إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

رحلتي الى أعظم حجّ في التاريخ .. الى كربلاء- في حلقات1- 14

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    الحلقة الخامسة: خمسة أيام في كربلاء... أي سرُّ يحمله الحسين...

    الحلقة الخامسة: خمسة أيام في كربلاء... أي سرُّ يحمله الحسين...
    فجر الخميس السادس عشر من شهر صفر 1430 ، لم أنتظر وصول الاب، والاخ، والاخت، والابن، والاهل.. القادمين من بيروت... الى النجف..
    لقد انتظرتهم مساء امس عدة ساعات في مطار النجف الاشرف حيث كان من المفترض ان يصلوا قبلي بساعات، وبعد انتظارهم تحولت طائرتهم الى بغداد.. بقوا في المطار هناك منذ منتصف الليلة الماضية..
    لن أنتظر وصولهم فأنا متوجه الى اللقاء..
    كان اللقاء الاول.. فهل كان لقاء أولاً؟
    كانت الزيارة الاولى.. وهل كانت زيارة أولى؟
    كانت القبلة الاولى.. وهل هي القبلة الاولى؟
    وأين ؟ .. عند الرخامة الحمراء.. فهل تعرف الرخامة الحمراء؟..
    لست أدري كيف كنت أسير.. لست أدري كيف مشيت تلك المسافة من سفير كربلا الى باب السدرة.
    لا اعرف كيف وصلت.. لا أعرف كيف مشيت.. لا اعرف كيف سلمت..
    ما أعرفه هو أني كنت اسمع صوتا واحدا.. لحنا واحدا..صدى واحدا.. كلمة واحدة.. إنها كلمة .. حســـــــــــــــــــــــــــين.. حســـــــــــــــــــــين.
    وما أعرفه هو أنني أديت صلاة الصبح قبل أن اقترب من الضريح..
    وما أعرفه هو أنني وصلت الى حيث يقول الجواهري:
    وعفرت خدي بحيث استراح *** خد تفرى ولم يضرع
    وحيث سنابك خيل الطغاة *** جالت عليه لم يخشع
    تمسكت بالضريح:
    شممت ثراك فهب النسيم *** نسيم الكرامة من بلقع
    أي عالم عشت فيه في تلك اللحظات! الى أين ذهب بي الخيال؟
    وطفت بقبرك طوف الخيال *** بصومعة الملهم المبدع
    وخلت وقد طارت الذكريات *** بروحي إلى عالم أرفع
    كأن يداً من وراء الضريح *** حمراء مبتورة الإصبع
    السلام عليكم يا أبا عبد الله الحسين..
    لقد سلمت على الحسين.. وصافحت الحسين.. وقبلت الحسين.. وشاهدت الحسين.. ولم أر أحدا سوى الحسين..
    كل هذه الملايين يحركها اسم الحسين .. يفجر طاقاتها ذكر الحسين.. يشحنها قوة وارادة طيف الحسين..
    لقد كتبت في كربلاء ويوم الاربعين خاطرة بعنوان:
    أي سر يحمله اسم الحسين؟؟
    وسأنقله في هذه الحلقة..
    عندما انتفض ابراهيم الخليل على عبدة الأصنام وكسر اصنامهم وقال لهم:{أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (67) سورة الأنبياء.
    وبعد أن أسقط في ايديهم بعد أن القمهم حجرا في حواره معهم عندما قال لهم:
    { فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ} (63) سورة الأنبياء
    وأجابوه:
    { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ} (65) سورة الأنبياء
    كان قرارهم المستند الى سلطة الجبروت والقوة بعيدا عن منطق العقل والتفكير ، كان قرارهم في قولهم: { حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} (68) سورة الأنبياء.
    لقد اختاروا أقصى أنواع التعذيب لينزلوه بابراهيم ، إنه الاحراق بالنار.
    وهل بعد الاحراق بالنار من عذاب!
    لو كان هناك عذاب يفوق ألم الحريق لاختاره الله عقابا للطغاة.. ولكنها الحقيقة..{ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ } (56) سورة النساء.
    وهكذا قرر طغاة الارض الذين جعلوا أنفسهم أربابا من دون الله إحراق ابراهيم بالنار نصرة لآلهتهم المزعومة.
    نعم كان قرارهم القضاء على كل متمرد على سلطاانهم، وليكن عنوان تلك العقوبة القصوى .. انصُرُوا آلِهَتَكُمْ..
    إنها الوهية النفس عند الانسان.{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} (43) سورة الفرقان.
    وجمعوا الحطب من كل حدب وصوب، وأشعلوا نارا عظيمة ، وصنعوا المنجنيق ليرموا ابراهيم في وسط النار، ودعوا الحشود الكبيرة لتكون شاهدة على العقوبة الكبرى كي لا يحدثن أحد نفسه يوما بالتمرد على الانظمة الحاكمة.
    {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا } (70) سورة الأنبياء
    لقد تجمعت بين أيديهم جميع أسباب القوة المادية، فإبراهيم فرد لا يملك سلطانا يواجه به سلطان اولئك، حتى عمه آزر المستفيد من صناعة الاصنام وبيعها ، والمستفيد من قربه ومكانته عند جبابرة الارض كان قد رأى في سلوك ابراهيم إنهاءً لنفوذه.
    وأمام تلك المقارنة لم يبق له بابن أخيه ابراهيم من حاجة. فليُحرق ابراهيم، ولتسلم مصالح آزر..
    وآن موعد تنفيذ العقوبة أمام الحشود التي كانت تصلها حرارة الحريق الملتهب، الذي لم يسلم منه حتى الطير في السماء..
    واجتمع النمرود يحيط به حشمه وخدمه وجلاوزته في ذاك الاحتفال المهيب الذي أرادوه أن يكون درسا للأجيال..
    وأعطيت إشارة التنفيذ بإلقاء ابراهيم بواسطة ذاك المدفع العملاق" المنجنيق" كي يستقر في وسط النار الملتهبة وليتحول الى رماد وذكرى..
    { فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} (70) سورة الأنبياء
    وكانت المفاجأة المذهلة التي لا يصدقها أحد إن أراد التمسك بنواميس الطبيعة..
    إنها الحقيقة التي لم يكن أحد يتصور حدوثها.
    لم يحترق ابراهيم ، لقد احترق كل ذاك الحطب وابراهيم جالس في وسط النار..
    ما الذي جرى؟
    لقد صدر أمر الهي بتغيير ناموس من نواميس الطبيعة ، إنه الامر الالهي:
    {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} (69) سورة الأنبياء
    أيتها النار المستعرة ، لن أغير في تركيبتك شيئا، لن أعدمك خاصية الاحراق.. فلتحرقي أيتها النار المستعرة ذاك الحطب الكثير ، ولتستمري في عملك التكويني المرسوم لك، ولكن هناك استثناء وحيد وتغيير في طبيعتك أريد أن يستفيد منه الان عبدي ابراهيم الذي أريد أن أجعله للناس اماما..
    لا تحرقيه أيتها النار بل تحولي الى برد يحيط بابراهيم ، وحذار من أن تتساقط عليه أكوام الحطب الملتهب أو رمادها ، أو أن يحترق الاوكسجين الذي يحتاجه للتنفس هواء، عليك أيتها النار ان تكوني سلاما على ابراهيم.
    وهكذا تغير ناموس الطبيعة الموضوع في النار فغدت لابراهيم في تلك الساعة بردا وسلاما..
    وصار إبراهيم إماما..{ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا }
    ويسأل ابراهيم ربه..{ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (124) سورة البقرة.
    لقد حصل تغير بل تغيير في أحد نواميس الطبيعة فأبقى ابراهيم حيا.
    وادخره الله لمهمات، {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ } (127) سورة البقرة.
    هكذا كانت حكاية ابراهيم.. فماذا بالنسبة للحسين؟
    قبل 1369 سنة من عمر الزمن..
    اي ما يقارب من 500000 خمسماية الف يوم من ايام الدنيا..
    كان هناك ركب عائد من الشام مكون من النساء والاطفال الذين لم يكن قد بقي معهم من الرجال سوى شاب كان عليلا.
    عاد هذا الركب بعد أربعين يوما على أخذهم اسارى مقيدين بعد أن تركوا على رمضاء كربلاء اجساداً مقطعة الرؤوس ، مسلوبة الثياب.
    وسار هذا الركب من كربلاء الى الكوفة ثم الى الشام وأمامهم رؤوس رجالهم مرفوعة على الرماح..
    وبعد تلك الرحلة الطويلة كان موعد عودة ذاك الركب في العشرين من صفر من عام 61 للهجرة.
    وصل الى ذاك المكان في ذاك اليوم صحابي جليل كان قد فقد بصره.. إنه جابر بن عبد الله الانصاري.. جاء ليبكي تلك الضحايا التي سالت دماؤها على أرض كربلاء..
    جاء ليغتسل على شاطئ الفرات ويتجه الى مكان مصرع تلك الكوكبة ليقول ودموعه تسيل على خديه :
    السلام على الحسين، السلام على علي بن الحسين
    السلام على أولاد الحسين، السلام على أصحاب الحسين
    ويلتقي الركب العائد مع الركب الزائر..
    كان من المفترض لتلك الحادثة الحاصلة في عمق الزمن أن يلفها النسيان، وعلى الاقل أن تكون خبرا يطوي أثره النسيان حسب نواميس الطبيعة العادية.
    ولكن هل كان الامر كذلك؟
    ها أنذا اليوم في كربلاء .. أكتب هذه السطور في يوم العشرين من عام 1430 فكيف تعيش كربلاء هذا اليوم..
    وللحديث تتمة.

    تعليق


    • #17

      السلام عليكم والرحمة

      بارك الله بيكم مولانا الفاضل ابو محمد العاملي

      ورعاك الله بحسن تأيده ولطفه

      تقبل الله زيارتكم


      ولدكم

      يوسف الناصر

      تعليق


      • #18
        الحلقة السادسة.. كربلاء في يوم الاربعين
        نعم أي سر يحمله الحسين..؟
        ما أعظم حبكم سادتي، وكيف يجتمع المحبون في جواركم..
        لقد قدمت من مدينة قم، و والدي قدم من جنوب لبنان، وأخي وابني ومن معهما قطعوا الطريق مشياً من النجف الى كربلاء ليصلوا في الليل الفائت..
        لقد تابعوا سيرهم منذ عصر الجمعة وأكملوا سيرهم حتى لاحت لهم القبة الصفراء في ليلة الاربعين، دموعهم تبلل الخدود..أجسادهم تتمايل من وعثاء الطريق.. بعضهم يستعين بعصا تساعده على إكمال المسير.. مع الملايين الزاحفة وصلوا..
        دخلوا الى الحسين من باب العباس.. وهم يهتفون:
        السلام عليك يا أبا الفضل العباس.. السلام عليك يا قطيع الكفين..
        السلام عليك يا حامل اللواء.. السلام عليك يا ساقي العطاشى..
        السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين..
        لقد ذهبوا الى الحسين.. اليست كل مسيرتهم يحركها عشقهم للحسين.. حبهم للحسين.. لقد وصلوا الى الحسين.. وسلموا على الحسين.. وعلى علي بن الحسين .. وعلى اولاد الحسين .. وعلى اصحاب الحسين.. وقلوبهم وعيونهم وعقولهم قبل لسانهم كلها تصرخ.. حسين .. يا حسين..
        وها أنذا اليوم وما أن خرجت برفقة والدي من حرم الامام الحسين بعد أن أدينا صلاة الصبح في الحرم الشريف وإذ بنا نلتقي عند الباب الخارجي بصديق لنا من البحرين جاء أيضا لزيارة الحسين ..
        هكذا يجمع الحسين كل المحبين..
        لقد مرت بضعة سنوات لم نلتق معا، وها نحن نلتقي عند باب الحسين عليه السلام، أليس حب الحسين هو الذي يجمعنا؟
        كانت رغبتنا ان نتجه الى العباس ، لأقول له عذرا سيدي فلم أزرك كما ينبغي في رحلتي هذه.. أنا آت الى الحسين..
        توجهنا جميعا نحو العباس، وكان صديقنا يسكن في فندقٍ ما بين الحرمين ، ألح علينا للدخول معه وتناول طعام الفطور..
        وكان فطورا لايُنسى.. إنه فطور بين الحرمين، على اليمين منا مقام الحسين عليه السلام ، وعلى اليسار مقام العباس ، نتطلع الى المواكب المتجهة نحو العباس، يلفت نظري موكب يتمايز باللون الابيض.
        يلتفت الشيخ عبد الحسين قائلا.. هذا موكب بني عامر..ألا تعرفه؟؟
        لم أكن قد سمعت عنه من قبل..إنه موكب خاص لعشيرة بني عامر التي تسكن في منطقة البصرة، موكب عزاءهم يتمايز عن جميع المواكب، فجميعهم يلبس ثوبا أبيضا، ويتكون موكبهم من عشرين مجموعة، ويتراوح عدد كل مجموعة بين سبعماية الى الف شخص،
        على ثوب كل شخص منهم رقم المجموعة التي ينتمي اليها، يحيط بكل مجموعة منهم عدد آخر يشكل طوقا كالسوار يتمايز عنهم بكتابة كلمة يا حسين باللون الاخضر، بينما كتبت على باللون الاحمر عند الاخرين .
        في مقدمة كل مجموعة منهم بعض مشايخهم من زعماء العشيرة، وبعض رجال الدين، ولكل مجموعة منهم ارجوزة خاصة تلتقي بالخاتمة مع الاخرين..
        يا الهي.. كيف تغيرت نواميس الطبيعة في كربلاء..
        تلك الرمضاء التي احتوت اجساد الحسين وصحبه منذ قرون غدت اليوم مدينة مكتظة بالسكان والعمران يحج اليها الملايين في هذه الذكرى..
        ألسنا نقصد البيت الحرام في شهر ذي الحجة فنحج إليه..
        إن كان الحج الى البيت العتيق في أيام معدودة من كل عام.. فالحج الى الحسين في كل الايام.. ولكنه في هذه الايام له نكهة خاصة.. طعم خاص.. معنى خاص..
        إنه حج من نوع آخر.. في زمن آخر..
        كربلاء في أيام الاربعين تصبح مدينة من عالم آخر..
        لن أستطيع وصف حالتها مهما أوتيت من قدرة على البيان.. يعجز الكتّاب والادباء و حتى الاعلاميون الذين ينقلون الصور عبر الاقنية الفضائية في بث مباشر ، وحتى من يسجل التقارير الاعلامية.. كل هؤلاء عاجزون عن نقل الصورة الحقيقية لما تحويه كربلاء في هذه الايام..
        ماذا تنقل الكاميرا؟ وماذا يصور لنا الكاتب؟ ليس سوى جوانب يسيرة من وقائع هذا الحج الاكبر في التاريخ الى كربلاء..
        ما أن تخرج نحو الشارع وتنظر الى هذه الجموع..من كل الاعمار ومن كل الطبقات، شبانا، شيَّابا، كبارا صغارا، تراهم جميعا يحكون لغة واحدة ، تحركهم مشاعر واحدة.. تستمع الى امرأة عجوز تتكئ على عصاها وهي تسير نحو الحسين وحولها بعض حفدتها تسمعها وكأنها تخاطب شخصا ماثلا أمامها وهي تقول : السلام عليك يا حسين ... السلام عليك يا مظلوم..
        أليس الظلم مما تنفر منه طباع البشر؟.. وهل من ظلم أفضع من هذا الظلم على ابن بنت النبي من أمة تدعي الانتماء اليه!!
        هل هناك من ظلم يفوق هذا الظلم في بشاعته.. في قساوته..
        هل يستطيع أحد أن يحبس دمعته.. ماذا يمكنك ان تحمل من مشاعر عندما تشاهد ذاك الشاب السائر مسافات طويلة برجل واحدة ، يستعمل عصاه بديلا عن رجله المقطوعة.. وهو يقول.. لبيك يا حسين..نأتيك زحفا سيدي يا حسين..
        نعم إن نواميس الطبيعة تتغير في كربلاء في هذه الايام..
        هل شاهد أحد في الدنيا ما شاهدناه ونشاهده في هذه الايام في كربلاء وفي الطريق اليها من تبدل لقواعد التعامل بين البشر؟
        في كل بقاع الدنيا.. وفي كل الازمنة تجد العلاقات بين البشر قائمة على اساس العطاء المتبادل..
        إذا أردت طعاماً.. شراباً.. فراشاً.. فلا بد من أن تدفع ما يقابله.. هكذا تنتظم حياة البشر منذ القدم.. تدفع مالا مقابل ما تحصل عليه.. تدفع ثمنا لكل ما ترغب بشراءه..
        أما العطاء بلا مال.. بلا ثمن.. فله عناوينه الخاصة..
        قد يعطي الغنيُّ الفقيرَ تحسساً منه أو رحمة.. أو رجاء ثواب عاجل أو آجل..
        فتنشط الجمعيات.. او المؤسسات الحكومية لتقديم يد العون للمنكوبين ، او المحتاجين..الذين يقفون صفوفا في اغلب الاحيان إن لم يتدافعوا للحصول على فُتات ما يقدمه المحسنون.. يقدمون لهم الشكر.. وعبارات الامتنان.. فيحصل المحسنون على هذا المديح بدل ما ينفقون..
        أما في كربلاء.. فالامر مختلف تماماً.. إنه أمر لا يصدق..
        ان ترى الالاف المؤلفة في الشوارع.. يصلها كل ما تحتاج اليه وهي صاحبة المنة على من يقدم لها الطعام!!.. على من يقدم لها الشراب!!.. على من يقدم لها المأوى!!.. على من يصلح حذاءها!!.. على من يغسل أقدامها!!..
        هل سمع أحد بما نراه ونسمعه في كربلاء وفي الطريق الى كربلاء..
        سأحكي بعض مشاهداتي اليومية..
        لقد أمضيت خمسة ايام قبل يوم الاربعين، وكنت اذهب في اوقات الصلاة الى حرم الحسين.. صباحا وظهراً ومساء..
        وما أن تخطو قدمي الخطوة الاولى خارج الفندق.. حتى يستوقفني شاب يقف على عصاه.. يدعوني لشرب الشاي.. اعتذر منه فأرى في وجهه أسى لأنني لم أستجب لدعوته.. وكيف لي أن استجيب لاكثر من عشرين محطة في طريقي الى الحسين الذي لا يتعدى 200 متر الا قليلا..
        فبعد الشاي يستوقفك من يقدم لك طعام الفطور.. وهكذا بعد العودة من الصلاة.. ويتكرر المشهد ظهرا ومساء..
        أنواع المأكولات من الارز والقيمة.. من الماش.. من التمر.. من الانواع المختلفة..كلها تملأ الشارع بما يزيد عن حاجة الالاف المؤلفة المتجهة نحو الحرم الحسيني او العائدة منه..
        أنت صاحب المنة إن قبلت دعوة أحدهم ..
        كم كانت فرحة أحد المواكب كبيرة عندما استجبنا لدعوته شرب الشاي عندهم.. كأنك ملَّكته شيئا كبيرا.. إنه موكب اهالي الكاظمية في ليالي الجمع.. وتدليلا على اعتزازه يقدم لوالدي ولي شارة ذهبية اللون تعلق على الصدر عليها كلمة ( يا حسين)..
        في كل بقاع الدنيا.. يقدم الآخذ الشكر من المعطي.. أما في كربلاء.. فإن المعطي هو الذي يتشكر الآخذ..
        ألا يعد هذا تغيرا في ناموس الطبيعة الذي يحكم علاقة بين البشر فيما بينهم؟
        من الطبيعي أن ترى كميات كبيرة من الطعام لا تجد من يأكلها.. وقد يحرج أحدهم فيتناول صحنا ليأكل منه ملعقة ويتركه جانبا إذ لن يستطيع احد ان يلبي جميع الدعوات..
        قال لي وائل.. وربما أنور .. وهما من مشرفي منتديات يا حسين الذين كانا مع أخي وابني في مسيرة المشاة من النجف الى كربلاء.. هل يمكن أن نقول : أن ما نشاهده هو نموذج مصغر عما سيحصل في دولة العدل الالهي عند ظهور الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ؟
        قلت وكيف ذلك؟
        قال: أليست الروايات تتحدث عن حالة الرخاء التي يعيشها الناس في تلك الايام إذ يقال لكل فرد خذ ما تحتاج اليه.. ولا يبق محتاج في ذاك الزمن..؟
        أجبت: نعم هكذا هي حالة تلك الفترة، ولكن ما نراه اليوم يتعدى مسألة الغنى والفقر.. هو عطاء للعطاء .. لا لعنوان الحاجة .. ولا لعنوان الفقر.. بل لعنوان خاص اسمه .. حب الحسين.. ألست أنت زائر الحسين..
        إذن خذ وأنت صاحب الفضل..
        حكى لي وائل قائلا.. أثناء مسيرنا تورمت قدماي إذ لم أكن قد اعتدت على المسير المتواصل لفترة طويلة .. وتوقفنا عند إحدى المفارز الطبية على الطريق.. وكان الممرض او الطبيب يسحب بواسطة ابرة الماء المنتفخ تحت جلد القدم..
        لقد رفضوا اعطاءنا اياه قائلين .. إننا نستعمله دواء للشفاء..
        الاطباء يأخذون الماء من الاقدام المتورمة في مشيها لزيارة الحسين ويستعملونه دواء..
        من يستطيع فك رموز تلك الاحجية التي لا يعرفها سوى من عشعش في قلوبهم حب الحسين..
        حكى لي ابو حذيفة.. وهو صديق عراقي من كربلاء أقام سنيناً في بلدتنا يعمل في مهنته صياغة الذهب قبل ان يعود الى كربلاء قائلا: كانت لدينا رغبة انا وصديقي بأن نعمل على طريق كربلاء مصلحي أحذية للزوار .. فهل تعرف كيف بدأت هذه الخدمة للزوار منذ سنتين؟
        أجبته كلا فقال: سأنقل لك شهادة الرادود المعروف " رؤوف عَلْوَش" الذي التقى قبل سنتين بشاب جالس على الطريق الى كربلاء يصلح أحذية الزوار.. قال له.. ما اراك ممن يمتهن هذه المهنة..أجابه : نعم ..ولكني ألزمت نفسي بأن أقوم بهذا العمل في كل عام بسبب ما حدث معي.. وتابع الشاب ساردا قصته للرادود:
        كنت مشلولا على عربة ولا استطيع المشي، وقد وضعني اهلي في العربة على طريق المشاة كي اتبرك بغبار زوار الحسين..
        وأنا في تلك الحالة كنت ارقب حالة المشاة، وقد لفت نظري ان أحذية بعضهم قد تقطعت وصارت بحاجة الى اصلاح فكان بعضهم يتركها ويسير حافيا لعدم تمكنه من اصلاحها..
        قلت في نفسي وانا أشاهد مثل تلك الحالات.. يا ليتني أستطيع خدمة هؤلاء الزوار بإصلاح احذيتهم..
        ومر من أمامي الزوار المشاة، وخف عددهم وكان هناك شخص يسير بمفرده آخر المشاة، ولم اعد ار بعده أحد.. وما أن وصل اليّ حتى أعطاني قنينة ماء وقال لي اشربها وتابع سيره..
        وبعد ان غاب الجميع شربت الماء وأنا استعد كي ينقلني أهلي ، وإذ بي أشعر انني صرت في حالة اخرى .. لقد شعرت بقوة أذهبت عني ما أنا فيه..
        قمت ومشيت .. وعندها التفت الى أنني تمنيت ان أخدم الزوار ، فألزمت نفسي بإصلاح احذيتهم في كل عام..
        أليس اليقين الراسخ هو الذي جعل مثل هذا يقوم بمثل هذا العمل؟
        أليست الحقيقة المتجسدة أمامهم عشقا للحسين تدفع مثل هؤلاء لخدمة زوار الحسين..
        وماذا لو نقلت لكم قصة اخرى حصلت هذا العام؟
        التقيت بأحد التجار الكسبة فحكى لي ما حصل معه ومع زوجته هذا العام..
        إنه السيد جعفر السيد مجيد السيد نجم العوادي الموسوي..
        من اهالي مدينة النجف الاشرف.. يملك بستانا في منطقة ما يسمى خان الربع.. وهي في ربع الطريق من النجف الى كربلاء.. ويبعد بستانه ومنزله عن الشارع العام ما يقرب من خمسة عشر كيلو مترا..
        هناك على الشارع حسينية تحمل اسم الامام جعفر الصادق عليه السلام..
        وهناك موكب يقدم الخدمة للزائرين المشاة يحمل اسم موكب السادة خدام الحسين..
        حكى لي السيد جعفر.. أن زوجته العلوية ( بمصطلح العراقيين يطلق على من تنتسب الى أمير المؤمنين عليه السلام لقب العلوية) رغم ما بها من مرض تصر على المشاركة في خدمة زوار الحسين من خلال عجنها العجين الذي يتم ارساله الى فرن هناك ليخبر ويقدم الخبز الساخن للزوار..
        ألحت زوجته كي تأتي معه للقيام بهذه المهمة، وضعت كمية الطحين المطلوبة، والماء الحار اللازم للعجين.. وإذ بها ترى أنه صار عجينا جاهزا دون أن تبذل اي جهد.. بعثته للخباز.. ثم عملت عجنة اخرى، وارسلتها مباشرة .. فتعجب الخباز من السرعة في انجاز العجين .. عندها قالت لهم احضروا أية كمية من الطحين فأنا على استعداد لعجنها بأقصى سرعة..
        قد يستغرب البعض مثل هذه القصص والحكايا.. و لكن هل يستطيع احد ان ينكر كل تلك الحقائق التي تشهد بتغير ناموس الطبيعة في العلاقة بين البشر؟
        إن كان ناموس الطبيعة يغير سلوك الانسان في علاقاته.. فكيف لا يتغير بامور تكوينية كما حصل مع ابراهيم الخليل؟
        سأختم موضوعي الان بما لفت نظري قبيل مغادرتي كربلاء بعد ظهر يوم الاربعين..
        كان على بعد عشرة امتار من الفندق الذي اقمت فيه ، سفير كربلاء..وفي الزقاق الموصل الى شارع السدرة حيث انعطف يمينا نحو مقام الحسين عليه السلام.. كان هناك فرن للخبز.. وكانت أكياس الطحين مكدسة عنده.. وكميات الخبز في الصباح والظهر والمساء تنتظر من يشتري ، وكنت أمر من أمام ذاك الفرن ست مرات في كل يوم اثناء ذهابي للحرم الشريف واثناء عودتي، وفي اكثر الاحيان كنت اشاهد شخصا او شخصين قدما الفرن بهدف شراء الخبز المكدس على الطاولة الخارجية..
        واستمر هذا المشهد يتكرر امامي خمسة ايام الى ما بعد ظهر يوم الاربعين..
        كنت قد صليت الظهر في مقام الحسين وودعته وتوجهت للفندق استعدادا للمغادرة.. وما أن دخلت الزقاق حتى شاهدت ازدحاما غير مألوف في ذاك المكان.. إذ أن أعدادا كبيرة من الناس متوقفة..
        لا بد أن أمرا ما قد حدث في هذا الزقاق.. إذ رغم الاعداد الغفيرة المنتشرة في كل مكان لم يكن الزحام ليعيق حركة الناس كما أشاهدها الان هنا..
        وكانت المفاجأة .. كل هؤلاء الناس يقفون امام فرن الخبز لشراء حاجتهم..
        يا الهي .. ما الذي تغير؟
        إن الناس قد بدأت في مغادرة كربلاء.. وكانت الجموع في الصباح وفي مساء امس اكثر بكثير ومع ذلك لم يكن احد ليقف امام الفرن .. فما الذي جرى ؟ وما الذي تغير؟
        لقد انتهى وقت الزيارة.. فعادت الناس الى طبيعتها في علاقاتها..
        انتهى الوقت الذي كان فيه اصحاب تلك المواكب يقدمون الطعام والشراب للقادمين، لقد انجز هؤلاء مهمتهم وحزموا امتعتهم وهم يهمون بالمغادرة..
        فعاد الخباز ليبيع الخبز، والبقال ليبيع انواع الطعام والفاكهة وانتهى الوقت الذي تغيرت فيه نواميس الطبيعة..
        هكذا بدت لي كربلاء بعد ظهر الاربعين والناس تودع الحسين الى منازلها.
        وللحديث تتمة

        تعليق


        • #19
          يا الهي كم شوقتني للزيارة لقد نقلتها بكافة التفاصيل التي لا نستشعرها عن مشاهدة التلفاز فهي احاسيس نابعة من قلب صادق نقلت مشاعر وقلوب الناس الطيبة لم لن يجد احد في العالم اي مكان في العالم كهذا المكان الذي يقدم فيه الطعام والشراب والفطور وهم يتوسلون الى الى الزائر تفضل

          تعليق


          • #20
            شكرا لك على هذه الحلقات الرائعة التي تصف ما يحدث كل عام وصفا حقيقيا صادقا

            تعليق


            • #21
              الحلقة السابعة: الى النجف الاشرف

              الحلقة السابعة: الى النجف الاشرف
              سيدي يا أمير المؤمنين..
              يا قالع الباب الذي عن هزه *** عجزت أكف أربعون وأربع
              حان موعد القدوم اليك..
              عندما وطأت قدماي أرض مطار النجف الاشرف قبل ستة ايام ..اتصل بي أخي ليقول لي .. إن سيارة بانتظارك خارج المطار كي تصطحبك الى مقام أمير المؤمنين..
              لا يا أخي أجبته.. سأنتظر الاهل في المطار.. ووجهتنا الاولى هي كربلاء..
              زيارتنا الاولى هي للحسين..
              عذرا أمير المؤمنين.. لقد زرت الحسين .. وأعرف أنك مع زوار الحسين..
              وأعرف أن فاطمة الزهراء كانت تنتظرنا عند الحسين..
              ألسنا نروي أنه:
              لَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ (ص) ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ بِقَتْلِ وَلَدِهَا الْحُسَيْنِ وَ مَا يَجْرِي عَلَيْهِ مِنَ الْمِحَنِ‏ بَكَتْ فَاطِمَةُ بُكَاءً شَدِيداً وَ قَالَتْ:
              يَا أَبَهْ مَتَى يَكُونُ ذَلِكَ؟
              قَالَ فِي زَمَانٍ خَالٍ مِنِّي وَ مِنْكِ وَ مِنْ عَلِيٍّ فَاشْتَدَّ بُكَاؤُهَا وَ قَالَتْ:
              يَا أَبَهْ فَمَنْ يَبْكِي عَلَيْهِ وَ مَنْ يَلْتَزِمُ بِإِقَامَةِ الْعَزَاءِ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ:
              يَا فَاطِمَةُ إِنَّ نِسَاءَ أُمَّتِي يَبْكُونَ عَلَى نِسَاءِ أَهْلِ بَيْتِي وَ رِجَالَهُمْ يَبْكُونَ عَلَى رِجَالِ أَهْلِ بَيْتِي وَ يُجَدِّدُونَ الْعَزَاءَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَإِذَا كَانَ الْقِيَامَةُ تَشْفَعِينَ أَنْتِ لِلنِّسَاءِ وَ أَنَا أَشْفَعُ لِلرِّجَالِ وَ كُلُّ مَنْ بَكَى مِنْهُمْ عَلَى مُصَابِ الْحُسَيْنِ أَخَذْنَا بِيَدِهِ وَ أَدْخَلْنَاهُ الْجَنَّةَ.
              يَا فَاطِمَةُ كُلُّ عَيْنٍ بَاكِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا عَيْنٌ بَكَتْ عَلَى مُصَابِ الْحُسَيْنِ فَإِنَّهَا ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ بِنَعِيمِ الْجَنَّةِ ؟
              ألم يخبر النبيُّ علياً قائلا:
              أَمَّا الْحُسَيْنُ فَإِنَّهُ يُظْلَمُ وَ يُمْنَعُ حَقَّهُ وَ تُقْتَلُ عِتْرَتُهُ وَ تَطَؤُهُ الْخُيُولُ وَ يُنْهَبُ رَحْلُهُ وَ تُسْبَى نِسَاؤُهُ وَ ذَرَارِيُّهُ وَ يُدْفَنُ مُرَمَّلًا بِدَمِهِ وَ يَدْفِنُهُ الْغُرَبَاءُ فَبَكَيْتُ وَ قُلْتُ هَلْ يَزُورُهُ أَحَدٌ قَالَ يَزُورُهُ الْغُرَبَاءُ قُلْتُ فَمَا لِمَنْ زَارَهُ مِنَ الثَّوَابِ قَالَ يُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُ أَلْفِ حَجَّةٍ وَ أَلْفِ عُمْرَةٍ كُلُّهَا مَعَكَ فَضَحِكْتُ.
              وها أنذا سيدي يا أمير المؤمنين آت لزيارتك بعد أن زرت أولادك..
              أليسوا هم الباب اليك؟
              ألم يأمرنا الله تعالى بقوله: { وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا } (189) سورة البقرة
              عصر يوم الاثنين غادرنا كربلاء..وقلوبنا يعتصرها الالم.. وهل يمكن لإنسان أن يعيش أياما في كربلاء دون أن يعيش بعقله وفكره وعواطفه ومشاعره مع المأساة التي أبكت رسول الله قبل وقوعها؟ أبكت فاطمة الزهراء قبل حصولها؟
              نستقل السيارات.. ونسير بين تلك الجموع التي لم تهدأ ولم تتوقف.. لقد تبدلت جهة المسير.. كانت منذ أيام وحتى صبيحة اليوم تزحف جميعا من كل الاتجهات ناحية وسط كربلاء.. أما الان فها هي تغادر الى اماكن قدومها..
              أية وسائط نقل تكفي لهذه الجموع؟
              لن تنتظر في مكانها إذ يستحيل أن تجد من هناك من ينقلها.. كلها تغادر مشياً الى أن تجد من ينقلها..
              منظر غريب أشاهده .. أقرب الى الخيال منه الى الواقع..
              سيارات الشرطة والجيش والتي كانت حتى زمن قريب تطارد الزائرين فتعتقلهم وتطلق النار عليهم، وتنقلهم الى السجون في عهد النظام البائد.. هي الان قد تحولت الى سيارات لنقل الزوار من وسط المدينة الى حيث يجدون من ينقلهم الى قراهم ومدنهم..
              من يملك سيارة خاصة، او باصاً، أو حتى شاحنة ، وحتى دراجة نارية تراه يساهم في نقل الزوار..
              لا تشاهد أي تدافع او تسابق على ركوب وسيلة النقل.. هل هي القناعة ؟ ام التسليم؟ أم الاطمئنان؟ لا أدر ..
              أي هدوء يتحكم بهذه المشاعر؟ أي طباع قد تبدلت في علاقات هؤلاء البشر؟
              ما الذي حصل ؟ ما الذي تغير؟
              نعرف أن طباع العراقيين " حارة" وأن أحدهم يغضب بسرعة ويثور وينفعل عند أدنى اساءة.. وبشكل أدق ، ليست طباع العراقيين باردة كبعض الشعوب الاخرى.. ومع ذلك فإنه ورغم هذا الازدحام الكبيرفإنك لا ترى سوى طمأنينة تحكم سلوك الجميع..
              سائق سيارتنا الذي ينزعج أثناء القيادة فيما لو سمع بوق سيارة اخرى تريد تجاوزه، ويتأذى فيما لو تأخر حاجز أمني في التدقيق بسيارة أمامه.. أراه هادئا رصينا عندما يحتك به سائق دراجة حولها الى ما يشبه العربة و ينقل بها من الزائرين..
              تصاب سيارته بخدش كان يمكن أن يؤدي الى مشكلة مع السائق الاخر في وقت آخر.. أما الان.. فينتهي كل شيء بينهما بمودة بعد انفعال سرعان ما يتبدد..
              نتجاوز حدود كربلاء.. فيتجه بنا السائق الماهر الخبير نحو طريق لا نعرفها..
              الى أين يا حيدر تذهب بنا؟
              يبتسم ويقول.. لو أردنا الذهاب الى النجف الاشرف عبر الاتوستراد الرئيسي فإننا لن نصل الى هناك قبل منتصف الليل.. ثمانون كيلو مترا تحتاج الى ساعات كي نقطعها بسبب الازدحام الشديد على الطريق..
              سآخذكم من طريق لا يعرفها الا القلة..
              سار بنا في طريق خالية.. ليس عليها سوى مفارز أمنية بين الحينة والاخرى..
              يرحبون بالزائرين ويودعوننا بأجمل عبارات المودة..
              طريق ضيقة لا تسمح بمرور سيارتين بوقت واحد.. أعادتنا الى زمن غابر..
              بعض الشاحنات التي كنا نصادفها تلزمنا ان نخرج بالسيارة عن الاسفلت، او على العكس ، يخرجون كي يسمحون لنا بالمرور..
              نلتقي ببعض الباصات الفارغة العائدة نحو كربلاء..
              يقول لنا حيدر انها باصات خاصة تابعة للروضة الحسينية تنقل الزائرين من كربلاء وتعود فارغة لتنقل مجموعات أخرى على هذه الطريق المجهولة..
              نتجاوز ثلاثة ارباع الطريق، وهناك عند نقطة أمنية يشيرون علينا بالتوجه نحو الشارع الرئيسي.. إذ لا بد لنا من ان نمر عبر نقطة التفتيش الرئيسية الى النجف..
              ما أن نصل الى الشارع الرئيسي حتى نصير بين تلك الزحمة من السيارات والشاحنات المتجهة نحو النجف..
              لم يعد بإمكان سياراتنا الثلاث ان تسير معا، إذ صار على كل سائق ان يتدبر أمره كي نصل الى النجف الاشرف.
              وتلوح لنا القبة الصفراء من بعيد.. فنشعر بالعنفوان والكبرياء..
              السلام عليك يا أمير المؤمنين..
              السلام عليك يا سيد الوصيين..
              السلام عليك يا خليفة رسول رب العالمين..
              السلام عليك يا أبا الائمة الهداة الميامين..
              السلام عليك يا ابا الائمة الراشدين..
              السلام عليك يا والد الائمة المرضيين..
              السلام عليك يا وارث النبيين..
              السلام عليك يا وارث علم الاولين والاخرين..
              السلام عليكم يا حبل الله المتين..
              السلام عليك يا قائد الغر المحجلين..
              السلام عليك يا يعسوب الدين..
              السلام عليكم يا امام المتقين..
              السلام عليك يا امام المخلصين..
              السلام عليك يا عصمة المؤمنين..
              السلام عليك يا نور المؤمنين..
              السلام عليك يا قدوة الصادقين..
              السلام عليك يا قدوة الصالحين..
              السلام عليك يا قاتل المشركين والقاسطين والمارقين..
              وهل بعد هذا العز من عز؟
              وهل بعد هذا الفخر من فخر؟
              وأنا أتأمل في تلك الحشود المتجهة نحو أمير المؤمنين.. تستحضرني القصيدة الخالدة للشاعر السوري الشيخ الدكتور محمد مصطفى المجذوب.
              تلك القصيدة التي نشرت في ديوانه الاول، وعملت الايدي المغتاظة على حذفها من الطبعات اللاحقة..
              ذاك الشاعر الذي وردت له ترجمة خاصة عن حياته في كتاب :أعلام الصحوة الإسلاميّة: الشخصيّة رقم 441 ص 932 تأليف محمد علي شاهين.
              والذي قيل عنه أنه أحد روّاد الأدب الإسلامي، مفكّر إسلامي، أديب موهوب، صاحب أسلوب دقيق ورشيق، شاعر مبدع من أصحاب الدواوين الشعريّة الراقية.
              هذا الشاعر الذي كان قد زار العراق في أيام شبابه مع وفد من الفقهاء والادباء.. هاله ما شاهده في النجف الاشرف..
              فعندما لاحت له هذه القبة المشعة راح يقارن بينها وبين قبة معاوية في دمشق فقال بعد عودته مخاطبا معاوية بن ابي سفيان:
              [SIZE=20px][COLOR=#3333ff]

              أين القصور أبا يزيد ولهوها *** والصافنات وزهوها والسؤددُ
              اين الدهاء نحرت عزته على *** أعتاب دنـــيا زهوهــــا لا ينفدُ
              آثرت فانيها على الــحق الذي *** هو لو علمت على الزمان مخلدُ
              تلك البهارج قد مضت لسبيلها *** وبقيت وحــــدك عبرة تتجــــددُ
              هذا ضريحك لو بصرت ببؤسه *** لأسال مدمعك المصير الأسودُ
              كتل من الترب المهين بخربــــةٍ *** سكـــر الذباب بها فراح يعربدُ
              خفيت معالمـــــها على زوارهــا *** فكـــأنها في مجهــل لا يقصــدُ
              والقبة الشمــــاء نكـــس طرفهــا *** فبكــــل جزء للــــفناء بهـــا يدُ
              تهمي السحائب من خلال شقوقها *** والريح فـــي جنـــباتها تــترددُ
              وكذا المصلى مظـــــلم فكــــــأنه *** مــــذ كان لم يجـــتز به متعـــبدُ
              أأبا يزيد وتلك حكـــــمة خاــــلق *** تــــجلى على قلب الحكيم فيرشدُ
              أرأيت عاقبة الجــــــموح ونزوة *** أودى بـــلبك غّــــيها الترصــــدُ
              تعدوا بها ظلما على من حــــــبه *** ديــــن وبغضتــه الشقاء السرمدُ
              ورثت شمائـــــله بـــــراءة أحمد *** فـــيكاد من بريــــده يشرق احمدُ
              وغلــــوت حتى قد جعلت زمامها *** ارثــــا لكــــــل مـــدمم لا يحمدُ
              هتك المحــــارم واستباح خدورها *** ومضى بـــغير هــــواه لا يتقيدُ
              فأعادها بعد الــــهدى عصــــــبية *** جــــهلاء تـــلتهم النفوس وتفسدُ
              فكأنـــما الأســـلام ســــلعة تــاجر *** وكــــــأن أمــــته لآلــــك أعـــبدُ
              فاســــأل مرابض كربلاء ويثرب *** عن تــــلكم الــــنار التي لا تخمدُ
              أرسلت مارجـــــها فـــــماج بحره *** أمـــــس الجـــدود ولن يجّنبها غدُ
              والزاكـــيات من الدمــــــاء يريقها *** بــــــاغ على حرم الــــنبوة مفسدُ
              والطاهرات فديــــــتهن حواســـرا *** تـــنــثال من عـــبراتهن الأكـــبدُ
              والطــــيـبـيـن من الصغار كـــأنهم *** بـــيض الزنابق ذيد عنها الموردُ
              تشـــــكو الظــــــما والظــــــالمون *** أصمهم حقد أناخ على الجوانح موقدُ
              والذائــــــدين تبعـــثرت اشـــلاؤهم *** بــــــدوا فثمة معصــــــم وهنا يدُ
              تطأ السنابـــــــك بالظــــــغاة أديمها *** مثــــل الكتاب مشى عليه الملحدُ
              فعلــــــى الرمــال من الأباة مضرج *** وعلى النــــياق من الهداة مصفدُ
              وعلى الرماح بقّـــــية من عابـــــــد *** كالشمس ضاء به الصفا والمسجدُ
              ان يجهــــــش الأثــماء موضع قدره *** فـــلقــد دراه الراكـــــعون السّجدُ
              أأبا يزيد وســـــــــاء ذلك عـــــــثرة *** ماذا أقول وباب سمعــــك موصدُ
              ***
              قم وارمق النجف الشريــــف بنظرة *** يرتد طرفك وهو بـــــــــاك أرمدُ
              تلك العظــــــــام أعز ربك قــــدرها *** فتـــــكاد لولا خــــــوف ربك تعبدُ
              ابدا تباركــــــــها الوفــــــود يحثــها *** من كــــــــل حدب شوقها المتوقدُ
              نازعـــــتها الدنـــيا فـــفزت بوردها *** ثم انقــــضى كالحــــلم ذاك الموردُ
              وسعت الى الأخــــــرى فخلد ذكرها *** في الخالديــــن وعطف ربك أخلدُ
              ***
              أأبا يزيد لتـــــلك آهــــــــــــة موجع *** أفــــــــــضى اليك بها فؤاد مُقصدُ
              أنا لســـــــــت بالقالي ولا أنا شـامت *** قـــــــلب الكريم عن الشتامة أبعدُ
              هي مـــــــــــهجة حرى اذاب شفافها *** حــــــزن على الاسلام لم يك يهمدُ
              ذكرتـــــــــــــها الماضي فهاج دفينها *** شمل لشعب المصــــــــطفى متبددُ
              فبعـــثته عتـــــبا وان يـــــك قاســـيا *** هــــــــو في ضلــوعي زفرة يترددُ
              لم اســـــتطع صـــــبرا على غلوائها *** أي الضلـــــوع على اللضى تتجلدُ

              وللحديث تتمة

              تعليق


              • #22
                المشاركة الأصلية بواسطة ابو محمد العاملي


                هو الشوق الجارف.. هو الحنين الصادق.. هو ما ليس له مثيل في حياة البشر..


                نعم.. هو الشوق والحنين.. إلى بقعة من الأرض تهواها الأنفس والقلوب.. وتحيا بها الأحاسيس.. فتشعر وكأنّك قد بُعثتَ في عالم آخر

                تقبل الله أعمالكم مولانا ورزقنا وإياكم زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام في الدنيا وزيارته في الآخرة إنه سميع مجيب

                تعليق


                • #23
                  المشاركة الأصلية بواسطة ابو محمد العاملي

                  هذا ضابط الجوازات .. يوجّه العناصر الجديدة معه على كيفية انجاز المعاملات..

                  عندما أقول له إن لديّ موافقة مسبقة وان بقية الاسماء ستصل من بيروت، يجيبني ، لستم الان بحاجة الى أية موافقة مسبقة، أهلا بكم .. أنتم زوار الحسين..

                  تحصلون على تأشيرة الدخول مباشرة بموافقة خاصة من اللواء..

                  بكل مودة وحنان يخاطبون الزوار القادمين مقدمين لهم كل ما يلزم من تسهيلات وارشادات..

                  هل هؤلاء هم ضباط الامن في العراق؟ شيء لا يصدق..

                  يا الهي أين أنا!! وماذا أرى!!

                  يقف الضابط ليقدم لي كرسيه كي أجلس عليها.. فيما ينشغل آخرون بإنجاز التأشيرة..

                  أهكذا غدت أخلاق رجال الامن في العراق!



                  المشاركة الأصلية بواسطة ابو محمد العاملي
                  الحلقة السابعة: الى النجف الاشرف
                  سيارات الشرطة والجيش والتي كانت حتى زمن قريب تطارد الزائرين فتعتقلهم وتطلق النار عليهم، وتنقلهم الى السجون في عهد النظام البائد.. هي الان قد تحولت الى سيارات لنقل الزوار من وسط المدينة الى حيث يجدون من ينقلهم الى قراهم ومدنهم..


                  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا الفاضل وتقبل الله مناومنكم ومن جميع المؤمنين بحق محمد واله الطاهرين

                  وجزاكالله كل خير فقداعدت تلك الصور والمواقف التي عشناها بالامس القريب فسالت مع الذكريات دموع بلاشعور !


                  اقتبست ماورد اعلاه لاقول ان ليس كل رجال الامن كما تقول فرجال (امن )الامس لازال بعضهم هنا وهناك ويحملون نفس السحنات ونفس النظرات يتحينون الفرص !

                  كما ان البعض للاسف ينظر لهؤلاء الذين تتحدث عنهم ويشتمونهم ويلعنونهم علنا بعد ان غسلت ادمغتهم ولم يعودوا يفرقون بين العدو والصديق !


                  لعلك لم تشاهد الضباط وهم يقفون في مدخل كربلاء عند حاجز التفتيش الجانبي للمشاة وهم يصيحون (هلا بزوار ابو علي)!!
                  ولعلك لم تشاهد من يقفون في بداية كربلاء يهتفون (جني بالعباس نادى ياهلا بهاي الضيوف..شلون ااديهه التحية وانه مكطوع الجفوف )!
                  ولعلك لم تشاهد بعض سيارات الطبابة العسكرية التي جعلت من نفسها مفارز طبية على الطريق ....صورت بعضها مع مشاهد اخرى في نقل لاربعينية العام الماضي !


                  انقل لكم وللاخوة الاعضاء سردا لزيارة للامام الحسين يوم عاشوراء عام91!
                  بعيد الانتفاضة الشعبانية

                  وصلت كربلاء بلازحام يذكر !
                  كانت شبه مهجورة !
                  الى ان وصلت الى الحرمين جهة العباس فوجدت الصحن مغلقا تماما!
                  وكانت اثار القصف والدمار مرعبة..مبكية...مفجعة !

                  كانت الساحة بين الحرمين منطقة عسكرية حيث تنتشر اللدبابات والمدرعات!
                  يعتلي اسطح الفنادق وسطح الصحن رجال الحرس الصدامي وفوهات مدافعهم الرشاشة مصوبة نحو الارض !
                  كان عدد المدنيين الذين تراهم حولك لايزيد على عدد اصابع اليدين !

                  رجال الحرس والرفاق(رجال الحزب) ينتشرون بمثافة ويحملون البنادق ويحاصرون الزائر بنظرات الرعب !

                  قصدت الحسين وكنت ارى الابواب جهةالعباس مغلقة لكني سمعت احد الزوار يقول ....هناك باب واحد مفتوح!

                  وفعلا كان هذا باب القبلة !

                  وصلته فوجدت رجال الحرس قد شكلوا صفين يمسك الرجل الاول بعروة الباب بيد وباخرى يشكل سلسلة تمتد ليمسك الاخير بشباك الحسين

                  وعليك ان تدخل ضمن صفين من رجال حرس صدام يعلقون الهراوات في النطاق(حزام عسكري)!
                  مع اول قدم دخلت صاح احدهم....يلله استعجل !

                  استعجلت ...ودخلت فوجدت الصحن ثكنة تغص بالزيتوني(لباس البعثيين)!

                  وصلت الضريح المطهر وانا اكاد اتفجر غيضا ومددت يدي وما ان لامست الشباك صاح احدهم ...يللا..اطلع !


                  ========================
                  تقبل الله منا ومنكم شيخنا الفاضل ونساله تعالى ان يوفقنا لمثلها ماحيينا ...
                  التعديل الأخير تم بواسطة husaini4ever; الساعة 28-03-2009, 10:25 AM.

                  تعليق


                  • #24
                    السلام عليكم
                    السلام عليك سيدي أبا عبد الله
                    وعلى اخيك أبي الفضل العباس وعلى اختك الحوراء زينب
                    وفقكم الله لكل خير مولانا الشيخ مصطفى
                    ونحمد الله ونشكره اننا كنا من زوار وخدام الإمام الحسين عليه السلام هذه السنه
                    وهي المرة الاولى التي ازور فيها العراق
                    وكذلك الامر اذكر عندما إلتقيت معكم في حرم الإمامين الكاظميين عليهما السلام
                    كنتم مع والدكم الشيخ الكريم وباقي من لحق بكم من العائله
                    على كل حال نسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يحرمنا هذه الزياره كل سنه
                    ونكون برفقتكم مع المؤمنين
                    والسلام عليكم
                    التعديل الأخير تم بواسطة abou maytham; الساعة 31-03-2009, 03:53 PM.

                    تعليق


                    • #25
                      الحلقة الثامنة: الى الكوفة

                      الحلقة الثامنة.. الى الكوفة
                      إنها مستديرة ثورة العشرين..
                      ولثورة العشرين حكايا..
                      هنا يرقد جثمان السيد محمد باقر الحكيم.. وللسيد الحكيم حكايا..
                      هذا مفترق الطريق نحو الكوفة..جهة الشرق تتجه نحو الكوفة.. وما أدراك ما الكوفة..
                      والى الغرب تدخل مدينة النجف الاشرف.. محاذيا وادي السلام..
                      ومن لا يعرف وادي السلام.. إنها أقدم وأكبر مقبرة في التاريخ.. تعمل فيها الملائكة النقالة..
                      والى الجنوب تتجه نحو جنوب العراق.. بما يحمله الجنوب من تاريخ ورمزية..
                      أما الى الشمال من المستديرة فإن الطريق توصلك الى كربلاء..
                      نتجه الان من النجف نحو الكوفة ونتجاوز تلك المستديرة.
                      أول سؤال يخطر ببال الزائر المتجه من النجف نحو الكوفة ..أين حدود النجف وأين حدود الكوفة؟
                      لقد اتصل البنيان، وغدتا كمدينة واحدة تمتد على جانبي الشارع العريض المتجه شرقاً ..
                      تلاشت الصحراء التي كانت تفصل بين النجف والكوفة.. وتلاشى معها ذاك السياج الذي وضع حدودا لمشروع جامعة الكوفة الدينية منذ أكثر من أربعين سنة، في أيام المرجع الراحل السيد محسن الحكيم. قدس سره
                      وجهتنا الكوفة قاصدين مسجدها...
                      أليس مسجد الكوفة هو أحد المساجد الثلاثة التي تشد اليها الرحال؟
                      ألم يقل أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ (ص) وَ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ؟
                      أليس هو المسجد الذي حكى عنه الامام الصادق (ع) قائلا:
                      جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) وَ هُوَ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ فَرَدَّ عَلَيْهِ فَقَالَ:
                      جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي أَرَدْتُ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى فَأَرَدْتُ أَنْ أُسَلِّمَ عَلَيْكَ وَ أُوَدِّعَكَ.
                      فَقَالَ لَهُ وَ أَيَّ شَيْ‏ءٍ أَرَدْتَ بِذَلِكَ، فَقَالَ الْفَضْلَ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ:
                      فَبِعْ رَاحِلَتَكَ وَ كُلْ زَادَكَ وَ صَلِّ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ فِيهِ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ وَ النَّافِلَةَ عُمْرَةٌ مَبْرُورَةٌ وَ الْبَرَكَةَ فِيهِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا.
                      يَمِينُهُ يُمْنٌ وَ يَسَارُهُ مَكْرٌ وَ فِي وَسَطِهِ عَيْنٌ مِنْ دُهْنٍ وَ عَيْنٌ مِنْ لَبَنٍ وَ عَيْنٌ مِنْ مَاءٍ شَرَابٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ عَيْنٌ مِنْ مَاءٍ طُهْرٍ لِلْمُؤْمِنِينَ.
                      مِنْهُ سَارَتْ سَفِينَةُ نُوحٍ وَ كَانَ فِيهِ نَسْرٌ وَ يَغُوثُ وَ يَعُوقُ.
                      وَ صَلَّى فِيهِ سَبْعُونَ نَبِيّاً وَ سَبْعُونَ وَصِيّاً أَنَا أَحَدُهُمْ.
                      وَ قَالَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِهِ مَا دَعَا فِيهِ مَكْرُوبٌ بِمَسْأَلَةٍ فِي حَاجَةٍ مِنَ الْحَوَائِجِ إِلَّا أَجَابَهُ اللَّهُ وَ فَرَّجَ عَنْهُ كُرْبَتَهُ.
                      أليس مسجد الكوفة هو أحد الاماكن الاربعة التي يتخير فيها المسافر بين الصلاة قصراً وبين الاتمام؟ بيت الله الحرام في مكة، ومسجد نبيه الاكرم في المدينة، ومقام الحسين في كربلا، وهذا المسجد؟
                      أليس هو المسجد الذي صلى فيه آدم ونوح وابراهيم؟
                      أليس هو المسجد الذي صلى فيه النبي قبل أن يصل على البراق الى السماء؟
                      ثم:
                      أليست الكوفة هي المدينة التي اتخذها أمير المؤمنين مركزا لحكمه؟
                      أليست هي التي سُحب فيها مسلم بن عقيل في الازقة؟
                      أليست هي التي خرج منها حبيب لنصرة الحسين، وهو الشيخ التسعيني؟
                      أليست هي التي أدخل اليها رأس الحسين مرفوعا على الرمح ؟
                      ثم أليست هي التي انتقم فيها المختار من كل اولئك القتلة؟
                      اي تاريخ يستحضرنا عندما نذكر الكوفة؟ وأي مستقبل يرتسم أمامنا؟
                      أليس فيها ينتهي الوقت المعلوم عند إقامة دولة العدل الالهي بعد ظهور القائم؟
                      وتسير بنا السيارة ويسبح بنا الخيال في كل تلك الاتجاهات..
                      في أية محطة يمكنك ان تتوقف؟
                      يسترعي انتباهك محطة من تلك المحطات فنقف في الذاكرة عند ميثم التمار.. التفت الى ابني قائلا:
                      بُنيّ هذا مقام ميثم التمار..
                      يعدل في جلسته ويظهر لديه شَغف ليرى ويتأمل ويأخذ الصور.. لما يحمله هذا الاسم لديه من معنى وأثر..
                      عندما يسأله زملاؤه في المدرسة عن معنى اسمه .. فيقول لهم .. انه تيمناً بصاحب امير المؤمنين " ميثم التمار".
                      كثيرون يخطئون باسمه فينادونه بالاسم الشبيه الشائع في لبنان " هيثم"، وعندما يصحح لهم اسمه يطلبون منه أن يحدثهم عن ميثم.
                      إذن ها هو الان أمام مقام ميثم التمار..
                      ميثم التمار الذي حمل بعض أسرار أمير المؤمنين..
                      ميثم التمار الذي بكى على الحسين قبل شهادته ونقل عن امير المؤمنين الكثير من الاخبار والاحداث التي تحققت فيما بعد فكان مما نقل عنه:
                      عَنْ جَبَلَةَ الْمَكِّيَّةِ قَالَت سَمِعْتُ مِيثَمَ التَّمَّارَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقُولُ:
                      وَ اللَّهِ لَتَقْتُلُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ابْنَ نَبِيِّهَا فِي الْمُحَرَّمِ لِعَشْرٍ يَمْضِينَ مِنْهُ وَ لَيَتَّخِذَنَّ أَعْدَاءُ اللَّهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمَ بَرَكَةٍ وَ إِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَعْلَمُ ذَلِكَ لِعَهْدٍ عَهِدَهُ إِلَيَّ مَوْلَايَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَ لَقَدْ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ يَبْكِي عَلَيْهِ كُلُّ شَيْ‏ءٍ حَتَّى الْوُحُوشُ فِي الْفَلَوَاتِ وَ الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ وَ الطَّيْرُ فِي السَّمَاءِ وَ يَبْكِي عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ السَّمَاءُ وَ الْأَرْضُ وَ مُؤْمِنُو الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ وَ جَمِيعُ مَلَائِكَةِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ وَ رِضْوَانُ وَ مَالِكٌ وَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَ تَمْطُرُ السَّمَاءُ دَماً وَ رَمَاداً.
                      ثُمَّ قَالَ وَجَبَتْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ كَمَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ، وَ كَمَا وَجَبَتْ عَلَى الْيَهُودِ وَ النَّصَارَى وَ الْمَجُوسِ.
                      قَالَت جَبَلَةُ فَقُلْتُ لَهُ يَا مِيثَمُ فَكَيْفَ يَتَّخِذُ النَّاسُ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ يَوْمَ بَرَكَةٍ فَبَكَى مِيثَمٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ:
                      يَزْعُمُونَ لِحَدِيثٍ يَضَعُونَهُ أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي تَابَ اللَّهُ فِيهِ عَلَى آدَمَ، وَ إِنَّمَا تَابَ اللَّهُ عَلَى آدَمَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي قَبِلَ اللَّهُ فِيهِ تَوْبَةَ دَاوُدَ وَ إِنَّمَا قَبِلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ تَوْبَتَهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي أَخْرَجَ اللَّهُ فِيهِ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ وَ إِنَّمَا أَخْرَجَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي اسْتَوَتْ فِيهِ سَفِينَةُ نُوحٍ عَلَى الْجُودِيِّ وَ إِنَّمَا اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ فِي يَوْمِ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي فَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهِ الْبَحْرَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
                      ثُمَّ قَالَ مِيثَمٌ: يَا جَبَلَةُ اعْلَمِي أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ لِأَصْحَابِهِ عَلَى سَائِرِ الشُّهَدَاءِ دَرَجَةٌ، يَا جَبَلَةُ إِذَا نَظَرْتِ إِلَى الشَّمْسِ حَمْرَاءَ كَأَنَّهَا دَمٌ عَبِيطٌ فَاعْلَمِي أَنَّ سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ الْحُسَيْنَ قَدْ قُتِلَ.
                      قَالَتْ جَبَلَةُ فَخَرَجْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَرَأَيْتُ الشَّمْسَ عَلَى الْحِيطَانِ كَأَنَّهَا الْمَلَاحِفُ الْمُعَصْفَرَةُ فَصِحْتُ حِينَئِذٍ وَ بَكَيْتُ وَ قُلْتُ قَدْ وَ اللَّهِ قُتِلَ سَيِّدُنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع).
                      لقد بحث ابني عن سيرة ميثم ليخبر بها اصدقاءه وأعجبته هذه القصة المروية:
                      مَرَّ مِيثَمٌ التَّمَّارُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فَاسْتَقْبَلَ حَبِيبَ بْنَ مُظَاهِرٍ الْأَسَدِيَّ عِنْدَ مَجْلِسِ بَنِي أَسَدٍ فَتَحَدَّثَا حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَعْنَاقُ فَرَسَيْهِمَا ثُمَّ قَالَ حَبِيبٌ لَكَأَنِّي بِشَيْخٍ أَصْلَعَ ضَخْمِ الْبَطْنِ يَبِيعُ الْبِطِّيخَ عِنْدَ دَارِ الرِّزْقِ قَدْ صُلِبَ فِي حُبِّ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِ (ع) وَ يُبْقَرُ بَطْنُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ.
                      فَقَالَ مِيثَمٌ وَ إِنِّي لَأَعْرِفُ رَجُلًا أَحْمَرَ لَهُ ضَفِيرَتَانِ يَخْرُجُ لِنُصْرَةِ ابْنِ بِنْتِ نَبِيِّهِ وَ يُقْتَلُ وَ يُجَالُ بِرَأْسِهِ بِالْكُوفَةِ.
                      ثُمَّ افْتَرَقَا فَقَالَ أَهْلُ الْمَجْلِسِ مَا رَأَيْنَا أَحَداً أَكْذَبَ مِنْ هَذَيْنِ.
                      قَالَ فَلَمْ يَفْتَرِقْ أَهْلُ الْمَجْلِسِ حَتَّى أَقْبَلَ رُشَيْدٌ الْهَجَرِيُّ فَطَلَبَهُمَا فَسَأَلَ أَهْلَ الْمَجْلِسِ عَنْهُمَا فَقَالُوا افْتَرَقَا وَ سَمِعْنَاهُمَا يَقُولَانِ كَذَا وَ كَذَا.
                      فَقَالَ رُشَيْدٌ رَحِمَ اللَّهُ مِيثَماً نَسِيَ وَ يُزَادُ فِي عَطَاءِ الَّذِي يَجِي‏ءُ بِالرَّأْسِ مِائَةُ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَدْبَرَ.
                      فَقَالَ الْقَوْمُ هَذَا وَ اللَّهِ أَكْذَبُهُمْ.
                      فَقَالَ الْقَوْمُ وَ اللَّهِ مَا ذَهَبَتِ الْأَيَّامُ وَ اللَّيَالِي حَتَّى رَأَيْنَاهُ مَصْلُوباً عَلَى بَابِ دَارِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، وَ جِي‏ءَ بِرَأْسِ حَبِيبِ بْنِ مُظَاهِرٍ وَ قَدْ قُتِلَ مَعَ الْحُسَيْنِ، وَ رَأَيْنَا كُلَّ مَا قَالُوا.
                      وَ كَانَ حَبِيبٌ مِنَ السَّبْعِينَ الرِّجَالِ الَّذِينَ نَصَرُوا الْحُسَيْنَ (ع) وَ لَقُوا جِبَالَ الْحَدِيدِ وَ اسْتَقْبَلُوا الرِّمَاحَ بِصُدُورِهِمْ وَ السُّيُوفَ بِوُجُوهِهِمْ وَ هُمْ يُعْرَضُ عَلَيْهِمُ الْأَمَانُ وَ الْأَمْوَالُ فَيَأْبَوْنَ فَيَقُولُونَ لَا عُذْرَ لَنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ إِنْ قُتِلَ الْحُسَيْنُ وَ مِنَّا عَيْنٌ تَطْرِفُ حَتَّى قُتِلُوا حَوْلَهُ.
                      وَ لَقَدْ مَزَحَ حَبِيبُ بْنُ مُظَاهِرٍ الْأَسَدِيُّ فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ بْنُ حُصَيْنٍ الْهَمْدَانِيُّ وَ كَانَ يُقَالُ لَهُ سَيِّدُ الْقُرَّاءِ يَا أَخِي لَيْسَ هَذِهِ بِسَاعَةِ ضَحِكٍ قَالَ فَأَيُّ مَوْضِعٍ أَحَقُّ مِنْ هَذَا بِالسُّرُورِ وَ اللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ تَمِيلَ عَلَيْنَا هَذِهِ الطَّغَامُ بِسُيُوفِهِمْ فَنُعَانِقُ الْحُورَ الْعِين‏.
                      نعم هذا هو ميثم وهذا هو مقامه الذي غدا مزارا خلده التاريخ..
                      خلدته المواقف الحقة.. خلده الانتماء الصادق الى المدرسة الالهية..
                      ذاك المكان الذي كان يتعاهده ميثم ، بجانب جذع الشجرة ، حيث كان يصلي، وينتظر الساعة التي أخبره عنها أمير المؤمنين غدا محجة يومية للزائرين..
                      بعد اربعة عشر قرن من الزمن نعيد قراءة قصة ميثم بلغة اخرى:
                      فقدكَانَ مِيثَمٌ التَّمَّارُ مَوْلَى عَلِيٍّ (ع) عَبْداً لِامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَاشْتَرَاهُ عَلِيٌّ (ع) وَ أَعْتَقَهُ وَ قَالَ لَهُ مَا اسْمُكَ قَالَ سَالِمٌ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) أَخْبَرَنِي أَنَّ اسْمَكَ الَّذِي سَمَّاكَ بِهِ أَبُوكَ فِي الْعَجَمِ مِيثَمٌ، قَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقْتَ هُوَ اسْمِي قَالَ فَارْجِعْ إِلَى اسْمِكَ وَ دَعْ سَالِماً وَ نَحْنُ نُكَنِّيكَ بِهِ فَكَنَّاهُ أَبَا سَالِمٍ.
                      قَالَ وَ قَدْ كَانَ أَطْلَعَهُ عَلِيٌّ (ع) عَلَى عِلْمٍ كَثِيرٍ وَ أَسْرَارٍ خَفِيَّةٍ مِنْ أَسْرَارِ الْوَصِيَّةِ فَكَانَ مِيثَمٌ يُحَدِّثُ بِبَعْضِ ذَلِكَ فَيَشُكُّ فِيهِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَ يَنْسِبُونَ عَلِيّاً (ع) فِي ذَلِكَ إِلَى الْمَخْرَفَةِ وَ الْإِيهَامِ وَ التَّدْلِيسِ حَتَّى قَالَ لَهُ يَوْماً بِمَحْضَرٍ مِنْ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ فِيهِمُ الشَّاكُّ وَ الْمُخْلِصُ
                      يَا مِيثَمُ إِنَّكَ تُؤْخَذُ بَعْدِي وَ تُصَلَّبُ، فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي ابْتَدَرَ مِنْخَرَاكَ وَ فَمُكَ دَماً حَتَّى تُخْضَبَ لِحْيَتُكَ، فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ طُعِنْتَ بِحَرْبَةٍ فَيُقْضَى عَلَيْكَ فَانْتَظِرْ ذَلِكَ وَ الْمَوْضِعَ الَّذِي تُصَلَّبُ فِيهِ عَلَى دَارِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ.
                      إِنَّكَ لَعَاشِرُ عَشَرَةٍ أَنْتَ أَقْصَرُهُمْ خَشَبَةً وَ أَقْرَبُهُمْ مِنَ الْمُطَهِّرَةِ يَعْنِي الْأَرْضَ وَ لَأُرِيَنَّكَ النَّخْلَةَ الَّتِي تُصَلَّبُ عَلَى جِذْعِهَا، ثُمَّ أَرَاهُ إِيَّاهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ، فَكَانَ مِيثَمٌ يَأْتِيهَا فَيُصَلِّي عِنْدَهَا وَ يَقُولُ بُورِكْتِ مِنْ نَخْلَةٍ لَكِ خُلِقْتُ وَ لِي نَبَتِ‏.
                      فَلَمْ يَزَلْ يَتَعَاهَدُهَا بَعْدَ قَتْلِ عَلِيٍّ (ع) حَتَّى قُطِعَتْ فَكَانَ يَرْصُدُ جِذْعَهَا وَ يَتَعَاهَدُهُ وَ يَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ وَ يُبْصِرُهُ وَ كَانَ يَلْقَى عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ فَيَقُولُ لَهُ إِنِّي مُجَاوِرُكَ فَأَحْسِنْ جِوَارِي فَلَا يَعْلَمُ عَمْرٌو مَا يُرِيدُ فَيَقُولُ لَهُ أَ تُرِيدُ أَنْ تَشْتَرِيَ دَارَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَمْ دَارَ ابْنِ حَكِيمٍ؟
                      قَالَ: وَ حَجَّ فِي السَّنَةِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ لَهُ مَنْ أَنْتَ قَالَ عِرَاقِيٌّ فَاسْتَنْسَبَتْهُ فَذَكَرَ لَهَا أَنَّهُ مَوْلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع) فَقَالَتْ أَنْتَ هَيْثَمٌ قَالَ بَلْ أَنَا مِيثَمٌ.
                      فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَ اللَّهِ لَرُبَّمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (ص) يُوصِي بِكَ عَلِيّاً فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَسَأَلَهَا عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) فَقَالَتْ هُوَ فِي حَائِطٍ لَهُ قَالَ أَخْبِرِيهِ أَنِّي أَحْبَبْتُ السَّلَامَ عَلَيْهِ وَ نَحْنُ مُلْتَقُونَ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ لَا أَقْدِرُ الْيَوْمَ عَلَى لِقَائِهِ وَ أُرِيدُ الرُّجُوعَ، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَطَيَّبَتْ لِحْيَتَهُ فَقَالَ لَهَا أَمَا إِنَّهَا سَتُخْضَبُ بِدَمٍ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ أَنْبَأَنِي سَيِّدِي فَبَكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَ قَالَتْ:
                      إِنَّهُ لَيْسَ بِسَيِّدِكَ وَحْدَكَ هُوَ سَيِّدِي وَ سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ.
                      ثُمَّ وَدَّعَتْهُ فَقَدِمَ الْكُوفَةَ فَأُخِذَ وَ أُدْخِلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ وَ قِيلَ لَهُ هَذَا كَانَ مِنْ آثَرِ النَّاسِ عِنْدَ أَبِي تُرَابٍ قَالَ وَيْحَكُمْ هَذَا الْأَعْجَمِيُّ قَالُوا نَعَمْ فَقَالَ لَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ:
                      أَيْنَ رَبُّكَ؟
                      قَالَ بِالْمِرْصَادِ.
                      قَالَ قَدْ بَلَغَنِي اخْتِصَاصُ أَبِي تُرَابٍ لَكَ؟
                      قَالَ قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ فَمَا تُرِيدُ؟
                      قَالَ وَ إِنَّهُ لَيُقَالُ إِنَّهُ قَدْ أَخْبَرَكَ بِمَا سَيَلْقَاكَ؟
                      قَالَ نَعَمْ إِنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّكَ تُصَلِّبُنِي عَاشِرَ عَشَرَةٍ وَ أَنَا أَقْصَرُهُمْ خَشَبَةً وَ أَقْرَبُهُمْ مِنَ الْمُطَهِّرَةِ.
                      قَالَ لَأُخَالِفَنَّهُ.
                      قَالَ وَيْحَكَ كَيْفَ تُخَالِفُهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (ص) وَ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) عَنْ جَبْرَئِيلَ وَ أَخْبَرَ جَبْرَئِيلُ عَنِ اللَّهِ فَكَيْفَ تُخَالِفُ هَؤُلَاءِ أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ الْمَوْضِعَ الَّذِي أُصَلَّبُ فِيهِ أَيْنَ هُوَ مِنَ الْكُوفَةِ وَ إِنِّي لَأَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ أُلْجَمُ فِي الْإِسْلَامِ بِلِجَامٍ كَمَا يُلْجَمُ الْخَيْلُ.
                      فَحَبَسَهُ وَ حَبَسَ مَعَهُ الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ الثَّقَفِيَّ.
                      فَقَالَ مِيثَمٌ لِلْمُخْتَارِ وَ هُمَا فِي حَبْسِ ابْنِ زِيَادٍ إِنَّكَ تُفْلِتُ وَ تَخْرُجُ ثَائِراً بِدَمِ الْحُسَيْنِ (ع) فَتَقْتُلُ هَذَا الْجَبَّارَ الَّذِي نَحْنُ فِي سِجْنِهِ وَ تَطَأُ بِقَدَمِكَ هَذَا عَلَى جَبْهَتِهِ وَ خَدَّيْهِ.
                      فَلَمَّا دَعَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِالْمُخْتَارِ لِيَقْتُلَهُ طَلَعَ الْبَرِيدُ بِكِتَابِ يَزِيدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ يَأْمُرُهُ بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِهِ وَ ذَلِكَ أَنَّ أُخْتَهُ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلَتْ بَعْلَهَا أَنْ يَشْفَعَ فِيهِ إِلَى يَزِيدَ فَشَفِعَ فَأَمْضَى شَفَاعَتَهُ فَكَتَبَ بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِ الْمُخْتَارِ عَلَى الْبَرِيدِ فَوَافَى الْبَرِيدُ وَ قَدْ أُخْرِجَ لِيُضْرَبَ عُنُقُهُ فَأُطْلِقَ.
                      وَ أَمَّا مِيثَمٌ فَأُخْرِجَ بَعْدَهُ لِيُصْلَبَ وَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ لَأَمْضِيَنَّ حُكْمَ أَبِي تُرَابٍ فِيهِ،فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ مَا كَانَ أَغْنَاكَ عَنْ هَذَا يَا مِيثَمُ فَتَبَسَّمَ وَ قَالَ:
                      لَهَا خُلِقْتُ وَ لِي غُذِّيَتْ، فَلَمَّا رُفِعَ عَلَى الْخَشَبَةِ اجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلَهُ عَلَى بَابِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، فَقَالَ عَمْرٌو لَقَدْ كَانَ يَقُولُ إِنِّي مُجَاوِرُكَ وَ كَانَ يَأْمُرُ جَارِيَتَهُ كُلَّ عَشِيَّةٍ أَنْ تَكْنِسَ تَحْتَ خَشَبَتِهِ وَ تَرُشَّهُ وَ تُجَمِّرَ بِمِجْمَرَةٍ تَحْتَهُ.
                      فَجَعَلَ مِيثَمٌ يُحَدِّثُ بِفَضَائِلِ بَنِي هَاشِمٍ وَ مَخَازِي بَنِي أُمَيَّةَ وَ هُوَ مَصْلُوبٌ عَلَى الْخَشَبَةِ.
                      فَقِيلَ لِابْنِ زِيَادٍ قَدْ فَضَحَكُمْ هَذَا الْعَبْدُ.
                      فَقَالَ أَلْجِمُوهُ فَأُلْجِمَ فَكَانَ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ أُلْجِمَ فِي الْإِسْلَامِ.
                      فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَاضَتْ مَنْخِرَاهُ وَ فَمُهُ دَماً فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ طُعِنَ بِحَرْبَةٍ فَمَاتَ.
                      وَ كَانَ قَتْلُ مِيثَمٍ قَبْلَ قُدُومِ الْحُسَيْنِ ع الْعِرَاقَ بِعَشَرَةِ أَيَّامِ..
                      هذه هي سيرة ميثم التمار.. وقد أعزه الله تعالى .. فغدا ذكره واسمه رمزاً للموالين..
                      هذا المكان الذي صلب فيه ميثم، ثم دفن غدا معلما يصله الوافد قبل أن يصل الى مسجد الكوفة.. وغدا ما بينه وبين مسجد الكوفة ساحة وسيعة خضراء يتجول بين ارجاءها القاصدون ولا يفصل بينها وبين المسجد سوى منزل أمير المؤمنين عليه السلام..
                      مقام لميثم، وبيت لامير المؤمنين، ومسجد الكوفة والى جانبه قبة ذهبية فوق قبر مسلم بن عقيل ، تقابله قبة فوق قبر هاني بن عروة.
                      سبحانك يا الهي .. تعز من تشاء.. وتذل من تشاء..
                      وللحديث تتمة

                      تعليق


                      • #26
                        السلام على أمير المؤمنين حقا علي بن ابي طالب
                        السلام على ابي عبد الله الحسين
                        السلام على انصار امير المؤمنين
                        السلام على انصار الحسين
                        السلام على ميثم التمار

                        تعليق


                        • #27
                          بارك الله بك في ميزان حسناتك انشاء الله

                          تعليق


                          • #28
                            اللهم صل على محمد وآل محمد ..يا شيخنا الكريم ، لا حرمنا الله واياكم وجميع شيعة أمير المؤمنين من العودة لزيارة أئمة أهل البيت عليهم افضل التحية والسلام

                            تعليق


                            • #29
                              نحن في شوق للحلقة القادمة شيخنا هلا اكملتم جزاكم الله كل الخير

                              تعليق


                              • #30
                                الحلقة التاسعة : في مسجد الكوفة

                                الحلقة التاسعة: في مسجد الكوفة
                                قف بخشوع.. واخلع نعليك إنك في مكان وطأته أقدام النبيين، والوصيين، إنك في مكان تتعاهده الملائكة في كل حين.
                                في هذه اللحظات تتوقف ساعات الزمن لتنتقل بفكرك الى تلك العوالم..
                                إنك ستدخل الى مسجد آدم.. الى مسجد نوح .. الى مسجد صلى فيه ابراهيم الخليل.. صلى فيه خاتم المرسلين..
                                الى مسجد أمَّ فيه الصلاةَ أميرُ المؤمنين.. وهناك في محرابه .. صرخ قائلا: فزتُ ورب الكعبة..
                                لئن كان الخطاب الموجه الى موسى (ع) بالقول:فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً..
                                فقد كان الخطاب هنا: يَا مُحَمَّدُ هَذَا مَسْجِدُ أَبِيكَ آدَمَ وَ مُصَلَّى الْأَنْبِيَاءِ فَانْزِلْ فَصَلِّ فِيهِ .
                                ينزل نبينا صلى الله عليه وآله وسلم بالبراق ليصلي فيه قبل أن ينطلق في رحلة إسراءه نحو السماء..
                                أية مشاعر تعيشها وأنت على باب مسجد الكوفة؟ أي باب هو هذا؟
                                إنه الباب المسمى باب الثعبان؟ وأسموه باب الفيل..
                                لقد سمي باب الثعبان بعد أن دخل منه ثعبان عظيم وأمير المؤمنين (ع) على المنبر..
                                فقد روى المؤرخون: أَنَّ عَلِيّاً (ع) بَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذْ أَقْبَلَتْ حَيَّةٌ مِنْ‏ بَابِ الْفِيلِ مِثْلُ الْبُخْتِيِّ الْعَظِيمِ (الابل الخراسانية)، فَنَادَاهُمْ عَلِيٌّ: افْرِجُوا لَهَا فَإِنَّ هَذَا رَسُولُ قَوْمٍ مِنَ الْجِنِّ.
                                فَجَاءَتْ حَتَّى وَضَعَتْ فَاهاً عَلَى أُذُنِهِ وَ إِنَّهَا لَتَنِقُّ كَمَا يَنِقُّ الضِّفْدِعُ وَ كَلَّمَهَا بِكَلَامٍ شَبِيهٍ بِنِقِّهَا ثُمَّ وَلَّتِ الْحَيَّةُ فَقَالَ النَّاسُ مَا حَالُهَا؟
                                قَالَ: هُوَ رَسُولُ قَوْمٍ مِنَ الْجِنِّ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ وَقَعَ بَيْنَ بَنِي عَامِرٍ وَ غَيْرِهِمْ شَرٌّ وَ قِتَالٌ فَبَعَثُوهُ لِآتِيَهُمْ فَأُصْلِحَ بَيْنَهُمْ فَوَعَدْتُهُمْ أَنِّي آتِيهِمُ اللَّيْلَةَ ...
                                أما بنو أمية فقد أزعجتهم هذه التسمية التي تخلد معجزة من معجزات أبي تراب، فربطوا عنده فيلا كبيرا ليسمى بعدها بباب الفيل بعد أن سقط الفيل عنده ميتاً.
                                أما أمير المؤمنين (ع) : فقد سماه بالباب الاعظم..
                                أليس هو القائل صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : ادْخُلْ إِلَى الْجَامِعِ مِنَ الْبَابِ الْأَعْظَمِ فَإِنَّهُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ؟
                                خلعنا النعل ودخلنا بخشوع.. ويحار الفكر عندما يتنقل بين الماضي والحاضر..
                                لقد شُيّد هذا المسجد على أرض مربعة الشكل ، بانحراف قليل عن القبلة بمقدار 17 درجة تقريباً ، وقد خُطط ليتسع لأربعين ألف مصلٍ ، وقد مرّ بتطويرات وإصلاحات متعددة حتّى استقر على وضعه القائم وبالشكل الحالي على مساحة كلية تبلغ: 11162م2 فالمنطقة المكشوفة منه تبلغ 5642 م2 والمسقفة تبلغ 5520 م2.
                                وعدد الاعمدة الكلية في المسجد تبلغ 187 عامودا، بينما تبلغ عدد الاقواس فيه 56 قوسا..
                                الماضي البعيد يحملُ كل تلك المعاني التي تجعل القلب والفكر خاشعاً.. والماضي القريبُ يجعلك تصطدم بما تراه من جديد..
                                يشغلك الجديد عن القديم .. وتحتار بينهما..
                                في الماضي القريب بالنسبة لي أي منذ منذ قرابة أربعة عقود ترتسم في مخيلتي تلك الصورة الخاصة لمسجد الكوفة.. مسجدٌ يذكرك بالماضي البعيد.. أرضه رملية.. جدرانه المرتفعة عشرة أمتار تحاكي جدران قصر الامارة.. يتوسطه مكان كان يجذب اليه الكبار والصغار وخاصة من كان في مثل عمري آنذاك ليقف وينظر اليه و هو محاط بسور حديدي يمنع السقوط في ذاك المكان العميق بضعة أمتار..
                                إنه المكان الذي فار منه التنور.. إنه مكان سفينة نوح..
                                كنت شابا في مقتبل العمر أقف وأتأمل ذاك المكان.. من هنا كانت بداية الطوفان حيث نبع الماء من تنور النار.. فعمَّ العقاب المعمورة التي لم ينج من سكانها سوى من ركب السفينة.. وكنت أتساءل بيني وبين نفسي قائلا: كيف يمكن للماء أن يفور من تنور النار؟ وكنت افترض الجواب سريعاً.. كما حصل مع ابراهيم الذي صارت النار عليه بردا وسلاما..
                                مَن فهمَ قصة الطوفان يفهمُ قول رَسُولِ اللَّهِ (ص) أَهْلُ بَيْتِي كَسَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ.
                                كان للتنور رمزيته في مسجد الكوفة.. وكان الزائرُ يتجول في أرجاءه بين تلك الاسطوانات التي تحمل كل واحدة منها رمزية خاصة.
                                ها نحن عند الباب الاعظم نهيئ أنفسنا للدخول فلا بد لنا من ننتقل من حالة الفكر والخيال الى حالة الواقع والعمل، لذا علينا ان نسلم قائلين:
                                السَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَ آلِهِ الطَّاهِرِينَ.
                                السَّلَامُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ وَ عَلَى مَجَالِسِهِ وَ مَشَاهِدِهِ وَ مَقَامِ حِكْمَتِهِ وَ آثَارِ آبَائِهِ آدَمَ وَ نُوحٍ وَ إِبْرَاهِيمَ وَ إِسْمَاعِيلَ وَ بُنْيَانِ بَيِّنَاتِهِ.
                                السَّلَامُ عَلَى الْإِمَامِ الْحَكِيمِ الْعَدْلِ الصِّدِّيقِ الْأَكْبَرِ الْفَارُوقِ بِالْقِسْطِ الَّذِي فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ وَ الْكُفْرِ وَ الْإِيمَانِ وَ الشِّرْكِ وَ التَّوْحِيدِ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ.
                                أَشْهَدُ أَنَّكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ خَاصَّةُ نَفْسِ الْمُنْتَجَبِينَ وَ زَيْنُ الصِّدِّيقِينَ وَ صَابِرُ الْمُمْتَحَنِينَ وَ أَنَّكَ حَكَمُ اللَّهِ‏ فِي أَرْضِهِ وَ قَاضِي أَمْرِهِ وَ بَابُ حِكْمَتِهِ وَ عَاقِدُ عَهْدِهِ وَ النَّاطِقُ بِوَعْدِهِ وَ الْحَبْلُ الْمَوْصُولُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ عِبَادِهِ وَ كَهْفُ النَّجَاةِ وَ مِنْهَاجُ التُّقَى وَ الدَّرَجَةُ الْعُلْيَا وَ مُهَيْمِنُ الْقَاضِي الْأَعْلَى.
                                يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِكَ أَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى أَنْتَ وَلِيِّي وَ سَيِّدِي وَ وَسِيلَتِي فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ.
                                نعم لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) رمزية خاصة في هذا المسجد.
                                لقد أصبحنا مهيئين للدخول فخطونا نحو المسجد ونحن نقول:
                                اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ.
                                هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِاللَّهِ وَ بِمُحَمَّدٍ (ص) وَ بِوَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ الصَّادِقِينَ النَّاطِقِينَ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً، رَضِيتُ بِهِمْ أَئِمَّةً وَ هُدَاةً وَ مَوَالِيَ.
                                سَلَّمْتُ لِأَمْرِ اللَّهِ لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً وَ لَا أَتَّخِذُ مَعَ اللَّهِ وَلِيّاً كَذَبَ الْعَادِلُونَ بِاللَّهِ وَ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً حَسْبِيَ اللَّهُ وَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ.
                                أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ (ص) وَ أَنَّ عَلِيّاً وَ الْأَئِمَّةَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ (ع) أَوْلِيَاؤُهُ وَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ.
                                ها نحن داخل مسجد الكوفة نتجه الى المحطة الاولى، إنها مقام ابراهيم الخليل،
                                ما الذي اشاهده؟ يا الهي!!
                                لقد غابت الارض الرملية التي كانت تغطي أرض المسجد، واستعيض عنها برخام أبيض ناصع البياض لا يتأثر بأشعة الشمس المحرقة خاصة في صيف العراق الحار، بل يشعر الزائر ببرودة يحفظها هذا الرخام..
                                إنه من نفس النوع الذي يغطي أرض بيت الله الحرام في مكة المشرفة...
                                سقفٌ جديد من الجهات الاربع يغطي مساحة معينة بمحاذاة الجدار ليبقى وسط المسجد مكشوفاً.. وأتلفت يمينا وشمالا .. اين هي المقامات التي كانت منتشرة في ارض المسجد والتي كانت تميزها الاسطوانات البارزة؟
                                لقد استعيض عنها بلوحات رخامية ترتفع قليلا عن وجه الارض للدلالة على كل مقام من المقامات.. بعد أن عمَّت الزخرفة ذاك البناء الجديد من جهاته الاربع..
                                لا شك ان هذا البناء يضفي على المسجد مسحة من الحداثة والفن العمراني الذي يقوم به البهرة المختصون في مثل هذه الاعمال وعلى نفقتهم، ولكن هل تبقى تلك الروحية التي كان يشعر بها الزائر عندما كان المسجد لا يزال يحاكي التاريخ القديم؟
                                قد تتعدد الاراء وتختلف، ولكن ما استطيع أن أقوله أن ذاك المكان الذي كان يجسِّد مكان السفينة لم تعد له تلك الرمزية والروحية التي كانت فيما مضى، لقد تحوَّل ذاك المكان الى ما يشبه بركة ماء متساوية مع سطح الارض، تبدوا وكأنها وُضعت في وسط المسجد لكي تضفي مسحة جمالية خاصة، ولكنها خالية من تلك الرمزية التي كانت ترمز اليه في حالتها السابقة..
                                لقد دخلنا المسجد من الجهة الشمالية ووجهنا نحو القبلة.. وقد صار خلفنا الجدار الشمالي الذي يبلغ طوله 110 أمتار.. أما الجدار المقابل لنا حيث مقام أمير المؤمنين عليه السلام فيبلغ طوله 109 أمتار.. والى يسارنا الجدار الشرقي الذي تخرج منه الى مقامي مسلم بن عقيل وهاني بن عروة فيبلغ طوله 116 مترا وكذلك الجدار الغربي الذي كان يؤدي الى منزل أمير المؤمنين عليه السلام والى مقام ميثم التمار.
                                للتنقل بين محطات المسجد ترتيب ذكره علماء السلف.. فاتفقوا على أشياء واختلفوا في ترتيب بعضها، ولكننا في كل الاحوال لن نستطيع الالتزام بهذا الترتيب مراعاة لعدة أمور، بل سنتنقل بينها حسبما تسمح لنا الظروف بذلك.
                                المحطة الاولى: مقام ابراهيم

                                إن المحطة الاولى للداخل الى مسجد الكوفة و التي علينا أن نقصدها هي مقام أبينا ابراهيم عليه السلام، لقد كانت تُعرف بأنها عند الاسطوانة الرابعة، ولكن ما يدل عليها الان هو تلك اللوحة الرخامية الجديدة الى يسارنا.
                                علينا أن نصلي هنا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، رَكْعَتَانِ بِالْحَمْدِ وَ الصَّمَدِ وَ رَكْعَتَانِ بِالْحَمْدِ وَ الْقَدْر.
                                هكذا فعل إمُامنا الصادق عليه السلام فَقَدْ رُوِيَ عَنْه أَنَّهُ جَاءَ فِي أَيَّامِ السِّفَاحِ حَتَّى دَخَلَ مِنْ بَابِ الْفِيلِ فَتَيَاسَرَ قَلِيلًا ثُمَّ دَخَلَ فَصَلَّى عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الرَّابِعَةِ وَ هِيَ بِحِذَاءِ الْخَامِسَةِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ تِلْكَ أُسْطُوَانَةُ إِبْرَاهِيمَ (ع) تُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ.
                                لقد أدينا هذه الصلاة ونحن نستحضر صورة أبينا ابراهيم (ع) وصلاته في هذا المكان ونستذكر كلامه يوم القيامة
                                " اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ شِيعَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع)".

                                لا بد إذن من أن نقدم شهادتنا أمامه فنقرأ ما ورد من المأثور:
                                السَّلَامُ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً وَ جَعَلَهُمْ أَنْبِيَاءَ مُرْسَلِينَ وَ حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ‏ وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. سَلامٌ عَلى‏ نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (سَبْعَ مَرَّاتٍ).
                                نَحْنُ عَلَى وَصِيَّتِكَ يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي أَوْصَيْتَ بِهَا ذُرِّيَّتَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ نَحْنُ مِنْ شِيعَتِكَ وَ شِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ (ص) وَ عَلَيْكَ وَ عَلَى جَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ وَ الْأَنْبِيَاءِ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ نَحْنُ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَ دِينِ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَ الْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ وَ وَلَايَةِ مَوْلَانَا عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ.
                                السَّلَامُ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ رَحْمَتُهُ وَ رِضْوَانُهُ وَ بَرَكَاتُهُ وَ عَلَى وَصِيِّهِ وَ خَلِيفَتِهِ الشَّاهِدِ لِلَّهِ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى خَلْقِهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) الصِّدِّيقِ الْأَكْبَرِ وَ الْفَارُوقِ الْمُبِينِ الَّذِي أَخَذْتَ بَيْعَتَهُ عَلَى الْعَالَمِينَ.
                                رَضِيتَ بِهِمْ أَوْلِيَاءَ وَ مَوَالِيَ وَ حُكَّاماً فِي نَفْسِي وَ وُلْدِي وَ أَهْلِي وَ مَالِي وَ قَسَمِي وَ حِلِّي وَ إِحْرَامِي وَ إِسْلَامِي وَ دِينِي وَ دُنْيَايَ وَ آخِرَتِي وَ مَحْيَايَ وَ مَمَاتِي، أَنْتُمُ الْأَئِمَّةُ فِي الْكِتَابِ وَ فَصْلُ الْمَقَامِ وَ فَصْلُ الْخِطَابِ وَ أَعْيُنُ الْحَيِّ الَّذِي لَا تَنَامُ وَ أَنْتُمْ حُكَمَاءُ اللَّهِ وَ بِكُمْ حَكَمَ اللَّهُ وَ بِكُمْ عُرِفَ حَقُّ اللَّهِ.
                                لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، أَنْتُمْ نُورُ اللَّهِ مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَ مِنْ خَلْفِنَا أَنْتُمْ سُنَّةُ اللَّهِ الَّتِي بِهَا سَبَقَ الْقَضَاءُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا لَكُمْ مُسَلِّمٌ تَسْلِيماً لَا أُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً وَ لَا أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ وَلِيّاً الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانِي بِكُمْ وَ مَا كُنْتُ لِأَهْتَدِيَ لَوْ لَا أَنْ هَدَانِي اللَّهُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا هَدَانَا.
                                لقد كان دعاؤنا هنا شاملا للكثير من المعاني، وها نحن ننتقل الى محطة أخرى.
                                المحطة الثانية: مقام الخضر
                                الى اليسار قليلا من مقام ابراهيم (ع) نصل الى مقام الخضر (ع)، وما أدراك ما الخضر...
                                إنه الخضر..المعروف والمجهول.. والذي سماه الله تعالى( عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْما).
                                إنه صاحب موسى الذي ذهب يبحث عنه حتى التقاه في مجمع البحرين .. وتبعه ليتعلم مما علمه الله رشدا.. وحصل بينهما ما حكاه الله قرآنا..
                                إنه الذي رافق الاسكندر وشرب من ماء الحياة.. إنه أحد الاربعة الاحياءِ حياةً تزيد عن المعدل الطبيعي لبني البشر.. يونس وعيسى في السماء، والخضر والمهدي في الارض.
                                إنه الذي توسلت به ام جعفر منذ سنوات مع توسلها بالامام المهدي ، وحصل معها ما حصل.. مما كتبت عنه حينها في موضوع خاص:
                                شفاء امرأة من مرض خطير ...هل يظهر المهدي المنتظر ليشفي مريضا؟
                                هذا مقام الخضر الذي روى الامام الجواد (ع) احدى حكاياته فقال:
                                أَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) وَ مَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع) وَ هُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِ سَلْمَانَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَجَلَسَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَ اللِّبَاسِ فَسَلَّمَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ فَجَلَسَ ثُمَّ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ إِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهِنَّ عَلِمْتُ أَنَّ الْقَوْمَ رَكِبُوا مِنْ أَمْرِكَ مَا قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَ أَنْ لَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ فِي دُنْيَاهُمْ وَ آخِرَتِهِمْ وَ إِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى عَلِمْتُ أَنَّكَ وَ هُمْ شَرَعٌ سَوَاءٌ.
                                فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ قَالَ:
                                أَخْبِرْنِي عَنِ الرَّجُلِ إِذَا نَامَ أَيْنَ تَذْهَبُ رُوحُهُ؟
                                وَ عَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يَذْكُرُ وَ يَنْسَى؟
                                وَ عَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يُشْبِهُ وَلَدُهُ الْأَعْمَامَ وَ الْأَخْوَالَ؟
                                فَالْتَفَتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) إِلَى الْحَسَنِ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَجِبْهُ، قَالَ فَأَجَابَهُ الْحَسَنُ (ع) فَقَالَ الرَّجُلُ:
                                أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا.
                                وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِذَلِكَ.
                                وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ وَ أَشَارَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا.
                                وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّهُ وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ وَ أَشَارَ إِلَى الْحَسَنِ (ع).
                                وَ أَشْهَدُ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وَصِيُّ أَخِيهِ وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ بَعْدَهُ.
                                وَ أَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الْحُسَيْنِ بَعْدَهُ.
                                وَ أَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ.
                                وَ أَشْهَدُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ.
                                وَ أَشْهَدُ عَلَى مُوسَى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ.
                                وَ أَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ.
                                وَ أَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى.
                                وَ أَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ.
                                وَ أَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ.
                                وَ أَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ الْحَسَنِ لَا يُكَنَّى وَ لَا يُسَمَّى حَتَّى يَظْهَرَ أَمْرُهُ فَيَمْلَأَهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً.
                                وَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ ثُمَّ قَامَ فَمَضَى.
                                فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ اتْبَعْهُ فَانْظُرْ أَيْنَ يَقْصِدُ فَخَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع) فَقَالَ مَا كَانَ إِلَّا أَنْ وَضَعَ رِجْلَهُ خَارِجاً مِنَ الْمَسْجِدِ فَمَا دَرَيْتُ أَيْنَ أَخَذَ مِنْ أَرْضِ اللَّهِ فَرَجَعْتُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فَأَعْلَمْتُهُ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَ تَعْرِفُهُ قُلْتُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ قَالَ هُوَ الْخَضِرُ (ع).
                                ها نحن إذن في المكان الذي كان يصلي فيه الخضر(ع) في مسجد الكوفة سنصلي هنا ركعتين، ونقرأ بعض الادعية المأثورة عند كل مقام، قبل ان ننتقل منه الى بقية المحطات.
                                وللحلقة تتمة

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                يعمل...
                                X