على أي شيء من هذه الأفعال .
            وهل بعد هذا يتصور من هؤلاء الإيمان بالله وبرسوله (صلى الله عليه وآله ) ؟!.
            والدلائل على ذلك كثيرة ، نذكر منها :
            الدلالة الأولى :
            منعهم الماء عن الإمام الحسين (عليه السـلام) وأصحابه عليهم السـلام ، وهل مثل هذه الأفعال
            ـــــــــــ
            (1) تاريخ الطبري ج3 ص323 ، مقتل الحسين للخوارزمي ج2 ص14 – ص15 بإيجاز.

            ص174
            تصدر إلا من بني أمية وأنصارهم كما فعلوا ذلك بأمير المؤمنين (عليه السـلام) في صفين.
            وقال البلاذري أيضاً :
            وناداه المهاجر بن أوس التميمي : يا حسين ألا ترى إلى الماء يلوح كأنه بطون الحيات ، والله لا تذوق أو تموت . فقال (عليه السـلام) : إني لأرجوا أن يروينيه الله ، ويحلأكم عنه.
            ويقال : إن عمرو بن الحجاج ، قال : يا حسين إن هذا الفرات تلغ فيه الكلاب ، وتشرب منه الحمير والخنازير ، والله لا تذوق منه جرعة حتى تذوق الحميم في نار جهنم! (1) .
            وفي ينابيع المودة ، قال :
            ثم قال (الإمام الحسين عليه السـلام) لأعدائه : "يا أهل الكوفة ! إن الدنيا قد تغيرت وتكدرت ، وأدبر معروفها ، وهي دار فناء وزوال ، تتصرف بأهلها من حال إلى حال ، فالمغرور من اغتر بها ، وركن إليها ، وطمع فيها . معاشر الناس أما قرأتم القرآن ؟ أما عرفتم شرايع الإسلام ؟ وثبتم على ابن نبيكم تقتلونه ظلما وعدوانا ، معاشر الناس هذا ماء الفرات تشرب منه الكلاب والخنازير والمجوس وآل نبيكم يموتون عطاشا ؟ ! .
            فقالوا : والله لا تذوق الماء بل تذوق الموت غصة بعد غصة وجرعة بعد جرعة .
            فلما سمع منهم ذلك رجع إلى أصحابه وقال (عليه السـلام) لهم : " إن القوم قد استحوذ عليهم الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون "(2) .
            الدلالة الثانية :
            ــــــــــــــــ
            (1) ما بين القوسين من أنساب الأشراف – البلاذري ج3 ص390 .
            (2) ينابيع المودة لذوي القربى – القندوزي ج3 ص68 .

            ص175
            ما فعلوه في مقتل الإمام الحسين على من ضرب رأسه وضرب منحره حتى ذبحوه من القفا ، و .... و ..... فإن هذه الأفعال لا تصدر إلا من بني أمية وأنصارهم ، وهذا التاريخ يحدث أن من تعدى بأنواع الفتك على أهل البيت عليهم السـلام من أولاد علي وفاطمة عليهم السـلام هم من يعتقد أهل الخلاف بإمامتهم كبني أمية وأنصارهم وبني العباس وأنصارهم ، فانظر قليلا إلى ما لاقاه أهل البيت عليهم السـلام وشيعتهم على ممر التاريخ من القتل والذبح ، بل إلى يومنا هذا والشيعة يُقتلون ويُذبحون ويُعذَّبون بأنواع العذاب – كما هو حاصل في أيامنا هذه في العراق مثلاً بعد سقوط النظام الصدامي - على أيدي النواصب من أنصار بني أمية لا غفر الله لهم أبداً.
            فما فعله جيش يزيد بن معاوية في مقتل الإمام الحسين (عليه السـلام) لا يفعله حتى كافر بمسلم فضلا عن مسلم بمسلم ، ونسبة مثل هذا إلى شيعة الإمام الحسين (عليه السـلام) من سخف العقول التي آلت على نفسها معاداة أهل البيت عليهم السـلام وشيعتهم ، فأرادت الفرار مما فعله أسيادهم وأئمتهم من بني أمية ، بنسبته إلى غيرهم ، ولكن يأبى الله إلا فضحهم بين ذوي العقول حتى لا يبقى لهم ولأنصارهم حجة يوم الوعد الموعود.
            قال الخوارزمي :
            ثم نادى شمر : ماذا تنتظرون بالرجل ؟ فقد اثخنته السهام ، فأخذت به الرماح والسيوف ، فضربه رجل بقال له زرعة بن شريك التميمي ضربة منكرة ، ورماه سنان بن أوس بسهم في نحره ، وطعنه صالح بن وهب المري على خاصرته طعنة منكرة ، فسقط الحسين (عليه السـلام) عن فرسه إلى الأرض على خده الأيمن ، ثم استوى جالساً ونزع السهم من نحره ، ثم دنا عمر بن سعد من الحسين (عليه السـلام) ليراه(1) .
            روى الطبري وابن الجوزي والخوارزمي والأصفهاني والنويري ، واللفظ للأول ، قال :
            ـــــــــــــ
            (1) مقتل الحسين (عليه السـلام) للخوارزمي ج2 ص39 إلى ص41 .

            ص176
            (قال أبو مخنف) حدثنى الصقعب ابن زهير عن حميد بن مسلم ، قال : [ كانت عليه جبة من خز وكان معتما وكان مخضوبا بالوسمة قال وسمعته يقول قبل أن يقتل وهو يقاتل على رجليه قتال الفارس الشجاع يتقى الرمية ويفترص العورة ويشد على الخيل وهو يقول : أعلى قتلي تحاثون ؟!! أما والله لا تقتلون بعدى عبدا من عباد الله ، الله أسخط عليكم لقتله مني ، وأيم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون أما والله ان لو قد قتلتموني لقد ألقى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم ثم لا يرضى لكم حتى يضاعف لكم العذاب الأليم قال ] : ولقد مكث طويلا من النهار ولو شاء الناس ان يقتلوه لفعلوا ولكنهم كان يتقى بعضهم ببعض ويحب هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء .
            قال : فنادى شمر في الناس ويحكم ماذا تنظرون بالرجل ؟ اقتلوه - ثكلتكم أمهاتكم - .
            قال : فحمل عليه من كل جانب فضربت كفه اليسرى ضربة ، ضربها زرعة بن شريك التميمي ، وضرب على عاتقه ، ثم انصرفوا وهو ينوء ويكبو .
            قال : وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعي فطعنه بالرمح فوقع ، ثم قال لخولي بن يزيد الاصبحي : احتز رأسه ، فأراد أن يفعل فضعف فأرعد ، فقال له سنان بن أنس : فتَّ الله عضديك وأبان يديك ، فنزل إليه فذبحه واحتزَّ رأسه ، ثم دفع إلى خولى بن يزيد ، وقد ضُرب قبل ذلك بالسيوف (1).
            وقد تقدم في الفصل الرابع ما يفطر القلوب في مصرعه (عليه السـلام) بروايات كثيرة.
            الدلالة الثالثة :
            سلبهم نساء الإمام الحسين (عليه السـلام) .
            وهل يتصور من مسلم يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وآله أن يفكر في سلب بناته صلى الله عليه وآله فضلا عن سلبهن ، وبهذا تعرف أن هؤلاء الأرذال موتورون من النبي صلى بما فعله بأسيادهم الكفرة بسيف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السـلام) فآمنوا ظاهراً وهم يبطنون الكفر والنفاق والبغض للنبي محمد صلى الله عليه وآله ، حتى تاحت لهم الفرصة فأظهروا نفاقهم وحقدهم وبغضهم له صلى الله عليه وآله في أهل بيته صلى الله عليه وآله وشيعتهم ، وهل مثل هؤلاء إلا بنوا أمية وأنصارهم ؟!.
            روى الخوارزمي ، قال :
            ـــــــــــــــ
            (1) وقد تقدمت سبع روايات في مصرعه (عليه السـلام) بالتفصيل في آخر الفصل الرابع ، تاريخ الطبري ج2 ص334 ، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم – ابن الجوزي ج5 ص340 ، مقتل الحسين (عليه السـلام) للخوارزمي ج2 ص39 إلى ص41 ، مقاتل الطالبيين – أبو الفرج الأصفهاني ص79 ، نهاية الأرب في فنون الأدب ص 12570 للنويري نسخة برنامج الموسوعة الشعرية.

            ص177
            وأقبل الأعداء حتى أحدقوا بالخيمة ، ومعهم شمر بن ذي الجوشن ، فقال : ادخلوا فاسلبوا بزّتهنَّ ، فدخل القوم (لعنهم الله) فأخذوا كل ما كان بالخيمة ، حتى أفضوا إلى قرطٍ كان في أذن أم كلثوم أخت الحسين (عليه السـلام) فأخذوه ، وخرموا أذنها ، حتى كانت المرأة لتنازع ثوبها على ظهرها حتى تُغْلبُ عليه (1) .
            وقال سبط ابن الجوزي في تذكرته :
            وأخذ ملحفة فاطمة بنت الحسين (عليه السـلام) واحد ، وأخذ حليها آخر ، وعرّوا نساءه وبناته من ثيابهن (2) .
            وروى الطبري ، قال :
            (قال أبو مخنف) عن جعفر ابن محمد بن على قال : .... ومال الناس على الورس والحلل والإبل وانتهبوها ، قال : ومال الناس على نساء الحسين (عليه السـلام) وثقله ومتاعه ، فإن كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتى تغلب عليه فيذهب به منها. (3) .
            الدلالة الرابعة
            سلبهم الإمام الحسين (عليه السـلام) ، وهو كما ترى !
            فهل يُتصوَّر هذا من شيعة الإمام الحسين (عليه السـلام) ؟!!. ولكن قاتل الله النواصب وأنصارهم وأعوانهم إلى يوم الدين.
            روى الطبري ، قال :
            (قال أبو مخنف) عن جعفر ابن محمد بن على ، قال : وُجِدَ بالحسين (عليه السـلام) حين قتل ثلاث وثلاثون طعنة ، وأربع وثلاثون ضربة ، قال : وجعل سنان بن أنس لا يدنو أحد من الحسين (عليه السـلام) إلا شدَّ عليه مخافة أن يغلب على رأسه ، حتى أخذ
            ـــــــــــــــ
            (1) مقتل الحسين (عليه السـلام) للخوارزمي ج2 ص43 .
            (2) تذكرة الخواص – ابن الجوزي ص228 طبعة منشورات الشريف الرضي .
            (3) تاريخ الطبري ج3 ص334 .
            ص178
            رأس الحسين فدفعه إلى خولى . قال : وسلب الحسين (عليه السـلام) ما كان عليه ، فأخذ سراويله بحر بن كعب ، وأخذ قيس بن الأشعث قطيفته - وكانت من خز - وكان يسمى بعدُ قيس قطيفة ، وأخذ نعليه رجل من بنى أود يقال له : الأسود (1) ، وأخذ سيفه رجل من بنى نهشل بن دارم ، فوقع بعد ذلك إلى أهل حبيب بن بديل .
            قال : ومال الناس على الورس والحلل والإبل وانتهبوها ، قال : ومال الناس على نساء الحسين وثقله ومتاعه فإن كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتى تغلب عليه فيذهب به منها (2) .
            قال البلاذري :
            وسلب الحسين (عليه السـلام) ما كان عليه، فأخذ قيس بن الأشعث بن قيس الكندي قطيفة له وكانت من خز، وأخذ نعليه رجل من بني أود يقال له الأسود، وأخذ سيفه رجل من بني نهشل بن دارم، ومال الناس على الورس والحلل والإبل فانتهبوها، وأخذ الرحيل بن زهير الجعفي، وجرير بن مسعود الحضرمي، وأسيد بن مالك الحضرمي أكثر تلك الحلل والورس وأخذ أبو الجنوب الجعفي جملاً كان يستقى عليه الماء، وسماه حسيناً (3) .
            روى الخوارزمي ، قال :
            وأخذ قيس بن الأشعث (لعنه الله) قطيفة الحسين (عليه السـلام) كان يجلس عليها فسمي لذلك قيس قطيفة ! ، وأخذ نعليه رجل من الأزد ، يقال له : الأسود ، ثم مال الناس على الورس والخيل والإبل فانتهبوها (4) .
            ـــــــــــ
            (1) الأسود بن خالد ، كما في كتاب اللهوف في قتلى الطفوف .
            (2) تاريخ الطبري ج3 ص334 ، مقتل الحسين (عليه السـلام) للخوارزمي ج2 ص42 .
            (3) أنساب الأشراف – البلاذري – ج3 ص409 .
            (4) مقتل الحسين (عليه السـلام) للخوارزمي ج2 ص43 .

            ص179
            الدلالة الخامسة
            رضّهم لعنهم الله جسد الإمام الحسين (عليه السـلام) بحوافر الخيول حتى ألصقوه بالأرض
            وليس الباعث على هذا إلاّ الانتقام وأخذ الثار ، ولا يوجد ثأر لأحد عند أهل البيت (عليهم السـلام) إلا لبني أمية لما فعله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السـلام) بكفارهم ، مثل شيبة وعتبة والوليد وغيرهم من بني أمية ، وليست هذه الأفعال وليدة الصدفة ، بل هي موروثة عن أسلافهم ، فهذه هند أم معاوية بن أبي سفيان وما فعلته بسيد الشهداء عمّ النبي صلى الله عليه وآله حمزة بن عبدالمطلب عليهما السـلام من التمثيل بعد استشهاده .
            روى الطبري والبلاذري والمسعودي والشبراوي ، واللفظ للأول ، قال :
            قال : ثم ان عمر بن سعد نادى في أصحابه من ينتدب للحسين ويوطئه فرسه ؟ فانتدب عشرة (1) ، منهم : إسحاق بن حيوة الحضرمي وهو الذي سلب قميص الحسين فبرص بعد ، وأحبش بن مرثد بن علقمة بن سلامة الحضرمي ، فأتوا فداسوا الحسين بخيولهم حتى رضوا ظهره وصدره ، فبلغني أن أحبش ابن مرثد بعد ذلك بزمان أتاه سهم غرب وهو واقف في قتال ، ففلق قلبه فمات (2) .
            وقال ابن الجوزي : ثم قال عمرو (3) : مَنْ يوطىء فرسه الحسين؟ فانتدب أقوام بخيولهم ،
            ـــــــــــــــ
            (1) وفي كتاب اللهوف في قتلى الطفوف – السيد ابن طاووس الحسني ص80 :
            قال أبو عمر الزاهد : فنظرنا إلى هؤلاء العشرة فوجدناهم جميعاً أولاد زناء ، وهؤلاء أخذهم المختار فشدّ أيديهم بسكك الحديد وأوطأ الخيل ظهورهم حتى هلكوا .
            (2) تاريخ الطبري ج3 ص335 ، أنساب الأشراف – البلاذري ج3ص413 ، مروج الذهب – المسعودي ج3 ص259 منشورات الشريف الرضي ، الإتحاف في حب الأشراف للشبراوي ص53 ط أمير قم .
            (3) وفيه تصحيف ، وهو عمر بن سعد ، ويتضح ذلك بمراجعة المنتظم في تاريخ الملوك والأمم – ابن الجوزي ج5 ص341 .

            ص180
            حتى رضوا ظهره، وأمر بقتل علي بن الحسين (عليه السـلام) ، فوقعت عليه زينب (عليها السـلام) وقالت: والله لا يُقتل حتى أقتل. فرقَّ لها ، وكفَّ عنه (1) .
            وفي البداية والنهاية ، قال ابن كثير :
            وقتل من أهل الكوفة من أصحاب عمر بن سعد ثمانية وثمانون رجلا سوى الجرحى، فصلى عليهم عمر بن سعد ودفنهم.
            ويقال إن عمر بن سعد أمر عشرة فرسان فداسوا الحسين بحوافر خيولهم حتى ألصقوه بالأرض يوم المعركة (2) .
            وفي مقتل الخوارزمي ، قال :
            قال : ثم إن عمر بن سعد نادى : من ينتدب الحسين فيوطئه فرسه ؟ . فانتدب له عشرة نفر منهم : إسحاق الحضرمي ، ومنهم : الأخنس بن مرثد الحضرمي ، القائل في ذلك :
            نحن رضضنا الظهرَ بعد الصدرِ *** بكل يَعْبُوبٍ شديد الأسرِ
            حتى عصينا اللهَ ربَّ الأمرِ *** بِصُنْعِنا مَعَ الحسينِ الطُهْرِ
            فداسوا حسيناً بخيولهم حتى رضوا صدره وظهره ، فسُئِلَ عن ذلك ، فقال : هذا أمر الأمير عبيدالله بن زياد (3) .
            وقال سبط ابن الجوزي في تذكرته :
            وقال عمر بن سعد : من جاء برأس الحسين له ألف درهم ، وقال عمر بن سعد أيضاً : من يُوطئْ الخيل صدره ؟ فأوطؤوا الخيل ظهره وصدره (4) .
            الدلالة السادسة :
            ـــــــــــــ
            (1) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم – ابن الجوزي ج5 ص341 .
            (2) البداية والنهاية ج2 ص189 وفي ط 206 ، استشهاد الحسين (عليه السـلام) ص105 – الفاضل المعاصر الدكتور محمد جميل غازي – خرّجه من كتاب الحافظ (ط مطبعة المدني المؤسسة السعودية بمصر) ، إحقاق الحق ج33 ص694 .
            (3) مقتل الحسين (عليه السـلام) للخوارزمي ج2 ص44 .
            (4) تذكرة الخواص – [سبط] ابن الجوزي ص228 طبعة منشورات الشريف الرضي .
            ص181
            قطع رأس الحسين (عليه السـلام) ورؤوس أصحابه ، واقتسامها وحملها إلى الكوفة للتفاخر والتقرب لبني أمية .
            وهل أحد يفخر بقتل الإمام الحسين (عليه السـلام) ويطلب رضا آل أبي سفيان إلاّ أعداء أهل البيت عليهم السـلام من أنصار بني أمية ، فتراهم يتهافتون على ما يقرِّبهم إليهم كتهافت الفراش .
            روى البلاذري ، قال :
            واحتزت رؤوس القتلى فحمل إلى ابن زياد اثنان وسبعون رأساً مع شمر بن ذي الجوشن ، وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج الزبيدي، وعزرة بن قيس الأحمسي من بجيلة، فقدموا بالرؤوس على ابن زياد (1) .
            روى الطبري والخوارزمي ، واللفظ للأول ، قال :
            قال : وقطف رؤوس الباقين فسرح باثنين وسبعين رأساً مع شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث وعمر بن الحجاج وعزرة بن قيس فأقبلوا حتى قدموا بها على عبيدالله بن زياد (2) .
            روى الطبري والبلاذري وابن الجوزي ، واللفظ للأول ، قال :
            (قال هشام) قال أبو مخنف ولما قتل الحسين بن على عليه السلام جئ برؤوس من قتله معه من أهل بيته وشيعته وأنصاره إلى عبيدالله بن زياد فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الأشعث وجاءت هوازن بعشرين رأسا وصاحبهم شمر بن ذى الجوشن وجاءت تميم بسبعة عشر رأسا ، وجاءت بنو أسد بستة أرؤس ، وجاءت مذحج بسبعة أرؤس ، وجاء سائر الجيش بسبعة
            ـــــــــــــ
            (1) أنساب الأشراف – البلاذري ج3 ص 412 .
            (2) تاريخ الطبري ج3 ص336 ، أنساب الأشراف – البلاذري ج3ص412 ، مقتل الحسين (عليه السـلام) للخوارزمي ج2 ص44 – 45 .
            ص182
            أرؤس فذلك سبعون رأساً (1) .
            وقال ابن كثير :
            فلما أصبح ( خولي ) غدا به ( أي برأس الحسين (عليه السـلام) ) إلى ابن زياد فأحضره بين يديه، ويقال إنه كان معه رؤوس بقية أصحابه، وهو المشهور.
            ومجموعهما اثنان وسبعون رأسا، وذلك أنه ما قتل قتيل إلا احتزوا رأسه وحملوه إلى ابن زياد، ثم بعث بها ابن زياد إلى يزيد بن معاوية إلى الشام (2) .
            يتبع ..

            تعليق


            • #7
              الأمر الخامس : قلّة الشيعة في الكوفة آنذاك
              لا يخفى أن الكوفة في هذا الزمان شيعية محضة ، وعرفت بالتشيع في أزمنة مختلفة في التاريخ ، ومن هذه الشهرة نفذ أصحاب الشبهة واتّهموا الشيعة بقتل إمامهم الحسين بن علي (عليه السـلام) ! ؛ وذلك لأن المترسّخ في الأذهان أن لفظة أهل الكوفة تساوي لفظة شيعة ، وغايتهم من هذه التهمة أن يخلّصوا يزيد وأتباعه ومحبيه من وصمة العار التي تلاحقهم أبد الدهر ، حتى زاد بعضهم فنصّ على عدم مشاركة أهل الشام واليمن ومصر في قتال الإمام الحسين (عليه السـلام) مع وجود ما يدل على خلافه كما نذكره (3) .
              ولكن ذلك وحده لا يكفي دليلاً على ما يدّعون لما فاتهم ، كما لا يخفى على ذي العقل واللب ، ولكي تتضح الحقيقة جلياً علينا أن نعرف مذهب أهل الكوفة في زمان شهادة الإمام الحسين (عليه السـلام) ، فلهذا نقول :
              ـــــــــــ
              (1) تاريخ الطبري ج3 ص342 ، أنساب الأشراف – البلاذري ج3ص412 ، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم – ابن الجوزي ج5 ص341 .
              (2) البداية والنهاية – ابن كثير ج8 ص206 ، وفي ط ص204 .
              (3) يأتي ذلك في عنوان : اشتراك أهل الأمصار في مقتل الإمام الحسين (عليه السـلام) .
              ص183
              إن الشيعة بالمعنى الخاص فرقة قليلة جداً في ذلك الزمان ، ومع قلتهم كانت طائفة منهم تقطن الكوفة ، فهم بالنسبة إلى أهل الكوفة عدداً قليلاً جداً ، ومن راجع وتابع سكان الكوفة آنذاك وجدَ هذا المعنى ملموساً .
              إن الكوفة – بعد شهادة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السـلام) وانتقال الإمام الحسن (عليه السـلام) إلى المدينة وتسلّم معاوية للسلطة – كانت تحت إمرة بني أمية ، وكان هَمُّ معاوية بن أبي سفيان حينما استتبَّ له الأمر تفريق الشيعة وإبعادهم عن الكوفة منذ سنة واحد وأربعين ، كما يدل على ذلك كتاب معاوية إلى المغيرة بن شعبة عندما ولاّه الكوفة سنة 41 هــ .
              فقد روى الطبري في تاريخه ، قال :
              قال هشام بن محمد : عن أبى مخنف عن المجالد بن سعيد والصقعب بن زهير وفضيل ابن خديج والحسين بن عقبة المرادي ، قال : كُلٌّ قد حدثني بعض هذا الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث حجر بن عدى الكندي (رحمه الله) وأصحابه أن معاوية بن أبى سفيان لما وَلَّى المغيرة بن شعبة الكوفة في جمادى سنة 41 دعاه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فإن لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ، وقد قال المتلمس :
              لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا * وما علم الإنسان إلا ليعلما
              وقد يجزى عنك الحكيم بغير التعلم وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة فأنا تاركها اعتمادا على بصرك بما يرضيني ويسعد سلطاني ويصلح به رعيتي ولست تاركا إيصاءك بخصلة لا تتحم [لا تتحامَ] عن شتم علي وذمّه !! والترحم على عثمان والاستغفار له ، والعيب على أصحاب علي !! والإقصاء لهم !! وترك الاستماع منهم !! ، وبإطراء شيعة عثمان رضوان الله عليه ، والإدناء لهم والاستماع منهم .
              فقال المغيرة : قد جربت وجربت وعملت قبلك لغيرك فلم يذمم بي دفع ولا رفع ولا
              ص184
              وضع ، فستبلو فتحمد أو تذم .
              ثم قال : بل نحمد إن شاء الله (1) .
              وجعل معاوية على الكوفة زياد ابن أبيه فلم يترك من شيعة أمير المؤمنين (عليه السـلام) أحداً إلا قتله !! أو عذّبه ، أو شرّده ! إلا قليلاً ممن لم يُعرف بالتشيع .
              فقد روى الطبري ما يبين ذلك عند ذكره ما جرى بين هانئ بن عروة (رحمه الله) وعبيدالله بن زياد ، قال :
              فقال عبيدالله : يا هانئ ؛ أما تعلم أن أبي قدم هذا البلد فلم يترك أحداً من هذه الشيعة إلا قتله غير أبيك ! وغير حجر ، وكان حجر ما علمت ... (2) .
              قال عبدالحميد المعتزلي ، قال :
              وروى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدايني في كتاب (الأحداث) ، قال :
              [....] فكان (زياد بن أبيه) يتتبع الشيعة – وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام علي (عليه السـلام) – فقتلهم تحت كل حجر ومدر !! ، وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل !! وسمل العيون !! ، وصلبهم على جذوع النخل ، وطرفهم وشردهم عن العراق ، فلم يبق بها معروف منهم ....... إلخ (3) .
              ويدل على ذلك أيضاً ما سنذكره لك فيما يأتي تحت عنوان (حقائق تاريخية) تبين موقف الشيعة من مقتل الإمام الحسين (عليه السـلام) ، من أن من خرجَ في ثورة التوابين وثورة المختار ليسوا هم ممن يسكن الكوفة فعلاً ، بل هم ممن تجمّعوا من أماكن متفرقة حتى استعدوا فخرجوا لقتال بني أمية وأنصارهم من أهل
              ــــــــــــ
              (1) تاريخ الطبري ج3 ص218 .
              (2) تقدّم هذا في الرواية الأولى من مقتل هاني بن عروة رحمه الله تاريخ الطبري ج3 ص 282 .
              (3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج11 ص 44 .
              ص185
              الكوفة والشام ، وهذا مما يدل أيضاً على قلة الشيعة في الكوفة .

              الأمر السادس : كثرة الأمويين وأتباعهم في الكوفة آنذاك.
              ويتضح هذا الأمر بدلالات كثيرة :
              الدلالة الأولى :
              عدد من شهد على حجر بن عدي وأصحابه شهادة الزور من أهل الكوفة الموالين لبني أمية (1) .
              الدلالة الثانية :
              أن موت معاوية بن أبي سفيان قريب جداً من نهضة الحسين (عليه السـلام) ، والكوفة كانت تحت إمرته وتدين بدينه ، ففيها الكثير الكثير من الموالين لهم إذ تفرقهم عن الكوفة يحتاج إلى زمن طويل مصاحباً لإنهيار الدولة الأموية .
              الدلالة الثالثة :
              تعامل يزيد بن معاوية مع الكوفة بأنها تحت إمرته وسيطرته ، فقوله لابن زياد : كتبَ إليّ شيعتي من أهل الكوفة أن مسلم بن عقيل يجمع الجموع .
              مع أمره إياه بأن يذهب إلى الكوفة ، ويبحث عن مسلم بن عقيل ويقتله (2) .
              ــــــــــــــ
              (1) تاريخ الطبري ج3 ص224 إلى ص231 ذكر مقتل حجر وأصحابه رضوان الله عليهم مفصلاً وشهادة الزور التي أقيمت عليهم في الكوفة .
              (2) ففي تاريخ الطبري ج2 ص279 ، البداية والنهاية ج8 ص152 مع اختلاف يسير ، الأخبار الطوال – الدينوري ص231 ذكره بإيجاز ، مقتل الحسين (عليه السـلام) –الخوارزمي ج1 ص287 ، تاريخ ابن خلدون ج3 ص22 واللفظ للطبري ، قال : قال هشام : قال عوانة : فلما اجتمعت الكتب عند يزيد ليس بين كتبهم إلا يومان دعا يزيد بن معاوية سرجون مولى معاوية فقال ما رأيك فان حسينا قد توجه نحو الكوفة ومسلم بن عقيل بالكوفة يبايع للحسين وقد بلغني عن النعمان ضعف وقول سيئ وأقرأه كتبهم فما ترى من أستعمل على الكوفة وكان يزيد عاتبا على عبيدالله =
              ص186
              فهذا يدل على وجود الكثير من أنصار بني أمية في الكوفة ؛ إذ لا تكون إمرة وسيطرة على مكان إلا بوجود القوة المعتدّ بها فيه .
              الدلالة الرابعة :
              أنه لا يعقل من مثل ابن زياد – لعنه الله – أن يأتي من البصرة إلى الكوفة بعدد قليل من الرجال في قبال الآلآف المؤلفة من أهل الكوفة (1) – الذين كتبوا إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) – إلا [لعلمه] بأن أهل الكوفة بأجمعهم موالون لبني أمية حتى من كتب إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) إلا من شذّ !.
              الدلالة الخامسة :
              خطبة ابن زياد في جامع الكوفة بمفرده بمجرد وصوله إليها ؛ إذ كيف تسنّى له أن ينزل الجامع وينادي في الناس بالجماعة – قبل أن يفعل أي شيء – ويحضر
              ــــــــــــــــ
              =
              بن زياد – فقال سرجون : أرأيت معاوية لو نشر لك أكنت آخذا برأيه قال نعم فأخرج عهد عبيد الله على الكوفة فقال هذا رأى معاوية ومات وقد أمر بهذا الكتاب فأخذ برأيه وضم المصرين إلى عبيدالله وبعث إليه بعهده على الكوفة ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلى وكان عنده فبعثه إلى عبيد الله بعهده إلى البصرة وكتب إليه معه أما بعد فإنه كتب إلى شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أن ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشق عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتى أهل الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام فأقبل مسلم ابن عمرو حتى قدم على عبيد الله بالبصرة فأمر عبيدالله بالجهاز والتهيئ والمسير إلى الكوفة من الغد.
              (1) قال ابن كثير في البداية والنهاية ج8 ص153 : ( .... ودخلها في سبعة عشر راكباً ) . وفي الكامل في التاريخ لابن الأثير ج3 ص388 ذكر : أن ابن زياد دخل الكوفة بمفرده .
              ص187
              عنده ذلك الجمع الغفير ، ويهددهم بالقتل والحرمان وغيره ؟! (1).
              ــــــــــــ
              (1) ففي مقتل الحسين (عليه السـلام) للخوارزمي ج1 ص289 – 290 ، قال : ( ولما وصل عبيدالله بن زياد إلى باب قصر الإمارة ، قال مخاطباً النعمان بن بشير : افتح الباب – لعنك الله – فسمعها جماعة ، فقالوا : ابن مرجانة والله ، ففتحوا الباب وتفرق الناس ، ونودي بالصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، فخرج ابن زياد ، وقام خطيباً ، فقال : إن أمير المؤمنين ولاّني مصركم ، وثغركم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم ، وإعطاء محرومكم ، والإحسان إلى سامعكم ، والشدة على مريبكم ، وأنا متّبع أمره ، ومنفذ فيكم عهده ، وأنا لمحبكم ومطيعكم كالوالد البر ، وسيفي وسوطي على من ترك أمري ...
              وفي الأخبار الطوال – الدينوري ص 232 ، قال :
              فنظر ابن زياد من تباشيرهم بالحسين (عليه السـلام) إلى ما ساءه، وأقبل حتى دخل المسجد الأعظم، ونودي في الناس، فاجتمعوا، وصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (يا أهل الكوفة، إن أمير المؤمنين قد ولاني مصركم، وقسم فيئكم فيكم، وأمرني بإنصاف مظلومكم، والإحسان إلى سامعكم ومطيعكم، والشدة على عاصيكم ومريبكم، وأنا منته في ذلك إلى أمره، وأنا لمطيعكم كالوالد الشفيق، ولمخالفكم كالسم النقيع، فلا يبقين أحد منكم إلا على نفسه). ثم نزل، فأتى القصر، فنزله، وارتحل النعمان بن بشير نحو وطنه بالشام.
              وفي الكامل في التاريخ ج3 ص388 وفي ط ج4 ص 24 لابن الأثير ، قال – :
              وقيل: بل خطبهم من يومه فقال: أما بعد فإن أمير المؤمنين ولاني مصركم وثغركم وفيئكم، وأمرني بإنصاف مظلومكم، وإعطاء محرومكم، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم، وبالشدة على مريبكم وعاصيكم، وأنا متبع فيكم أمره، ومنفذٌ فيكم عهده، فأنا لمحسنكم كالوالد البر، ولمطيعكم كالأخ الشقيق، وسيفي وسوطي على من ترك أمري وخالف عهدي، فليبق امرء على نفسه.
              ثم نزل فأخذ العرفاء والناس أخذاً شديداً وقال: اكتبوا إلي الغرباء، ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين، ومن فيكم من الحرورية وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق، فمن كتبهم إلي فبرىء، ومن لم يكتب لنا أحداً فليضمن لنا ما في عرافته أن لا يخالفنا فيهم مخالف ولا يبغي علينا منهم باغٍ، فمن لم يفعل فبرئت منه الذمة وحلال لنا دمه وماله، وأيما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحدٌ لم يرفعه إلينا صلب على باب داره وألقيت تلك العرافة من العطاء وسير إلى موضع بعمان الزارة. ثم نزل.

              ص188
              فما ذلك إلا لوجود الآلآف المؤلفة – من أنصار بني أمية – المستعدة لنصرتهم والدفاع عنهم .
              الدلالة السادسة :
              إرسال عبيدالله بن زياد عمرَ بن سعد بجيش عدده أربعة آلاف مقاتل من أهل الكوفة لقتال الديلم الذين استولوا على "دستبي" ، فهل جاء ابن زياد الكوفة إلا لقتال مسلم بن عقيل (عليه السـلام) وقتال الإمام الحسين (عليه السـلام) ؟!.
              فإرسال جيش بهذا العدد في هذه الظروف يدل بوضوح على استتباب الأمر في الكوفة لبني أمية ، وكثرة أنصارهم فيها (1) .
              ـــــــــــــــ
              (1) ويأتي ذلك مفصلاً في ترجمة ابن سعد تحت عنوان (ابن سعد يتخيَّر بين الجنة والنار ) ...... من تاريخ دمشق – ابن عساكر ج45 ص 49 وص 50 ، تاريخ الطبري – الطبري ج3 ص 310 ، الأخبار الطوال – الدينوري ص 253 ، قال ابن عساكر : قرأت على أبي الوفاء حفاظ بن الحسن بن الحسين عن عبد العزيز بن أحمد ، أنا عبد الوهاب الميداني ، أنا أبو سليمان بن زبر ، أنا عبد الله بن أحمد بن جعفر ، أنا محمد بن جرير الطبري ، قال : قال هشام بن محمد : قال أبو مخنف : حدثني عبد الرحمن بن جندب ، عن عقبة بن سمعان ، قال : كان سبب خروج عمر بن سعد إلى الحسين (عليه السـلام) أن عبيدالله بن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم إلى دستبى وكانت الديلم قد خرجوا إليها وغلبوا عليها فكتب ابن زياد عهد على الري فأمره بالخروج فخرج فعسكر بالناس بحمام أعين ، فلما كان من أمر الحسين (عليه السـلام) ما كان وأقبل إلى الكوفة دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال له : سِرْ إلى الحسين (عليه السـلام) فإذا فرغنا مما بيننا وبينه سرت إلى عملك . فقال له عمر بن سعد : إن رأيت أن تعفيني فافعل . فقال عبيدالله : نعم ، على أن ترد علينا عهدنا . قال : فلما قال له ذلك ، قال له عمر بن سعد : أمهلني اليوم أنظر . قال : فانصرف عمر ، فجعل يستشير نصحاءه ، فلم يكن يستشير أحدا إلا نهاه . قال : وجاءه حمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن أخته ، فقال : أنشدك الله - يا خال - أن تسير إلى الحسين (عليه السـلام) فتأثم بربك ، وتقطع رحمك ، فوالله لأن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلها لو كان خير لك من أن تلقى الله بدم الحسين (عليه السـلام) فقال عمر بن سعد : فإني أفعل إن شاء الله .

              ص189
              الدلالة السابعة :
              خروج الآلاف المؤلفة من أهل الكوفة لقتال الإمام الحسين (عليه السـلام) يدل بوضوح – إلا عند من أعمى الله قلبه – على أكثرية الأمويين وأنصارهم في الكوفة ، إذ لا يعقل من عبيدالله بن زياد أن يرسل شيعة الإمام الحسين (عليه السـلام) إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) وهو يعلم بأن فعله هذا يقلب الموازين رأساً على عقب على بني أمية ، فجميع من خرج لقتاله (عليه السـلام) هم الأمويون وأنصارهم .
              الدلالة الثامنة :
              إن عدد من قتله المختار رحمه الله – دون من هرب – كثير جداً ، حتى قيل أنه قتل سبعين ألفاً (1) من قتلة الإمام الحسين (عليه السـلام) ، ولا يعقل بمقتضى ما تقدم أن يكون أولئك من الشيعة .
              قال سبط ابن الجوزي : ثم خرج المختار وكان يقول : [ ..... ] ووالله لأقتلنّ بقتلة الإمام الحسين (عليه السـلام) عدد من قتل على دم يحي بن زكريا (عليه السـلام) [ .... ] (2) .
              ـــــــــــ
              (1) قال الخوارزمي في مقتله ج2 ص 280 :
              وكان المختار قد قتل بالكوفة خلقا كثيرا من أهل الكوفة حتى قيل : إنه قتل سبعين ألفا ممن قتل أو قاتل الحسين (عليه السـلام) فتركه أصحابه لما في نفوسهم من الذحل على أقربائهم ، وتحوَّلوا إلى مصعب ، فلما رأى المختار ذلك نزل عن فرسه ، ونزل معه شيعة آل الرسول صلى الله عليه وآله الخُلَّص فبركوا على أفواه السكك ، فلم يزالوا يقاتلون من المغرب إلى الصبح ، ثم قال له بعض أصحابه : أما والله أخبرتنا أنا نقتل مصعباً ، فقال : بلى ، أما قال الله عز وجل : {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}! (39) سورة الرعد .
              (2) تذكرة الخواص – سبط ابن الجوزي ص 254 وذكر قبل هذا المقطع بعض مثالب المختار بن عبيدالله الثقفي . أقول : ويكفي المختار كرامة انتقامه لأهل البيت عليهم السـلام ، ودعاء الإمام زين العابدين (عليه السـلام) له عندما وصل رأس ابن زياد وابن سعد إلى المدينة . كما يأتي في ترجمتهما .

              ص190
              وكان الملاك عند المختار رحمه الله في قتل هؤلاء هو صدق الخروج على الإمام الحسين (عليه السـلام) فقد روى الطبري :
              قال : ونادى منادي المختار : إنه من أغلق بابه فهو آمن إلا رجلاً شرك في دم آل محمد (عليهم السـلام) (1) .
              الدلالة التاسعة :
              أن أهل الكوفة لما هلك يزيد بن معاوية أرادوا أن يقيموا خليفة عليهم فاختاروا – وأنت تعلم بأن اختيار الخليفة لا يكون إلا من الأكثر – الملعون قاتل الإمام الحسين (عليه السـلام) ، فهذا مما يبين لنا مدى ابتعاد الشيعة عن الكوفة ، وكثرة أعدائهم وسيطرتهم فيها . إذ أن أهل الكوفة رفضوا بيعة عبدالله بن زياد – لعنة الله عليه – وأرادوا أن بايعوا الملعون عمر بن سعد قاتل الحسين (عليه السـلام) إلا أن نساء همدان منعنَ من بيعته ، ثم بايعوا ابن الزبير المقاتل لأمير المؤمنين (عليه السـلام) والمعروف حاله مع أهل البيت عليهم السـلام (2) .
              فقد روى المسعودي والطبري ، واللفظ للأول ، قال :
              فخلع أهل الكوفة ولاية بني أمية وإمارة ابن زياد ، وأرادوا أن ينصبوا لهم أميراً إلى أن ينظروا في أمرهم، فقال جماعة: عمر بن سعد بن أبي وقاص يصلح لها، فلمّا هَمُّوا بتأميره أقبلت نساء من همدان وغيرهن من نساء كهلان [والأنصار] وربيعة والنخع حتى دخَلْنَ المسجد الجامع صارخات باكيات مُعْوِلات يندبنَ الحسين (عليه السـلام) ويقلنَ : أما رضي عمر بن سعد بقتل الحسين (عليه السـلام) حتى أراد أن يكون أميراً
              ــــــــــــــ
              (1) تاريخ الطبري ج3 ص 459 . ويأتي تفصيل هذه النقطة في حقائق تاريخية تبيّن موقف الشيعة من قتال الإمام الحسين (عليه السـلام).
              (2) تقدّم ما جرى بينه وبين ابن عباس رضوان الله عليه في الفصل الثالث من هذا الكتاب .
              ص191
              علينا على الكوفة !! ، فبكى الناس (1) ، وأعرضوا عن عمر ، وكان المبرزات في ذلك نساء همدان، وقد كان علي (عليه السـلام) مائلاً إلى همدان مؤثراً لهم، وهو القائل:
              فلو كنت بَوّاباً على باب جنة ... لقلت لهمدان ادخلوا بسلام (2) .
              وبعد هذا لا يستبعد بل يثبت أن من خذل وخرج لقتال الحسين (عليه السـلام) من الآلاف المؤلفة من أهل الكوفة كلّهم من شيعة بني أمية ومن غير الشيعة المعتقدة بإمامة أمير المؤمنين (عليه السـلام) وابناءه المعصومين (عليهم السـلام) بالنّص من الله عزّ وجلّ .


              يتبع ...

              تعليق


              • #8
                الأمر السابع : دهــاء ابن زيــاد :
                إن عبيدالله بن زياد داهية من دواهي بني أمية وهو يعمل جاهداً – حتى لا يصل أحد من الشيعة إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) لينصره في كربلاء ، وليس هو بالغبي حتى يرسل إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) شيعته ، وهو يعلم بأن وصولهم له (عليه السـلام) يقلب الموازين على بني أمية ، فأقام المراصد لمنعهم من الوصول إلى كربلاء .
                الأمر الثامن : اعتقال ابن زياد للشيعة وقتلهم ومنعهم من الوصول إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) في كربلاء.
                قد عمل ابن زياد جاهداً حتى لا يصل أحد من الشيعة إلى نصرة الإمام الحسين (عليه السـلام) ، فبدأ باعتقال الشيعة ممن أراد نصرة مسلم بن عقيل (عليه السـلام) وقتلهم ، وإلا لو كان يريد أن يرسل الشيعة مع جيشه لأرسل هؤلاء وغيرهم ممن زجّ في السجون ، ولا يخفى أن جعله المراصد في الكوفة دليل واضح لعدم إمكان تصوّر
                ـــــــــــــــ
                (1) فهل هؤلاء شيعة معتقدة بإمامة الإمام الحسين (عليه السـلام) بالنص ؟!. نعم هؤلاء محبين لأهل البيت عليهم السـلام ما دام حبهم لا يعارض مصالحهم ولا يُسئ لهم !.
                (2) مروج الذهب للمسعودي ج3 ص283 أيام معاوية بن يزيد – خبر ابن زياد – ، تاريخ الطبري ج3 ص375 ، وذكر بدل عمر بن سعد ، عمر بن سعيد .
                ص192
                أن ابن زياد يرسل إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) شيعته فقد جعل المراصد لاعتقالهم ، ومن اشتبه أنه منهم اختُبر ومُحِّصَ حتى يُعرف حاله ، ويعمل فيه ما أراد من القتل أو التعذيب ، فقد روى الطبري قال :
                (قال أبو مخنف) فحدثني ابن جناب الكلبي أن كثيرا ألفى رجلا من كلب يقال له عبد الأعلى بن يزيد قد لبس سلاحه يريد ابن عقيل في بني فتيان فأخذه حتى أدخله على ابن زياد فأخبره خبره فقال لابن زياد إنما أردتك قال وكنت وعدتني ذلك من نفسك فأمر به فحبس وخرج محمد بن الأشعث حتى وقف عند دور بني عمارة وجاءه عمارة بن صلخب الأزدي وهو يريد ابن عقيل عليه سلاحه فأخذه فبعث به إلى ابن زياد فحبسه فبعث ابن عقيل إلى محمد بن الأشعث من المسجد عبد الرحمن بن شريح الشبامى فلما رأى محمد بن الأشعث كثرة من أتاه أخذ يتنحى ويتأخر ، وأرسل القعقاع بن شور الذهلى إلى محمد الأشعث قد جلتُ على ابن عقيل من العرار ، فتأخر عن موقفه (1) .
                وذكر الطبري ايضاً مقتل من اعتقلهم عبيدالله بن زياد من الشيعة ، قال :
                ثم إن عبيدالله بن زياد لما قتل مسلم ابن عقيل وهانئ بن عروة دعا بعبد الأعلى الكلبي الذي كان أخذه كثير بن شهاب في بنى فتيان فأتى به فقال : له أخبرني بأمرك ؟
                فقال : أصلحك الله خرجت لأنظر ما يصنع الناس فأخذني كثير بن شهاب .
                فقال له : فعليك وعليك من الأيمان المغلظة إن كان أخرجك إلا ما زعمت .
                فأبى أن يحلف !!.
                فقال عبيدالله : انطلقوا بهذا إلى جبانة السبع فاضربوا عنقه بها .
                قال : فانطلق به ، فضربت عنقه .
                قال : وأخرج عمارة بن صلخب الأزدي - وكان ممن
                ـــــــــــــــ
                (1) تاريخ الطبري ج3 ص287 .
                ص193
                يريد أن يأتي مسلم بن عقيل بالنصرة لينصره - فأتي به أيضا عبيدالله فقال له ممن أنت ؟ قال : من الأزد . قال : انطلقوا به إلى قومه فضُرِبتْ عنقه فيهم (1) .
                وأيضاً لقلة الشيعة وتفرقهم في البلدان وكونهم معروفين جعل عبيدالله بن زياد المراصد والمسالح في الطرق المؤدية إلى كربلاء كي لا يصل أحد من الشيعة إلى نصرة الإمام الحسين (عليه السـلام) .
                فقد روى البلاذري ، قال :
                ووضع ابن زياد المناظر على الكوفة لئلا يجوز أحد من العسكر مخافة لأن يلحق بالحسين (عليه السـلام) مغيثاً له، ورتب المسالح حولها وجعل على حرس الكوفة والعسكر زحر بن قيس الجعفي، ورتب بينه وبين عسكر عمر بن سعد خيلاً مضمرة مقدحة ، فكان خبر ما قبله يأتيه في كل وقت (2) .
                وروى البلاذري أيضاً :
                قالوا : ولما بلغ عبيد الله بن زياد إقبال الحسين (عليه السـلام) إلى الكوفة بعث الحصين بن تميم بن أسامة التميمي، ثم أخذ بني جشيش بن مالك بن حنظلة، صاحب شرطه، حتى نزل القادسية ، ونظم الخيل بينها وبين خفان، وبينها وبين القطقطانة إلى العلع (3) .
                أفبعد هذا يعقل من داهية مثل ابن زياد أن يرسل الشيعة إلى إمامهم الحسين بن علي (عليهما السـلام) ؟!!.
                ـــــــــــــــ
                (1) تاريخ الطبري ج3 ص292 .
                (2) أنساب الأشراف – البلاذري ج3 ص 388 .
                (3) أنساب الأشراف – البلاذري ج3 ص377 – 378 .
                ص194
                الأمر التاسع : اشتراك أهل الأمصار في قتل الإمام الحسين (عليه السـلام) .
                لقد نص بعض المؤرخين على مشاركة غير أهل الكوفة من الأمصار الأخرى في قتال الإمام الحسين (عليه السـلام) ، ولا يتصور أنهم من شيعته ، وإذ لا يعقل أن يأتي الشيعي من بلاد بعيدة ليقاتل إمامه ! .
                ومن تلك النصوص التي وقفتُ عليها ما رواه أحمد بن عبيدالله الطبري ، قال : وما نقل من أن عمر بن سعد بن أبي وقاص قتله (أي الحسين عليه السـلام) فتاه ، فلا يصح ، وسبب نسبته إليه أنه كان أمير الخيل التي أخرجها عبيدالله بن زياد لقتاله ، ووعده إن ظفر أن يوليه الرَّي ، وكان في تلك الخيل والله أعلم قوم من أهل مصر وأهل اليمن (1) .
                ويؤيده ما ذكره المؤرخون ونصوا عليه من خروج سليمان بن صرد الخزاعي رحمه الله لقتال أهل الشام ، وهو دليل واضح على مشاركة أهل الشام في مقتل الإمام الحسين (عليه السـلام) وإلا فمثل سليمان بن صرد وأصحابه على جلالتهم وإيمانهم حتى نص على صحبة بعضهم لرسول الله صلى الله عليه وآله لا يقاتلون الأبرياء الذين لم يشركوا في قتال الإمام الحسين (عليه السـلام) .
                فقد روى سبط ابن الجوزي في تذكرته والطبري (2) ، واللفظ للأول ، قال :
                وقال ، فذكر هشام بن محمد ، قال : لما قُتل الحسين (عليه السـلام) تحركت الشيعة ، وبكوا ورأوا أنه لا يُنجيهم ، ولا يغسل عنهم العار والإثم إلا قتل من قتل الحسين (عليه السـلام) أو يقتلوا عن آخرهم ، وفزعوا إلى خمسة من أهل الكوفة ، وهو سليمان بن صرد الخزاعي – وكانت له صحبة مع رسول الله صلى الله عليه وآله –
                ـــــــــــــــ
                (1) ذخائر العقبى – أحمد بن عبدالله الطبري ص 146 .
                (2) وسأذكر ما ذكره الطبري في المقام مفصلا ، وإنما اكتفيت بما في تذكرة الخواص لإيجازه .
                ص195
                والمسيب بن نجبة الفزاري – وكان من أصحاب عليه (عليه السـلام) وخيارهم – وعبدالله بن سعد بن نفيل الأزدي ، وعبدالله بن والي التميمي ، ورفاعة بن شداد البجلي ، وكان اجتماعهم في منزل سليمان بن صرد ، فاتفقوا وتعاهدوا وتقاعدوا على المسير إلى أهل الشام ، والطلب بدم الحسين (عليه السـلام) ، وأن يكون اجتماعهم بالنخيلة سنة خمسة وستين .
                وقال سبط ابن الجوزي : قلت : "وما لقتالهم لأهل الشام معنى لأنه لم يحضر أحد من أهل الشام قتال الحسين (عليه السـلام) ، وإنما قتله أهل الكوفة ، فإن كان طلبهم ليزيد فقد مات ، وكانوا ينبغي أن يقتلوا قتلته (عليه السـلام) بالكوفة ، يطلبوا ابن زياد (1) .
                أقول : بل قتال هؤلاء الثقات وخروجهم على أهل الشام له معنى – لو تنبَّه سبط ابن الجوزي – يكشفه [يكشف] أن في قتالهم أهل الشام دلالة واضحة على مشاركتهم في دم الإمام الحسين (عليه السـلام) ، وذلك لأن مثل سليمان بن صرد رحمه الله وأصحابه وجلالتهم وعلوّ قدرهم أبعد عن قتال الأبرياء ، وهم أعرف من ابن الجوزي وغيره بمن شارك في دم الإمام الحسين (عليه السـلام) ، وهذا المعنى جاء أيضاً في روايات أهل البيت عليهم السـلام ، فقد روى الشيخ الكليني رحمه الله بإسناده :
                عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن سنان ، عن أبان ، عن عبد الملك قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن صوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرم ؟ ، فقال : تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه رضي الله عنهم بكربلا ، واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه ، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها ، واستضعفوا فيه الحسين صلوات الله عليه وأصحابه رضي الله عنهم ، وأيقنوا أن لا يأتي الحسين ( عليه السلام ) ناصر ، ولا يمدّه أهل العراق - بأبي المستضعف الغريب –
                ـــــــــــــــ
                (1) تذكرة الخواص – سبط ابن الجوزي ص 253 – 254 .
                ص196
                ثم قال : وأما يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين ( عليه السلام ) صريعاً بين أصحابه ، وأصحابه صرعى حوله [ عراة ] ، أفصومٌ يكون في ذلك اليوم ؟ ! كلاَّ ورب البيت الحرام ما هو يوم صوم ! وما هو إلا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين ، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام غضب الله عليهم وعلى ذرياتهم وذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام ، فمن صامه أو تبرك به حشره الله مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوط عليه ، ومن ادَّخر إلى منزله ذخيرة أعقبه الله تعالى نفاقاً في قلبه إلى يوم يلقاه ، وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده ، وشاركه الشيطان في جميع ذلك (1) .
                الأمر العاشر : أحوال ودواعي مَنْ كَتَبَ إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) .
                لا يخفى أن البيعة من المسلمين لا تدل على المشايعة بالمعنى الخاص لأهل البيت (عليهم السـلام) فأكثر المسلمين ممن بايعوا أمير المؤمنين (عليه السـلام) والإمام الحسن (عليه السـلام) بايعوهما على أنهما خليفتان كبقية الخلفاء ، بل كانوا يعتقدون بأن من مضى من الخلفاء أفضل منهما ، وهؤلاء كلهم ليسوا بشيعة بالمعنى الخاص ، بل الشيعة بالمعنى الخاص كما تقدم عليك هم خصوص من اعتقدوا بإمامة أمير المؤمنين (عليه السـلام) وأبنائه (عليهم السـلام) بالنص من الله بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، مثل الشيعة الإثني عشرية ، وممن مضى من أسلافهم كسلمان المحمدي والمقداد ورشيد الهجري ومالك الأشتر و .... و ... وغيرهم ممن تمسكوا بأقوال الرسول صلى الله عليه وآله في غدير خمّ وغيرها .
                ــــــــــــــ
                (1) الكافي – الكليني ج4 ص147 .

                ص197
                فمن بايع الإمام الحسين (عليه السـلام) هم عامة الناس حتى من أهل الحجاز (1) فأكثر من بايع الإمام الحسين (عليه السـلام) وكتب إليه من الكوفة هم أيضاً من عامة الناس الذين يعتقدون فيه بأنه ابن النبي صلى الله عليه وآله وأنه أهل العدل والصلاح كما يعتقدون ذلك بأبيه أمير المؤمنين (عليه السـلام) وأخيه الإمام الحسن (عليه السـلام) ، ولا يعتقدون بأنه الإمام بعد أخيه بالنص ، فكثير ممن بايعه وكتب إليه هم على هذه الشاكلة من سواد الناس (2) ، ولكن الدواعي تختلف :
                فمنهم الشيعة والداعي لهم إقرارهم بإمامته (عليه السـلام) بالنص من الله والطاعة له كطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله ، واعتقاد عصمته و ..... و ....و ..إلخ وهؤلاء قليلون جداً .
                ومنهم من بايعه (عليه السـلام) للغدر به والتنكيل به والتقرب بقتله وإراقة دمه إلى يزيد بن معاوية ، وهذا ما صرَّح به الإمام الحسين (عليه السـلام) في ليلة العاشر من المحرم فقد روى البلاذري قال : " وقال (عليه السـلام) : إنما يطلبوني وقد وجدوني ، وما كُتُبُ من كتَبَ إليَّ فيما أظن إلا مكيدة لي ، وتقرُّباً إلى ابن معاوية بي " (3) .
                ومنهم من أدرك بأن يزيد بن معاوية فاجر لا يتورع عن المحارم - كما سيأتي ذلك في ترجمته – لا يصلح لشيء من أمور المسلمين أصلاً ، فكتب إليه (عليه السـلام) للعيش تحت ظل العدل – وإن لم يعتقد بإمامته بالنص – وذلك لما عرف عنه أنه من أهل بيت النبوة ، وهم أهل التقوى والعدل والجود والكرم ، فلهم مكان في
                ــــــــــــــ
                (1) راجع ما جرى بين ابن الزبير وبين ابن عباس ، وأيضاً ما ذكره الإمام الحسين (عليه السـلام) عمّا يكنّه ابن الزبير في أحداث مكة المكرمة بأن الناس في مكة لا يعدلون به أحد ، وأيضاً من خرج من الناس مع الإمام الحسين (عليه السـلام) من مكة حتى إذا ما سمعوا بمقتل مسلم بن عقيل (عليه السـلام) تفرَّقوا عنه .
                (2) ومما يدل على ذلك بوضوح كتاب شبث بن ربعي وحجّار بن أبجر وعمرو بن الحجاج وغيرهم من الخوارج كما تقدم في المقتل ، وسنذكره في تراجم قتلة الإمام الحسين (عليه السـلام).
                (3) أنساب الأشراف – البلاذري ج3 ص393 .
                ص198
                قلوب من لهم شيء من العقل والتمييز ، وهؤلاء يوجد منهم كثير في زماننا وفي سائر الأزمنة السالفة ، إذ إن الكثير يدّعي محبة أهل البيت (عليه السـلام) حتى يظهروا ذلك بإنشاء قصائد المدح وغيرها ، ولكنهم لا يتبعونهم ! ، ولا يأخذون دينهم منهم بل من غيرهم ! ، ولا يتبرأ من أعدائهم ! (1) . طبعاً حبُّهم هذا ما دام لا يعارض شيء من
                ــــــــــــــ
                (1) والاعتقاد بأن الإمام الحسين (عليه السـلام) أهل العدل والتقوى مع عدم الاعتقاد بإمامته لا يقتضي عدم الفتك به (عليه السـلام) للمصالح وغيرها من الأغراض الدنيوية ، وهذا عيناً مثل السارق من الصلحاء فإنه مع اعتقاده بصلاحهم يسرقهم لمصلحة نفسه وإن كان يحبهم ويثني عليهم .
                وهذا بخلاف من يعتقد بإمامته (عليه السـلام) - وإنه لا يكون مؤمن إلا بالإيمان به ، ويعتقد بوجوب طاعته كطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله ، ونصرته كنصرته صلى الله عليه وآله ، وأن الله لا يقبل عمل عامل إلا بالتسليم والولاية له ، والبراءة من عدوّه – فإنه لا يتعدى عليه فضلا عن الفتك به بل يتطلب رضاه – وهذا ما صرح به المؤرخون من أن قلوب الكوفيين – الذين يقرُّون بفضله ، ولكن لا يعتقدون بإمامته – مع الحسين (عليه السـلام) ولكن سيوفهم عليه ، فهؤلاء من الكوفيين لا يختلفون عن السارق من الصالحين ، روى ذلك الطبري في تاريخ الطبري ج3 ص296 ، وابن كثير في البداية والنهاية ج8 ص166 – ص167 ، والبلاذري في أنساب الأشراف – ج3 ص376 – وقد ذكره بأكثر من خبر فيما جرى بين الإمام الحسين (عليه السـلام) والفرزدق – واللفظ للأول ، قال :
                (قال أبو مخنف) عن أبى جناب عن عدى بن حرملة عن عبد الله بن سليم والمذري ، قالا : أقبلنا حتى انتهينا إلى الصفاح فلقينا الفرزدق بن غالب الشاعر فواقف حسينا (عليه السـلام) ، فقال له : أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحب ، فقال له الحسين (عليه السـلام) : بين لنا نبأ الناس خلفك ؟ فقال له الفرزدق : من الخبير سألت ، قلوب الناس معك ، وسيوفهم مع بني أمية ، والقضاء ينزل من السماء ، والله يفعل ما يشاء ، فقال له الحسين (عليه السـلام) : صدقت لله الأمر والله يفعل ما يشاء وكل يوم ربنا في شأن إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يعتد من كان الحق نيته والتقوى سريرته ، ثم حرك الحسين (عليه السـلام) راحلته فقال : السلام عليك ، ثم افترقا .
                فقد روى ابن العديم في بغية الطلب في تاريخ حلب ج2 ص2614 ، قال :
                =
                ص199
                مصالحهم ولا يمسّهم به سوء .
                ومنهم من كتَبَ إليه (عليه السـلام) لعدم تعقله بيعة أحد من الناس ليزيد بن معاوية لِمَا فيه من الرذائل (1) .
                ومنهم من كتَبَ إليه (عليه السـلام) تمشياً مع الوضع العام .
                ومنهم من كتب إليه (عليه السـلام) لأجل المصالح والأغراض الدنيوية فما إن علموا بانتفاء ما رغَّبهم في البيعة فوراً تخلّوا عنه (عليه السـلام) فانظر – كشاهد – إلى أهل البلدان التي مرَّ (عليه السـلام) بها ومن التحق به من مكة ، فإنهم ما إن سمعوا بعدم تمام بيعته (عليه السـلام) في الكوفة – حينما وصل خبر مقتل مسلم بن عقيل (عليه السـلام) – تخلُّوا عنه ، ولم يبق إلا من خرج معه من المدينة ، وفي الكوفة كثير من هؤلاء أيضاً .
                فمن كتب إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) ليسوا هم الشيعة بالمعنى الخاص فقط بل الكثرة الكاثرة من غيرهم .
                ـــــــــــ
                =
                أنبأنا أبو علي الحسن بن هبة الله بن الحسن بن علي الدوامي قال: أخبرنا القاضي محمد بن عمر بن يوسف الأرموي قال: أخبرنا الشريف أبو الغنائم عبد الصمد بن علي بن المأمون قال: أخبرنا الشريف أبو الفضل محمد بن الحسن بن الفضل بن المأمون قال: حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري قال: حدثنا محمد ابن يونس قال: حدثنا أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي قال: حدثني لبطة بن الفرزدق عن أبيه قال: حججت فلما كنت بذات عرق لقيني الحسين بن علي (عليه السـلام) يريد الكوفة، فقصدته فسلمت عليه فقال لي: ما خلفت لنا وراءك بالبصرة؟ فقلت: قلوب القوم معك وسيوفهم مع بني أمية، فقال: "ما أشك في أنك صادق، الناس عبيد الدنيا، والدِّين لغو على ألسنتهم يحوطونه ما درَّتْ به معائشهم ، فإذا استُنبِطوا قلّ الديّانون".
                وروى ذلك أيضاً الخوارزمي في مقتله ج1 ص321 ، وقد تقدم تفصيل هذا في طريق الإمام الحسين (عليه السـلام) إلى العراق.
                (1) ويأتي ذكر شيء منها في ترجمته من هذا الفصل .

                يتبع ...

                تعليق


                • #9
                  ص200
                  الأمر الحادي عشر : موقف مَنْ كَتَبَ من الشيعة إلى الإمام الحسين (عليه السـلام)
                  إن الشيعة الذين كتبوا للإمام الحسين (عليه السـلام) بعد مجيء عبيدالله بن زياد ، بدأ فيهم القتل والسجن والتهديد وأنواع الضغوط اللاإنسانية ، وإلا فأين رموز الشيعة ووجهائها كالمختار (1) وسليمان بن صرد وبقية وجهاء الشيعة (2) ؟ . فهؤلاء كلُّهم كانوا في سجون ابن زياد (3) ، وأيضاً هلاَّ فكرتَ يوماً في ثورة المختار والآلآف من أنصاره – التي كانت بصدد إبادة قتلة الحسين (عليه السـلام) وعلى هذا أيضاً سليمان بن صرد صاحب ثورة التوّابين – فإنه لا يُعقل أن يثور قتلة الحسين (عليه السـلام) على قتلته (عليه السـلام) !!.
                  فإن قيل : إذن ما هو موقف الشيعة الباقية التي لم تُزَجُّ في السجون ؟!.
                  ـــــــــــ
                  (1) تاريخ الطبري ج3 ص294 ، قال :
                  وذكر هارون بن مسلم عن على بن صالح عن عيسى بن يزيد : أن المختار بن أبى عبيد وعبد الله بن الحارث بن نوفل كانا خرجا مع مسلم : خرج المختار براية خضراء ، وخرج عبد الله براية حمراء وعليه ثياب حمر ، وجاء المختار برايته فركزها على باب عمرو بن حريث وقال إنما خرجت لأمنع عمرا ، وأن الأشعث والقعقاع بن شور وشبث بن ربعي قاتلوا مسلما وأصحابه عشية سار مسلم إلى قصر ابن زياد قتالا شديدا وأن شبثا جعل يقول : انتظروا بهم الليل يتفرقوا فقال له القعقاع إنك قد سددت على الناس وجه مصيرهم فأفرج لهم ينسربوا وأن عبيدالله أمر أن يطلب المختار وعبد الله بن الحارث وجعل فيهما جعلا فأتى بهما فحبسا (وفى هذه السنة) كان خروج الحسين عليه السلام من مكة متوجها إلى الكوفة .
                  (2) قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج3 ص394 : ....... حضَّ سليمان على الجهاد ، وسار في ألوف لحرب عبيدالله بن زياد ...... .
                  (3) ويأتي في مقتل ميثم التمار رحمه الله برواية ابن حجر العسقلاني في ترجمة عبيدالله بن زياد ما يبين حبس المختار وأيضاً ما فعل بميثم رحمه الله في الكوفة قبل وصول الحسين (عليه السـلام) إلى العراق بعشرة أيام .

                  ص201
                  فالجواب – واضح – : بأن المانع لهم – مضافاً لقتلهم في الكوفة – هو الإرهاب (1) الذي فعله بنو أمية وأنصارهم في الشيعة من التفنن بالقتل والذبح والتمثيل وغيره فيهم وهو غير قليل ، وفيمن أراد نصرة الحسين (عليه السـلام) بالخصوص ، وهذا ظاهر في ما فعله عبيدالله بن زياد من تفننه في قتل أنصار أهل البيت عليهم السـلام حيث إنه ذبح هاني بن عروة ومسلم بن عقيل عليهما السـلام وغيرهم وصلبهم في السوق أمام الناس ، وسحب أجسادهم في الطرقات ، وما ذلك إلا لإيجاد الإرهاب والخوف في نفوس الكوفيين من الشيعة ، فما كان تقاعد بعض الشيعة إلا للإرهاب وبما فعله من جعل المراصد والعيون لملاحظة الشيعة ليمنعوهم من الوصول إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) ونصرته (2) ، ولهذا كان خروجهم بعد ذلك على قتلته (عليه السـلام) بعنوان التوبة من عدم نصرتهم للإمام الحسين (عليه السـلام) ، لا للاعتذار على قتالهم إياه ، فقد روى سبط بن الجوزي في تذكرته والطبري في تاريخه (3) واللفظ للأول ، قال :
                  فذكر علماء السير ، قالوا : لمّا قتل الحسين (عليه السـلام) سقط في أيدي القوم الذين قعدوا عن نصرته ، وقاموا مكفرين نادمين ، فلما مات يزيد بن معاوية منتصف ربيع الأول سنة أربع وستين تحركت الشيعة بالكوفة ، وكانوا يخافون منه وقيل تحركت في هذه السنة قبل موت يزيد وهو الأصح .
                  وقال : فذكر هشام بن محمد ، قال : لمّا قتل الحسين (عليه السـلام) تحركت الشيعة ، وبكوا ورأوا أنه لا ينجيهم ، ولا
                  ـــــــــــ
                  (1) أنظر إلى ما قاله عبيدالله بن الحر حينما طلب منه الحسين (عليه السـلام) النصرة واعتذر له بقوله : يا ابن رسول الله ! لو كان بالكوفة لك شيعة ، وأنصار يقاتلون معك لكنتُ أنا من أشدهم على عدوك ، ولكن يابن رسول الله رأيت شيعتك بالكوفة قد لزموا منازلهم خوفاً من سيوف بني أمية . مقتل الخوارزمي ج1 ص326 .
                  (2) تقدم ذلك تحت عنوان مع الشيعة من الوصول إلى الإمام الحسين في كربلاء .
                  (3) وسأذكر ما ذكره الطبري في المقام مفصلاً ، وإنما اكتفيتُ بما في "تذكرة الخواص" لإيجازه .

                  ص202
                  يغسل عنهم العار والإثم إلا قتل من قتل الحسين (عليه السـلام) أو يُقتلوا فيه عن آخرهم ، وفزعوا إلى خمسة من أهل الكوفة ، وهم : سليمان بن صرد الخزاعي – وكانت له صحبة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) – والمسيب بن نجبة الفزاري – وكان من أصحاب علي (عليه السـلام) وخيارهم – وعبدالله بن سعد بن نفيل الأزدي ، وعبدالله بن والي التميمي ، ورفاعة بن شداد البجلي ، وكان اجتماعهم في منزل سليمان بن صرد ، فاتفقوا وتعاهدوا وتعاقدوا على المسير إلى أهل الشام ، والطلب بدم الحسين (عليه السـلام) ، وأن يكون اجتماعهم بالنخيلة سنة خمس وستين .
                  وقال سبط ابن الجوزي : قلت : "وما لقتالهم لأهل الشام معنى (×) لأنه لم يحضر أحد من أهل الشام قتال الحسين (عليه السـلام) ، وإنما قتله أهل الكوفة ، فإن كان طلبهم ليزيد فقد مات ، وكانوا ينبغي أن يقتلوا قتلته (عليه السـلام) بالكوفة ، يطلبوا ابن زياد .
                  ثم أنهم كاتبوا الشيعة فأجابهم أهل الأمصار ، وقيل : إنهم تحركوا عقب قتل الحسين (عليه السـلام) أوَّلَ سنة إحدى وستين ، ولم يزالوا في جمع الأموال ، والاستعداد حتى مات يزيد "(2) .
                  الأمر الثاني عشر : نسبة علماء الخلاف قتل الإمام الحسين (عليه السـلام) إلى يزيد بن معاوية وأتباعه.
                  قد صرح علماء أهل الخلاف بأن قتلة الإمام الحسين (عليه السـلام) هم يزيد بن معاوية وأتباعه ، وسيتبين لك ذلك في تراجمهم الآتية ، وقد عقدتُ عنواناً خاصاً فيمن نُصَّ على أن يزيد بن معاوية – في ترجمته – قاتل الإمام الحسين (عليه السـلام) .
                  ـــــــــــ
                  (*) تقدَّمَ الرد على [سبط] ابن الجوزي تحت عنوان : اشتراك أهل الأمصار في قتل الإمام الحسين (عليه السـلام) .
                  (2) تذكرة الخواص – سبط ابن الجوزي ص253 – 254 .

                  ص203
                  ومن هؤلاء الذهبي ، قال : وكان (يزيد بن معاوية) ناصبياً ، فظا، غليظا، جلفا. يتناول المسكر، ويفعل المنكر. افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين (عليه السـلام) ، واختتمها بواقعة الحَرَّة، فمقته الناس. ولم يُبَارَك في عمره. وخرج عليه غير واحد بعد الحسين (عليه السـلام) . كأهل المدينة قاموا لله، وكمرداس بن أدية الحنظلي البصري، ونافع بن الأزرق (1) .
                  أقول : فإلصاق تهمة قتل الإمام الحسين (عليه السـلام) بالشيعة ليس بالاعتباط بل هو أمر متعمّد ومقصود لتبرأة بني أمية وإبعاد الناس عن أهل الحق (عليهم السـلام) وشيعتهم ، وإلا لماذا التخصيص بأهل الكوفة ، وإخراج غيرهم !! مع أنه لو ثبتَ أنهم خصوص أهل الكوفة لا يثبت اختصاص ذلك بالشيعة ، ولكن لكون الشيعة عُرفوا أنهم أكثر تواجداً في الكوفة ، وأن عدوَّهم الشاهر الظاهر هم أهل الشام ، فنسبوا القتل لخصوص أهل الكوفة .

                  حقائق تاريخية تبين موقف الشيعة من مقتل الإمام الحسين (عليه السـلام)
                  فلكي يتبين كثير من الحقائق نذكر بدء تحرك الثائرين ضد قتلة الإمام الحسين (عليه السـلام) ليتضح ما أراد أهل الخلاف إلصاقه بشيعة أهل البيت (عليهم السـلام) ، ويتضح لك تفرق أماكن الشيعة وقلّتهم في الكوفة – زيادة على ما تقدّم - . ويتضح عدم مشاركتهم في قتل الإمام الحسين (عليه السـلام) !! وما تقدَّم عن سبط ابن الجوزي شبه اختصار لهذا .
                  قال الطبري (2) :
                  ـــــــــــــــ
                  (1) سير أعلام النبلاء – الذهبي ج4 ص37 .
                  (2) تاريخ الطبري ج3 ص390 .
                  ص204
                  (قال أبو جعفر) : وفى هذه السنة تحركت الشيعة بالكوفة واتَّعَدُوا الاجتماع بالنخيلة في سنة 65 للمسير إلى أهل الشام للطلب بدم الحسين بن علي (عليه السـلام) ، وتكاتبوا في ذلك .
                  ذكر الخبر عن مبدأ أمرهم في ذلك :
                  (قال هشام) بن محمد : حدثنا أبو مخنف قال حدثني يوسف بن يزيد عن عبد الله ابن عوف بن الأحمر الأزدي قال لما قتل الحسين بن علي (عليه السـلام) ورجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة فدخل الكوفة تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندم ، ورأت أنها قد أخطأت خطأ كبيرا بدعائهم الحسين إلى النصرة وتركهم إجابته ومقتله إلى جانبهم لم ينصروه ورأوا أنه لا يغسل عارهم والإثم عنهم في مقتله إلا بقتل من قتله أو القتل فيه ففزعوا بالكوفة إلى خمسة نفر من رؤوس الشيعة إلى سليمان بن صرد الخزاعى - وكانت له صحبة مع النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم - وإلى المسيب بن نجبة الفزارى - وكان من أصحاب علي (عليه السـلام) وخيارهم - وإلى عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي وإلى عبد الله بن وال التيمى وإلى رفاعة بن شداد البجلي.
                  ثم إن هؤلاء النفر الخمسة اجتمعوا في منزل سليمان بن صرد وكانوا من خيار أصحاب علي (عليه السـلام) - ومعهم أناس من الشيعة وخيارهم ووجوههم - .
                  قال : فلما اجتمعوا إلى منزل سليمان بن صرد بدأ المسيب بن نجبة القوم بالكلام فتكلم فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله ، ثم قال :
                  أما بعد فإنا قد ابتلينا بطول العمر والتعرض لأنواع الفتن فنرغب إلى ربنا ألا تجعلنا ممن يقول له غدا {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} (1) ، فان أمير المؤمنين ، قال : "العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة " ،
                  ـــــــــــــــ
                  (1) سورة فاطر : آية 37 .

                  ص205
                  وليس فينا رجل إلا وقد بلغه وقد كنا مغرمين بتزكية أنفسنا وتقريظ شيعتنا حتى بلا الله أخيارنا فوجدنا كاذبين في موطنين من مواطن ابن ابنة نبينا صلى الله عليه وآله وقد بلغتنا قبل ذلك كتبه وقدمت علينا رسله وأعذر إلينا يسألنا نصره عودا وبدءا وعلانية وسرا فبخلنا عنه بأنفسنا حتى قتل إلى جانبنا لا نحنُ نصرناه بأيدينا ولا جادلنا عنه بألسنتنا ولا قويناه بأموالنا ولا طلبنا له النصرة إلى عشائرنا فما عذرنا إلى ربنا وعند لقاء نبينا صلى الله عليه وآله وقد قتل فينا ولده وحبيبه وذريته ونسله لا والله لا عذر دون أن تقتلوا قاتله والموالين عليه أو تقتلوا في طلب ذلك فعسى ربنا أن يرضى عنا عند ذلك وما أنا بعد لقائه لعقوبته بآمن.
                  أيها القوم ولوا عليكم رجلا منكم فانه لابد لكم من أمير تفزعون إليه وراية تحفون بها أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
                  قال : فبدر القوم رفاعة بن شداد بعد المسيب الكلام فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال أما بعد فان الله قد هداك لأصوب القول ودعوت إلى أرشد الأمور بدأت بحمد الله الثناء عليه والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم ودعوت إلى جهاد الفاسقين وإلى التوبة من الذنب العظيم فمسموع منك مستجاب لك مقبول قولك .
                  قلت : ولوا أمركم رجلا منكم تفزعون إليه وتحفون برايته وذلك رأى قد رأينا مثل الذي رأيت فان تكن أنت ذلك الرجل تكن عندنا مرضيا وفينا متنصحا في جماعتنا محبا وإن رأيت ورأى أصحابنا ذلك ولينا هذا الأمر شيخ الشيعة صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وذا السابقة والقدم سليمان بن صرد المحمود في بأسه ودينه والموثوق بحزمه أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
                  قال : ثم تكلم عبد الله بن وال وعبد الله بن سعد فحمدا ربهما وأثنيا عليه وتكلما بنحو من كلام رفاعة بن شداد فذكرا المسيب بن نجبة بفضله ، وذكرا
                  ص206
                  سليمان بن صرد بسابقته ورضاهما بتوليته.
                  فقال المسيب بن نجبة : أصبتم ووفقتم وأنا أرى مثل الذي رأيتم فولوا أمركم سليمان بن صرد.
                  (قال أبو مخنف) : فحدثت سليمان بن أبى راشد بهذا الحديث ، فقال : حدثني حميد بن مسلم ، قال : والله إني لشاهد بهذا اليوم يوم ولوا سليمان بن صرد وإنا يومئذ لأكثر من مائة رجل من فرسان الشيعة ووجوههم في داره .
                  قال : فتكلم سليمان بن صرد فشدد وما زال يردد ذلك القول في كل جمعة حتى حفظته بدأ فقال أثنى على الله خيرا وأحمد آلاءه وبلاءه وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله :
                  أما بعد ؛ فإني والله لخائف ألا يكون آخرنا إلى هذا الدهر الذي نكدت فيه المعيشة وعظمت قيه الرزية وشمل فيه الجور أولى الفضل من هذه الشيعة لما هو خير إنا كنا نمد أعناقنا إلى قدوم آل نبينا ونمنيهم النصر ونحثهم على القدوم فلما قدموا ونينا وعجزنا وادهنا وتربصنا وانتظرنا ما يكون حتى قتل فينا ولدينا ولد نبينا وسلالته وعصارته وبضعة من لحمه ودمه إذ جعل يستصرخ ويسأل النصف فلا يعطاه اتخذه الفاسقون غرضا لنبل ودرية للرماح حتى أقصدوه وعدوا عليه فسلبوه ألا انهضوا فقد سخط ربكم ولا ترجعوا إلى الحلائل والأبناء حتى يرضى الله والله ما أظنه رضيا دون أن تناجزوا من قتله أو تبيروا .
                  ألا لا تهابوا الموت فوالله ما هابه امرؤ قط إلا ذل كونوا كالأولى من بني إسرائيل إذ قال لهم نبيهم {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى
                  ص207
                  بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ} (1) فما فعل القوم جثوا على الركب والله ومدوا الأعناق ورضوا بالقضاء حتى حين علموا أنه لا ينجيهم من عظيم الذنب إلا الصبر على القتل فكيف بكم لو قد دعيتم إلى مثل ما دعى القوم إليه أشحذوا السيوف وركبوا الأسنة {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}(2) حتى تدعوا حين تدعون وتستنفرون .
                  قال : فقام خالد بن سعد بن نفيل فقال أما أنا فوالله لو أعلم أن قتلى نفسي يخرجني من ذنبي ويرضى عنى ربى لقتلتها ولكن هذا أمر به قوم كانوا قبلنا ونهينا عنه فأشهد الله ومن حضر من المسلمين ان كلما أصبحت أملكه سوى سلاحي الذي أقاتل به عدوى صدقة على المسلمين أقويهم به على قتال القاسطين .
                  وقام أبو المعتمر حنش بن ربيعة الكنانى ، فقال : وأنا أشهدكم على مثل ذلك .
                  فقال سليمان بن صرد : حسبكم من أراد من هذا شيئا فليأت بماله عبد الله بن وال التيمى تيم بكر بن وائل فإذا اجتمع عنده كلما تريدون إخراجه من أموالكم جهزنا به ذوى الخلة والمسكنة من أشياعكم .
                  (قال أبو مخنف) لوط بن يحيى عن سليمان بن أبى راشد قال فحدثنا حميد ابن مسلم الأزدي أن سليمان بن صرد قال لخالد بن سعد بن نفيل حين قال له والله لو علمت أن قتلي نفسي يخرجني من ذنبي ويرضى عنى ربي لقتلتها ولكن هذا أمر به قوم غيرنا كانوا من قبلنا ونهينا عنه قال أخوكم هذا غدا فريس أول الأسنة قال فلما تصدق بماله على المسلمين ، قال له : أبشر بجزيل ثواب الله
                  ـــــــــــــــــ
                  (1) سورة البقرة : آية 54 .
                  (2) سورة الأنفال : آية 60 .

                  ص208
                  الذين لأنفسهم يمهدون .


                  يتبع ..

                  تعليق


                  • #10
                    تابع (ص208) ..
                    (قال أبو مخنف) حدثني الحصين بن يزيد بن عبد الله بن سعد بن نفيل قال أخذت كتابا كان سليمان بن صرد كتب به إلى سعد بن حذيفة بن اليمان بالمدائن فقرأته زمان ولى سليمان قال فلما قرأته أعجبني فتعلمته فما نسيته كتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم من سليمان بن صرد إلى سعد بن حذيفة ومن قبله من المؤمنين سلام عليكم أما بعد فان الدنيا دار قد أدبر منها ما كان معروفا وأقبل منها ما كان منكرا وأصبحت قد تشنأت إلى ذوى الألباب وأزمع بالترحال منها عباد الله الأخيار وباعوا قليلا من الدنيا لا يبقى بجزيل مثوبة عند الله لا يفنى إن أولياء من إخوانكم وشيعة آل نبيكم نظروا لأنفسهم فيما ابتلوا به من أمر ابن بنت نبيهم الذي دعى فأجاب ودعا فلم يجب وأراد الرجعة فحبس وسأل الأمان فمنع وترك الناس فلم يتركوه وعدوا عليه فقتلوه ثم سلبوه وجردوه ظلما وعدوانا وغرة بالله وجهلا وبعبر الله ما يعملون وإلى الله ما يرجعون {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (1) ، فلما نظروا إخوانكم وتدبروا عواقب ما استقبلوا رأوا أن قد خطئوا بخذلان الزكي الطيب وإسلامه وترك مواساته والنصر له خطأ كبيرا ليس لهم منه مخرج ولا توبة دون قتل قاتليه أو قتلهم حتى تفنى على ذلك أرواحهم فقد جدوا إخوانكم فجدوا وأعدوا واستعدوا وقد ضربنا لإخواننا أجلا يوافوننا إليه وموطنا يلقوننا فيه فأما الأجل فغرة شهر ربيع الآخر سنة 65 وأما الموطن الذي يلقوننا فيه فالنخيلة .
                    أنتم الذين لم تزالوا لنا شيعة وإخوانا وإلا وقد رأينا أن ندعوكم إلى هذا
                    ـــــــــــــ
                    (1) سورة الشعراء : آية 227 .

                    ص209
                    الأمر الذي أراد الله به إخوانكم فيما يزعمون ويظهرون لنا أنهم يتوبون وأنكم جدراء بتطلاب الفضل والتماس الأجر والتوبة إلى ربكم من الذنب ولو كان في ذلك حز الرقاب وقتل الأولاد واستيفاء الأموال وهلاك العشائر ما ضر أهل عذراء الذين قتلوا ألا يكونوا اليوم أحياء وهم عند ربهم يرزقون شهداء قد لقوا الله صابرين محتسبين فأثابهم ثواب الصابرين يعنى حجرا وأصحابه وما ضر إخوانكم المقتلين صبرا المصلبين ظلما والممثول بهم المعتدى عليهم ألا يكونوا أحياء مبتلين بخطاياكم قد خير لهم فلقوا ربهم ووافاهم الله إن شاء الله آجرهم فاصبروا رحمكم الله على البأساء والضراء وحين البأس وتوبوا إلى الله عن قريب فوالله إنكم لاحرياء ألا يكون أحد من إخوانكم صبر على شئ من البلاء إرادة ثوابه إلا صبرتم التماس الأجر فيه على مثله ولا يطلب رضاء الله طالب بشئ من الأشياء ولو أنه القتل إلا طلبتم رضاء الله به ان التقوى أفضل الزاد في الدنيا وما سوى ذلك يبور ويفنى فلتعزف عنها أنفسكم ولتكن رغبتكم في دار عافيتكم وجهاد عدو الله وعدوكم وعدو أهل بيت نبيكم حتى تقدموا على الله تائبين راغبين أحيانا الله وإياكم حياة طيبة وأجارنا وإياكم من النار وجعل منايانا قتلا في سبيله على يدي أبغض خلقه الله وأشدهم عداوة له انه القدير على ما يشاء والصانع لأوليائه في الأشياء والسلام عليكم.
                    قال : وكتب ابن صرد الكتاب وبعث به إلى سعد بن حذيفة بن اليمان مع عبد الله بن مالك الطائي فبعث به سعد حين قرأ كتابه إلى من كان بالمدائن من الشيعة وكان بها أقوام من أهل الكوفة قد أعجبتهم فأوطنوها وهم يقدمون الكوفة في كل حين عطاء ورزق فيأخذون حقوقهم وينصرفون إلى أوطانهم فقرأ عليهم سعد كتاب سليمان بن صرد ثم إنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإنكم قد كنتم مجتمعين مزمعين على نصر الحسين (عليه السـلام) وقتال عدوه ، فلم
                    ص210
                    يفجأكم أول من قتله ، والله مثيبكم على حسن النية وما أجمعتم عليه من النصر أحسن المثوبة وقد بعث إليكم إخوانكم يستنجدونكم ويستمدونكم ويدعونكم إلى الحق وإلى ما ترجون لكم به عند الله أفضل الأجر والحظ فماذا ترون وماذا تقولون ؟
                    فقال القوم بأجمعهم : نجيبهم ونقاتل معهم ورأينا في ذلك مثل رأيهم فقام عبد الله بن الحنطل الطائى ثم الحزمرى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإنا قد أجبنا إخواننا إلى ما دعونا إليه وقد رأينا مثل الذي قد رأوا فسرحني إليهم في الخيل فقال له رويدا لا تعجل استعدوا للعدو وأعدوا له الحرب ثم نسير وتسيرون .
                    وكتب سعد بن حذيفة بن اليمان إلى سليمان بن صرد مع عبد الله بن مالك الطائي بسم الله الرحمن الرحيم إلى سليمان بن صرد من سعد ابن حذيفة ومن قبله من المؤمنين سلام عليكم أما بعد فقد قرأنا كتابك وفهمنا الذي دعوتنا إليه من الأمر الذي عليه رأى الملا من إخوانك فقد هديت لحظك ويسرت لرشدك ونحن جادون مجدون معدون مسرجون ملجمون ننتظر الأمر ونستمع الداعي فإذا جاء الصريخ أقبلنا ولم نعرج إن شاء الله والسلام .
                    فلما قرأ كتابه سليمان بن صرد قرأه على أصحابه فسروا بذلك .
                    قال : وكتب إلى المثنى بن محربة العبدى نسخة الكتاب الذي كان كتب به إلى سعد بن حذيفة بن اليمان وبعث به مع ظبيان بن عمارة التميمي من بني سعد فكتب إليه المثنى أما بعد فقد قرأت كتابك وأقرأته إخوانك فحمدوا رأيك واستجابوا لك فنحن موافوك إن شاء الله للأجل الذي ضربت وفى الموطن الذي ذكرت والسلام عليك وكتب في أسفل كتابه :
                    ص211
                    تبصَّر كأني قد أتيتك مُعْلِمَا * على أتلعِ الهادى أجشَّ هزيمِ
                    طويل القرى نهد الشواء مقلص * ملح على فأس اللجام
                    أزوم بكل فتى لا يملا الروع نحره * محس لعض الحرب غير سؤوم
                    أخي ثقة ينوى الإله بسعيه * ضروب بنصل السيف غير أثيم (1) .
                    وروى الطبري ، قال :
                    (قال أبو مخنف) لوط بن يحيى عن الحارث بن حصيرة عن عبد الله بن سعد ابن نفيل قال كان أول ما ابتدعوا به من أمرهم سنة 61 وهى السنة التي قتل فيها الحسين (عليه السـلام) فلم يزل القوم في جمع آلة الحرب والاستعداد للقتال ودعاء الناس في السر من الشيعة وغيرها إلى الطلب بدم الحسين (عليه السـلام) فكان يجيبهم القوم بعد القوم والنفر بعد النفر فلم يزالوا كذلك وفى ذلك حتى مات يزيد بن معاوية يوم الخميس لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول سنة 64 وكان بين قتل الحسين (عليه السـلام) وهلاك يزيد بن معاوية ثلاث سنين وشهران وأربعة أيام وهلك يزيد وأمير العراق عبيدالله بن زياد وهو بالبصرة وخليفته بالكوفة عمرو بن حريث المخزومى فجاء إلى سليمان أصحابه من الشيعة فقالوا قد مات هذا الطاغية والأمر الآن ضعيف فإن شئت وثبنا على عمرو بن حريث فأخرجناه من القصر ثم أظهرنا الطلب بدم الحسين (عليه السـلام) وتتبعنا قتلته ودعونا الناس إلى أهل هذا البيت المُستأثر عليهم المدفوعين عن حقهم ، فقالوا في ذلك فأكثروا .
                    فقال لهم سليمان بن صرد : رويدا لا تعجلوا إني قد نظرت فيما تذكرون فرأيت أن قتلة الحسين هم أشراف أهل الكوفة وفرسان العرب وهم المطالبون
                    ـــــــــــــــ
                    (1) تاريخ الطبري ج3 ص390 إلى ص394 .

                    ص212
                    بدمه ومتى علموا ما تريدون وعلموا أنهم المطلوبون كانوا أشدَّ عليكم ونظرت فيمن تبعني منكم فعلمت أنهم لو خرجوا لم يدركوا ثأرهم ولم يشفوا أنفسهم ولم ينكوا في عدوهم وكانوا لهم جزرا ولكن بثوا دعاتكم في المصر فادعوا إلى أمركم هذا شيعتكم وغير شيعتكم فإني أرجو أن يكون الناس اليوم حيث هلك هذا الطاغية أسرع إلى أمركم استجابة منهم قبل هلاكه ففعلوا وخرجت طائفة منهم دعاة يدعون الناس فاستجاب لهم ناس كثير بعد هلاك يزيد بن معاوية أضعاف من كان استجاب لهم قبل ذلك.
                    (قال هشام) : قال أبو مخنف : وحدثنا الحصين بن يزيد عن رجل من مزينة قال ما رأيت من هذه الأمة أحدا كان أبلغ من عبيدالله بن عبد الله المري في منطق ولا عظة وكان من دعاة أهل المصر زمان سليمان بن صرد وكان إذا اجتمعت إليه جماعة من الناس فوعظهم بدأ بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله ثم يقول أما بعد فإن الله اصطفى محمدا صلى الله عليه وآله على خلقه بنبوته وخصه بالفضل كله وأعزكم باتباعه وأكرمكم بالايمان به فحقن به دماءكم المسفوكة وآمن به سبلكم المخوفة {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (1) ، فهل خلق ربكم في الأولين والآخرين أعظم حقا على هذه الأمة من نبيها وهل ذرية أحد من النبيين والمرسلين أو غيرهم أعظم حقا على هذه الأمة من ذرية رسولها ؟ لا والله ماكان ولا يكون لله أنتم ألم تروا ويبلغكم ما اجترم إلى ابن بنت نبيكم أما رأيتم إلى انتهاك القوم حرمته واستضعافهم وحدته وترميلهم إياه بالدم وتجرارهموه على الأرض لم يرقبوا فيه ربهم ولا قرابته من الرسول صلى الله عليه وآله ، اتخذوه للنبل غرضا ، وغادروه للضباع
                    ــــــــــــــ
                    (1) سورة آل عمران : آية 103 .
                    ص213
                    جزرا فلله عينا من رأى مثله ولله حسين بن علي (عليه السـلام) ماذا غادروا به ذا صدق وصبر وذا أمانة ونجدة وحزم ابن أول المسلمين إسلاما وأبن بنت رسول رب العالمين قلت حماته وكثرت عداته حوله فقتله عدوه وخذله وليه فويل للقاتل وملامة للخاذل إن الله لم يجعل لقاتله حجة ولا لخاذله معذرة إلا أن يناصح لله في التوبة فيجاهد القاتلين وينابذ القاسطين فعسى الله عند ذلك أن يقبل التوبة ويقيل العثرة إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه والطلب بدماء أهل بيته وإلى جهاد المحلين والمارقين فإن قتلنا فما عند الله خير للأبرار وإن ظهرنا رددنا هذا الأمر إلى أهل بيت نبينا صلى الله عليه وآله .
                    قال : وكان يعيد هذا الكلام علينا في كل يوم حتى حفظه عامتنا.
                    قال : ووثب الناس على عمرو بن حريث عند هلاك يزيد بن معاوية فأخرجوه من القصر واصطلحوا على عامر بن مسعود ابن أمية بن خلف الجمحى وهو دحروجة الجعل الذي قال له ابن همام السلولى :
                    أشدد يديك بزيد إن ظفرتَ به * واشف الأرامل من دحروجة الجعل
                    وكان كأنه إيهام قصرا وزيد مولاه وخازنه فكان يصلى بالناس وبايع لابن الزبير ولم يزل أصحاب سليمان بن صرد يدعون شيعتهم وغيرهم من أهل مصرهم حتى كثر تبعهم وكان الناس إلى اتباعهم بعد هلاك يزيد بن معاوية أسرع منهم قبل ذلك (1) .
                    وقال الذهبي وابن حجر وغيرهما واللفظ للأول ، قال : - في ترجمة سليمان بن صرد – : " سليمان بن صرد ، الأمير أبو مطرف الخزاعي الكوفي الصحابي. له رواية يسيرة. وعن أبي، وجبير بن مطعم.
                    وعنه: يحيى بن يعمر، وعدي بن
                    ـــــــــــــــ
                    (1) تاريخ الطبري ج3 ص394 – 395 .
                    ص214
                    ثابت، وأبو إسحاق، وآخرون.
                    قال ابن عبد البر: كان ممن كاتب الحسين (عليه السـلام) ليبايعه، فلما عجز عن نصره ندم، وحارب.
                    قلت: كان دينا عابدا، خرج في جيش تابوا إلى الله من خذلانهم الحسين (عليه السـلام) الشهيد، وساروا للطلب بدمه، وسموا جيش التوابين.
                    وكان هو الذي بارز يوم صفين حوشبا ذا ظليم، فقتله.
                    حض سليمان على الجهاد، وسار في ألوف لحرب عبيد الله بن زياد، وقال: إن قتلت فأميركم المسيب بن نجبة.
                    والتقى الجمعان، وكان عبيد الله في جيش عظيم، فالتحم القتال ثلاثة أيام، وقتل خلق من الفريقين.
                    واستحر القتل بالتوابين شيعة الحسين (عليه السـلام) ، وقُتِلَ أمراؤهم الأربعة، سليمان، والمسيب، وعبد الله بن سعد، وعبد الله بن والي، وذلك بعين الوردة التي تُدعى رأس العين سنة خمس وستين، وتحيَّزَ بمن بقي منهم رفاعة بن شداد إلى الكوفة " (1) .
                    فاتضح من مصادر القوم أن الشيعة قلة مستضعفة لم تتمكن من نصرة الحسين (عليه السـلام) فخرجوا على قلّتهم بعد ذلك تائبين حتى أنهم لم يخرجوا بوحدهم بل خرج معهم من لم يحضر قتل الحسين (عليه السـلام) من غير الشيعة أيضاً .
                    وهذا المختار رحمه الله خرج بالشيعة للانتقام من قتلة الإمام الحسين (عليه السـلام) والأخذ بثاره ، فهل هذا يتصور من الذي يأخذ بثأر الإمام الحسين (عليه السـلام) أنه ممن قاتل الإمام الحسين (عليه السـلام) ؟!! .
                    قال سبط ابن الجوزي : ثم خرج المختار وكان يقول : (.... ووالله لأقتلن بقتلة الحسين (عليه السـلام) عدد من قُتِلَ على دم يحي بن زكريا ...) (2) .
                    ــــــــــــــ
                    (1) سير أعلام النبلاء – الذهبي ج3 ص394 ، تهذيب التهذيب – ابن حجر ج4 ص175 .
                    (2) تذكرة الخواص – سبط ابن الجوزي ص254 وذكر قبل هذا المقطع بعض مثالب المختار بن عبيدالله الثقفي . أقول : ويكفي كرامة انتقامه لأهل البيت عليهم السـلام ، ودعاء الإمام زين العابدين (عليه السـلام) له عندما وصل رأس ابن زياد وابن سعد إلى المدينة ، كما يأتي في ترجمتهما .

                    ص215
                    وكان الملاك في قتل هؤلاء هو صدق الخروج على الحسين (عليه السـلام) فقد روى الطبري ، قال :
                    واستخرج من دور الوادعيين خمسمائة أسير فأتى بهم المختار مكتفين فأخذ رجل من بنى نهد وهو من رؤساء أصحاب المختار يقال له عبد الله بن شريك لا يخلو بعربي إلا خلى سبيله فرفع ذلك المختار درهم مولى لبنى نهد فقال له المختار اعرضوهم على وانظروا كل من شهد منهم قتل الحسين (عليه السـلام) فأعلموني به فأخذوا لا يمر عليه برجل قد شهد قتل الحسين (عليه السـلام) إلا قيل له هذا ممن شهد قتله فيقدمه فيضرب عنقه ...إلخ (1) .
                    روى الطبري أيضاً قال :
                    قال ونادى منادي المختار : إنه من أغلق بابه فهو آمن إلا رجلاً شرك في دم آل محمد (عليه السـلام) (2) .
                    روى ابن خلدون ، قال :
                    وأسر من الوادعيين خمسمائة أسير فقتل المختار كل من شهد قتل الحسين (عليه السـلام) منهم فكانوا نصفهم وأطلق الباقين ونادى المختار الأمان إلا من شهد في دماء أهل البيت (3) .
                    أقول : أوليسَ هؤلاء الألوف المؤلفة – الذين تجمعوا بعد تفرقهم في البلدان – فيهم من شيعة أهل البيت عليهم السـلام ، وهم يقاتلون قتلة الإمام الحسين (عليه السـلام) ، أفبعد هذا يعقل أن شيعة الإمام الحسين (عليه السـلام) شركت في دمه ؟!! ، إذ لا يعقل أن قتلة الإمام
                    ــــــــــــ
                    (1) تاريخ الطبري ج3 ص458 .
                    (2) تاريخ الطبري ج3 ص459 .
                    (3) تاريخ ابن خلدون – ابن خلدون ج3 ص25 .

                    ص215
                    الحسين (عليه السـلام) يقاتلون قتلته ؟! وكيف ذلك وعدد من قتله المختار رحمه الله من قتلة الحسين (عليه السـلام) سبعون ألف (1) كما قيل ؟ ..
                    وأيضاً كما تقدم فإن عبيدالله داهية من دواهي بني أمية وهو يعمل جاهداً – حتى لا يصل أحد من الشيعة إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) لينصره في كربلاء ، وليس هو بالغبي حتى يرسل إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) شيعته ، وهو يعلم بأن وصولهم له (عليه السـلام) يقلب الموازين على بني أمية ، فما فعله ابن زياد هو قتل الشيعة وإبعادهم وعدم تمكينهم من أن يصلوا إلى نصرة إمامهم الحسين (عليه السـلام) (2) .
                    قول الإمام الحسين (عليه السـلام) : هذه كُتب شيعتي أو كَتَبَتْ إلينا شيعتنا أو خذلتنا شيعتنا بالعراق.
                    بما تقدم في أول هذا الفصل – من أن للفظ الشيعة معنيان عام وخاص – يتضح أن قول الإمام الحسين (عليه السـلام) على تقدير ثبوته : هذه كتب شيعتي ، أو كَتَبَتْ إلينا شيعتنا ، أو خذلتنا شيعتنا بالعراق وغيرها من هذه التعابير – محمول على المعنى العام وهم الأتباع والأنصار ، وهم كثير – بل هم أغلب من يبايع في ذلك الزمان أمير المؤمنين (عليه السـلام) ، ومن بعده الإمام الحسن (عليه السـلام) ، وبعده الإمام
                    ــــــــــــ
                    (1) قال الخوارزمي في مقتله ج2 ص280 :
                    وكان المختار قد قتل بالكوفة خلقاً كثيراً من أهل الكوفة حتى قيل : إنه قتل سبعين ألفاً ممن قتل أو قاتل الحسين (عليه السـلام) فتركه أصحابه لما في نفوسهم من الذحل على أقربائهم ، وتحولوا إلى مصعب ، فلما رأى المختار ذلك نزل عن فرسه ، ونزل معه شيعة آل الرسول (صلى الله عليه وآله) الخلّص فبركوا على أفواه السكك ، فلم يزالوا يقاتلون من المغرب إلى الصبح ، ثم قال له بعض أصحابه : أما والله أخبرتنا أنا نَقتل مصعباً ؟! فقال : بلى ، أما قال الله عزّ وجل : {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}(39) سورة الرعد.
                    (2) تقدم بيان ذلك مفصلاً في الأمر السادس .

                    ص217
                    الحسين (عليه السـلام) (1) .
                    فلا يتصوّر عاقل ذو مسكة وبصيرة أن شيعة الإمام الحسين (عليه السـلام) قاتلت الإمام الحسين (عليه السـلام) ، كما لا يتصوّر أن المنافقين المندسّين في المسلمين مسلمون ، وأن المرتدين الذين قاتلوا المسلمين مسلمون ..... (2) .
                    ـــــــــــــــ
                    (1) انظر إلى أهل الكوفة مثلاً أيام أمير المؤمنين (عليه السـلام) دون بقية البقاع الإسلامية فإنهم يعتبرون من المشايعين والمتبعين له (عليه السـلام) ولكنهم لا يعتقدون بإمامته بالنصّ ، بل يعتقدونه خليفة للمسلمين من غير نص كبقية الخلفاء كما هي عقيدة أكثر المسلمين في زمانه (عليه السـلام) إلا ثلة قليلة جداً ممن اعتقد بهذا الاعتقاد ، مقل سلمان المحمدي والمقداد ومالك الأشتر وغيرهم ممن اتبعوا أقوال رسول الله صلى الله عليه وآله كما عليه الشيعة الاثني عشرية غابراً وحاضراً ، فها أهل الكوفة مع الإمام أمير المؤمنين (عليه السـلام) لمّا أراد أن ينهاهم عن صلاة التراويح جماعة وفي وقت خاص ، تركوه ونادوا "واعمراه" !! ، مع أن الشيعة بالمعنى الخاص لا يؤمنون بأقوال عمر فضلاً عن خلافته حتى ينادون بهذا !! ، قال عبدالحميد المعتزلي في نهج البلاغة ج12 ص 283 :
                    وقد روى أن أمير المؤمنين (عليه السـلام) لما اجتمعوا إليه بالكوفة فسألوه أن ينصب لهم إماماً يصلي بهم نافلة شهر رمضان ، زجرهم وعرفهم أن ذلك خلاف السنة ، فتركوه واجتمعوا لأنفسهم ، وقدّموا بعضهم ، فبعث إليهم ابنه الحسن (عليه السـلام) فدخل عليهم المسجد ومعه الدرة ، فلمّا رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا : "واعمراه" !! .
                    (2) وهذه الحقيقة مبذولة فلا تحتاج إلى كلفة ، وواضحة فلا تحتاج إلى بيان فانظر إلى ما ذكره نافع بن هلال رحمه الله عندما حزن الإمام الحسين (عليه السـلام) على مقتل قيس بن مسهر الصيداوي رحمه الله ، وما فعل به بالكوفة – في مقتل الخوارزمي ج1 ص336 ، قال :
                    قال : وقال للحسين (عليه السـلام) رجل من شيعته يقال له : هلال بن نافع الجملي : يابن رسول الله ! أنت تعلم أنّ جدّك رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يقدر أن يشرب الناس محبّته ولا أن يرجعوا إلى ما كان أحبّ ، فكان منهم منافقون يعدونه بالنصر ويضمرون له الغدر ، يلقونه بأحلى من العسل ، ويخلفونه بأمرّ من الحنظل ، حتّى قبضه الله تبارك وتعالى إليه ، وأنّ أباك عليّاً (عليه السـلام) قد كان في مثل ذلك ; فقوم قد أجمعوا على نصرته وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقوم قعدوا عنه وخذلوه حتّى مضى إلى رحمة الله ورضوانه وروحه وريحانه ، وأنت اليوم يابن رسول الله على =

                    ص218
                    وهذا التاريخ خير شاهد على أنه لا يوجد في قتلة الإمام الحسين (عليه السـلام) ولو فرد واحد من الشيعة المعتقدين بإمامته (عليه السـلام) بالنص ، وإلا لتهافتت على تحبيره الأقلام .
                    ولو سلّمنا جدلاً وتنزلاً بأن من خرج على الإمام الحسين (عليه السـلام) هم من الشيعة بالمعنى الثاني ، وعليه فما يمنع أنهم كانوا ممن يوصف ويعرف بالتشيع ثم انقلبوا كما انقلب الزبير بن العوام (1) وزياد بن أبيه (2) على أمير المؤمنين علي بن أبي
                    ــــــــــــــ
                    = مثل تلك الحالة ، فمن نكث عهده وخلع بيعته فلن يضرّ إلاّ نفسه ، والله تبارك وتعالى مغن عنه ، فسر بنا يابن رسول الله راشداً معافى ، مشرقاً إن شئت مغرباً ، فوالله الذي لا إله إلاّ هو ما أشفقنا من قدر الله ولا كرهنا لقاء ربّنا ، وإنّا على نيّاتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ونعادي من عاداك .
                    (1) وسوف نذكر تخلفه عن بيعة أبي بكر مع أمير المؤمنين (عليه السـلام) ، ونذكر أيضاً خروجه عليه (عليه السـلام) في معركة الجمل ، في بحث التسمية من الفصل الثالث عشر.
                    (2) وزياد بن أبيه لا يختلف اثنان في أنه من أخبث المعادين والمعاندين لأهل البيت (عليه السـلام) وشيعتهم مع أنه كان يعرف قبلُ بالتشيع ، وهذا واضح لا سترة عليه ، والكتب التاريخية مليئة بهذا ، ويأتي شيء منه في ترجمة ابنه عبيدالله بن زياد ، ففي شرح نهج البلاغة ج11 ص 44 ، قال عبدالحميد المعتزلي :
                    روى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدايني في كتاب (الأحداث) قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عُمَّاله بعد عام الجماعة: ( أن برئت الذمّة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته ).
                    فقامت الخطباء في كل كُورة وعلى كل منبر يلعنون عليًّا ويبرأون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته ، وكان أشد الناس بلاءاً حينئذ أهل الكوفة لكثرة ما بها من شيعة علي عليه السلام ، فاستعمل عليهم زياد بن سُميّة ، وضم إليه البصرة، فكان يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف، لأنه كان منهم أيام علي عليه السلام ، فقتلهم تحت كل حَجَر ومَدَر وأخافهم ، وقطع الأيدي والأرجل، وسَمَل العيون وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشرّدهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم ....إلخ.
                    [وفي] تاريخ اليعقوبي – اليعقوبي ج2 ص230 : =

                    ص219
                    طالب (عليه السـلام) ؟!. وهل بعد انقلابهم وجحدهم إيّاه (عليه السـلام) يقال لهم : شيعة علي (عليه السـلام) ؟!!.
                    فكلُّ من خرج لقتال أهل البيت (عليه السـلام) فهو من أعدائهم لا من شيعتهم ، حتى لو لم يصنع شيئاً غير تكثير سواد الأعداء (1) .
                    ــــــــــــــ
                    =
                    [....]وكانت بينه (زياد بن أبيه) وبين حجر بن عدي مَوَدَّة ، فوجَّهَ إليه فأحضره، ثم قال له: يا حجر! أرأيت ما كنت عليه من المحبة والموالاة لعلي؟ قال: نعم! قال: فإن الله قد حوَّلَ ذلك بغضة وعداوة، أو رأيت ما كنتُ عليه من البغضة والعداوة لمعاوية؟ قال: نعم! قال: فإن الله قد حوَّلَ ذلك محبة وموالاة، فلا أعلمنَّكَ ما ذكرت علياً بخير ولا أمير المؤمنين معاوية بشر. [....]
                    وفي لسان الميزان ج2 ص 493 ، قال ابن حجر :
                    وكان زياد قوي المعرفة جيد السياسة وافر العقل وكان من شيعة علي وولاه إمرة القدس ، فلما استلحقه معاوية صار من أشد الناس على آل علي وشيعته ، وهو الذي سعى في قتل حجر ابن عدي ...
                    وفي سير أعلام النبلاء ج3 ص 496 ، قال الذهبي :
                    قال أبو الشعثاء: كان زياد أفتك من الحجاج لمن يخالف هواه.
                    وقال ابن شوذب: بلغ ابن عمر أن زيادا كتب إلى معاوية: إني قد ضبطت العراق بيميني، وشمالي فارغة، وسأله أن يوليه الحجاز.
                    فقال ابن عمر: اللهم إنك إن تجعل في القتل كفارة، فموتاً لابن سمية لا قتلاً ، فخرج في أصبعه طاعون، فمات.
                    قال الحسن البصري: بلغ الحسن بن علي أن زيادا يتتبع شيعة علي بالبصرة، فيقتلهم، فدعا عليه.
                    وقيل: إنه جمع أهل الكوفة ليعرضهم على البراءة من أبي الحسن (عليه السـلام) !!، فأصابه حينئذ طاعون في سنة ثلاث وخمسين.
                    وفي مجمع الزوائد ج6 ص 266 ، قال الهيثمي :
                    وعن الحسن ، قال : كان زياد يتبع شيعة علي فيقتلهم فبلغ ذلك الحسن بن علي (عليه السـلام) ، فقال : "اللهم تفرَّد بموته فإن القتل كفارة". رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
                    وهذه مرويات بأسانيد كما في المعجم الكبير للطبراني وتاريخ دمشق لابن عساكر.
                    (1) وهذا ملموس بالوجدان إلا على من أراد أن يخلط الحق بالباطل ويسلو بنفسه عن الحساب وعدم التوبة بما يوحي له الشيطان ، وأذكر ما قاله أبو الوداك في أحوال من كثَّرَ السواد وإن لم =
                    ص220
                    وإليك موقف من المواقف العقلائية يبين هذه الحقيقة ، فقد روى الطبري بعد كلام دار بين زهير بن القين رضوان الله عليه ، وبين عزرة بن قيس ، قال : فقال له عزرة بن قيس : إنك لتزكي نفسك ما استطعت ، فقال زهير : يا عزرة إن الله قد زكاها وهداها ، فاتق الله يا عزرة ! فإني لك من الناصحين ، أنشدك الله يا عزرة! أن تكون ممن يعين الضلال على قتل النفوس الزكية ، قال : يا زهير ! ما كنتَ عندنا من شيعة أهل هذا البيت ، إنما كنتَ عثمانياً !.
                    ــــــــــــــ
                    =
                    يقتل أحداً – مع ما يأتي في شمول عقاب قتلة الحسين (عليه السـلام) إلى من كثَّرَ سواد جيش يزيد بن معاوية لعنه الله – روى الطبري في تاريخه ج3 ص 325 – 326 ، قال :
                    (قال أبو مخنف) : حدثنى نمير بن وعلة أن أيوب بن مشرح الخيوانى كان يقول : أنا والله عقرت بالحر بن يزيد فرسه حشأته سهما فما لبث أن أرعد الفرس واضطرب وكبا فوثب عنه الحر كأنه ليث والسيف في يده وهو يقول :
                    إن تعقروا بي فأنا ابن الحر * أشجع من ذي لبد هزبر
                    قال : فما رأيت أحدا قط يفرى فريه ، قال : فقال له أشياخ من الحي : أنت قتلته ؟ . قال : لا والله ما أنا قتلته ، ولكن قتله غيري ، وما أحب إني قتلته .
                    فقال له أبو الوداك : ولِمَ ؟
                    قال : أنه كان - زعموا - من الصالحين ، فوالله لئن كان ذلك إثما لان ألقى الله بإثم الجراحة والموقف أحب إليَّ من أن ألقاه بإثم قتل أحد منهم .
                    فقال له أبو الوداك : ما أراك إلا ستلقى الله بإثم قتلهم أجمعين ، أرأيت لو أنك رميت ذا ، فعقرت ذا ، ورميت آخر ، ووقفت موقفا ، وكررت عليهم ، وحرضت أصحابك ، وكثرت أصحابك ، وحمل عليك ، فكرهت أن تفر ، وفعل آخر من أصحابك كفعلك ، وآخر ، وآخر ، كان هذا وأصحابه يقتلون ! أنتم شركاء كلكم في دمائهم .
                    فقال له : يا أبا الوداك ؛ إنك لتقنطنا من رحمة الله ، إن كنت وليّ حسابنا يوم القيامة ، فلا غفر الله لك إن غفرت لنا .
                    قال : هو ما أقول لك . انتهى .


                    يتبع ،،،

                    تعليق


                    • #11
                      ص221
                      قال : أفلستَ ؛ تستدل بموقفي هذا أني منهم ؟! ، أما والله ما كتبتُ إليه كتاباً قط (1) ولا أرسلتُ إليه رسولاً قط ، ولا وعدته نصرتي قط ، ولكن الطريق جمع بيني وبينه ، فلما رأيته ذكرت به رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومكانه منه ، وعرفت ما يقدم عليه من عدوه وحزبكم ، فرأيت أن أنصره ، وأن أكون في حزبه ، وأن أجعل نفسي دون نفسه ، حفظا لما ضيعتم من حق الله وحق رسوله عليه السـلام (2).
                      وأما خذلة الإمام الحسين (عليه السـلام) فهم من كتبَ إليه ، ووعده النصر – من غير الشيعة المعتقدين بإمامته بالنص (عليه السـلام) – ثم لم يخرجوا لنصرته مع تمكنهم – ويشير لهذا ما صرح به المؤرخون بأن التوابين الذين خرجوا بعد قتل الإمام الحسين (عليه السـلام) من الشيعة ومن غير الشيعة كما تقدّم تحت عنون "حقائق تاريخية تبين موقف الشيعة من مقتل الإمام الحسين (عليه السـلام)" – فهؤلاء كبقية من بايع أمير المؤمنين (عليه السـلام) على أنه الخليفة الرابع بعد عثمان بن عفان ، لا أنه الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بالنص ، فخذلة الإمام الحسين (عليه السـلام) بمنزلة بعض الخوارج الذين بايعوا الإمام علي (عليه السـلام) وقاتلوا معه القاسطين والناكثين ، ثم خرجوا عليه فكانوا من
                      ـــــــــــــ
                      (1) وأما من كتب إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) مثل حبيب بن مظاهر وغيره من الشيعة الموالين ، فهؤلاء لم يسمع لهم ذكر مع مسلم بن عقيل (عليه السـلام) ، وذلك للأحداث التي حتمت تعجيل الخروج ، ولكبر الكوفة واتساعها وانتشار الشيعة مع قتلهم في أقطارها ، وقصر المدة الزمنية التي خرج فيها مسلم بن عقيل (عليه السـلام) ، فلم يمكنهم الحضور لبعدهم ولضيق الوقت ، فمن حضر هم خصوص من سمع نداء : "يا منصور أمت" وهم القريبون فقط ، ولا يبعد أيضاً فرض الإقامة الجبرية على بعض هؤلاء والسجن على الآخر ، وذلك لأن مثل هؤلاء كانوا معروفين بالتشيع لأهل البيت عليهم السـلام ، والمدة التي كان ابن زياد – لعنه الله – يبحث فيها عن مسلم بن عقيل (عليه السـلام) كافية لذلك . ويأتيك – في مقتل ميثم برواية ابن حجر العسقلاني من ترجمة عبيدالله بن زياد – ما يبيّن شيئاً من ذلك كحبس المختار ، وقتل ميثم قبل وصول الحسين (عليه السـلام) إلى العراق بعشرة أيام .
                      (2) تاريخ الطبري ج3 ص 114 .

                      ص222
                      المارقين ثم تابوا ، ثم عدوا على ابنه الإمام الحسين (عليه السـلام) فقتلوه ، ومن هؤلاء شبث بن ربعي كما يأتي ذكر ذلك في ترجمته على ما هو في مصادر القوم ، فهؤلاء - عدا من خرج عليه بعد – شيعته (عليه السـلام) بالمعنى العام ، وهم خلاف الشيعة المعتقدين بإمامته بالنص .
                      أما الشيعة المعتقدون بإمامته بالنص فهم مع قلَّتهم في الكوفة ، فقد ضُيِّق عليهم كما تقدم عليك لكي لا يصلوا إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) في كربلاء ، فزُجَّ في السجون من زُجَّ كسليمان بن صرد الخزاعي ، والمختار وغيرهم من الشيعة ، وقُتِلَ من قُتِل ، وأُبْعِدَ من أُبْعِد ، وجُعِلَتْ المناظر والمسالح (1) لكي لا يَصِلْ أحد منهم إليه (عليه السـلام) .
                      وأمّا مسألة التوبة التي خرجوا بعنوانها على قتلة الإمام الحسين (عليه السـلام) فهي لضمِّ غيرهم ممّن خَذَلَ الإمام الحسين (عليه السـلام) ، وهم الكثرة الكاثرة من التوَّابين ، وإلاّ إذا كان سليمان بن صرد الخزاعي والمختار وغيرهم في السجون وبعضهم أُبْعِدُوا وبعض آخر مُنعوا من أن يصلوا إلى إمامهم الحسين (عليه السـلام) حتى أقيمت المراصد والمسالح ، فلماذا يتوب هؤلاء غير المتمكنين من نصرته (عليه السـلام) ؟!. إلاَّ أن تُحمل التوبة على الجانب القصوري لا التقصيري كما هو مُتعارف ، وهي لا تدل على الخذلان كما هو ظاهر ، إذ المتعارف بين الناس إذا طلب منهم شخص عزيز شيئاً وهم لا يستطيعون فعله ، يقدمون الاعتذار ويطلبون المسامحة مع أنهم غير متمكنين .
                      ـــــــــــ
                      (1) تقدم كل ذلك في الأمر السادس تحت عنوان : "منع الشيعة من الوصول إلى الإمام الحسين (عليه السـلام) في كربلاء" .

                      ص223
                      المتطرِّفون من أهل الخلاف لا يختلفون عن قتلة الإمام الحسين (عليه السـلام) :
                      قتلة سبط رسول الله صلى الله عليه وآله الإمام الحسين بن علي (عليه السـلام) لا يختلفون عن غيرهم من أهل الخلاف القائلين بإمامة آل أبي سفيان ، فأهل الخلاف المتطرِّفون شيعة وأنصار لهم ، وقتلة الحسين (عليه السـلام) شيعة وأنصار لهم فما الفرق ؟!. ولهذا لا تجد من هذه الفرقة من يُخطئ يزيد بن معاوية فضلاً عن أبيه ، فيسدِّدون أعمالهم ويعتذرون لهم ، وما ذلك إلا لاعتقادهم بإمامتهم ؟!.
                      وأما الشيعة الإمامية ، فلا يختلف اثنان بأنهم أعداء آل أبي سفيان ، وأعداء أنصارهم إلى يوم القيامة ، وأنهم أنصار أهل البيت عليهم السـلام حقاً . فلينظر المسلم من إمامه يوم القيامة ، أهم أهل البيت عليهم السـلام ، أم أعداءهم ؟.
                      وقد قال الله تعالى : { يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَأُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً }(1) .
                      وقد تتبعنا قتلة الحسين (عليه السـلام) فما وقع نظرنا على أحد منهم إلا وجدناه من أنصار بني أمية (2) ، ونظرنا إلى موقف أهل الخلاف منه ، فلم نجدهم إلا وقد وثقوه واثنوا عليه واتبعوه وقبلوا روايته ، وعطفنا النظر أيضاً إلى موقف الشيعة – الاثني عشرية – من هؤلاء الأراذل ، فلم نجدهم إلا نبذوهم وتركوهم ولعنوهم ، ورأوا البراءة منهم واجبة ، ومودتهم مُحَرِّمَة ومُخْرِجَة من المذهب و ... و ....
                      ــــــــــــــ
                      (1) سورة الإسراء : آية 71 .
                      (2) وفي الطبري ج3 ص 314 ، قال : قال فبعث عمر بن سعد إلى الحسين عليه السلام عزرة بن قيس الأحمسي فقال : ائته فسله ما الذي جاء به ؟ وماذا يريد ؟ وكان عزرة ممن كتب إلى الحسين (عليه السـلام) ، فاستحيا منه أن يأتيه ، قال : فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه فكلهم أبى وكرهه!! .

                      ص224
                      وللشيعة شهد الذهبي ، قال في كلامه عن ابن زياد :
                      قلت : الشيعي لا يطيب عيشه حتى يلعن هذا ودونه ، ونحن نبغضهم في الله (1) ، ونبرأ منهم ولا نلعنهم ، وأمرهم إلى الله (2) . انتهى
                      وما أدري كيف يتبرأ منهم ، وجميع من خرج على الإمام الحسين (عليه السـلام) مطيعون لله في نظر هؤلاء في ما فعلوه – من ذبح وقتل وسلب وهتك أهل بيت النبوة عليهم السـلام – نصرة ليزيد بن معاوية ، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما – ما يدل على طاعة هؤلاء الأرجاس – واللفظ للأول ، قال :
                      حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ الْجَعْدِ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ (وآله) وَسَلَّمَ ، قَالَ : مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا ، فَلْيَصْبِرْ ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً .
                      حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ (وآله) وَسَلَّمَ ، قَالَ : مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ ، فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا ، فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.
                      فعلى هذا أن قتلة الإمام الحسين (عليه السـلام) لم يفارقوا هذه الجماعة المتمثلة في يزيد بن معاوية فهم مطيعون وصابرون وإلا لو خرجوا كما خرج الإمام الحسين (عليه السـلام) لماتوا ميتة جاهلية ، فهذا شمر بن ذي الجوشن من المصلين
                      ـــــــــــــ
                      (1) نعم يبغضوهم نظرياً إن صح ، وإلا فهم عملياً يوالونهم كما يتضح في تراجمهم .
                      (2) سير أعلام النبلاء – الذهبي ج3 ص549 .
                      (3) صحيح البخاري – البخاري ج8 ص87 وفي ط ص2588 ، صحيح مسلم – مسلم النيسابوري ج6 ص21 .

                      ص225
                      والدَّاعين ، وممن امتثل ما رواه البخاري ومسلم :
                      روى ابن عساكر ، وقال :
                      أخبرنا أبو بكر اللفتواني أنبأ أبو عمرو الأصبهاني أنبأ أبو محمد المديني ثنا أبو الحسن الكتاني أنبأ أبو بكر القرشي حدثني هارون أبو بشر الكوفي ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق قال كان شمر بن ذي الجوشن الضبابي يصلي معنا الفجر ثم يقعد حتى يصبح ثم يصلي ثم يقول اللهم إنك شريف تحب الشرف وإنك تعلم أني شريف فاغفر لي ، قلت : كيف يغفر الله لك وقد أعنتَ على قتل ابن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ؟! .
                      قال : قلت : ويحك كيف تصنع إن أمرائنا هؤلاء أمرونا بأمر ، فلم نخالفهم ، ولو خالفناهم كُنَّا شراً من هؤلاء الحُمر السقاة (1) .
                      روى أيضاً :
                      أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي أنبأ الحسن بن علي أنبأ أبو عمر بن حيوية أنبأ أحمد بن معروف ثنا الحسين بن الفهم ثنا محمد بن سعد أنبأ منذر بن إسماعيل حدثني الهيثم بن الخطاب الهدي : أنه سمع أبا إسحاق السبيعي ، يقول : كان شمر بن ذي الجوشن يقول الضبابي لا يكاد أو لا يحضر الصلاة فيجئ بعد الصلاة فيصلي ثم يقول اللهم اغفر لي فإني كريم لم تلدني اللئام .
                      قال : فقلت له : إنك لسيّء الرأي ، يسارع إلى قتل ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه (وآله) وسلم ) .
                      فقال : دعنا منك يا أبا إسحاق ، فلو كنا كما تقول وأصحابك كنا شرَّاً من (×) الحمراء السقات (1) .
                      ـــــــــــــ
                      (1) تاريخ مدينة دمشق – ابن عساكر ج23 ص 189 .
                      (×) قال اليافعي في كتاب "مرآة الزمان وعبرة اليقظان" ص281 نسخة برنامج الموسوعة الشعرية =

                      ص226
                      .........
                      ـــــــــــــــ
                      =
                      سنة أربع وستين : في أولها هلك مسلم بن عقبة الذي استباح المدينة ، عجل الله قصمه ، والعجب أنه شهد الوقعة وهو مريض في محفة كأنه مجاهد في سبيل الله ، وكذلك عجل الله تعالى [بـ] يزيد بن معاوية فمات بعد نيف وسبعين يوماً منها ، وله ثمان وثلاثون سنة ، بايع له أبوه الناس في حياته .
                      أقول : وكأنَّ اليافعي متعجب بأن ما فعله مسلم بن عقبة جهاد في سبيل الله ، بل هو كذلك على ما صرَّحَ به المؤرخون ، وهذه عقيدة من زيَّنَ لهم الشيطان أعمالهم فجعلهم يتقربون إلى الله بما هو مبغوض له سبحانه وتعالى ، فخذ على سبيل المثال عبدالرحمن بن ملجم لعنه الله فإنه يتقرب إلى الله بدم حجة الله علي بن أبي طالب (عليه السـلام) ، وأيضاً الشمر كما هو واضح من قوله بأنه لو لم يخرج ويقتل الإمام الحسين (عليه السـلام) لمات ميتة جاهلية ، بل لكان شراً من البهائم !! ، فهؤلاء هذا ديدنهم في التقرب إلى الله بدماء أولياء الله الأبرار الأخيار . فانظر إلى ما ذكره مسلم بن عقبة ، فقد روى ابن قتيبة الدينوري في "الإمامة والسياسة" – ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الشيري ج1 ص231 ، قال :
                      وكان معاوية قد أوصى يزيد فقال له : إن رابك منهم ريب ، أو انتقض عليك منهم أحد ، فعليك بأعور بني مرة مسلم بن عقبة ، فدعا به فقال : سر إلى هذه المدينة بهذه الجيوش ، وإن شئت أعفيتك ، فإني أراك مدنفا منهوكا . فقال : نشدتك الله ، أن لا تحرمني أجرا ساقه الله إليَّ!! ، أو تبعث غيري ، فإني رأيت في النوم شجرة غرقد تصيح أغصانها : يا ثارات عثمان ، فأقبلت إليها ، وجعلت الشجرة تقول : إليَّ يا مسلم بن عقبة ، فأتيت فأخذتها ، فعبرت ذلك أن أكون أنا القائم بأمر عثمان ، ووالله ما صنعوا الذي صنعوا إلا أن الله أراد بهم الهلاك . فقال يزيد : فسر على بركة الله ، فأنت صاحبهم .
                      وهذا هو يقول : "لئن دخلتُ النار بعد قتلي أهل الحرة إني إذاً لشقيّ !!" – كما في وفيات الأعيان وأنباء أهل الزمان ص 4872 لابن خلكان ، نسخة برنامج الموسوعة الشعرية - .
                      فهذا حالهم ، والنواصب في كل زمان على منوالهم ، فهؤلاء هم أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السـلام ، إذ تراهم يتقربون إلى الله بدماء أولياءه كما تقرَّبَ ابن ملجم عليه لعنة الله بقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السـلام) فها هو يرفع السيف وهو ينادي : "الحكم لله لا لكَ يا علي" ، وضربه على قرنه بالسيف ، فقال علي (عليه السـلام) : فُزتُ ورب الكعبة (الإمامة والسياسة ج1 ص180).
                      وكذا الملعون شمر بن ذي الجوشن فإن ما فعله بدم الإمام الحسين (عليه السـلام) تقرباً أيضاً ، وكذا معاوية يرى أن موت الإمام الحسن (عليه السـلام) من تجدّد النعم عليه حتى تراه يخرّ ساجداً وهو وذويه =

                      ص227
                      وهذه الروايات تدل على أن قتلته (عليه السـلام) مثل باقي أهل الخلاف ممن يعتقدون بإمامة يزيد بن معاوية ، والذين يعترفون بسلطانه ، فهو ممن يجب اتباعه في قتل الحسين (عليه السـلام) سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وريحانته ، ومن حربه حربه ، وسلمه سلمه ، وبغضه بغضه ، وحبه حبه .
                      فحال هؤلاء حال الذين وُجِدوا في ذلك الزمان وقاتلوا الإمام الحسين (عليه السـلام) ونصروا يزيد بن معاوية دفاعاً وذبَّاً عنه ، لكي لا يموتوا ميتة جاهلية !.
                      وما أقول : إلا الحمد لله على نعمة العقل والولاية لمحمد وآله الطاهرين – صلوات الله عليه وعليهم أجمعين – والبراءة من أعدائهم – عليهم لعائن الله – إلى قيام يوم الدين .
                      ــــــــــــــ
                      =
                      لمّا سمعوا بموته ، كما في "الإمامة والسياسة" – لابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني ج1 ص150 ، وتحقيق الشيري ص196 ، وفي "ربيع الأبرار ونصوص الأخبار" ص2690 نسخة برنامج الموسوعة الشعرية ، وفي محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء ص 4010 نسخة برنامج الموسوعة الشعرية . وكذلك ما فعله مسلم بن عقبة بأهل مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله من سفك دمائهم وإباحة أموالهم وهتك أعراضها تقرباً إلى الله تعالى ! . وما زالت هذه الطبيعة مخزونة فيهم مورّثة من أسلافهم ، إذ تجد الكثير من يحلل ويحبب إباحة دماء الأبرياء من أبناء علي وفاطمة عليهما السـلام وشيعتهم الاثني عشرية ، ويجعل دم الشيعي بألف حسنة ، ودم الكافر الملحد واليهودي بعشر حسنات كما هو مكتوب – في هذا الزمان – على جدران بعض منازل النواصب في العراق ، فيتقربون بذبح الشيعة وهتكهم وينادون عند ذبحهم : "لا حكم إلا لله ، والله غالب على أمره" ، ويرددون كلمة : "الله أكبر" ، وذلك لا لشيء سوى أنهم شيعة أهل البيت عليهم السـلام كما هو حاصل في أيامنا هذه في العراق وأفغان استان والهند وغيرها على أيدي النواصب لا غفر الله لهم أبداً وجعل كيدهم في نحورهم .
                      (1) تاريخ مدينة دمشق – ابن عساكر ج23 ص 188 .


                      ((انتهى))

                      [أقول : انتهيت من مراجعة هذا البحث ظهر يوم الأثنين 9 / 3 / 1429 هــ الموافق 17 / 3 / 2008 م والحمد لله رب العالمين .]



                      كتبه ونشره في المنتديات عن أصله المطبوع
                      مرآة التواريخ
                      حامداً مصلياً
                      فجر الخميس 13/4/1430 هـ
                      9/4/2009م
                      ونسألكم الدعاء ،،،

                      تعليق


                      • #12
                        حمّل البحث كاملاً ...

                        ـــ 1 ـــ

                        نسخة Word
                        الحجم = 96 ك.

                        قتلة الامام الحسين - من كتاب مقتل الحسين من موروث أهل الخلاف - للشيخ زهير علي الحكيم
                        http://www.4shared.com/file/97515455...____-____.html



                        ـــ 2 ـــ

                        نسخة PDF
                        الحجم = 588 ك.

                        قتلة الامام الحسين - من كتاب مقتل الحسين من موروث أهل الخلاف - للشيخ زهير علي الحكيم
                        http://www.4shared.com/file/97515559..._____-___.html




                        نسألكم الدعاء ،،،

                        مرآة التواريخ ،،،

                        تعليق


                        • #13
                          بعد أن بدأت بنشر ما نسخته من كتاب (مقتل الحسين من موروث أهل الخلاف) للشيخ زهير الحكيم ، المطبوع في ثلاث مجلدات ضخام .. وجدتُ مصادفة أن نفس هذا الجزء قد تم نشره في كتيب من قبل نفس المؤلف بعنوان ( من قتل الإمام الحسين ؟ ) مع تغييرات طفيفة ، وزيادة تراجم لقتلة الإمام صلوات الله عليه ..


                          وها نحن نرفع كتاب ــ من قتل الامام الحسين ؟ ــ
                          بصيغتين

                          حمّل نسختك من كتاب ــــ من قتل الإمام الحسين ؟ ـــ للشيخ زهير الحكيم ...

                          ـــــــ 1 ــــــــ

                          نسخة Word
                          http://www.4shared.com/file/97693042...____-____.html



                          ـــــــ 2 ـــــــ

                          نسخة PDF

                          http://www.4shared.com/file/97692999...____-____.html



                          اللهم صل على محمد وآل محمد


                          مرآة التواريخ ،،،

                          تعليق


                          • #14
                            مشكور ين وماجورين ان شاء الله للاسف لا يفتح الملف عندي بعد التحميل

                            تعليق


                            • #15
                              بحث قيم

                              وفتح معي بصيغة ال word

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
                              استجابة 1
                              10 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                              بواسطة ibrahim aly awaly
                               
                              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
                              ردود 2
                              12 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                              بواسطة ibrahim aly awaly
                               
                              يعمل...
                              X